الأربعاء، 29 مارس 2017

ستون عاما من ظلم العسكر للإخوان . 9






المقدمة الثابتة لهذه السلسلة من المقالات :
" شهادات لا تحصي ولا تعد تكشف وتؤكد أن الإخوان المسلمين هم من أنشئوا تنظيما سريا بين ضباط الجيش المصري هو نفسه ما سُمي فيما بعد " تنظيم الضباط الأحرار " ، وحددوا أهدافه في الخلاص من الملكية المستبدة الفاسدة والاحتلال الانجليزي ، وتحقيق مبدأ الوحدة الإسلامية بين الدول الإسلامية من خلال التعاون وليس من خلال حكومة مركزية واحدة ، كما تكشف هذه الشهادات كيف تحالف العسكر والإخوان المسلمون وأفراد من الشعب من أجل مصر وتحريرها ونهضتها ، وسرعان ما تفكك التحالف بعد أن وصل العسكر للسلطة ، فاستبدلوا حب الوطن بحب الدنيا ، واستبدلوا المودة مع شركاء العمل الوطني بالعداء السافر الذي لم يظهروه تجاه إسرائيل نفسها ".
كشف لنا حسين حمودة علي نحو ما أوضحنا في المقال السابق كيف تم اعتقاله بدءا من استدعاء جمال عبد الناصر له والتحقيق معه بشأن علاقته بضباط الإخوان المسلمين ، ثم اعتقاله بزعم أنه لم يخبر جمال عبد الناصر بما طرحه عليه الضابط / أحمد سبل من ضرورة عمل شئ ضد قرار مجلس قيادة الثورة بحل جماعة الإخوان المسلمين ، كما ذكر لنا الشاهد / حسين حمودة وهو من الضباط الأحرار المؤسسين الذين لم يتجاوز عددهم الأربعة في بداية السعي لتأسيس التنظيم السري للضباط ، كما أنه كان أستاذا بالكلية الحربية وشارك في تحويلها إلي معتقل أثناء الثورة ، كما كشف لنا كيف أنه حين وصل إلي السجن وجد هناك ضباط من الإخوان المسلمين وآخرين من تيارات سياسية أخري ، كما وجد فؤاد سراج الدين الذي كان وزيرا للداخلية في حكومة الوفد وهو الذي أصدر أوامره لضباط وأفراد الشرطة بعدم الاستسلام للانجليز في معركة الإسماعيلية .
ونستكمل في هذا المقال شهادته بشأن إجبار مجلس قيادة الثورة للواء / محمد نجيب علي تقديم استقالته من رئاسة الجمهورية ، وما ترتب علي ذلك من أحداث نوضحها علي النحو التالي :

سابع عشر : حسين حمودة يكشف واقعة استقالة الرئيس محمد نجيب من رئاسة الجمهورية بضغوط من مجلس قيادة الثورة وما ترتب علي ذلك من أحداث .
  
وفي 23 فبراير 1954 جاءتنا أنباء ونحن في السجن أن مجلس قيادة الثورة قبل استقالة اللواء محمد نجيب ، وقد كان لاستقالة محمد نجيب رد فعل عنيف في الجيش والشعب.
وانقسم الجيش إلى فريقين فريق يؤيد محمد نجيب وتزعم هذا الفريق ضباط من سلاح المدرعات وفريق آخر يؤيد عبد الناصر من سلاحي المدفعية والمشاة.
وكاد هذا النزاع يؤدي إلى حرب أهلية تقتتل فيها قوات مصر المسلحة. ولكن جمال عبد الناصر استجاب للفريق المؤيد ل محمد نجيب نظراً لاندلاع المظاهرات الشعبية من أسوان للإسكندرية تطالب بعودة نجيب وتبين ل عبد الناصر أن نجيب يتمتع بشعبية كبيرة في مصر و السودان حيث قامت مظاهرات مماثلة في السودان الشقيق تطالب أيضًا بعودة نجيب.
