الثلاثاء، 4 نوفمبر 2025

ثنائية الوجود خطيئة مصطفى محمود

 #لقد_واجهت_د_مصطفى_محمود_بهذا_الرد


#على_فكرة_ثنائية_الوجود_التي_نقلها_عن_ابن_عربي

في حوار بغرفته رحمه الله عز وجل بمستشفى الدكتور مصطفى محمود، أنكر بشدة أنه أخطأ عندما اقتنع بفكرة ثنائية الوجود التي ابتدعها الشيخ محيي الدين بن عربي، وأخطأ حين روج لها في العديد من كتبه، فدار بيننا الحوار وعرضت عليه ردي على فكرة ثنائية الوجود والذي أعرضه عليكم فيما يلي:

قلت في كتابي المعتمد من الأزهر الشريف (  ثنائية الوجود خطيئة ابن عربي ومصطفى محمود ) :

لقد حكم الدكتور مصطفى محمود على أبيات شعر ابن الفارض عن النبي صلى الله عليه وسلم بأنها من قبيل الكُفر الصريح، لأنَّ ابن الفارض ادَّعى فيها الألوهية، ثم وضع الدكتور مصطفى محمود نفسه في خانة مَن أنكر شيئًا ثابتًا من الدين بالضرورة، كإنكاره لنص قرآني أو الإيمان بما يُخالف معناه وحُكمه ومقتضاه، وذلك عندما اعتنق فكرة ثنائية الوجود.

يقول الله سبحانه تعالى: «بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ ۖ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ »         

                            «الأنعام -  101».

ويقول في نفس السورة الآية التالية لها: «ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ ۚ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ » 

                             «الأنعام - 102». 

ويقول أيضًا: «اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ»          

                              «الزمر - 62».

وهذه النصوص واضحة الدلالة على أنَّ الله سبحانه وتعالى هو خالق كل شيء، سواء كان حيوانًا أم نباتًا أم جمادًا، وسواء كان ماديًّا أو معنويًّا، والقاعدة الأصولية تقول بأن المُطلق يجب أن يُحمل على إطلاقه، فالنص الذي جاء مطلقًا لا يمكن تقييده بمحض الهوى. 

ومن هنا نسأل الدكتور ما الذي استند إليه حين استثنى من مخلوقات الله ذوات المخلوقات أو حقيقتها أو كياناتها الثابتة؟ 

فالدكتور قد خالف النصوص السابقة مخالفة صريحة، إذ يقول الله سبحانه وتعالى أنه خلق كل شيء، والدكتور يُخالف ما قرره الله عز وجل ويقول: «إنَّ هناك أشياءً من المخلوقات وهي ذواتها لم تُخلق، وإنما هي موجودة منذ الأزل مع الله بخصائصها الذاتية، وأنها غير مخلوقة وأنها لم تكتسب خصائصها وصفاتها من الله عز وجل».

وأيضًا يقول الله سبحانه وتعالى: 

«هَلْ أَتَىٰ عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا»       

                     «الإنسان - 1». 

والدكتور لم يجعل من الإنسان شيئًا مذكورًا قبل الخلق فحسب، بل جعل له حياة كاملة دون أن يشعر، فالقارئ لفكرة ثنائية الوجود كما جاءت في كتابيَّ «الوجود والعدم» «والسر الأعظم» يكاد يتخيَّل أنَّ العدم حجرة مغلقة، وأنَّ الإنسان يجلس على مقعد في هذه الغرفة ومقيد بالأغلال، حتى أنه لا يستطيع أن يُحرِّك أي عضو من أعضائه، ولا يستطيع أن يفتح فمه ليتحدَّث، ولكنه يدعو ربه في جوفه طالبًا منه أن يفك عنه أغلاله ويخرجه من هذه الحجرة المغلقة المظلمة، ولعلَّ ما زاد في المثال السابق هو أننا تخيلنا أنَّ للإنسان جسدًا في حجرة العدم، في حين أنَّ الدكتور تخيله نية أو حقيقة أو ذاتًا مجردة ليس لها بدن تتحرَّك بواسطته أو من خلاله.

فدور الله هنا مقصور على فك الأغلال، وفتح حجرة العدم لينطلق الإنسان من هذه الحجرة إلى شارع الوجود بعد أن يتم تسليمه ملبسًا يخرج به بدلًا من أن يخرج عليهم، وهو أشبه بالفراغ أو الهواء، ألا ترون معي أنه تقييد لدور الله عزَّ وجل في الخلق دون مقيد. 

وما ينطبق على الإنسان في المثال السابق ينطبق على سائر الكائنات، فكلها كانت ذواتًا مقيدة في العدم - على حد قوله - وتطلعت إلى الله جل وعلا فألبسها لبسة الوجود التي تُناسبها، وفك عنها قيود العدم. 

*******

وذوات النفوس، أو جواهر النفوس، أو حقائق النفوس، أو الكيانات الثابتة في العدم كما يطلق عليها الدكتور، نلاحظ أنه يجعل لها حياة كاملة في العدم دون أن يلاحظ، فالقارئ يفهم من خلال قراءة الفكرة أنَّ هذه الذوات تعلم أنها موجودةٌ في العدم، وتعلم ماهية هذا العدم الذي تعيش فيه، وهي لذلك ترغب في الخلاص منه، وتعلم أنَّ هناك وجودًا فتشتاق إليه، وبعض هذه الذوات تعقد مقارنة بين الوجود والعدم، وحين يترجح لديهم أفضلية الوجود على العدم تتطلع إلى الله عز وجل وتدعوه أن يُخرجها من العدم إلي الوجود، إنها إذن حياةٌ كاملةٌ في العدم مليئة بالأفكار والمشاعر والرغبات، وفي هذا خلط واضح بين الوجود والعدم، وتحويل للعدم من معناه الأصلي «اللاشيئية» إلى حياة كاملة مستترة ليست من خلق الله، وإذا كان الأمر كذلك، فإنه لم يعد هناك فارق بيننا وبين الفكر الشيوعي المُلحد، فكلانا يؤمن بعد هذه الفكرة أنه من الممكن أن يكون هناك أشياء مثل «ذوات المخلوقات» قد وجِدت بدون خالق. 

ومن جهة أخرى فإنَّ الله سبحانه وتعالى يقول: 

«وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ» 

             «الذاريات - 56».  

فهذه الآية أوضحت أنَّ خلق المخلوقات كان بإرادة الله، فحين أراد الله أن يُعبد خَلق الخلق، بينما جعلت فكرة ثنائية الوجود خلق المخلوقات موقوفًا على إرادة هذه الذوات في العدم، فهناك كما يرى الدكتور ذوات اشتاقت إلى الوجود فطلبت من الله أن يفك أسرها من قيد العدم «والعدم نار»، فأخرجها الله إلى الوجود، وهناك ذوات لم تتطلع إلى الوجود ولم تشتَق إليه فتركها الله على حالها، أي أنَّ إرادة الخلق ليست لله وإنما لهذه الذوات في العدم. 

*******

وهذه الفكرة تُقيد من قدرة الله بدون مُقيد، إذ إنها تجعل الله في عجز عن خلق كائنات حيَّة ليس لها ذوات ثابتة في العدم، فقد جعل الدكتور خلق الكائن موقوفًا على إرادة ذاته في العدم، فإذا لم تطلب هذه الذات من الله عزَّ وجل أن يُخرجها إلى الوجود ما كان الله ليخرجها، لأنَّ الله - كما يري الدكتور - لا يقهر الكائن على شيء، ومن باب أولى فإنه إذا لم تكُن هناك ذات في العدم ما كان الله ليخلق هذا الكائن بالمرة، وبالطبع ما كان الدكتور ليقبل هذا الكلام لو ورد في ذهنه أثناء دراسته لهذه الفكرة. 

*******

وجاء أيضًا في ثنائية الوجود أنَّ هذه الذوات أو الحقائق تختلف عن بعضها البعض في العدم، فكل ذات تختلف عن الأخرى، لذلك فإنَّ الذَّات التي تطلب الظهور يلبسها الله لبسة الوجود التي تناسبها، فإذا كانت الذات طاووسية ألبسها الله بدنًا طاووسيًّا، وإذا كانت خنزيرية ألبسها بدنًا خنزيريًّا وهكذا. 

وهذا كلام عجيب، لأنه يستلزم أن يكون أمام الله عز وجل نماذج مختلفة من صور المخلوقات والله - سبحانه وتعالى عن ذلك - يبحث فقط عن القالب أو الصورة التي تُناسب تلك الذات أو الحقيقة الراغبة في الظهور، فالله إذن لم يصور هذه المخلوقات بإرادته المحضة، وبما يُناسب الحِكمة التي ابتغاها من خلق هذه المخلوقات، وإنما فرضت هذه الذوات على الله عز وجل الشكل الذي هي عليه. 

فالله عزَّ وجل لم يخلق الطيور بأنواعها المختلفة لتمد الإنسان بالبروتين الذي يحتاج إليه، وإنما هي أشكال وتراكيب مفروضة على الله حتى يحدث التناسب بينهما وبين ذوات الطيور في العدم، وكأنَّ هذه الصور والقوالب أيضًا حقائق أزلية لا يمكن لله عز وجل الخروج عليها. 

وبالفعل قد جعل الدكتور مصطفى محمود - وبطريق غير مباشر - من صور هذه المخلوقات حقائق أزلية ليست من اختيار الله وتصويره، وذلك حين جعل ذوات المخلوقات حقائق أزلية، وجعل لكل ذات من هذه الذوات قالبًا معينًا يناسبها، فالذات أزلية والذات لها قالبٌ معينٌ يُناسبها دون غيره، إذن هذا القالب أيضًا أزلي وليس من إبداع الله سبحانه وتعالى، وكذلك كل موجود من الموجودات المخلوقة قد فُرِضَ على الله سبحانه وتعالى الشكلُ الذي يُناسب ذاته. 

وبالطبع هذا الكلام السابق مردود ويتعارض مع العديد من النصوص القرآنية، يقول الله سبحانه وتعالى: 

«بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ ۖ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ»                                                                  

                  «الأنعام - 101».  

وجاء معنى «بديع السموات والأرض» في تفسير ابن كثير رحمه الله: «أنَّ الله مبدعهما وخالقهما ومنشئهما ومحدثهما على غير مثال سبق، ومنه سُميت البدعة لأنه لا نظير لها فيما سلف»، فليست إذن هي قوالب مفروضة على الله لتناسب الذوات الموجودة في العدم، وإنما هي إبداعات من الله ومحدثات وليس لتناسب الذات، وإنما لتناسب الحِكمة التي أرادها الله من خلق المخلوق. 

«لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ» 

             «التين - 4»  

وقوله تعالى: 

«خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ ۖ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ» 

«التغابن - 3».  

وقوله تعالى: 

«هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ ۚ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» 

«آل عمران - 6». 

قوله تعالى: 

«يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاءَ رَكَّبَكَ» 

«الانفطار – 8:6».

والآيات السابقة جميعها جعلت تصوير الإنسان في الرحم وخارج الرحم من عمل الله عز وجل، ولقد أخبرنا الله جل وعلا أنه خلق الإنسان في أحسن صورةٍ «أحسن تقويم»، وكل إنسانٍ خلقه الله جعله على هذه الصورة التي اختارها للبشر عمومًا، ولو كان يُلبس كل ذات لبسة الوجود المناسبة لها لما خلق البشر جميعًا على صورة واحدة، وهي الصورة المعروفة للبشر بوجه عام، لأنه لا يمكن أن تكون هذه الذوات جميعًا متحدة في الخصائص، فالتصوير إذن بنصوص الآيات السابقة متوقف على مشيئة الله عز وجل وليس على المُناسبة بين الذات وبين القالب. 

*******

ونلاحظ من جهة أخرى أنَّ فكرة ثنائية الوجود بدَّلت المعنى الأصلي لكلمة الخلق من الإبداع والابتكار والإحداث من اللاشيء إلى مجرد الإخراج من العدم، وهو كلام جد خطير ما كان يصح أن يأتي من الدكتور مصطفى محمود رجل العلم والإيمان، الرجل الذي قضى العمر في الدعوة إلى الإيمان بالله عز وجل الخالق البارئ المُصور المُبدع المُحدث، الله الذي هو أحسن الخالقين، فالله عز وجل يَخلق، والإنسان يُخلق، ولكن خلق الإنسان خلق تجميع وتركيب لموجودات موجودة من قبل لتعطي موجودًا لم يكُن موجودًا، بينما خلق الله هو إنشاء الشيء من اللاشيء، وهذا هو الفارق الذي أزاله الدكتور بغير قصد بسبب التعجل في ترديد فكرة قبل دراستها دراسة جيدة. 

*******

وغاب عن الدكتور مصطفى محمود شيء عظيم الأثر في خلع هذه الفكرة من أساسها، فهو يرى أنَّ هذه الذوات أو الحقائق غير مخلوقة وخصائصها ملازمة لها منذ الأزل، فهي إما أن تكون خيرة بطبيعتها أو شريرة بطبيعتها، فإذا كانت الحقيقة أو الذات خيرة، سيَّر الله صاحبها في طريق الخير، أمَّا إذا كانت شريرة فإنَّ الله يُسيِّر صاحبها في طريق الشر. 

وهذا الكلام مردود، لأنه لو كان صحيحًا لوجدنا المجتمع طبقتين، طبقة مستديمة على الخير وأخرى مستديمة على الشر، لأنَّ الإنسان سيعجز عن الخروج على مقتضيات طبيعته ذات الخصائص الأزلية، ولكن ذلك لا يحدث، لأنَّ كل إنسان حتى ولو كان غير ذي عقيدة يتأرجح في حياته بين الخير والشر، فهو خير تارة وشرير تارة، فالمسألة إذن ليست مسألة طبائع تفرض على صاحبها أن يسير في هذا الطريق أو ذاك سيرًا دائمًا لا رجوع فيه.

والدكتور مصطفى محمود من أعدى أعداء الحتمية في مجال الإنسانيات، وتحدَّث عن ذلك في مواضع عديدة، فهو يقول في كتابه «أكذوبة اليسار المصري» الصفحة التاسعة والعشرين: 

«ثم هذه الدعوى الزائفة للماركسيين بحتمية قوانينهم، وكأنها قوانين منزلة من اللوح المحفوظ هي دعوى أخرى غير علمية، فلا حتمية في لإنسانيات، إنما هناك على الأكثر عناصر ترجيح وظن وتخمين واحتمالات متفاوتة، ولا حتمية إلا في حركة الأفلاك والكواكب وكرات البلياردو وتروس الساعات والمادة الصرفة، وحتى المادة الصرفة ظهرت قوانين جديدة تخرج حركة الإلكترونات فيها من إطار الحتمية إلى مجال الحرية والاحتمال «قوانين هينزنبرج».

ويقول في نفس الكتاب الصفحة الحادية والأربعين: 

وكما يقول «ماكدوجال» يتميَّز الكائن الحي بخاصية ينفرد بها بخلاف المخلوقات جميعها، وهذه الخاصية هي التلقائية، والتلقائية موقف اختيار ذاتي يختلف عن حركة المادة الجامدة، فالكائن الحي يُبادر بسلوك ونشاط تلقائي لا تُرافقه علاقات ترابطية حتمية مُلزمة، وبذلك يخرج سلوك الإنسان عن دائرة الظواهر الطبيعية التي تتصف بالآلية، وهذا معناه عدم خضوع الإنسان لقانون الحتمية العلمية، فالمواقف والاتجاهات والانفعالات جميعها من سمات الكائن الحي وهي لا تخضع واقعيًّا ولا تجريبيًّا لمواصفات الحتمية من قريب أو بعيد. 

ورغم ذلك فإنَّ الدكتور يتعارض مع نفسه، ويفترض وجود ذوات في العدم لها خصائص ملازمة لها منذ الأزل، فهي إمَّا ذات طبيعة خيِّرة أو ذات طبيعة شريرة، ويرجع بذلك إلى القول بالحتمية في مجال الإنسانيات، إذ تفرض هذه الذات على صاحبها اتجاها معينًا، إمَّا في طريق الخير أو في طريق الشر.

*******

والحقيقة التي غابت عن الدكتور مصطفى محمود أيضًا هي أنَّ الخير والشر من المسائل النسبية، فهما ليسا حقيقتين ثابتتين منذ الأزل، وإنما يرتبطان بالشكل الذي اختاره الله للإنسان وللكون الذي يعيش فيه، فلو أنَّ الله سبحانه وتعالى لم يجعل الإنجاب متوقفًا على المُعاشرة بين الرجل والمرأة لما كانت هناك جريمة الزنا، ولو أنَّ الله لم يُحرِّم الزواج من الأخت لما كان الزواج منها حرامًا أو شرًا كما كان الحال في بداية الحياة على الأرض.

