الثلاثاء، 6 يونيو 2017

خطاب بوش أمام الكنيست عن أرض الميعاد.



بدأت المرحلة الأولي من الحروب الصليبية بخطبة البابا " أوربان الثاني " عام 1095م التي دعا فيها شعوب وملوك وأساقفة أوربا لاحتلال القدس لحساب المسيحيين والمقدسات المسيحية والاستيلاء علي ثروات بلاد الشام والعالم الإسلامي كله ، وبدأت الحملات الصليبية علي ضوء هذه الخطبة ، وتم احتلال القدس عام 1099م ، وكان لمصر الدور الأكبر في إفشال المرحلة الأولي من الحروب الصليبية ، حين قام القائد العظيم "صلاح الدين الأيوبي" باستردادها في معركة " حطين " ، وبعد أن استردها الصليبيون ب "معاهدة فريدريك" من السلطان "الكامل الأيوبي" الذي قبل التنازل عن القدس حتي لا ينازعوه في عرش مصر ، استردها السلطان "الصالح الأيوبي" سلطان مصر مرة أخري ، وبعد أن وقعت القدس في يد التتار " المغول" استردتها منهم مصر أيضا بقيادة "سيف الدين قطز" و " الظاهر بيبرس " في معركة " عين جالوت " التاريخية ، ثم واصل القائد "الظاهر بيبرس" معاركه البطولية في استرداد باقي الممالك والإمارات التي أنشأها الصليبيون مثل أنطاكية والرها وغيرهما ، وهكذا كانت مصر هي صمام الأمان للعالم الإسلامي كله ، حيث تمكنت من طرد الصليبيين واحتفظت بالقدس وباقي أرض الإسلام طوال الألف عام الماضية .

وأزعم أن المرحلة الثانية من الحروب الصليبية بدأت عندما أصدر الصحفي اليهودي المجري المقيم بالنمسا " تيودور هرتزل " كتابه " الدولة اليهودية "  الذي دعا فيه إلي إنشاء وطن قومي لليهود عام 1895م ، تلك الدعوة التي أعقبها عقد المؤتمر الأول للصهيونية العالمية عام 1897م ، حيث وجد هذا الطلب تأييدا واسعا من المسيحيين رغم الخلافات التي بينهم وبين اليهود ، وكان أكثر المسيحيين دعما هم الشعب البريطاني والشعب الأمريكي وحكومتيهما ، فقد رأينا كيف أعطت بريطاني وعد " بلفور " لليهود بإنشاء وطني قومي لهم علي أرض فلسطين ، وكيف قاموا بتسليم فلسطين لهم ، ورأينا كيف اعترفت أمريكا بعد احدي عشرة دقيقة فقط بدولة إسرائيل بعد إعلان قيامها عام 1948م .

ولاشك أن - تغيير خريطة الطريق التي وضعها البابا "أوربان الثاني" بحيث يصبح الهدف من احتلال القدس هو إنشاء وطن قومي لليهود بدلا من احتلالها لحساب المسيحيين ومقدساتهم – يحتاج إلي تفسير ، وباختصار يرجع السبب في هذا التعديل إلي أن الأغلبية الدينية في بريطانيا وأمريكا من طائفة البروتستانت ، وهي الطائفة التي ظهرت في القرن السادس عشر الميلادي علي يد رجل الدين وأستاذ اللاهوت " مارتن لوثر " الذي هاجم ممارسات الكنيسة الكاثوليكية وعقائدها الفاسدة مثل " صكوك الغفران " واستيلاء الكنيسة علي الأراضي وتدخلها في شئون الحكم ومحاربتها للعلم والعلماء والفكر والثقافة علي وجه العموم ، وقد حدثت صراعات وسقطت أعداد كبيرة من الضحايا نتيجة انتشار أفكار مارتن لوثر ، ونشأ عن هذا الصراع ظهور المذهب البروتستانتي والذي يؤمن أتباعه بما يسمي بعقيدة الحكم الألفي للمسيح عليه السلام في آخر الزمان .

فالبروتستانت يؤمنون بعودة اليهود إلي فلسطين في نهاية الزمان وإعادة بناء هيكل سليمان علي حطام المسجد الأقصى ، ويؤمنون بأن إسرائيل سوف تتعرض للعدوان من الشعوب المحيطة بها في حرب نهاية الزمان التي يطلقون عليها " هرمجدون " ، ويؤمنون بأن المسيح عليه السلام سوف ينزل آخر الزمان لإنقاذ بني إسرائيل وتحقيق النصر لهم علي هذه الشعوب ، ثم يحكم المسيح عليه السلام العالم كله ألف عام حكما فعليا زمنيا يسود فيه الاستقرار والخير والرفاهية ، وعلي ضوء عقيدة الحكم الألفي للمسيح سالفة الذكر أيد ودعم المسيحيون البروتستانت تأسيس دولة إسرائيل والدفاع عنها والحفاظ عليها ، وجدير بالذكر أن كافة رؤساء أمريكا منذ أن اتحدت ولاياتها من الطائفة البروتستانتية عدا الرئيس " جون كينيدي " والذي كان كاثوليكيا ، وقتل قبل أن يستكمل مدة رئاسته .

والحقيقة أن الحكومات الأمريكية لم تدعم إسرائيل إلا لتحقيق مآرب أخري هي استمرار هيمنتها علي منطقة الشرق الأوسط بثرواتها وخيراتها ، أما الإدعاء بأنهم يدعمون إسرائيل حتي يهيئوا الزمان والمكان لنزول المسيح عليه السلام فليس إلا غطاء ديني لتبرير حروبهم وجرائمهم في حق الشعوب الإسلامية جميعها .

لقد ترجمت لكم خطاب الرئيس الأمريكي السابق " جورج بوش " أمام الكنيست الإسرائيلي والمنشور في فيديو علي موقع " يوتيوب " ، ومنشور كتابة علي موقع " البيت الأبيض بتاريخ 15/5/2008م " تحت عنوان " President Bush Addresses Members of the Knesset ، ذلك الخطاب الذي يكشف فيه " بوش " عن خطة مستقبلية ستينية يتم تنفيذها خلال الستين عام القادمة لإعادة رسم وتشكيل منطقة الشرق الأوسط علي نحو يحق الأمن والسلام الدائم لإسرائيل ويجعلها سيدة المنطقة لتنحني لها كافة الرؤوس المسلمة حكاما وشعوبا .

خطاب الرئيس الأمريكي بوش سوف يفسر لك أخي القارئ كثيرا من الأحداث التي تدور رحاها في كل مكان علي أرض الإسلام ، سوف يفسر لك لماذا الحروب الدائرة الآن في سوريا والعراق وليبيا ، سوف تفسر لك لماذا وقع الانقلاب في مصر ، ولماذا أوشك أن يقع انقلاب في تركيا ، ولماذا تقوم الأنظمة المستبدة بمقاطعة قطر وتعادي تركيا من قبل .

قال الرئيس " بوش " في خطابه أمام الكنيست الإسرائيلي :
  
الرئيس بيريز ، السيد رئيس الوزراء ، سيدتي الرئيسة ، شكرا جزيلا لاستضافتكم هذه الجلسة الاستثنائية ، الرئيس بينيش ، السيد نتنياهو زعيم المعارضة ، الوزراء وأعضاء الكنيست ، الضيوف الموقرين : شالوم ، لورا وأنا نرتعش من السعادة لعودتنا لإسرائيل ، لقد تأثرنا بعمق باحتفالات اليومين الماضيين ، وبعد ظهر هذا اليوم ، يشرفني أن أقف أمام إحدى التجمعات الديمقراطية الكبرى في العالم ، وأن أتقدم برغبات الشعب الأمريكي بهذه الكلمات : يوم "هاياتسموت ساماتش" - Yom Ha'atzmaut Sameach – ( وهو يوم إعلان استقلال إسرائيل عام 1948م ).

إنها ميزة نادرة للرئيس الأمريكي أن يتحدث مع الكنيست ، فقد أخبرني رئيس الوزراء أنه من النادر للغاية أن يتحدث شخص في قاعة الكنيست منفردا في وقت واحد  ، إن أسفي الوحيد هو أن أحد أكبر قادة إسرائيل ليس هنا لمشاركتنا هذه اللحظة ، إنه محارب كل العصور ، إنه رجل السلام ، إنه الصديق ، صلوات الشعب الأمريكي مع أرييل شارون .