فقبل عبد الناصر إعادة محمد نجيب إلى رئاسة الجمهورية يوم 27/ 2/1954م وذلك حتى يملك الوقت الكافي لتهدئة الجو وخداع الضباط الذين أيدوا محمد نجيب ثم ينقض عليهم ويعتقلهم بعد أن يطمئنوا ويتركوا وحداتهم المعتصمين فيها ويذهبوا إلى بيوتهم . وبذلك يستطيع عبد الناصر أن يحقق حلمه في الانفراد بالسلطة.
وما إن علمت جموع الشعوب المصري يوم 28/ 2 1954 / بعودة محمد نجيب حتى عمت المظاهرات الشعبية جميع مدن مصر وكنت أرى من شباك الزنزانة بسجن الأجانب بباب الحديد جموع المتظاهرين التي ملأت الشوارع وهي تهتف ل محمد نجيب وللحرية والديمقراطية وكان شعب مصر بحسه المرهف يتوجس خيفة من أن تنحرف ثورة 23 يوليو 52 إلى ديكتاتورية عسكرية تحل محل طغيان فاروق.
ولقد نجحت المظاهرات الشعبية واعتصام ضباط المدرعات في ثكناتهم في تثبيت النصر الذي أحرزه محمد نجيب مؤقتا.
ولذا بدا للشعب المصري أن محمد نجيب قد عاد للسلطة وأنه سيجمع كافة السلطات في يده ولكنهم نسوا أمراً هاما جداً.
وذلك الأمر الهام هو أن جمال عبد الناصر كان هو الشخص الوحيد من ضباط الجيش الذي أشرف على تنظيم الضباط الأحرار بعد حرب فلسطين سنة 1948 وكان يعرف الضباط الأحرار كلهم تقريباً واحداً واحداً.
واستطاع عبد الناصر أن يأخذ موافقة مجلس الثورة على تعيين عبد الحكيم عامر قائدا عاماً للقوات المسلحة وكان عبد الحكيم عامر هو صديق العمر بالنسبة ل جمال عبد الناصر فاختاره من بين جميع الضباط الأحرار لقيادة القوات المسلحة لأنه موضع ثقته وإن لم يكن أكفأ الضباط الأحرار لتولي هذا المنصب الخطير وقام عبد الناصر وعبد الحكيم عامر بتوزيع أعوانهما على وحدات الجيش المقاتلة ليضمنا السيطرة على القوات المسلحة.
ولما هال جمال عبد الناصر شعبية نجيب عند شعب مصر وعند شعب السودان حاول استمالة الإخوان إليه.
فقرر يوم 25 مارس 1954 الإفراج عن حسن الهضيبي وجميع المعتقلين من الإخوان المسلمين .
وكان للملك سعود رحمه الله الذي كان يزور القاهرة في شهر مارس 1954 دور في هذه المسألة.
فقد صرح عبد الرحمن عزام أمين الجامعة العربية ل جريدة المصري يوم 25 مارس 1954 بأن الملك سعود تكلم مع عبد الناصر وقال له إن مصر وهي زعيمة الدول العربية والإسلامية لا يجدر أن يكون الإخوان المسلمون فيها في المعتقلات ولا يباشروا نشاطهم في الدعوة الإسلامية.
وقد زار جمال عبد الناصر حسن الهضيبي في منزله بمنيل الروضة مهنئا بالإفراج عنه في نفس يوم الإفراج.
وأعلن عبد الناصر زوال كل أثر لقرار حل الجماعة الصادر في يناير 1954 والذي اتهمهم فيه القرار بغير حق بالخيانة والاتصال بالإنجليز من خلف ظهر الثورة.

