#عندما_وقع_المسلمون_تحت_حكم_زياد_بن_سمية :
بدأت الفتنة الكبرى بتمرد قاده مجموعة من المسلمين من مصر والعراق ضد سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه الخليفة الثالث بتحريض من عبد الله بن سبأ اليهودي الذي ادعى الإسلام ، طالبوه بالاستقالة فرفض ، حاصروه قرابة أربعين يوما ثم قتلوه . فرض هؤلاء المتمردون بعد سيطرتهم على المدنية الخلافة على سيدنا على بن أبي طالب .
رفض سيدنا معاوية بن أبي سفيان - والذي كان واليا على الشام وقتها - مبايعة سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه قبل أن يقتص من قتلة سيدنا عثمان معتبرا نفسه ولي الدم باعتباره ابن عم سيدنا عثمان ، رد سيدنا علي بأن الوقت غير مناسب للقصاص ، وأنه سوف يقتص منهم عندما تستقر الأحوال ، صمم سيدنا معاوية على موقفه ، كما صمم سيدنا علي على موقفه ، وعزل معاوية والذي رفض تنفيذ قرار العزل .
بدأت الحروب بين سيدنا علي وأنصاره من العراق وغيرها وسيدنا معاوية وأنصاره من الشام كمعركة صفين والجمل وغيرهما راح ضحيتها آلاف من المسلمين لا يعلمها إلا الله عز وجل من بينهم الكثير من حفظة القرآن الكريم .
وبعد أن دبر البعض مؤامرة لقتل علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص رضي الله عنهم ، ونجحوا في قتل سيدنا علي فقط ، بايع أهل العراق ابنه الحسن بن علي والذي تنازل عن الحكم وبايع معاوية ليصبح الخليفة الأوحد على المسلمين .
كان زياد بن عبيد الثقفي والذي يدعى " زياد بن سمية " من رجال سيدنا علي بن أبي طالب وواليه على فارس ، وكان سيدنا معاوية يخشاه ويخشى تأثيره على حكمه ، لذا قام سيدنا معاوية بالاعتراف بزياد بن سمية كإبن لأبي سفيان ، أي جعله فجأة أخ للخليفة من أبيه بعد أن كان ابنا لعبيد الثقفي تثار حول نسبه الشكوك نتيجة لادعاء أبي سفيان أنه قذف به في بطن سمية .
يقول الشيخ الذهبي في " سير أعلام النبلاء " عن زياد بن سمية :
وهو زياد بن عبيد الثقفي ، وهو زياد ابن سمية ، وهي أمه ، وهو زياد بن أبي سفيان الذي استلحقه معاوية بأنه أخوه .
كانت سمية مولاة للحارث بن كلدة الثقفي طبيب العرب .
يقال: إن أبا سفيان أتى الطائف ، فسكر ، فطلب بغيا ، فواقع سمية ، وكانت مزوجة بعبيد ، فولدت من جماعه زيادا ، فلما رآه معاوية من أفراد الدهر ، استعطفه ، وادعاه ، وقال : نزل من ظهر أبي .
قال ابن سيرين : قال زياد بن سمية لأبي بكرة : ألم تر أمير المؤمنين يريدني على كذا وكذا ، وقد ولدت على فراش عبيد ، وأشبهته ، وقد علمت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : من ادعى إلى غير أبيه ، فليتبوأ مقعده من النار ، ثم أتى في العام المقبل ، وقد ادعاه .
كان الحسن البصرى ينكر هذا الاستلحاق ويقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الولد للفراش ، وللعاهر الحجر".
وكان أَبو بكرة أَخا زياد لأمَّه ، أُمُّهما سميّة . فلما بلغ أَبا بكرة أَن معاوية استلحقه ، وأَنه رضي بذلك آلى يمينًا لا يكلمه أّبدًا ، وقال : هذا زَنَّى أمّه ، وانتفى من أبيه ، لا والله ما عَلِمْتُ سميَّةَ رأَتْ أَبا سفيان قطّ ،...
ولما ادّعى معاوية زيادًا دخل عليه بنو أُمية ، وفيهم عبد الرَّحمن بن الحكم فقال له : يا معاوية ، لو لم تجد إلا الزّنج لاستكثرْتَ بهم علينا قلة وذلة ، فأقبل مَرْوان على معاوية وقال: أخْرِج عنا هذا الخليع ، فقال: مروان والله إنه لخليع ما يُطاق ....