نجتمع اليوم لنحتفل بمناسبة شديدة الأهمية ، إنها إعلان "ديفيد بن جوريون" - من تل أبيب - استقلال إسرائيل قبل ستين عاما مستندا إلى الحق الطبيعي للشعب اليهودي في تحديد مصيره ، وما تبع ذلك كان أكثر من إنشاء بلد جديد ، لقد كان هذا إنجازا للوعد القديم الذي أُعطي لإبراهيم وموسى وداود - وطن للشعب المختار " أرض إسرائيل ".

وبعد احدي عشر دقيقة من إعلان استقلال إسرائيل وبأوامر من الرئيس هاري ترومان ، كانت الولايات المتحدة الأمريكية فخورة بأن تكون أول دولة تعترف باستقلال إسرائيل ، وفي هذا العيد السنوي  تفخر أمريكا بأنها أقرب حليف لإسرائيل وأفضل صديق لها في العالم .

إن التحالف بين حكومتينا غير قابل للكسر ، لأن مصدر صداقتنا أعمق من أي معاهدة ، فهي ترتكز على الروح المشتركة لشعبينا ، وروابط الكتاب ، وروابط الروح ، عندما نزل "وليام برادفورد" من سفينة المهاجرين من انجلترا إلي أمريكا عام 1620م قال كلمات أرميا : " تعالوا دعونا نعلن من صهيون كلمة الله " ، إن مؤسسي بلدي شاهدوا أرضا جديدة وُعدوا بها ، فأطلقوا علي مدنهم الجديدة أسماء مثل بيت لحم وكنعان الجديدة ، وفي الوقت المحدد ، أصبح السواد الأعظم من الأمريكيين دعاة متعاطفين مع إنشاء دولة يهودية.

قرون من المعاناة والتضحية مرت قبل أن يتم الوفاء بالحلم ، لقد عانى الشعب اليهودي من عذاب المذابح ومأساة الحرب الكبرى ورعب المحرقة ، وهو ما دعا " إيلي ويزل" إلي أن يطلق عليها "مملكة الليل".

الرجال المجردون من الإنسانية أخذوا الأرواح ، وفككوا الأُسر ، لكنهم لم يستطيعوا أن يتخلصوا من روح الشعب اليهودي ، ولم يستطيعوا كسر وعد الله ، عندما وصلت أخبار تحرر إسرائيل أخيرا ، فإن "جولدا مائير " المرأة التي لا تعرف الخوف نهضت في "ويسكونسن" ، واستجمعت شجاعتها ، بعد أن ذرفت بعض الدموع ، وقالت : " لمدة ألفي سنة انتظرنا خلاصنا ، وها هو خلاصنا قد تحقق ، وإنه لأمر عظيم ورائع لا يمكن أن تعبر عنه الكلمات البشرية ".

لقد خففت فرحة الاستقلال من ويلات المعركة التي استمرت لمدة ستة عقود ، فعلى الرغم من العنف ، وفي تحد للتهديدات ، قامت إسرائيل ببناء ديمقراطية مزدهرة في قلب الأرض المقدسة ، و رحبت بالمهاجرين من زوايا الأرض الأربعة ، لقد قمتم بتأسيس مجتمع حر حديث قائم على حب الحرية ، وشغوف بالعدالة ، واحترام كرامة الإنسان ، لقد عملتم بلا كلل من أجل السلام ، وقاتلتم ببراعة من أجل الحرية.

إن إعجاب بلدي بإسرائيل لا ينتهي هناك ، عندما ينظر الأمريكيون إلى إسرائيل ، نرى روح رائدة حققت معجزة زراعية ، وتقود الآن ثورة تكنولوجيا فائقة ، و نرى الجامعات المصنفة عالميا ، ونري دولة رائدة عالميا في مجال الأعمال التجارية والابتكار والفنون ، ونرى ثروة أكثر قيمة من النفط أو الذهب ، إنها موهبة وتصميم شعب حر يرفض السماح لأي عقبة أن تقف في طريق مصيره .

لقد كنت محظوظا لرؤية شخصية إسرائيل عن قرب ، لقد لمست الجدار الغربي ، رأيت الشمس تنعكس في بحر الجليل ، لقد صليت في "ياد فاشيم" ( النصب التذكاري الرسمي لضحايا المحرقة النازية ) ، وفي وقت سابق اليوم ، قمت بزيارة "ماسادا" - نصب ملهم للشجاعة والتضحية - ( حطام قصر بناه هيرودس العظيم في القرن الأول للميلاد علي الشاطئ الجنوبي الغربي للبحر الميت ) ، وفي هذا الموقع التاريخي يُقسم الجنود الإسرائيليون اليمين الدستورية : " ماسادا لن تسقط مرة أخرى " ، مواطنو إسرائيل : " ماسادا لن تسقط مرة أخرى ، وأمريكا ستكون في الجانب الخاص بك ".

وهذه الذكرى السنوية هي فرصة للتأمل في الماضي ، كما أنها فرصة للنظر إلى المستقبل ونحن نمضي قدما ، تحالفنا سوف يسير وفق مبادئ واضحة وقناعات مشتركة متجذرة في الصفاء الأخلاقي تأخذ في الاعتبار استطلاعات الرأي الشعبي المتغيرة للنخب الدولية .

ونحن نعتقد في القيمة منقطعة النظير لكل رجل وامرأة وطفل ، لذلك نحن نصر على أن شعب إسرائيل له الحق في الحياة الطبيعية الكريمة الآمنة تماما مثل مواطني كل دولة أخرى .

ونعتقد أن الديمقراطية هي السبيل الوحيد لضمان حقوق الإنسان ، لذلك نعتبر أن من دواعي العار أن تمرر الأمم المتحدة بصورة روتينية المزيد من قرارات حقوق الإنسان ضد الديمقراطية الحرة " إسرائيل " في الشرق الأوسط أكثر من أي دولة أخرى في العالم .

ونعتقد أن الحرية الدينية شيء أساسي لأي مجتمع متحضر ، لذلك نحن ندين معاداة السامية بكافة أشكالها - سواء من قبل هؤلاء الذين يتساءلون بشكل واضح ​​عن حق إسرائيل في الوجود ، أو من قبل أولئك الذين يعذرونهم بهدوء.

ونعتقد أن الشعوب الحرة ينبغي أن تسعي وتضحي من أجل السلام ، لذلك فنحن نُشيد بالخيارات الشجاعة التي اتخذها قادة إسرائيل ، ونعتقد أيضا أن للدول الحق في الدفاع عن نفسها ، وأنه لا ينبغي أن تُجبر أي دولة على التفاوض مع القتلة الذين يتعهدون  بتدميرها .

ونعتقد أن استهداف الأرواح البريئة لتحقيق أهداف سياسية هو خطأ دائما وفي كل مكان ، لذلك نقف معاً ضد الإرهاب والتطرف ، ولن نتخلي عن حذرنا أو نفقد عزمنا .

إن مكافحة الإرهاب والتطرف هو التحدي الواضح والمحدد في عصرنا ، إنه أكبر من مجرد صدام مسلح ، إنه صراع بين الرؤى ، صراع أيديولوجي عظيم ، فعلي أحد الجانبين يقف هؤلاء الذين يدافعون عن مُثل كالعدالة والكرامة معتمدين علي قوة المنطق والحق ، وعلي الجانب الآخر يقف أولئك الذين يتبنون رؤية ضيقة تسعي للسيطرة من خلال ارتكاب القتل ، والتحريض على الخوف ، ونشر الأكاذيب .

هذا الكفاح تم شنه بتكنولوجيا القرن الحادي والعشرين ، ولكن هو في جوهره   قديم ، إنه الصراع بين الخير والشر . ويدعي القتلة عباءة الإسلام ، لكنهم ليسوا رجالا متدينين ، إذ لا يمكن لأي شخص يصلي لإله إبراهيم أن يطوق طفل برئ بسترة انتحارية ، أو يفجر ضيوف أبرياء في الليلة الأولي من عيد الفصح ، أو يطير الطائرات في مباني حكومية مليئة بالعمال الآمنين الذين لا يتوقعون الخطر ، إن الرجال الذين يقومون بهذه الأعمال الوحشية لا يحققون هدفا أعلى من رغبتهم في السلطة ، إنهم لا يقبلون أي إله غير أنفسهم ، وهم يحتفظون بكراهية خاصة لأشد المدافعين عن الحرية ومن بينهم الأمريكيون والإسرائيليون ، وهذا هو السبب في أن الميثاق المؤسس لحماس يدعو إلى القضاء على إسرائيل ، وهو أيضا السبب في أن أتباع حزب الله يهتفون " الموت لإسرائيل - الموت لأمريكا " ، والسبب في أن أسامة بن لادن يُعلم أتباعه أن " قتل اليهود والأمريكيين هو من أكبر الواجبات "، وهو السبب في أن رئيس إيران يحلم بعودة الشرق الأوسط للعصور الوسطى ويدعو إلي محو إسرائيل من الخريطة .