ثامن عشر : اعتقال الضباط الذين أيدوا محمد نجيب وطالبوا بعودته لرئاسة الجمهورية :

ويستكمل حسين حمودة شهادته فيقول : وفي يوم 29/ 3 / 1954م سمعنا حركة غير عادية في سجن الأجانب حوالي الساعة 9 مساء ووجدت محمد أحمد سكرتير عبد الناصر يحضر ومعه بعض الضباط المقبوض عليهم تحت حراسة البوليس الحربي وكان عددهم يزيد على 25 ضابطا ولما نظرت فيهم وجدتهم جميعا من ضباط المدرعات الذين أيدوا محمد نجيب في فبراير سنة  1954 وأذكر منهم اليوزباشي أحمد علي حسن المصري .  

تاسع عشر : قضية الشاهد حسين حمودة و خليل نور الدين  ملفقة :

ويتابع حسين حمودة قائلا : وفي أول أبريل سنة 1954  زار سجن الأجانب مدعي المجلس العسكري الذي شكل لمحاكمة عبد المنعم عبد الرؤوف وقد سلم المدعي العسكري عبد المنعم عبد الرؤوف قرار الاتهام وأقوال الشهود في قضيته.
ودخل عبد المنعم عبد الرؤوف زنزانتي ومعه كومة من الأوراق فلاحظت أن الأوراق كثيرة جدا وبها أقوال عدد كبير جدا من الشهود ، فاستغربت وتبين لي من فحص الأوراق أن المدعي العسكري قد أخطأ وسلم عبد المنعم عبد الرؤوف أقوال شهود لا دخل لهم في قضيته ، ومما استرعى نظري في هذه الأوراق أقوال الصاغ أحمد سبل ، والتي جاء فيها :
قبل الثورة كنت ( أي أحمد سبل ) أعمل في سلاح المهمات مع خليل نور الدين ومع أحمد أنور قائد البوليس الحربي بعد الثورة ، وبعد قيام الثورة طلبت من أحمد أنور أن يتوسط لي لنقلي إلى سلاح المدفعية لأنه سلاحي الأصلي ففعل ، وبعد حل الإخوان في 14/ 1 /   1954 استدعاني أحمد أنور قائد البوليس الحربي وقال سأكلفك بمهمة خطيرة وهي - أنا عارف إنك صديق الصاغ خليل نور الدين وبتذاكر معه لكلية الحقوق وهو يثق فيك - ونحن نعلم أن خليل نور الدين من الإخوان المسلمين فهو لا يخفي ذلك.
فاذهب إليه واعرض عليه الاشتراك في خطة تقول فيها إن معك آلاي مدفعية به 12 ضابطا من الإخوان المسلمين ثائرون لحل جماعة الإخوان ومستعدون لأي عمل يطلب منهم.
وتطلب منه أن يعرفك بضباط آخرين من المدرعات أو المشاة ليشتركوا معا في خطة لتخليص الإخوان من الاعتقال ، وبذلك نستطيع أن نعرف عن طريق خليل نور الدين أسماء أكبر عدد ممكن من الضباط الإخوان فنقبض عليهم ونتخلص منهم دفعة واحدة.
فقابلت خليل نور الدين صدفة في ميدان الأوبرا مساء يوم الجمعة 15/ 1/1954 وركبت معه السيارة من ميدان الأوبرا وكان بها الدكتور غراب والصاغ حسين حمودة .
وتحدثت مع خليل نور الدين في ضرورة عمل شيء إيجابي لإنقاذ الإخوان المعتقلين وقلت له إن معي آلاي مدفعية به 12 ضابطا كلهم من الإخوان المسلمين وإذا كان عندكم ضباط من المشاة أو المدرعات يبقى الوضع أفضل.
ولم أستطع أن أحصل منهم على أسماء ونزلت من العربة عند منزلي في شارع مصر والسودان ، و اتصلت تليفونيا بمنزل جمال عبد الناصر الساعة الواحدة بعد منتصف الليل ليلة 15- 16 يناير 1954 فرد علي أحمد أنور حيث كان موجودا بمنزل عبد الناصر فقلت له ما دار من حديث بالعربة الخاصة بالدكتور غراب.
ولما تبين لي ( حسين حمودة ) بعد الاطلاع على أقوال أحمد سبل بطريق المصادفة البحتة أن المؤامرة وهمية ، وأنها كانت فخاً من أحمد أنور قائد البوليس الحربي للفتك بالضباط الإخوان ، وأن أحمد أنور قد فعل ذلك تقربا من جمال عبد الناصر بعد أن آلت إليه سلطة الدولة تعجبت من الناس وأحوالهم وقلت لأخي عبد المنعم عبد الرءوف انظر إلى أي مدى ينحدر الإنسان.
