الأحد، 30 أكتوبر 2016

لماذا قضي صلاح الدين علي دولة الشيعة في مصر؟ .



يقول الأستاذ / هيثم الكسواني :
تعود بداية صلاح الدين مع الدولة العبيدية الفاطمية إلى سنة 559هـ ، وهو العام الذي خرج فيه صلاح الدين نحو مصر، حيث مقر الفاطميين ، في حملة عسكرية يقودها عمّه "أسد الدين شيركوه" ، بأمر من الملك "نور الدين محمود زنكي" .
كان السبب المباشر في توجيه هذه الحملة هو تقديم الدعم لوزير الفاطميين "شاور السعدي" ، في مواجهة منافسه "ضرغام المنذري" ، حيث كان ضرغام قد نافس شاور على المنصب وأخذه منه ، فما كان من الأخير إلاّ الالتجاء إلى نور الدين لمساعدته في العودة إلى منصبه.
كان العبيديون الفاطميون – آنذاك - يعيشون أكثر مراحل ضعفهم وتدهور دولتهم ، فقد كان الوزراء يفرضون أنفسهم على حكام الدولة ، بل وصل الأمر بالوزراء إلى قتل الحكام وعزلهم وتوليتهم ، ومعظمهم كانوا من الأطفال وصغار السن ، الأمر الذي جعل نور الدين ينظر إلى مصر بأهمية بالغة ، لا سيّما وأن الصليبيين الذين كانت حملاتهم تتوالى على المنطقة وضعوا – هُم - أيضا مصر في حسبانهم وسعوا إلى السيطرة عليها.
والحقيقة فإن طلب شاور مساعدة نور الدين له في العودة إلى الوزارة كان بمثابة "الشرارة" التي حرّكت رغبته القديمة بالسيطرة على مصر ، وثمة أسباب كثيرة دفعت نور الدين لذلك ، منها :
1- أن الدولة العبيدية الفاطمية ، صاحبة المذهب الشيعي الإسماعيلي ، والعقائد المنحرفة ، شكلت عامل ضعف وانقسام في الأمة ، لا سيما مع وقوفها المتكرر مع أعداء الأمة ، ومؤامراتها على أمة الإسلام ومذهب أهل السنة ، فرأى نور الدين أن إعادة مصر إلى منهج أهل السنة والدولة العباسية يشكل عامل قوة ووحدة في الأمة.
2- أن ضعف الفاطميين ، والفوضى التي عمّت دولتهم ، من شأنها أن تسهّل سقوط مصر بيد الصليبيين ، الأمر الذي سيضعف من جبهة الشام المقاومة للصليبيين ، والتي كان نور الدين يتزعمها في ذلك الوقت ، وفي المقابل فإن سيطرة نور الدين على مصر سيجعل الصليبيين الذين كانوا مسيطرين على جزء من بلاد الشام بين فكّي كماشة.
3- حصول نور الدين على عهد من الخليفة العباسي بإطلاق يده في بلاد الشام ومصر ، الأمر الذي قوّى من عزيمته.
4- الاستفادة من خيرات مصر ، ومواردها الاقتصادية والبشرية ، في دعم جبهة الشام في الجهاد ضد الصليبيين .
وعلى كلّ حال ، رأى نور الدين أن إرسال حملة برئاسة القائد المحنك شيركوه من شأنه الوقوف على حقيقة الأوضاع في مصر ، رغم شكوكه في حقيقة نوايا شاور، والتزامه بما اتفقا عليه ، ومنها بأن يتحمل شاور تكاليف الحملة العسكرية التي ستعيده إلى منصبه ، ورواتب الجند ، ويدفع لنور الدين ثلث خراج مصر ، وإقامة عدد من أمراء بلاد الشام معه في مصر ، إضافة إلى اعترافه بسيادة نور الدين وتنفيذ أوامره.
شارك صلاح الدين في هذه الحملة وعمره 27 سنة ، لكن السيطرة على مصر لم تتم لنور الدين زنكي إلاّ بعد ثلاث حملات عسكرية ، عانى فيها أسد الدين وصلاح الدين ( الذي كان الساعد الأيمن لعمّه ) والجند الأمرّين من القتال والحصار ، وحنْث شاور بعهوده ، وتآمره مع الصليبيين ، كما بذل فيها نور الدين غاية إمكانياته من توفير الجند والمال والسلاح ، وتأمين الطريق من الصليبيين ، وغير ذلك من المتاعب والصعوبات والمهالك التي استمرت مدة خمس سنوات ، وتحديدا حتى سنة 564هـ ، عندما تمكن أسد الدين شيركوه من دخول القاهرة ، عاصمة العبيديين الفاطميين ، وقتل شاور لخياناته المتكررة.
 وكما جرت العادة بتولي المنتصر الوزارة ، عيّن خليفة الفاطميين آنذاك ، "العاضدُ" أسدَ الدين شيركوه وزيرا ، لكنّ شيركوه توفي بعد شهرين فقط ، ليعيِّن العاضدُ صلاحَ الدين وزيرا ، خلفاً لعمّه ، ويبدو أن صغر سن صلاح الدين في ذلك الوقت (32  سنة تقريبا ) هو مما شجع العاضد على توزيره لاعتقاده بإمكانية السيطرة عليه وتوجيهه.
تولى صلاح الدين الوزارةَ في شهر جمادى الآخرة من سنة 564هـ (1169م) ، ومنصب الوزير – آنذاك - هو المنصب الأهم في الدولة ، وهو صاحب السلطات الفعلية . لكنّ الأمر لم يكن بتلك السهولة على الإطلاق ، فصلاح الدين كان أشبه بِمَن يسير وسط حقل من الأشواك ، إذ أن هدف نور الدين بالقضاء على الدولة العبيدية الفاطمية وإعادة مصر إلى مذهب أهل السنة والدولة العباسية تمهيدا لأن تكون جبهة موحدة في مواجهة الصليبيين يواجه تحقيقه على الأرض صعوبات جمّة خبرها صلاح الدين أكثر من أي شخص آخر.
رأى صلاح الدين أن اقتلاع دولة الفاطميين ، وهي التي دامت قرابة ثلاثة قرون من الزمان ( قرنان منها في مصر ) ، واحتلت مساحة واسعة من العالم الإسلامي ، لا يكون بقرار ، وكان يرى التريّث باتخاذ خطوة كهذه ، لا سيّما وأنها دولة عقائدية لها الكثير من المؤيدين ( وبعضهم سنة ) ، على عكس رغبة نور الدين الذي كان يعتقد استحالة توحيد الجبهة الإسلامية طالما ظلت دولة الفاطميين ، وبقي معهم مذهبهم الفاسد ، ويلحّ على صلاح الدين باتخاذ هذه الخطوة.
هذا الاختلاف في وجهات نظر كلٍّ من صلاح الدين وسيدِه نور الدين جعل البعض من أصحاب الفكر الشيعي وغيرهم من الموالين للبيت الزنكي ، وحديثا من العلمانيين ، يضخّمون من أمر الخلاف ويصوّرونه على أنه غدر من صلاح الدين واستئثار بأمر مصر ، على الرغم من أنه نائب لنور الدين فيها ، وبالغ هؤلاء عندما تحدثوا عن حربٍ كادت تقع بين الرجلين ، وغير ذلك ممّا يتمنونه.