بعض الناس الأخيار الكرماء لا يستطيعون سبر أغوار الظلام في هؤلاء الرجال ويحاولون شرح كلماتهم ، إنه أمر طبيعي لكنه في نفس الوقت خطأ قاتل ، ونحن  وبوصفنا شهودا على الشر في الماضي ، نتحمل مسؤولية جسيمة عن أخذ هذه الكلمات بجدية ، وقد رأى اليهود والأمريكيون عواقب تجاهل كلمات القادة الذين تبنوا أيديولوجية الكراهية ، وهذا خطأ يجب ألا يكرره العالم في القرن الحادي والعشرين .

يبدو أن البعض يعتقد أننا يمكن أن نتفاوض مع الإرهابيين والمتطرفين ، معتقدين أن بعض الحجج البارعة يمكن أن تقنعهم بأنهم خاطئون طوال الوقت ، لقد سمعنا هذا الوهم الأحمق من قبل عندما عبرت الدبابات النازية إلى بولندا عام 1939 ، ساعتها قال عضو مجلس شيوخ أمريكي : " يا رب ، لو كنت قد تحدثت فقط مع هتلر ، لأمكننا تجنب كل هذا " ، إن علينا التزاما أن نصف هذا الاعتقاد بوصفه الصحيح ، إنه الراحة الوهمية التي يتم الوصول إليها بترضية النفس والتي أثبت التاريخ عدم الثقة فيها مرارا وتكرارا .

بعض الناس يقولون إذا قطعت الولايات المتحدة علاقاتها مع إسرائيل ، فإن كل مشاكل الشرق الأوسط سوف تُحل ، هذه حجة واهية يستخدمها أعداء السلام للدعاية وأمريكا ترفضها تماما .

قد يزيد عدد سكان إسرائيل عن سبعة ملايين نسمة بقليل ، ولكن عندما تواجهون الإرهاب والشر فأنتم ثلاثمائة وسبعة ملايين رجل من أولي القوة ، لأن الولايات المتحدة الأمريكية تقف معكم .

تقف أميركا معكم بتدمير الشبكات الإرهابية وحرمان المتطرفين من المأوي ، تقف أميركا معكم بمعارضة صارمة لطموحات إيران في امتلاك الأسلحة النووية ، إن السماح لرعاة الإرهاب في العالم بحيازة الأسلحة الفتاكة خيانة لا تغتفر للأجيال المقبلة ، ومن أجل السلام يجب ألا يسمح العالم لإيران بامتلاك السلاح النووي .

وفي نهاية المطاف ، لكي ننتصر في هذا الكفاح  يجب أن نقدم بديلا عن أيديولوجية المتطرفين من خلال توسيع رؤيتنا للعدالة والتسامح والحرية والأمل ، هذه القيم تمثل حقا بديهيا لجميع الناس من جميع الأديان وفي جميع أنحاء العالم لأنها هدية من الله سبحانه وتعالى ، وتأمين هذه الحقوق هو أيضا أضمن طريقة لتأمين السلام .

فالقادة المسئولون أمام شعبهم لن يسعوا إلى مواجهات لا نهاية لها وإراقة دماء ، والشباب الذين لديهم مكان في مجتمعهم وصوت في مستقبلهم أقل عرضة للبحث عن معنى في التطرف ، فالمجتمعات التي يستطيع المواطنون فيها التعبير عما يجول بضمائرهم ويستطيعون عبادة إلههم لن يُصدروا العنف للعالم ، بل سيكونون شركاء في سلام .

إنه مبدأ أساسي : " الحرية تُثمر السلام " ، وهو الدرس العظيم الذي تعلمناه في القرن العشرين ، ويجب أن نطبقه في القرن الحادي والعشرين ،  ولا يوجد مكان في العالم يحتاج إلي تطبيق هذا المبدأ بشكل عاجل مثل الشرق الأوسط ، علينا أن نقف مع الإصلاحيين الذين يعملون على كسر الأنماط القديمة للاستبداد واليأس ، يجب أن نعطي صوتا لملايين من الناس العاديين الذين يحلمون بحياة أفضل في مجتمع حر . وعلينا أن نواجه مذهب النسبية الأخلاقية الذي يرى أن جميع أشكال الحكومات مقبولة على قدم المساواة ، وبهذه الطريقة أرسل كل المجتمعات إلي الرق ، وقبل كل ذلك يجب أن نكون على ثقة بقيمنا وأنفسنا وأن نسعي بثقة لتوسيع فضاء الحرية باعتبارها الطريق المؤدي إلي المستقبل الآمن .

هذا المستقبل سوف يكون رحيلا دراماتيكيا للشرق الأوسط الذي نعرفه اليوم ، ولأننا نحتفل بمرور ستين عاما علي تأسيس إسرائيل ، فلنحاول أن نضع تصورا للمنطقة بعد 60 عاما من الآن ، هذا التصور لن نصل له بسهولة أو بين عشية وضحاها ، وسوف يُواجه بمقاومة عنيفة ، ولكن إذا حافظنا نحن ورؤساء  المستقبل وأعضاء الكنيست القادمين على عزمنا وإيماننا بمثلنا ، فهذا هو الشرق الأوسط الذي سوف  نراه :

- إسرائيل سوف تحتفل بالذكرى المائة والعشرين باعتبارها واحدة من أعظم الديمقراطيات في العالم ، وهي وطن آمن ومزدهر للشعب اليهودي ، والشعب الفلسطيني سوف يحظى بالوطن الذي يحلم به ويستحقه منذ فترة طويلة - دولة ديمقراطية يحكمها القانون وتحترم حقوق الإنسان وترفض الإرهاب .

- ومن القاهرة إلى الرياض إلى بغداد إلي بيروت ، سيعيش الناس في مجتمعات حرة ومستقلة ، حيث تعزز الرغبة في السلام  بعلاقات الدبلوماسية والسياحة والتجارة .

- إيران وسوريا ستكونان دولتين سلميتين ، حيث الناس أحرار في التعبير عن أفكارهم وتطوير مواهبهم التي منحها الله لهم وساعتها سيكون اضطهاد اليوم ذكري من ذكريات الماضي البعيد ، وستُهزم القاعدة وحزب الله وحماس ، حيث سيعترف المسلمون في جميع أنحاء المنطقة بحماقة رؤية الإرهابيين وعدم عدالة قضيتهم .

- وبوجه عام ستتميز منطقة الشرق الأوسط بفترة جديدة من التسامح والتكامل ، وهذا لا يعني أن إسرائيل وجيرانها سيكونون أفضل أصدقاء ، وإنما يعني أن قادة المنطقة عندما يتحدثون إلى شعوبهم ، سيركزون طاقاتهم على المدارس والوظائف وليس على الهجمات الصاروخية والتفجيرات الانتحارية ، وبهذا التغيير سينفتح لإسرائيل فصل جديد من الأمل يمكن فيه لشعب إسرائيل أن يعيش فيه حياة طبيعية ، وبذلك يتحقق حلم "هرتزل" ومؤسسي عام 1948 بشكل كامل ونهائي .

هذه رؤية جريئة وسوف يقول البعض أنه لا يمكن تحقيقها أبدا ، ولكن إذا تأملنا ما شاهدناه وشهدنا به عندما كانت أوروبا تدمر نفسها من خلال حرب شاملة وإبادة جماعية ، كان من الصعب أن نتصور تحولها بعد ستة عقود فقط إلي قارة حرة تعيش في سلام ، وعندما كان الطيارون اليابانيون يقومون بعمليات انتحارية ضد سفن حربية أمريكية ، بدا من المستحيل أن تكون اليابان بعد ستة عقود ديمقراطية ، ومفتاحا للأمن في آسيا ، وأحد أصدقاء أمريكا المقربين ، وعندما وصلت موجات من اللاجئين اليهود إلى هنا في الصحراء ليس معهم شيء ومحاطون بجيوش معادية ، كان من غير الممكن تصور أن تنمو إسرائيل لتصبح واحدة من أكثر الدول أمنا وأكثرها نجاحا على وجه الأرض ، كل هذه التحولات حدثت ، ومستقبل التحول في الشرق الأوسط ممكن طالما أن جيلا جديدا من القادة لديه الشجاعة لهزيمة أعداء الحرية واتخاذ الخيارات الصعبة اللازمة للسلام ، والوقوف بثبات على صخرة القيم العالمية الثابتة .