وتوقعت تبعا لذلك ألا أُقدم للمحاكمة لعدم وجود اتهام أصلا ، فالمؤامرة التي اعتقلت بسببها كانت مؤامرة وهمية دبرها أحمد أنور وكانت وسيلته في ذلك استخدام الصاغ أحمد سبل للإيقاع بصديقه خليل نور الدين وإيهامه بوجود قوة من الضباط جاهزين لعمل إيجابي لإنقاذ الإخوان من السجن الحربي.

عشرون : حسين حمودة يؤكد أعظم قادة الثورة في السجن ويتعجب من خيانة جمال عبد الناصر .

وفي يوم 28/ 4/1954م رحلت أنا وعبد المنعم عبد الرؤوف و معروف الحضري وأبو المكارم عبد الحي وذجمال ربيع إلى السجن الحربي بمعتقل 2 فوجدت هناك القائمقام محمد رشاد مهنا وصي العرش السابق يقضي مدة العقوبة التي حكم مجلس الثورة بها عليه وهي السجن المؤبد.
ورشاد مهنا كان من الضباط الممتازين الذين يتمتعون بشعبية كبيرة بين ضباط الجيش وبخاصة في سلاح المدفعية.
وبمجرد قيام الثورة وخلع فاروق اختار مجلس الثورة رشاد مهنا ضمن أعضاء مجلس الوصاية على العرش ، وكان الغرض من ذلك هو إبعاد رشاد مهنا عن الجيش.
ولقد انتهز جمال عبد الناصر فرصة خلاف نشب بين محمد نجيب بصفته رئيسا للوزراء ورشاد مهنا بصفته وصيا على العرش حول مشروعات القوانين التي تصدرها الثورة .
وكان ل رشاد مهنا رأي خاص في هذه المشروعات يتلخص في ضرورة أخذ رأي مجلس الوصاية على العرش قبل إصدارها ، فأشاع عبد الناصر بين ضباط الجيش أن رشاد مهنا يريد أن يصبح ملكا وأن يستبد بالحكم وأن يرث فاروق وأسرة محمد علي .
واستطاع عبد الناصر أن يوغر صدر محمد نجيب وصدور زملائه أعضاء مجلس الثورة ضد رشاد مهنا ، فقبضوا عليه وعلى الضباط المعروفين بولائهم ل رشاد مهنا وحوكموا أمام مجلس الثورة الذي أصدر حكمه بالسجن المؤبد على رشاد مهنا وزملائه الضباط الموالين له ولم تكن هناك تهمة معينة أو جريمة ارتكبها رشاد مهنا ولكن ذلك كان منطق عبد الناصر في التخلص ممن توهم مزاحمته في أمله الخاص بالانفراد بحكم مصر فتخلص من منافسيه بلا أي وازع من ضمير.
ووجدت ضمن المعتقلين القائمقام / يوسف منصور صديق الذي اقتحم رئاسة الجيش ليلة الثورة واعتقل حسين فريد رئيس هيئة أركان حرب الجيش ومن كان معه من الضباط ، ولولا يوسف صديق ما نجحت الثورة ولكان مصيرها الفشل المحتوم ووجدت ضمن المعتقلين بالسجن الحربي القائمقام / أحمد شوقي قائد الكتيبة الثالثة عشرة المشاة والتي قامت بتنفيذ الثورة في مدينة القاهرة ليلة 23/7/1952 بقيادته.
فتعجبت أشد العجب وقلت في نفسي أبلغت خيانة عبد الناصر إلى هذا الحد الذي لا يمكن أن يتصوره إنسان ف يوسف منصور صديق الذي اقتحم رئاسة الجيش ليلة الثورة وأحمد شوقي الذي قاد الكتيبة 13 ليلة الثورة وحسين محمد أحمد حمودة الذي أنشأ معتقل الثورة ليلة 23 يوليو 1952 بالكلية الحربية يكون جزاؤهم هو جزاء سنمار فيوضعوا في السجن ويتحكم في مقدرات شعب وجيش مصر مدخولو الضمائر.
و رشاد مهنا يحكم عليه بالسجن المؤبد وهو الذي اختارته الثورة وصيا على العرش ، ورشاد مهنا كان ضابطا مثاليا في كل شيء في خلقه وتدينه وعلمه ووطنيته وعقليته الفذة فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.  

