مغارات الصناديق الخاصة :
عدم دستورية الصناديق الخاصــــــــة :
أرصدتها في 2009م 1272 مليار جنيه:
زادت أعداد الصناديق الخاصة زيادة مفرطة ، وكل بضع أيام يخرجون علينا باقتراح إنشاء صندوق جديد ، وكثير من المسئولين يزعمون مع إنشاء كل صناديق أنهم يسعون لتحقيق الخير والرخاء والرفاهية للشعب من خلال هذه الصناديق ، وقد كذبوا ويعلمون أنهم كاذبون .
الصناديق الخاصة يا سادة مخالفة لكافة دساتير مصر مخالفات جسيمة من عدة زوايا وليس من زاوية واحدة ، وفيما يلي توضيح ذلك :
أولا: أموال الصناديق الخاصة خارج الموازنة :
الأصل في الموازنة العامة للدولة هو وحدة الموازنة بمعنى وجوب أن تشمل الموازنة حصر لكافة إيرادات الدولة وكافة نفقاتها ، فلا يخرج عنها قرشا واحدا يتم التعامل فيه خارج الموازنة ، وهذا ما نصت عليه المادة (124) من دستور 2014م والتي نصت على أن :
( تشمل الموازنة العامة للدولة كافة إيراداتها ومصروفاتها دون استثناء ، ويُعرض مشروعها على مجلس النواب قبل تسعين يومًا على الأقل من بدء السنة المالية ، ولا تكون نافذة إلا بموافقته عليها ، ويتم التصويت عليه باباً باباً.
ويجوز للمجلس أن يعدل النفقات الواردة فى مشروع الموازنة ، عدا التي ترد تنفيذاً لالتزام محدد على الدولة.
وإذا ترتب على التعديل زيادة فى إجمالي النفقات ، وجب أن يتفق المجلس مع الحكومة على تدبير مصادر للإيرادات تحقق إعادة التوازن بينهما ، وتصدر الموازنة بقانون يجوز أن يتضمن تعديلاً فى قانون قائم بالقدر اللازم لتحقيق هذا التوازن.
وفى جميع الأحوال ، لا يجوز أن يتضمن قانون الموازنة أي نص يكون من شأنه تحميل المواطنين أعباء جديدة.
ويحدد القانون السنة المالية ، وطريقة إعداد الموازنة العامة ، وأحكام موازنات المؤسسات والهيئات العامة وحساباتها.
وتجب موافقة المجلس على نقل أي مبلغ من باب إلى آخر من أبواب الموازنة العامة ، وعلى كل مصروف غير وارد بها ، أو زائد على تقديراتها ، وتصدر الموافقة بقانون .)
وعلى ضوء هذا النص الدستوري الوارد في الدستور وهو القانون الأسمى المهيمن على التشريعات الصادرة عن البرلمان أو اللوائح أو القرارات الإدارية ، لا يجوز بحال من الأحوال أن تخرج أية أموال عن نطاق الموازنة العامة للدولة سواء في باب ( الإيرادات ) أو ( النفقات ).
فوفقا لمبدأ وحدة الموازنة ، فإنه لا يجوز تخصيص مورد معين لنفقة محددة ، بل يجب أن تتجمع جميع موارد الدولة في الخزانة العامة والتي تقوم بتوزيعها على مختلف جوانب الإنفاق العام وفقا لما يرتئيه المجلس التشريعي عند مناقشة وإقرار الموازنة ، بينما نلحظ أن هذه الصناديق تحتفظ بمواردها للإنفاق على بنود محددة وهو ما يؤدى الى اختلالات أساسية فى الأولويات التي وضعها المجتمع للإنفاق العام .
كذلك نص دستور مصر لعام 2012م على قاعدة وحدة الموازنة ووجوب اشتمالها على كافة إيرادات الدولة ونفقاتها دون استثناء ، حيث نصت المادة ( 116 ) منه على أنه :
( يجب أن تشمل الموازنة العامة للدولة كافة إيراداتها ومصروفاتها دون استثناء . ويُعرض مشروعها على مجلس النواب قبل تسعين يوما على الأقل من بدء السنة المالية ، ولا تكون نافذة إلا بموافقته عليها ، ويتم التصويت عليه بابا بابا )
كذلك أكد دستور مصر لعام 1971م على وجوب وحدة الموازنة وشمولها لكافة إيرادات الدولة ونفقاتها في العديد من المواد ، منها :
مادة ( 115)
( يجب عرض مشروع الموازنة العامة على مجلس الشعب قبل شهرين على الأقل من بدء السنة المالية ، ولا تعتبر نافذة إلا بموافقته عليها . ويتم التصويت على مشروع الموازنة بابا بابا وتصدر بقانون ، ولا يجوز لمجلس الشعب أن يعدل مشروع الموازنة إلا بموافقة الحكومة ، وإذا لم يتم اعتماد الموازنة الجديدة قبل السنة المالية عمل بالموازنة القديمة إلى حين اعتمادها.
