الخميس، 4 مايو 2017

ستون عاما من ظلم العسكر للإخوان . 14






المقدمة الثابتة لهذه السلسلة من المقالات :

" شهادات لا تحصي ولا تعد تكشف وتؤكد أن الإخوان المسلمين هم من أنشئوا تنظيما سريا بين ضباط الجيش المصري هو نفسه ما سُمي فيما بعد " تنظيم الضباط الأحرار " ، وحددوا أهدافه في الخلاص من الملكية المستبدة الفاسدة والاحتلال الانجليزي ، وتحقيق مبدأ الوحدة الإسلامية بين الدول الإسلامية من خلال التعاون وليس من خلال حكومة مركزية واحدة ، كما تكشف هذه الشهادات كيف تحالف العسكر والإخوان المسلمون وأفراد من الشعب من أجل مصر وتحريرها ونهضتها ، وسرعان ما تفكك التحالف بعد أن وصل العسكر للسلطة ، فاستبدلوا حب الوطن بحب الدنيا ، واستبدلوا المودة مع شركاء العمل الوطني بالعداء السافر الذي لم يظهروه تجاه إسرائيل نفسها ".

تسعة وعشرون : خالد محيي الدين يشهد بأن جمال عبد الناصر دبر حادث المنشية للتخلص من الإخوان المسلمين .

جاء فى برنامج للجزيرة الفضائية تحت عنوان" حادث المنشية الجزء الثاني" على لسان خالد محيي الدين وكان واحدا من ضيوف البرنامج فى هذه الحلقة يقول:
" حادث المنشية تم تدبيره من قبل عبد الناصر لعمل محاكمات لجماعة الإخوان المسلمين عشان تعطي مبرر للخلاص وتصفية جماعة الإخوان المسلمين ؟ ، طبعاً ما هو عشان يخلص على جماعة لازم يعطيها إدانة ولازم يديها إدانة إن هي عايزة تقلب نظام الحكم وتقتل رئيس الجمهورية في ميدان عام بالرصاص في هذا الحال أنت معافى أنك تدافع عن النفس فهو بهذا الشكل شال عنه الحرج ".
 وفي هذا الشأن يتفق خالد محيي الدين مع رأي المؤرخ الدكتور / أحمد شلبي ، أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية في كلية دار العلوم بجامعة القاهرة ؛ والذي يقول في الجزء التاسع من ( موسوعة التاريخ الإسلامي ) :
" رأيي الذي أدين به والذي كونته من دراسات وتفكير خلال ربع قرن منذ وقع الحادث حتى كتابة هذه السطور ، هذا الرأي يتخذ دعامته من الأحداث والأقوال التالية :
أولا : الدقة الشاملة في إعداد السرادق وتنظيم الذين يحتلون مقاعده ، وقد سبق أن اقتبسنا كلمات إبراهيم الطحاوي الذي يقرر أن هيئاتٍ ثلاثًا كانت مكلفة باحتلال مقاعد السرادق ؛ هي هيئة التحرير ، وعمال مديرية التحرير ، والحرس الوطني . وهذا يوضح أنه لم يكن هناك مقعد يمكن أن يتسلل إليه مغامر ليعتدي على جمال عبد الناصر؛ فما كان الوصول إلى المقاعد أمرا ميسورا ، ولم يترك للجماهير إلا المقاعد الخلفية النائية.
 ثانيا : قضية الجنيهين اللذين تحدثت عنهما الصحف المصرية ، وقالت : إنهما أُعطيا لمحمود عبد اللطيف لينفق منهما على أولاده وأسرته هي في تقديري أسطورة لم يُجَدْ حبكها ؛ فالمبلغ الذي يقدم لمن هو فقير ويطلب منه أن يقدم على هذه المغامرة لا بد أن يكون مبلغا ضخما  يغري بالإقدام على هذا الجرم.
 ثالثا : ثماني رصاصات تنطلق من مسدس يمسك به رجل مشهود له بالدقة في إصابة الهدف ، ولا تنجح واحدة من هذه الرصاصات في إصابة الهدف أو إصابة أي شخص من الذين يحيطون بجمال عبد الناصر ، أو إصابة أي إنسان على الإطلاق.. هذا في تقديري مستحيل !!
 ثم إن المشرفين على السرادق سرعان ما طمأنوا الناس ودفعوهم للهدوء ، ولو كانت هناك مؤامرة فعلا لانفض الحفل مخافة أن يكون هناك مزيد من الرصاص ، ومما يتصل بالإصابات نذكر أن الإصابات القليلة التي حدثت كانت من زجاج انكسر ، ربما من الزحام والجموع التي تحركت عقب الحادث ، ولم تكن هناك إصابات من المسدس على الإطلاق .
 رابعا : كانت المسافة بين المكان الذي قيل : إن محمود عبد اللطيف أطلق منه النار وبين جمال عبد الناصر 300 متر ، وكان عبد الناصر على منصة عالية ، وهذه المسافة وارتفاع الهدف يجعلان من المستحيل نجاح الخطة وإصابة الهدف ، وبالتالي لا يقدم على هذا العمل جماعة لهم خبرات بالتخطيط والأمور العسكرية.
 خامسا : من المعروف أن الإخوان المسلمين كانت عندهم ذخائر ومدمرات هائلة ، ولو اتجهوا للاغتيال لكان هناك وسائل أخرى لتحقيق هدفهم ، ومن المستحيل أن يقدموا على هذا العمل بمسدس لا يستعمل عادة إلا عند المسافات التي لا تتجاوز أصابع اليدين من الأمتار ، وقد تحدثت الصحف آنذاك عن أسلحة ومفرقعات ضبطت لدى بعض الإخوان بالإسكندرية كانت تكفي لنسف المدينة كلها.
 سادسا : حكاية النوبي الذي حمل المسدس سيرا على الأقدام من الإسكندرية إلى القاهرة حكاية ساذجة ننقدها من النقاط التالية :
1ـ كيف اتُّهم محمود عبد اللطيف قبل العثور على المسدس ؟ مع ملاحظة أن المسدس الذي قيل : إنه وجد معه لم يستعمل ذاك المساء.
2ـ  كيف أفلت المسدس المستعمل من الذين قبضوا على محمود عبد اللطيف ؟
3ـ لماذا لم يسلم النوبي المسدس لنيابة الإسكندرية ؟
4ـ لماذا جاء هذا الرجل سيرا على الأقدام طيلة هذا المسافة التي لا تقطع عادة سيرا على الأقدام ؟
 سابعا: يروي صلاح الشاهد أنه كان يقود سيارته مساء يوم 16 وسمع جزءا من خطاب الرئيس من مذياع بالسيارة ثم سمع الطلقات ، فأسرع نحو بيت الرئيس ليكون مع أولاده في هذه الأزمة ، ولم يجد صلاح الشاهد بالبيت اضطرابا أو ذعرا وأخذ يداعب أولاد الرئيس الذين كانوا يلعبون ، وهذا يوحي لي بأن أسرة الرئيس كانت تعلم سلفا بما سيجري ، وقد شاهد هذا الاطمئنان قبل أن يتصل بهم عبد الناصر من الإسكندرية .
وأضيف إلي ما سبق أن رغبة الرئيس جمال عبد الناصر وسعيه للخلاص من الإخوان المسلمين لا تحتاج إلي دليل ، ورجحان تخطيطه وتدبيره لتحقيق هذه الغاية مقدم علي استبعاده ، فالرئيس جمال عبد الناصر قضي علي الديمقراطية في مصر تماما باستخدام الحيل والمكر السيئ ، كما قضي علي كافة الأحزاب والفصائل السياسية والحركة العمالية ، بل قضي علي الكثير من الضباط الأحرار الذين شاركوا في ثورة يوليو ونجاحها .
وعلي فرض أن أحد المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين شرع في ارتكاب هذه الجريمة السياسية بالفعل لأي أسباب في نفسه ، ففي أي شرع أو شريعة أو تشريع أن يتم معاقبة فصيل سياسي كامل بسبب جريمة سياسية ارتكبها شخص ينتمي إلي هذا الفصيل ، وعلي فرض أن له اعترافات علي غيره ، فمن بديهيات القانون أن اعتراف المتهم علي نفسه حجة عليه ، أما اعترافه علي غيره فلا يعتد به ما لم تعضده أدلة أخري .
لعلنا نذكر إبراهيم ناصف الورداني المنتمي للحزب الوطني الذي أسسه الزعيم مصطفي كامل ، عندما اغتال بطرس غالي رئيس الحكومة عام 1910م مبررا ذلك باحتجاجه علي توليه رئاسة الحكومة في ظل الاحتلال الانجليزي ، وكونه كان رئيسا لمحكمة دنشواي ، وموافقته علي اتفاقية الحكم الثنائي علي السودان عام 1899م التي جعلت بريطانيا شريكا في حكم السودان ، بل الحاكم الفعلي للسودان ، وإعادته العمل بقانون المطبوعات بقصد غلق كافة الصحف الوطنية في ظل سياسة الوفاق مع الانجليز ، وموافقته علي مد امتياز قناة السويس أربعين سنة مقابل أربعة ملايين جنيه ، نقول أنه رغم انتماء إبراهيم الورداني للحزب الوطني إلا أننا لم نقرأ في مراجع التاريخ أن الانجليز أو الخديوي عباس حلمي الثاني قاموا بمحاكمة أعضاء الحزب الوطني أو اعتقلوهم جميعا حتي تكدست بهم السجون .

