الاثنين، 26 يوليو 2021

 

لماذا تحارب أمريكا الديمقراطية في الدول الإسلامية ؟!

من كتاب صدام الحضارات

صامويل هتنجتون

-        أكد الكاتب العملاق صامويل هتنجتون على النتائج التي توصل إليها الكاتب الكبير " فرانسيس فوكوياما " في كتابه " نهاية التاريخ والرجل الأخير" ، من أن أبناء الحضارة الغربية لديهم اعتقاد جازم بأن حضارتهم قد بلغت قمة التقدم في جميع المجالات ، وأنه ينبغي فرض القيم الغربية بمختلف أنواعها على سائر الحضارات .

-        ثم أكد على تبني أمريكا فرض منظومتها الثقافية ومن بينها حقوق الإنسان والديمقراطية على سائر الشعوب التي تنتمي إلي حضارات أخري ، لا لخدمة الشعوب ، ولكن سعيا وراء المكاسب التي سوف تحققها من جراء تبعية الدول المتحولة لها والسير في ركابها وتنفيذ سياساتها في مختلف المجالات ، كما أكد على نجاح أمريكا في تحقيق مخططها في تحويل الكثير من الدول إلى الديمقراطية ، وأكد على أن أكثر عمليات التحول إلى الديمقراطية  الناجحة كانت في دول مسيحية نظرا للاتحاد أو بالأدنى التقارب في المنظومة الثقافية ، وفي هذا الصدد يقول صامويل هنتنجتون :

في السبعينيات والثمانينيات تحول أكثر من 30 دولة من أنظمة سياسية سلطوية إلى أنظمة ديمقراطية ، موجة التحول هذه وراءها أسباب كثيرة ، النمو الاقتصادي كان بلا شك هو العامل الرئيسي وراء ظهور هذه التغيرات السياسية ، بالإضافة إلى ذلك فإن سياسات وتصرفات الولايات المتحدة والقوى الأوروبية الغربية والمؤسسات الدولية ساعدت على تحقق الديمقراطية في أسبانيا والبرتغال وكثير من دول أمريكا اللاتينية والفلبين وكوريا الشمالية وأوروبا الشرقية . كان التحول الديمقراطي ناجحا حيث كانت المؤثرات المسيحية والغربية قوية واتضح أن استقرار الديمقراطية الجديدة في دول أوروبا الغربية والوسطى والتي كانت معظمها كاثوليكية او بروتستانتية أكثر احتمالا عنه في دول أمريكا اللاتينية .

في شرق أسيا عادت الفلبين الكاثوليكية والخاضعة لتأثير أمريكي شديد إلى الديمقراطية في الثمانينات ، بينما في كوريا الجنوبية وتايوان تبني القادة المسيحيون حركة نحو الديمقراطية .

وكما أشرنا من قبل في الاتحاد السوفيتي السابق: في جمهوريات البلطيق يتم إرساء الديمقراطية بنجاح ، في الجمهوريات الأرثوذكسية مستويات الديمقراطية ودرجات استقرارها مختلفة وغير مؤكدة ، في الجمهوريات الإسلامية آفاق الديمقراطية غير واضحة . في التسعينيات حدثت تحولات ديمقراطية في معظم دول العالم - خارج افريقيا - باستثناء كوبا ، حيث تعتنق الشعوب المسيحية الغربية أو حيث توجد مؤثرات مسيحية كثيرة . هذه التحولات مع سقوط الاتحاد السوفيتي ولدت اعتقادا لدى الغرب ، وبخاصة الولايات المتحدة بأن هناك ثورة ديمقراطية كونية في الطريق ، وأن المفاهيم الغربية عن حقوق الإنسان والأشكال الغربية للديمقراطية السياسية سوف تسود العالم بسرعة . وقد صدقت على ذلك إدارة بوش بإعلان "جيمس بيكر" وزير الخارجية في إبريل 1990م : إن وراء الكبح توجد الديمقراطية ، وأنه من أجل عالم ما بعد الحرب الباردة حدد الرئيس بوش مهمتنا الجديدة بأن تكون هي تبني الديمقراطية وتدعيمها .

وفي حملته الانتخابية  1992م كرر "كلينتون" أكثر من مرة أن تبني الديمقراطية سيكون على رأس أولويات إدارته ، وأن التحول الديمقراطي كان الموضوع الوحيد للسياسة الخارجية ، والذي كرس له خطابا كاملا في حملته. وبمجرد أن باشر مهامه كرئيس أوصي بزيادة بمقدار الثلثين في الاعتمادات المالية المخصصة للصندوق القومي للديمقراطية ، كما حدد مساعده لشؤون الأمن القومي الموضوع الرئيسي في سياسته الخارجية بأنه توسيع الديمقراطية ،  كما حدد وزير دفاعه تبني الديمقراطية كواحد من أربعة أهداف رئيسية ، وحاول أن يستحدث وظيفه عليا في إدارته لمتابعه هذا الهدف .

ثم أوضح صامويل هنتنجتون أن أمريكا اكتشفت أنه وإن كانت - عملية التحول الديمقراطي في الدول المنتمية ثقافيا للحضارة الغربية - ناجحة ومفيدة لأمريكا والغرب ، إلا أنها لم تكن مفيدة للغرب عندما حدثت في دول تنتمي إلى حضارات أخرى كالحضارة الإسلامية ، وهو الأمر الذي حدا بأمريكا والغرب لمحاربة أي تحول ديمقراطي بأي دولة إسلامية حيث يقول :

- الافتراض الغربي السهل بأن الحكومات المنتخبة ديمقراطيا سوف تكون متعاونة وموالية للغرب لا يحتاج لأن نعتبره صحيحا في المجتمعات غير الغربية ، حيث يمكن أن تأتي الانتخابات إلى السلطة بقوميين أصوليين معادين للغرب . لقد شعر الغرب بالارتياح عندما تدخل الجيش الجزائري في سنة 1992م وألغى الانتخابات التي كان من الواضح أن الجبهة الإسلامية Fis الأصولية ستفوز بها . كما اطمأنت الحكومات الغربية أيضا عندما طُرد حزب الرفاة في تركيا وحزب "BJP " القومي في الهند من السلطة بعد تحقيقهما انتصارات انتخابية في 1995م و1996م . من جانب آخر وفي اطار ثورتها ، فإن إيران كان يوجد بها أحد أكثر الأنظمة  ديمقراطية في العالم الاسلامي والانتخابات التنافسية .