إذن معنى الخير والشر قد نشأ بعد خلق الكون والإنسان بالصورة التي اختارها الله لهما، وبعد نشأة الدستور الذي وضعه الله للإنسان من خلال الرسالات السماوية، فكيف ينسب الدكتور لهذه الذوات الطبيعة الخيرة أو الشريرة، والخير والشر لم يكُن لهما معنى ولا وجود قبل خلق الكون والإنسان، بل ومعناهما ارتبط بالشرائع السماوية التي أنزلها الله عز وجل، فإن شاء تعالى أباح الحرام أو حرَّم الحلال، وهذا ينفي أن يكون للخير أو الشر معنى أزليًّا غير قابل للتغيير.

*******

ومن جهة أخرى فقد أكَّد الله سبحانه وتعالى في العديد من الآيات القرآنية أنه قادر على تبديل الجنس البشري بخلق جديد.

«يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ إِن يَشَأۡ يُذۡهِبۡكُمۡ وَيَأۡتِ بِخَلۡقٖ جَدِيد * وما ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ بِعَزِيزٖ» 

«فاطر 15 - 16».

وعلى فرض أنه سبحانه وتعالى بدَّل البشر بغيرهم من الكائنات المُخيَّرة لاختلف مفهوم الخير والشر بالنسبة لهذا الخلق الجديد عنه بالنسبة للبشر.

*******

ويقول الله سبحانه وتعالى: 

«ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ جَاعِلِ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ رُسُلًا أُوْلِيٓ أَجۡنِحَةٖ مَّثۡنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَۚ يَزِيدُ فِي ٱلۡخَلۡقِ مَا يَشَآءُۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِير» 

«فاطر - 1».   

فالزيادة في الخلق تتوقف على مشيئة الله وليس على إرادة هذه المخلوقات في العدم، مَن رغب منها في الظهور والخروج أخرجه الله، ومَن لم يرغب تركه الله على حاله.

*******

وإذا افترضنا أنَّ فكرة ثنائية الوجود صحيحة، وأنَّ ذوات المخلوقات قديمة وموجودة بلا بداية بطبائعها وخصائصها، فإنَّ ذلك لن يحل أزمة الدكتور مصطفى محمود مع التسيير والتخيير والتي نراها أزمة متوهمة لا وجود لها في الحقيقة. 

فكما قلنا من قبل إنَّ الدكتور مصطفى محمود حين سُئل في مسألة التسيير والتخيير؟ أجاب: الإنسان مُسيَّر فيما اختار بنيته، وحين سُئل: ومَن خلق له نيته أو حقيقته؟ أجاب بأنَّ هذه النية أو الحقيقة غير مخلوقة حتى يتفادى القول بالجبرية، إذ كيف يخلق الله للإنسان نيته الخيرة أو الشريرة ثم يُحاسبه عن أفعاله الناتجة عنها.

فالقول بأنَّ حقيقة الإنسان أو ذاته أو نيته غير مخلوقة لم يحل اللغز الذي تصوره الدكتور مصطفى محمود، ومن ثم أصبح إيمانه بثنائية الوجود بدون فائدة، لأن كون هذه الذات أزلية بخصائصها المُلازمة لها يجعلنا أيضًا أمام إنسان مُسيَّر ومُجبر على طريق الخير أو الشر، ولكن مصدر التسيير هذه المرة هو حقيقة الإنسان ذات الخصائص الأزلية والتي لا يد للإنسان فيها أيضًا، فإذا كان الله سبحانه وتعالى لم يخلق هذه الحقيقة أو الذات ولم يؤثر في خصائصها المُلازمة لها منذ الأزل سواء كانت خيَّرة أم شريرة، فمن باب أولى أنَّ الإنسان الذي نشأ عن إلباس هذه الذات لبسة الوجود لم يؤثر في هذه الحقيقة، وتبعًا لذلك يكون غير مسؤول عن طبيعتها الخيرة أو الشريرة، ومن هنا فإننا رجعنا إلى نقطة البداية، فإذا لم يكُن الإنسان مسيرًا بنيته التي خلقها له الله عز وجل خيَّرة أو شريرة، فهو مُسيَّر ومحكوم بطبيعة هذه النية أو الحقيقة والتي هي أزلية وليست بجعل جاعل ولا يد للإنسان نفسه في خيرها أو شرها. 

وليس لهذه الأزمة حل عند الدكتور إلا أن يجعل هذه الحقيقة أو الذات هي الإنسان نفسه، ليُصبح بذلك أول مَن قال على سطح الكرة الأرضية أن الإنسان قد وُجِد قبل خلق الله له. 

ومن المُلاحظ أنَّ الدكتور لم يُوضِّح لنا ماهية ذات الإنسان، أو حقيقة الإنسان أو جوهر نفس الإنسان، أو الكيان الثابت من الإنسان في العدم أو جوهر نفس الإنسان، فكل هذه الأسماء السابقة أطلقها الدكتور كمترادفات على معنى واحد ولكنه لم يُحدِّد ماهية هذا المعنى بالضبط، فما هي هذه الذات على وجه التحديد؟ وهل هي تعني نية الإنسان فقط أم أنَّ النية مفرد من مفرداتها؟

*******

وهناك خطأ نود أن نُصححه بشأن ما قرَّره الدكتور مصطفى محمود ضمن حيثياته لتبرير صحة الاعتقاد بثنائية الوجود، وهو أنَّ للإنسان ذات خيرة أو شريرة وكأنها «بوصلة توجه صاحبها إلى اتجاه واحد لا يحيد عنه»، فتصوره السابق للذات جعله يقسم ذوات البشر إلى خيرة بطبيعتها وشريرة بطبيعتها، في حين أنه قلما وجد إنسان دائم على الخير أو دائم على الشر. 

أمَّا نية الإنسان فيُراد بها ما انطوت عليه نفسه من إرادة حيال مسألة من المسائل والسلوك الذي قرَّر اتخاذه بالنسبة لها، فالنية إذن هي اختيار الإنسان بين البدائل في كل مرة تضطره الظروف المُحيطة به إلى الاختيار من بين عدة بدائل، وهذا الاختيار لدى أي إنسان - حتى ولو كان غير ذي عقيدة وبشهادة الدكتور نفسه - غير محكوم بمبدأ الحتمية العلمية، فهو اختيار خير تارة وشرير تارة، ولم ولن تجد شخصًا كل اختياراته خيِّرة أو شريرة.

واختلاف الاختيارات من إنسان إلى آخَر ليس مرجعه إلى ذات أو حقيقة ثابتة على الخير أو الشر، وإنما يرجع إلى اختلاف حصيلة كل إنسان من معاني الخير والشر عن الآخَر، فهو اختلافٌ في درجة العلم والمرجعية الدينية للإنسان وما لديه من حِكمة، وليس اختلافًا في طبيعة الذات الأزلية.   

«يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ» 

«البقرة - 269».

والذي يؤكِّد هذا الفهم للذات والنية هو اختلاف اختيارات الإنسان من طفولته إلى شبابه إلى شيخوخته، فلو أنَّ اختيارات الإنسان محكومة بحقيقته أو نيته، والتي هي إمَّا خيِّرة أو شريرة لما اختلفت هذه الاختيارات من مرحلة إلى أخرى في حياة الإنسان نظرًا لثبات صفة هذه النية على الخير أو الشر. 

*******

ومن مرئيات الدكتور مصطفى محمود أيضًا أنَّ العدم لا يمكن أن يكون معدومًا، لأنه لو كان معدومًا لما كان له معنى في العقل.

ومعنى الكلام السابق أنَّ العدم لا يمكن أن يكون بمعنى اللاشيئية، لأنه إذا كان كذلك لما كان له معنى واضح في العقل، والحقيقة أنَّ هذا الكلام غير صحيح، لأنَّ اللاشيئية لها معنى في العقل، فهي تعني أنَّ كل شيء يمكن إدراكه بحاسة من الحواس كالبصر أو السمع أو الشم أو اللمس ليس له وجود، وهو ما سمَّاه النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الأحاديث "العماء"، أمَّا كون الإنسان لا يستطيع تخيُّل اللاشيئية فليس معنى ذلك أنها غير ذات معنى. 

*******

ومن العجيب أنَّ الدكتور يرى أنَّ ثنائية الوجود ضرورة حتمية لا معدى عنها لفهم الأمور، لأننا إذا لم نكُن أمام ثنائية الوجود - أي وجود الخالق وذوات المخلوق معًا منذ الأزل - فإننا إذن أمام وحدة وجود مطلقة، أي وحدة الخالق والمخلوق. 

فإذا لم تكُن ذوات المخلوقات - حسب قوله حقائق أزلية - فإنها إذن مشتقة من ذات الله، فيُصبح الله هو الخالق والمخلوق وهو العابد والمعبود ويبطل حساب الإنسان على عمله. 

والحقيقة أنَّ هذا فهم قاصر، لأنَّ خلق المخلوقات ليس إخراجًا لحقائق أو ذوات موجودة منذ الأزل، كما أنه ليس اشتقاقًا أو اقتطاعًا من ذات الله حتى يُصبح الخالق والمخلوق شيئًا واحدًا. 

فالله سبحانه وتعالى لم يقتطع شيئًا من روحه حين نفخ فينا نفخة الحياة، ولم يقتطع من رحمته حتى يهبنا هذه الصفة، فهو سبحانه وتعالى بعد خلق المخلوقات هو عينه قبل خلق المخلوقات، ولم يزد عليه أو ينقص منه شيء، ولم يُصبح جزء منه داخل المخلوقات والآخَر مستقلًا، وكما قال ابن قيم الجوزية «فالرب رب، والعبد عبد، والخالق بائن عن المخلوقات، ليس في مخلوقاته شيء من ذاته، ولا في ذاته شيء من مخلوقاته»، والذي حدث هو أنه سبحانه وتعالى جعل الإنسان خليفة في الأرض: «وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً» 

«البقرة – 30».

وإذا كان الدكتور مصطفى محمود قد أخذ فكرة ثنائية الوجود الخاطئة من الشيخ محيي الدين بن عربي، فإنَّ ابن عربي نفسه هو مَن فسَّر خلافة الإنسان، بأنَّ الله عز وجل قد أعطى الإنسان قدرًا من أسمائه وصفاته، ولا يترتب على هذه المنحة الإلهية أن نقول بأنَّ الإنسان وخالقه قد أصبحا شيئًا واحدًا، وأنَّ الله عز وجل على هذا النحو يعبد نفسه، بل خلق الله عز وجل الإنسان وأعطاه شخصية مستقلة منفصلة، وأعطاه عقلًا يُميِّز به بين الطيب والخبيث، ويستوعب به قيمة وأهمية التكاليف التي كلفه بها، ومنح الناس جميعًا نفس الهبات، فحين يُخالف الإنسان بعد ذلك فإنه يستحق العقاب، لأنَّ الله عز وجل قد أعطاه عقلًا يُدرك به أنَّ له وللكون الذي يعيش فيه خالق، أنعم عليه بنعم لا تحصى ولا تعد، وأنَّ ما يطلبه منه من تكليفات تُحقق له الخير وتصلح أحوال العباد، وتُحقق السلام والأمن والأمان للإنسان ولكل من حوله، وتحفظ الكرة الأرضية من الفساد: 

«وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ» 

«البقرة – 251».  

فالإنسان مثلًا قام باختراع الإنسان الآلي، والذي وُجد في عقله كفكرة مجردة ثم حوَّلها إلى حقيقة واقعة، فهل يمكن القول أنَّ الإنسان الآلي مشتق من ذات الإنسان، وأنهما في الحقيقة شيء واحد، كلا، فالإنسان بعد اختراع الإنسان الآلي كما هو عليه قبل اختراعه، وإنما الإنسان الآلي هو الذي اكتسب ذاتًا وكيانًا ومفهومًا مستقلًا ومنفصلًا عن الإنسان صانعه. 

وإذا كان الدكتور يعلم علم اليقين أنَّ الله قادر على كل شيء، فلماذا يستبعد أن يخلق الله كائنًا حيًّا مستقلًا حر الاختيار ودون أن يكون له ذات في العدم أزلية بخصائص أزلية ليست بجعل جاعل. 

«أَوَلَيۡسَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِقَٰدِرٍ عَلَىٰٓ أَن يَخۡلُقَ مِثۡلَهُمۚ بَلَىٰ وَهُوَ ٱلۡخَلَّٰقُ ٱلۡعَلِيمُ * إِنَّمَآ أَمۡرُهُۥٓ إِذَآ أَرَادَ شَيۡـًٔا أَن يَقُولَ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ * فَسُبۡحَٰنَ ٱلَّذِي بِيَدِهِۦ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيۡءٖ وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ» «يسن 81 : 83».  

*******

ولقد كنَّا نتصور وهو الحق قبل أن نقرأ هذه الفكرة أنَّ الله قبل خلق الخلق كان وحده ولا شيء معه، وحينما أراد أن يُعْبَد خلق الخلق، وحتى يقوم الإنسان بدوره كخليفة لله عز وجل على الأرض خلق له الكون وسخره له بكل ما فيه، وأمَّا بعد ثنائية الوجود فالصورة أصبحت غير ذلك، فالله لم يخلق هذه المخلوقات حينما أراد أن يُعْبَد وإنما لأن ذوات هذه المخلوقات الموجودة في العدم طلبت الظهور فأظهرها الله جل وعلا عن ذلك علوًا كبيرًا. 

وطالما أن الدكتور أراد أن يحدث خللًا في الصورة السابقة - وهو ما لم يحدث ولن يحدث - فكان عليه أن يُعطي صورة أخرى متكاملة، ولكن ما حدث غير ذلك، فالدكتور لم يُوضِّح لنا مثلًا هل السماوات والأرض والشمس والقمر والنجوم أيضًا مخلوقات لها ذوات في العدم وحينما طلبت الظهور أظهرها الله في لبسة الوجود التي تناسبها؟ أم أنها خُلقت دون استشارة ذواتها في العدم؟ أم أنَّ هذه المخلوقات لم يكُن لها ذوات في العدم من الأصل؟ 

والدكتور بين خيارات ثلاث، إمَّا أن يقول: نعم لهذه المخلوقات ذوات طلبت الظهور فأظهرها الله، وبالتالي ينفي عن الله إبداع هذا الكون وتصويره بما يُناسب الحكمة من خلقه، أو يقول: لا، لقد خُلِقَت هذه المخلوقات دون استشارة ذواتها في العدم فينسب إلى الله الظلم والقهر، أو يقول إن هذه المخلوقات ليس لها ذوات أو حقائق في العدم من الأصل، وبالتالي ينقض فكرة ثنائية الوجود التي قال بها نقضًا كليًّا، ذلك أنَّ الفكرة تقتضي إمَّا أن يكون للكون كله ذوات في العدم طلبت الظهور، وألبس الله عز وجل كل منها اللبسة التي تناسبه فخرج لنا الكون بأكمله، وإمَّا أنَّ لا يكون لشيء من المخلوقات ذات في العدم، وأنَّ الكون كله من إبداع الله عز وجل وتصويره، أمَّا أن يكون لبعض المخلوقات ذوات في العدم، والبعض الآخَر لم يكُن له ذوات، فهذا لن يكون مقبولًا، لأنه سيعني أن بعض الكون من إبداع الله عز وجل والباقي ليس من إبداعه.

ناهيك عن أنَّ القول بعدم وجود ذوات لهذه المخلوقات الكونية العظيمة سوف يعني - على ضوء ثنائية الوجود - أنها تعرَّضت للقهر، لأنها في هذه الحالة تكون قد خُلقت وخرجت من العدم وهي لم تطلب الخروج.

*******


ومن ناحية أخرى يقول الله سبحانه وتعالى: 

«إِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَٰٓئِكَةِ إِنِّي خَٰلِقُۢ بَشَرٗا مِّن طِينٖ * فَإِذَا سَوَّيۡتُهُۥ وَنَفَخۡتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُۥ سَٰجِدِينَ» 

«سورة ص - 71، 72».

 وحين نرجع إلى الآيات التي تناولت بيان كيفية خلق آدم عليه السلام نجدها لا تضيف خطوة جديدة إلى الخطوات الواردة في الآية السابقة، وإن كانت تزيدها تفصيلًا، فخلق آدم كما بينته الآية السابقة مرحلتان: الأولى مرحلة التسوية وفيها قام الله سبحانه وتعالى بتصوير آدم على الصورة التي أرادها له «فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ»، والمرحلة الثانية هي مرحلة نفخ الروح، وهي المرحلة التي تدب فيها الحياة في الجسد، ويصبح التمثال إنسانًا كما نعرفه. 