قبل ستين عاما ، عشية استقلال إسرائيل ، توقف آخر الجنود البريطانيين الذين يغادرون القدس في مبنى في الحي اليهودي في البلدة القديمة ، وشاهد أحد الضباط وهو يطرق الباب ليلتقي بأحد كبار الحاخامات ، قدم الضابط للحاخام قضيب حديدي قصير - مفتاح بوابة صهيون - وقال إنها المرة الأولى منذ ثمانية عشر قرنا التي يوكل فيها أحد بوابات القدس لواحد من اليهود - ويديه يرتجف ، قدم الحاخام صلاة الشكر لله الذي منحنا الحياة وسمح لنا بالوصول إلى هذا اليوم ، ثم انتقل إلى الضابط ، وكتب الكلمات التي ينتظرها اليهود منذ فترة طويلة :
" أقبل هذا المفتاح باسم شعبي ".
President Bush Addresses Members of the Knesset
The Knesset
Jerusalem
  Video
  Presidential Remarks
  Audio
  Photos
  En Español
      In Focus: Middle East Trip
2:55 P.M. (Local) THE PRESIDENT: President Peres and Mr. Prime Minister, Madam Speaker, thank very much for hosting this special session. President Beinish, Leader of the Opposition Netanyahu, Ministers, members of the Knesset, distinguished guests: Shalom. Laura and I are thrilled to be back in Israel. We have been deeply moved by the celebrations of the past two days. And this afternoon, I am honored to stand before one of the world's great democratic assemblies and convey the wishes of the American people with these words: Yom Ha'atzmaut Sameach. (Applause.)

It is a rare privilege for the American President to speak to the Knesset. (Laughter.) Although the Prime Minister told me there is something even rarer -- to have just one person in this chamber speaking at a time. (Laughter.) My only regret is that one of Israel's greatest leaders is not here to share this moment. He is a warrior for the ages, a man of peace, a friend. The prayers of the American people are with Ariel Sharon. (Applause.)

We gather to mark a momentous occasion. Sixty years ago in Tel Aviv, David Ben-Gurion proclaimed Israel's independence, founded on the "natural right of the Jewish people to be masters of their own fate." What followed was more than the establishment of a new country. It was the redemption of an ancient promise given to Abraham and Moses and David -- a homeland for the chosen people Eretz Yisrael.

Eleven minutes later, on the orders of President Harry Truman, the United States was proud to be the first nation to recognize Israel's independence. And on this landmark anniversary, America is proud to be Israel's closest ally and best friend in the world.

The alliance between our governments is unbreakable, yet the source of our friendship runs deeper than any treaty. It is grounded in the shared spirit of our people, the bonds of the Book, the ties of the soul. When William Bradford stepped off the Mayflower in 1620, he quoted the words of Jeremiah: "Come let us declare in Zion the word of God." The founders of my country saw a new promised land and bestowed upon their towns names like Bethlehem and New Canaan. And in time, many Americans became passionate advocates for a Jewish state.

Centuries of suffering and sacrifice would pass before the dream was fulfilled. The Jewish people endured the agony of the pogroms, the tragedy of the Great War, and the horror of the Holocaust -- what Elie Wiesel called "the kingdom of the night." Soulless men took away lives and broke apart families. Yet they could not take away the spirit of the Jewish people, and they could not break the promise of God. (Applause.) When news of Israel's freedom finally arrived, Golda Meir, a fearless woman raised in Wisconsin, could summon only tears. She later said: "For two thousand years we have waited for our deliverance. Now that it is here it is so great and wonderful that it surpasses human words."

The joy of independence was tempered by the outbreak of battle, a struggle that has continued for six decades. Yet in spite of the violence, in defiance of the threats, Israel has built a thriving democracy in the heart of the Holy Land. You have welcomed immigrants from the four corners of the Earth. You have forged a free and modern society based on the love of liberty, a passion for justice, and a respect for human dignity. You have worked tirelessly for peace. You have fought valiantly for freedom.

My country's admiration for Israel does not end there. When Americans look at Israel, we see a pioneer spirit that worked an agricultural miracle and now leads a high-tech revolution. We see world-class universities and a global leader in business and innovation and the arts. We see a resource more valuable than oil or gold: the talent and determination of a free people who refuse to let any obstacle stand in the way of their destiny.

I have been fortunate to see the character of Israel up close. I have touched the Western Wall, seen the sun reflected in the Sea of Galilee, I have prayed at Yad Vashem. And earlier today, I visited Masada, an inspiring monument to courage and sacrifice. At this historic site, Israeli soldiers swear an oath: "Masada shall never fall again." Citizens of Israel: Masada shall never fall again, and America will be at your side.

This anniversary is a time to reflect on the past. It's also an opportunity to look to the future. As we go forward, our alliance will be guided by clear principles -- shared convictions rooted in moral clarity and unswayed by popularity polls or the shifting opinions of international elites.

We believe in the matchless value of every man, woman, and child. So we insist that the people of Israel have the right to a decent, normal, and peaceful life, just like the citizens of every other nation. (Applause.)

We believe that democracy is the only way to ensure human rights. So we consider it a source of shame that the United Nations routinely passes more human rights resolutions against the freest democracy in the Middle East than any other nation in the world. (Applause.)

We believe that religious liberty is fundamental to a civilized society. So we condemn anti-Semitism in all forms -- whether by those who openly question Israel's right to exist, or by others who quietly excuse them.

We believe that free people should strive and sacrifice for peace. So we applaud the courageous choices Israeli's leaders have made. We also believe that nations have a right to defend themselves and that no nation should ever be forced to negotiate with killers pledged to its destruction. (Applause.)

We believe that targeting innocent lives to achieve political objectives is always and everywhere wrong. So we stand together against terror and extremism, and we will never let down our guard or lose our resolve. (Applause.)

The fight against terror and extremism is the defining challenge of our time. It is more than a clash of arms. It is a clash of visions, a great ideological struggle. On the one side are those who defend the ideals of justice and dignity with the power of reason and truth. On the other side are those who pursue a narrow vision of cruelty and control by committing murder, inciting fear, and spreading lies.

This struggle is waged with the technology of the 21st century, but at its core it is an ancient battle between good and evil. The killers claim the mantle of Islam, but they are not religious men. No one who prays to the God of Abraham could strap a suicide vest to an innocent child, or blow up guiltless guests at a Passover Seder, or fly planes into office buildings filled with unsuspecting workers. In truth, the men who carry out these savage acts serve no higher goal than their own desire for power. They accept no God before themselves. And they reserve a special hatred for the most ardent defenders of liberty, including Americans and Israelis.

And that is why the founding charter of Hamas calls for the "elimination" of Israel. And that is why the followers of Hezbollah chant "Death to Israel, Death to America!" That is why Osama bin Laden teaches that "the killing of Jews and Americans is one of the biggest duties." And that is why the President of Iran dreams of returning the Middle East to the Middle Ages and calls for Israel to be wiped off the map.

There are good and decent people who cannot fathom the darkness in these men and try to explain away their words. It's natural, but it is deadly wrong. As witnesses to evil in the past, we carry a solemn responsibility to take these words seriously. Jews and Americans have seen the consequences of disregarding the words of leaders who espouse hatred. And that is a mistake the world must not repeat in the 21st century.

Some seem to believe that we should negotiate with the terrorists and radicals, as if some ingenious argument will persuade them they have been wrong all along. We have heard this foolish delusion before. As Nazi tanks crossed into Poland in 1939, an American senator declared: "Lord, if I could only have talked to Hitler, all this might have been avoided." We have an obligation to call this what it is -- the false comfort of appeasement, which has been repeatedly discredited by history. (Applause.)

Some people suggest if the United States would just break ties with Israel, all our problems in the Middle East would go away. This is a tired argument that buys into the propaganda of the enemies of peace, and America utterly rejects it. Israel's population may be just over 7 million. But when you confront terror and evil, you are 307 million strong, because the United States of America stands with you. (Applause.)

America stands with you in breaking up terrorist networks and denying the extremists sanctuary. America stands with you in firmly opposing Iran's nuclear weapons ambitions. Permitting the world's leading sponsor of terror to possess the world's deadliest weapons would be an unforgivable betrayal for future generations. For the sake of peace, the world must not allow Iran to have a nuclear weapon. (Applause.)