وغاية الأمر – كما قلنا - أن صلاح الدين رأى أن إسقاط دولة الفاطميين أمر صعب ، لذلك أخذ يعدّ العدة له ، ويبذل في سبيل تحقيقه جهودا كبيرة ومتنوعة ، سياسية وعسكرية ، بل وحتى ثقافية وفكرية ، إذ أن الدولة التي قامت على الفكر والعقيدة لا بد أن يكون للفكر والعقيدة دور في إسقاطها.
اتخّذ صلاح الدين منذ توليه الوزارة في مصر جملةً من القرارات والإجراءات لإسقاط دولة العبيديين الفاطميين ، وإعادة مصر إلى مذهب أهل السنة وممتلكات دولة الخلافة العباسية كما كانت قبل قدوم العبيديين الفاطميين إليها في سنة 358هـ (969م) ، ومن هذه الإجراءات:
- الإكثار مِن الجند الموالين له ، وخاصة مِن الأتراك ، بدلاً من الجند الفاطميين ، أي بناء الجيش الخاص به ، كما طلب من نور الدين أن يرسل إليه والدَه ، نجمَ الدين أيوب ، وأفراد أسرته ، ليساعدوه في إدارة الدولة الجديدة ، والاستغناء عن الكوادر الفاطمية ، وقد عيّن صلاح الدين والدَه وزيرا للخزانة مما أتاح له السيطرة على أموال الدولة.
- التقليل من مكانة خليفة الفاطميين العاضد ، لتحطيم فكرة قداسة الإمام الموجودة لدى فرق الشيعة كلّها ، إذ ألزمه – مثلاً - على الخروج على استقبال والده نجم الدين ، وكان ذلك أمرا مستغربا ، إضافة إلى استيلاء صلاح الدين على ممتلكاته وخيوله بحجة الحاجة لها للجهاد ، كما عمل صلاح الدين من التقليل من مكانة قصر الخلافة الفاطمية، بأن أسكن فيه أمراء دولته.
- عزل جميع قضاة مصر الشيعة ، وحصر مهمة القضاء في أهل السنة.
- إحراق كتب الشيعة الإسماعيلية ، التي كان يستخدمها العبيديون الفاطميون للترويج لمذهبهم.
- إزالة الطقوس والبدع التي أدخلها العبيديون الفاطميون على الدين ، فقد منع صلاح الدين إدخال عبارة ( أشهد أن عليّاً ولي الله ) على الأذان ، أو السلام على خليفة الفاطميين فيه ، كما ألغى أعيادهم المذهبية ، وفي المقابل أمر الخطباءَ بالتراضي على الخلفاء الراشدين والصحابة وأمهات المؤمنين رضي الله عنهم.
- أنه عطّل خطبة الجمعة من الجامع الأزهر ، الذي كان أهم مراكز نشر الدعوة الإسماعيلية ، وعطّل الدراسة فيه . كما سرّح دعاتهم ، وألغى مجالس الدعوة.
- الحفاظ على أفراد الأسرة المالكة ، ومراقبتهم ، والتفريق بين الرجال والنساء ليكون أسرع إلى انقراضهم.
- إحياء صلاح الدين والأيوبيين لقضية النسب الفاطمي ، حيث استقر المسلمون على التشكيك بانتساب العبيديين إلى آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ، وإطلاق اسم "فاطمة" على دولتهم ، وصدرت مؤلفات عدة في تلك الفترة تشكك بنسبهم ، وأنهم في الحقيقة من نسب يهودي أو مجوسي ، تستروا بالانتساب للإسلام وآل البيت.
- بناء المدارس المخصصة لنشر علوم أهل السنة ، وتخصيص الأوقاف لها.
- عمله على استمالة المصريين من خلال تحسين أوضاعهم الاقتصادية ، وإبطال الضرائب والمكوس التي كانت مفروضة عليهم ، وإطلاق حرية التجارة.
- إبطال التعامل بالعملات الفاطمية ، لأنها كانت تحمل عقائد شيعية من قبيل عبارة ( عليٌّ ولي الله ).
- الاستمرار في ملاحقة بقايا التشيع في الشام واليمن.
- فتح القاهرة ، عاصمة الفاطميين ، أمام الناس يدخلون ويخرجون منها ويبنون حولها كما يشاءون ، وقد كانت قبل ذلك مدينةً خاصة بخلفائهم ، والقادة والمسئولين ، في حين كان معظم المصريين يسكنون في مدينة الفسطاط ، التي بُنيت القاهرة بجوارها ، والهدف من ذلك ابتذال عاصمتهم ومقرّ ملكهم.
استغرق الأمر من صلاح الدين حوالي ثلاث سنوات لاتخاذ الخطوة الحاسمة بقطع الخطبة عن العبيديين الفاطميين ، وإعادتها إلى العباسيين ، والإعلان رسميّاً عن عودة مصر إلى مذهب أهل السنة ، وهو ما تمّ فعلاً في بداية سنة 567هـ (1171م) عندما قطع صلاح الدين الخطبة بمصر للعاضد الفاطمي ، في شهر المحرم من هذا العام ، وأقامها للخليفة العباسي المستضيء بأمر الله ، وأعاد السواد شعار العباسيين.
وما هي إلاّ أيام قليلة حتى مات العاضد ، وطُويت بذلك صفحة مؤلمة من صفحات التاريخ الإسلامي ، وطُويت بموته هذه الدولة التي حكمت مصر والشمال الإفريقي والحجاز واليمن وأنحاء من بلاد الشام حوالي 300 سنة ، ونشرت فيها الزندقة والبدعة ، وتآمرت على الإسلام وأهله ، وتحالفت مع أعدائه ، وقد عمّ الفرح بسقوط هذه الدولة العالَم الإسلامي .
انتهي كلام الأستاذ / هيثم الكسواني ، وهو يدعونا للتساؤل :
- بماذا يشعر صلاح الدين الأيوبي في قبره إذا وصلته أنباء دعم السيسي للحكم الشيعي في العراق ، ودعم ميليشيات الحشد الشعبي الشيعي التي تُمثل بجثث أهل السنة بعد قتلهم ، وإرساله للفنانين والفنانات المصريين للعراق ليرتدوا أزياء جنود الحشد الشيعي دعما لهم بحجة محاربة الإرهاب علي ضوء الأجندة الأمريكية الصهيونية من أمثال محمود الجندي وحنان شوقي وأحمد بدير وفاروق الفيشاوي وأحمد ماهر ؟ .
- وبماذا يشعر صلاح الدين الأيوبي في قبره إذا وصلته أنباء دعم السيسي لبشار الأسد والشيعة في سوريا ضد الشعب السوري عامة وأهل السنة خاصة ؟.
- وبماذا يشعر صلاح الدين الأيوبي في قبره إذا وصلته أنباء رفع صورة الخامنئي المرشد الأعلى لإيران علي أحد جانبي طريق من أهم طرق القاهرة .
- وبماذا يشعر إذا بلغه أن الأذرع الإعلامية للسيسي تبشر المصريين بأن الشيعة سوف يؤدون فريضة الحج في مصر لتعويض توقف الأرز القادم لها من المملكة العربية السعودية ؟
اللهم احفظ مصر من الانتكاسات المتتالية علي يد السيسي وأنصاره ، واكتب لها النجاة من مكائد لا تحصي ولا تعد يا أرحم الراحمين .
وكيل لجنة الشئون الدستورية والتشريعية ببرلمان الثورة .

