الثلاثاء، 29 يونيو 2021

 

عندما يتراجع العلماء تفسد الأرض






قال الله عز وجل :

( وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ )

آل عمران - (146)

وعن معنى كلمة ( ربيون ) الواردة في الآية الكريمة يقول الطبري في تفسيره : اختلف أهل التأويل في معنى ( ربيون ) ، ثم أورد العديد من الأقوال مفادها أن الربيين هم العلماء ،
قال بذلك ابن عباس ، و ا لحسن و جعفر ، كما ذكر أقوالا أخرى مفادها أن كلمة ( ربيون ) تعني جموع كثيرة ، وهي نفس المعاني التي ذكرها ابن كثير في تفسيره.

والراجح أن كلمة ربيين تعني العلماء الفقهاء ، إذ لو كان المعنى المقصود جموع كثيرة أو ألوف لكان في كلمة كثير التي تلتها غنى عنها.

ومن جهة أخرى وفضلا عن الآيات الكثيرة التي ميزت وفضلت الذين يعلمون عن الذين لا يعلمون ، فقد ضرب الله عز وجل لنا أمثلة مفادها أن العلماء هم من يتصدون إذا تعرض الدين للانتهاك أو تعرض المؤمنون للاعتداء ، من ذلك قوله تعالى:

وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ ۖ وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ ۖ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ

                     سورة غافر - (28)

فالآية الكريمة تكشف لنا أن "مؤمن آل فرعون" كان مؤمنا عالما فصيح اللسان ويمتلك قدرة على الإقناع بالمنطق ، وفوق كل ذلك ورغم أنه كان يكتم إيمانه ، اندفع بقوة لإغاثة موسى من المكر به والتدبير لقتله ، فضلا عن حرصه على قومه من التعرض لعذاب الله ، حسبما أخبرنا الله عز وجل في الآية التالية بقوله جل وعلا:

( يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ اللَّهِ إِن جَاءَنَا ۚ قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ (29)

وهو نفس الدور الذي هب "مؤمن آل يسن" للقيام به ، حين أسرع لإنقاذ الرسل الثلاثة المرسلين إلى قومه عندما همّ قومه بقتلهم ، وعندما قتله قومه بشره الله بالجنة قبل خروج روحه ، حيث يقول الله عز وجل:

( وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ *اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ * وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ * إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ * قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ )

                     [يس:20-27]

لا شك في أن قصة مؤمن آل فرعون وقصة مؤمن آل يسن توضحان لنا معنى قول الله عز وجل :

( وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ )

                      البقرة - (251)

وهذه الآية الكريمة تعني أنه عندما يتراجع العلماء ، وهم قرون استشعار الأمة ، ويعمدون للإختفاء تفسد الأرض ، لذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:

( مَن كتمَ علمًا ألجمَهُ اللَّهُ يومَ القيامةِ بلجامٍ من نارٍ )

                 صححه الألباني

هذا فضلا عن حديث ( به فابدأ ) والذي جاء في العديد من مصادر الحديث ، وصححه بعض العلماء ، وضعفه البعض ، وجعله البعض في حكم الأثر ، حيث ورد عن  سُفيان بن عيينة عن سُفيان بن سعيد عن مِسْعَر قال : 

( بَلَغَنِي أنَّ مَلَكًا أُمِر أن يَخْسِف بِقَرْيَة ، فقال : يا رَبّ فيها فُلان العَابِد ، فأوْحَى الله تعالى إليه أن بِـه فَابْـدَأ ، فإنه لَم يَتَمَعَّر وَجْهُه فيَّ سَاعَة قَط .)

وورد ذات الأثر عن مالك بن دينار :

( إن الله عز وجل أمَرَ بِقَرْيَة أن تُعَذَّب ، فَضَجَّتِ الْمَلائكَة ، قالت : إنَّ فِيهم عَبدك فُلانا . قال : أسْمِعُونِي ضَجِيجَه ، فإنَّ وَجْهَه لَم يَتَمَعَّر غَضَبًا لِمَحَارِمِي ).