ثلاثون : خالد محيي الدين يؤكد إعادة تأسيس تنظيم الضباط كان بنفس التشكيل الذي أسسه الإخوان .

كما ذكرت لكم أن خالد محيي الدين وإن كان منصفا في توضيح دور الإخوان في ثورة يوليو ، إلا أن في النفس أشياء كانت تؤثر عليه وتؤدي به إلي التحميل علي الإخوان ومحاولة النيل من دورهم ونسبة أفضالهم لغيرهم ، وأبسط الأشياء الدالة علي ذلك ، أن الشاهد / حسين حمودة الأستاذ بالكلية الحربية والعضو المؤسس في تنظيم الضباط الأحرار منذ أسسه الإخوان شهد بأن التنظيم السري للضباط الذي أسسه الإخوان استمر في العمل منذ عام 1943م حتي حرب فلسطين عام 1948م ، ثم توقف بسبب الحرب ، وأضاف بأن جمال عبد الناصر أعاد تأسيس نفس التنظيم عام 1950م وأطلق عليه اسم تنظيم الضباط الأحرار ، وصمم علي نسبته لنفسه وليس لجماعة الإخوان المسلمين .
بينما نجد خالد محيي الدين لا يستخدم عبارة إعادة تأسيس التنظيم ، وإنما يطلق عليه الخلية الأولي ، وهو بالطبع يقصد من ذلك أن يفصل بين التنظيم بعد إعادة التأسيس والتنظيم الأول الذي أسسه الإخوان وضموه إليه ، ومن ثم يستبعد دور الإخوان وفضلهم في تأسيس التنظيم وتحديد أهدافه ، لكنني أعتقد أن هذه المحاولة باءت بالفشل ، لأنه حين ذكر أسماء الضباط المشاركين في الخلية الأولي ، إنما ذكر نفس أسماء الضباط الذين كانوا في التنظيم السري للضباط الذي أسسه الإخوان ، وعلي ذلك يكون وصف حسين حمودة " إعادة تأسيس التنظيم " هو الذي يتفق مع الحقيقة والواقع وليس وصف " الخلية الأولي " من تنظيم الضباط الأحرار .
يقول خالد محيي الدين :
انتهيت من الامتحان وسريعا اتصلت بجمال عبد الناصر وفي بيته عقد الاجتماع الأول للخلية الأولى لتنظيم الضباط الأحرار بحضور جمال عبد الناصر ، وعبد المنعم عبد الرؤوف ، وكمال الدين حسين ، وحسن إبراهيم ، وأنا وبدأ جمال بالحديث وقال : أنا معايا عبد الحكيم عامر ، وأنتم طبعا عارفين لكنه لم يستطع الحضور اليوم ، وتحدث طويلا عن مغزى مقابلته مع إبراهيم عبد الهادي وكيف أنه أصبح من المحتم علينا أن نفعل شيئا وأن ننظم أنفسنا ، وقال : كل واحد منا يشتغل ويحاول يكون مجموعة في سلاحه ، وهكذا يمكن أن نصبح قوة منظمة وقادرة على فعل شيء.
إنها الخلية الأولى واجتماعها الأول في النصف الثاني من عام 1949  أقرر هذا وأكرره لأن الكثيرين حاولوا تقديم روايات مختلفة فالمرحوم أنور السادات قال برواية أخرى ..وآخرين أيضا.
ولست أريد أن أنفي عن هؤلاء أنهم كانوا يعملون في الجيش معنا أو حتى قبلنا ، فلقد تمكن بعضهم من إقامة مجموعات منظمة في الجيش قبل الضباط الأحرار ولكنها كانت شيئا غير الضباط الأحرار.
ومن هذه المجموعات كانت مجموعة جمال منصور ، وكانت تضم عددا من الضباط منهم مصطفى نصير ، سعد عبد الحفيظ عبد الفتاح ، أبو الفضل عبد الحميد كفافي وآخرين ، وقد أصدرت هذه المجموعة عدة منشورات وانتهى الأمر بالقبض على عدد منهم ، وبدأت في الجيش حملة واسعة لجمع تبرعات لأسر الضباط منهم مصطفى نصير سعد عبد الحفيظ عبد الفتاح أبو الفضل عبد الحميد كفافي وآخرين ، هذه أحد العوامل المشجعة والمعبرة عن وجود حالة ثورية ووطنية في صفوف الضباط ، ولعل واقعة جمع التبرعات للضباط المقبوض عليهم هي التي أوحت إلى عبد الناصر بعد انتصار الثورة بصرف مرتب كل ضابط يلقي القبض عليه حتى لا يتيح الفرصة لأي تحرك متعاطف معه.
وكانت هناك أيضا مجموعة "الحرس الحديدي" بزعامة مصطفى كمال صدقي وقد ضمت عددا من الضباط منهم حسن فهمي عبد المجيد وخالد فوزي وسيد جاد.
وحتى لا يساء فهم الأمور أود أن أوضح أن الملك كان في منتصف الأربعينات لم يزل محبوبا من قطاعات من الجيش ، وكان البعض منهم يعتبر ولاءه للملك هو جزء من ولائه لمصر وأنه يكمل عداءه للاستعمار ولعملاء الاستعمار ومن هنا فقد قام يوسف رشاد بإقامة علاقة مع بعض الضباط ومنهم مصطفى كمال صدقي ومجموعته المسماة الحرس الحديدي وكان القصر يحرك هذه المجموعة لارتكاب أعمال إرهابية ضد خصومة السياسيين بحجة أنهم عملاء للاستعمار وفعلا قام الحرس الحديدي بأكثر من محاولة لاغتيال النحاس باشا.
وكثيرا ما كان الملك يقدم نفسه لقطاع من الضباط بأنه وطني ويريد تطهيرا لبلاد من عملاء الاستعمار ، وهكذا فإن مجموعة أخرى من الجيش هي مجموعة أنور السادات وكانت تضم في أكثرها عناصر مدنية مثل حسين توفيق وسعد كامل وإبراهيم كامل وغيرهم قامت باغتيال أمين عثمان احتجاجا على قوله : إن العلاقات بين مصر وبريطانيا هي علاقة زواج كاثوليكي .
وقد أكد أنور السادات في مذكراته أنه كان على علاقة بيوسف رشاد وأن رشاد هو الذي أعاده إلى الخدمة في الجيش بعد فصله منه.
والحقيقة أنه كانت هناك تجمعات عديدة في الجيش ، فقد لاحظنا مثلا في عام 1947 توزيع عدد من المنشورات تحمل اسم "الجمعية العسكرية لاتحاد رجال البوليس والجيش" ، وكان شعار هذه الجمعية يحمل طابعا رومانسيا وهو السعادة للجميع ، وكانت المنشورات تحمل في بدايتها إرشادات وتحذيرات : "الكتمان سر النجاح" و "اقرأ سرا أنت وزملاؤك" و "ويل للخائن" .