واحد وعشرون : جدل حول الهوية السياسية ل جمال عبد الناصر .

ويتابع حسين حمودة : وقد أخبرني يوسف منصور صديق وأنا معه في الاعتقال بالسجن الحربي أن جمال عبد الناصر كان عضوا في خلية شيوعية تابعة للحركة الديمقراطية للتحرر الوطني والمعروفة باسم «حدتو» ، وذلك قبل ثورة 1952 وكان بهذه الخلية أحمد فؤاد وكيل النيابة والذي شغل منصب رئيس بنك مصر لمدة طويلة بعد الثورة ، فلما أبديت دهشتي لهذه المعلومات التي أسمعها لأول مرة عن جمال عبد الناصر ، قال يوسف صديق لماذا لا تصدقني ، قلت لأن جمال عبد الناصر من الإخوان المسلمين ، وكان عضوا في التنظيم السري ل جماعة الإخوان المسلمين معي منذ عام 1943  ، فكيف أصدقك ... ثم قلت له إذا كان عبد الناصر ماركسيا كما تدعي فلماذا يزج بالماركسيين في السجن ؟ فرد يوسف صديق قائلا وإذا كان جمال عبد الناصر حسين إخوانيا كما تدعي فلم يزج ب الإخوان في السجن ؟ وفي هذه الأثناء مر حمزة البسيوني قائد السجن الحربي وسأل مش عايزين أي خدمة ؟
فقال له يوسف صديق : خذ هذه القصيدة وسلمها ل جمال عبد الناصر ، فأخذها حمزة البسيوني وانصرف فقلت ل يوسف صديق ما الذي كتبته في هذه القصيدة ؟
فقال يوسف صديق شتيمة في عبد الناصر فقلت وما هي فأحضر يوسف مسودة القصيدة وتلاها علي ، وأذكر منها بيتا واحدا لا يزال عالقا بذهني حتى يومنا هذا وهو :
أفرعون مصر وجبارها
صحا لها من وراء القرون
وتناقشت مع يوسف صديق حول هوية عبد الناصر ومعتقداته هل هو ماركسي أم إسلامي ؟
فقال يوسف صديق ما كان عبد الناصر إسلاميا ولا كان ماركسيا ولكن كان كفرعون موسى الموسوم في سور القرآن بالضلال والظلم والطغيان.
وفرعون موسى له مذهب في الحكم يقوم على الحكم الفردي المطلق والطغيان وتأليه الحاكم.
وقد بين القرآن الكريم ما في هذا النظام الفرعوني من فساد فقال تعالى :
﴿ وَفِرْعَوْنَ ذِي الأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي البِلادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ﴾ ( الفجر 11-  14) .
بقينا في السجن الحربي وكانت المعاملة حسنة جدا والزنزانات مفتوحة طول النهار والطعام يحضر لنا من بيوتنا بعربة السجن الحربي والجرائد تصلنا بانتظام والاتصال التليفوني بعائلاتنا مسموح به وقائد قسم القاهرة يمر علينا يوميا ويسأل عن طلباتنا ويزورنا طبيب يوميا.
وكان حمزة البسيوني يلعب معنا الطاولة وبقينا في السجن الحربي إلى أن جاء يوم ذهب عبد المنعم عبد الرءوف إلى المحاكمة ولم يعد وتبين أنه هرب من حارسه العميد محمد نبيه خطاب .
وبعد هرب عبد المنعم عبد الرءوف ضيقوا علينا الخناق وصار كل واحد منا يقضي 24 ساعة في الزنزانة الانفرادية لا يتصل بمخلوق ولا يتكلم مع أحد وفي 29/ 6/ 1954  صدرت الأوامر بالإفراج عني وعن أبو المكارم عبد الحي و معروف الحضري و جمال ربيع أي عن الضباط الذين اعتقلوا بمقولة إنهم ينتمون ل جماعة الإخوان المسلمين .
هكذا يتأكد لنا من شهادة حسين حمودة - الأستاذ بالكلية الحربية والعضو المؤسس في تنظيم الضباط الأحرار ، الذي انضم إليه حين أسسه الإخوان المسلمون عام 1943م ولم يكن فيه ساعتها سوي عدد من الضباط يعد علي الأصابع ، وظل يكافح مع التنظيم حتي اتسعت دائرته طوال السنوات من 1943م حتي 1948م وهو العام الذي نشبت فيه حرب فلسطين وتوقف نشاط التنظيم ، ليعيد عبد الناصر تأسيسه مرة أخري عام 1950م بعد أن ألغي تبعيته للإخوان المسلمين – هكذا يؤكد لنا الشاهد عدة حقائق :
- أن جمال عبد الناصر اعتقل أعظم قادة ثورة يوليو 1952م الذين قاموا بأهم وأعظم الأدوار فيها من أمثال يوسف منصور صديق وأحمد شوقي .
- أن جمال عبد الناصر اعتقل كافة الضباط الذين لهم انتماء سياسي مثل ضباط الإخوان المسلمين أو الشيوعيين ، كما اعتقل قادة الوفد ، ليؤكد لنا ما قرأناه في كتاب " ثورة يوليو الأمريكية " من أن ثورة يوليو تمت بالاتفاق بين عبد الناصر والأمريكان ، بحيث يحصل عبد الناصر علي دعم الأمريكان في مواجهة الانجليز شريطة أن يقضي العسكر علي الثورة الشعبية القائمة بالفعل في مصر بقيادة الوفد والإخوان المسلمين والشيوعيين والتي كانت تتبني الاستقلال التام عن كافة الدول الاستعمارية ، ورفعت الهتاف الأصيل للحركة الثورية الشعبية " الاستقلال التام أو الموت الزؤام " استكمالا لجهود الاستقلال التي  بدأها  مع بداية الاحتلال الانجليزي الزعيم الشعبي / مصطفي كامل ، ووصلت ذروتها في ثورة 1919م بقيادة الزعيم الشعبي سعد زغلول وما تلاها من أحداث أهمها العمليات الفدائية ضد الانجليز وحرب فلسطين ، وهي الأحداث التي ظهرت فيه قوة جماعة الإخوان المسلمين وبسالتها واستعدادها للتضحية بالنفس والمال من أجل مشروع الاستقلال التام ، هذا كله في الوقت الذي كان فيه العسكر جزء من منظومة الاحتلال الانجليزي يخضعون للانجليز والملك معا ، ويفعلون ما يطلب منهم للقضاء علي أي حراك شعبي ثوري باستثناء حالات فردية من الضباط نذكر منهم جمال عبد الناصر الذي انضم للتنظيم السري لضباط الجيش الذي أسسه الإخوان المسلمون علي نحو ما أوضحنا .
- أن جمال عبد الناصر كان محترفا في التدبير والتخطيط للخلاص من كل الوطنيين حتي لا يشاركه أحد في الحكم ، ولا يكترث في سبيل ذلك بالقيم الدينية أو الأخلاقية أو العرفية .
- أن بذور الاستبداد التي زرعها جمال عبد الناصر لم يتمكن الشعب المصري من الخلاص منها منذ عام 1952م وحتي الآن ، بل إن السيسي هو أعظم ثمار استبداد عبد الناصر ، فهو الرجل الذي أعلن أن إسرائيل صديق وأنه لن يسمح بأن تضار إسرائيل من جهة الحدود المصرية ، بينما أعلن في ذات الوقت أن عدوه أصبح داخل مصر ومن بين أبناء الشعب المصري وأسماهم " أهل الشر " .