إن التصدي للفساد هو من السمات الأساسية للأمة الإسلامية ، وفي ذلك يقول الله عز وجل:

( كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ  )

 

 

 

 

لماذا دخل قومُ فرعون النار ؟





كان لفرعون رجال أعمال من أمثال قارون ، وكان له جنود أشداء أمثال هامان ، وكانت له أبواق إعلامية  تمدحه وتبدع الأغاني والأناشيد لتصفه بالهادي إلى سبيل الرشاد ، وتتهم رسول الله موسى بأنه ينشر في الأرض الفساد ، كان الواحد من قومه يذبح له أطفال بني إسرائيل ويستحيي نسائهم ويقول أنا العبد المأمور ، ويعذب الناس بتثبيتهم على الصلبان ويقول أنا العبد المأمور ، ويسخر الناس في أصعب الأعمال دون أجر ولا مال ، وينهب أموالهم ويقول أنا العبد المأمور ، ورفضوا الإيمان بما نزل على موسى رغم ما جاءهم به من معجزات ، وقالوا لو عصينا فرعون لفعل بنا مثل ما فعل بالسحرة ، وظنوا أنهم ناجون بأعذارهم ، لكن الله عز وجل وهو الحكم العدل كان له فيهم حكم آخر ، حيث يقول جل وعلا : 

( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ  (96) إِلَى فِرْعَوْنَ  فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ  (97) يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ  (98) وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ  (99)

                       هود -٩٩:٩٦

مهما أبديت من أعذار لتبرر بها تخندقك في خندق الظلم ، فالله عز وجل يعلم أن لك بصيرة ترجح بها طريق الحق على طريق الباطل ، وطريق الخير على طريق الشر ، و الصواب على الخطأ ، ويعلم عز وجل أن لك إرادة تستطيع أن تختار بها الطريق الذي يوافق هواك مهما كانت مصاعب هذا الطريق لذا قال عز وجل:

(  بل الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (١٤) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ )

               القيامة – ١٥:١٤



 

طال عليم الأمد فقست قلوبهم


يقول الله عز وجل :

أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ

                                         الحديد - (16)

وعن تفسير قوله تعالى ( فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ ) يقول القرطبي :

قال ابن مسعود :

" إن بني إسرائيل لما طال عليهم الأمد قست قلوبهم ، فاخترعوا كتابا من عند أنفسهم استحلته أنفسهم ، وكان الحق يحول بينهم وبين كثير من شهواتهم ، حتى نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون ، ثم قالوا : أعرضوا هذا الكتاب على بني إسرائيل ، فإن تابعوكم فاتركوهم وإلا فاقتلوهم ، ثم اصطلحوا على أن يرسلوه إلى عالم من علمائهم ، وقالوا : إن هو تابعنا لم يخالفنا أحد ، وإن أبى قتلناه فلا يختلف علينا بعده أحد ، فأرسلوا إليه ، فكتب كتاب الله في ورقة وجعلها في قرن وعلقه في عنقه ثم لبس عليه ثيابه ، فأتاهم فعرضوا عليه كتابهم ، وقالوا : أتؤمن بهذا ؟ فضرب بيده على صدره ، وقال : آمنت بهذا - يعني المعلق على صدره - فافترقت بنو إسرائيل على بضع وسبعين ملة ، وخير مللهم أصحاب ذي القرن ...."

كما أورد ابن كثير في تفسيره حديث نبوي بذات المعنى .

ويتضح لنا مما سبق أن مجموعة من اليهود من أصحاب السلطة والقوة أرادوا التخلص من التوراة سعيا للخلاص من الأوامر الإلهية التي تعرقل مصالحهم وشهواتهم غير المشروعة ، فأخفوا كتاب الله عز وجل ،ووضعوا كتابا محرفا ، وقرروا قتل كل من لا يقر كتابهم المحرف ، وأسرفوا في القتل ، ولكن ولأن نواميس الله عز وجل وتشريعاته لا تتغير ، كانت النتيجة هي انتشار الفتن والقتل وانقسام اليهود إلي اثنتي وسبعين فرقة.

ليس ذلك فحسب ، بل قال جل وعلا : ( أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ ۖ وَمَن يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا )

                                         النساء - (52)

ليس ذلك فحسب ، بل قال جل وعلا : 

( وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ ۗ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ ۖ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ )

                                     الأعراف - (167)

ليتعرضوا لضربات البابليين والأشوريين ثم ضربات الرومان التي طردتهم من الأرض المباركة لتشردهم في جميع أنحاء الكرة الأرضية ، وهذا ما يؤكده قول الله عز وجل :

( وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا )

                                     الإسراء - (104)

وحتى بعد الشتات لم يجدوا الراحة والسكينة ، وإنما لازمهم الاضطهاد أينما حلوا وليس اضطهاد الرومان أو " هولوكوست هتلر" منا ببعيد.