وإذا كان الله سبحانه وتعالى قد تجلى على الخاصة من عباده من أمثال ابن عربي بفكرة ثنائية الوجود، فإنَّ الغرض من ذلك - منطقيًّا - هو أن يعرف الناس هذه الخطوة المفقودة من خطوات خلق آدم، لأنه ليس من المعقول أن يكون هذا التجلي من أجل إعلام ابن عربي وحده، بدليل أنَّ الفكرة قد انتقلت منه إلى غيره، فإذا توافرت لدى الله الحِكمة من إعلام الناس عن طريق ابن عربي بأنهم كانوا ذواتًا في العدم، وأنه أخرجهم منه برغبة ذواتهم في الظهور والفكاك من أغلاله، فأين كانت هذه الحِكمة أثناء نزول القرآن الكريم؟ 

إننا أمام احتمالات متعددة، فإما أن تكون هذه الحِكمة معلومة لله أثناء نزول القرآن، فنسأل عن سبب عدم تناول آياته لما ذكره ابن عربي بخصوص استخراج الذوات من العدم، وإما أن تكون غير معلومةٍ لله في ذلك الوقت فنسأل وهل يستجد في علم الله شيء لم يكُن يعلم به من قبل؟ وإما أن يكون الله سبحانه وتعالى قد أراد لابن عربي ومَن جاءوا في عصره والتابعين لهم أن يعرفوا هذه الخطوة المفقودة دون مَن جاءوا قبلهم وهذا محال دون جدال. 

*******

ومن المفاهيم التي أراد أن ينقلها لنا الدكتور أيضًا أنَّ علم الله بهذه الذوات قديم وأزلي، وأنَّ هذا العلم ليس علم الخالق بما خلق وإنما علم كائنٍ بكائنٍ آخر من خلال ما كشفه هذا الآخَر عن نفسه، فالله سبحانه وتعالى علم أنَّ هذه الذات خيِّرة أو شريرة ولم يجعلها كذلك، وعلم أنَّ هذه الذات خنزيرية أو طاووسية ولم يجعلها كذلك، والله لا يُغيِّر من خصائص هذه الذوات أو الحقائق بأن يجعل الخيرة شريرة أو العكس، أو الطاووسية خنزيرية أو العكس، وإنما يتصرف في كل ذات على ما هي عليه. 

ولا يتدخل الله سبحانه وتعالى بالتغيير في ذات الإنسان أو حقيقته أو نيته إلا إذا طلب هو ذلك بالتضرع والدعاء إلى الله، ساعتئذ يتدخل الله سبحانه وتعالى ليصلح شأن العبد سيئ النية إلى حُسن النية مستقيم الأخلاق والطباع، وإذا كانت هذه المعطيات السابقة صحيحة لكان مقتضى العدل الإلهي الذي أعطى الفرصة للإنسان أن يُغيِّر من حقيقته أو ذاته عن طريق الدعاء والتَّضرُّع إلى الله أن يسمح لسائر الكائنات مثل الطاووس أو الخنزير أن يتطور هو أيضًا إلى مراتب حياتية أعلى من رتبته كأن يُصبح إنسانًا مثلًا عن طريق الدعاء والتضرع طالما أنَّ الدكتور يقر لله بالقدرة على تغيير هذه الذوات أو الحقائق، ويقر لبعض المخلوقات مثل الإنسان أن يرتقي بتغيير حقيقته أو ذاته من حالة أقل أو أراد إلى حالة أعلى أو أفضل.

*******

ولقد قلنا من قبل: 

إنَّ الدكتور جعل خلق المخلوقات موقوفًا على إرادة ذواتها في العدم مَن رَغِب منها في الظهور أظهره الله، ومَن لم يرغب تركه الله على حاله مخالفًا بذلك قوله تعالى: 

«وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ» 

«الذاريات -  56»

  *******

ونود أن نسأل الدكتور كيف يكون العدم نارًا كما يقول ابن عربي، وبعض الذوات تطلب الخروج منه والأخرى لا ترغب في الخروج؟ أليس تأثير النار موحدًا على كل هذه الذوات، وهل يعني ذلك أنَّ النَّار كان لها وجود قبل خَلق الكون؟ 

إنَّ كلام ابن عربي إمَّا أن يكون حقيقة، فتكون النَّار هي النَّار التي نعرفها، وبذلك يُصبح قبول بعض هذه الذوات البقاء في العدم مثيرًا للغرابة، وإمَّا أن يكون تشبيهًا لبيان مدى صعوبة بقاء الذوات في العدم، وبذلك يظل السؤال مطروحًا، ما الذي يجعل بعض هذه الذوات قادرًا على البقاء في العدم الذي لا يُطاق، والبعض الآخَر يرغب في الخروج والفرار إلى الوجود؟ 

*******

ونود أن نسأله عن يوم القيامة، هل هو اليوم الذي تنتهي فيه حِكمة استمرار الحياة على الأرض لدى الله سبحانه وتعالى؟ 

أم ذلك الذي تُصبح فيه الذوات المُتبقية في العدم غير راغبة في الظهور؟ 

أم أنه اليوم الذي تخرج فيه كل الذوات الموجودة في العدم إلى الوجود؟ 

وإذا كان العدم حضرة كاملة لها خصائصها الأزلية كما يقول الدكتور، فمَن الذي أكسب هذه الحضرة خصائصها؟ 

ومَن الذي خلق هذه الذوات التي تعيش في جوف العدم؟ 

وإلى أي شيء يرجع اختلاف هذه الذوات عن بعضها البعض؟ 

وهل عدد هذه الذوات لا نهائي أم أنه عدد محدود؟ 

وما سر رغبة بعض الذوات في الخروج من العدم وتمسك البعض الآخَر بالبقاء فيه؟ 

وهل يقبل الدكتور أن تكون هناك حضرة ليس لها خالق غير الحضرة الإلهية؟ 

*******

ونقول لمَن قرأ ما سبق ولم يقتنع بنسبة هذه الفكرة للدكتور كمُعتنق وباعث لها من التراث الصوفي، يُمكنك الرجوع إلى كتابه «الروح والجسد» المقال الأخير بعنوان «هل كان لنا وجود قبل أن نُولد»، وهناك ستجده يتحدَّث عن ثنائية الوجود بلسانه مباشرةً ودون أن ينسب الكلام إلى ابن عربي أو غيره، ونذكر من هذا المقال قوله: 

«أنا لستُ مسألة طارئة استجدت بالميلاد وستنتهي بالموت، ولو أني كنتُ أمرًا طارئًا زائلًا لما كنت حقيقة، بل مجرد ظاهرة موقوتة، تلمع ثم تختفي فلا تعود، ولا تُصبح هناك حِكمةٌ في بعث وحساب وعقاب، وعلامَ العقاب ولا حقيقة هناك»، ولمَن أراد المزيد أن يرجع إلى هذا الكتاب «الروح والجسد» الصفحة الخامسة والتسعين ليقرأ مقال الدكتور كاملًا. 

*******

واستخدم الدكتور عددًا من الآيات القرآنية لتأييد فكرته، منها قوله تعالى: 

«وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا» 

«مريم - 9». 

والحقيقة أنَّ الدكتور مصطفى محمود لم يُفسِّر هذه الآية، ولم يُوضِّح كيفية دلالتها على ثنائية الوجود التي يقول بها، وإن كنَّا نلاحظ أنَّ الآية السابقة ضد هذه الفكرة عموديًّا على صراط مستقيم، فمعنى الآية أنَّ الإنسان قبل أن يُخلق لم يكُن شيئًا مذكورًا على الإطلاق ماديًّا أو معنويًّا، فهو مستحدث بكل تكوينه المادي والمعنوي إلا إذا حمَّل الدكتور الآية فوق طاقتها أو أضاف إليها من خياله. 

واستدل بقوله تعالى: 

«إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ»   

  «النحل - 40».

وقال في تفسير هذه الآية فيوجِّه الله الخطاب «أَن نَّقُولَ» أي لتلك الحقيقة في العدم وكأنما لها كينونة من نوع ما، وكأنما العدم غير معدوم. 

والحقيقة أنَّ تفسير الدكتور تحميل للآية السابقة فوق طاقتها وتطويع لها حتى تتمشى مع اعتقاده الشخصي، لأنَّ الخطاب في قوله تعالى «أن نقول له» موجَّه إلى ذلك الشيء الذي أراده الله عز وجل، أي أنَّ أصل الجُملة «أن نقول لهذا الشيء الذي أردناه»، ومن المعلوم أنَّ الشيء الذي يريد الله عز وجل خلقه هو كائن يمكن توجيه الخطاب إليه من الله ولو قبل خلقه، لأنه لا ولن يوجد ما يعوق الله سبحانه وتعالى عن خلق هذا الشيء، حتى من الناحية اللغوية، فإنَّ الضمير في «له» غير مناسب للذات أو الحقيقة في العدم التي يتحدَّث عنها الدكتور، إذ يُناسبها أن نقول «لها» وليس «له». 

*******

واستدل بقوله تعالى: 

«هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۚ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا» 

«الأحزاب – الآية 43».

وقال في تفسيره لهذه الآية الكريمة: 

وهذا الإخراج من الظلمة إلى النور هو عين ما يقول به ابن عربي في الإخراج من العدم، في حين جاء معنى «لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۚ» في تفسير ابن كثير «أنه بسبب رحمته بكم وثنائه عليكم ودعاء ملائكته لكم يخرجكم من ظلمات الجهل والضلال إلى نور الهدى واليقين»، والذي يؤكِّد هذا التفسير وصحته وخطأ فهم الدكتور للآية وبُعده عن الحق والحقيقة هو ختم الآية بقوله تعالى «وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا»، فلو كان المقصود هو الإخراج من العدم إلى الوجود لقال الله تعالى «وكان بالناس رحيمًا»، لأنَّ الإخراج من العدم إلى الوجود – كما يقول الدكتور نقلًا عن ابن عربي - كان للناس جميعًا وليس للمؤمنين خاصة، ولوضع في الذاكرة البشرية تلك الحقبة الزمنية التي يدَّعي الدكتور أننا قضيناها في العدم بما فيها من ظلمة ومعاناة حتى لا يُصبح قوله تعالى «وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا» زيادة غير واضحة المعنى. 

وفهم الآية وفقًا لتفسير ابن كثير هو الصواب المؤيد بالواقع، فالحياة قبل الرسالة المحمدية هي الظلمة بكل ما تحمل الكلمة من معنى، والحياة بعد الرسالة المحمدية هي النور الحقيقي الذي لا يمكن الحياة بدونه لا نور المصابيح الذي عشنا قبله وبعده دون فارق، والانتقال من الجاهلية إلى الإسلام هو الرحمة بعينها. 

وتأييدًا لنفس المعنى السابق جاء معنى قوله تعالى: «وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا» في تفسير ابن كثير، أي رحيمًا بهم في الدنيا والآخِرة، أمَّا في الدنيا فإنه هداهم إلى الحق الذي جهله غيرهم، وبصرهم الطريق الذي ضل وحاد عنه من سواهم من الدُّعاة إلى الكفر أو البدعة وأتباعهم من الطغاة، وأمَّا رحمته بهم في الآخِرة فآمنهم من الفزع الأكبر، وأمر ملائكته يتلقونهم بالبشارة والفوز بالجنَّة والنجاة من النَّار، وما ذاك إلا بمحبته لهم ورأفته بهم، ولذلك فإننا نقول باطمئنان إنَّ تفسير الدكتور الذي يتماشى مع اعتقاد ابن عربي لا يمكن أن يُقبل على أنه المعنى الوحيد للآية، ولا على أنه معنى خفي بجانب معناها الأصلي، لأنه معنى بعيد للغاية، ولم يأتنا من أهل التفسير، وإنما من بعض أهل التصوف والشطحات الذين جعلوا فكرة الإلهام والتعليم المُباشر عن الله عز وجل بديلًا عن الوحي بالنسبة لهم، فراحوا يكتبون من الأفكار التي أفرزتها عقولهم، ثم يزعمون للناس أنها "علم لادني"، يقصدون بذلك أنه علم يأتي من لدن الله عز وجل مباشرة يهبه لمَن يشاء من عباده. 

نعم تعليم الله عز وجل للبشر لا يتوقف، لكن هذا التعليم يدور في إطار تعميق الإيمان بوجود الله عز وجل، وتعريف المؤمنين بأسماء الله عز وجل وصفاته، وتعريفهم بشؤون دينهم وأهمية العبادات التي فرضها الله عز وجل عليهم، وعلى وجه العموم منحهم فهما أعمق لكتابه وسُنة نبيه مؤيدًا بما يدور حولهم من أحداث في كل البلدان، وبما تكشف عنه العلوم الدنيوية المختلفة، ويعرفهم بعظم أُثر هذه العبادات على حياتهم وما تجلبه لهم من سعادة وطمأنينة ورضا بكل الأحوال، وسكينة لا تتزعزع بأحداث الدنيا مهما كانت ثقيلة على غيرهم من البشر. 

ولا أظن - أنه من قبيل التعليم عن الله عز وجل - ما يقول به ابن عربي وينقله الدكتور مصطفى محمود من أنَّ الإنسان كان موجودًا من قبل أن يُخلق، ولكنه كان في صورة ذات في العدم لا تملك من أمر نفسها شيئًا وأنه في حالة سكون تام، ثم يعودا ليقولا لنا أنَّ بعض هذه الذوات طلب من الله عز وجل إخراجه من العدم، ولا نعرف كيف هي في حالة سكون تام، وكيف تُفاضل بين العدم والوجود! ثم تطلب الخروج من العدم لأنَّ العدم نار. 

لا أظن أنَّ التعليم عن الله عز وجل يشمل غيبيات لم يكشف عنها الله عز وجل في كتابه أو سُنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وحتى إن أفاء الله عز وجل على إنسان مؤمن ورأى في منامه أو حتى في يقظته شيئًا من الأشياء الغيبية المحجوبة عن عامة الناس، فهي هبات له وليس للحديث عنها أو ترويجها بين الناس، ذلك أن ما رآه رُبَّما كان وهمًا، ورُبَّما كان بفعل الشيطان.

*******

واستدل بقوله تعالى: 

«أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ» «النمل - 25».

ويقول الدكتور تحت هذه الآية: وأراد بذلك أنَّ الله يخرج الخبء من الذوات الموجودة في العدم، في حين جاء معنى «الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ  في تفسير ابن كثير: 

«أنه ما جعل فيهما من الأرزاق، المطرُ من السماء والنبات من الأرض، ويرى أنَّ ذلك مناسب من كلام الهدهد الذي جعل الله فيه من الخاصية ما ذكره ابن عباس وغيره من أنه يرى الماء في تخوم الأرض وداخلها». 

بالإضافة إلى أن الآية حددت موضع هذا الخبء بأنه في السماوات والأرض، والدكتور يفترض وجود هذه الذوات في العدم وليس في السماوات والأرض.

*******

واستدل بقوله تعالى: 

«إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ» 

«التوبة - 64».    

وأراد بذلك أن الله يجلو ما تضمره النوايا في العدم. 

والحقيقة أنه يكفينا لدحض هذا الدليل ودون أن نرجع إلى كُتُب التفسير أن نشير إلى أن الدكتور أتى بآخِر الآية الرابعة والستين من سورة التوبة وترك بداية الآية كصاحبنا الذي قال: «ويل للمصلين» ثم صمت، وذلك لأنَّ بداية هذه الآية تكشف أنها لا تتحدَّث عن ذوات أو نوايا في العدم، وإنما تتحدَّث عن المُنافقين في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، وكيف أنهم كانوا يظهرون له خلاف ما يضمرونه في أنفسهم والآية كاملة تقول: 

«يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُم بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ ۚ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ» 

«التوبة - 64».    

*******

واستدل بقوله تعالى: 

«وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ» 

«البقرة - 72».

وأراد بذلك أن الله يُخرج ما تكتمه الذوات في العدم، ويكشف طبائعها خيرة كانت أو شريرة، والرجوع إلى هذه الآية الكريمة في سورة البقرة كافٍ لإثبات عدم إمكانية استفادة هذا المعنى منها، ويكشف أنها لا تتحدَّث عن قاعدة عامة، وإنما تتحدَّث عن واقعة محددة، فالدكتور أيضًا قد أتى بآخِر الآية الثانية والسبعين وترك بدايتها، والآية كاملة تقول: 

«وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا ۖ وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ» «البقرة - 72».

*******

واستدل بقوله تعالى: 

«أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ» «محمد - 29». 

ومعنى الآية السابقة في تفسير ابن كثير، أي أعتقد المنافقون أنَّ الله لا يكشف أمرهم لعباده المؤمنين، بل سيوضِّح أمرهم ويُجليه حتى يفهمهم ذوو البصائر.