في دول عربية كثيرة بما في ذلك السعودية ومصر من المؤكد أن الدميقراطية ستفرز حكومات أقل تعاطفا بكثير مع المصالح الغربية عن الحكومات غير الديمقراطية السابقة عليها . إن حكومة صينية منتخب شعبيا يمكن ان تكون حكومة وطنية إلى درجة كبيرة .

وحيث إن قادة الغرب يدركون أن العمليات الديمقراطية في المجتمعات غير الغربية غالبا ما تأتي بحكومات غير صديقة ، فإنهم يحاولون التأثير على تلك الانتخابات . كما يفقدون حماسهم كذلك لتنمية الديمقراطية في تلك التجمعات .

-        الولايات المتحدة تتآمر لقلب الأنظمة الإسلامية خلال السنوات ال 15 بين 1980م و 1995م  وطبقا لبيانات وزارة الدفاع الأمريكية شاركت الولايات المتحدة في 17 عملية في الشرق الأوسط كانت كلها موجهة ضد مسلمين ، ولم تحدث أي عمليات أمريكية من هذا النمط ضد أي شعب من حضارة أخرى .

-        الحكومات التي جاءت بعد الاحتلال مباشرة كانت غربية عموما في أيديولوجيتها وسياستها ، وموالية للغرب في سياستها الخارجية مع استثناءات جذرية مثل الجزائر وإندونيسيا حيث كان الاستقلال نتيجة ثورات وطنية ، إلا أن الحكومات الموالية للغرب راحت واحدة تلو الأخرى تخلي الطريق لحكومات أقل توحدا مع الغرب أو معادية له : في العراق و ليبيا واليمن وسوريا وإيران والسودان وأفغانستان . كما حدثت تغيرات أقل درامية في نفس الاتجاه في توجهات وانحيازات دول أخرى من بينها تونس وإندونيسيا وماليزيا .

-        الحليفان العسكريان الرئيسيان للولايات المتحدة في سنوات الحرب الباردة هما تركيا وباكستان واقعتان تحت ضغط سياسي إسلامي في الداخل ، وروابطهما مع الغرب عرضة لتوتر متزايد . في عام ١٩95م كانت الكويت هي الدولة الإسلامية الوحيدة الأكثر موالاة للغرب ، بكل وضوح عما كانت عليه قبل عشر سنوات .

-        أصدقاء الغرب المقربون في العالم الإسلامي الآن ، إما أنهم مثل الكويت والسعودية ومشيخات الخليج المعتمدة على القوة العسكرية الغربية ، أو مثل مصر والجزائر يعتمدون عليها اقتصاديا  ، أواخر الثمانينيات انهارت الأنظمة الشيوعية في أوروبا الشرقية عندما أصبح واضحا أن الاتحاد السوفيتي لم يعد قادرا أو لن يكون قادرا على تقديم العون  الاقتصادي والعسكري لهم و إذا اتضح أن الغرب لن يكون قادرا على المحافظة على توابعه من الأنظمة الإسلامية ، فالمرجح أنهم سيلقون نفس المصير .

-        المشكلة المهمة بالنسبة للغرب ليست الأصولية الإسلامية بل الإسلام فهو حضارة مختلفة شعبها مقتنع بتفوق ثقافته وهاجسه ضآلة قوته . المشكلة المهمة بالنسبة للإسلام ليست المخابرات المركزية الأمريكية ولا وزاره الدفاع ، المشكلة هي الغرب : حضارة مختلفة شعبها مقتنع بعالمية ثقافته ، ويعتقد أن قوته المتفوقة إذا كانت متدهورة فإنها تفرض عليه التزاما بنشر هذه الثقافة في العالم ، هذه هي المكونات الأساسية التي تغذي الصراع بين الإسلام والغرب.

ملحوظة :

لقد نشرت هذا المقال علي صفحة الفيس الخاصة بي يوم الأحد الموافق 25/7/2021م الساعة 11.41 صباحا ، فإذا بالرئيس التونسي قيس سعيد يعلن في مساء ذات اليوم قرارات انقلابية علي مكتسبات الثورة التونسية .

محمد العمدة



 






 عندما أغاث الله مصر بمرض الفرعون:

" كان لثورة 1919 بزعامة سعد زغلول باشا دور مهم في صدور التصريح البريطاني باستقلال مصر في 28 فبراير 1922م .

وقد لعبت الحركة الوطنية دوراً تاريخياً عندما وضعت في أولى مهامها وضع دستور يحقق طموحات وكفاح الشعب المصري ، فسارعت بتشكيل لجنة من 30 عضوا ممثلين للأحزاب الوطنية وقادة الحركة الوطنية والزعامات الشعبية وإصدار دستور 1923، وكان ذلك تتويجا لكفاح شعب مصر ، وعلامة بارزة في تاريخها  ، فهذا الدستور فرض قيودا شديدة على سلطات الملك ، ومكن الشعب من ممارسة سيادته من خلال مجلس نيابي ينازعه السلطان وحكومة برلمانية ممثلة للسلطة التنفيذية !.

ولقد ضاق الملك فؤاد من هذا الدستور ، ووجد من ترزية القوانين من يضع دستورا جديدا يعطى للملك جميع السلطات ، مثل : الاعتراض على أى قانون يقره البرلمان ، والحد من محاسبته للوزراء و....

وفى 22 فبراير 1930م استصدر إسماعيل صدقي باشا مرسوما ملكيا بإلغاء دستور 1923م ، حيث لم يكن من المؤمنين بالحياة الديمقراطية ، وبذلك صدر دستور 1930م ليطلق يد الملك فؤاد فى جميع مناحي الحياة دون أى معارضة..

إلا أن الشعب المصري ظل يقاوم هذا الدستور ، واستطاع من خلال الجبهة الوطنية أن يسقط دستور 1930 بعد خمس سنوات والعودة مرة أخرى بدستور 1923م ، وكان هذا تتويجا لكفاح الشعب البطل ، هذا وقد ظل العمل به حتى جاءت ثورة 1952 وقامت بإلغائه " .

ونقول : بالطبع ما كان الملك فؤاد ليقبل بدستور ١٩٢٣م والذي ينص في مادته رقم ( 23 ( على أن :

( جميع السلطات مصدرها الأمة واستعمالها يكون على الوجه المبين بهذا الدستور ). ، في الوقت الذي يرى فيه الملك فؤاد أن مصر ملك له بالميراث عن المرحوم جده محمد علي باشا ، وأن السيادة له وليس للشعب ، لذا اختار الملك فؤاد إسماعيل صدقي باشا رئيسا للوزراء ليحقق له كل ما يريد .