الاثنين، 13 مارس 2017

ستون عاما من ظلم العسكر للإخوان .8






المقدمة الثابتة لهذه السلسلة من المقالات :
" شهادات لا تحصي ولا تعد تكشف وتؤكد أن الإخوان المسلمين هم من أنشئوا تنظيما سريا بين ضباط الجيش المصري هو نفسه ما سُمي فيما بعد " تنظيم الضباط الأحرار " ، وحددوا أهدافه في الخلاص من الملكية المستبدة الفاسدة والاحتلال الانجليزي ، وتحقيق مبدأ الوحدة الإسلامية بين الدول الإسلامية من خلال التعاون وليس من خلال حكومة مركزية واحدة ، كما تكشف هذه الشهادات كيف تحالف العسكر والإخوان المسلمون وأفراد من الشعب من أجل مصر وتحريرها ونهضتها ، وسرعان ما تفكك التحالف بعد أن وصل العسكر للسلطة ، فاستبدلوا حب الوطن بحب الدنيا ، واستبدلوا المودة مع شركاء العمل الوطني بالعداء السافر الذي لم يظهروه تجاه إسرائيل نفسها ".
أوضحنا في المقال السابق أن علاقة الرئيس جمال عبد الناصر بأمريكا والتي بدأت عام 1950م كان لها علاقة واضحة بانقلابه علي الإخوان المسلمين بل وعلي حزب الوفد وكافة القوي السياسة الأخرى كالشيوعيين ، ونحيل في ذلك للمقال السابق منعا للتكرار .
نفس العام الذي بدأت فيه علاقة الرئيس جمال عبد الناصر بأمريكا 1950م هو نفسه الذي أعاد فيه تأسيس تنظيم الضباط السري داخل الجيش ، إلا أنه ألغي تبعيته لجماعة الإخوان المسلمين وأطلق عليه " تنظيم الضباط الأحرار ".
لم يكتف بذلك ، بل سعي بعد نجاح الثورة مباشرة للقضاء علي جماعة الإخوان المسلمين التي أسست تنظيم الضباط الأحرار والذي ظل يعمل من عام 1943م حتي قيام حرب فلسطين عام 1948م ، وهي الفترة التي قام خلالها الإخوان بعمليات فدائية ضد الانجليز ، فضلا عن مشاركتهم في حرب فلسطين جنبا إلي جنب مع الجيش المصري بعدة كتائب من متطوعي شباب الإخوان ، وأخيرا مشاركتهم في العمليات الفدائية ضد الانجليز بعد إعلان حكومة الوفد بقيادة مصطفي النحاس إلغاء معاهدة 1936م وذلك في أكتوبر 1951م ، ثم مشاركتهم في ثورة يوليو 1952م ، وهو ما يؤكد أن - شروع العسكر في القضاء علي الثورة الشعبية التي قامت ضد الملكية والاستعمار البريطاني والأمريكي بكل من ساهم فيها من وفد وإخوان وشيوعيين - كان شرطا أمريكيا لدعم أمريكا لحركة الضباط الأحرار علي النحو الذي انتهي إليه كتاب " ثورة يوليو الأمريكية " للأستاذ / محمد جلال كشك وهي نفس النتيجة التي رجحتها في مقالي " العسكر سرقوا ثورة يوليو 1952م كما سرقوا ثورة يناير " .
سادس عشر : حسين حمودة يكشف لنا تفاصيل حل جماعة الإخوان المسلمين بقرار من مجلس قيادة الثورة بتاريخ 14/1/1954م .
يقول حسين حمودة :
بعد عودتي من الولايات المتحدة في نهاية ديسمبر سنة 1953  عُينت في وظيفة أركان حرب اللواء السابع المشاة بالعباسية.
وفي يوم 14 / 1 / 1954م نشرت صحف القاهرة بياناً صادراً من مجلس قيادة الثورة بحل جماعة الإخوان المسلمين واعتقال حسن الهضيبي مرشد الجماعة وبعض أعضاء الجماعة وأودعوا السجن الحربي.
وفي مساء يوم الجمعة 15/ 1/ 1954م كنت في ميدان الأوبرا حيث التقيت بالدكتور غراب والصاغ خليل نور الدين فجلسنا بعض الوقت في كازينو أوبرا نتجاذب أطراف الحديث.
وعند انصرافنا تقابل خليل نور الدين مع شخص يعرفه يتردي الملابس المدنية فعرفنا به وهو الصاغ / أحمد سبل .
وقال له خليل نور الدين تعال معنا نوصلك في طريق عودتنا إلى منازلنا ؛ فركبنا نحن الأربعة الدكتور غراب وأنا و خليل نور الدين و أحمد سبل عربة الدكتور غراب.
فعرفت من أحمد سبل أنه نجل اللواء عبد الواحد سبل ، فقلت له إني أعرف والدك وهو رجل معروف في الجيش بتدينه الشديد .
وأثناء سير السيارة قال أحمد سبل :
ما رأيكم في قرار مجلس الثورة بحل جماعة الإخوان المسلمين ؟
فقلت له :
الموضوع غريب وبخاصة اتهام مجلس الثورة الإخوان بأنهم اتصلوا بالإنجليز من خلف ظهر مجلس قيادة الثورة ، وقلت أنا سأستفسر عن هذا الموضوع من جمال عبد الناصر لأعرف تفاصيل الموضوع.
فقال أحمد سبل :
الموضوع واضح ولا يحتاج إلى استفسار فمجلس الثورة يريد الاستبداد بحكم البلاد واحنا لو سكتنا فما حدش هيقدر عليهم بعد كده ، ثم قال : أنا عندي 12 ضابط إخوان مسلمين في آلاي مدفعية واحد وهم ثائرون جداً لحل الإخوان وعايزين يعملوا حاجة إيجابية ، فإذا كنت يا خليل تعرف حد من ضباط الإخوان في المشاة أو المدرعات تبقى قوة كافيه هتقدر تعمل حاجة تخلص مصر من هذا الطغيان.