ويحدد القانون طريقة إعداد الموازنة ، كما يحدد السنة المالية.)
وتنفيذا للمادة سالفة الذكر نصت مادة (٣) من قانون الموازنة العامة ٥٣ لسنة ١٩٧٣ على أن :
( تشمل الموازنة العامة للدولة جميع الاستخدامات – النفقات – والموارد – الإيرادات - لأوجه نشاط الدولة التي يقوم بها كل من الجهاز الإداري ووحدات الحكم المحلي والهيئات العامة وصناديق التمويل....)
يتضح لنا من النصوص السابقة أن مبدأ وحدة الموازنة العامة للدولة في مصر وضرورة شمولها على كافة ( إيرادات الدولة ونفقاتها ) ، هي قاعدة مقررة في كافة دساتير مصر منذ دستور عام 1971م الذي أسقطته ثورة يناير .
*******
ثانيا: عدم خضوع أموال الصناديق للرقابة:
من المعلوم والثابت أن إيرادات الدولة ونفقاتها تخضع للرقابة من كافة الأجهزة الرقابية - مثل الجهاز المركزي للمحاسبات - في كافة دساتير مصر ، دستور 1971م ، ودستور 2012م ، ودستور 2014م ، فقد نصت المادة 125 من دستور 2014م على أنه :
( يجب عرض الحساب الختامي للموازنة العامة للدولة على مجلس النواب ، خلال مدة لا تزيد على ستة أشهر من تاريخ انتهاء السنة المالية ، ويعرض معه التقرير السنوي للجهاز المركزي للمحاسبات وملاحظاته على الحساب الختامي.
ويتم التصويت على الحساب الختامي بابًا بابًا ، ويصدر بقانون.
وللمجلس أن يطلب من الجهاز المركزي للمحاسبات أية بيانات أو تقارير أخرى. )
ورغم أن إنشاء صناديق خارج الموازنة العامة للدولة أيا كان مصدر مواردها أمر غير دستوري على نحو ما أوضحنا ، إلا أن المادة (20) من قانون الموازنة سالف الذكر قد أجازت إنشاء صناديق خاصة تكون أموالها خارج الموازنة العامة للدولة حيث نصت على أنه :
( يجوز بقرار من رئيس الجمهورية إنشاء صناديق تخصص فيها موارد معينة لاستخدامات محددة . ويعد للصندوق موازنة خاصة به طبقا للقواعد والأحكام المنصوص عليها فى هذا القانون ويسرى بشأنها فيما يتعلق بتنفيذ أحكام هذا القانون القواعد الخاصة بالمؤسسات العامة.)
كان لبرلمان ( 2005م/2010م) - والذي وصل فيه قرابة مائة وثلاثون نائبا من المعارضة والمستقلين المعارضين إلى البرلمان بسبب الإشراف القضائي على الانتخابات – الفضل في كشف مخاطر الصناديق الخاصة من خلال استجواب تقدم به أحد النواب بشأن الأرصدة المرتفعة لهذه الصناديق خلال العام 2008م/2009م بحسب تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات عن الحساب الختامي للموازنة في العام ذاته ، وتفصيلا لذلك نشر موقع برلماني تقريرا بتاريخ 15/1/2016م بعنوان ( البرلمان ولغز الصناديق الخاصة ) ، وأشار فيه إلى استجواب النائب المهندس / أشرف بدر الدين عن الصناديق الخاصة ، وقد كنت نائبا وقت تقديم هذا الاستجواب ، وقرأت بنفسي تقرير الجهاز المركزي الذي استند إليه الاستجواب فيما قرره من أن أرصدة الصناديق الخاصة في العام 2008م/2009م ( واحد تريليون و 272 مليار جنيه ) ، يقول موقع قناة العربية:
" وعلى مدار السنوات الأخيرة ، طالب عدد من الأحزاب والقوى السياسية بضم أموال تلك الصناديق للموازنة العامة للدولة وإحكام الرقابة عليها ، وهو ما بدأه المهندس أشرف بدر الدين عضو مجلس الشعب عن الدورة البرلمانية 2005 – 2010 وصاحب استجواب الصناديق الخاصة ، الذى فجر القضية تحت القبة ولم يلتفت إليه أحد ، مستندًا إلى الصفحة رقم 197 من تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات عن الحساب الختامي للموازنة العامة للدولة فى عام 2008 – 2009، التي كشفت عن أن هناك نحو تريليون و272 مليار جنيه هي حصيلة الصناديق الخاصة ، ولم يتم إدراجها فى تقرير لجنة الخطة والموازنة ، وقد كنت نائبا مستقلا في برلمان ( 2005/2010م ) ، وقرأت ساعتها تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات المشار إليه " .