والملاحظ أنَّ معظم الآيات التي استعان بها الدكتور، هي آيات نزلت في مناسبات معينة بسبب وجود فئات من المنافقين مُعاصرين لنزول هذه الآيات أو سابقين لها، بما يُسببه وجود هذه الفئات من خطورة على الإسلام، فهم مسلمون في الظاهر كفار السرائر، فأراد الله سبحانه وتعالى أن يكشف هذه الفئات ليقضي على خطورتها، وأنها اشتملت على كشف لما يضمره هؤلاء المنافقين وهم على قيد الحياة حتى يأمن المؤمنون شرهم، وليس هناك أي إشارة من قريب أو بعيد على أنَّ المقصود ما تضمره هذه الذوات في العدم. 

ومن جهة أخرى، لو كان هذا النفاق مُلازمًا لذات صاحبه في العدم - حسبما تقول نظرية ثنائية الوجود - لما رأينا رجوع العديد من المنافقين عن نفاقهم وتوبتهم إلى الله. 

وتحدَّث الدكتور في كتابه «الروح والجسد» في مقال أخير بعنوان - "هل كان لنا وجود قبل أن نولد" - عن سابقة وجودنا قبل أن نمر بتاريخنا الطويل منذ خلق الله والدينا آدم وحواء، ولكنه لم يقصد هذه المرة الإشارة إلى ذوات المخلوقات في العدم، وإنما أشار إلى تواجدنا في أحسن صورة قبل أن نرد إلى أسفل سافلين أي الصورة التي نحن عليها الآن في الدنيا، وقد قال الدكتور في هذا المعنى: 

وفي القرآن الكريم إشارة خاطفة إلى هذه السابقة الوجودية قبل الميلاد: «لَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ فِيٓ أَحۡسَنِ تَقۡوِيمٖ * ثُمَّ رَدَدۡنَٰهُ أَسۡفَلَ سَٰفِلِينَ * إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ فَلَهُمۡ أَجۡرٌ غَيۡرُ مَمۡنُونٖ» «التين : 4 - 6».

ويتابع الدكتور قائلًا: 

ومعنى ذلك أنه كان هناك خلق أولي على أحسن تقويم، وهذه الخلقة لا يمكن أن تكون خلقتنا التي نعرفها في الدنيا، فجسمنا الذي يتعب ويمرض ويتلف ويشيخ ويموت. 

والله يصف كمال خِلقة السماء فيقول: «أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ» «ق - 6».   

أي ليس بها ثغرات أو نقاط ضعف، ومع ذلك فقد جعل الله في خلقتنا فرجًا وثغرة هي مدخل الشهوة والهوى، بل إنه سمَّى هذا الفرج سوأة وعورة، وقال فيما فعل إبليس بآدم وحواء بأنه «يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا» «الأعراف - 27».   

فكيف يكون بالخلق الذي جعله الله في أحسن تقويم ثغرة وسوأة وعورة، ولماذا سمَّى حياتنا هنا بالحياة الدنيا أو «السافلة أو الواطئة» إلا أن تكون هذه الحياة هي أسفل سافلين التي رُددنا جميعًا إليها بعد النشأة الكاملة في أحسن تقويم، أهبطنا الله في هذه الجبلة الطينية التي بها الفرج والسوأة لنعيش حياة الابتلاء والمُعاناة والمُكابدة. 

«لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي كَبَدٍ» «البلد - 4».

يحرمنا ممَّا نحب، ويُحَمِّلنا ما نكره، ليرى كيف يكون صبرنا واحتمالنا ولتظهر بذلك صفاتنا، وإنما يظهر الإنسان على حقيقته إذا حُرم ممَّا يحب، وإذا حُمِّل ما يكره فهنا تتفاضل النفوس، فهناك نفسٌ تحمد وتشكر ولا تعترض وتفوض الأمر لله عز وجل، وهناك نفس تُعاتب ربها وتحتج، وهناك نفس تسب الملة والدين وتتشاجر مع الله ومع الناس، وهناك نفس تتعجل وتقتل وتعتدي لتصلح حالها وتنهي حرمانها. 

وهكذا تتفاضل النفوس وتظهر الحقائق، ومن أجل هذا خلق الله الدنيا وأنزلنا إلى هذا المنزل في أسفل سافلين لتظهر لنا حقائقنا وما خلق الله السماوات والأرض إلا بالحق وللحق ولإظهار الحق. 

وفي آية أخرى يقول: «نَّحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ» «الإنسان - 28». 

ولقد فهم السلف «شد الأسر» بأنه أشبه بشد دعائم البناء وتقويته، ويتابع الدكتور قائلًا: ولكني أقول ولماذا لا نأخذ المعنى على ظاهره بأنَّ الله وضعنا في الأسر، في أسر الجبلة الطينية وشد وثاقنا، وبهذا أنزلنا من مرتبة الخلق في أحسن تقويم إلى عالم أسفل سافلين، وهو إهباطٌ عام لا استثناء فيه، وإنما استثناء الصالحين في الآية استثناء في الأجر بعد الموت.

«إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ» «التين - 6».

فالصالحون أيضًا يُردون إلى أسفل سافلين، ولكن لأنهم صبروا واحتسبوا وسابقوا إلى الخيرات، فلهم بعد الموت والخروج من عالم أسفل سافلين أجر غير مقطوع في الجنَّة، أمَّا المُجرمون فمصيرهم بعد الخروج من أسفل سافلين بالموت العقاب بأسفل سافلين أخرى هي العذاب الأبدي في الآخِرة، فهم في أسفل سافلين أبدًا.

انتهى المقتبس من حديث الدكتور مصطفى محمود. 

والحقيقة أنَّ الكلام السابق غير صحيح، وأنَّ أحسن صورة للإنسان هي تلك التي يحيا بها في الحياة الدنيا، فعن مفهوم الخِلقة في أحسن تقويم يقول ابن كثير رحمه الله عز وجل في تفسيره وقوله تعالى: «لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ» سورة التين - الآية 4.

هذا هو المقسم عليه، أنه تعالى خلق الإنسان في أحسن صورة وشكل، منتصب القامة، سوى الأعضاء حسنها، «ثُمَّ رَدَدۡنَٰهُ أَسۡفَلَ سَٰفِلِينَ»، أي إلى النَّار، قاله مجاهد وأبو العالية والحسن وابن زيد وغيرهم. 

ثم بعد هذا الحُسن والنضارة مصيرهم إلى النَّار إن لم يطع الله ويتبع الرُّسل ولهذا قال: «إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ»، وقال بعضهم: «ثُمَّ رَدَدۡنَٰهُ أَسۡفَلَ سَٰفِلِينَ»، أي إلى أرذل العمر، وروى هنا عن ابن عباس وعكرمة، حتى قال عكرمة من جمع القرآن لا يرد إلى أرذل العمر، واختار ذلك ابن جرير، ولو كان هذا هو المراد لما حسن استثناء المؤمنين من ذلك لأنَّ الهرم قد يُصيب بعضهم وإنما المراد ما ذكرناه كقوله تعالى: «وَٱلۡعَصۡرِ * إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَفِي خُسۡرٍ * إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ»، وقوله تعالى: «فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ» أي غير مقطوع كما تقدَّم. 

ونقول للدكتور مصطفى محمود: 

إنه إذا كان من اللازم لكمال خِلقة السماء أن تكون بلا ثغرات أو نقاط ضعف، فإنه ليس من اللازم أن يكون الإنسان بلا ثغرات، فالإنسان والسماء ليسا من جنس واحد، وكل منهما مخلوق له خصائص وتركيب مُخالف للآخر. 

والإنسان في حالته هذه في حالة توازن عجيب بين روحه وجسده، عقله وعواطفه، ضميره وغرائزه، حتى مشاعره لا بد أن تكون مزدوجة فهو يُحب ويكره، يرضى ويسخط، وفقدان أي جانب من هذه الجوانب يجعلنا أمام مخلوق آخَر تمامًا، فكيف يجعل الدكتور من مقتضيات كمال الإنسان أن يكون بلا غرائز. 

إنَّ رفع الغرائز عن الإنسان والتي تُحقق له توازنه كفيلٌ بتغيير ذاتية الإنسان، وتغيير جميع العلاقات التي يدخل طرفًا فيها حتى علاقته مع خالقه، ولو كانت الغرائز - رغم عدم إشباعها بالحرام - ممَّا يشين الإنسان، فلماذا جعل الله عز وجل في الجنَّة ما تشتهي الأنفس، وما قيمة قطوف الجنَّة الدانية، وما قيمة الحور العين، ولحم الطير، وأنهار العسل واللبن المُصفى، وما تشتهي الأنفس وتلذّ الأعين، والخمر التي يتلذذون بها دون أن تُغيب عقولهم أو تنفذ منهم، ما قيمة كل ذلك إذا كان الخلق الذي سنعيش به في الجنَّة في أحسن تقويم هو خلق روحاني مبرأ من الشهوات والغرائز. 

وإذا كان التركيب الذي نعيش به في الدنيا يشيخ ويمرض ويتبول ويعرق فهي نقائص مؤقتة سيتم رفعها عن الإنسان، وسيصبح له جسد يُناسب الخلود، ولا يعلم ماهية هذه النشأة الأخرى إلا الله سبحانه وتعالى، وأعتقد أنه خير ما نختم به بحثنا هذا قول الله سبحانه وتعالى: «مَّا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا»   صـدق الله العظـيم «الكهف - 51».


الجمعة، 31 أكتوبر 2025

عندما يعيش شعب حياة مسرح العرائس

 


عندما يعيش شعب حياة مسرح العرائس

كثير من الشعوب عاشت حينا من الدهر حياة مسرح العرائس، شعب ألمانية الناzية، وشعب إيطاليا الفاشستية وروسيا الشيوعية وغيرهم كثير.

الكتب الأدبية وكتب التاريخ في هذه الدول تؤكد أن هذه المراحل من عمر هذه الشعوب كانت في غاية القسوة ، فما أصعب أن تقوم بتعليق جميع أفراد الشعب في حبال ، ثم تعلق هذه الحبال في أصابع رجل واحد ليستخدم هؤلاء المواطنين في عرض مسرحي يشتمل على مسرحية واحدة.

مسرحية واحدة يكتبها نفس الرجل، ويكتب السيناريو والحوار، يحدد لكل مواطن الدور الذي سيؤديه والكلمات التي سينطق بها طوال العرض المسرحي ولو دام سنوات، ويحدد لهم الملابس التي يرتدونها في كل مشهد من المشاهد، ويحدد لهم رواتبهم عن هذه الأدوار والتي تزيد زيادة مفرطة كلما التزم المواطن بالدور والنص الموكل إليه، وكل ذلك في ظل تعليمات صارمة بعدم الخروج عن النص المكتوب. 

وما أسوأ حظه ذلك المواطن الذي ينطق بكلمة من خارج النص، أو يتحرك خطوة خارج المسار المحدد له، فالمسرح محاط بالحراس وبأيديهم مقصات عملاقة، ومدربين على قص الحبل إذا ما خرج المواطن المعلق به عن النص أو المسار، فيسقط المواطن الخارج عن قانون المسرح على أرض المسرح، فتنفتح فتحة عملاقة يسقط من خلالها الخارج عن قانون المسرح إلى بئر أسفل المسرح ليس له قرار، ومن سقط فيه حلت نهايته .

لقد عانى الشعب الألماني والإيطالي والروسي من حياة مسرح العرائس لسنوات طويلة، ذاقوا خلالها الحزن والكآبة والملل من تكرار المشاهد والكلمات والخطوات ، عانوا من غياب العدالة في توزيع الأدوار، فالمعيار الوحيد لمنحك دورا مميزا مريحا هو التزامك بالنص والكلمة والحرف.

وليت هذه الشعوب ذاقت طعم الراحة بعد ذلك، للأسف انتهت المسرحيات بنشوب الحرب العالمية الثانية التي تسببت في دمار دول أوربا واليابان وخلفت أكثر  من ستين مليون قتيل بخلاف الجرحى.

السبت، 25 أكتوبر 2025

قراءة تحليلية لكتاب ثنائية الوجود ( ٢)

قراءة تحليلية لكتاب ثنائية الوجود ( ٢ )

أولا يجب أن نعطى كل ذى حق حقه وننزل الناس منازلهم ومصداقا لقوله تعالى " ولاتنسوا الفضل بينكم ., يجب أن نشيد ونفتخر بكاتبنا الرائع الاستاذ محمد العمدة وانه لشرف وعلو منزلة لبلدتنا المباركة أن يكون لدينا كاتب مبدع يمتلك شجاعة فائقة على الكتابة والبحث واصطياد الافكار الابداعية وكما فعل سلفا فى كتابه الشهير ( قسطنطين امبراطور التوحيد الاسلامى ) جاء اليوم بفكرة جديدة فى كتابه ( ثنائية الوجود ) والذى استمتعت بقراءته عدة مرات ., وهالنى واسعدنى سعادة بالغة بقدرته على تقديم رؤى جديدة وفريدة والابتعاد عن تقليد الأخرين فى الاعمال الفكرية والإبداعية ., ولاحظت اهتمامه الكبير بالتفاصيل وقدرته الفائقة على البحث والتحليل علاوة على التطرق بشجاعة منقطعة النظير لموضوعات فريدة قد حيرت العقول والافهام من قبل , لاستكشاف واستجلاء الحقائق وكشف اللثام عن جوانب لم يكتشفها من سبقوه ., ثانيا كتاب ( ثنائية الوجود ) وعدد صفحاته مائتان واربعون صفحة بطباعة فاخرة وتم طبعه بدار نشر ( كتبنا kotobna ) ويحتوى على اربعة عشرة فصلا واستهل كاتبنا كتابه برسالة لروح والده ووالدته رحمهما الله ثم علاوة على اهداء وخاتمة ., فى الفصل الاول تناول بإستفاضة " ثنائية الوجود خطيئة ابن عربى ومصطفى محمود " وكان هجومه ونقده يصب بجام غضبه واستنكاره على الدكتور مصطفى محمود رحمه الله فى أغلب السطور وبرغم أن تلك الخطيئة التى ارتكبها الدكتور مصطفى محمود والتى أوردها فى تأملاته عن جواهر وذوات المخلوقات الموجودة مع الله ولها صفة القدم والأزلية ماهى الا نتاج عقلى ضال انتجه الدكتور مصطفى محمود قبل رحلته مابين الشك والايمان وتراجع عنه أواخر ايامه و بحثت كثيرا فى هذه النقطة وتأكدت من ذلك ., ثم جاءت فكرة " ثنائية الوجود التى تخالف عقيدة التوحيد فى فصل الكتاب الثانى " ثم أورد كاتبنا أراء ابن قيم الجوزية والامام ابوحامد الغزالى فى فلسفة وفكر ابن عربى وقدم الوجود واعتبار أن كلامه افك وانه زنديق ملحد ولايتصور أن يثنى أحدا على افكاره إلا كافر ملحد أو جاهل ضال ., دعم كاتبنا ضلالة ابن عربى بالامامين العظيمين ابن قيم الجوزية وابوحامد الغزالى ., ونسى جهلا أو متعمدا أن هناك كثير من الأمة القدامى والمحدثين استحسنوا افكار محى الدين بن عربى واعتبروه امام الصوفية الأكبر امثال الرازى وابن الرشد والعز بن عبدالسلام وفريد الدين العطاروشهاب الدين السهرودى وجلال الدين الرومى وابن حجر العسقلانى والقاضى الفقيه كمال الدين الزملكانى وابوحيان الاندلسى والفقيه المحدث على بن محمد الباجى الشافعى المتوفى سنة 714 هجرية والذى له تصنيف يرد فيه على ابن القيم الجوزية وابن تيمية ايضا ., وحتى فى عصرنا الحديث هناك الكثير من دافع عن فكر بن عربى وانتفوا عنه الكفر والردة ., وانا هنا لست مدافعا عن ابن عربى ولست ممن يعتننق الفكر الصوفى ولست من انصار فلسفة الميتافزيقا والماورئيات من الاساس ., ولكنى مجرد ناقل ., وفى فصل أخر استعرض كاتبنا تطابق افكار ابن عربى مع فكر القديس توما الاكوينى., وتحدث فى فصل أخر عن الكشوفات الالهية لأبن عربى وخطورتها وتحدث عن ازلية السيد المسيح والسيدة مريم العذراء عليهما السلام فى اللاهوت المسيحى وألوهية السيدة مريم لدى الاقباط الفاتيكان والارثوذكس وفى فصل أخر تناول احكام التوحيد عند الموحد أريوس والذى كان قد سبق أن خصص له مساحة كبيرة فى كتابه قسطنطين امبراطور التوحيد الاسلامى , فى فصل اخر تكلم الاستاذ محمد العمدة عن ابداعات محى الدين بن عربى فى مجال عقيدة التوحيد فى الاسلام ., وأختتم كاتبنا كتابه بفكرة " أن الله قد خلق الانسان على صورته " الكتاب فى فكرته عبارة عن قنبلة فكرية قادرة على توليد الأفكار الجديدة وتحويل مسار النقاشات والابحاث بشكل فريد واحداث ثورة فى طريقة النظر والبحث فى موضوع قد قتل بحثا قديما واستهلك الأقدمون كل مالديهم من أدوات فى طرق البحث والتفكير وسارت عليه جدليات سرمدية وحروب فكرية مابين فريق مؤيد وأخر معارض ., واحتاج اليوم لطريقة جديدة ابداعية تساعد على خلق افكار جديدة تساعد الحيارى والمتشككين للوقوف على الحقائق الكاشفة والبراهين الساطعة كى تضع الأمور فى نصابها ., ولكنى فى النهاية وبعد قراءتى للكتاب وقراءة الكثير من افكار الامام محى الدين بن عربى وقراءة كتابى الوجود والعدم للدكتور مصطفى محمود رحمهما الله قد تبين الله بأن الاستاذ محمد العمدة كان محقا فى كثير مما كتبه فى كتابه ولكنه لم يوفق تماما فيما ورد فى تذييل عنوان كتابه بعبارة ( خطيئة ابن عربى ومصطفى محمود ) ولا أدرى كيف تتملكنى الشجاعة الادبية الأن كى اراجع الكاتب فى هذه العبارة بالذات ., ولكننى لدى قناعات ومعتقدات فكرية نشأت عليه منذ أن كنت أحبو صغيرا فى عالم القراءة والمطالعة فى جميع صنوف الكتب والادب ., وهى ترتكز على مقولة قرأتها للفليسوف الصينى قديما ( سأفتح نوافذى للرياح على ألا تقتلعنى من مكانى ) والمقصود هنا رياح الافكار والمعتقدات طالما أنا ثابت وعلى يقين مما أعتنق من افكار ., وهناك ملايين بل مليارات الافكار السليمة منها والشاذة والتى تبناها فلاسفة عرب ومسلمين وغربيون طرحت الفكر السليم منه والسقيم والسوى والغير مقبول والمفيد منها والضال المضل ., وهناك افكار فيها الكفر البواح الذى يجب دحضه وانكاره ., وهناك الافكار التى تحمل مضامين كثيرة ورموز واشارات عديدة وظاهرها ليس كباطنها ., وهذا كان منهاج الامام محى الدين بن عربى فى جميع تصانيفه وكتبه ., يجعل مراهقى الفكر فى حيرة مما يقرأون وبرعونة شديدة يذهبوا الى زندقته وتكفيره ., ولدى ايمان بأن كل كاتب وكل اديب وكل مفكر من الذين مروا على تاريخ البشرية دأبوا واجتهدوا وانتجوا لنا من عصارة افكارهم لأصلاح العالم والبشرية وماأشبههم بأنبياء يرفعون بشعلة العلم والنور لإصلاح العالم وتقديم افكارا تعالج واقعهم مثلما حدث فى الثورة الفكرية فى عصر التنوير والذين اشعلوا ثورة العقل والعلم والحرية والتسامح واعقب ذلك ثورة صناعية وتكنولوجية هائلة أدت لما نحن فيه الان من تقدم ورقى ., ولا أجد هنا أعظم من ابن عربى والدكتور مصطفى محمود فيما اسهموا بأفكارهم لرقى ورفعة وسمو البشرية  ومن الاجحاف والظلم تخطيئهم وزجرهم ووضعهم فى مواضع لاتليق بمكانتهم الساطعة الرائعة والله يعلم وأنتم لاتعلمون ., وفى النهاية سنترك المجال فى هذا المنشور المتواضع لكاتبنا ومفكرنا العبقرى الاستاذ محمد العمدة كى يطلعنا ويفيدنا بما لم نستوعبه ونفهمه من بين سطوره ويزيل عنا غمامة الجهل وغشاوة الألتباس  وكى نستفاد من علمه وفكره نفعنا الله بعلمه ., والله الموفق لرفعة كلمة الحق وراية التوحيد ..