وهناك كذلك الفريق عزيز المصري وكان شخصية مهيبة ومحترمة في صفوف الضباط ، وكان يمثل نقطة إشعاع للعمل الوطني في الجيش لكنه لم يكن يؤمن بالعمل الجماعي المنظم الذي يستهدف تحقيق تحرك جماهيري لتغيير الأوضاع بل كان يركز أساسا على "الاغتيال الفردي".
وخلال محاولاتي المستمرة للبحث عن طريق كان من الطبيعي أن التقى بعزيز المصري ، وقد رتب المقابلة أحد أقاربي وهو الأستاذ كمال يعقوب ، وعندما جلست إلى عزيز المصري ، أحسست أنني أقترب من رجل يعشق الوطنية ويتنفسها ويعيش من أجلها وكان حماسه دافقا وأفقه واسعا ، ولكنه كان متمترسا دون أية رغبة في التزحزح عن فكرة الاغتيالات الفردية ، وقد كان ضابطا لفترة من الوقت في الجيش التركي وأطلع على تجربة الحركة الوطنية البلغارية ، وأثرت فيه تأثيرا حاسما ، وظل يردد أمامي ولمرات عديدة ودون ملل : نحن لن نستطيع أن نواجه الإنجليز ولا أن نهزمهم فهم أكثر قوة وأحسن تسليحا لكننا نستطيع أن نقتل الخونة واحدا واحدا فإن فعلنا ذلك خاف الناس من التعامل مع الإنجليز أو حتى الاقتراب منهم ولقد فعل البلغار ذلك قتلوا الخونة واحدا بعد الآخر فلم يجرؤ أحد على التعامل مع الأتراك.
وظل عزيز المصري نقطة ارتكاز هامة يتطلع إليها كل ضابط وطني يريد أن يفعل شيئا من أجل مصر ، ولكنه توقف عند حدود الإرهاب الفردي وتشبث به ولا شك أنه قد أثر بأفكاره هذه علي الكثيرين ومنهم عبد الناصر وأنا وكثيرون غيرنا.
ولعله من السهل الآن الحديث مطولا عن خطر اللجوء للإرهاب الفردي لكن أعوام 1945 و 1946و 1947 شهدت عديدا من هذه المحاولات لعل مبعثها هو ما أشار إليه عزيز المصري من صعوبة المواجهة المباشرة أو حتى غير المباشرة مع الاحتلال ومن ثم فقد تصور البعض أن بالإمكان ضرب الاحتلال من خلال ضرب أعوانه وإرهابهم ، أو أن بالإمكان تفجير المشاعر الوطنية في الجماهير عن طريق سلسلة من الأعمال الإرهابية ضد الخونة وعملاء الاستعمار.
قلت أنني قد تأثرت لفترة بفكرة الاغتيالات وبالفعل في عام 1946  حاولت ربما في تردد أن أسهم في محاولة لاغتيال أحد المرشحين لعضوية مجلس الشيوخ لأنه حاول الاستعانة بالإنجليز ضد الحكومة المصرية ، وقد حضر إلى حسن عزت بحكم علاقة الصداقة القديمة وروي لي قصة هذا الرجل وكيف أنه رشح نفسه في انتخابات مجلس الشيوخ عن دائرة بولاق ، ولما زار اللورد ستنجست مصر توجه إليه هذا المرشح واشتكى له من أن الحكومة تحاربه في الانتخابات وطلب تدخله لوقف الحكومة المصرية عند حدها.
واعتبرنا الرجل خائنا وأخذ حسن عزت يلح علي في ضرورة التخلص منه ليكون عبرة لكل الخونة ، ولست أخفي أنني احتقرت الرجل واحتقرت فعلته لكن الوازع الديني الكامن دوما في أعماقي كان ينفرني من فكرة سفك دم إنسان مهما اختلفت معه وظل حسن عزت يلح علي حتى قبلت وكان دوري في العملية يقتصر على أن أشتري سيارة وأن أقودها بينما يقوم هو بعملية الاغتيال ثم يركب السيارة لأسرع بها هاربا.
اشتريت السيارة وذهبت أنا وحسن عزت وانتظرت في السيارة مترقبا وصول الرجل كان نوازع عديدة تعتصرني : وازعي الديني وأحاسيس الوطنية الدافقة ، والفهم المشوش وغير المستقر لفكرة النضال الوطني ، واستمرت هذه الصراعات تعتصرني بينما الوقت يتحرك بطيئا بل لعله لم يكن يتحرك أصلا ولكن الرجل لم يحضر وفشلت المحاولة.
ولعلها المرة الوحيدة التي سعد فيها سعادة غامرة لأنني فشلت في تحقيق هدفي، والحقيقة أن عوامل الصراع النفسي العاصف التي حاصرتني وأنا قابع في السيارة في انتظار الهدف قد حصنتني فيما بعد إزاء فكرة الاغتيالات وقررت أن أرفضها رفضا مطلقا.
ولقد وقع عبد الناصر هو أيضا في ذات الخطأ في المحاولة الشهيرة لاغتيال حسين سري عامر، وقد فشلت هذه المحاولة أيضا ، والحقيقة أن جمال قد قام بهذه العملية دون التشاور معنا في تنظيم الضباط الأحرار ، ولهذا وبعد أن فشلت العملية أثار صلاح سالم هذا الموضوع في أول اجتماع عقدناه بعد المحاولة الفاشلة وقد وجه صلاح سالم نقدا لاذعا لجمال عبد الناصر بسبب قيامه بهذه العملية دون استئذان من التنظيم أو حتى دون إخطاره وقال صلاح لنفرض أنكم قبض عليكم كنتم ستورطون التنظيم بأكمله في عملية كهذه وكنت ستجهضون كل ما نريد أن نفعل وقد تقبل عبد الناصر النقد وتعهد بعدم تكرار مثل هذا العمل.
وما دمنا نتحدث عن التكوينات المنظمة داخل الجيش فلابد أن نشير إلى أن منظمة "حدتو" - الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني -  كانت قد نجحت هي أيضا في إقامة تنظيم متكامل داخل القوات المسلحة وكان أحمد فؤاد قد أصبح مسئولا عن هذا التنظيم.
وأذكر أنني التقيت في عام 1950  بأحمد فؤاد وكان قد أصبح قاضيا وبادرني بسؤال مباشر كعادته : مش حنشوفك ؟ وبدأت معه نقاشا مطولا حول تجربتي غير الناجحة مع أيسكرا ومع الشخص الذي أوصلني به وهو الصحن وقلت : لقد أثار الصحن مسائل متعلقة بالدين وأنا أريد أن أبدا أية علاقة جديدة أن أعرف تحديدا وعلى وجه الدقة ما هو موقفكم من الدين.