Ultimately, to prevail in this struggle, we must offer an alternative to the ideology of the extremists by extending our vision of justice and tolerance and freedom and hope. These values are the self-evident right of all people, of all religions, in all the world because they are a gift from the Almighty God. Securing these rights is also the surest way to secure peace. Leaders who are accountable to their people will not pursue endless confrontation and bloodshed. Young people with a place in their society and a voice in their future are less likely to search for meaning in radicalism. Societies where citizens can express their conscience and worship their God will not export violence, they will be partners in peace.

The fundamental insight, that freedom yields peace, is the great lesson of the 20th century. Now our task is to apply it to the 21st. Nowhere is this work more urgent than here in the Middle East. We must stand with the reformers working to break the old patterns of tyranny and despair. We must give voice to millions of ordinary people who dream of a better life in a free society. We must confront the moral relativism that views all forms of government as equally acceptable and thereby consigns whole societies to slavery. Above all, we must have faith in our values and ourselves and confidently pursue the expansion of liberty as the path to a peaceful future.

That future will be a dramatic departure from the Middle East of today. So as we mark 60 years from Israel's founding, let us try to envision the region 60 years from now. This vision is not going to arrive easily or overnight; it will encounter violent resistance. But if we and future Presidents and future Knessets maintain our resolve and have faith in our ideals, here is the Middle East that we can see:

Israel will be celebrating the 120th anniversary as one of the world's great democracies, a secure and flourishing homeland for the Jewish people. The Palestinian people will have the homeland they have long dreamed of and deserved -- a democratic state that is governed by law, and respects human rights, and rejects terror. From Cairo to Riyadh to Baghdad and Beirut, people will live in free and independent societies, where a desire for peace is reinforced by ties of diplomacy and tourism and trade. Iran and Syria will be peaceful nations, with today's oppression a distant memory and where people are free to speak their minds and develop their God-given talents. Al Qaeda and Hezbollah and Hamas will be defeated, as Muslims across the region recognize the emptiness of the terrorists' vision and the injustice of their cause.

Overall, the Middle East will be characterized by a new period of tolerance and integration. And this doesn't mean that Israel and its neighbors will be best of friends. But when leaders across the region answer to their people, they will focus their energies on schools and jobs, not on rocket attacks and suicide bombings. With this change, Israel will open a new hopeful chapter in which its people can live a normal life, and the dream of Herzl and the founders of 1948 can be fully and finally realized.

This is a bold vision, and some will say it can never be achieved. But think about what we have witnessed in our own time. When Europe was destroying itself through total war and genocide, it was difficult to envision a continent that six decades later would be free and at peace. When Japanese pilots were flying suicide missions into American battleships, it seemed impossible that six decades later Japan would be a democracy, a lynchpin of security in Asia, and one of America's closest friends. And when waves of refugees arrived here in the desert with nothing, surrounded by hostile armies, it was almost unimaginable that Israel would grow into one of the freest and most successful nations on the earth.

Yet each one of these transformations took place. And a future of transformation is possible in the Middle East, so long as a new generation of leaders has the courage to defeat the enemies of freedom, to make the hard choices necessary for peace, and stand firm on the solid rock of universal values.

Sixty years ago, on the eve of Israel's independence, the last British soldiers departing Jerusalem stopped at a building in the Jewish quarter of the Old City. An officer knocked on the door and met a senior rabbi. The officer presented him with a short iron bar -- the key to the Zion Gate -- and said it was the first time in 18 centuries that a key to the gates of Jerusalem had belonged to a Jew. His hands trembling, the rabbi offered a prayer of thanksgiving to God, "Who had granted us life and permitted us to reach this day." Then he turned to the officer, and uttered the words Jews had awaited for so long: "I accept this key in the name of my people."

Over the past six decades, the Jewish people have established a state that would make that humble rabbi proud. You have raised a modern society in the Promised Land, a light unto the nations that preserves the legacy of Abraham and Isaac and Jacob. And you have built a mighty democracy that will endure forever and can always count on the United States of America to be at your side. God bless. (Applause

الخميس، 4 مايو 2017

ستون عاما من ظلم العسكر للإخوان . 14






المقدمة الثابتة لهذه السلسلة من المقالات :

" شهادات لا تحصي ولا تعد تكشف وتؤكد أن الإخوان المسلمين هم من أنشئوا تنظيما سريا بين ضباط الجيش المصري هو نفسه ما سُمي فيما بعد " تنظيم الضباط الأحرار " ، وحددوا أهدافه في الخلاص من الملكية المستبدة الفاسدة والاحتلال الانجليزي ، وتحقيق مبدأ الوحدة الإسلامية بين الدول الإسلامية من خلال التعاون وليس من خلال حكومة مركزية واحدة ، كما تكشف هذه الشهادات كيف تحالف العسكر والإخوان المسلمون وأفراد من الشعب من أجل مصر وتحريرها ونهضتها ، وسرعان ما تفكك التحالف بعد أن وصل العسكر للسلطة ، فاستبدلوا حب الوطن بحب الدنيا ، واستبدلوا المودة مع شركاء العمل الوطني بالعداء السافر الذي لم يظهروه تجاه إسرائيل نفسها ".

تسعة وعشرون : خالد محيي الدين يشهد بأن جمال عبد الناصر دبر حادث المنشية للتخلص من الإخوان المسلمين .