سعيد الكوممباوى فى 22 اكتوبر 2025



قراءة تحليلية لكتاب ثنائية الوجود (١)

قراءة تحليلية لكتاب ثنائية الوجود ( ١ )

بقلم الأستاذ سعيد الكوممباوي

 موجز فكرة كتاب " ثنائية الوجود خطيئة ابن عربي ومصطفى محمود " للاستاذ محمد العمدة .

يقول الاستاذ محمد العمدة فى كتابه ( ثنائية الوجود ) بأن الله سبحانه وتعالى موجود منذ الأزل . أى بلا بداية  ولم يكن معه شيىء من مخلوقاته على الاطلاق وماسواه هو العدم ., ثم أنه سبحانه خلق الكون بما فيه من مخلوقات بعد أن مر حين من الدهر لم تكن تلك المخلوقات شيئا مذكورا .,فتلك الموجودات وتلك المخلوقات لاتتصف بالأزلية ., ومن يضفى على أى مخلوق من مخلوقات الله صفة الأزلية فقد أشرك مع الله غيره فى صفة من صفاته اللصيقة به دون سواه ., بل من أضفى على مخلوق صفة الأزلية فهو يقول بالضرورة أن هذا المخلوق ليس مخلوقا , لأن الذى ليس له بداية ليس له خالق كشأن رب العزة سبحانه وتعالى !! , ويواصل الاستاذ محمد العمدة ويسهب فى فكرته ويقول " الى كل يؤمن بما سلف اضع بين أيديكم فكرة ( ثنائية الوجود ) والتى تناولها الدكتور مصطفى محمود رحمه الله فى كتابيه ( الوجود والعدم والسر الاعظم والتى سار فيها على نهج الامام محى الدين بن عربى وأراد أن تكون بديلا لأحادية الوجود بغرض الوصول الى حل معضلة أزلية لدى المدارس الفلسفية الأسلامية وهى ( التسيير والتخيير )  كما سيرد فيما بعد حسب تصوره ., برغم  أن علاقة القضاء والقدر ومصيره لاصعوبة فى فهمها ., ويدعى فيها الدكتور مصطفى محمود اقتباسا من افكار محى الدين بن عربى فى كتابه الشهير ( فتوحات مكية ) أن جواهر أوحقائق أو حتى ذوات المخلوقات والتى هى خيرة أو شريرة بطبيعتها موجودة مع الله منذ الأزل , أى ليس لها بداية وليس لها خالق ومن هنا جاءت التسمية ( بثنائية الوجود ) أى أن الله وذوات المخلوقات قد وجدا معا منذ الأزل وانه ليس لله سبحانه وتعالى فى ذلك أسبقية على تلك الذوات الغير مخلوقة ., تعالى الله سبحانه علوا كبيرا وشرع الاستاذ محمد العمدة الى تأصيل فكرة الوحدانية فى كتابه ودحض كل مايخالف ذلك ., لذلك جاء فى عنوان كتابه ( خطيئة ابن عربى ومصطفى محمود ) واعتمد الاستاذ العمدة فى كتابه على مصادر كثيرة لدحض تلك الافكار وان الله سبحانه خلق الكون وأوجده بعد عدم ولم يكن معه شيىءوالكون كله مخلوق محدث لم يكن له وجود قبل أن يخلقه الله سبحانه ويوجده بقدرته ., ولسوف استعرض فى منشورات قادمة مقتطفات لكتاب محمد العمدة وبعض من مقتطفات كتاب الوجود والعدم والسر الاعظم للدكتور مصطفى محمود ., ولكن ليست هاهنا المشكلة !! ولكن المشكلة بعد شهور من القرأءة فى فكر محى الدين بن عربى وفكر المدارس الفلسفية وجميع كتب وافكار الصوفية أكتشفت أن الاستاذ كان محقا لمراجعة افكار الدكتور مصطفى محمود رحمه الله ولكنه أخطأ هو ( أعنى الاستاذ محمد ) فى الزج بالأمام محى الدين بن عربى فى هذا الموضوع ., لأن من قرأ لأبن عربى جيدا ويتطلب هذا عقلا ناضجا وقلبا ناصعا وفكرا مستنيرا يجد أن الرجل استخدم اسلوب الرموز والاشارات والايحاءات المبهمة لخواص الخواص وأنه فى كل كلمة كتبها كان يذهب الى الله قديم أزلى قبل أن يخلق الكون ويوجده لافتتاح لوجوده ولانهاية لبقائه ., وإليكم ماقاله الشيخ محى الدين بن عربى فى مقدمة كتابه ( الفتوحات المكية ) ويقول الامام " أن الله تعالى إله واحد، لا ثاني له في ألوهيته مُنزّه عن الصاحبة والولد، مالك لا شريك له مَلِكٌ لا وزير له، صانع لا مدبّر معه، موجود بذاته من غير افتقار إلى موجد يوجده، بل كل موجود سواه مفتقر إليه تعالى في وجوده، فالعالم كله موجود به، وهو وحده متّصف بالوجود لنفسه، لا افتتاح لوجوده، ولا نهاية لبقائه، بل وجود مطلق غير مقيّد قائم بنفسه، ليس بجوهر متحيّز فَيُقّدَّر له المكان، ولا بِعَرَضٍ فيستحيل عليه البقاء، ولا بجسم فتكون له الجهة والتلقاء، مقدّسٌ عن الجهات والأقطار، مرئيٌّ بالقلوب والأبصار، إذا شاء استوى على عرشه كما قاله، وعلى المعنى الذي أراده، كما أن العرش وما سواه به استوى، وله الآخرة الأولى، ليس له مثل معقول ولا دلّت عليه العقول، لا يحدّه زمان ولا يقلّه مكان، بل كان ولا مكان، وهو على ما عليه كان، خلق المتمكّن والمكان، وأنشأ الزمان، وقال أنا الواحد الحيّ لا يؤوده حفظ المخلوقات، ولا ترجع إليه صفة لم يكن عليها من صنعة المصنوعات، تعالى أن تحله الحوادث أو يحلها، أو تكون بعده أو يكون قبلها، بل يقال كان ولا شيء معه، فإن القَبْل والبَعْد من صيغ الزمان الذي أبدعه فهو القيّوم الذي لا ينام، والقهار الذي لا يُرام، ليس كمثله شيء."" اكتفى هنا بموجز ماقاله الشيخ فى مقدمة كتابه ولسوف أورد فى منشور مستقل بذاته مقدمة الشيخ بن عربى ., لا لشيىء سوى أن أثبت أن الاستاذ محمد العمدة زج بالشيخ محى بن عربى انتصارا لهوى شخصى وعام لدى الكاتب ., شخصى لأن الاستاذ محمد العمدة مثلى ومثل الكثيرون البرجماتيون الذين لايؤمنون بعلم الماورائيات والميتافيزيقا وعام لأن الشيخ على مر العصور كانت افكاره وكتبه تناولها الكثير من الفقهاء والأمة بالنقد والتقريع واحيانا اتهامه بالردة والتكفير لصعوبة اسلوبه وغموض معانيه وعمق اشاراته ودلالاته ,., وانا هنا لست مدافعا عن الشيخ بن عربى ولست أهلا لذلك ولكن احقاقا للحق الدكتور مصطفى محمود والشيخ بن عربى من مدرستين فكريتين مختلفتين تماما ومن موقعين فكرين بعيد البعد تماما ناهيك على أن كلاهما من زمنين مختلفين تمام الاختلاف ., ولسوف نلقى الضوء أكثر واكثر فى منشورات قادمة بإذن الله تعالى وحوله .................... 

سعيد الكوممباوى



الاثنين، 6 أكتوبر 2025

عاصمة الإمبراطورية الرومانية تنتفض من أجل غزة

 #عاصمة_الإمبراطورية_الرومانية_تنتفض_من_أجل_غزة

ألم أقل لكم أن الشمس أشرقت من المغرب، وأن القيامة أوشكت، قال الله عز وجل:

( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا )

سورة النساء ـ ١٤٥


الفأر قطع ذيله ليهرب من السجن

 #الفأر_قطع_ذيله_ليهرب_من_السجن

هذه قصة حقيقية يشهد الله عز وجل على حدوثها منذ أيام قليلة.

تسلل فأر إلى بيتي، وتسبب في حالة ذعر في المنزل، كلما خرج من غرفة ليتجول في المنزل علت أصوات صياح أبنائي وبدأوا في الطيران، كل واحد في اتجاه حتى لا يعرقل بعضهم بعضا .

جربنا الأوراق اللاصقة، لكن يبدو أن الفأر كان يعرف حقيقة هذا الاختراع، وأخيرا أحضرنا المصيدة ووضعنا فيها واحدة طماطم، ووقع الفأر في المصيدة، وأحاطت به أسوارها من جميع الجهات.

دخلت أنا وأبنائي إلى الغرفة التي اعتقل فيها الفأر، فوجدناه يتحرك بأقصى سرعة في جميع الاتجاهات ويرتطم بكل جانب من جوانب المصيدة، فيرتد ليجري في اتجاه آخر فيرتطم بجانب آخر من جوانبها، واستمر على هذا الحال دون توقف أو كلل أو ملل، وأحيانا كان يتوقف ويحاول أن يقرض حديد المصيدة بأسنانه.

بدأت أنا وأبنائي نفكر: ماذا سوف نصنع به؟

قال أحدنا: أنا سمعت أنه يتم قنله بالماء الساخن، وقال آخر: كلا يتم قتله بالسم ، فقلت لهم: أعتقد أن هذه الوسائل القاسية محرمة، أرى أن نطلق سراحه في منطقة خالية ليس بها منازل، وبحثنا في مواقع التواصل الاجتماعي عن فتوى، واستقر الحوار على اقتراحي.

بدأت أنا وابني نفكر : من الذي سيتطوع #الفأر_قطع_ذيله_ليهرب_من_السجن

هذه قصة حقيقية يشهد الله عز وجل على حدوثها . 

منذ أيام قليلة تسلل فأر إلى بيتي، وتسبب في حالة ذعر في المنزل، كلما خرج من غرفة ليتجول في المنزل علت أصوات صياح أبنائي وبدأوا في الطيران، كل واحد في اتجاه حتى لا يعرقل بعضهم بعضا .

جربنا الأوراق اللاصقة، لكن يبدو أن الفأر كان يعرف حقيقة هذا الاختراع، وأخيرا أحضرنا المصيدة ووضعنا فيها واحدة طماطم، ووقع الفأر في المصيدة، وأحاطت به أسوارها من جميع الجهات.

دخلت أنا وأبنائي إلى الغرفة التي اعتقل فيها الفأر، فوجدناه يتحرك بأقصى سرعة في جميع الاتجاهات ويرتطم بكل جانب من جوانب المصيدة، فيرتد ليجري في اتجاه آخر فيرتطم بجانب آخر من جوانبها، واستمر على هذا الحال دون توقف أو كلل أو ملل، وأحيانا كان يتوقف ويحاول أن يقرض حديد المصيدة بأسنانه.

بدأت أنا وأبنائي نفكر: ماذا سوف نصنع به؟

قال أحدنا: أنا سمعت أنه يتم قنله بالماء الساخن، وقال آخر: كلا يتم قتله بالسم ، فقلت لهم: أعتقد أن هذه الوسائل القاسية محرمة، أرى أن نطلق سراحه في منطقة خالية ليس بها منازل، وبحثنا في مواقع التواصل الاجتماعي عن فتوى، واستقر الحوار على اقتراحي.

بدأت أنا وابني نفكر : من الذي سيتطوع فينا بحمل المصيدة؟، أبعدنا الفتيات، وقلنا لهن: اذهبن بعيدا عن هذه الغرفة، فالأمر جد خطير، ربما تنفتح المصيدة ويهرب الفأر وتتعرضن لمخاطر جسيمة، واستجبن للطلب وخرجن من الغرفة مسرعات، وجلسن في الصالة متأهبات للهرب في حال لو أفلت الفأر.

بدأت المشاجرة بيني وبين ابني محمود: من الذي سيحمل المصيدة، كل منا يخشى عضة الفأر، حيث يقال أنها تحتاج إلى حقن مثل عضة الكلب، وأخيرا أحضرت كيس غطيت به جانبا من المصيدة ويداي ترتعش بقوة حتى أوشكت المصيدة أن تسقط من يدي ويهرب الفأر ويضيع الحلم العربي بالسيطرة على الفأر، ثم وضعت المصيدة في كارتونة، وانطلقت إلى الشارع وابني خلفي وفي ظهري لكي يؤمن العملية. 

وفي الشارع وجدنا أحد الأقارب بسيارته، ووضعنا الفأر في شنطة السيارة وصاحبها يقول: يا رب استرها ، وعلى وجهه علامات الهلع خشية أن ينطلق الفأر من المصيدة في شنطة السيارة ومنها إلى كابينة القيادة.

وصلنا إلى الربع الخالي، ووقفت أنا وابني خلف حجر كبير لنفتح باب المصيدة في الناحية الأخرى من الحجر خشية أن ينطلق الفأر فيدخل في جلباب أحدنا.