معابدنا العريقة



معابدنا العريقة
تكشف حب المصريين للحياة
وانتظارهم لحياة أفضل في الآخرة
الآن أعداء الحياة يشيدون السجون
ويخصصون الأراضي للمقابر
محمد العمدة
وكيل اللجنة الدستورية والتشريعية ببرلمان الثورة .

الثلاثاء، 25 أكتوبر 2016

التحميل علي الغلابة لترفيه الديابة .




دولة العسكر علي مر تاريخها الطويل تقوم بالتحميل علي المواطن المصري الغلبان المطحون من أجل أن ينعم الكبار ممن يدعمون بقاء دولة العسكر الديكتاتورية الفاشية ، ولذلك فهي تلجأ لحل أزمات الدولة برفع قيمة الرسوم الحكومية المستحقة علي كل عمل حكومي يحتاجه المواطن ، فينهبوا دخله المحدود في كل مصلحة حكومية يدخل إليها للحصول علي هذا المستند أو ذاك ، كما ترفع قيمة استهلاك المياه والكهرباء والضرائب والجمارك ، وتفرض رسوم جديدة علي العاملين بالخارج ، وأنواع جديدة من الضرائب ، وترفع أسعار مواد الطاقة كالبنزين والسولار وغيره ، ومصروفات المدارس والعلاج حتي أوشكت أن تفرض رسوما علي الهواء الذي يتنفسه المصريون .
وفي المقابل لا تمس بمكتسبات كبار المسئولين في الدولة لاسيما من السلطات التي تمتلك أدوات القوة وتوظفها لحساب دولة العسكر مقابل الحفاظ علي المناصب والمكاسب وفقا لأغنية الفنان / لطفي بوشناق والذي غني لهم " خدوا  المناصب والمكاسب لكن خلوا لي الوطن " ، بل وتسعي دولة العسكر إلي رفع مميزات الكبار بشكل مستمر لا يتناسب مع ظروف الدولة لكي تحافظ علي ولائهم لها ودعمهم لبقائها بكل ما هو جائر من قرارات وأحكام .
وسوف نستعرض في هذا المقال بعض القطاعات التي كان يمكن للسيسي أن يحقق من وراء تصحيح مسارها عوائد مالية ضخمة ، لكنه لم يفعل ، لأن في تصحيح المسار مساس بمكتسبات الكبار ، وفيما يلي بعض الأمثلة :

أولا : الصناديق الخاصة .
وهي صناديق تقوم بجمع الأموال بعيدا عن موازنة الدولة وبعيدا عن الرقابة ، ويتم استخدام هذه الأموال بمعرفة هذه الوزارة أو تلك المصلحة من أجل ترفيه الكبار دون أدني رقابة ، ويكفي أن أعرض عليكم ما قاله أحد نواب برلمان الانقلاب عن الصناديق الخاصة .
نشر موقع مصراوي بتاريخ 17/9/2016م تحت عنوان " برلماني : الصناديق الخاصة تحولت لمغارة علي بابا " جاء فيه :
" قال النائب هشام والي ، عضو مجلس النواب ، إن الصناديق الخاصة تحولت على مدار 43 عام من غرض خير لمغارة علي بابا ، مشيرًا إلى أن الأموال الموجودة في الصناديق الخاصة لا أحد بالدولة يعلم عددها - بحسب قوله.
وأضاف والي في تصريحاته لبرنامج "مصر في أسبوع" المذاع على قناة "Ten" مساء أمس الجمعة ، أن عدد الصناديق الخاصة في مصر قد يتجاوز العشر آلاف صندوق وذلك لوجود صندوق في كل قرية ومركز ومدينة وصناديق في المحافظات والجامعات والهيئات المختلفة بالدولة.
وأشار عضو مجلس النواب بعد ذلك إلى أن جزء من الضرائب يدخل في الصناديق الخاصة بالمحافظات وفقا للقانون فضلا عن ذهاب حصيلة تذاكر المستشفيات وغرامات المرور للصناديق ، لافتًا إلى أن الدولة تحصل فقط على 4% من حصيلة المصروفات الجامعية للطلاب والباقي يذهب للصناديق الخاصة".