فقلت له :
لا داعي لمثل هذا الكلام ولا داعي لإثارة المشاعر وعلينا التزام الهدوء حتى تتضح الأمور لأن جو الإثارة والانفعال ليس في مصلحة البلاد ، وانصرف كل منا إلى منزله.
وفي صباح 18/ 1/ 1954م اتصل بي تليفونيا في مكتبي برئاسة اللواء السابع المشاة بالعباسية الصاغ أركان حرب صلاح نصر مدير مكتب اللواء عبد الحكيم عامر قائد عام القوات المسلحة وطلب مني الحضور لمبنى القيادة العامة لمقابلة القائد العام للقوات المسلحة.
فذهبت علي الفور وصعدت إلى مكتبه فاستقبلني صلاح نصر وأدخلني غرفة القائد العام.
فوجدت جمال عبد الناصر جالساً على مكتب عبد الحكيم عامر ولم يكن عبد الحكيم عامر موجوداً في مكتبه.
فسألني جمال عبد الناصر عن مدى صلتي الآن ب الإخوان المسلمين ؟
 فقلت له : إن صلتي ب الإخوان المسلمين أنت تعرفها جيداً ولا تعدو الصلة التي كانت تربطني وتربطك بهم منذ عام 1943  حتى 15 مايو 1948 وهو تاريخ دخول الجيش المصري حرب فلسطين حيث انقطعت صلتي ب الإخوان .
واشتركت معك سنة 1950  في تنظيم الضباط الأحرار كما هو معلوم لديك جيداً ، ولما نقلت مدرسا بالكلية الحربية في 19/ 11/ 190م انتظمت في نواة الضباط الأحرار بالكلية الحربية كما اتفقت على ذلك معك واشتركت في تنفيذ الثورة ليلة 23/ 7 / 1952م بتجهيز معتقل الكلية الحربية كما هو معلوم لك.
وأنت تعلم جيداً أني لا أعرف أحداً من الإخوان المسلمين غير المرحوم حسن البنا والمرحوم محمود لبيب و عبد الرحمن السندي رئيس التنظيم السري المدني ل جماعة الإخوان المسلمين .
أما القيادة الجديدة للإخوان فلا أعرف حسن الهضيبي ولا أعرف أحداً من أعضاء مكتب الإرشاد ولا أي شخص في جماعة الإخوان المسلمين على الإطلاق.
ولقد قطعت صلتي ب عبد الرحمن السندي بناء على نصيحتك لي في سنة 1950 بعد أن أعلمك إبراهيم عبد الهادي رئيس وزراء مصر بأنك كنت مع آخرين من الضباط تدربون الجهاز السري للإخوان المسلمين .
فقال جمال عبد الناصر :
أنا لا أسألك عن هذا ولكن أسأل عن مدى صلتك الآن ب عبد المنعم عبد الرءوف ؟ فقلت له : أنت تعلم أن عبد المنعم عبد الرؤوف هو الذي أدخلني تنظيم الإخوان العسكري وهو الذي أدخلك هذا التنظيم سنة 1943  وتعلم المجهود الذي قام به المرحوم محمود لبيب في تكون التنظيم السري لضباط القوات المسلحة في الفترة من سنة 1943  حتى 15 مايو سنة 1948  .
فقال أنا أعرف ذلك ولكني أريد أن أعرف صلتك ب عبد المنعم عبد الرؤوف بعد الثورة.
فقلت له : لا يوجد أي اتصالات بيني وبين عبد المنعم عبد الرؤوف من 15 مايو سنة 1948  حتى الآن ، فبعد حرب فلسطين كان عبد المنعم عبد الرؤوف يخدم في سيناء وكنت أنت في القاهرة مدرسا بكلية أركان الحرب فاقتصر اتصالي في الفترة التي أعقبت حرب فلسطين عليك ولم أقابل عبد المنعم عبد الرءوف مطلقاً.
فقال وما صلتك ب معروف الحضري ؟
 فقلت له معروف الحضري من خيرة ضباط الجيش وكان معنا في تنظيم الإخوان قبل حرب فلسطين وفي تنظيم الضباط الأحرار بعد حرب فلسطين واشترك في تنفيذ ثورة 23 يوليو 1952.
 فقال : أعرف ذلك ولكن هل هناك اتصالات بينك وبينه بعد الثورة ؟
فقلت : لا.
ثم سأل جمال عبد الناصر ما مدى صلتك بأبي المكارم عبد الحي ؟
فقلت له : البكباشي أركان الحرب أبو المكارم عبد الحي من خيرة ضبا الجيش وكان زميلا لي في التدريس في الكلية الحربية وهو من الضباط الإخوان الممتازين.
ثم سألته ماذا تقصد من هذه الأسئلة ؟ ولماذا قمت بحل الإخوان ؟ وهل ما زلت عند اتفاقك الذي عاهدنا الله عليه قبل الثورة في أن الحكم سيكون بكتاب الله عز وجل إن وفقنا الله في الاستيلاء على السلطة في الدولة.
فقال جمال عبد الناصر من جهة الحكم بالقرآن أنا أحكم به من الآن ولكن خطوة خطوة حتى يطيق الناس لأن في البلد أجانب ومسلمين فاسقين والأمر يحتاج إلى ترو وسياسية.
فقلت له وما سبب حل الإخوان ؟
فقال : لأنهم عصاة.
فقلت له وما مظاهر عصيانهم ؟
قال جمال عبد الناصر أنا طلبت من حسن الهضيبي حاجات رفضها.
فقلت له وما هي هذه الطلبات التي رفضها حسن الهضيبي ؟
فقال عبد الناصر طلبت منهم الانضمام لهيئة التحرير فرفضوا .  
فقلت له : هم أحرار طالما لا يأتون أعمالا من شأنها الإضرار بالصالح العام.