ويتابع تقرير موقع برلماني :
" من جانبه شن الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الخالق فاروق ، هجومًا حادًا على ظاهرة الصناديق الخاصة ، مؤكدًا أنها ظاهرة شاذة غير موجودة فى أي نظام مالي محترم فى العالم لأنها تحجز جزءًا من الإيرادات العامة التي من المفترض أن تدخل الخزانة العامة للدولة وتذهب بها فى مسارب بعيدًا عن الرقابة والمشروعية المالية وهى البرلمان الذى يقر الموازنة العامة.
وأوضح الدكتور عبد الخالق ، أن الصناديق الخاصة لا تمكن صانع وراسم السياسة الاقتصادية من المعرفة الدقيقة بحجم الكميات المالية الموجودة فى السوق ، وبالتالي لا يستطيع أن يقدر معدلات التضخم ، لافتًا إلى أنها تنشئ مراكز مالية خارج نطاق الرقابة تؤدى إلى فساد وإفساد القيادات الإدارية وهو ما حدث على مدار الـ 40 عامًا الأخيرة ، وأضاف الخبير الاقتصادي ، أن تلك الظاهرة لم تظهر فى مصر إلا بعد عام 1967م فى نطاق محدود ثم اتسع نطاقها بعد عام 1979م ، وانتقلت من سلطة الرئيس حصرًا فى المادة 20 من قانون الموازنة العامة رقم 53 لسنة 1973م إلى رؤساء الجامعات ورؤساء الأحياء والمحافظين والوزراء ورؤساء الأحياء حتى أصبحت ظاهرة خارج نطاق السيطرة .
وأشار الدكتور عبد الخالق ، إلى أن حجم الحركة المالية " إيرادات ومصروفات الصناديق والحسابات الخاصة " تقدر بحوالي 300 مليار جنيه ، أما الفوائض المالية تقدر بحوالي 97 مليار جنيه ، وهو رصيد آخر المدة الذى يدخل الخزانة العامة للدولة ، قائلًا: وهذه الظاهرة الشاذة لا يعلم عنها أحد على الإطلاق فى الدولة المصرية ، لأنها خرجت من زمام الحساب الموحد للخزانة العامة وسمح لهم يوسف بطرس غالى عام 2006 بإنشاء حسابات للصناديق الخاصة بالبنوك التجارية ، وأصبحت ظاهرة غير محصورة لدى أي سلطة فى الدولة المصرية ، وتمثل أحد ركائز دولة الفساد فى عهد مبارك لإفسادها القيادات الإدارية وكان يصرف منها مئات الآلاف من المكافآت الشهرية لبعض القيادات .
ويؤكد ( مرصد الموازنة العامة وحقوق الإنسان ) في تقرير تم نشره بتاريخ 6/5/2013م بعنوان ( مغارة الحسابات والصناديق الخاصة فى مصر ) :
أن يوسف بطرس غالي هو الذي أخرج أموال الصناديق الخاصة من نطاق الرقابة بشكل كامل ونهائي عندما قام بتعديل قانون المحاسبة الحكومية بموجب القانون رقم 139 لسنة 2006 م ، ووضع نصا يُجيز إنشاء حسابات فى البنوك التجارية باسم الصناديق الخاصة بعد موافقة وزير المالية ، مما ترتب عليه أن تلك الحسابات أصبحت خارج نطاق الرقابة نهائيا.