وأخطر ما لفت نظري في الأحداث وأشهدت الله عز وجل على حدوثه، أنني وبعد أن تحليت بأقصى درجات الشجاعة وفتحت باب المصيدة بصعوبة، كان ذيل الفأر قد دخل في احدى فتحات باب المصيدة ، فإذا بالفأر والله أعلم يضغط بأرجله الخلفية بكل قوة حتى يقفز من المصيدة ويعود حرا طليقا بعيدا عن أسوار المصيدة الكئيبة التي ظل محبوسا فيها حبسا انفراديا بضعا من الساعة ، نعم بضعا من الساعة، ومع ذلك لم يتحملها، وساءت خلالها حالته النفسية لدرجة أنه ضحى بجزء من جسمه حتى يسترد حريته .

إلى هذا الحد يعشق الفأر الحرية، إلى هذا الحد يكره القيد حتى ضحى بذيله ليسترد حريته؟

إذا كان هذا هو حال الفأر، فما هي أحوال آلاف البشر ، وربما ملايين البشر المحبوسون منفردين في المصائد البشرية التي اكتظت بها أوطاننا العربية .

اللهم لا تكتب السجن على أحد، اللهم حرر المعتقلين في كل مكان لاسيما الأبرياء ، فإن تجربة السجن هي أقسى تجربة يمر بها إنسان، ومن قسوتها لم يتحملها الفأر لمدة ساعة فاختار أن يعيش بلا ذيل على أن يعيش سجينا .

اللهم إنك قلت وقولك الحق ( أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) الملك ـ ١٤، اللهم فك أسر المعتقلين، وانصر أهل غزة واكشف عنهم الضر، وحررهم من بلطجية العالم ..فينا بحمل المصيدة؟، أبعدنا الفتيات، وقلنا لهن: اذهبن بعيدا عن هذه الغرفة، فالأمر جد خطير، ربما تنفتح المصيدة ويهرب الفأر وتتعرضن لمخاطر جسيمة، واستجبن للطلب وخرجن من الغرفة مسرعات، وجلسن في الصالة متأهبات للهرب في حال لو أفلت الفأر.

بدأت المشاجرة بيني وبين ابني محمود: من الذي سيحمل المصيدة، كل منا يخشى عضة الفأر، حيث يقال أنها تحتاج إلى حقن مثل عضة الكلب، وأخيرا أحضرت كيس غطيت به جانبا من المصيدة ويداي ترتعش بقوة حتى أوشكت المصيدة أن تسقط من يدي ويهرب الفأر ويضيع الحلم العربي بالسيطرة على الفأر، ثم وضعت المصيدة في كارتونة، وانطلقت إلى الشارع وابني خلفي وفي ظهري لكي يؤمن العملية. 

وفي الشارع وجدنا أحد الأقارب بسيارته، ووضعنا الفأر في شنطة السيارة وصاحبها يقول: يا رب استرها ، وعلى وجهه علامات الهلع خشية أن ينطلق الفأر من المصيدة في شنطة السيارة ومنها إلى كابينة القيادة.

وصلنا إلى الربع الخالي، ووقفت أنا وابني خلف حجر كبير لنفتح باب المصيدة في الناحية الأخرى من الحجر خشية أن ينطلق الفأر فيدخل في جلباب أحدنا.

وأخطر ما لفت نظري في الأحداث وأشهدت الله عز وجل على حدوثه، أنني وبعد أن تحليت بأقصى درجات الشجاعة وفتحت باب المصيدة بصعوبة، كان ذيل الفأر قد دخل في احدى فتحات باب المصيدة ، فإذا بالفأر والله أعلم يضغط بأرجله الخلفية بكل قوة حتى يقفز من المصيدة ويعود حرا طليقا بعيدا عن أسوار المصيدة الكئيبة التي ظل محبوسا فيها حبسا انفراديا بضعا من الساعة ، نعم بضعا من الساعة، ومع ذلك لم يتحملها، وساءت خلالها حالته النفسية لدرجة أنه ضحى بجزء من جسمه حتى يسترد حريته .

إلى هذا الحد يعشق الفأر الحرية، إلى هذا الحد يكره القيد حتى ضحى بذيله ليسترد حريته؟

إذا كان هذا هو حال الفأر، فما هي أحوال آلاف البشر ، وربما ملايين البشر المحبوسون منفردين في المصائد البشرية التي اكتظت بها أوطاننا العربية .

اللهم لا تكتب السجن على أحد، اللهم حرر المعتقلين في كل مكان لاسيما الأبرياء ، فإن تجربة السجن هي أقسى تجربة يمر بها إنسان، ومن قسوتها لم يتحملها الفأر لمدة ساعة فاختار أن يعيش بلا ذيل على أن يعيش سجينا .

اللهم إنك قلت وقولك الحق ( أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) الملك ـ ١٤، اللهم فك أسر المعتقلين، وانصر أهل غزة واكشف عنهم الضر، وحررهم من بلطجية العالم ..



الخميس، 13 مارس 2025

مريم الإلهة بين الفاتيكان والأدب الكاثوليكي

 #كتابي_الجديد_في_معرض_القاهرة_الدولي_للكتاب

وقعت في يدي بمحض الصدفة رواية "By the River Piedra I sat Down and Wept" ، "على ضفاف نهر بييدرا جلست وبكيت" للروائي البرازيلي الكاثوليكي المعروف باولو كويلو . 


باولو كويلو كتب روايته بلغته الأصلية "البرتغالية" ونشرها عام 1994م، وترجمها الكاتب Alan R. Clarke "ألان كلارك"من اللغة البرتغالية إلى الإنجليزية ، وأثناء قراءتي للرواية لاحظت أنها تروج لألوهية السيدة مريم العذراء رضي الله عنها وأرضاها .


ولما كانت السيدة مريم تخص المسلمين كما تخص المسيحيين، ولما كانت روايات باولو كويلو تُترجم إلى اللغة العربية وتُنشر في كثير  من البلدان العربية ، كان لزاما علي أن أناقش ما تم طرحه من معتقدات تتعلق بها.


تحولت من مرحلة القراءة للرواية إلى ترجمتها ترجمة دقيقة حتى أتبين ما يعتقده باولو كويلو بخصوص السيدة مريم ، كما بدأت في ذات الوقت دراسة العلوم المريمية التي يعتنقها الفاتيكان باعتباره المرجعية الدينية الأساسية للطائفة الكاثوليكية التي ينتمي لها باولو كويلو.


ونتائج البحث أنشرها لكم في هذا الكتاب ( مريم الإلهة بين الفاتيكان والأدب الكاثوليكي ) لتستمتعوا برواية باولو كويلو العاطفية الشيقة "على ضفاف نهر بييدرا جلست وبكيت" ، لنكتشف سويا: 

هل هدف الرواية هو الترويج لألوهية السيدة مريم العذراء من عدمه ؟ ، وهل تتفق الرواية فيما صرحت به عن مريم العذراء مع نتائج العلوم المريمية التي يعتنقها الفاتيكان ؟ ، هل تتفق مع القرارات التي أصدرها مجمع الآباء الكاثوليك ؟

من يرغب في شراء الكتاب عبر البريد ، فإن رابط إرسال طلب الشراء على بوست دار نشر ( كتبنا ) أدناه .

                                            د محمد محمود العمدة

الخطر الشيعي على الأمن القومي العربي

 

#إلى_من_يتباكون_على_بشار_الأسد
#الخطر_الشيعي_مسألة_أمن_قومي
في الوقت الذي حول فيه بشار سوريا إلى جحيم ، وحول الشعب السوري إلى أشلاء، كان يحظى بدعم كبير من بعض الحكام العرب لدرجة أنهم دعوه لحضور القمة العربية الأخيرة دون  أدني مراعاة لمشاعر الشعب السوري ، بل دون أدنى مراعاة لمشاعر الشعوب العربية جميعها .

وعندما كان الحشد الشعبي الشيعي يرتكب أفظع الجرائم في حق أهل السنة في سوريا ، كان أيضا يحظى بترحيب وتأييد حكومات عربية ، وشاهدنا فنانين وممثلين مصريين يذهبون إلى سوريا لتشجيعهم على الاستمرار في مجازرهم .

عندما نرى هذا التأييد الكاسح لطائفة الشيعة ضد السنة في أي دولة عربية، وعندما نرى حكومات عربية تتباكى على رحيل بشار الأسد وشيعته فهذا يدل على جهل هؤلاء جميعا بالخطر الشيعي ، رغم أنه خطر كبير يهدد كل الشعوب العربية حكاما ومحكومين .

كنت قد نشرت مقالين عن هذا الأمر ، وأعيد الآن نشرهما ، لعل من لا يعرفون أن الخطر الشيعي من أهم مسائل الأمن القومي المصري والعربي يتنبه لهذا الخطر، ويمنح تأييده لمن يستحق هذا التأييد، وهذا مشروط بحسن نيتهم، أما إن كانوا يؤيدون بشار لدرجة الحزن على رحيله وهم على علم بخطورته وخطورة شيعته فهذه كارثة كبرى لا حل لها إلا من الله عز وجل الذي يدبر الأمر في السماوات والأرض.
وإليكم المقالين :
                            #المقال_الأول
                  
                   #كيف_أشعل_الخميني_الثورة_الإيرانية

لا جدال في أن الخميني هو صانع الثورة الإيرانية ، وأن كتابه " الحكومة الإسلامية " والذي يسميه البعض " ولاية الفقيه " كان خريطة طريق الثورة التي سار الثوار الإيرانيون على نهجها .

لقد استطاع الخميني أن يصنع ثورة استنادا إلى عقيدة باطلة ، وهي عقيدة الشيعة الإمامية الإثني عشرية ، تلك العقيدة القائمة على أن وجود إمام يحكم المسلمين بعد وفاة النبي ( ص ) هو فريضة إسلامية ، الإمام إذن عند الشيعة هو من يقوم مقام النبي صلى الله عليه وسلم ، فكما أن النبي صلى الله عليه وسلم ومن سبقه من الأنبياء كانوا حجة على الناس لأنهم أبلغوا الرسالة، فكذلك لابد من إمام في كل زمن ليكون حجة علي الناس، ولا يخلو عندهم زمن من الأزمان من الحجة .

الإمام عندهم معصوم من كل خطأ صغيرا كان أو كبيرا ، والإمام موصوف بأوصاف تكاد أن تجعل منه إلها أو بالأدنى موصوفا بصفات إلهية، فهو يعلم الغيب، وهو يجمع العلوم من عهد آدم وحتي تقوم الساعة، وهو لا يخطئ ، والإمام لا يختاره المسلمون، وأنّى لهم أن يختاروه، وإنما يختاره ربه .

وتعيين الإمام الأول من منظورهم " سيدنا علي بن أبي طالب " تم بوصية النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم أوصى سيدنا علي بن أبي طالب لابنيه الحسن والحسين رضي الله عنهما وحفيده علي بن الحسين ، وهكذا يوصي كل إمام لمن بعده .

وحين سقطت نظرية الإمامة - وهي ساقطة منذ وضعها - والتي كانت تزعم أن الإمامة سوف تظل تنتقل في ذرية سيدنا علي حتى يوم القيامة - باختفاء الإمام الثاني عشر وانقطاع سلسلة توريث الأئمة - ، تحول الإمام الثاني عشر إلى شخصية أسطورية اختفت لتعود يوما ما لتملأ الأرض عدلا ورخاءً " المهدي المنتظر ".

بعض مراجع الشيعة تفيد أن الإمام الحادي عشر لم ينجب ولدا مما أثار حيرة الشيعة بشأن نظرية الإمامة التي ابتدعوها وتصوروا أنها سوف تظل مستمرة ليوم القيامة في ذرية سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، والبعض يقول أنه أنجب ولدا أسماه محمد وهو الإمام الثاني عشر لكنه اختفى في صغره .

بعد اختفاء الإمام الثاني عشر محمد بن علي بن الحسن عام ٢٦٠ه‍ فيما سمي عند الشيعة بالغيبة الصغرى ثم الكبرى ، أصبح الشيعة في مأزق لاسيما بعد أن طالت غيبته قرابة الألف عام أو يزيد وهم يرون أن الدين لا يقوم إلا بالإمام  .

ولكي يحل الشيعة الإثنى عشرية هذه المشكلة ادعوا أن الإمام الثاني عشر لم يمت وأنه غائب ، وأنه هو المهدي المنتظر الذي سيظهر آخر الزمان .

ورغم ذلك استمرت مشكلة الشيعة الإثنى عشرية قائمة طيلة ألف عام، كيف نقيم الدين بدون إمام ، إلى أن تمكن الخميني من حل هذه المعضلة في كتابه " الحكومة الإسلامية ".

كتاب " الحكومة الإسلامية " عبارة عن ثلاث عشرة محاضرة ألقاها على طلّاب العلوم الدينيّة في النجف عام ١٩٦٩م تحت عنوان "ولاية الفقيه".

وفي عام ١٩٧٠م طُبعت هذه المحاضرات في بيروت من قِبَل أنصار الخميني ، ثمّ أُرسلت إلى إيران سراً ، كما أُرسلت في الوقت نفسه إلى أوروبا وأمريكا وصولاً إلى أفغانستان وباكستان.

وفي عام ١٩٧٧م طُبع كتاب " الحكومة الإسلامية " في إيران ولكن تحت اسم: " رسالة من الإمام الموسويّ كاشف الغطاء .

الكتاب كما قلنا حل مشكلة الإمام الغائب ، حيث جعل الفقهاء هم البديل عن الإمام حتى يعود ، وعلى حد قول الخميني:
" كل ما ثبت للرسول ( ص ) وللأئمة من بعده يثبت للفقيه " ،
ثم وضع تصورا للحكومة الإسلامية قائما على ولاية الفقيه ، كما وضع تصورا للحكومة الإسلامية في ظل فكرة " ولاية الفقيه " .

كانت إيران تحت حكم الشاه / محمد رضا بهلوي الموصوف بالعمالة لأمريكا حين أصدر الخميني كتاب " الحكومة الإسلامية ".
وبعد أن وضع الخميني في كتابه أفكاره عن الحكومة الإسلامية والثورة السياسية أخبر الشباب بأن تشكيل هذه الحكومة هي مهمتهم ، حيث يقول :
وقد طرحنا الموضوع على بساط البحث ، فعلى أجيال الغد أن تتعمّق بعزمٍ وثبات وروح مثابرة لا سبيل لليأس والقنوط إليها، وسيوفّقون بإذن الله إلى التوصّل إلى تشكيل الحكومة ، وتنظيم سائر الشؤون بتبادل وجهات النظر المخلصة الموضوعيّة النزيهة ، وتتسلّم بإذن الله أعمال الحكومة الإسلاميّة أيدٍ أمينة عارفة خبيرة وحكيمة رساليّة ذات عقيدة راسخة ، وتقطع أيدي الخونة الّتي تمتدّ إلى الحكم أو الوطن أو بيت مال المسلمين ، وإنّ الله على نصرهم لقدير.