والعجيب أن إسماعيل صدقي كان ممن تم نفيهم مع سعد زغلول أثناء مطالبتهم بالسفر لحضور مؤتمر باريس لمناقشة قضية استقلال مصر بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى ، لكن يبدو أنه كان من أصحاب الطموحات الشخصية وليس الوطنية ، فعندما وجد الفرصة ليصبح من كبار رجال الملك فؤاد ، مقابل أن ينفذ له كافة رغباته لم يتردد ، وكانت فترة حكمه جحيما على الشعب المصري ، وألغى دستور ١٩٢٣م ، وأصدر دستور ١٩٣٠م لصالح الملك وعلى حساب الشعب .

وخلال فترة رئاسة إسماعيل صدقي للوزراء ، كانت هذه أفعاله وخصاله :

-        أصبح إسماعيل صدقي حليفا لليهود ، ولم يكترث بالقضية الفلسطينية أو مآسي الفلسطينيين .

-        انقلب على مكتسبات الشعب الديمقراطية بإلغاءه دستور ١٩٢٣م ، وإصداره دستور ١٩٣٠م .

-        كان دمويا قتل أعدادا لا تحصى من المصريين ، وكان ساديا قاسيا اعتقل أعدادا لا تحصى من المصريين وأذاقهم العذاب في السجون ليكونوا صبرا ، ولم يستثن عالما ولا شيخا ولا مسنا ولا صغيرا ولا إمرأة ولا فتاة ولا مريضا .

-        كان عدوا لكل مظاهر الديمقراطية ، حرية الرأي والصحافة والتظاهر والانتخابات النزيهة ، حيث أفسد القوانين الانتخابية ليسهل التزوير ، ثم استغل أجهزته الأمنية لإخراج نتائج الانتخابات على النحو الذي يريد ، التاريخ يثبت له أنه صاحب اختراع إفساد القوانين الانتخابية وتزوير الانتخابات .

في مقال كتبه الأستاذ علي القماش ردا علي كاتبة بالأهرام مبهورة برئيس وزراء مصر إسماعيل باشا صدقي يقول فيه :

وهذا عرض تاريخي لإسماعيل صدقي المنبهرة به الكاتبة  ورأى أحد كبار الكتاب والمؤرخين فيه لعلها تتراجع عن تجاوزها بوصفها منتقديه بالغوغائية !.

علاقات إسماعيل صدقي باليهود:

نخرج قليلا من مقال الأستاذ علي القماش لنعرج إلى كتاب " إسماعيل باشا صدقي " في مسألة موقف إسماعيل صدقي باشا من القضية الفلسطينية ، حيث يقول الدكتور محمد الجوادي :

" أصبح من المعروف في التاريخ المعاصر أن إسماعيل صدقي كان له رأي مخالف لرأي أغلبية المصريين في حرب 1948م في القضية الفلسطينية ، ولا يتسع هذا المقام للحديث المفصل عن وجهة نظر صدقي ، ولكننا سنوضح بعض ما يعطينا فكرة عن آرائه ،  يقول الأستاذ محمد سيلاني كيلاني: وتنفيذا لأمر الإنجليز قرر إسماعيل صدقي باشا أن تشترك حكومته في المعرض الصهيوني الذي أقيم في تل أبيب في مارس سنه 1933م ، مما أثار عليه سخط الشعب الفلسطيني ، وقد حملت عليه صحيفة فلسطين حملة عنيفة ، ووجهت إليه عبارات قاسية ، فردت عليها صحيفة الشعب في 13/ ٣/ 1933م  ، وهي لسان حال صدقي باشا بمقال جاء فيه: إن الحكومة على الأقل في مصر تلتزم الحيدة المطلقة في الخلافات السياسية أو الحزبية أو الاجتماعية أو الجنسية التي تقوم في البلاد المجاورة وتنأى بجانبها عن المعارك التي تنشب فيها ولا تتحيز لناحية دون أخرى ".

وهذا يعني عدم اعتراف إسماعيل صدقي بأية روابط عربية أو إسلامية مع فلسطين ، فهي من وجهة نظره مجرد دولة مجاورة ، ولا شأن له ولا لمصر بها من قريب أو بعيد ، ومهما كان اعتداء الصهاينة على أرضها أو شعبها أو مقدسات المسلمين بها ".

ونعود إلى مقال الأستاذ علي القماش الذي كتبه ردا على كاتبة الأهرام ، حيث يقول:

" فعن تاريخه فقد كانت علاقاته باليهود تحيطها الشبهات ، لذا لم يكن غريبا أن يتخذ مواقف معادية للفلسطينيين المقيمين بمصر ، وأثناء توليه وزارة الداخلية عام 1925م اعتقل الوطنيين الفلسطينيين الذين هتفوا ضد " بلفور " رئيس وزراء بريطانيا أثناء مروره على مصر لحضور الاحتفال بافتتاح الجامعة العبرية .

وعندما تولى رئاسة الوزارة عام 1930م أغلق جريدة ” الشورى ” الفلسطينية لصاحبها محمد على الطاهر ، في حين أبقى على جريدة ” اسرائيل ” الصهيونية ! ، وليس هذا ببعيد عن علاقة إسماعيل صدقي  باليهود ، فقد كانت تربطه علاقات طيبة وعلاقات عمل بهم ، حيث شغل رئيس مجلس إدارة شركة كوم أمبو لاستصلاح الأراضي والتي كانت تملكها أسرة قطاوي باشا أبرز الأسر اليهودية فى مصر ، وحتى الأوقات التي شغل فيها صدقي موقعا رسميا كرئيس للوزارة كان يتولى رئاسة الشركة شرفيا ! ، ولعل هذا يفسر اهتمامه بإنشاء بنك التسليف للتعامل مع الفلاحين ، وكذلك اهتمامه بمشروعات الري والصرف بهذه المنطقة ، وبتعلية خزان أسوان فى الأوقات التى شغل فيها موقع رئيس الوزراء منه .

ومعروف أن إسماعيل صدقي كان رافضا لخوض حرب 48 من أجل فلسطين  ، وغلف رفضه بأن مصر ليس لديها الاستعداد أو الإمكانيات .