وليس الدكتور عبد الخالق فاروق فقط هو من كشف مسألة تحويل أموال الصناديق الخاصة إلى حسابات بنكية حتى تخرج تماما عن أعين الناظرين في إيداعها وإنفاقها ، بل انضم إليه تقرير الصحفيين ( نزار مانيك وجيريمي هودج ) ، حيث يقول التقرير :
( في ما يخص الصناديق الخاصة الإضافية المملوكة من القوات المسلحة ، لا يسعنا سوى التكهّن بسبب عدم توافر معلومات مالية جوهرية وحسّاسة عن القوات المسلحة في السجلات التي اطّلعنا عليها . نعلم أنه في السنة المالية 2010/ 2011، كانت نحو 4.9 مليارات دولار من حسابات الصناديق الخاصة القانونية المودعة لدى المصرف المركزي ، مملوكة من "السلطات الاقتصادية" ، وهو مصطلح يشير إلى سلسلة من الكيانات الحكومية الكبيرة ، منها هيئة قناة السويس ، والهيئة المصرية العامة للبترول ، والهيئة العربية للتصنيع ، وسواها ، ومعظمها يديرها ويشغّلها جنرالات في القوات المسلحة. يعني ذلك أنه كان للجيش وصول ما إلى هذا المبلغ، لكننا لا نعلم إلى أي درجة.
من المحتمل أنه للجيش وصول إلى حسابات أخرى في مصر والخارج تبقى حتى الآن خارج نطاق الإشراف المحدود للمدققين .
بحلول نهاية السنة المالية 2012/2013، تُظهر السجلات الرسمية التي اطّلعنا عليها عن وجود صناديق خاصة تضم مبالغ قدرها 3.5 مليارات دولار موزَّعة على 644 حساباً مودَعة بصورة غير قانونية في مصارف تجارية مملوكة من الدولة ، في خرقٍ للقانون 139 الذي أُقِر في العام 2006، والذي ينص على وجوب إيداع كل الصناديق الخاصة لدى المصرف المركزي . وتبيّن وجود مبلغ 5.9 مليارات دولار موزّع على 5729 حساباً قانونياً في المصرف المركزي. لكن كل الصناديق الخاصة ، بما في ذلك تلك المودعة بصورة قانونية لدى المصرف المركزي ، لا تخضع للتدقيق من المدققين الماليين، ولذلك على الأرجح أنها تدار بطريقة سيئة وترتبط بالفساد.)
وعودة إلى حديث الدكتور / عبد الخالق فاروق نجده يؤكد على ضرورة النص على تصفية هذه الصناديق والحسابات الخاصة خلال 3 سنوات على الأكثر، وضمها للموازنة العامة للدولة ،........."
وبخصوص الاستجواب المشار إليه والذي أفاد أن أرصدة هذه الصناديق في العام 2008م/2009م هي ( واحد تريليون و 272 مليار جنيه ) ، فقد أكد موقع قناة العربية هذه المعلومة في تقرير نشره الموقع بتاريخ 29/5/2011م ، ولازال منشورا حتى الآن بعنوان ( الصناديق الخاصة.. باب خلفي للفساد و"سرطان" الموازنة في مصر - جهاز رقابي مصري قدر مواردها بـ1272 مليار جنيه ) ، أي ( واحد تريليون و 272 مليار جنيه ) ، وقال الموقع في تفصيلات التقرير :
" شن خبراء اقتصاديون وقانونيون هجومًا حادًا على الصناديق الخاصة ، مؤكدين أن هذه الصناديق أصبحت بمثابة بوابة خلفية للفساد وإهدار المال العام ، كما اعتبرها الخبراء ستارًا للمسئولين السابقين في نظام الرئيس المصري السابق من الوزراء والمحافظين ومديري الهيئات الخاصة للاستيلاء على أموال المواطنين ، موضحين أن موارد هذه الصناديق تأتي من الرسوم التي يتم فرضها على المواطنين ، ويتم توزيعها على المحظوظين بالدولة في شكل مكافآت وحوافز وهدايا.
ووصف الخبراء هذه الصناديق ب "السرطان" لعدم وجود أي تقديرات لحجم الإيرادات والمصروفات بها ، بالإضافة إلى غياب الشروط المحاسبية التي يمكن من خلال مراقبة الأموال في هذه الصناديق ، وطالبوا بضرورة خضوع هذه الصناديق لجهات سيادية وإدخالها ضمن إطار الموازنة العامة للدولة لضمان الشفافية.......