فهل من معتبر ، أم أن الاعتبار لا يحدث إلا بعدما يعيد التاريخ دورته حتى نهايتها .

الخميس، 24 يونيو 2021

 

إلي من يظلمونَ خليفةَ الله :



كثيرٌ من العارفين بالله عز وجل وعلي رأسهم حجة الإسلام الإمام أبو حامد الغزالي قالوا "من عرفَ نفسَه عرف ربَه"، ويمكن أن نُرَتْبَ علي العبارة السابقة عبارة " من عرف نفسه لم يظلم غيره" ، فكثيرٌ من الناس يظلمون غيرَهم من الناس إلي حد الاستهانة بالأروح والدماء ، فيقتلون الأنفسَ بغير حساب ، ويريقون الدماء علي التراب ، وينالون من سلامتهم البدنية والنفسية بفظائع لم يرضى الله عز وجل بفعلها مع الحيوان ، ويسلبون أموالهم بغير حق ، متذرعين بذرائع كاذبة أو واهية ، لاشك أن مثل هؤلاء الظالمين لا يعرفون أنفسهم ، لأنهم لو عرفوا قدر أنفسهم لعرفوا قدر أي إنسان مهما بدا للآخرين ضئيلا ، هل يعرف هؤلاء الظالمين أن الله عز وجل كرّم الإنسان فجعله خليفته علي الأرض ، فقال جل شأنه:

( إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً )

                                          البقرة – ٣٠

وأنه سبحانه وتعالى خلقَ الإنسان بيديه دوناً عن سائر المخلوقات والتي خلقها بالكلمة ، فقال جل وعلا : ( قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ۖ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ )

                                       سورة ص - (75)

وأنه سبحانه وتعالي نفخ في الإنسان من روحه فقال جل شأنه :َ ( فإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ )

                                       الحجر – (29)

وأنه سبحانه وتعالى أمر ملائكتَهُ بالسجود للإنسان تكريماً لخليفته فقال جل وعلا:

( وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ )

                                      البقرة - (34)

وأنه سبحانه وتعالى خلق العالم بأسره للإنسان ، وأخضع له كل مخلوقاته فقال جل وعلا: ( هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ ۚ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )

                                  البقرة - (29)

وأنه سبحانه وتعالى خصص لكل إنسان ملائكةً لحفظه فقال جل شأنه :

 ( وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ )

                                    الأنعام:61

وأنه سبحانه وتعالى خلق الإنسان لأمر جلل وليس عبثا فقال:

( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ )

                               المؤمنون - (115)

فهل يتصور أحد أن الله عز وجل والذي منح الإنسان هذه المكانة يمكن أن يرضي بظلم يقع على إنسان واحد؟.

للإجابة على هذا السؤال نقول: لا يمكن أن يخطئ إنسان ذو بصيرة في إدراك التزامن بين المظالم الواقعة على المسلمين في العالم وبين انتشار جيوش الفيروسات من الكورونا إلى الفطر الأسود وغيرهما ، فضلا عن الفقر والغلاء والبلاء والهم وقهر الرجال وسلب ا والفواحش والرذائل على أرض الواقع وعبر ما يحمله لنا الأثير .

فإذا قال قائل: وما ذنب الأبرياء فيما حل من البلاء ، قلت: كلنا مخطئون سواءٌ منا الظالم والمظلوم ، قال تعالى:

( فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ )

                             الأنفال - (25)

 

 



ما أتعس المُغتر بإمهال الله عز وجل:


يا أيها الإنسان الذي يظلم أخيه الإنسان ، ويتمادى في ظلمه مغتراً بإمهال الله عز وجل له  

أُسدي إليك نصيحة غالية : " لا تغتر أو تنخدع بصبر الله عز وجل عليك وإمهاله لك"، فالله قد يمهلك ليستدرجك إلى عذاب مهين في الدنيا والآخرة ، يقول جل وعلا :

( سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا 

بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ )

                                 الأعراف – ١٤٦

كما يقول عز وجل :


( وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ )

                                الأنعام - (110)

فإذا استمر غرورُك وظلمك ، فتذكر أنك لست في قوة فرعون ، وليس جنودك كجنوده 

الذين خاضوا البحر المفلوق معه دون تردد أو 

تفكير ، ومع ذلك يقول عز وجل:

( وجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ 

قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو 

إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ  (90) آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ  (91) فَالْيَوْمَ 

نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا (٩٢)

                                  يونس – ٩٢:٩٠

وتذكر أنك لست في قوة قارون ولا تملك مثل ثروته ، ومع ذلك يقول تعالي:

( فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنتَصِرِينَ )                     

                                  القصص:٨١

وتذكر قوله تعالى عن قابيل :


( فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ )

                                                          

                                 المائدة (30)

الجمعة، 11 يونيو 2021

 

إشارات القرآن لصناعة الطيران !

يقول الله عز وجل :

( وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ ۖ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ ۖ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ ۖ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ )

                                     سورة سبأ - 12

وعن تفسير قوله تعالى : ( وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ ) يقول ابن كثير في تفسيره :

لما ذكر الله تعالى ما أنعم به على داود ، عطف بذكره ما أعطى ابنه سليمان عليهما الصلاة والسلام ، من تسخير الريح له تحمل بساطه غدوها شهر ورواحها شهر ، قال الحسن البصري:

" كان يغدو على بساطه من دمشق فينزل بإصطخر يتغدى بها ، ويذهب رائحاً من إصطخر فيبيت بكابل ، وبين دمشق وإصطخر شهر كامل للمُسْرِع ، وبين إصطخر وكابل شهر كامل للمُسرع" .

ويقول الطبري في تفسيره :

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلِسُلَيْمَان الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْر وَرَوَاحهَا شَهْر } اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { وَلِسُلَيْمَان الرِّيحَ } فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْأَمْصَار { وَلِسُلَيْمَان الرِّيحَ } بِنَصْبِ الرِّيحَ , بِمَعْنَى : وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلًا , وَسَخَّرْنَا لِسُلَيْمَان الرِّيحَ , وَقَرَأَ ذَلِكَ عَاصِم : " وَلِسُلَيْمَان الرِّيحُ " رَفْعًا بِحَرْفِ الصِّفَة , إِذْ لَمْ يَظْهَر النَّاصِب . وَالصَّوَاب مِنَ الْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا النَّصْب لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنَ الْقُرَّاء عَلَيْهِ .

وَقَوْله : { غُدُوّهَا شَهْر } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَسَخَّرْنَا لِسُلَيْمَان الرِّيحَ , غُدُوّهَا إِلَى انْتِصَاف النَّهَار مَسِيرَة شَهْر , وَرَوَاحهَا مِنْ انْتِصَاف النَّهَار إِلَى اللَّيْل مَسِيرَة شَهْر . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ :

- حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَلِسُلَيْمَان الرِّيح غُدُوّهَا شَهْر وَرَوَاحهَا شَهْر } قَالَ :

" تَغْدُو مَسِيرَة شَهْر , وَتَرُوح مَسِيرَةَ شَهْر , قَالَ : مَسِيرَة شَهْرَيْنِ فِي يَوْم".

- حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنِ ابْن إِسْحَاق , عَنْ بَعْض أَهْل الْعِلْم , عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه : { وَلِسُلَيْمَان الرِّيحَ غُدُوّهَا شَهْر وَرَوَاحهَا شَهْر } ، قَالَ :

" ذُكِرَ لِي أَنَّ مَنْزِلًا بِنَاحِيَةِ دِجْلَة مَكْتُوب فِيهِ كِتَاب كَتَبَهُ بَعْض صَحَابَة سُلَيْمَان , إِمَّا مِنَ الْجِنّ , وَإِمَّا مِنَ الْإِنْس : نَحْنُ نَزَّلْنَاهُ وَمَا بَنَيْنَاهُ , وَمَبْنِيًّا وَجَدْنَاهُ , غَدَوْنَا مِنْ إِصْطَخْرَ فَقُلْنَاهُ , وَنَحْنُ رَائِحُونَ مِنْهُ إِنْ شَاءَ اللَّه فَبَائِتُونَ بِالشَّامِ" .

- حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَلِسُلَيْمَان الرِّيحَ غُدُوّهَا شَهْر وَرَوَاحهَا شَهْر } قَالَ :

" كَانَ لَهُ مَرْكَب مِنْ خَشَب , وَكَانَ فِيهِ أَلْف رُكْن , فِي كُلّ رُكْن أَلْف بَيْت تَرْكَب فِيهِ الْجِنّ وَالْإِنْس , تَحْت كُلّ رُكْن أَلْف شَيْطَان , يَرْفَعُونَ ذَلِكَ الْمَرْكَب هُمْ وَالْعِصَار ; فَإِذَا ارْتَفَعَ أَتَتْ الرِّيح رُخَاء , فَسَارَتْ بِهِ , وَسَارُوا مَعَهُ , يَقِيل عِنْدَ قَوْم بَيْنه وَبَيْنهمْ شَهْر , وَيُمْسِي عِنْدَ قَوْم بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ شَهْر , وَلَا يَدْرِي الْقَوْم إِلَّا وَقَدْ أَظَلَّهُمْ مَعَهُ الْجُيُوش وَالْجُن .

 – حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو عَامِر , قَالَ : ثنا قُرَّة , عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْله { غُدُوّهَا شَهْر وَرَوَاحهَا شَهْر } قَالَ :

" كَانَ يَغْدُو فَيُقِيل فِي إِصْطَخْرَ , ثُمَّ يَرُوح مِنْهَا , فَيَكُون رَوَاحهَا بِكَابِل." 

-حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا حَمَّاد , قَالَ : ثنا قُرَّة , عَنِ الْحَسَن بِمِثْلِهِ. الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلِسُلَيْمَان الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْر وَرَوَاحهَا شَهْر } اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { وَلِسُلَيْمَان الرِّيحَ } فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْأَمْصَار { وَلِسُلَيْمَان الرِّيحَ } بِنَصْبِ الرِّيحَ , بِمَعْنَى : وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلًا , وَسَخَّرْنَا لِسُلَيْمَان الرِّيحَ , وَقَرَأَ ذَلِكَ عَاصِم : " وَلِسُلَيْمَان الرِّيحُ " رَفْعًا بِحَرْفِ الصِّفَة , إِذْ لَمْ يَظْهَر النَّاصِب .

وَالصَّوَاب مِنَ الْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا النَّصْب لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنَ الْقُرَّاء عَلَيْهِ . وَقَوْله : { غُدُوّهَا شَهْر } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَسَخَّرْنَا لِسُلَيْمَان الرِّيحَ , غُدُوّهَا إِلَى انْتِصَاف النَّهَار مَسِيرَة شَهْر , وَرَوَاحهَا مِنْ انْتِصَاف النَّهَار إِلَى اللَّيْل مَسِيرَة شَهْر . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل .

ويقول القرطبي في تفسيره :

قوله تعالى: { ولسليمان الريح} قال الزجاج: التقدير وسخرنا لسليمان الريح. وقرأ عاصم في رواية أبي بكر عنه: "الريحُ" بالرفع على الابتداء، والمعنى له تسخير الريح، أو بالاستقرار، أي ولسليمان الريح ثابتة، وفيه ذلك المعنى الأول. فإن قال قائل : إذا قلت أعطيت زيدا درهما ولعمرو دينار ، فرفعته فلم يكن فيه معنى الأول ، وجاز أن يكون لم تعطه الدينار. وقيل : الأمر كذا ولكن الآية على خلاف هذا من جهة المعنى، لأنه قد علم أنه لم يسخرها أحد إلا الله عز وجل. { غدوها شهر ورواحها شهر} أي مسيرة شهر.

قال الحسن :

" كان يغدو من دمشق فيقيل بإصطخر ، وبينهما مسيرة شهر للمُسرع ، ثم يروح من إصطخر ويبيت بكابل، وبينهما شهر للمسرع.

قال السدي :

" كانت تسير به في اليوم مسيرة شهرين."

وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال :

" كان سليمان إذا جلس نصبت حواليه أربعمائة ألف كرسي، ثم جلس رؤساء الإنس مما يليه ، وجلس سفلة الإنس مما يليهم ، وجلس رؤساء الإنس مما يلي سفلة الإنس ، وجلس سفلة الجن مما يليهم ، وموكل بكل كرسي طائر لعمل قد عرفه، ثم تقلهم الريح ، والطير تظلهم من الشمس، فيغدو من بيت المقدس إلى إصطخر ، فيبيت ببيت المقدس ، ثم قرأ ابن عباس: "غدوها شهر ورواحها شهر".