جاء فى برنامج للجزيرة الفضائية تحت عنوان" حادث المنشية الجزء الثاني" على لسان خالد محيي الدين وكان واحدا من ضيوف البرنامج فى هذه الحلقة يقول:
" حادث المنشية تم تدبيره من قبل عبد الناصر لعمل محاكمات لجماعة الإخوان المسلمين عشان تعطي مبرر للخلاص وتصفية جماعة الإخوان المسلمين ؟ ، طبعاً ما هو عشان يخلص على جماعة لازم يعطيها إدانة ولازم يديها إدانة إن هي عايزة تقلب نظام الحكم وتقتل رئيس الجمهورية في ميدان عام بالرصاص في هذا الحال أنت معافى أنك تدافع عن النفس فهو بهذا الشكل شال عنه الحرج ".
 وفي هذا الشأن يتفق خالد محيي الدين مع رأي المؤرخ الدكتور / أحمد شلبي ، أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية في كلية دار العلوم بجامعة القاهرة ؛ والذي يقول في الجزء التاسع من ( موسوعة التاريخ الإسلامي ) :
" رأيي الذي أدين به والذي كونته من دراسات وتفكير خلال ربع قرن منذ وقع الحادث حتى كتابة هذه السطور ، هذا الرأي يتخذ دعامته من الأحداث والأقوال التالية :
أولا : الدقة الشاملة في إعداد السرادق وتنظيم الذين يحتلون مقاعده ، وقد سبق أن اقتبسنا كلمات إبراهيم الطحاوي الذي يقرر أن هيئاتٍ ثلاثًا كانت مكلفة باحتلال مقاعد السرادق ؛ هي هيئة التحرير ، وعمال مديرية التحرير ، والحرس الوطني . وهذا يوضح أنه لم يكن هناك مقعد يمكن أن يتسلل إليه مغامر ليعتدي على جمال عبد الناصر؛ فما كان الوصول إلى المقاعد أمرا ميسورا ، ولم يترك للجماهير إلا المقاعد الخلفية النائية.
 ثانيا : قضية الجنيهين اللذين تحدثت عنهما الصحف المصرية ، وقالت : إنهما أُعطيا لمحمود عبد اللطيف لينفق منهما على أولاده وأسرته هي في تقديري أسطورة لم يُجَدْ حبكها ؛ فالمبلغ الذي يقدم لمن هو فقير ويطلب منه أن يقدم على هذه المغامرة لا بد أن يكون مبلغا ضخما  يغري بالإقدام على هذا الجرم.
 ثالثا : ثماني رصاصات تنطلق من مسدس يمسك به رجل مشهود له بالدقة في إصابة الهدف ، ولا تنجح واحدة من هذه الرصاصات في إصابة الهدف أو إصابة أي شخص من الذين يحيطون بجمال عبد الناصر ، أو إصابة أي إنسان على الإطلاق.. هذا في تقديري مستحيل !!
 ثم إن المشرفين على السرادق سرعان ما طمأنوا الناس ودفعوهم للهدوء ، ولو كانت هناك مؤامرة فعلا لانفض الحفل مخافة أن يكون هناك مزيد من الرصاص ، ومما يتصل بالإصابات نذكر أن الإصابات القليلة التي حدثت كانت من زجاج انكسر ، ربما من الزحام والجموع التي تحركت عقب الحادث ، ولم تكن هناك إصابات من المسدس على الإطلاق .
 رابعا : كانت المسافة بين المكان الذي قيل : إن محمود عبد اللطيف أطلق منه النار وبين جمال عبد الناصر 300 متر ، وكان عبد الناصر على منصة عالية ، وهذه المسافة وارتفاع الهدف يجعلان من المستحيل نجاح الخطة وإصابة الهدف ، وبالتالي لا يقدم على هذا العمل جماعة لهم خبرات بالتخطيط والأمور العسكرية.
 خامسا : من المعروف أن الإخوان المسلمين كانت عندهم ذخائر ومدمرات هائلة ، ولو اتجهوا للاغتيال لكان هناك وسائل أخرى لتحقيق هدفهم ، ومن المستحيل أن يقدموا على هذا العمل بمسدس لا يستعمل عادة إلا عند المسافات التي لا تتجاوز أصابع اليدين من الأمتار ، وقد تحدثت الصحف آنذاك عن أسلحة ومفرقعات ضبطت لدى بعض الإخوان بالإسكندرية كانت تكفي لنسف المدينة كلها.
 سادسا : حكاية النوبي الذي حمل المسدس سيرا على الأقدام من الإسكندرية إلى القاهرة حكاية ساذجة ننقدها من النقاط التالية :
1ـ كيف اتُّهم محمود عبد اللطيف قبل العثور على المسدس ؟ مع ملاحظة أن المسدس الذي قيل : إنه وجد معه لم يستعمل ذاك المساء.
2ـ  كيف أفلت المسدس المستعمل من الذين قبضوا على محمود عبد اللطيف ؟
3ـ لماذا لم يسلم النوبي المسدس لنيابة الإسكندرية ؟
4ـ لماذا جاء هذا الرجل سيرا على الأقدام طيلة هذا المسافة التي لا تقطع عادة سيرا على الأقدام ؟
 سابعا: يروي صلاح الشاهد أنه كان يقود سيارته مساء يوم 16 وسمع جزءا من خطاب الرئيس من مذياع بالسيارة ثم سمع الطلقات ، فأسرع نحو بيت الرئيس ليكون مع أولاده في هذه الأزمة ، ولم يجد صلاح الشاهد بالبيت اضطرابا أو ذعرا وأخذ يداعب أولاد الرئيس الذين كانوا يلعبون ، وهذا يوحي لي بأن أسرة الرئيس كانت تعلم سلفا بما سيجري ، وقد شاهد هذا الاطمئنان قبل أن يتصل بهم عبد الناصر من الإسكندرية .
وأضيف إلي ما سبق أن رغبة الرئيس جمال عبد الناصر وسعيه للخلاص من الإخوان المسلمين لا تحتاج إلي دليل ، ورجحان تخطيطه وتدبيره لتحقيق هذه الغاية مقدم علي استبعاده ، فالرئيس جمال عبد الناصر قضي علي الديمقراطية في مصر تماما باستخدام الحيل والمكر السيئ ، كما قضي علي كافة الأحزاب والفصائل السياسية والحركة العمالية ، بل قضي علي الكثير من الضباط الأحرار الذين شاركوا في ثورة يوليو ونجاحها .
وعلي فرض أن أحد المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين شرع في ارتكاب هذه الجريمة السياسية بالفعل لأي أسباب في نفسه ، ففي أي شرع أو شريعة أو تشريع أن يتم معاقبة فصيل سياسي كامل بسبب جريمة سياسية ارتكبها شخص ينتمي إلي هذا الفصيل ، وعلي فرض أن له اعترافات علي غيره ، فمن بديهيات القانون أن اعتراف المتهم علي نفسه حجة عليه ، أما اعترافه علي غيره فلا يعتد به ما لم تعضده أدلة أخري .
لعلنا نذكر إبراهيم ناصف الورداني المنتمي للحزب الوطني الذي أسسه الزعيم مصطفي كامل ، عندما اغتال بطرس غالي رئيس الحكومة عام 1910م مبررا ذلك باحتجاجه علي توليه رئاسة الحكومة في ظل الاحتلال الانجليزي ، وكونه كان رئيسا لمحكمة دنشواي ، وموافقته علي اتفاقية الحكم الثنائي علي السودان عام 1899م التي جعلت بريطانيا شريكا في حكم السودان ، بل الحاكم الفعلي للسودان ، وإعادته العمل بقانون المطبوعات بقصد غلق كافة الصحف الوطنية في ظل سياسة الوفاق مع الانجليز ، وموافقته علي مد امتياز قناة السويس أربعين سنة مقابل أربعة ملايين جنيه ، نقول أنه رغم انتماء إبراهيم الورداني للحزب الوطني إلا أننا لم نقرأ في مراجع التاريخ أن الانجليز أو الخديوي عباس حلمي الثاني قاموا بمحاكمة أعضاء الحزب الوطني أو اعتقلوهم جميعا حتي تكدست بهم السجون .

ثلاثون : خالد محيي الدين يؤكد إعادة تأسيس تنظيم الضباط كان بنفس التشكيل الذي أسسه الإخوان .