أكد الدكتور/عصام درويش ، عضو المجالس القومية المتخصصة في مصر ، ورئيس مجلس أمناء مؤسسة مالك للتنمية الإنسانية ، في تصريحات خاصة لـ العربية : أن الصناديق الخاصة بمثابة مجموعة من الموارد والرسوم المالية التي يتم فرضها على المواطنين ووضعها في صناديق تتبع عدة جهات ، وقال إنه بالرغم من أن الهدف من هذه الصناديق هو أن تتجه مواردها لسد العجز في الموازنة العامة للدولة والصرف على الخدمات المقدمة للمواطنين ، إلا أن صرف هذه الأموال يتجه ليأخذ مسارات أخرى ، حيث تصرف على المحظوظين في الدولة على شكل مكافآت وحوافز وهدايا.
أشار درويش إلى أن أموال تلك الصناديق توجد خارج إطار الموازنة العامة ، مما يضعها في موضع شبهات ، نظرا لأنها لا تخضع لأي جهات رقابية ، موضحا أن تلك الأموال تُحَصّل من جيوب المواطنين البسطاء عبر رسوم الطرق الكارتة والغرامات والطوابع ، رسوم النظافة ، تذاكر المستشفيات ، رسوم دخول الأماكن السياحية ، مواقف السيارات ، والدمغات الحكومية ، بالإضافة إلى الرسوم الدراسية بالكليات والمعاهد ، فضلا عن رسوم تأمين استخراج اللوحات المعدنية للسيارات.
ووصف الدكتور / عصام درويش الوضع الحالي لتلك الصناديق بأنه كارثة قائلا: إن أي دولة في العالم تفصح عن كل ما يُحصل من أموال المواطنين ، وما تحصل عليه من إيرادات وما تنفقه من مصروفات ، مطالبا بضرورة دخول أموال هذه الصناديق في إطار الموازنة العامة ، ووجوب المشاركة الفعالة في صياغة ورقابة الموازنة العامة من جانب قوى المجتمع المختلفة ، بما يتطلب المعرفة الكاملة بالأوضاع المالية ، وبالتالي الشفافية المطلقة في عرض جهود الموازنة وليس فقط للأغراض الاقتصادية.
فيما شن الدكتور/ حمدي عبدالعظيم ـ رئيس أكاديمية السادات سابقا ، الخبير الاقتصادي ، هجومًا حادًا على هذه الصناديق ، قائلا: إن أموال هذه الصناديق لا تذهب إلى الموازنة العامة للدولة ، بل تعد الباب الخلفي للفساد وإهدار المال العام ، موضحًا أن كل صندوق يحصل منه المسئولون على ملايين الجنيهات شهريا ، نظرا لأنه لا توجد رقابة على هذه الصناديق ، واعتبرها الدكتور / حمدي الستار الذي يحصل منه المحافظون والوزراء ومديرو الأمن وكل المسئولين في المحليات على ملايين الجنيهات شهريا ، ........
ووصف صناديق المحافظات بأنها تحولت إلى لغز كبير، موضحا أن وزارة المالية تشرف بالفعل على الصناديق الخاصة ، لكن وزير المالية حينما يعطي إذنًا بالصرف يعطي موافقة إجمالية ، أي لا يعرف أين تُنفق هذه الأموال بالتحديد ، مشيرا إلى أن هذه الصناديق ظهرت للتغلب على نقص اعتمادات وزارة المالية المخصصة للإنفاق على المشروعات.
واعتبر الدكتور/ حمدي أن هذه الصناديق تمثل أحد مبتكرات النهب الرسمي ، وهي بمثابة أوعية موازية تتبع الوزارات أو الهيئات العامة وتنشأ بقرارات جمهورية ، لتستقبل حصيلة الخدمات والدمغات والغرامات وغير ذلك من الموارد لتحسين الخدمات التي تقدمها الهيئات العامة ، لكن هذه الحصيلة لا تدخل إلى خزينة الدولة ولا علاقة للموازنة العامة بها ، ومن ثم فلا تعرض تفاصيلها على مجلس الشعب ، رغم أنه من المفترض خضوعها لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات.