وقال وهب بن منبه :

" ذكر لي أن منزلا بناحية دجلة مكتوبا فيه كتبه بعض صحابة سليمان؛ إما من الجن وإما من الإنس: نحن نزلنا وما بنيناه، ومبنيا وجدناه، غدونا من إصطخر فقلناه ، ونحن رائحون منه إن شاء الله تعالى فبائتون في الشام."

وقال الحسن :

"شغلت سليمان الخيل حتى فاتته صلاة العصر ، فعقر الخيل فأبدله الله خيرا منها وأسرع ، أبدل الريح تجري بأمره حيث شاء ، غدوها شهر ورواحها شهر."

وقال ابن زيد : كان مستقر سليمان بمدينة تدمر ، وكان أمر الشياطين قبل شخوصه من الشام إلى العراق ، فبنوها له بالصفاح والعمد والرخام الأبيض والأصفر ، وفيه يقول النابغة :

إلا سليمـــان إذ قـــال الإلـه له        قم في البرية فأحددها عن الفند

وخيس الجن إني قد أذنت لهم        يبنون تدمر بالصفـــاح والعمــد

فمن أطاعـــك فانفعـــه بطاعته         كما أطاعك وأدلله على الرشــد

ومن عصـــاك فعاقبـــه معاقبة         تنهى الظلوم ولا تقعد على ضمد

ووجدت هذه الأبيات منقورة في صخرة بأرض يشكر، أنشأهن بعض أصحاب سليمان عليه الصلاة والسلام :

ونحن ولا حول سوى حول ربنا      نروح إلى الأوطان من أرض تدمر

إذا نحن رحنا كان ريث رواحنا      مسيـرة شهـر والغـــدو لآخـــر

أناس شروا لله طوعـــا نفوسهـم      بنصر ابن داود النبي المطهــــر

لهم في معالي الدين فضل رفعة      وإن نسوا يوما فمن خيــر معشـر

متى يركبوا الريح المطيعة أسرعت   مبادرة عن شهرهـــا لم تقصـــر

تظلهـم طيـــر صفــوف عليهـــم    متى رفرفت من فوقهم لم تنفــر .

تسللت قصة طيران سليمان إلي التراث الشعبي في كتاب " الف ليلة وليلة" - حكاية علاء الدين والمصباح السحري والسجادة السحرية ، وكان اسم الملك الذي تحكي له شهر زاد في تلك الحكاية سليمان .

وجدير بالذكر أن كتاب ألف ليلة وليلة انتشر انتشارا واسعا في الغرب بعد ترجمته إلي الفرنسية والإنجليزية قبل أن ينتشر في الشرق ، وقرأه وتأثر به العديد من كبار المفكرين الغربيين.

وهكذا يتضح من أمهات كتب التفسير أن تسخير الله عز وجل الريح لسليمان يعني أن الله عز وجل مكن سليمان عليه السلام من السفر بالطائرة والتي كانت عبارة عن مركب خشب سخر لها الله عز وجل الريح لتحملها وعلي متنها سليمان عليه السلام ومن معه . ولفت المولي عز وجل انتباهنا إلي أن الطيران سوف يكون أسرع وسيلة مواصلات ، عندما أشار إلي أن سليمان كان يسافر في يوم واحد طائرا مسافة تحتاج إلى شهرين لقطعها سيرا .

ليس ذلك فحسب ، بل أشار المولي عز وجل إلي أن المستقبل سوف يكشف عن وسائل مواصلات جديدة بخلاف تلك التي يعرفها الناس في زمن نزول القرآن الكريم ، حيث قال جل وعلا :

- " وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً ۚ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ

                                   سورة النحل – الآية (8)

هل كانت صدفة أن يكون أول شخص يحاول ابتكار آلة للطيران مسلما ، أم أنه تأثر بإشارة القرآن الكريم بشأن تسخير الريح لسليمان عليه السلام وتمكنه من الطيران حسبما جاء في كتب التفسير الأولي قريبة العهد بنزول القرآن الكريم؟

العديد من المصادر التاريخية العربية والغربية أكدت لنا أن عباس بن فرناس القرطبي أول مسلم بل ربما أول شخص أجرى في القرن التاسع تجربة طيران بآلة صنعها وطار بها، وكان عباس متعدد المعارف والمواهب ، كان شاعراً ومنجماً وموسيقياً وعالم فلك ومهندساً ، بيد أن شهرته الواسعة جاءت من بنائه آلة طيران كانت الأولى من نوعها حملت إنساناً إلى الفضاء طار بنجاح عدة مرات فوق مناطق صحراوية ، وقد حسّن تصاميمه قبل قيامه بمحاولتي طيران في قرطبة.