جعل الخميني مطلب الاستقلال والتحرر من هيمنة الدول الاستعمارية على رأس أسباب الثورة ، وتحدث عن ذلك في العديد من المواضع ، حيث يقول :
- وبعد ذلك أيضاً اتفق المستعمرون الأمريكيون وغيرهم مع الانجليز ، وساروا معاً مشتركين في تطبيق هذه المخططات . عندما كنت في همدان ـ في وقت ما ـ أراني أحد طلاب الحوزة ورقة كبيرة قد وضعت عليها علامات بالأحمر. وحسب قوله فإنّ هذه العلامات الحمراء إشارات إلى الثروات الطبيعية المخزونة الموجودة في إيران ، والتي قد اكتشفها الخبراء الأجانب .
درس الخبراء الأجانب بلادنا ، وتعرفوا إلى أماكن وجود ثرواتنا الطبيعية من ذهب ونحاس ونفط وغير ذلك . وفهموا نفسياتنا ، ووزنوا مستوى روحية الأشخاص في بلادنا . وعلموا أن الشيء الوحيد الذي يشكل سدّاً في مقابلهم ، ويمنع خططهم من التنفيذ ، هو الإسلام وعلماؤه .
لقد تعرف هؤلاء إلى قوة الإسلام الذي وصلت سيطرته إلى أوربا ، وعلموا أنّ الإسلام الحقيقي معارض لما يريدون . كما أدركوا أيضاً أنهم لا يستطيعون الهيمنة على علماء الدين الحقيقيين والتصرف بفكرهم ، لذا سعوا من البداية لإزالة هذه الشوكة من طريق سياستهم ، وإلى إضعاف الإسلام والقضاء على مؤسسة علماء الدين ، وقاموا بذلك أيضاً من خلال دعايات السوء بنحو صار فيه الإسلام يبدو بنظرنا هذه الأيام أنه لا يتجاوز عدة مسائل .
- وقد استعان المستعمرون بعملاء لهم في بلادنا من أجل تنفيذ مآربهم الاقتصاديّة الجائرة . وقد نتج عن ذلك وجود مئات الملايين من الناس جياعاً ، ويفتقدون أبسط الوسائل الصحيّة والتعليميّة ، وفي مقابلهم أفراد ذوو ثراء فاحش وفساد عريض . والجياع من الناس في كفاحٍ مستمر من أجل تحسين أوضاعهم ، وتخليص أنفسهم من وطأة جور حكّامهم المعتدين ، ولكنّ الأقليّات الحاكمة وأجهزتها الحكوميّة هي الأخرى تسعى إلى إخماد هذا الكفاح . أمّا نحن فمكلّفون بإنقاذ المحرومين والمظلومين.  نحن مأمورون بإعانة المظلومين ومناوأة الظالمين .
- ابتُليت الحركة الإسلاميّة من أوّل أمرها باليهود ، حينما بدأوا نشاطهم المضادّ ، بالتشويه لسمعة الإسلام ، والوقيعة فيه ، والافتراء عليه ، واستمرّ ذلك إلى يومنا هذا. ثمّ كان دورٌ كبير لفئاتٍ يُمكن أن تُعتبر أشدّ بأساً من إبليس وجنوده . وقد برز ذلك الدور في النشاط الاستعماريّ الّذي يعود تاريخه إلى ما قبل ثلاثة قرون .
وقد وجد المستعمرون في العالَم الإسلاميّ ضالّتهم المنشودة ، وبغية الوصول إلى مطامعهم الاستعماريّة سعوا في إيجاد ظروف ملائمة تنتهي بالإسلام إلى العدم . ولم يكونوا يقصدون إلى تنصير المسلمين بعد إخراجهم من الإسلام ، فهم لا يؤمنون بأيٍّ منهما ، بل أرادوا السيطرة والنفوذ ، لأنّهم أدركوا دائماً وفي أثناء الحروب الصليبيّة ، أنّ أكبر ما يمنعهم من نيل مآربهم ، ويضع خططهم السياسيّة على شفا جرفٍ هار ، هو الإسلام : بأحكامه ، وعقائده ، وبما يملك الناس به من إيمان . لأجل هذا تحاملوا عليه وأرادوا به كيداً . وتعاونت على ذلك أيدي المبشِّرين ، والمستشرقين ، ووسائل الإعلام ، وكلّها تعمل في خدمة الدول الاستعماريّة ، من أجل تحريف حقائق الإسلام ، بشكلٍ جعل كثيراً من الناس ، والمثقّفين منهم بشكلٍ خاصّ ، بعيدين عن الإسلام ، ولا يكادون يهتدون إليه سبيلاً .
- المخطط هو أن يبقونا ، وعلى الحال التي نحن فيها من الحياة المنكوبة لكي يتمكنوا من استغلال ثرواتنا ومنابعنا الطبيعية وأراضينا وطاقاتنا البشرية . يريدون لنا أن نبقى غرقى في المشاكل والعجز ، وأن يبقى فقراؤنا بهذه التعاسة ، ولا يخضعوا لأحكام الإسلام التي تحل مشكلة الفقر والفقراء ، ولكي يبقوا هم وعملاؤهم في القصور الفخمة مستمرين في تلك الحياة المرفهة.
- وبالنسبة لمن يعارضون كل صوت يدعو للحياة الحرة والاستقلال من تحت هيمنة الآخرين ، وإلى منع الانجليز والأمريكان من الهيمنة علينا إلى هذه الدرجة ، وإلى مواجهة إسرائيل في اعتداءاتها على المسلمين . علينا في البدء أن ننصحهم ونوقظهم وننبههم إلى الخطر ، إلى جرائم إسرائيل من قتل وتهجير ، وإلى دعم الانجليز وأمريكا لها .
كذلك وجه الخميني النقد اللاذع لنظام شاه إيران / محمد رضا بهلوي واصفا إياه بالعمالة لدول أجنبية ، فضلا عن وصفه بالفساد والاستيلاء على ثروات الشعب ،........
- هذا أكلٌ للسحت على نطاقٍ عالميّ ، وهو منكرٌ فظيع خطر ، ليس هناك ما هو أشدّ منه فظاعةً وخطراً ونكراً . تأمّلوا في أوضاع مجتمعنا ، وفي أعمال الدولة وأجهزتها لتتبيّن لكم أشكال فظيعة من أكل السحت. فإذا حدثت زلزلة في مكانٍ ما من البلاد غَنِم بذلك الحكّام قبل المنكوبين أموالاً طائلة.  في المعاهدات والاتفاقيّات المعقودة بين الحكّام الخائنين مع الدول أو الشركات الأجنبيّة ، تنصبّ في جيوب الحكّام ملايين كثيرة ، وتنصبّ ملايين أخرى في جيوب الأجانب ، من دون أن يحصل أبناء الشعب على شيءٍ من ثروات بلادهم .  هذه أشكالٌ من أكل السحت تجري بمسمعٍ منّا ومرأى ، وما لا نعلمه كثير . ونظير ذلك يقع في الاتفاقيّات التجاريّة وامتيازات التنقيب عن النفط واستخراجه ، وامتيازات استثمار الغابات ، وسائر الموارد الطبيعيّة ، والاتفاقيّات العمرانيّة أو ما يتّصل بالمواصلات وشراء الأسلحة من الاستعماريّين الغربيّين أو الشيوعيّين.  يجب علينا أن نُقاوم أكل السحت ونهب الثروات الوطنيّة ، وهذا واجب على جميع الناس .

- وقد تطفو على سطح بعض الصحف بعض أعمال السلب والاختلاس فيما يتعلّق بالتبرّعات الخاصّة بإغاثة منكوبي الفيضانات والسيول أو الزلازل  .أحد علماء "ملاير " كان يقول : في حادثة ذهب ضحيّتها الكثيرون أرسلنا سيارة شحن مليئة بالأكفان ، إلّا أنّ المسئولين كانوا يمنعوننا في إيصالها ، ويُريدون أن يأكلوها!  لأجل هذا وأمثاله من الآثام قد ورد .

ثم يطالب الخميني العلماء بأن يقوموا بدورهم في الثورة من أجل الخلاص من الحاكم المستبد ومن ظلمه ، فيقول :
- فالله يعيب على المفرّطين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خوفاً وطمعاً ويقول  :﴿ فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ ﴾  . لماذا الخوف ؟ فليكن حبساً ، أو نفياً ، أو قتلاً ، فإنّ أولياء الله يشرون أنفسهم ابتغاء مرضاة الله ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ ﴾.

- فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر  دعاءٌ إلى الإسلام مع ردّ المظالم ومخالفة الظالم ، فينبغي توجيه أكبر قدر من الأمر والنهي إلى العابثين بأرواح الناس وأموالهم وممتلكاتهم. 

- ماذا يضرّ لو هبّ العلماء وصاروا يداً واحدة في وجه الظلم ؟ ما ضرّهم لو اعترضوا جميعاً .......

- وإنّما عاب الله ذلك عليهم لأنّهم كانوا يرون من الظلمة الّذين بين أظهرهم المنكر والفساد فلا ينهونهم عن ذلك , رغبةً فيما كانوا ينالون منهم ، ورهبةً ممّا يحذرون " . فالله يعيب على المفرّطين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خوفاً وطمعاً ويقول : ﴿ فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ ﴾.

- وعلماء الإسلام مكلّفون بمناضلة المستغلِّين الجشعين لئلّا يكون في المجتمع سائلٌ محروم ، مقابل مرفّه جشع أصابه بطر . كيف يسوغ لنا اليوم ، أن نسكت عن بضعة أشخاص من المستغلِّين والأجانب المسيطرين بقوّة السلاح ، وهم قد حرموا مئات الملايين من الاستمتاع بأقلّ قدر من مباهج الحياة ونعمها . فواجب العلماء وجميع المسلمين أن يضعوا حدّاً لهذا الظلم ، وأن يسعوا من أجل سعادة الملايين من الناس ، في تحطيم الحكومات الجائرة وإزالتها ، ........

ويطالب الخميني الثوار بضرورة التحرك ومقاومة نظام الشاه الفاسد العميل المستبد حتي ولو لم يكن في قدرتهم الخلاص منه بشكل تام ، فالمهم عنده البدء في التحرك والاعتراض علي المظالم والاستعانة بوسائل إعلام لفضح النظام وتحريك قوي الثورة ، حيث يقول :
-  وأنتم اليوم لا تملكون القدرة على مقاومة بدع الحكّام ، أو دفع هذه المفاسد دفعاً تامّاً ، ولكن لماذا السكوت ؟ هؤلاء يُذلّونكم فاصرخوا في وجوههم على الأقل ، واعترضوا ، وأنكروا ، وكذّبوهم ، لا بُدّ في مقابل ما يملكون من وسائل النشر والإعلام أن يكون في جانبكم شيء من تلك الوسائل حتّى تُكذّبوا ما ينشرون وما يبثّون , من أجل أن تُظهروا للناس أنّ ما يدّعونه من العدالة ليس من العدالة الإسلاميّة في شيء. فالعدالة الإسلاميّة الّتي منحها الله للفرد والمجتمع والعائلة قد دُوِّنت وشُرِّعت بكلّ دقّة من أوّل يوم . يجب أن يكون لكم صوت مسموع حتّى لا تتّخذ الأجيال القادمة من سكوتكم ما يُبرِّر أعمال الظلمة من قول الإثم وأكل السحت ، وأكل أموال الناس بالباطل .

ثم يطالب الخميني الثوار بضرورة مواجهة فقهاء الملوك والسلاطين الذين يراهم ركن أصيل من أركان الفساد من خلال تضليلهم للناس ليخضعوا للحاكم العميل الفاسد المستبد ، فيقول :

- إنّ هؤلاء ليسوا فقهاء الإسلام ، والكثير منهم قد عمّمهم السافاك ( جهاز الأمن عند الشاه ) ليدعوا وليسبحوا بحمد الشاه وجلاله ، ويكون عندهم البديل فيما لو لم يتمكّنوا من إجبار أئمة الجماعة عن الحضور في الأعياد وسائر المراسم ، ولقد منحوه لقب جل جلاله مؤخراً ! هؤلاء ليسوا بفقهاء ، وباتوا معروفين والناس صارت تعرفهم . على شبابنا أن ينزعوا عمائم هؤلاء المعممين الذين يقومون بفساد كهذا في مجتمعنا باسم فقهاء الإسلام وعلمائه. لست أدري هل مات شبابنا في إيران ؟ أين هم ؟ عندما كنا هناك لم يكن الأمر كذلك . لِمَ لا ينزعون عمائم هؤلاء ؟ لم أقل اقتلوهم ، فإنهم لا يُقْتَلون . لكن انزعوا عمائمهم . إن شعبنا مكلف ، وشبابنا الغيور في إيران مكلف بعدم السماح لهؤلاء المعممين (الناطقين بجلاله) بالظهور كمعممين في أماكن تجمعنا ، وبالتحرك كمعممين بين الناس . ليس من الضروري الإكثار من ضربهم وتأديبهم ، لكن لينزعوا عمائمهم ، وليمنعوهم من الظهور بالعمائم . هذا اللباس شريف ، فلا يجب أن يرتديه أي كان .
لقد ذكرت أنّ علماء الإسلام منزَّهون عن هذه الأمور ، ولم يكونوا ـ ولا هم حالياً كذلك ـ ضمن هذه الأجهزة . وأولئك التابعون لهذه الأجهزة إنما هم من الفارغين ، الذين ألصقوا أنفسهم بالمذهب وبالعلماء ، ووضعهم مختلف ، والناس يعرفونهم .

ثم يحذر الخميني الشباب من أكاذيب النظام وتضليله فيقول :
لقد غرسوا في أذهانكم من البداية أنّ السياسة تعني الكذب وما شابه ذلك من المعاني ، لكي يبعدوكم عن أمور البلاد ، بينما يتصرفون هم كما يريدون.

ثم يطالب الثوار بمقاطعة المؤسسات الحكومية وعدم التعاون معها فيقول :
لنقطع علاقاتنا بالمؤسسات الحكومية ونمتنع عن التعاون معها ، ونرفض القيام بكل ما من شأنه أن يُعَدَّ عوناً لهم ، ونبني مؤسسات قضائية ومالية واقتصادية وثقافية وسياسية جديدة .

وأخيرا يحذر الخميني الثوار من اليأس فيقول :
يجب أن نحمل هم هذه الأمور . ولا يجب أن نيأس . لا تتصوروا أنّ هذا الأمر لا يتحقق . والله يعلم أن كفاءتكم ولياقتكم ليست بأقل من الآخرين .

وبالفعل اعتنق الشعب الإيراني فكرة الحكومة الإسلامية القائمة على فكرة ولاية الفقيه ، ونفذ خريطة طريق الثورة التي وضعها الخميني في كتاب الحكومة الإسلامية ، وقبل أن تمر عشر سنوات كان الشعب الإيراني قد أسقط الشاه / محمد رضا بهلوي ، وتم تنفيذ الحكومة الإسلامية على النحو الذي رسمه الخميني .

وللأسف لم ينجح فقط كتاب الثورة الإسلامية في إسقاط النظام الإيراني العميل وبناء نظام جديد ، بل تم  مد نفوذ ولاية الفقيه الإيراني إلى كل من سوريا والعراق بشكل كامل وبشكل جزئي في بعض الدول العربية الأخرى مثل لبنان واليمن ، على ضوء مفهوم الثورة الإسلامية التي وضعها الخميني ،

فسلطة الإمام كما ذكرنا وفقا لمذهب الشيعة الإثنى عشرية الباطل تمتد لكافة المسلمين على سطح الكرة الأرضية ، والثورة الخمينية هي لإسقاط كافة الأنظمة التي لا تخضع للإمام والولي الفقيه باعتبارها من وجهة نظره حكومات طواغيت خارجة عن الحكم الشرعي للحكومة الإسلامية الخمينية صاحبة الولاية على كل مسلمي العالم ا

                                #المقال_الثاني
              الثورة الإيرانية واحتلال إيران للدول الإسلامية .

الخميني ، تقول عنه الموسوعة الحرة :

السيد روح الله بن مصطفى بن أحمد الموسوي الخميني ، رجل دين سياسي إيراني من مواليد ٢٤  سبتمبر ١٩٠٢م وتوفى في  ٣ يونيو ١٩٨٩م، حكم إيران في الفترة من (١٩٧٩م-١٩٨٩م) وكان فيلسوفاً ومرجعاً دينياً شيعياً أيضاً ، قاد الثورة الإيرانية حتى أطاح بالشاه محمد رضا بهلوي المعروف بالبهلوي الثاني والذي سبقه الشاه رضا بهلوي . وكان كالأب الروحي لعدد من الشيعة داخل إيران وخارجها. درجته الحوزوية آية الله وتضاف إليها العظمى لأنه بلغ الاجتهاد في نظر الشيعة وأصدر رسالته العلمية ، أي مجموعة فتاواه في العبادات والمعاملات في الإسلام.  وسمته مجلة التايم الأمريكية برجل العام في سنة ١٩٧٩م  .

ونضيف أن من مؤلفات الخميني كتاب " الحكومة الإسلامية " وهو عبارةٌ عن ثلاث عشرة محاضرة ألقاها على طلّاب العلوم الدينيّة في النجف عام ١٩٦٩م تحت عنوان "ولاية الفقيه".
وفي عام ١٩٧٠م طُبعت هذه المحاضرات في بيروت من قِبَل أنصار الخميني ، ثمّ أُرسلت إلى إيران سراً ، كما أُرسلت في الوقت نفسه إلى أوروبا وأمريكا وصولاً إلى أفغانستان وباكستان.
وفي عام ١٩٧٩م طُبع كتاب " الحكومة الإسلامية " في إيران ولكن تحت اسم: " رسالة من الإمام الموسويّ كاشف الغطاء".

يمكن أن نقول أن كتاب " الحكومة الإسلامية " أو " ولاية الفقيه " هو ذلك الدستور الذي بنيت عليه إيران ما بعد الثورة الإيرانية .
الكتاب يكشف لنا أن أهداف الثورة الإيرانية وما قامت عليه من أفكار غير محصورة في إزالة نظام حكم فاسد ومستبد في إيران ، بل يسعى إلى فرض ولاية الفقيه على كافة الدول الإسلامية المحيطة ، لأن سلطة الإمام – والذي يقوم الولي الفقيه مقامه مؤقتا - وفقا لمذهب الشيعة الإثنى عشرية تمتد لكافة المسلمين على سطح المعمورة .

