قانون الجمعيات الأهلية الجديد الذي وافق
عليه البرلمان هو في حقيقته تأميم للجمعيات الأهلية وليس تنظيما جديدا لها ، فهو
يهدف إلي الحد من إنشاء كافة صور مؤسسات العمل الأهلي الواردة في القانون ، كما يهدف
إلي تصفية الجمعيات القائمة حاليا ، ولذلك أعطي القانون للوزارة المختصة هذه
الصلاحيات :
أولا : للجهة المختصة عدم الموافقة علي تأسيس الجمعية
أو المؤسسة .
- رغم أن المادة الثانية من القانون أشارت
إلي أن تأسيسي الجمعية الأهلية يكون بالإخطار إلا أن القانون تحايل علي ذلك ، حيث
ألزم مقدم الطلب في المادة (7) أن يقدم أكثر من اثني عشر بيان بعضها معقد ، كما
ألزمه في المادة (8) بتقديم العديد من البيانات والمستندات ، ليعطي لنفسه في
المادة (9) الحق في وقف قيد الجمعية في حالة نقص هذه البيانات أو المستندات وعلي
المتضرر اللجوء للقضاء .
- وسع القانون من المحظورات الفضفاضة حتي
يعطي الوزارة المختصة سلطة أوسع في رفض تأسيس أي جمعية أو مؤسسة لا يريدها النظام
العسكري ، حيث نصت المادة (13) علي أنه :
" وفي جميع الأحوال لا يجوز للجمعيات وغيرها من الكيانات الخاضعة لأحكام
هذا القانون العمل في مجال أو ممارسة نشاط يدخل في نطاق عمل الأحزاب أو النقابات
المهنية أو العمالية أو ذا طابع سياسي أو يضر بالأمن القومي للبلاد أو النظام
العام أو الآداب العامة أو الصحة العامة ".
كما وضع العديد من المحظورات الفضفاضة في
المادة (14) نذكر منها الفقرة (ج) التي نصت علي أنه : " يحظر الدعوة إلى التمييز بين المواطنين بسبب الجنس أو الأصل أو اللون أو
اللغة أو الدين أو العقيدة أو أي نشاط يدعو إلى العنصرية أو الحض على الكراهية أو
غير ذلك من الأسباب المخالفة للدستور والقانون، أو الدعوة إلى مخالفة القوانين أو
اللوائح أو عدم تطبيقها ".
- ألزم القانون مقدم طلب تأسيس الجمعية أن
يسدد رسم للقيد قدره عشرة آلاف جنيه كنوع من التعجيز بقصد الحد من قيد الجمعيات .
ثانيا : للجهة المختصة حق حل الجمعية بدعوي
قضائية مستعجلة.
حيث أعطت المادة (43) من القانون للجهة
الإدارية الحق في تقديم طلب للمحكمة بحل الجمعية وتصفية أموالها ، وجعل لذلك أسباب
متعددة حتي يسهل علي الجهة الإدارية حل الجمعيات .
كما نص في المادة (44) علي أن تنظر المحكمة
الدعوي وتفصل فيها دون إحالتها لهيئة المفوضين حتي يصدر الحكم بحل الجمعيات علي
وجه السرعة.
ثالثا : إرهاب العاملين في مجال العمل الأهلي
ليمتنعوا عن تأسيس الجمعيات :
- حيث نصت المادة ( 15 ) علي أنه : " يخضع رؤساء وأعضاء مجالس إدارة ومجالس أمناء الجمعيات وغيرها من
الكيانات المنظمة بموجب أحكام هذا القانون إلى قانون الكسب غير المشروع ويلتزمون
بأحكامه. "
- كما نصت المادة ( 87 ) علي أن : " يعاقب بالحبس الذى لا تقل مدته عن سنة ، ولا تزيد على خمس سنوات ،
وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تزيد على مليون جنيه في الحالات الآتية : ....... وعدد أنواع
الجرائم المستحقة للعقوبات سالفة الذكر .