من ناحيته يقول الدكتور/ عاطف سالم ، أستاذ القانون المدني بجامعة عين شمس ، إن قانون الموازنة ينص على أن تشمل الموازنة كل الإيرادات والمصروفات ، فالموازنة العامة في مصر تتضمن فقط 20% من الإيرادات التي تمثل الضرائب وعوائد قناة السويس والبترول والهيئات الاستثمارية ، أما 80% من الإيرادات فتذهب إلى الصناديق الخاصة ، التي وصلت أموالها إلى 1272 مليار جنيه ، وفقا لتقرير الجهاز المركزي للمحاسبات الأخير ، موضحا أنه يُنفق جانب كبير منها في نشر إعلانات تهانٍ وتعازٍ ومكافآت لبعض العاملين المنتدبين من جهات أخرى أو تجهيز قاعات ومكاتب وشراء أراضٍ ، وصرف كامل حصيلة بعض الصناديق كمكافآت دون الصرف على باقي أغراض الصندوق ، مثل صندوق حصيلة تراخيص إنشاء مصانع الحديد والإسمنت ، التي تم منح نسبة 1% من حصيلة حسابي الحديد والإسمنت للعاملين بالهيئة العامة للتنمية الصناعية والتي بلغت نحو 10.28 مليون جنيه بالمخالفة لأحكام المادتين 209، 224 من اللائحة التنفيذية لقانون الموازنة العامة للدولة.
وأضاف الدكتور عاطف سالم : أن المادة (20) من القانون أعطت لرئيس الجمهورية الحق في إنشاء صناديق خاصة لأغراض محددة بإيرادات محددة ، وتُنشأ خارج الموازنة العامة للدولة ، وهذا التوسع في إخراج أموال عامة خارج نطاق الموازنة العامة للدولة لم يقتصر على سلطة رئيس الجمهورية وإنما تعددت القوانين التي تنص على هذا ، فمثلا قانون الإدارة المحلية يعطي الحق لرؤساء القرى أو المراكز أو المحافظات في إنشاء صناديق خاصة لا تخضع أيضا للرقابة الحكومية ، لذلك حدث توسع كبير في إنشاء الصناديق المالية ، حتى أصبح من الصعب حصرها ، لدرجة أن تقرير الجهاز المركزي قال إن ما أمكن حصره منها بلغ حوالي 10 آلاف صندوق.
وقال إنه يمكن الاستفادة من هذه الصناديق في سداد ديون مصر ، وزيادة الرواتب لتصل إلى المستويات العالمية ، وإصلاح التعليم والصحة والنقل والمواصلات ، وتحويل الموازنة من العجز إلى الفائض ، لو أحسن استغلالها بالشكل الأمثل بعد ضمها للموازنة العامة للدولة.
*******
ثالثا: أموال الصناديق يتم تحصيلها دون قانون.
نصت المادة (38( من دستور 2014م على أنه :
( يهدف النظام الضريبي وغيره من التكاليف العامة إلي تنمية موارد الدولة ، وتحقيق العدالة الاجتماعية ، والتنمية الاقتصادية.
لا يكون إنشاء الضرائب العامة ، أو تعديلها ، أو إلغاؤها ، إلا بقانون ، ولا يجوز الاعفاء منها إلا فى الأحوال المبينة فى القانون . ولا يجوز تكليف أحد أداء غير ذلك من الضرائب ، أو الرسوم ، إلا فى حدود القانون......
ويحدد القانون طرق وأدوات تحصيل الضرائب ، والرسوم ، وأي متحصلات سيادية أخرى ، وما يودع منها فى الخزانة العامة للدولة.)
وعلى ضوء النص سالف الذكر وما يماثله في دستور 2012م ودستور 1971م ، لا يجوز تحصيل أية ضرائب أو رسوم أو أية أموال من أي نوع من المواطنين إلا بقانون يحدد فئة المواطنين الخاضعين للضريبة أو الرسم المقرر ، كما يحدد قيمة مبلغ الضريبة أو الرسم ، والعلة من ذلك هي منع الغلو في فرض الجباية على المواطنين على النحو الذي يمكن أن يصيبهم بالفقر ويصيب أكثرهم بالعجز عن سداد الأموال التي تطالبه الحكومة بها أو يسددها فيعجز عن تلبية مطالب أسرته وأبنائه .