وفى سياق علاقة صدقي باليهود تجدر الإشارة إلى العلاقات الطيبة التي كانت تربط صدقي ب ” الياهو ساسون ” في الأربعينيات  ( والياهو ساسون هو والد السفير الإسرائيلي فى مصر عام 1985م ) ، وقد تم طرح سؤال فى مجلس الشيوخ يتعلق بمفاوضات بين إسماعيل صدقي ويهود فى جنيف .

وقد اعترف بهذا "الياهو ساسون" رئيس الشئون العربية بالوكالة اليهودية في رسالة إلى " موشى شر توك " رئيس قسم السياسة بالوكالة مؤرخة بتاريخ 16 / 9 / 1946م جاء فيها  التقيت ب إسماعيل صدقي باشا رئيس الوزراء ، وأجريت معه مقابلة استمرت خمسا وأربعين دقيقة ، وكان حديثا وديا ومريحا للغاية ، حتى أنه خيل لي بأنني جالس فى مكتبي بالوزارة مع أحد أصدقائي نتجاذب أطراف الحديث معا .. وقد بادرني رئيس الوزراء المصري بتوجيه شكره على المساعدة الكبيرة التي قدمتها له سواء في انجلترا أو الولايات المتحدة . وكان مقتنعا بانها تفي بوعدنا ، وفى مجرى الحديث أشار اسماعيل صدقي باشا بعصبية إلى الضيف الموقر الذى وجد ملجأ فى بلده بعد فراره من باريس ( أقصد مفتى القدس الحاج الحسيني ) ، وقد وصفه بأنه شخص يسعى إلى مصالحه الشخصية فقط  ، ولا يكترث بدمار العالم العربي كله في سبيل تحقيق ما يريده ، لذا فقد أقترح على أن نقوم بالعمل معا على كشف مخططات مفتى القدس ودعواه في مصر والدول العربية الأخرى ، كما كان محدثي – يقصد اسماعيل صدقي – من المؤيدين بحماس لضم الضيف الموقر – يقصد مفتى القدس – للبعثة المدعوة إلى لندن ، ويأمل بهذا اصطياد عصفورين بحجر واحد ، وهو أن يبدو أمام الاّخرين بأنه صديق لمفتي القدس وفى نفس الوقت التخلص منه ، وقد استجبنا لطلبه بالعمل على الحصول على معلومات وأخبار عن نشاطه ” العنيف ” ورجاله في مصر وفلسطين والدول المجاورة الأخرى ، وفى سياق استعراض إسماعيل صدقي لزيارتي إلى لندن ، طلبت منه أن يصلني برسوله في المحادثات أو بمندوبه في العاصمة البريطانية ، ولكنه قال : أن ما أطلبه منه غير مرغوب فيه من جانبه ، لأن رجاله لن يتفهموا الهدف من التعاون بيننا وسيفسرون هدفه ووجهات نظره تفسيرا مشوها .

وفى خطاب اّخر بعث به " الياهو ساسون" من لندن إلى الإدارة السياسية فى القدس ، ومؤرخ بتاريخ 30 / 9 / 1946م ، أن إسماعيل صدقي رئيس وزراء مصر والذى حددت معه ونظمت ما تم الاتفاق عليه بيننا قدم استقالته في أعقاب فشل محادثاته مع بريطانيا ، وكل محادثاته ووعوده أصبحت بالنسبة لنا ماضيا سيسطره التاريخ فقط ، ولم يعد لها أية قيمة فعلية الآن ، ويفسر البعض في اسرائيل أن فشله مع بريطانيا جاء نتيجة أن انجلترا قد تسرب اليها أن له علاقة مع الإسرائيليين من خلال علاقاته التجارية مع رجال الأعمال اليهود في مصر مما أثار عليه غضب الإنجليز ، حيث قرروا أن موقفه من تأييد مشروع التقسيم كان بسبب هذه العلاقات ، وكذلك الاتصالات السرية ، مما أفشل محادثاتهم معه ، وبالتالي اضطراره إلى الاستقالة" .

موقف إسماعيل صدقي من الديمقراطية:

أما عن مواقفه من الديمقراطية والحريات ومنها الصحافة ، فتجدر الإشارة إلى ما كتبه الكاتب والمؤرخ الأستاذ جمال بدوى فى كتابه ” في دهاليز الصحافة ” حيث قال:

” عام 1946م عهد الملك فاروق إلى إسماعيل صدقي باشا بتأليف الوزارة في مصر ، وهو رجل بغيض إلى الشعب بسبب مواقفه المعادية للديمقراطية ، ومشاركته فى تدبير الانقلابات الدستورية ، وتحقيره للحركة الشعبية ، فقد كان يعتبر الشعب قاصرا يحتاج إلى وصاية ، ويرى في نفسه الوصي القادر على أن يسوق الشعب بالعصا ، وهو أول من أبتكر تزوير الانتخابات العامة عندما كان وزيرا للداخلية في حكومة زيوار باشا عام 1924م ، وعندما تولى رئاسة الوزارة في عام 1930م ألغى دستور ١٩٢٣م ، واصطنع دستورا استبداديا يسحب السلطات من الشعب ، ويضعها في كفة الملك فؤاد ، واستخدم أبشع وسائل القمع ضد معارضيه ، ولم يتورع عن تدبير محاولة لاغتيال النحاس باشا أثناء زيارته المنصورة ، من أجل هذا قوبلت وزارة صدقي في فبراير 1946م بغضبة شعبية عارمة  ، نظرا لسجله الحافل في خنق الحريات العامة ، خاصة وقد أرتفع المد الشعبي بعد نهاية الحرب العالمية الثانية للمطالبة بجلاء القوات البريطانية عن مصر ، فضلا عن التهاب الصراع الطبقي بتأثير التيارات اليسارية ، وصدق حدس الشعب.

واقترن مجيء صدقي إلى الحكم بتعاظم نفوذ القصر الملكي على حساب الدستور الذى يحدد سلطات الملك ويحول دون تدخله في أعمال السلطة التنفيذية المخولة للحكومة ، واستهان الملك فاروق بالوزارة ، وأذعن صدقي لطغيان فاروق ، فلم يعترض على تعيين رجل القصر المدلل – كريم ثابت – مستشارا صحفيا بمرتب من المصروفات السرية ، وبدأت سلسلة التنازلات ، مما أدى إلى تفاقم الغليان الشعبي ، وخرجت المظاهرات تهتف لأول مرة بسقوط فاروق ، وانتشرت الاضرابات بين طوائف العمال والمعلمين والمهندسين وطلبة الجامعات والمدارس الثانوية ، فتصدى لها صدقي بالحديد والنار ، وأصدر سلسلة من القوانين المقيدة للحريات ، وبمقتضاها أغلق العديد من الصحف ، وألقى القبض على كبار الكتاب والصحفيين مثل الدكتور محمد مندور ومحمد زكى عبد القادر وسلامة موسى وغيرهم حتى غصت بهم السجون ".