استعمل معاوية زيادًا على البصرة وخراسان وسجستان ، ثم جمع له الهند والبحرين وعمان وبعد وفاة المغيرة بن شعبة أضاف له معاوية حكم الكوفة ، وهكذا تحول زياد بن سمية من مشكوك في نسبه يتعرض لإساءات من هنا وهناك إلى أخ لخليفة المسلمين والحاكم الأعلى عليهم في العديد من الدول ، فماذا كانت النتيجة ، نستعرض فيما يلي بعض النتائج :
- يقول زياد بن سمية للمسلمين في أحد خطبه : "وإني اقسم بالله لآخذن الولي بالولي ، والمقيم بالظاعن ، والمقبل بالمدبر ، والصحيح منكم بالسقيم ، حتى يلقى الرجل منكم أخاه فيقول : انج سعد فقد هلك سعيد ، أو تستقيم لي قناتكم " ، ويقول في خطبة أخرى : "وأيم الله إن لي فيكم لصرعى كثيرة ، فليحذر كل امرىءٍ منكم أن يكون من صرعاي".
- كان يُحرم السير ليلا ، حيث قال في أحد خطبه : إياي ودلج الليل ، فإني لا أوتى بمدلج إلا سفكت دمه ، قبضت شرطته ذات مرة علي رجل يسير ليلا ، تقول الرواية في تاريخ الطبري :
" فأخذ ليلةً أعرابيًا ، فأتى به زيادًا فقال : هل سمعت النداء ؟ قال : لا والله ، قدمت بحلوبة لي ، وغشيني الليل ، فاضطررتها إلى موضع ، فأقمت لأصبح ، ولا علم لي بما كان من الأمير . قال : أظنك والله صادقًا ، ولكن في قتلك صلاح هذه الأمة ، ثم أمر به فضربت عنقه."
- رفع عدد الشرطة إلى أربعة آلاف ، وكان أول من سِير بين يديه بالحراب ، ومُشي بين يديه بالعمد ، واتخذ لنفسه حرسا من خمسمائة رجل.
- ويقول عنه الطبري رحمه الله : كان زياد أول من تقدم في العقوبة ، وجرد السيف ، وأخذ بالظنة ، وعاقب على الشبهة ، وخافه الناس في سلطانه خوفًا شديدًا......
- قام بعض المسلمين بقذفه بحجارة صغيرة ، وهو لا يعرف من فعل ذلك ، هل كانوا كبارا أم صغارا وإذا كانوا كبارا فمن هم ؟ ، لذا أنهي خطبته ثم دعا قومًا من خاصته ، وأمرهم ، فأخذوا أبواب المسجد ، ثم قال : ليأخذ كل رجل منكم جليسه ، ولا يقولن : لا أدري من جليسي ؟ ثم أمر بكرسي فوضع له على باب المسجد ، فدعاهم أربعةً أربعةً يحلفون بالله ما منا من حصبك ( أي قذفك بالحجارة ) ، فمن حلف خلاه ، ومن لم يحلف حبسه وعزله ، حتى صار إلى ثلاثين ، ويقال : بل كانوا ثمانين ، فقطع أيديهم على المكان .
- قتل أوفي بن حصن لمجرد أنه طلب حضوره ، فخاف أوفى فهرب ، فقبض عليه وقتله دون تهمة سوى أنه هرب خوفا من أفعاله فلم يأمن على نفسه إن ذهب إليه .
- منع اجتماع المسلمين بعضهم ببعض في بيوتهم أو خارجها ، فإذا أراد مسلم أن يتحدث مع مسلم فليكن ذلك في المسجد أمام جواسيسه ، جاء في أحد روايات الطبري على لسان زياد بن سمية : قوما إلى عمرو بن الحمق فقولا له : ما هذه الزرافات التي تجتمع عندك ! من أرادك أو أردت كلامه ففي المسجد.