إيران الشيعية إذن تسعي لاحتلال كافة الدول الإسلامية المحيطة بها ، وإخضاعها لولاية الفقيه ، وفرض الوحدة الإسلامية بالقوة ، ومن لا يصدق فليقرأ ما قاله الخميني تحت عنوان "ضرورة الثورة السياسيـّة" حيث يقول :
في صدر الإسلام سعى الأمويّون ومن يُسايرهم لمنع استقرار حكومة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام مع أنّها كانت مُرضية لله وللرسول صلى الله عليه وآله وسلم. وبمساعيهم البغيضة تغيّر أسلوب الحكم ونظامه وانحرف عن الإسلام ، لأنّ برامجهم كانت تُخالف وجهة الإسلام في تعاليمه تماماً .

وجاء من بعدهم العبّاسيّون ، ونسجوا على نفس المنوال . وتبدّلت الخلافة ، وتحوّلت إلى سلطنة وملكيّة موروثة ، وأصبح الحكم يُشبه حكم أكاسرة فارس ، وأباطرة الروم ، وفراعنة مصر ، واستمرّ ذلك إلى يومنا هذا.

الشرع والعقل يفرضان علينا ألّا نترك الحكومات وشأنها. والدلائل على ذلك واضحة ، فإنّ تمادي هذه الحكومات في غيّها يعني تعطيل نظام الإسلام وأحكامه. في حين توجد نصوص كثيرة تصف كلّ نظام غير إسلاميّ بأنّه شرك ، والحاكم أو السلطة فيه طاغوت . ونحن مسئولون عن إزالة آثار الشرك من مجتمعنا المسلم ، وإبعادها تماماً عن حياتنا . وفي نفس الوقت نحن مسئولون عن تهيئة الجوّ المناسب لتربية وتنشئة جيل مؤمن فاضل يُحطِّم عروش الطواغيت ، ويقضي على سلطاتهم غير الشرعيّة ، لأنّ الفساد والانحراف ينمو على أيديهم ، وهذا الفساد ينبغي إزالته ومحوه وإنزال العقوبة الصارمة بمسبّبيه. وقد وصف الله في كتابه المجيد فرعون ﴿إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾ .

وفي ظلِّ حُكمٍ فرعونيّ يتحكّم في المجتمع ويُفسده ولا يُصلحه ، لا يستطيع مؤمن يتّقي الله أن يعيش ملتزماً ومحتفظاً بإيمانه وهديه. وأمامه سبيلان لا ثالث لهما : إمّا أن يُقْسَرَ على ارتكاب أعمال مُردية ، أو يتمرّد على حُكم الطاغوت ويُحاربه ، ويُحاول إزالته ، أو يُقلِّل من آثاره على الأقل . ولا سبيل لنا إلّا الثاني ، لا سبيل لنا إلّا أن نعمل على هدم الأنظمة الفاسدة المفسدة ، ونُحطِّم زمر الخائنين والجائرين من حكّام الشعوب.
هذا واجب يُكلَّف به المسلمون جميعاً أينما كانوا ، من أجل خلق ثورة سياسيّة إسلاميّة ظافرة منتصرة.

كذلك قال الخميني تحت عنوان "ضرورة الوحدة الإسلاميـّة" :
ومن جهة أخرى فقد جزّأ الاستعمار وطننا ، وحوّل المسلمين إلى شعوب. وعند ظهور الدولة العثمانيّة كدولة موحّدة سعى المستعمرون إلى تفتيتها. لقد تحالف الروس والإنكليز وحلفاؤهم وحاربوا العثمانيّين ، ثمّ تقاسموا الغنائم كما تعلمون. ونحن لا ننكر أنّ أكثر حكّام الدولة العثمانيّة كانت تنقصهم الكفاءة والجدارة والأهليّة ، وبعضهم كان مليئاً بالفساد ، وكثير منهم كانوا يحكمون الناس حُكماً مَلكيّاً مطلقاً. ومع ذلك كان المستعمرون يخشون أن يتسلّم بعض ذوي الصلاح والأهليّة ـ من الناس وبمعونة الناس ـ منصّة قيادة الدولة العثمانيّة على وحدتها وقدرتها وقوّتها وثرواتها ، فيبدّد كلّ آمال الاستعماريّين وأحلامهم . لهذا السبب ما لبثت الحرب العالميّة الأولى أن انتهت حتّى قسّموا البلاد إلى دويلات كثيرة ، وجعلوا على كلّ دويلة منها عميلاً لهم ، ومع ذلك فقد خرج قسم من هذه الدويلات بعد ذلك عن قبضة الاستعمار وعملائه.
ونحن لا نملك الوسيلة إلى توحيد الأمّة الإسلاميّة وتحرير أراضيها من يد المستعمرين ، وإسقاط الحكومات العميلة لهم ، إلّا أنّنا نسعى إلى إقامة حكومتنا الإسلاميّة ، وهذه بدورها سوف تتكلّل أعمالها بالنجاح يوم تتمكّن من تحطيم رؤوس الخيانة ، وتدمّر الأوثان والأصنام البشريّة والطواغيت الّتي تنشر الظلم والفساد في الأرض.
تشكيل الحكومة إذن يرمي إلى الاحتفاظ بوحدة المسلمين بعد تحقيقها ، وقد ورد ذلك في خطبة السيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام  "... وطاعتنا نظاماً للملّة ، وإمامتنا أماناً من الفرقة ...".
وتحت عنوان " لنسقط الحكومات الجائرة " كتب الخميني :
لنقطع علاقاتنا بالمؤسسات الحكومية ونمتنع عن التعاون معها ، ونرفض القيام بكل ما من شأنه أن يُعَدَّ عوناً لهم ، ونبني مؤسسات قضائية ومالية واقتصادية وثقافية وسياسية جديدة.
إنّ إسقاط الطاغوت ـ أي السلطات غير الشرعية القائمة في مختلف أنحاء الوطن الإسلامي ـ هو مسؤوليتنا جميعاً. يجب أن نستبدل الأجهزة الحكومية الجائرة والمعادية للشعب بمؤسسات خدمات عامة تدار وفقاً للقانون الإسلامي ، وشيئاً فشيئاً تستقر الحكومة الإسلامية . لقد نهى الله تعالى في القرآن الكريم عن إطاعة الطاغوت والسلطات غير المشروعة ، وحث الناس على الثورة ضد السلاطين ، وأمر موسى (ع) بذلك . توجد أحاديث كثيرة تحث على محاربة الظلمة ، والذين يتصرفون بالدين . كان للأئمة (ع) ولأتباعهم ـ أي الشيعة ـ مواجهات مستمرة مع الحكومات الجائرة وسلطات الباطل ، وهذا الأمر واضح في سيرتهم ونمط حياتهم . وقد ابتلوا بحكام الظلم والجور في كثير من الأحيان ، وعاشوا في ظروف تقية وخوف شديدين . وبالطبع فإنّ خوفهم كان لأجل المذهب لا على أنفسهم ، ونلاحظ هذا الأمر كلما راجعنا الروايات . كما كان حكّام الجور يشعرون بالخوف من الأئمة (ع) باستمرار ، إذ كانوا يعلمون أنهم لو فسحوا المجال للأئمة (ع) لثاروا عليهم ، وحرَّموا عليهم حياة اللهو والترف والمجون . فعندما نرى هارون الرشيد يحبس الإمام الكاظم (ع) عدة سنوات ، أو نرى المأمون يأخذ الإمام الرضا (ع) إلى مرو ليكون تحت نظره ، ومن ثم يقوم بسمِّه ، فليس ذلك لأن الأئمة (ع) سادة وأولاد النبي (ص) بينما الرشيد والمأمون معادون للنبي ، إذ هارون والمأمون كانا شيعيين كلاهما ، وإنما كان ذلك بسبب أن المُلك عقيم . لأنهم كانوا يعلمون أنّ أولاد علي (ع) يرون الخلافة لأنفسهم ومن مسؤولياتهم ، ويصرّون على إقامة الحكومة الإسلامية . إذ عندما طُلب من الإمام (ع) أن يعيّن حدود فدك ليردُّها لهم قام الإمام (ع) ـ حسب الرواية ـ بذكر حدود البلاد الإسلامية (كحد لفدك). وهذا يعني أنه يرى حقه ما بين هذه الحدود ، وأنه هو الذي يجب أن يكون حاكماً عليه ، وأن الذين يحكمون حينها كانوا غاصبين ، فرأى أنه إذا بقي الإمام موسى بن جعفر (ع) حراً فسوف يحرّم الحياة عليهم ، ومن الممكن أن تتاح له الفرصة ، فيقوم بالثورة عليهم وانتزاع السلطة منهم ، ولذا لم يمهلوه . ولو أمهلوه لكان قام بثورته بلا شك . كونوا متيقنين أنه لو دامت الفرصة للإمام الكاظم (ع) لكان ثار، وقلب نظام حكم السلاطين الغاصبين .
كذلك المأمون قام بوضع الإمام الرضا (ع) تحت نظره ـ مع كل ما أبداه المأمون من تملق وكذب ومحابات ـ ومخاطبته له بـ "يا ابن العم" ، أو يا ابن رسول الله ، وذلك خوفاً من أن يثور يوماً عليه ويقلب أساس الحكم . إذ أنه ابن رسول الله (ص) ، وقد أوصى له ، فلا يمكن تركه في المدينة حراً طليقاً.
إنّ حكام الجور يريدون السلطة ، وهم يضحّون بكل شيء في سبيلها ، لا أنهم يمتلكون عداوة خاصة تجاه أحد . إذ لو رضي الإمام (ع) ـ والعياذ بالله ـ أن يكون من أتباع البلاط ، لعاملوه بمنتهى الإعزاز والاحترام ، ولقاموا بتقبيل يديه أيضاً ـ بحسب الرواية ـ عندما دخل الإمام (ع) على هارون أمر بأن يظل راكباً حتى يصل إلى مجلسه ، وعامله بمنتهى الاحترام . وعندما جاء وقت توزيع عطاء بيت المال ووصل الدور لبني هاشم أعطاهم مبلغاً يسيراً ، وكان المأمون حاضراً . فتعجب من ذلك الاحترام مع هذا النحو من التوزيع . فقال له هارون : يا بني أنت لا تدري . ينبغي أن لا يزيد سهم بني هاشم عن هذا المال ، إن هذا الأمر لهم ، وهم أولى به منا ، فلو مكناهم لوثبوا علينا فيجب أن يبقى بنو هاشم هكذا فقراء ، مسجونين منفيين ، مقتولين ، مسمومين ، يعيشون المعاناة ، وإلاّ لقاموا علينا ، وأبدلوا حلاوة أيامنا بالمرارة.

ولم يكتف الأئمة (ع) بأن يقوموا هم بمحاربة الأنظمة الظالمة والدولة الجائرة وأتباع البلاط الفاسدين ، بل حثُّوا المسلمين على جهادهم أيضاً. هناك أكثر من خمسين رواية في وسائل الشيعة والمستدرك والكتب الأخرى تدعو إلى الابتعاد عن السلاطين والحكام الظلمة ، وإلى وضع التراب في فم المداحين لهم . وتبين مراتب عقوبة من يناولهم دواة ، أو يملأها لهم بالحبر والخلاصة أنها تأمر بقطع العلاقات معهم ، وعدم التعاون معهم بأي شكل من الأشكال . ومن جهة أخرى وردت كل تلك الروايات في مدح وتفضيل العالم والفقيه العادل ونبهت إلى أفضليتهم على سائر الناس . فهذا كله يمثّل خطة وضعها الإسلام لتشكيل الحكومة الإسلامية ، وذلك من خلال إبعاد الناس وصرفهم عن الأنظمة الظالمة ، وتخريب بيوت الظلم ، وفتح أبواب الفقهاء ـ العدول المتقين المجاهدين العاملين في سبيل تطبيق الأحكام الإلهية ، وإقامة النظام الإسلامي ـ أمام الناس.

لن يتمكن المسلمون من العيش في أمن وهدوء ـ مع حفظ إيمانهم وأخلاقهم الفاضلة ـ إلاّ في كنف حكومة العدل والقانون ، الحكومة التي وضع الإسلام نظامها وطريقة إدارتها وقوانينها . فتكليفنا اليوم هو تطبيق مشروع الحكومة الإسلامية وترجمته في ساحة العمل.
آمل أن يؤدي بيان وتعريف نمط الحكومة ، والأصول السياسية والاجتماعية للإسلام للمجاميع البشرية الكبيرة ، إلى إيجاد تيار فكري ، وقوة ناتجة من نهضة الشعب تكون العامل في استقرار النظام الإسلامي .

كلام واضح وصريح من الخميني في كتاب " الحكومة الإسلامية " والذي يسميه البعض " ولاية الفقيه " يقطع بأن احتلال الدول الإسلامية ومد نفوذ الولي الفقيه إليها هو أحد الأهداف الأساسية لإيران ما بعد الثورة ، وهو هدف مرتبط باعتقاداتهم الباطلة بشأن الإمامة المفروضة والتي فرعت عن الإسلام تركة اسمها " الحكم " ، يرثها أقارب النبي (ص) من جهة ابن عمه سيدنا علي بن أبي طالب وزوجته فاطمة بنت النبي (ص) .

وهكذا نجح الخميني بكتابه " الحكومة الإسلامية " الذي صدر عام ١٩٧٠م في أن يقيم ثورة بعدها بتسع سنوات تخلع نظام الشاه محمد رضا بهلوي المدعوم من أمريكا وبريطانيا وإسرائيل والغرب ، كما نجح في تحقيق أهدافه في مد النفوذ الشيعي بعد أن أصبحت العراق وسوريا الآن تحت الحكم الشيعي .

أما الحكام العرب الذين وصفهم الخميني بأنهم عملاء فهم يدعمون أمريكا وإيران في مد ولاية الفقيه إلى سوريا والعراق ، وهم يعلمون أن إيران سوف تحتل بلادهم ، لكنهم مطمئنون أنهم ساعتها سيكونون في عداد الأموات ، وأحفادهم هم من سيعانون مما عانى منه  المسلمون السنة في حلب والموصل وباقي المدن العراقية والسورية .ا

فهل كان من الطبيعي إذن أن نجد مواطن أو حكومات عربية تؤيد بشار في بطشه وتنكيله بالمسلمين من أهل السنة ، وهل من الطبيعي أن نجد من بين الحكومات العربية أو الشعوب العربية من يحزن على رحيل بشار الأسد وشيعته ويسعى إلى إعادتهم للحكم بعد أن دفنوا الشعب السوري لاسيما السني في أعماق الأرض بجانب طبقة الأرض النارية .
اللهم بلغت ، اللهم بلغت اللهم فاشهد .

الخميس، 6 فبراير 2025


 #مريم_الإلهة_بين_الفاتيكان_والأدب_الكاثوليكي

وقعت في يدي بمحض الصدفة رواية "By the River Piedra I sat Down and Wept" ، "على ضفاف نهر بييدرا جلست وبكيت" للروائي البرازيلي الكاثوليكي المعروف باولو كويلو . 


باولو كويلو كتب روايته بلغته الأصلية "البرتغالية" ونشرها عام 1994م، وترجمها الكاتب Alan R. Clarke "ألان كلارك"من اللغة البرتغالية إلى الإنجليزية ، وأثناء قراءتي للرواية لاحظت أنها تروج لألوهية السيدة مريم العذراء رضي الله عنها وأرضاها .


ولما كانت السيدة مريم تخص المسلمين كما تخص المسيحيين، ولما كانت روايات باولو كويلو تُترجم إلى اللغة العربية وتُنشر في كثير  من البلدان العربية ، كان لزاما علي أن أناقش ما تم طرحه من معتقدات تتعلق بها.


تحولت من مرحلة القراءة للرواية إلى ترجمتها ترجمة دقيقة حتى أتبين ما يعتقده باولو كويلو بخصوص السيدة مريم ، كما بدأت في ذات الوقت دراسة العلوم المريمية التي يعتنقها الفاتيكان باعتباره المرجعية الدينية الأساسية للطائفة الكاثوليكية التي ينتمي لها باولو كويلو.


ونتائج البحث أنشرها لكم في هذا الكتاب ( مريم الإلهة بين الفاتيكان والأدب الكاثوليكي ) لتستمتعوا برواية باولو كويلو العاطفية الشيقة "على ضفاف نهر بييدرا جلست وبكيت" ، لنكتشف سويا: 

هل هدف الرواية هو الترويج لألوهية السيدة مريم العذراء من عدمه ؟ ، وهل تتفق الرواية فيما صرحت به عن مريم العذراء مع نتائج العلوم المريمية التي يعتنقها الفاتيكان ؟ ، هل تتفق مع القرارات التي أصدرها مجمع الآباء الكاثوليك ؟

من يرغب في شراء الكتاب عبر البريد ، فإن رابط إرسال طلب الشراء على بوست دار نشر ( كتبنا ) أدناه .

                                            د محمد محمود العمدة