تجدر الاشارة الى انه مع تنديد المنظمات الشعبية والمطالبة بقطع المفاوضات مع الاحتلال الإنجليزي ، واتفق الجميع على يوم للإضراب والحداد العام وتجديد الجهاد الوطني ، لكن” صدقي ” لم يكترث 

بها ، وحسب الكاتب والمؤرخ ” المستشار طارق البشري” في كتابه ”الحركة السياسية في مصر 1945 -1952 ”:

أراد صدقي أن يقتلع جذور الخطر علي هذا الاتفاق الموعود ، أن يثبت للإنجليز قبيل إبرام الاتفاق قدرته علي الهيمنة علي البلاد ، فقام في اليوم السابق علي الإضراب باعتقال نحو مائتين من الكتاب والصحفيين والأحرار وزعماء اللجنة الوطنية ونقابات العمال ، وأغلق كثيرا من دور النشر والجمعيات ".

ويضيف الأستاذ علي القماش :

ترى بعض هذا الرد وإيضاح صهيونية رئيس الوزراء المتيمة به الكاتبة ، وديكتاتوريته التي وصلت إلى اعتقال 200 صحفي ، فضلا عمن تعرضوا للقتل في حادث الكوبرى ، هل يستحق من انتقدوه من كتاب ومؤرخين وصفهم بالغوغائية وفقر الفكر ؟!

وفي كتاب " إسماعيل باشا صدقي" يقول الدكتور محمد محمد الجوادي عن اسماعيل باشا صدقي:

" أنه مبتدع فكرة التدخل في الانتخابات العامة لصالح القصر الملكي ، وقام بتزوير عدة انتخابات عامة وإقامة ديكتاتورية تميزت بالجرأة في الاعتداء على حقوق الشعب وحفلت عهود حكمه بالصدام الدامي مع الجماهير المصرية التي كانت تولى حزب الوفد ثقتها وتأييدها .

ويضيف الجوادي: للأسف الشديد كانت سياسته باطشة بمعارضيه وبالديمقراطية ، فقد استطاع كما نعرف أن يضع دستورا جديدا بديلا عن دستور 1923م الذي شارك في وضعه من قبل ، وجعل في هذا الدستور حقوق للعرش - على سبيل المثال - أكثر من حقوقه في دستور ١٩٢٣م.

وصاغ صدقي باشا نظاما جديدا للانتخابات وحل البرلمان ، وأتى ببرلمان جديد ، وبطش بمعارضيه من الاحزاب جميعا ، وعلى رأسهم الوفد والنحاس باشا بالطبع .

وكان الأحرار الدستوريين في أول الأمر يمالئون صدقي باشا   ، ولكنهم وقعوا في خصومة معه ، وعادوا للائتلاف مع حزب الوفد - وكان هذا هو الاختلاف الثاني مع الوفد بعد ائتلاف 1926م - وكان زعماء الحزبين يخرجون على رؤوس المؤتمرات الشعبية المناهضة لصدقي ، وكانت صحف هذه الأحزاب تناوئ صدقي بكل ما تستطيع ، وكان صدقي يوقف هذه الصحف فتصدر برخص أخرى فيوقفها وهكذا إلى آخر ما يعرفه قراء تاريخنا المعاصر .

ولم يكن صدقي باشا سهلا في معالجته للحوادث ، وإنما كان يستعين بكل ما أوتيت من القدرة على الحيلة والقوة على احباط خطط كل الزعماء المناوئين له والدهماء.

عزم النحاس ومحمد محمود ذات مرة على السفر إلى طنطا على رأس وفد من الزعماء لعقد مؤتمر جماهيري هناك ، وعند وصول الوفد إلى محطة القاهرة أغلقت الحكومة أبواب المحطة في وجوههم ، ولكنهم تمكنوا من دخول المحطة عنوة ، واستقلوا القطار ، وما أن حل موعد قيامه حتى تحرك تاركا عربة الزعماء بعد أن تم فصلها عن بقية عربة القطار ، ولما لم ينزلوا منها سُحبت العربة بونش إلى منطقة حلوان ! .

وحين حاول هؤلاء الزعماء عقد مؤتمر جماهيري في بني سويف فوجئوا عند وصولهم بالقطار بحصار من قوات الجيش والبوليس حالت بينهم وبين الجماهير ، واضطروا للعودة إلى القاهرة ، وفي مرة أخرى تحرك بهم القطار إلى مكان آخر غير مكان المؤتمر .

ولم تتورع أجهزة صدقي عن تفريق المظاهرات بالقوة وبخراطيم المياه ، فلما كانت تستغل خراطيم المياه في الاعتداء على الشرطة ، كانت الحكومة تقطع المياه عن هذه الخراطيم . ويقال أن استخدام الحكومة للقوه بلغ حد اطلاق الرصاص .

بل يرمي كثير من الوفديين حكومة صدقي بالتعسف الشديد في معاملة معارضيها زجا في السجون وشهرا للإفلاس إلى آخر هذه الوسائل ".

يقول الأستاذ وسيم عفيفي:

لم تكن نهاية إسماعيل صدقي كأحد أبرز رؤساء مصر الملكية على ما يتوقعه ، فهو من الذين عملوا على توطيد سلطة الملك فؤاد وتحكمه في أحداث الشارع المصري خلال وزارته الأولى.

نجح اسماعيل صدقي في التخطيط للمؤامرات التي توقع بخصوم القصر ، وضيق على الجميع وبقي يقظا ضد الجميع ، المهم راحة مولانا .

جاءت نهاية إسماعيل صدقي صحيا حينما أصيب في مارس سنه 1933م بالشلل ، وسافر إلى أوروبا في رحلة علاج ، وأثناء تلك الرحلة بدأ انقلاب القصر عليه ، حيث أذيعت شبهات حول تربح مادي حققه إسماعيل صدقي من إنشاء كورنيش الإسكندرية ، وتقول الشائعة التي سردها محمد فرغلي أن المقاول الإيطالي الذي قام ببناء الكورنيش ويدعي " دانتمارو" قد قام ببناء فيلا خاصة لرئيس الوزراء ، واستفاد أيضا بعض أعضاء الوزارة ، في نفس الوقت كان القصر يستغل وجود رئيس الوزراء في الخارج لكي يحقق بعض المصالح عن طريق التدخل في شئون الحكومة .