ثانيا : عدم تطبيق الحد الأقصى للأجور .

نشر موقع البديل بتاريخ 23/3/2015 تقريرا تحت عنوان "السيسي يمتلك مفتاح المساواة " جاء فيه :
- الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة ، أصدرت مؤخرًا فتواها بعدم خضوع أعضاء السلطة القضائية والنيابة العامة لتطبيق القانون 63 لسنة 2014 بشأن الحد الأقصى لأجور العاملين بالدولة ؛ باعتبارهم كادر خاص وليسوا موظفين فى الدولة .
- وفى نفس السياق ، قال المستشار محمد حامد الجمل ، رئيس مجلس الدولة الأسبق ، إن الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة تعمل وفق نصوص القانون وليس مجرد قرار صادر على أساس الأهواء والآراء ، حيث يخضع القضاة وأعضاء النيابة لكادر خاص بهم ينظم رواتبهم ومكافآتهم ، ولا ينطبق عليهم النظام الوظيفي العام المتمثل في قانون الخدمة المدنية ، وبالتالي لا ينطبق عليهم القانون 63 لسنة 2014 بشأن الحد الأقصى لأجور العاملين بالدولة.
ولفت “الجمل” إلى أن فتوى مجلس الدولة الأخيرة ، تنطبق أيضًا على العاملين بالشرطة والجيش والخارجية ؛ نظرًا لأنهم لا يخضعون للنظام الوظيفي العام الخاص بالخدمة المدنية ، ولهم كادر خاص مثل القضاة وجميع السلطات السيادية ، مؤكدا أن الحل الوحيد للخروج من ذلك المأزق ، إصدار الرئيس عبد الفتاح السيسي بصفته انه يمتلك صلاحية التشريع ، قرار بخضوع العاملين بالكادر الخاص إلى الحد الأقصى للأجور.
وعلي ضوء ما تقدم فضلا عما صرح به المستشار / هشام جنينه ، فإن الحد الأقصى للأجور لا يطبق علي القضاء أو الجيش أو الشرطة أو البنوك أو قطاع الاتصالات أو وزارة الخارجية ، وهي الجهات التي يحدث فيها تجاوز الحد الأقصى للأجور .
ونلاحظ أن السيسي لم يصدر قانون بخضوع أصحاب الكوادر الخاصة لقانون الحد الأقصى للأجور كما اقترح المستشار / محمد حامد الجمل ، يما يعني أن قانون الحد الأقصى للأجور الذي أصدره السيسي مجرد استخفاف بالشعب وبيع الوهم له .

ثالثا : استمرار العمل بنظام ندب القضاة كمستشارين في جهات حكومية .

نشرت صحيفة الوفد بتاريخ 21/4/2016م  تقريرا بعنوان " انتداب القضاة.. فى قفص الاتهام"  جاء فيه :
" الندب الكلى أو الجزئي للقضاة إشكالية معقدة وأزمة شائكة تعانى منها مصر منذ عدة عقود، ففضلاً عن انخفاض عدد القضاة بالمقارنة بعدد القضايا المنظورة أمامهم، إلا أن استمرار ندبهم الجزئي لخارج العمل القضائي كمستشارين لجهة واحدة أو أكثر من جهة يثير تساؤلات عديدة حول أسباب استمرار هذه الظاهرة وما يثار حولها من أقاويل وشكوك من التأثير على القاضى ، أو محاولات السلطة التنفيذية أو الجهة المنتدب إليها لاستمالتهم من ناحية ، وتغريم الموازنة العامة للدولة في مكافآت إضافية تصل للملايين سنوياً ".
وكان دستور الثورة الصادر عام 2012 قد ألغي نظام ندب القضاة لتخفيف العبء علي كاهل موازنة الدولة ، إلا أن دستور الانقلاب الصادر عام 2014 قد أعاد العمل به لحين صدور قانون جديد خلال خمس سنوات أيضا لا يلغي العمل بنظام ندب القضاة .

رابعا : استمرار تعيين المتقاعدين من الجيش والشرطة في الوظائف الحكومية وشركات القطاع العام وقطاع الأعمال .