وتحدث أحمد فؤاد حديثا طويلا عن احترامهم العميق للدين وقال : نحن نحترم الدين ولا يمكن أن نمسه ، والذي قال لك عكس ذلك أحمق ولابد أن تعرف أن هذا الرجل قد بادر بالفرار لدى أول ضربة بوليسية لكنه كان حريصا على أن يؤكد لي أيضا أنهم ضد استخدام الدين ستارا لحركات سياسية أو لتحقيق أهداف سياسية ووافقته على ذلك.
وبعد أن استرحت من هذه الزاوية صارحته بأنني أسهم في قيادة تنظيم الضباط الأحرار، واهتم أحمد فؤاد بهذا الخبر اهتماما كبيرا وطلب إلى أن أرتب له مقابلة مع جمال عبد الناصر كقائد لهذا التنظيم.
وبالفعل دعوت عبد الناصر إلى بيتي وعندما حضر كان فؤاد موجودا وبدأ أحمد فؤاد في الحديث تكلم كثيرا عن الحاجة إلى عمل جماهيري لتصحيح الأوضاع وتجاوب معه جمال عبد بشكل ملحوظ وعندما انتهت المقابلة سألني جمال عن الرجل فقلت إنه مسئول في منظمة حدتو ، وأبدى إعجابه الشديد به وقال : راجل كويس وكلامه كويس ومعقول ، ثم سألني فجأة : هل رتبت هذا اللقاء عن عمد ؟ فقلت : نعم ولم يبد عبد الناصر أية حساسية من التعامل مع الشيوعيين فقد كنا أنا وهو نعتقد بأن الاتجاه الاشتراكي هو بالضرورة اتجاه قريب منا ومن حركتنا.
لكنني أقمت علاقة منفردة ومن نوع خاص مع أحمد فؤاد فقد بدأ يمدني بعديد من الكتب وكذلك النشرات الحزبية واعتبرني على علاقة بحدتو ولكن بصورة فردية ، وذلك لأنني كنت عضوا ف قيادة الضباط الأحرار وهذا وضع حساس سواء من ناحية الأمن أو من الناحية السياسية ، والحقيقة أنني كنت معجبا إعجابا خاصا بأحمد فؤاد وربما لو أن أحدا غيره قد عاود الاتصال بي بعد تجربتي الأولى غير الناجحة لما استجبت له كما أنني قد فضلت هذه العلاقة الفردية لأنني وجدت أنه من غير الملائم أن أكون أحد قادة تنظيم الضباط الأحرار بينما أتلقى أوامر أو تعليمات تنظيمية من جماعة أخرى أو تنظيم آخر.
وقد ظلت علاقتي الفردية هذه الفترة من الوقت وأثمرت علاقة منظمة بين حدتو وتنظيم الضباط الأحرار فقد عرض أحمد فؤاد فكرة انضمام ضباط حدتو لتنظيمنا ووافق عبد الناصر لكنه اشترط كعادته أن ينضم الأعضاء فرادى أي كأفراد وليس كمجموعة منظمة ، ولكي أكون واضحا فإن هذا الشرط كان شرطا دائما عند عبد الناصر فعندما عرضت عليه فكرة التوحيد مع مجموعة جمال منصور رفض مسألة التوحيد وأصر على أن ينضم أعضاء المجموعة فرادى إلى التنظيم وقبل جمال منصور ذلك كذلك قبل أحمد فؤاد أو بالدقة قبلت حدتو .
وبدأ تنظيم الضباط الأحرار يفتح أبوابه للشيوعيين من أعضاء حدتو ، وانضم لنا عدد لا بأس به منهم ولن أستطيع أن أورد كل الأسماء ولا حتى أكثرها فقط سأورد بعضا منها فقد انضم إلينا محمود المناسترلي ود/ محمود القويسني وصلاح السحرتي وجمال علام وأمال المرصفي وأحمد قدري وغيرهم أما عثمان فوزي فقد كان أحد مؤسسي مجموعة الضباط الأحرار في سلاح الفرسان واندمج هؤلاء الضباط في مجموعات التنظيم وأسهموا إسهاما كبيرا في عملنا وخاصة في توزيع المنشورات بالبريد كذلك أسهمت حدتو فيما بعد في طباعة منشورات الضباط الأحرار كما أسهم ضباطها إسهاما نشيطا وفاعلا معنا ليلة 23 يوليو.
واستمرت علاقتي مع أحمد فؤاد وكان عبد الناصر يلقى معنا لتناقش طويلا في التطورات السياسية وموقفنا منها وازداد إعجاب جمال بأحمد فؤاد لكنه لم يفكر أبدا في الانضمام لحدتو ليس بسبب أية حساسية سياسية وإنما لأنه لم يكن يريد لمنظمته أن تخضع لأي تأثير من خارجها.
وأذكر أنني وجمال توجهنا يوما لزيارة أحمد فؤاد في بيته ووجدنا عنده شخص قدمه لنا قائلا : الرفيق بدر وقد تحدث حديثا سياسيا مبهرا سواء بالنسبة لي أو بالنسبة لجمال.
كانت هناك أحداث سياسية خطيرة (1951) سواء في مصر أو في سوريا حيث وقع انقلاب عسكري جديد وكانت الصورة مرتبكة أمامنا لكن بدر تحدث ممتلكا لرؤية صافية تماما واستطاع أن يفسر لنا الأحداث تفسيرا مقنعا وملهما في آن واحد.
انحنيت على أحمد فؤاد هامسا : مين ده ؟ وأجاب همسا : السكرتير العام.
وعندما نزلت من بيت أحمد فؤاد كان عبد الناصر لم يزل منبهرا بهذه الشخصية الغامضة والواسعة الأفق وبينما نهبط السلم سألني : مين الرفيق بدر ده ؟
قلت : السكرتير العام للحركة الديمقراطية للتحرير الوطني...
فقال : بيشتغل أيه ؟
قلت: السكرتير العام...
وكرر السؤال لأكرر الإجابة أخيرا سألني بحدة : يعني كان بيشتغل أيه قبل ما يبقى سكرتير عام ؟ وتذكرت أن عثمان فوزي قد حدثني طويلا عن الرفيق بدر، وكيف أنه كان قائدا لفرع منظمة "حدتو وسط" ، ميكانيكي الطيران وكيف أنه وهو الميكانيكي استطاع أن يكون نفسه فكريا وسياسيا ليصبح سياسيا وقائدا يستحق الإعجاب.
قلت في بساطة : ميكانيكي.
وصاح عبد الناصر:  ميكانيكي ، يعمي أنت ممكن تبقى عضو في الحزب ده وتتلقى أوامر من ميكانيكي؟
فقلت : المسألة مش مسألة أوامر وإنما هي مسألة اقتناع بفكرة.
لكن مسألة «الميكانيكي» هذه ظلت عالقة في ذهن عبد الناصر ، وظل يرددها دوما وأحيانا في تهكم وأحيان في استنكار ، وحتى بعد الثورة وفي اجتماعات مجلس قيادة الثورة قال مرة مشيرا إلى : ده زعيمه ميكانيكي.