رابعا : حق الجهة الإدارية في حل الجمعيات
القائمة :
حيث نصت المادة الثانية من القانون علي أنه :
" على جميع الكيانات
التي تمارس العمل الأهلي وفق التعريف المنصوص عليه فى القانون المرافق أيا كان
مسماها أو شكلها القانوني أن تقوم بتوفيق أوضاعها وفقا لأحكامه وذلك خلال ستة أشهر
من تاريخ العمل به وإلا قضت المحكمة المختصة بحلها" . وعلي ضوء هذا النص
تستطيع الجهة الإدارية وقف أعداد ضخمة من الجمعيات القائمة حاليا بحجة أنها لم
توفق أوضاعها .
خامسا : فرض القيود علي التمويل لاسيما الأجنبي
وعلي الإنفاق :
وبصرف النظر عن قناعتي بضرورة حظر التمويل
الأجنبي للجمعيات الأهلية ، القانون أباح الحصول علي تمويل أجنبي من حيث الظاهر ،
بينما الحقيقة أنه فرض قيود مشددة علي تمويل الجمعيات بجميع أنواعه علي نحو يصرف
من يريد أن يقوم بعمل خيري عن تأسيسي الجمعيات أو العمل في أي نشاط من أنشطتها ،
علي سبيل المثال نصت المادة ( 23) من القانون علي أن : " مع عدم الإخلال بأحكام قوانين مكافحة الإرهاب وغسل الأموال ، للجمعية ،
في سبيل تحقيق أغراضها ودعم مواردها المالية ، حق تلقي الأموال النقدية أو جمع
التبرعات من داخل الجمهورية من أشخاص طبيعية أو اعتبارية مصرية أو أجنبية ،..."
، وفي المادة (24) أعطي القانون للجهة الإدارية حق رفض التمويل ، وفي المادة (25)
نص علي أن : " تلتزم الجمعية بالشفافية والعلانية والإفصاح وبإعلان مصادر
تمويلها وأسماء أعضائها وميزانيتها السنوية وأنشطتها ونشر ذلك على الموقع الرسمي
لها وعلي الموقع الالكتروني للوزارة المختصة وداخل مقراتها " ، هذا جزء يسير
من القيود علي التمويل الأجنبي هدفه إثارة القلق لدي المواطنين حتي لا يقدموا علي
تأسيسي الجمعيات ، فإذا أسسوها كان للجهة الإدارية أن تسجنهم في أي لحظة وبأي
جريمة ملفقة . ناهيك عن القيود التي فرضها القانون بشأن إنفاق أموال الجمعية في
الوجوه المخصصة لها .
سادسا : أسس القانون لتغول الجهة الإدارية علي نشاط الجمعيات الأهلية
:
فقد استلزم القانون بشأن ممارسة أنشطة الجمعية الحصول علي موافقات إما
من الوزير المختص أو مجلس الوزراء ، وهو الأمر الذي يؤدي إلي شل حركة الجمعيات عن
القيام بدورها المستهدف وهو القيام بأنشطة من قبيل التكافل الاجتماعي فيما تعجز
عنه الدولة .
يتضح مما تقدم أن الهدف من القانون الجديد هو أن تتحكم الدولة
العسكرية في مسألة قيد الجمعيات ، بحيث تمنح الموافقات لأنصارها وأعوانها ، وترفض
الموافقة لخصومها السياسيين ، وأعتقد أن الهدف الأساسي هو حرمان التيار الإسلامي
خاصة والمعارضين عامة من القيام بالأنشطة الخيرية التي كان يبدع في أدائها .
وأري أن هذا القانون سوف يؤدي إلي انخفاض أعداد الجمعيات الأهلية بشكل
كبير للغاية ، واضمحلال أنشطتها بما يؤدي إلي زيادة معاناة الطبقة الفقيرة
والمتوسطة التي كانت تستفيد من أنشطة الجمعيات الأهلية ، فضلا عن اختفاء أي جمعيات
أهلية جادة في مجال رعاية حقوق الإنسان المصري وحرياته .
إنه الفشل الذي أصبح يحاصر المصريين في كافة نواحي الحياة منذ أن أقحم
العسكر أنفسهم فيما لا يفهمون فيه ، ووظفوا كافة مؤسسات الدولة وكل ما أصدروه من
قوانين لخدمة دولة العسكر علي نحو يؤدي لانهيار دولة الشعب المصري .