كانت المحاولة الأولى عام 852 عندما أحاط نفسه بمظلة واسعة مقواة بدعائم خشبية ، وقفز من مئذنة الجامع الكبير في قرطبة انزلق وكأنه في طائرة شراعية ، أخفقت المحاولة بيد أن سقوطه كان متباطئاً بحيث لم يصب بغير أضرار طفيفة ، فكانت تلك أول محاولة للقفز بالمظلة ، المصادر الغربية تسميه خطأ باسم أرمين فيرمان بدلاً من عباس بن فرناس .

تعلّم ابن فرناس من التجربة فعمل جاهداً لتحسين تصميمه الثاني، وتقول الأوصاف التي ذكرها شهود عيان وكذلك مخطوطات من تلك الفترة ، إن ما صنعه عباس أشبه بآلة تتألف من جناحين كبيرين ، وهكذا قبل ألف ومئتي سنة صنع رجل في السبعين من عمره تقريباً آلة للطيران من الحرير ومن ريش النسور.

صعد ابن فرناس تلة في منطقة الرصافة من ضواحي قرطبة بإسبانيا قرب جبل يسمى «جبل العروس» بعد أن وضع اللمسات الأخيرة على آلته حدد وقتاً تجمّع فيه الناس ليشاهدوا طيرانه.

ولدى ظهوره أمام الجمع حاملاً آلته الطائرة المصنوعة على شكل جناح شراعي مغطى شرح ابن فرناس كيف خطط ليطير مستخدماً شراعاً مثبتاً بذراعيه.

قذف ابن فرناس بنفسه إلى الهواء وبقي في الجو لفترة وجيزة قبل سقوطه على الأرض فتحطم الشراع وانكسرت إحدى فقراته ، ولسوء الحظ فإن الضرر الذي لحق بابن فرناس في الطيران منعه من إجراء مزيد من التجارب ليجسد اكتشافه حاجة الذيل ووظيفته في الهبوط ، على أية حال كان ابن فرناس مبدعاً ولا بد أن وصف آلته لشخص ما أو ربما أرشد شخصاً ما وربما يكون من المتدربين عنده لكي يصنع نسخة جديدة.

وتقول الموسوعة الحرة انسكلوبيديا عنه :

وتكريمًا لاسمه ، سُميّت فوهة قمرية باسمه كما وضع تمثال له أمام مطار في بغداد ، كتب عليه " أول طيار عربي ولد في الأندلس ". وأصدرت ليبيا طابعاً بريدياً باسمه ، وأطلق اسمه على فندق مطار طرابلس، وسمي مطار آخر شمال بغداد باسمه "عباس بن فرناس" . وفي 14 يناير 2011م ، افتتح جسر عباس بن فرناس في قرطبة على نهر الوادي الكبير ، في منتصفه تمثال لابن فرناس مثبّت فيه جناحين يمتدان إلى نهايتي الجسر ، وهو من تصميم المهندس خوسيه لويس مانثاناريس خابون وفي رندة ، وافتتح مركز فلكي يحمل اسمه.

إشارات كثيرة في القرآن الكريم لو التقطها المسلمون لما أصبحوا في ذيل الأمم ، ولما أصبحت الصناعة هي آخر ما يفكر فيه الحكام العرب ، ولما هرولوا إلي التخلص مما لديهم من مصانع بغلقها وبيعها للتربح من بيع أراضيها ، يقول الله عز وجل :

- ( وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ ۖ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ ۖ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ ۖ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ )

                                     سورة سبأ – 12

- ( يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا ، لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ )

                                            الرحمن – 33

- ( وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَن يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ ۖ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ )

                                       سورة الأنبياء - (82)

- ( قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96) فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا )

                                       سورة الكهف – 94: 97

 

- (  أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (128) وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ )

                                      سورة الشعراء - 128 : 129

- ( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ  6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ 7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ 8) وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ 9) وَفِرْعَوْنَ ذِي الأَوْتَادِ 10))

                                         سورة الفجر - 6: 10

- ( وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ )

                                      سورة الأنبياء - 80