الثلاثاء، 2 مايو 2017

السيسي باع مصر وتتحدثون عن تيران وصنافير !! .






أولا : تعديل عدة قوانين لمنح الأجانب حق تملك الأراضي والعقارات المصرية.

 قرار بقانون صدر في مارس /2015م عدل بمقتضاه السيسي أربعة قوانين هي :
- قانون شركات المساهمة وشركات التوصية بالأسهم والشركات ذات المسئولية المحدودة الصادر بالقانون رقم 159 لسنة 1981 .
- قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991 .
- ضمانات وحوافز الاستثمار والقانون الصادر به رقم 8 لسنة 1997 .
- قانون الضريبة على الدخل الصادر بالقانون رقم 91 لسنة 2005 .
زعم الانقلابيون وزعيمهم أن الغرض من تعديل هذه القوانين هو تقديم حزمة من التيسيرات للمستثمرين الأجانب لتشجيعهم علي الاستثمار في مصر ، ولا يعنيني الآن تقييم صحة ذلك من عدمه ، وإنما أبحث عن نقاط محددة ، وأطرح أسئلة علي كل مصري وطني حريص علي وطنه وهي :
س هل يجوز التيسير علي المستثمر من خلال السماح للمستثمرين الأجانب بتملك الأراضي والعقارات المصرية دون قيد أو شرط أو حدود معينة لا يُسمح بتجاوزها ؟
س هل يجوز أن يصل الأمر إلي تمليك الأجانب الأراضي والعقارات المصرية المملوكة للدولة  بدون مقابل ؟
للأسف حدث هذا ، وقام السيسي بتعديل قانون ضمانات وحوافز الاستثمار ليسمح للأجانب بتملك الأراضي والعقارات المصرية أيا كانت جنسياتهم ، حتي اليهود لم يستثنيهم ، بل وسمح للجهة المختصة أن تملكهم بالمجان وبتوسع وهو ما يدعونا للتساؤل :
ماذا يريد أن يفعل السيسي بمصر ؟
وما هي أهدافه النهائية التي اتفق عليها مع حلفائه المعروفين ؟ 
وفيما يلي التعديلات التي أدخلها السيسي علي القوانين المصرية حتي يبيع مصر للأجانب سواء اليهود أو غيرهم حسب الخطط المرسومة والتي ستتكشف قريبا لا محالة :

1- منح الشركات والمنشآت الحق في تملك الأراضي والعقارات المصرية أيا كانت جنسية أصحابها .

لقد نصت المادة الرابعة من القرار بقانون سالف الذكر علي استبدال عدة نصوص من قانون ضمانات وحوافز الاستثمار رقم 8 لسنة 1997 بنصوص أخري ، وكان من بين النصوص المستبدلة المادة (12) والتي أصبحت تنص بعد التعديل علي الآتي :
" مع عدم الإخلال بالتصرفات التي تمت قبل العمل بهذا القانون ، يكون للشركات والمنشآت الحق في تملك الأراضي والعقارات اللازمة لمباشرة نشاطها أو التوسع فيه أيا كانت جنسية الشركاء أو المساهمين أو محال إقامتهم أو نسب مشاركتهم أو مساهمتهم في رأسمالها وذلك عدا الأراضي والعقارات الواقعة في المناطق التي تنظمها قوانين خاصة أو يصدر بتحديدها قرار من مجلس الوزراء علي أن يحدد هذا القرار شروط وقواعد التصرف فيها ".
نص في غاية الخطورة فهو من جهة يسمح للأجانب دون استثناء أي جنسية من إنشاء شركات أو غيرها من المنشآت الاستثمارية في مصر ، ومن جهة أخري يسمح لهم بتملك الأراضي والعقارات اللازمة لمباشرة نشاطها ، بما في العبارة الأخيرة من اتساع يعطي الشركة مثلا أن تشتري عمارات لسكن عمالها أو أن تقيم نوادي اجتماعية لهم أو استراحات في العديد من المحافظات بحجة إقامة عامليها أو غير ذلك كثير .
إنه نص يحتاجه اليهود منذ زمن بعيد لأنهم أحرص الناس علي دخول مصر ليفسدوا فيها كما أفسدوا في أي مكان دخلوه ، ويسهل عليهم استعمال أدواتهم المعهودة في الإضرار بالأمم من الإعلام إلي رشاوى المسئولين وتجنيد الجواسيس وإثارة الفتن وغير ذلك كثير ، وها هو السيسي قد منحهم ما أرادوا ، لأنه يسعي إلي استرضاء الغرب المسيحي اليهودي بشتي السبل .
كما نصت المادة الخامسة من القرار بقانون سالف الذكر في فقرتها الأخيرة علي إضافة ثلاثة أبواب جديدة إلي قانون ضمانات وحوافز الاستثمار هي الباب الخامس والسادس والسابع .