ونقول :  وبأمر إلهي انتهت محنة الشعب المصري مع أحد فراعنة مصر في العصر الحديث – إسماعيل باشا  - ، وانكشفت الغمة وعادت الحياة إلي طبيعتها ، وبعد فترة قصيرة من هذه الأحداث ، وتحديدا بتاريخ ٨/١٠/١٩٥١م ألغي مصطفى النحاس معاهدة ١٩٣٦م فاشتعلت البلاد ، وتزايدت العمليات الفدائية ضد الإنجليز حتى أوشكوا على الخروج من مصر ، وبعد ذلك بأشهر قليلة قامت ثورة يوليو ١٩٥٢م لتكون هي الخطوة الأخيرة والمتممة لنضال الشعب المصري الذي بدأ بالزعيم خالد الذكر مصطفى كامل ومن جاءوا بعده مثل محمد فريد وسعد زغلول ومصطفى النحاس وغيرهم كثير ممن يُنكر حقهم الآن ، ولا يذكرهم أحد بما قاموا به من نضال من أجل مصر وحريتها واستقلالها ورفاهيتها واستقرارها .

                              


                                                                                                                                          

 

 

 

قصتي مع بئر زمزم !

ماذا حدث معي عندما تحدثت عن معجزات بئر زمزم ؟

عندما كنت نائبا في البرلمان – الفصل التشريعي ( ٢٠٠٥/٢٠١٠م ) ، وفي عام ٢٠٠٨م تقريبا أخذت زوجتي وأبنائي في رحلة للإسكندرية لأعوضهم عن الفترات الطويلة التي أتركهم فيها .

وفي أحد الأيام وبعد صلاة العشاء جلست بصحبة طفلي الصغير محمود في بلكونة السكن ، والتي كانت تطل علي البحر الذي يفصلنا عنه كورنيش إسكندرية . بدأت أحكي لإبني قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام عندما ترك زوجته هاجر وابنه اسماعيل في منطقة مكة ، والتي كانت ساعتها صحراء جرداء ، لا زرع فيها ولا ماء ، وحكيت له كيف أخرج الله عز وجل الماء من الأرض ، وكيف أظهر الله عز وجل بئر زمزم إلى الوجود ، وكيف استمر البئر بعد ذلك آلاف السنين دون أن ينضب ماؤه ، رغم الكميات الكبيرة من مياه البئر التي يشربها الحجاج والمعتمرين والزوار يوميا – في الحرمين الشريفين - للتبرك بها ولمذاقها المتميز ، ورغم الكميات الكبيرة التي يحملها الزوار ويسافرون بها لذويهم ، وأسهبت في الحديث عن معجزة بئر زمزم ، وأثناء الحديث دق جرس الهاتف المحمول ، فقمت بالرد ، وبعد أن رددت السلام على المتصل ، سألني أنت مش عارف مين بيكلمك يا أستاذ محمد ، فقلت له الصوت مش غريب عليّ ، فقال: أنا محمد هاشم ، فقلت له: سامحني يا أستاذ محمد ، ما كان ينبغي أن يغيب صوتك عن أذني ، إنه الأستاذ محمد هاشم الرجل الفاضل الذي كان يُصدر صحيفة "أسوان الحديثة" في ذلك الوقت .

فقال: أنت عارف أنا بكلمك من فين يا أستاذ محمد ؟ ، قلت له: لا أدري ، فقال: أنا بكلمك وأنا ماسك جدار الكعبة ، فرحت وفي نفس الوقت تعجبت أن تأتيني مكالمة من داخل الحرم الشريف ومن جوار الكعبة المشرفة ، وأن يصل صوتي إلى هذا المكان المبارك في ذات الوقت الذي أحكي فيه لإبني معجزة بئر زمزم وأنا جالس في الإسكندرية .

سألت نفسي بعدها : هل يمكن أن تكون هذه صدفة ؟

إن جميع المخلوقات سواء كانت من الحيوانات أو النباتات أو الجماد لها أنفس وعقول تناسب مهمتها في الكون ، فهل كانت نفس بئر زمزم سبب هذه المكالمة في هذا الوقت ؟ ألم يقل الله عز وجل:

( ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ )

ألم يقل جل وعلا:

( فَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ ۖ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ)

كما قال جل وعلا :

( وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا )

ألم يقل جل وعلا:

(وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) 

ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم:

( إني لأعرف حجراً بمكة ، كان يسلم علي قبل أن أُبْعَث ، إني لأعرفه الآن )

وعن هذا الحديث يقول النووي :

فيه معجزة له صلى الله عليه وسلم ، وفي هذا إثبات التمييز في بعض الجمادات ، وهو موافق لقوله تعالى في الحجارة :

{وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ}

                                                ( البقرة:74 )

وقوله تعالى:

{وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُم}

                                                   (الاسراء:44)

ويتابع الإمام النووي : وفي هذه الآية خلاف مشهور ، والصحيح أنه يسبح حقيقة ويجعل الله تعالى فيه تمييزاً بحسبه ".

وأقول : أخبرني مرة أحد الصالحين المسنين من أرباب ، وكان يفتتح المسجد القبلي الكبير بكوم أمبو يوميا ليؤذن الفجر ، أخبرني رحمه الله أنه كان يستمع إلى إلي صوت يسبح الله عز وجل ، ويصدر الصوت من خشب المنبر ، فينهض الرجل ويدور حول المنبر عدة مرات ليتأكد من مصدر الصوت ، فلا يجد أحدا ، ليتأكد أن أذنه لم تخدعه ، وأن صوت التسبيح يخرج من خشب المنبر .

إن الكون كله مسخر للإنسان ، فهل يمكن أن تكون مخلوقات الله عز وجل مسخرة للتواصل مع الناس بطريقتها الخاصة لتشجعهم على العمل الصالح .

هل يمكن أن تكون هذه المكالمة التي جاءتني من جوار الكعبة أثناء حديثي عن معجزة بئر زمزم وأنا موجود بالإسكندرية درسا عمليا على حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه:

( يقُولُ اللَّه تَعالى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعهُ إِذَا ذَكَرَني، فَإن ذَكرَني في نَفْسهِ، ذَكَرْتُهُ في نَفسي، وإنْ ذَكَرَني في ملإٍ  ذكَرتُهُ في ملإٍ خَيْرٍ منْهُمْ ).