- عندما ولي زياد بن سمية الكوفة توجه إليها وولى سمرة بن جندب على البصرة ، ومن بين روايات الطبري عن محمد ابن سليم قال : سألت أنس بن سيرين : هل كان سمرة قتل أحدًا ؟ ، قال : وهل يحصى من قتل سمرة بن جندب ؟! استخلفه زيادٌ على البصرة ، وأتى الكوفة ، فجاء وقد قتل ثمانية آلافٍ من الناس ، فقال له : هل تخاف أن تكون قد قتلت أحدًا بريئًا ؟ قال : لو قتلت إليهم مثلهم ما خشيت - أو كما قال ، وفي رواية أخرى عن أبي سوار العدوي ، قال: قتل سمرة من قومي في غداةٍ سبعة وأربعين رجلًا قد جمع القرآن ، وفي رواية ثالثة : أن زيادًا اشتد في أمر الحرورية بعد قريب وزحاف ، فقتلهم وأمر سمرة بذلك ، وكان يستخلفه على البصرة إذا خرج إلى الكوفة ، فقتل سمرة منهم بشرًا كثيرًا ، وحرض أهل البصرة على قتل الحرورية وهددهم حال الامتناع ، حيث ورد في رواية عن عمر ، قال : حدثنا أبو عبيدة ، قال : قال زياد يومئذ على المنبر : يا أهل البصرة ، والله لتكفني هؤلاء أو لأبدأن بكم ، والله لئن أفلت منهم رجلٌ لا تأخذون العام من عطائكم درهمًا ، قال : فثار الناس بهم فقتلوهم.
- قتل زياد بن سمية حجر بن عدي ومجموعة آخرين لا يعلمهم إلا الله ممن رفضوا التبروء من سيدنا علي بن أبي طالب ولعنه ، وجعل ذلك مسلكا له طوال حياته ، أي أنه لم يكن يقيم أي وزن لقرابة النبي صلى الله عليه وسلم وذوي رحمه .
- وكان لزياد بن سمية العديد من الأخوة منهم عثمان وعباد وآخرين ، جميعهم تولوا مناصب قيادية فوق رؤوس المسلمين سواء بقرار من زياد أو من معاوية نفسه ، وساروا على نهج أخيهم وكانوا وبالا على المسلمين في كل مكان تولوا فيه منصب .
- ثم جاء من بعد زياد بن سمية ابنه عبيد الله بن زياد بن سمية والذي كان صاحب دور أساسي في تمرير مشروع التوريث من سيدنا معاوية إلى ابنه يزيد ، وقام يزيد بن معاوية بتولية عبيد الله بن زياد بن سمية على الكوفة عندما سمع بتحرك الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومجموعة من أقاربه إلى الكوفة ، حيث رفض عبيد الله جميع مقترحات الحسين لفك الحصار عنه بعد أن أعلن أنه سوف يرحل إلى المكان الذي جاء منه طالما تخلى أهل الكوفة عن بيعته ورجعوا عنها ، أو يرحل إلي أحد ثغور المسلمين أو يأخذوه إلى يزيد بن معاوية ليرى فيه رأيه ، إلا أن عبيد الله رفض كل هذه المقترحات وفرض على الحسين أن يسلم نفسه له ليرى فيه ما يراه ، واضطره إلى الحرب ليقتل الحسين رضي الله عنه ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكل من كانوا معه من أهل بيته وعددهم سبعون رجلا وتم قطع رؤوسهم ليحصل بها على رضا يزيد بن معاوية ، وهي الواقعة التي كان لها آثارها السيئة على التاريخ الإسلامي كله .
من بعد أن فقد المسلمون حقهم في اختيار من يحكمهم من بعد الخليفة الرابع سيدنا علي بن أبي طالب ، وأصبح اختيار الحاكم بالتوريث داخل الأسرة الحاكمة ، وبعد أن أصبحت الأسرة الحاكمة هي الوحيدة صاحبة الحق في اختيار كل الولاة وأصحاب المناصب ظهرت نماذج مثل زياد بن سمية وأخوته وابنه عبيد الله بن زياد وابنه عبد الرحمن ليرتفعوا من القاع إلى القمة ويصبحوا فوق رؤوس جميع الرموز من أصحاب الدين والفكر والخلق الرفيع والقيمة والقامة ، يتحكمون في رقابهم وأموالهم وحرياتهم ، وينحرفون بالأمة عن طريق التقدم والرفعة إلى طريق التدهور والانحدار.
مصدر المقال : كتاب "تاريخ الأمم والملوك" المعروف ب " تاريخ الطبري ".