نشرت صحيفة الوفد بتاريخ 26/2/2016م  تقريرا بعنوان " تعيين مستشاري الوزارات والمؤسسات الحكومية .. بوابة خلفية للمحسوبيات " جاء فيه :
" رغم التصريحات الأخيرة لرئيس الوزراء بأن الدولة تعاني من عجز كبير في الموازنة العامة وأنه يتم العمل على زيادة الصادرات وترشيد الواردات ، إلا أن هناك تعيينات من الأبواب الخلفية لمستشاري الوزارات والهيئات الحكومية وبرحيل الحكومة يرحل المستشارون.
وهذا الحال يحدث بصفة دائمة وقد تتجدد الثقة في بعض المستشارين مرة أخري نظرا لكفاءتهم .
"الوفد" تناقش قضية تعيين مستشاري الوزراء بالإضافة إلي المؤسسات والهيئات الحكومية من لواءات الجيش والشرطة المحالين إلي المعاش مجاملة برواتب تصل إلي المليارات من الجنيهات بما يعادل ربع ميزانية الدولة .
وأضافت الصحيفة :
ووفقا للإحصاءات الرسمية يبلغ عدد المستشارين فى الوزارات المختلفة بالدولة حوالي 20 ألف مستشار يتقاضون مكافآت تقدر بـ18 مليار جنيه سنويا ، وهذا الرقم يعادل حوالي 9% من إجمالى المبالغ المخصصة لرواتب العاملين فى الدولة ، أي أن الـ20 ألف مستشار يحصلون على ما يقرب من عشر ما يحصل عليه 5.6 مليون موظف يعملون فى الجهاز الإدارى بالدولة ، وإذا نظرنا لحجم العمل الذى يقوم به هؤلاء المستشارون نجده لا شيء ، خاصة أن معظمهم من أهل الثقة فمنهم ضباط سابقون وسفراء وصحفيون ، وتعد وزارات المالية والتنمية الإدارية والتخطيط من أشهر الوزارات التى تستعين بمستشارين .
وحين تقول الإحصاءات الرسمية أن رواتب المستشارين ومعظمهم من رجال الجيش والشرطة المحالين للتقاعد ( 18 مليار جنيه ) فهذا يعني أن الرقم الحقيقي لا يقل عن مائة مليار وقابل للزيادة ليصبح ربع موازنة الدولة كما ذكرت الوفد في صدر تقريرها ".

خامسا : تأخير سن التقاعد للقضاة حتي بلوغ السبعين عام .

نشرت صحيفة الأهرام بتاريخ 29/4/2010 تحت عنوان " حول تقاعد القضاة "          جاء فيه :
" وأعترف بأنني من المؤيدين لمد سن تقاعد القضاة ـ باعتبار أن الخطأ الشائع أفضل من الصحيح المهجور ـ وهي السن التي حددها قانون السلطة القضائية الصادر بالقرار بقانون رقم46 لسنة1972 وتعديلاته المتعاقبة , والتي كان آخرها عام2007 بمد السن إلي ( سبعين عاما ) , وكانت سن التقاعد منذ صدور هذا القانون ( 60 سنة ) , زيدت عام1993 إلي ( 64 سنة ) ثم إلي ( 66 سنة ) عام 2002 , ثم إلي ( 68 سنة ) عام 2003 ".
وهذا يترتب عليه احتفاظ القاضي براتبه لمدة عشر سنوات زائدة عن مدة الخدمة المقررة لباقي الموظفين العموميين بالدولة بما فيذلك من آثار علي الموازنة العامة للدولة .

سادسا : اختراع وظيفة للقضاة بعد إحالتهم للمعاش علي سن أل 70 عام .

أصدرت دولة العسكر القانون رقم 7 لسنة 2000م بإنشاء ما يسمي " لجان فض المنازعات " يرأسها مستشار محال للمعاش ويعاونه عدد من الموظفين ، وفي بداية عمل هذه اللجان عام 2000م كان المستشار يتقاضي 3000ج تم زيادتها فيما بعد لتصل 7000ج أو يزيد ، هذا بالإضافة إلي رواتب الموظفين المعاونين .
وفرض قانون لجان فض المنازعات عدم رفع الدعوي القضائية في المنازعات الإدارية قبل اللجوء بطلب للجنة فض المنازعات علما بأن قرارات هذه اللجان غير ملزمة ولا قيمة لها سوي كونها وظيفة لتخصيص راتب جديد للقاضي بعد إحالته للمعاش ، ومع ذلك إذا قام المتقاضي برفع دعواه قبل اللجوء للجنة يقضي بعدم قبولها .

سابعا : استيلاء العسكر علي مشروعات الدولة بالإسناد المباشر .

أصدر المشرع قانون " المناقصات والمزايدات " بقصد تنفيذ المشروعات الاستثمارية للدولة بأقل تكلفة ، بحيث يتم  إسناد هذه المشروعات ( كالمدارس والمستشفيات والطرق وغيرهم ) لمن يقدم أقل تكلفة للتنفيذ بعد طرح المشروع في مناقصة . وللأسف الشديد فإن الإدارة الهندسية للقوات المسلحة تحصل علي هذه المشروعات بالإسناد المباشر بدون مناقصات وبقيمة أعلي من تكلفتها بكثير ، ثم تقوم بإسناد المشروع لمقاول خاص وتحصل علي الفرق . وقد أشرا لكمية من المليارات التي حصلت عليها القوات المسلحة في مثل هذه المشروعات في سلسلة مقالاتي بعنوان " السيسي والعسكر ونهب مصر " ، وجدير بالذكر أن القوات المسلحة حصلت علي مليارات بقصد إعمار سيناء لم يشاهد لها أثر علي الأرض .

ثامنا : رفض العسكر ضم مشروعاتهم لموازنة الدولة .

يصمم العسكر علي أن يجعلوا من الجيش دولة داخل الدولة تقيم المشروعات وتحقق الأرباح دون دفع ضرائب أو تكاليف الكهرباء أو المياه أو غيرها ، وحتي توزيع هذه الأرباح لا يعلم أحد عنه شئ لأنهم لا يخضعون لأي رقابة .
وهكذا أصبحت لهم مشروعات سياحية لا تحصي ولا تعد ، ومصانع ، ومزارع ، وشركات ، ومستشفيات ، ويعملون في الاستيراد والتصدير ، وقد أعلن العسكر منذ بداية ثورة يناير عن رفضهم تسليم هذه المشروعات لموازنة الدولة وصمموا علي أن يصبح الجيش دولة مستقلة داخل مصر ، ولاشك أن ضم هذه المشروعات لموازنة الدولة سوف يحدث نقلة ضخمة في موازنة الدولة ، هذا فضلا عن أنه سيخلص البلاد من قيام العسكر بعرقلة المشروعات الاستثمارية سواء التي يسعي الأجانب أو المصريون لتنفيذها حتي لا ينافسهم أحد ، ويمكن الرجوع إلي سلسلة مقالاتي بعنوان " السيسي والعسكر ونهب مصر " المنشورة علي جوجل لقراءة المزيد عن هذه المشروعات .

تاسعا : سيطرة العسكر علي ثروات البلاد .