بالطبع أنا لا أقصد مما عرضت القول بأنني رجل صالح أو ولي من أولياء الله عز وجل ، لكنني في نفس الوقت على قناعة بأن مقادير الله عز وجل مع الإنسان حتى لو كان من العصاة كثيرا ما تنطوي على معاني وإشارات ودلالات ، وتهدف إلي صلاح حاله .

 


 مستقبل الصدام بين الحضارتين الغربية والإسلامية ؟

من كتاب "صدام الحضارات"

صامويل هنتنجتون

من بين جميع الحضارات ، فإن الحضارة الغربية هي الوحيدة التي كان لها تأثير رئيسي وأحيانا مدمر على كل الحضارات الأخرى .

العلاقة بين قوة وثقافة الغرب ، وقوة وثقافة الحضارات الأخرى هي - نتيجة لذلك - السمة الأكثر ظهورا في عالم الحضارات ، ومع زيادة القوة النسبية للحضارات الأخرى يقل التوجه نحو الثقافة الغربية ، وتزداد ثقة الشعوب غير الغربية بثقافتها الأصلية والالتزام بها .

المشكلة الرئيسية في العلاقات بين الغرب والباقي بالتالي ، هي التنافر بين جهود الغرب - وبخاصة أمريكا - لنشر ثقافة غربية عالمية وانخفاض قدرته على تحقيق ذلك ، وقد فاقم  سقوط الشيوعية من هذا التنافر بأن قَوَٓى في الغرب النظرة إلى أن أيديولوجيته الليبرالية الديمقراطية قد انتصرت كونياً وبالتالي أصبحت صالحة لتعميمها عالميا .

الغرب - وبخاصة الولايات المتحدة - الذي كان دائما أمة تبشيرية يعتقد أن الشعوب غير الغربية لابد أن تلتزم بالقيم الغربية فيما يتعلق بالديمقراطية والأسواق الحرة والحكومة المحدودة وحقوق الانسان والفردانية وحكم القانون ، وأنها لابد أن تجسد تلك القيم في مؤسساتها.

الاقليات في الحضارات الأخرى تتبنى هذه القيم وتنميها ، ولكن التوجهات السائدة نحوها تتراوح بين الشك فيها على نطاق واسع والمعارضة الشديدة لها وما يعتبره الغرب عالمية يعتبره الباقي استعمارا .

الغرب يحاول وسوف يواصل محاولاته للحفاظ على وضعه المتفوق ، والدفاع عن مصالحه بتعريفها على أنها مصالح " المجتمع العالمي" ، وقد أصبحت هذه العبارة هي التسمية المهذبة لما كان يُطلق عليه العالم الحر  ، وذلك لإضفاء شرعية كونية على الأعمال التي تعبر عن مصالح الولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى ، فالغرب مثلا يحاول أن يجمع اقتصاد المجتمعات غير الغربية في نظام اقتصادي عالمي يسيطر عليه .

وعن طريق صندوق النقد الدولي "imf" و المؤسسات الاقتصادية الدولية الأخرى ينمي الغرب مصالحه الاقتصادية ويفرض على الدول الأخرى السياسات الاقتصادية التي يراها ملائمة .

وفي أي اقتراع لدى الشعوب غير الغربية ، لا شك أن صندوق النقد الدولي سوف يلقى تأييدا من وزارة المالية ومن قلة أخرى ، ولكنه يُواجه بمعارضة عامة من كل الآخرين الذين قد يتفقون مع وصف "جيورجي أرباتوف" لمسئولي الصندوق النقد بأنهم : " البلشفيك الجدد الذين يحلوا لهم مصادرة أموال الآخرين ، وفرض قواعد من السلوك الاقتصادي والسياسي غير ديمقراطية وغريبة ، وخنق الحرية الاقتصادية "  ، كما لا يتردد غير الغربيين في الإشارة إلى الفجوات بين المبادئ والتصرفات الغربية كالنفاق .. وازدواجية المعايير .. ولكن ليس .. كل ذلك هو ثمن تلك العالمية المزعومة .

الغرب مع الديمقراطية ولكن ليس عندما تأتي بالأصوليين الإسلاميين إلى السلطة ، وبخصوص منع انتشار الأسلحة النووية يُطلب من إيران ولكن ليس من إسرائيل ، والتجارة الحرة هي إكسير النمو الاقتصادي ولكن ليس الزراعة ، وحقوق الإنسان قضية مع الصين ولكن ليس مع السعودية ، والعدوان على الكويت الغنية بالنفط مستهجن على أوسع نطاق ، ولكن ليس العدوان على البوسنيين الذين لا يوجد لديهم نفط . ازدواجية المعايير في الممارسة العملية هي الثمن الذي لا يمكن تجنبه في مستويات المبادئ العالمية .

وبعد حصولها على الاستقلال السياسي ، فإن الدول غير الغربية تريد أن تحرر نفسها من السيطرة الغربية الاقتصادية والعسكرية والثقافية .

مجتمعات شرق آسيا في طريقها لأن تتساوي اقتصاديا مع الغرب ، الدول الأسيوية والإسلامية تبحث عن طرق مختصرة لكي تتوازن عسكريا مع الغرب . الطموحات العالمية للحضارة الغربية ، القوة النسبية الغربية المتدهورة ، التوكيد الثقافي المتزايد للحضارات الأخرى ، كل ذلك يؤكد العلاقات الصعبة بين الغرب والشرق بوجه عام ، إلا أن طبيعة تلك العلاقات ومدى عدائيتها تختلف جدا وتنقسم الى ثلاث مستويات :

بالنسبة لحضارات التحدي من المرجح أن تكون علاقات الغرب بالإسلام والصين متوترة على نحو ثابت ، وعدائية جدا في معظم الأحوال ، فالحضارة الإسلامية والحضارة الصينية كل منهما ينتظم تقاليد ثقافية عظيمة تختلف جدا عن التي لدى الغرب ، وهي في نظرهما أرقى من تقاليد الغرب بمراحل لا محدودة وقوة وتأكيد كليهما إزاء الغرب تتزايدان ، كما يتزايد الصراع ويشتد بين مصالحهما وقيمهما ومصالح وقيم الغرب ، ولأن الحضارة الإسلامية تفتقر إلى دولة مركز ، فإن علاقتها مع الغرب تتباين من دولة إلى أخرى ، إلا أنه منذ السبعينات يوجد اتجاه معادي للغرب ثابت تقريبا ، من علاماته صعود الأصولية وتحولات القوى داخل الدول الإسلامية من حكومات أكثر موالاة إلى حكومات أكثر عداء له ، وظهور ما يشبه الحرب بين الجماعات الإسلامية والغرب ، وضعف العلاقات الأمنية التي كانت قائمة بين بعض الدول الإسلامية والولايات المتحدة أثناء الحرب الباردة. وراء الخلافات حول القضايا المحددة يكمن السؤال الأساسي الذي يتعلق بالدور الذي ستلعبه تلك الحضارات بالنسبة للغرب في تشكيل مستقبل العالم ، هل ستعكس المؤسسات الكونية واقتصاد و سياسات الدول في القرن الحادي والعشرين  القيم والمصالح الغربية ، أم أنها سوف تُشكل حسب قيم ومصالح الإسلام والصين.