كما ذكرت لكم أن خالد محيي الدين وإن كان منصفا في توضيح دور الإخوان في ثورة يوليو ، إلا أن في النفس أشياء كانت تؤثر عليه وتؤدي به إلي التحميل علي الإخوان ومحاولة النيل من دورهم ونسبة أفضالهم لغيرهم ، وأبسط الأشياء الدالة علي ذلك ، أن الشاهد / حسين حمودة الأستاذ بالكلية الحربية والعضو المؤسس في تنظيم الضباط الأحرار منذ أسسه الإخوان شهد بأن التنظيم السري للضباط الذي أسسه الإخوان استمر في العمل منذ عام 1943م حتي حرب فلسطين عام 1948م ، ثم توقف بسبب الحرب ، وأضاف بأن جمال عبد الناصر أعاد تأسيس نفس التنظيم عام 1950م وأطلق عليه اسم تنظيم الضباط الأحرار ، وصمم علي نسبته لنفسه وليس لجماعة الإخوان المسلمين .
بينما نجد خالد محيي الدين لا يستخدم عبارة إعادة تأسيس التنظيم ، وإنما يطلق عليه الخلية الأولي ، وهو بالطبع يقصد من ذلك أن يفصل بين التنظيم بعد إعادة التأسيس والتنظيم الأول الذي أسسه الإخوان وضموه إليه ، ومن ثم يستبعد دور الإخوان وفضلهم في تأسيس التنظيم وتحديد أهدافه ، لكنني أعتقد أن هذه المحاولة باءت بالفشل ، لأنه حين ذكر أسماء الضباط المشاركين في الخلية الأولي ، إنما ذكر نفس أسماء الضباط الذين كانوا في التنظيم السري للضباط الذي أسسه الإخوان ، وعلي ذلك يكون وصف حسين حمودة " إعادة تأسيس التنظيم " هو الذي يتفق مع الحقيقة والواقع وليس وصف " الخلية الأولي " من تنظيم الضباط الأحرار .
يقول خالد محيي الدين :
انتهيت من الامتحان وسريعا اتصلت بجمال عبد الناصر وفي بيته عقد الاجتماع الأول للخلية الأولى لتنظيم الضباط الأحرار بحضور جمال عبد الناصر ، وعبد المنعم عبد الرؤوف ، وكمال الدين حسين ، وحسن إبراهيم ، وأنا وبدأ جمال بالحديث وقال : أنا معايا عبد الحكيم عامر ، وأنتم طبعا عارفين لكنه لم يستطع الحضور اليوم ، وتحدث طويلا عن مغزى مقابلته مع إبراهيم عبد الهادي وكيف أنه أصبح من المحتم علينا أن نفعل شيئا وأن ننظم أنفسنا ، وقال : كل واحد منا يشتغل ويحاول يكون مجموعة في سلاحه ، وهكذا يمكن أن نصبح قوة منظمة وقادرة على فعل شيء.
إنها الخلية الأولى واجتماعها الأول في النصف الثاني من عام 1949  أقرر هذا وأكرره لأن الكثيرين حاولوا تقديم روايات مختلفة فالمرحوم أنور السادات قال برواية أخرى ..وآخرين أيضا.
ولست أريد أن أنفي عن هؤلاء أنهم كانوا يعملون في الجيش معنا أو حتى قبلنا ، فلقد تمكن بعضهم من إقامة مجموعات منظمة في الجيش قبل الضباط الأحرار ولكنها كانت شيئا غير الضباط الأحرار.
ومن هذه المجموعات كانت مجموعة جمال منصور ، وكانت تضم عددا من الضباط منهم مصطفى نصير ، سعد عبد الحفيظ عبد الفتاح ، أبو الفضل عبد الحميد كفافي وآخرين ، وقد أصدرت هذه المجموعة عدة منشورات وانتهى الأمر بالقبض على عدد منهم ، وبدأت في الجيش حملة واسعة لجمع تبرعات لأسر الضباط منهم مصطفى نصير سعد عبد الحفيظ عبد الفتاح أبو الفضل عبد الحميد كفافي وآخرين ، هذه أحد العوامل المشجعة والمعبرة عن وجود حالة ثورية ووطنية في صفوف الضباط ، ولعل واقعة جمع التبرعات للضباط المقبوض عليهم هي التي أوحت إلى عبد الناصر بعد انتصار الثورة بصرف مرتب كل ضابط يلقي القبض عليه حتى لا يتيح الفرصة لأي تحرك متعاطف معه.
وكانت هناك أيضا مجموعة "الحرس الحديدي" بزعامة مصطفى كمال صدقي وقد ضمت عددا من الضباط منهم حسن فهمي عبد المجيد وخالد فوزي وسيد جاد.
وحتى لا يساء فهم الأمور أود أن أوضح أن الملك كان في منتصف الأربعينات لم يزل محبوبا من قطاعات من الجيش ، وكان البعض منهم يعتبر ولاءه للملك هو جزء من ولائه لمصر وأنه يكمل عداءه للاستعمار ولعملاء الاستعمار ومن هنا فقد قام يوسف رشاد بإقامة علاقة مع بعض الضباط ومنهم مصطفى كمال صدقي ومجموعته المسماة الحرس الحديدي وكان القصر يحرك هذه المجموعة لارتكاب أعمال إرهابية ضد خصومة السياسيين بحجة أنهم عملاء للاستعمار وفعلا قام الحرس الحديدي بأكثر من محاولة لاغتيال النحاس باشا.
وكثيرا ما كان الملك يقدم نفسه لقطاع من الضباط بأنه وطني ويريد تطهيرا لبلاد من عملاء الاستعمار ، وهكذا فإن مجموعة أخرى من الجيش هي مجموعة أنور السادات وكانت تضم في أكثرها عناصر مدنية مثل حسين توفيق وسعد كامل وإبراهيم كامل وغيرهم قامت باغتيال أمين عثمان احتجاجا على قوله : إن العلاقات بين مصر وبريطانيا هي علاقة زواج كاثوليكي .
وقد أكد أنور السادات في مذكراته أنه كان على علاقة بيوسف رشاد وأن رشاد هو الذي أعاده إلى الخدمة في الجيش بعد فصله منه.
والحقيقة أنه كانت هناك تجمعات عديدة في الجيش ، فقد لاحظنا مثلا في عام 1947 توزيع عدد من المنشورات تحمل اسم "الجمعية العسكرية لاتحاد رجال البوليس والجيش" ، وكان شعار هذه الجمعية يحمل طابعا رومانسيا وهو السعادة للجميع ، وكانت المنشورات تحمل في بدايتها إرشادات وتحذيرات : "الكتمان سر النجاح" و "اقرأ سرا أنت وزملاؤك" و "ويل للخائن" .
وهناك كذلك الفريق عزيز المصري وكان شخصية مهيبة ومحترمة في صفوف الضباط ، وكان يمثل نقطة إشعاع للعمل الوطني في الجيش لكنه لم يكن يؤمن بالعمل الجماعي المنظم الذي يستهدف تحقيق تحرك جماهيري لتغيير الأوضاع بل كان يركز أساسا على "الاغتيال الفردي".
وخلال محاولاتي المستمرة للبحث عن طريق كان من الطبيعي أن التقى بعزيز المصري ، وقد رتب المقابلة أحد أقاربي وهو الأستاذ كمال يعقوب ، وعندما جلست إلى عزيز المصري ، أحسست أنني أقترب من رجل يعشق الوطنية ويتنفسها ويعيش من أجلها وكان حماسه دافقا وأفقه واسعا ، ولكنه كان متمترسا دون أية رغبة في التزحزح عن فكرة الاغتيالات الفردية ، وقد كان ضابطا لفترة من الوقت في الجيش التركي وأطلع على تجربة الحركة الوطنية البلغارية ، وأثرت فيه تأثيرا حاسما ، وظل يردد أمامي ولمرات عديدة ودون ملل : نحن لن نستطيع أن نواجه الإنجليز ولا أن نهزمهم فهم أكثر قوة وأحسن تسليحا لكننا نستطيع أن نقتل الخونة واحدا واحدا فإن فعلنا ذلك خاف الناس من التعامل مع الإنجليز أو حتى الاقتراب منهم ولقد فعل البلغار ذلك قتلوا الخونة واحدا بعد الآخر فلم يجرؤ أحد على التعامل مع الأتراك.
وظل عزيز المصري نقطة ارتكاز هامة يتطلع إليها كل ضابط وطني يريد أن يفعل شيئا من أجل مصر ، ولكنه توقف عند حدود الإرهاب الفردي وتشبث به ولا شك أنه قد أثر بأفكاره هذه علي الكثيرين ومنهم عبد الناصر وأنا وكثيرون غيرنا.
ولعله من السهل الآن الحديث مطولا عن خطر اللجوء للإرهاب الفردي لكن أعوام 1945 و 1946و 1947 شهدت عديدا من هذه المحاولات لعل مبعثها هو ما أشار إليه عزيز المصري من صعوبة المواجهة المباشرة أو حتى غير المباشرة مع الاحتلال ومن ثم فقد تصور البعض أن بالإمكان ضرب الاحتلال من خلال ضرب أعوانه وإرهابهم ، أو أن بالإمكان تفجير المشاعر الوطنية في الجماهير عن طريق سلسلة من الأعمال الإرهابية ضد الخونة وعملاء الاستعمار.
قلت أنني قد تأثرت لفترة بفكرة الاغتيالات وبالفعل في عام 1946  حاولت ربما في تردد أن أسهم في محاولة لاغتيال أحد المرشحين لعضوية مجلس الشيوخ لأنه حاول الاستعانة بالإنجليز ضد الحكومة المصرية ، وقد حضر إلى حسن عزت بحكم علاقة الصداقة القديمة وروي لي قصة هذا الرجل وكيف أنه رشح نفسه في انتخابات مجلس الشيوخ عن دائرة بولاق ، ولما زار اللورد ستنجست مصر توجه إليه هذا المرشح واشتكى له من أن الحكومة تحاربه في الانتخابات وطلب تدخله لوقف الحكومة المصرية عند حدها.