- فهم يسيطرون علي البترول ومصادر الطاقة ، وقد رأينا كيف أهدروها في تصدير الغاز لإسرائيل بأقل من تكلفة الاستخراج حتي يحصلوا علي دعم أمريكا وإسرائيل لبقائهم في السلطة ، وكيف تنازلوا عن ثروات عن آبار مصرية لإسرائيل واليونان ، وكيف أدي ذلك من تحويل وزارة البترول من مصدر لمصادر الدخل بالنسبة للدولة إلي أكبر وزارة تحصل علي دعم من موازنة الدولة بلغ في موازنة 2016/2017 ( 43 مليار جنيه ) .
- كما يسيطر العسكر علي الثروة المعدنية ، ويمنعون أي استثمارات فيها حتي لا تخرج من أيديهم ، ويسيطروا الآن علي المحاجر والتي أحدثوا في استغلالها أزمة كبيرة بعد رفعهم لقيمة مقابل استغلالها .
- ويسيطرون علي كافة أراضي الدولة الزراعية والمباني ، فلا يستطيع أحد أو جهة التصرف في متر بعيدا عن موافقة العسكر ، بحيث يحصلوا علي ما شاءوا ويتركوا ما زاد عن حاجتهم للمواطنين .

عاشرا : تصميم العسكر علي حماية الفساد .

ويكفي أن ننظر إلي ما فعله السيسي مع المستشار / هشام جنينه رئيس أكبر جهاز رقابي في مصر وهو الجهاز المركزي للمحاسبات لنعم أن الفساد سمة أساسية من سمات دولة العسكر ، حيث تحتاج سرقة مقدرات الشعب إلي الستر ، ومن ثم يجعلون دور الأجهزة الرقابية صوريا منذ عشرات السنين ، وحين خرج من يتحدث من الجهاز عن الفساد لاسيما فساد الأجهزة السيادية عزلوه من وظيفته وأحالوه للمحاكمة الجنائية باتهامات باطلة وبالمخالفة للقواعد الدستورية والقانونية فيما يتعلق بحصانة رئيس الجهاز .
ومن يقرأ تقارير الفساد وما يكبده لموازنة الدولة من خسائر يعلم أن مصر بها من الخيرات ما يكفي لسد احتياجات عشر دول مثل مصر وليس مصر واحدة .
ما ذكرناه من بنود أعلاه يمكن استخدامها في إنقاذ موازنة الدولة يمثل قشور فيما يمكن استغلاله ، فنحن لم نفتح – علي سبيل المثال – ملف فساد القروض في البنوك والتي تعد من أقوي مصادر العسكر وأعوانهم في نهب المال العام .
وفي الوقت الذي لا يمس فيه السيسي بأي بند من البنود التي ذكرناها أعلاه يقوم برفع كافة تكاليف الحياة علي المواطن المصري الفقير المطحون ، وهي سياستهم التي يستعملونها منذ عشرات السنين ، سياسة التحميل علي الغلابة من أجل الديابة .
وكيل لجنة الشئون الدستورية والتشريعية ببرلمان الثورة .

عندما اتحد المسلمون ضد الصليبيين في هرقلة.( 2 )