فقال عبد الناصر : لا ليسوا أحرارا ، أنا عايز البلد تنتظم كلها في هيئة سياسية واحدة تمشي وراء أهداف الثورة وبذلك نستطيع تحقيق أهداف الثورة بسرعة وبلا منازعات أو اختلاف في الرأي ، أنا عايز البلد كلها على رأي وفكر واحد هو فكر الثورة .
فقلت لعبد الناصر ولكنك في قرار حل الإخوان اتهمتهم بالخيانة لاتصالهم بالإنجليز.  
فقال جمال اتصالهم بالإنجليز كان بعلمي وبالاتفاق معي ولكني أؤدبهم حتى يخضعوا لإرادتي ونعرف نمشي بالبلد ولا يبقاش في مصر سلطتين أنا عايز سلطة واحدة بس.
فقلت له : إذن أنت تتجه بالبلد نحو حكم الفرد المطلق ونحن لم نتفق معك على ذلك وهذا الاتجاه خطير وسيدفع شعب مصر ثمناً فادحا نتيجة لهذا الاتجاه الديكتاتوري.
وقلت له إن طريق الحرية هو الطريق الوحيد لتقدم الشعوب لأن الأمر يجب أن يكون شورى بين المؤمنين كنص القرآن الكريم ، أما حكم الفرد المطلق فسوف يوردنا موارد الهلاك .
وسألته عن قصة اتصال الإخوان بالإنجليز .
فقال عبد الناصر لقد طلب الإنجليز الاتصال بالمرشد العام للإخوان المسلمين لاستطلاع رأيه ورأي الإخوان في مشروع المعاهدة المزمع عقدها معهم بشأن جلاء القوات البريطانية عن مصر ورغبة انجلترا في استمرار التحالف مع مصر وعودة القوات البريطانية إلى مصر في حالة الحرب أو خطر الحرب أو قيام حالة دولية مفاجئة.
فاتصل الإخوان ب عبد الناصر وأعلموه بطلب الإنجليز فوافق عبد الناصر على ذلك على أن يوافيه الإخوان بما سوف يدور من حديث بينهم وبين الإنجليز.
وفعلاً أخطر الإخوان عبد الناصر بكل ما دار بين مبعوث السفارة البريطانية ومندوبي الإخوان المسلمين في هذا اللقاء.
ثم عاد عبد الناصر إلى أسئلته المثيرة.
فقال عبد الناصر : وما صلتك بالدكتور غراب ؟
فقلت له الدكتور غراب طبيب في الجيش وجار لي في السكن.
فقال وما صلتك ب خليل نور الدين ؟
فقلت له خليل نور الدين من دفعتي في الكلية الحربية فقال هل هو من الإخوان ؟
فقلت أعلم أنه من الإخوان .
ثم قال عبد الناصر:  وما صلتك ب أحمد سبل ؟
فقلت:  لا أعرفه.
فقال عبد الناصر : إزاي متعرفوش أنت تكذب علي .  
فقلت له أنا لا أكذب .
فقال عبد الناصر : ألم تكن تركب عربة الدكتور غراب مساء الجمعة 15/ 1/ 1954  وكان معك خليل نور الدين و أحمد سبل وتحدثتم في موضوع خطير بخصوص الإخوان فأدركت على الفور أنه كانت هناك رقابة ما وأن عبد الناصر علم بما دار في العربة من حديث وأنه استدعاني لهذا الغرض ولم يخطر ببالي مطلقاً أنه علم بما دار في العربة من أحمد سبل نفسه كما اتضح لي فيما بعد وسأذكره في هذه المذكرات في حينه.
فقلت لعبد الناصر : الحقيقة أنا لا أعرف أحمد سبل مطلقاً وقصصت على عبد الناصر نص حديث أحمد سبل في العربة .
فقال عبد الناصر : أنا عرفت الموضوع مساء الجمعة 15/ 1/1954م عند منتصف الليل وانتظرت حضورك السبت 16/ 1/1954م  أو الأحد 17/ 1/ 1954  ولما لم تحضر لتبلغني بما حدث استدعيتك اليوم الاثنين 18/ 1/1954م وعدم تبليغك لي يجعلني لا أطمئن إلى مدى ولائك لي ولذلك سأضطر لاعتقالك حتى تنجلي الأمور وضغط عبد الناصر على جرس أمامه فدخل ثلاثة ضباط من الشرطة العسكرية كانوا جاهزين.
اعتقلت للمرة الأولى في حياتي وللمرة الأولى في عهد جمال عبد الناصر يوم 18 يناير سنة 1954   ورحلت بواسطة الشرطة العسكرية من مكتب جمال عبد الناصر إلى مقر الشرطة العسكرية بباب الحديد حيث وضعت في زنزانة تحت الأرض ثم نقلت يوم 1/ 2/ 1954م إلى سجن الأجانب بباب الحديد.
فوجدت في سجن الأجانب بعض ضباط الجيش المسجونين في قضية رشاد مهنا وأذكر منهم مصطفى راغب محمد و محسن عبد الخالق ووجدت بعض الضباط المعتقلين لكونهم من الإخوان المسلمين أذكر منهم البكباشي عبد المنعم عبد الرؤوف والبكباشي أبو المكارم عبد الحي والصاغ معروف الحضري والصاغ جمال ربيع .
وكان يوجد معنا في سجن الأجانب في ذلك الوقت الأستاذ فؤاد سراج الدين.
انتهي ما اقتبسناه من حديث الضابط / حسين حمودة ، ونقول : هكذا جمعت سجون جمال عبد الناصر كافة القوي السياسية بعد نجاح ثورة يوليو 1952م ، جمعت قطبي الحراك الثوري الشعبي ضد الملكية الفاسدة والمحتل الانجليزي ، جمعت الوفد والإخوان المسلمين علي نحو يجعلنا نطبق  قاعدة الأستاذ / عباس محمود العقاد " كتاب واحد تقرأه ثلاث مرات خير من ثلاثة كتب تقرأ كل منهم مرة واحدة "، فنقرر ونعقد العزم علي قراءة كتاب " ثورة يوليو الأمريكية عشرات المرات " .