2- جواز تمليك بعض المستثمرين أراضي الدولة وعقاراتها دون مقابل .
  
نصت المادة (74) من الباب الخامس المضاف إلي قانون ضمانات وحوافز الاستثمار علي أنه :
" يجوز خلال خمس سنوات تبدأ في الأول من إبريل عام من العام 2015 لأغراض التنمية دون غيرها وفي المناطق التي يصدر بتحديدها قرار من رئيس الجمهورية بعد موافقة مجلس الوزراء التصرف بدون مقابل في الأراضي والعقارات المملوكة للدولة ملكية خاصة لمستثمرين الذين تتوافر فيهم الشروط الفنية والمالية التي يتم تحديدها بقرار من مجلس الوزراء ....."
لم يكتف السيسي بتمكين الأجانب من شراء الأراضي والعقارات المصرية ، بل أضاف نصا يعطيه هو ورجاله حق تمليكها للأجانب دون مقابل ، وهو الأمر الذي يدعونا للتساؤل ما جدوى الاستثمار الأجنبي إذن ، وهل الهدف من الاستثمار الأجنبي أن يؤدي إلي التنمية أم أن تقوم مصر بالإنفاق علي المستثمرين الأجانب ، وأن تكون أقصي فوائده أن يحصل المسئول علي حسنة مقابل الإجراءات وانتهي الأمر ؟

3- التصرف في أراضي وعقارات الدولة للمستثمرين بعيدا عن قانون المناقصات والمزايدات .

لم يتوقف الاستهتار والتفريط في أراضي الدولة وعقاراتها عند هذا الحد ، بل نصت أيضا المادة (71) من الباب الخامس الذي أضيف إلي قانون ضمانات وحوافز الاستثمار بعنوان " التصرف في الأراضي والعقارات " في فقرتها الأخيرة علي أنه :
" ولا تسري علي هذا التصرف أحكام قانون تنظيم المناقصات والمزايدات المشار إليه ..".
وهذا يؤكد لنا أن نظام السيسي ليس نظاما جديدا بل هو استعادة لنظام مبارك بكل فساده وفرضه علي الشعب المصري من جديد ، فها هو السيسي يقنن كل صور الفساد ، إنه يستعيد ملف فساد بيع الأراضي والعقارات المصرية والشركات برخص التراب نظير رشاوى يحصل عليها كبار رجال الدولة .

4- جواز بيع أراضي الدولة وعقاراتها للمستثمرين الأجانب مع تأجيل سداد كامل الثمن أو بعضه .

فوق كل ما تقدم تنص المادة (76) من الباب الخامس المضاف في فقرتها الثانية علي أنه :
" ويجوز للهيئة بناء علي طلب المستثمر الاتفاق علي تأجيل كامل الثمن أو بعضه أو غير ذلك من التيسيرات إلي ما بعد التشغيل الفعلي للمشروع ....." .

5- إذا ارتكبت الشركة أو المنشأة جريمة لا يسأل المدير الفعلي إلا إذا ثبت علمه بها واتجهت إرادته لارتكابها .

أمر في غاية العجب فقد نصت أيضا المادة (5) من القرار بقانون محل البحث علي إضافة نصوص أخري لقانون ضمانات وحوافز الاستثمار منها المادة (7مكرر1) والتي نصت علي أنه :
" في الأحوال التي ترتكب فيها الجريمة باسم ولحساب الشخص الاعتباري لا يعاقب المسئول عن الإدارة الفعلية إلا إذا ثبت علمه بالجريمة واتجهت إرادته لارتكابها تحقيقا لمصلحة لنفسه أو غيره .... " .
نص ليس له من مبرر سوي أنك تقول للمستثمر من حقك إدخال كافة الممنوعات إلي مصر وارتكاب كافة الجرائم علي أرضها وأنت آمن من العقاب ، فهل هذا تيسير علي المستثمر أم تخريب علي مصر .
ناهيك عن تيسيرات الضرائب والجمارك وغيرها كثير مما يحتاج إلي حديث آخر مستقل.
إن ما استعرضناه من تعديلات أدخلها السيسي علي قانون ضمانات وحوافز الاستثمار ، يدعونا للتساؤل لصالح من أصدر السيسي هذا القانون ؟
منذ ستين عام والعسكر يقدم في التنازلات للغرب حتي يستمر جاسما علي صدر الأمة لا تستطيع أن تلتقط أنفاسها أو تنهض حتي لم تعد مصر هي مصر ، ولم يعد أبناؤها هم أبناؤها ، ولم تعد قيمها وأخلاقها كما كانت ، كل التهنئة للسيساوية علي النجاحات اليومية التي يحققها السيسي للأجانب والدمار الذي يجلبه علي رؤوس المصريين .