قلت في مقدمة المقال الأول تحت ذات العنوان " عندما اتحد المسلمون ضد الصليبيين في هرقلة " :
جميعنا يعلم أن المسلمين فتحوا القدس عام 637 م ، وتسلمها الخليفة / عمر بن الخطاب بنفسه ، وظلت تحت هيمنة المسلمين حتي أطلق البابا " أوربان الثاني " عام 1095م  خطبته النارية التي وضعت حجر أساس بدء الحروب الصليبية الأوربية علي العالم الإسلامي وأراضيه ومقدساته ( القدس ) بذريعة أنها هبة الله عز وجل  لبني إسرائيل ، وأنها أرض مقدسات المسيحيين بها قبر المسيح عليه السلام وكنيسة القيامة ، وأن المسيحيين يتعرضون فيها لاضطهاد مروع ، ومن أراد أن يقرأ هذه الخطبة فليقرأ مقالي " الخطبة التي أشعلت الحروب الصليبية ألف عام " .  
وعلي ضوء خطبة البابا " أوربان الثاني " بدأت الحروب الصليبية والتي استطاعت أن تستولي في طريقها علي العديد من المدن التي كانت تحت يد الأتراك السلاجقة المسلمين مثل ( نيقية – قونية – أنطاكية – الرها ) وغيرهم حتي تمكنوا من احتلال القدس عام 1099م .
تعرض المسلمون لهزائم مفجعة ، ومات منهم أعداد لا يعلمها إلا الله عز وجل طوال الحروب الصليبية ، وكان السبب الرئيس هو تفرقهم وتنازعهم علي السلطة والهيمنة علي الثروات .
رغم ذلك تمكن المسلمون من كسب العديد من المعارك مع الصليبيين ، بل إنهم تمكنوا من استرداد القدس عدة مرات ، كما استردوا غيرها من مدن الشام ، ولم تتحقق هذه الانتصارات إلا في الأوقات التي استطاعوا أن يتوحدوا فيها ويطرحوا خلافاتهم وصراعاتهم جانبا .
من هذه المعارك التي انتصر فيها المسلمون علي الصليبيين معركة " مرسيفان " و معركة " هرقلة " .
ثم عرضنا في المقال السابق ما كتبه الدكتور / راغب السرجاني عن المعركتين ، في سلسلة مقالاته عن " الحروب الصليبية " ، وأنه أرجع انتصار المسلمين فيهما لتوحدهم بعد فرقة طويلة أدت إلي سقوط العديد من المدن الإسلامية من بينها القدس .
ونستكمل في هذا المقال ما كتبه الدكتور / راغب السرجاني عن معركة " هرقلة الثانية " وما ترتب عليها من آثار عظيمة بالنسبة للمسلمين ، وكذلك ما ترتب عليها من نتائج سلبية ينبغي علي المسلمين تلافيها في كل الأزمان ، حيث يقول :
" أما قصة معركة هرقلة الثانية فتبدأ بوصول المجموعة الثانية من هذه النجدة الصليبية التعيسة ، حيث وصل إلى القسطنطينية ستون ألف مقاتل من فرنسا وألمانيا ، على رأسهم "وليم التاسع" دوق "أكوتيين" و "ولف الرابع" دوق "بافاريا" واتجهت هذه المجموعة مباشرة إلى هرقلة عبر قونية ، ومارس معها المسلمون نفس الأسلوب الذي مارسوه مع الحملة الأولى ، حيث استدرجوهم إلى هرقلة بعد إتلاف المزروعات وطَمْر الآبار ، فوصل الجيش الصليبي إلى هرقلة في أوائل سبتمبر من سنة 1101م في حالة مأساوية من الجوع والعطش والإنهاك ، وما لبثت المعركة أن بدأت لتصل في خلال ساعات إلى نفس النتيجة حيث أُبيد الجيش الصليبي بكامله ، ولم ينجُ إلا الأمراء الذي هربوا إلى أنطاكية !!
ولعله من الملاحظ في المعارك الثلاثة أن أمراء الجيش الصليبي كانوا يفتحون لأنفسهم طريقًا للهرب تاركين الجموع المسكينة لمصيرهم المشئوم !
وهكذا دائمًا طبيعة الجيوش التي تفتقر إلى قضية ، ولا يحرك القائد فيها إلا شهوته للتملُّك ورغبته في التوسع !
لقد كانت ثلاث معارك هائلة في أقل من شهرين فَقَد فيها الصليبيون قرابة ربع مليون مقاتل ، إضافةً إلى الغنائم والسبي ، ولا شك أن حدثًا كبيرًا كهذا كان له من الآثار ما لا يحصى ، ولعله من المناسب أن نقف وقفة لنتدبر في نتائج هذه المعارك المهمة ، وأثرها على سير الأحداث :
أولاً:  ارتفعت معنويات المسلمين في كل مكان ، ليس في آسيا الصغرى فقط ولكن في كل العالم الإسلامي ، فالمسلمون كانوا يفتقرون إلى نصر يعيد لهم ثقتهم بأنفسهم ، ويُهوِّن عندهم قوة الصليبيين ، وهذه المعنويات المرتفعة - وإن لم يكن لها مردود سريع - فقد رسَّختْ في الأذهان فشل الادِّعاء القائل بأن الصليبيين قوة لا تقهر ، وهذه خطوة مهمة في بداية التغيير.
ثانيًا:  من المفترض أن المسلمين فهموا بعد هذه المعارك الثلاث بعض أسباب النصر، ولعل من أبرز هذه الأسباب وضوحًا الجهاد والوحدة.
فالحقوق لا تعود إلى أصحابها عن طريق إقناع المعتدين بالعدول عن اعتدائهم ، ولا عن طريق طاولة مفاوضات ، ولا عن طريق وساطة غربية ولا شرقية ، إنما تعود الحقوق بالدفاع الجريء عنها ، وبالصمود الطويل ، وبالصبر الجميل ، وبالإعداد والتجهيز ، وبذل الوسع والطاقة ؛ وهو ما وَضَح لنا جميعًا في خطوات سير المعارك الثلاث.
كما أن الوَحْدة بين "قلج أرسلان" و "كمشتكين" ضاعفت القوة ، وسددت الرمية ، وأزعجت الأعداء ، وأرهبت صدورهم ؛ مما قاد إلى النصر بشكل طبيعي مفهوم.
ومما يؤكد قومية التوجه عند الأتراك في هذه المعارك أنهم لم يسعوا إلى استغلال هذا النصر والتفوق في تحرير المدن الإسلامية المحتلة ، مع قربها الشديد من أرضهم ، وخاصةً أنطاكية والرها.
رابعًا:  مع حلاوة هذا النصر وبريقه فإنَّ قادة المسلمين في الشام كانت على أعينهم غشاوة سميكة جدًّا ، فلم يفهموا هذا النصر ، ولم يعلموا أسبابه ، بل لم يفكروا في استغلال أزمة الصليبيين بفقدان هذا العدد الهائل من الجنود ، ومن ثَمَّ لم يسعوا إلى تحرير أوطانهم وديارهم  .
خامسًا:  تفرغ الأتراك في آسيا الصغرى بعد هذه المعارك إلى بسط سيطرتهم على المدن هناك ، فسيطر "قلج أرسلان" على وسط آسيا الصغرى ، واتخذ قونية عاصمة له ، بينما ركَّز "كمشتكين بن الدانشمند" جهوده في الشرق ، وأسقط ملطية تحت سيطرته.