واعتبرنا الرجل خائنا وأخذ حسن عزت يلح علي في ضرورة التخلص منه ليكون عبرة لكل الخونة ، ولست أخفي أنني احتقرت الرجل واحتقرت فعلته لكن الوازع الديني الكامن دوما في أعماقي كان ينفرني من فكرة سفك دم إنسان مهما اختلفت معه وظل حسن عزت يلح علي حتى قبلت وكان دوري في العملية يقتصر على أن أشتري سيارة وأن أقودها بينما يقوم هو بعملية الاغتيال ثم يركب السيارة لأسرع بها هاربا.
اشتريت السيارة وذهبت أنا وحسن عزت وانتظرت في السيارة مترقبا وصول الرجل كان نوازع عديدة تعتصرني : وازعي الديني وأحاسيس الوطنية الدافقة ، والفهم المشوش وغير المستقر لفكرة النضال الوطني ، واستمرت هذه الصراعات تعتصرني بينما الوقت يتحرك بطيئا بل لعله لم يكن يتحرك أصلا ولكن الرجل لم يحضر وفشلت المحاولة.
ولعلها المرة الوحيدة التي سعد فيها سعادة غامرة لأنني فشلت في تحقيق هدفي، والحقيقة أن عوامل الصراع النفسي العاصف التي حاصرتني وأنا قابع في السيارة في انتظار الهدف قد حصنتني فيما بعد إزاء فكرة الاغتيالات وقررت أن أرفضها رفضا مطلقا.
ولقد وقع عبد الناصر هو أيضا في ذات الخطأ في المحاولة الشهيرة لاغتيال حسين سري عامر، وقد فشلت هذه المحاولة أيضا ، والحقيقة أن جمال قد قام بهذه العملية دون التشاور معنا في تنظيم الضباط الأحرار ، ولهذا وبعد أن فشلت العملية أثار صلاح سالم هذا الموضوع في أول اجتماع عقدناه بعد المحاولة الفاشلة وقد وجه صلاح سالم نقدا لاذعا لجمال عبد الناصر بسبب قيامه بهذه العملية دون استئذان من التنظيم أو حتى دون إخطاره وقال صلاح لنفرض أنكم قبض عليكم كنتم ستورطون التنظيم بأكمله في عملية كهذه وكنت ستجهضون كل ما نريد أن نفعل وقد تقبل عبد الناصر النقد وتعهد بعدم تكرار مثل هذا العمل.
وما دمنا نتحدث عن التكوينات المنظمة داخل الجيش فلابد أن نشير إلى أن منظمة "حدتو" - الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني -  كانت قد نجحت هي أيضا في إقامة تنظيم متكامل داخل القوات المسلحة وكان أحمد فؤاد قد أصبح مسئولا عن هذا التنظيم.
وأذكر أنني التقيت في عام 1950  بأحمد فؤاد وكان قد أصبح قاضيا وبادرني بسؤال مباشر كعادته : مش حنشوفك ؟ وبدأت معه نقاشا مطولا حول تجربتي غير الناجحة مع أيسكرا ومع الشخص الذي أوصلني به وهو الصحن وقلت : لقد أثار الصحن مسائل متعلقة بالدين وأنا أريد أن أبدا أية علاقة جديدة أن أعرف تحديدا وعلى وجه الدقة ما هو موقفكم من الدين.
وتحدث أحمد فؤاد حديثا طويلا عن احترامهم العميق للدين وقال : نحن نحترم الدين ولا يمكن أن نمسه ، والذي قال لك عكس ذلك أحمق ولابد أن تعرف أن هذا الرجل قد بادر بالفرار لدى أول ضربة بوليسية لكنه كان حريصا على أن يؤكد لي أيضا أنهم ضد استخدام الدين ستارا لحركات سياسية أو لتحقيق أهداف سياسية ووافقته على ذلك.
وبعد أن استرحت من هذه الزاوية صارحته بأنني أسهم في قيادة تنظيم الضباط الأحرار، واهتم أحمد فؤاد بهذا الخبر اهتماما كبيرا وطلب إلى أن أرتب له مقابلة مع جمال عبد الناصر كقائد لهذا التنظيم.
وبالفعل دعوت عبد الناصر إلى بيتي وعندما حضر كان فؤاد موجودا وبدأ أحمد فؤاد في الحديث تكلم كثيرا عن الحاجة إلى عمل جماهيري لتصحيح الأوضاع وتجاوب معه جمال عبد بشكل ملحوظ وعندما انتهت المقابلة سألني جمال عن الرجل فقلت إنه مسئول في منظمة حدتو ، وأبدى إعجابه الشديد به وقال : راجل كويس وكلامه كويس ومعقول ، ثم سألني فجأة : هل رتبت هذا اللقاء عن عمد ؟ فقلت : نعم ولم يبد عبد الناصر أية حساسية من التعامل مع الشيوعيين فقد كنا أنا وهو نعتقد بأن الاتجاه الاشتراكي هو بالضرورة اتجاه قريب منا ومن حركتنا.
لكنني أقمت علاقة منفردة ومن نوع خاص مع أحمد فؤاد فقد بدأ يمدني بعديد من الكتب وكذلك النشرات الحزبية واعتبرني على علاقة بحدتو ولكن بصورة فردية ، وذلك لأنني كنت عضوا ف قيادة الضباط الأحرار وهذا وضع حساس سواء من ناحية الأمن أو من الناحية السياسية ، والحقيقة أنني كنت معجبا إعجابا خاصا بأحمد فؤاد وربما لو أن أحدا غيره قد عاود الاتصال بي بعد تجربتي الأولى غير الناجحة لما استجبت له كما أنني قد فضلت هذه العلاقة الفردية لأنني وجدت أنه من غير الملائم أن أكون أحد قادة تنظيم الضباط الأحرار بينما أتلقى أوامر أو تعليمات تنظيمية من جماعة أخرى أو تنظيم آخر.
وقد ظلت علاقتي الفردية هذه الفترة من الوقت وأثمرت علاقة منظمة بين حدتو وتنظيم الضباط الأحرار فقد عرض أحمد فؤاد فكرة انضمام ضباط حدتو لتنظيمنا ووافق عبد الناصر لكنه اشترط كعادته أن ينضم الأعضاء فرادى أي كأفراد وليس كمجموعة منظمة ، ولكي أكون واضحا فإن هذا الشرط كان شرطا دائما عند عبد الناصر فعندما عرضت عليه فكرة التوحيد مع مجموعة جمال منصور رفض مسألة التوحيد وأصر على أن ينضم أعضاء المجموعة فرادى إلى التنظيم وقبل جمال منصور ذلك كذلك قبل أحمد فؤاد أو بالدقة قبلت حدتو .
وبدأ تنظيم الضباط الأحرار يفتح أبوابه للشيوعيين من أعضاء حدتو ، وانضم لنا عدد لا بأس به منهم ولن أستطيع أن أورد كل الأسماء ولا حتى أكثرها فقط سأورد بعضا منها فقد انضم إلينا محمود المناسترلي ود/ محمود القويسني وصلاح السحرتي وجمال علام وأمال المرصفي وأحمد قدري وغيرهم أما عثمان فوزي فقد كان أحد مؤسسي مجموعة الضباط الأحرار في سلاح الفرسان واندمج هؤلاء الضباط في مجموعات التنظيم وأسهموا إسهاما كبيرا في عملنا وخاصة في توزيع المنشورات بالبريد كذلك أسهمت حدتو فيما بعد في طباعة منشورات الضباط الأحرار كما أسهم ضباطها إسهاما نشيطا وفاعلا معنا ليلة 23 يوليو.
واستمرت علاقتي مع أحمد فؤاد وكان عبد الناصر يلقى معنا لتناقش طويلا في التطورات السياسية وموقفنا منها وازداد إعجاب جمال بأحمد فؤاد لكنه لم يفكر أبدا في الانضمام لحدتو ليس بسبب أية حساسية سياسية وإنما لأنه لم يكن يريد لمنظمته أن تخضع لأي تأثير من خارجها.
وأذكر أنني وجمال توجهنا يوما لزيارة أحمد فؤاد في بيته ووجدنا عنده شخص قدمه لنا قائلا : الرفيق بدر وقد تحدث حديثا سياسيا مبهرا سواء بالنسبة لي أو بالنسبة لجمال.
كانت هناك أحداث سياسية خطيرة (1951) سواء في مصر أو في سوريا حيث وقع انقلاب عسكري جديد وكانت الصورة مرتبكة أمامنا لكن بدر تحدث ممتلكا لرؤية صافية تماما واستطاع أن يفسر لنا الأحداث تفسيرا مقنعا وملهما في آن واحد.
انحنيت على أحمد فؤاد هامسا : مين ده ؟ وأجاب همسا : السكرتير العام.
وعندما نزلت من بيت أحمد فؤاد كان عبد الناصر لم يزل منبهرا بهذه الشخصية الغامضة والواسعة الأفق وبينما نهبط السلم سألني : مين الرفيق بدر ده ؟
قلت : السكرتير العام للحركة الديمقراطية للتحرير الوطني...
فقال : بيشتغل أيه ؟
قلت: السكرتير العام...
وكرر السؤال لأكرر الإجابة أخيرا سألني بحدة : يعني كان بيشتغل أيه قبل ما يبقى سكرتير عام ؟ وتذكرت أن عثمان فوزي قد حدثني طويلا عن الرفيق بدر، وكيف أنه كان قائدا لفرع منظمة "حدتو وسط" ، ميكانيكي الطيران وكيف أنه وهو الميكانيكي استطاع أن يكون نفسه فكريا وسياسيا ليصبح سياسيا وقائدا يستحق الإعجاب.
قلت في بساطة : ميكانيكي.
وصاح عبد الناصر:  ميكانيكي ، يعمي أنت ممكن تبقى عضو في الحزب ده وتتلقى أوامر من ميكانيكي؟
فقلت : المسألة مش مسألة أوامر وإنما هي مسألة اقتناع بفكرة.
لكن مسألة «الميكانيكي» هذه ظلت عالقة في ذهن عبد الناصر ، وظل يرددها دوما وأحيانا في تهكم وأحيان في استنكار ، وحتى بعد الثورة وفي اجتماعات مجلس قيادة الثورة قال مرة مشيرا إلى : ده زعيمه ميكانيكي.