ثانيا: تمكين الأجانب من تملك أراضي وعقارات سيناء أو الانتفاع بها خمسين سنة.
أصدر السيسي قرارا بقانون رقم 95 لسنة 2015 بتعديل بعض أحكام المرسوم بقانون رقم 14 لسنة 2012 بشأن التنمية المتكاملة في شبه جزيرة سيناء ، وقد نصت المادة الثانية بعد التعديل علي أنه :
- ....
- على أنه يجوز لمجلس الإدارة وللأسباب التي يقدرها بعد موافقة وزارتي الدفاع والداخلية والمخابرات العامة الموافقة على الآتي  :
أ - تمليك المنشآت المبنية فقط للأشخاص الطبيعيين والاعتباريين من المصريين مزدوجي الجنسية وغير المصريين بالمنطقة دون الأرض المقامة عليها .
ب - تقرير حق انتفاع لغير المصريين بوحدات بغرض الإقامة فيها بالمنطقة لمدة أقصاها 50 سنة .
كما نصت المادة (4) علي أنه :
" يجب أن يتخذ مشروع الاستثمار أو التنمية لغير المصريين بالمنطقة شكل شركة مساهمة مصرية لا تقل نسبة مشاركة المصريين فيها عن (55%) وتلتزم هذه الشركات بالحصول على موافقة من مجلس الإدارة بعد سداد المقابل المادي المقرر للأنشطة والخدمات قبل ممارسة .......
ومع ذلك يجوز بقرار من رئيس الجمهورية لأسباب يقدرها بعد موافقة الجهات المشار إليها في الفقرة السابقة ومجلس الوزراء بناء على عرض مجلس الإدراة الاستثناء من نسبة مشاركة المصريين في الشركات الأجنبية التي تقوم بتنفيذ مشروعات تنمية متكاملة في المنطقة كمحاور للتنمية بوجه عام في مختلف الأنشطة.
وقد شهد شاهد من أهلها علي غموض هذا القانون وسرية أهدافه وسوء النية وراء إصداره ، إنه الدكتور عمرو هاشم ربيع ، نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية و الإستراتيجية ، والذي أكد في صحيفة " المصريون " أنه ضد التوسع بهذا الشكل لأنه سيؤثر بشكل خطير على معطيات الأمن القومي والأمر يزداد خطورة حسب طبيعة العمل والمنطقة التى يحدث فيها الاستثمار فالخطورة ستكون بالغة على المناطق الحدودية.
وأبدا تخوفه من هذا التوسع فالتنمية مطلوبة لكن امتدادها لمسافات بعيدة وتدخل المستثمرين الأجانب تجعلنا نتخوف من تبعات هذا القانون لأن غالبًا ما تستغل هذه القوانين ونفاجأ بكوارث.
وأشار ، إلى أنه ضد أي قانون غير واضح وتثار حوله التساؤلات ويجعلنا نفترض سوء النية إلى أن يثبت العكس.
وبدوره قال عبد المنعم معوض الخبير الأمني في ذات الصحيفة :
" إن حق الانتفاع يدخل مصر فى كارثة قومية لأننا لا نعلم جنسية المستثمر الأجنبي أو مصادر تمويله فمن الممكن أن يكون يهوديًا.
 وأشار"معوض" فى تصريحات خاصة ، إلى أن مصر بهذا المنطلق أصبحت للبيع والكارثة الأكبر أن أغلبية المناطق المطروحة حيوية وسياسية وبهذا الشكل نعطى فرصة لدخول إسرائيل مصر وبكل سهولة ".

ثالثا: معاملة العرب معاملة المصريين في تملك أراضي وعقارات سيناء .
فقد نصت إحدي فقرات المادة سالفة الذكر علي أنه :
" ومع ذلك يجوز بقرار من رئيس الجمهورية لأسباب يقدرها وبعد موافقة كل الجهات المشار إليها في الفقرة السابقة وموافقة مجلس الوزراء معاملة من يتمتع بجنسية إحدى الدول العربية المعاملة المقررة للمصريين في هذا القرار بقانون بالنسبة للوحدات بغرض الإقامة " .
ولاشك أن هذه الفقرة شديدة الخطورة ، ولا يمكن فهمها وفهم أسبابها بعيدا عما يحاك لسيناء من مخططات مشتركة بين إسرائيل وعملائها من الحكام العرب .
رابعا : الترخيص للجيش ببيع أراضي وإنشاء شركات ومشاركة رأس المال الوطني والأجنبي :
أصدر السيسى القرار رقم 446 لسنة 2015م بتعديل بعض أحكام قرار رئيس الجمهورية رقم 531 لسنة 1981 بشأن قواعد التصرف فى الأراضي والعقارات التى تخليها القوات المسلحة وتخصيص عائدها لإنشاء مدن ومناطق عسكرية بديلة ، ونص القرار على أن يستبدل بنص الفقرة الثالثة من المادة الأولى من قرار رئيس الجمهورية رقم 531 لسنة 1981 :
" كما يتولى الجهاز ( جهاز مشروعات أراضى القوات المسلحة ) تجهيز وإعداد مدن ومناطق عسكرية بديلة للمناطق التى يتم إخلاؤها والقيام بجميع الخدمات والأنشطة التى من شأنها أهدافه وتنمية موارده ، وله فى سبيل ذلك تأسيس الشركات بكافة صورها سواء بمفرده أو بالمشاركة مع رأس المال الوطنى أو الأجنبي ".
ووفقاً للقرار المنشور بالجريدة الرسمية ، فيستبدل بنص المادة الثانية من قرار رئيس الجمهورية رقم 531 لسنة 1981، النص التالي :
" فيما عدا ما يُخصص بتصديق من رئيس الجمهورية للوزارات والمصالح الحكومية ووحدات الإدارة المحلية والهيئات العامة من الأراضي والعقارات التى تخليها القوات المسلحة وفقاً لحكم المادة الأولى من هذا القرار يكون التصرف فى هذه الأراضي والعقارات طبقاً للقانون رقم 89 لسنة 1998 بإصدار قانون تنظيم المناقصات والمزايدات ولائحته التنفيذية وذلك فيما لم يرد بشأنه نص خاص فى القرار الصادر بإنشاء الجهاز وتنظيمه أو فى لوائحه الصادرة بناءً على هذا القرار".
وعلقت صحيفة "المصريون" علي هذا القرار بقولها : أصدر"السيسي" قرارًا يسمح للحكومة وللجيش بإنشاء شركات مساهمة والمشاركة فى رأس المال مع مستثمرين أجانب تمهيدًا للشراكة بين الدولة والمستثمرين فى عدد من المشروعات الجديدة، ونص القرار على تطبيق قانون المناطق الاقتصادية ذات الطبيعة الخاصة الصادر عام 2002، وتعديله الصادر عام 2015على هذه المناطق التى تشمل عددًا من الموانئ المهمة وأراضى أخرى تمتد شرق قناة السويس
وتشمل المناطق التى أصدر السيسى بشأنها هذا القرار موانئ شرق بورسعيد والمنطقة الصناعية شرق بورسعيد والعريش والطور.
وسمح تطبيق قانون المناطق الاقتصادية على الأماكن التى سبق أن حددتها الحكومة للمستثمرين الأجانب باكتساب حق انتفاع وإيجار الأراضي التى كانت محظورة عليهم من قبل لكونها جزءًا من المناطق اﻻستراتيجية أو الحدودية ذات اﻷهمية العسكرية.
وعلقت الدكتورة عالية المهدي أستاذة العلوم السياسية بجامعة القاهرة علي ذات القرار بقولها : أن حق استغلال الأراضي والانتفاع بها من قبل المستثمرين الأجانب خطير للغاية لأنه يعطى فرصة لجهات أجنبية غير مرغوب فيها بتملك أراض مصرية.
ولاشك أن الترخيص للجيش بمشاركة رأس المال الأجنبي هدفه تمكين الجيش من بيع الأراضي المشار إليها في القرار للأجانب .
خامسا: الترخيص لهيئة قناة السويس بإنشاء شركات مساهمة .
أصدر السيسى قرارا بقانون رقم 90 لسنة 2015 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 124 لسنة 1963 بتخويل هيئة قناة السويس سلطة تأسيس شركات مساهمة.
وتضمنت المادة الأولى المنشورة عبر الجريدة الرسمية ، الصادرة فى عددها اليوم الخميس ، أن يستبدل بنص المادة ( 1 ) من القانون رقم  124 لسنة 1963 بتخويل هيئة قناة السويس سلطة تأسيس شركات مساهمة  النص الآتي :
" يكون لهيئة قناة السويس تأسيس شركات مساهمة بمفردها ، ويسرى على هذه الشركات قانون شركات المساهمة وشركات التوصية بالأسهم والشركات ذات المسئولية المحدودة المشار إليه وذلك بما لا يتعارض مع طبيعتها.  ويكون للجمعيات العمومية للشركات إصدار اللوائح المالية والإدارية للعاملين بها بعد موافقة مجلس إدارة هيئة قناة السويس دون التقيد بأحكام قانون نظام العاملين بالقطاع العام المشار إليه ، وذلك دون الإخلال بأي مزايا يتمتع بها العاملون بهذه الشركات ويجوز تداول أسهم هذه الشركات بمجرد تأسيسها بعد موافقة مجلس الوزراء ".
والشركات المساهمة في ظل التعديلات الحالية يشارك فيها الأجانب شأنهم شأن المصريين ولهم كافة الحقوق المنصوص عليها في التعديلات التي عرضناها بشأن تملك الأجانب للأراضي والعقارات المصرية .