سادسًا : أغلقت هذه المعارك الطريق البري من القسطنطينية إلى أرض الشام أمام القوات الصليبية ، وظل هذا الطريق مغلقًا قرابة قرن كامل من الزمان حتى زمان الإمبراطور الألماني "فردريك باربروسا" في أواخر القرن الثاني عشر الميلادي ؛ مما يشير إلى مدى الرهبة التي تُلقى في قلوب أعداء الأمة إذا رُفعت راية الجهاد والمقاومة.
سابعًا : أدى انغلاق الطريق البري لأرض الشام أن نشطت جدًّا حركة السفن في البحر الأبيض المتوسط للوصول بالإمدادات والمؤن والجيوش إلى الموانئ الشامية والقسطنطينية ، ولما كانت معظم هذه السفن مملوكة للجمهوريات الإيطالية فإنَّ دور هذه الجمهوريات أصبح مؤثرًا جدًّا في أحداث الحروب الصليبية ، ولعشرات السنوات المقبلة.
ثامنًا:  أدت هذه الانتصارات الإسلامية إلى قلق الصليبيين في الشام ، وهذا أدى بدوره إلى توقف حركاتهم التوسعية ، وقناعتهم بالاكتفاء بالحفاظ على ما بأيديهم ، خاصةً أن هزيمة الصليبيين كان لها وقع سيِّئ جدًّا على الغرب الأوربي مما عوَّق جهود الكنيسة في جمع المقاتلين.
تاسعًا : أدت هذه الانتصارات إلى اقتناع الدولة البيزنطية أن قوتها أضعف من أن تخوض قتالاً مباشرًا مع الأتراك في داخل آسيا الصغرى ، ومن ثَمَّ لم تحاول أن تدخل جيوشها إلى هذه المناطق إلا بعد وفاة قلج أرسلان بعد ذلك بست سنوات.
عاشرًا:  نتيجة سلبية خطيرة لهذا النصر ، وهي أن البيتين التركيين الكبيرين : البيت "السلجوقي" ، والبيت "الدانشمندي" دخلا في صراع محتدم بعد هذا الانتصار، فقد تفرَّغ كل منهما للآخر ، ولم يفهما قيمة الوحدة التي أنعم الله بها عليهما في وقت من الأوقات ، ومن ثَمَّ نظر كل طرف إلى مصالحه الخاصة ، وإلى أطماعه التوسعية ؛ ولما كانت مساحة آسيا الصغرى محدودة ، فكان لا بد من التوسع على حساب الطرف الآخر! كما أن وفرة الغنائم وكثرة الأموال كانت من العوامل التي أغرت الطائفتين بنسيان الأصول الإسلامية ، والتفرُّغ لجمع الدنيا!!
لكن على العموم فإن هذه المعارك التي حدثت أدت إلى خروج آسيا الصغرى تقريبًا من موازنات الحروب الصليبية ، حيث أخرجها الصليبيون من حساباتهم لفترة طويلة ، كما أخرج سكانها المسلمون بقيَّة القضايا الإسلامية - وعلى رأسها احتلال الشام وفلسطين - من حساباتهم ، وصارت قضية احتلال القدس وغيرها من المدن الإسلامية وكأنها من قضايا الشأن الداخلي التي تخص الفلسطينيين والشاميين ، ولا دخل لبقية المسلمين فيها ، وهذا - لا شك - قصور كبير في الفَهْم ، وبُعد هائل عن حقيقة الشرع وطبيعة الدين!
يعيدنا حديث الدكتور / راغب السرجاني إلي الحقيقة التي لا مراء فيها ، ولا غني للعالم الإسلامي عن تبنيها والعمل لتحقيقها ، وهي وحدة الشعوب الإسلامية في مواجهة العدوان الغربي المستمر الذي لم ينقطع منذ عام 1095م بسبب تصميم الغرب علي احتلال الأراضي المقدسة الإسلامية ، وهو ما يفسر لنا كافة صور عدوان الغرب علي العالم الإسلامي حتي هذه اللحظة .
وحدة الشعوب الإسلامية ضد أنظمة الحكم العربية المستبدة العميلة التي يستخدمها الغرب منذ قرابة المائة عام في الصفوف الأولي من جيوشه المحاربة للمسلمين .
وحدة الشعوب الإسلامية لانتزاع الديمقراطية والتي تتفق مبادئها مع الإسلام ، والتخلص من نظريات فقهاء السلطان ، مثل " الإمامة " عند الشيعة ، و"ولاية العهد" في الملكيات العربية ، و" الإمام المتغلب " وغيرها من النظريات الفقهية السلطوية الفاسدة التي جعلت المسلمين في ذيل الأمم بعد أن كانوا في مقدمتها .
ويجب أن يتحدث المسلمون عن مبدأ " الوحدة الإسلامية " باعتباره فريضة إسلامية ، بدلا من الحديث عن "الخلافة" ، فالخلافة مجرد وسيلة اتبعها المسلمون بعد موت النبي ( ص ) لتحقيق وحدة الأمة ، فهي وسيلة يمكن أن نحقق بها مبدأ الوحدة الإسلامية ، كما يمكن تحقيق الوحدة الإسلامية بغير هذه الوسيلة ، وربما كان هناك من الوسائل ما يحقق هذه الوحدة أكثر من نظام "الخلافة" الذي تُعزي إليه وإلي نظام "الإمامة" عند الشيعة  غالبية الحروب التي شهدها العالم الإسلامي منذ فجر الإسلام.
ولا يعني ما تقدم أننا نقول بإمكانية بقاء المسلمين بلا حاكم ، وإنما نتحدث عن الحالات التي يستحيل أو يصعب فيها اختيار حاكم واحد لكافة الدول الإسلامية بسبب اتساعها ، وتعدد شعوبها وتنوعهم ، وهي الحالة التي ينبغي معها الحديث عن نظم قانونية حديثة لتطبيق مبدأ " الوحدة الإسلامية " علي نحو ما فعلت الولايات الأمريكية المستقلة عندما اتحدت في اتحاد كونفدرالي بحكومة مركزية ضعيفة ، ثم طورته لاتحاد فيدرالي بحكومة مركزية قوية ، إذ لاشك أن ذلك هو الأسلوب الأمثل بدلا من قيام حروب مستمرة بين المسلمين بين الحين والحين ، لأن هذه الفئة أو تلك تريد فرض الخلافة بالقوة علي باقي الأمة الإسلامية ، أو كشيعة إيران الذين يقتلون المسلمين السنة في العراق وسوريا واليمن لفرض إمامتهم الباطلة التي لا تمت للإسلام بصلة .
فالشيعة أنصار الإمامة ظلوا يخوضون الحروب ويقتلون الآلاف أو الملايين من المسلمين لفرض إمامتهم الباطلة ، وأنصار الخلافة يقتلون الآلاف أو الملايين لفرض خلافتهم ما بين الخلافة العباسية والأموية والفاطمية وغير ذلك كثير .
الخلافة نظام حكم قابل للتغيير بحسب الظروف والأحوال والممكن وغير الممكن ، أما المبادئ الإسلامية الثابتة من الدين بالضرورة مثل مبدأ " الوحدة الإسلامية " فهي التي يجب أن نرسخها في نفوس المسلمين ، ونسعي لإيجاد الوسائل المناسبة والسلمية لتطبيقها ، حتي لا يظل اختيار الحكام المسلمين أهم أسباب اقتتالهم إلي يوم القيامة .