النظرية الواقعية في العلاقات الدولية تتنبأ بأن دول المركز في الحضارات غير الغربية لابد لها من أن تتآلف معا لكى توازن قوة الغرب المسيطرة ، وقد حدث ذلك بالفعل في بعض المجالات إلا أن ائتلافا كاملا مضادا للغرب يبدو غير وارد في المستقبل القريب .

الحضارتان الإسلامية والصينية مختلفتان أساسا من ناحية الدين والثقافة الاجتماعية والتقاليد والافتراضات الأساسية الجذرية في أساليب الحياة ، وبطبيعة الحال يوجد بين الحضارتين الإسلامية والصينية أمور مشتركة أقل مما يوجد بين كل منهما والحضارة الغربية ، ولكن في السياسة العدو المشترك يخلق مصلحة مشتركة. المجتمعات الإسلامية والصينية ترى الغرب عدوا ، ولذلك لديها سبب للتعاون ضده معا ، كما سبق أن فعل الحلفاء و"ستالين " ضد "هتلر" ، هذا التعاون يحدث حول عدة أمور تتضمن حقوق الانسان والاقتصاد ، والأهم من ذلك الجهود التي تبذلها المجتمعات في كل من الحضارتين لتطوير قدراتها العسكرية وبخاصة أسلحة الدمار الشامل والصواريخ اللازمة لاستخدامها ، وذلك لكي تواجه التفوق العسكري التقليدي للغرب.

أوائل التسعينيات كان هناك اتصال "كونفوشي اسلامي " بين الصين وكوريا الشمالية من جهة ، واتصال - بدرجات مختلفة - بين باكستان وإيران والعراق وسوريا وليبيا والجزائر من جهة أخرى لمواجهه الغرب بالنسبة لتلك المسائل .

نتوقف عند هذا القدر من رؤية صامويل هنتنجتون لمستقبل العلاقات بين الحضارة الغربية من جهة والحضارتين الإسلامية والصينية المنافستين لها من جهة الأخرى.

وأقول : عندما تقرأ هذه التحليلات والتوقعات والارشادات من كاتب عملاق وموسوعي ومُنصف – لاسيما عندما تعلم أن أول نشر لكتاب صدام الحضارات كان عام ١٩٩٦م – بالتأكيد سوف تشعر بالحسرة والألم ، عندما يُحذر صامويل هنتنجتون العالم الإسلامي أجمع منذ عام ١٩٩٦م بأن الحضارة الغربية قد خططت لإخضاع وابتلاع باقي الحضارات ، وأن أشد أعدائهم الحضارة الإسلامية ، وأن حلف الناتو – الذراع العسكري – للحضارة الغربية قد أعلنها صراحة - بعد سقوط الاتحاد السوفيتي – أن الهدف القادم هو الإسلام والمسلمين ، كما قدم نصيحته للمسلمين بضرورة التعاون مع حضارة كبري كالصين للحفاظ على نفسها من المخططات والكمائن التي ستنصبها لهم الحضارة الغربية ، وربما تشاركها الحضارة الروسية الأرثوذكسية في العدوان .

وللأسف الشديد أطلق هنتنجتون تحذيراته عام ١٩٩٦م ، ومات عام ٢٠٠٨م ، وها هو العالم الإسلامي قد دخل في حيز الدمار منذ بداية الألفية الثالثة .

بعد أن حذر هنتنجتون ونعوم تشومسكي العالم الإسلامي من أن أمريكا وإسرائيل هما أكبر دولتين إرهابيتين في العالم ، وحصرا ونشرا جرائمهما ضد العديد من دول العالم ، وأكدا أن أمريكا وإسرائيل هما من وضعتا قواعد لعبة الحرب العالمية على الإرهاب بقصد السيطرة على الدول الإسلامية في الشرق الأوسط والدول الشيوعية في أمريكا الجنوبية .

بعد كل هذه التحذيرات من مخاطر بدأت تحدث بالفعل منذ حلول عام ٢٠٠٠م ، ماذا لو كان صامويل هنتنجتون على قيد الحياة ، وشاهد ما يحدث الآن ، واكتشف أن حكام مسلمين هم من يطبقون مخطط الحرب على الإرهاب على كافة الشعوب الإسلامية بالنيابة عن أمريكا وإسرائيل حتى يوفرون عليهما الجهد والمال ، ويشاهد بعد كل تحذيراته حجم الدمار الذي لحق بالمسلمين بالعراق وسوريا وفلسطين من جراء تطبيق الحرب على الإرهاب ضدهم ، وحجم الاضطرابات الذي لحق بالسودان وليبيا واليمن ولبنان و ... ، وأن كل هذا الدمار من عمل الحضارتين الغربية والروسية الأرثوذكسية الذين يعيثون في العالم الإسلامي كله فسادا مستخدمين أياد عربية مسلمة لتنفيذ كل هذا الدمار ؟

ماذا لو شاهد هنتنجتون كيف تتنافس وتتسارع وتتصارع الحكومات العربية للتطبيع مع إسرائيل واصفين إياها بالدولة الجارة والصديقة ، وواصفين أصحاب الأرض المحتلة بالإرهابيين ، بل ويضعون مناطق عربية تحت الحصار المشدد للحفاظ على أمن إسرائيل ، ويصفون شعوبهم بأنهم الإرهابيين وأنهم أهل الشر ؟

ترى ماذا كان سيقول هنتنجتون لهذه الأمة بحكامها ومحكوميها ، عالمها وجاهلها ، مؤمنها وعاصيها ؟

أظنه كان قائلا قول المتنبي لشعب مصر :

      أغايةُ الدِّينِ أن تُحْفـوا شواربكم               يا أمةً ضحكتْ من جهلها الأمم