سادسا : تعديلات قانون التمويل العقاري تمنح الأجانب حق تملك الأراضي والعقارات .
تم تعديل قانون التمويل العقاري رقم 148 لسنة 2001م ، وكان من بين المواد المعدلة المادة (28) والتي أباحت للأجانب تملك الأراضي الفضاء والعقارات المبنية ، حيث نصت علي أنه :
" يجب أن تتخذ الشركة شكل شركة مساهمة مصرية ، وألا يقل رأس مالها المصدر والمدفوع منه عن الحد الذي تبينه اللائحة التنفيذية.  واستثناءً من المادة الأولى من مواد إصدار هذا القانون لا تسري أحكام القانون رقم  230 لسنة 1996 بتنظيم تملك غير المصريين للعقارات المبنية والأراضي الفضاء على الشركات الخاضعة لأحكام هذا القانون أياً كانت نسبة رأس المال غير المصري فيما عدا نصي المادتين ، الثانية بند  3 ، والرابعة من القانون المشار إليه.
ويكون الترخيص بمزاولة أنشطة التمويل وإعادة التمويل العقاري وفقا لأحكام المواد التالية وما تحدده اللائحة التنفيذية لهذا القانون .

سابعا : بيع الجنسية المصرية للأجانب .
وافقت لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس الانقلاب الأسبوع الماضي على مشروع قانون مُقدم من حكومة الانقلاب بشأن دخول وإقامة الأجانب بمصر والخروج منها ، يتيح بيع الجنسية المصرية للأجانب والمستثمرين ، مقابل دفعهم مبلغاً مالياً في صورة وديعة بنكية تدفع بالعملة الصعبة لمدة خمس سنوات.
كنت أعلم بمقتضي خبرتي البرلمانية أن مئات القوانين التي أصدرها السيسي وبرلمانه في أيام قد تم إعدادها في سنوات ، ولا أشك لحظة في أن الدول التي خططت للانقلاب واستخدمت السيسي للقيام به هي نفسها التي أعدت هذه القوانين لتحدد بها ملامح شخصية مصر ما بعد انقلاب السيسي .
عندما تضع - مجموعة التعديلات التي أصدرها السيسي لمنح الأجانب الحق في شراء الأراضي والعقارات المصرية دون أن يستثني من ذلك سيناء أو مناطق جانبي قناة السويس أو حتي المناطق التي كان يزعم العسكر أنها مناطق ذات طبيعة إستراتيجية خاصة أو عسكرية – نقول عندما تضع هذه التعديلات بجانب قانون بيع الجنسية المصرية للأجانب سوف تصبح علي قناعة تامة لا يساورها الشك أن هناك مشروعا عملاقا أعدته الدول الاستعمارية الصهيونية لمصر بالاشتراك مع الحكام العرب العملاء كتلك المشروعات التي أعدتها للعراق وسوريا وليبيا وغيرهم ، وربما يكون بعض التعديلات جزءا من صفقات مع شركاء الانقلاب في الداخل  كبعض فئات الشعب التي شاركت بالدعم والتأييد الداخلي والخارجي للانقلاب .
عليك أخي المصري أن تنتظر خلال سنوات قليلة ربما لا تتجاوز الخمس سنوات أو أقل لتفاجئ بأحد هذه السيناريوهات أو كلها مجتمعة :
1- أن تفاجئ بأن نسيج الشعب المصري يشمل أعداد كبيرة من رجال الأعمال اليهود المصريين ممن سيقومون بشراء الجنسية المصرية والأراضي والعقارات المصرية سواء أقاموا داخل مصر أو خارجها ، وتجدهم يتحكمون بأعدادهم وأموالهم في كافة مجريات حياة المصريين في الداخل علي نحو يفوق ما لهم من نفوذ الآن .
2- أن تفاجئ بأن نسيج الشعب المصري يشمل أعداد كبيرة من الإخوة المسيحيين الأفارقة أو الأوربيين تؤدي إلي إعادة تشكيل الخريطة السكانية لمصر من حيث العدد والعدة .
لا تعتقد أن ما نقوله خيال فقد نفذته الدول الصهيونية مرات لا تحصي ولا تعد ، فما نقوله هو نفس الخطة التي احتل بها اليهود فلسطين ، واحتل بها الانجليز القارة الأمريكية .
يا كل من تؤيدون السيسي من داخل مؤسسات الدولة العميقة أو خارجها ، يمكنكم أن تدخلوا في صفقات لتحقيق مصالح خاصة علي نحو ما فعل وزير الأوقاف الذي عين ابنته في احدي شركات البترول وعلي نحو ما فعل ويفعل غيره عندما يسير مع تيار السلطة المستبدة ويحصل علي هذه المنافع الزائلة أو تلك ، لكن ما يحدث في مصر الآن أكبر من أن نسانده من أجل الصغائر ، أفيقوا يرحمنا ويرحمكم الله قبل فوات الأوان وبيع مصر وضياعها وضياع شعبها معها .