ومع ذلك وكما ذكرنا من قبل أعطت المادة ( 20 ) من قانون الموازنة لرئيس الجمهورية صلاحية إنشاء صناديق خاصة وتحديد كيفية تحصيل أموالها ، ثم توالت القوانين التي منحت ذات الصلاحية للوزارات والهيئات والجامعات والوحدات المحلية ، فخرجت الأمور عن السيطرة ، وانطلقت كل جهة من الجهات المشار إليها تفرض على الناس من الرسوم المرتفعة ما شاءت حتى أرهقت كاهل المواطنين ولم تعد هناك مهنة أو حرفة يمكن أن تستر العاملين بها وتغطي مصاريف أسرهم ، وقد رأينا كيف تم – منذ فترة وجيزة - تخفيض الرسوم التي تحصل من المواطنين لترخيص السيارات بعد أن ارتفعت شكاوى العاملين في قطاع النقل والمواصلات .
وجدير بالذكر أن تحايل النظام الحاكم على هذا القيد بإعطاء هذه الوزارة أو تلك صلاحية إنشاء صناديق لا يُغني عن صدور قانون من السلطة التشريعية يجيز تحصيل الأموال الواردة في قرار إنشاء الصندوق أو يرفضها آخذين في الاعتبار ما سبق أن قررناه من أن أموال هذه الصناديق في الأصل غير دستورية ولا يجوز تحصيلها من الأساس .
*******
رابعا: أموال الصناديق إهدار لموارد الشعب.
نصت المادة 34 من دستور 2014م على أن :
( للملكية العامة حرمة ، لا يجوز المساس بها ، وحمايتها واجب وفقًا للقانون )
كما نصت المادة (33) على أن :
( تحمى الدولة الملكية بأنواعها الثلاثة ، الملكية العامة ، والملكية الخاصة ، والملكية التعاونية)
ونصت المادة ( 32/1 ) على أن :
( موارد الدولة الطبيعية ملك للشعب ، تلتزم الدولة بالحفاظ عليها ، وحُسن استغلالها ، وعدم استنزافها ، ومراعاة حقوق الأجيال القادمة فيها )
وكل هذه النصوص الدستورية يوجد ما يماثلها في دستور 2012م ودستور 1971م .
ولما كانت أموال هذه الصناديق تحصل من المواطنين ، وتعد خصما من الملكية العامة والخاصة معا ، مع عدم إدراجها في الموازنة العامة للدولة وعدم خضوعها لأي رقابة جدية لدرجة أن الجهاز المركزي للمحاسبات نفسه يشكو من عدم إمكانية حصر هذه الصناديق بعد ما فعله الوزير الخبيث يوسف بطرس غالي حين أشار على الكبار بوضع هذه الأموال في حسابات في البنوك وليس مباني الأجهزة الإدارية للدولة حتى تختفي عن أعين الناظرين من المواطنين الذين يحسدون المسئولين على كنوز مغارات على بابا .
*******
خامسا: أموال الصناديق لا تستخدم في التنمية المستدامة.
نصت المادة (27) على أن :
( يهدف النظام الاقتصادي إلى تحقيق الرخاء فى البلاد من خلال التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية ، بما يكفل رفع معدل النمو الحقيقي للاقتصاد القومي ، ورفع مستوى المعيشة ، وزيادة فرص العمل وتقليل معدلات البطالة ، والقضاء على الفقر.)
فأموال الصناديق وكما ذكرنا لا تدخل ضمن إيرادات الموازنة العامة للدولة ، كما أنها لا تخضع للرقابة ، ويُساء استخدامها حيث تُنفق في غير الأسباب التي تم اثباتها ضمن أهداف إنشاء الصندوق .
نشرت صحيفة المصري اليوم بتاريخ 8/7/2012م تقريرا بعنوان ( الباب الخلفي للفساد: رحلة الصناديق الخاصة من السادات إلى مبارك ) تقول فيه :
حال "الصناديق الخاصة" في مصر لا يسر أحدًا ، فعلى مدى حوالي أربعين عامًا ، توسعت الصناديق الخاصة وخرقت كل الضوابط والقوانين وأصبحت تمثل ميزانية موازية لا أحد يعلم بالضبط حجمها أو أوجه إنفاقها.
كيف نشأت هذه الصناديق ؟ من يديرها ؟ وما هي الجهات الرقابية المناط بها محاسبة المسؤولين عنها ؟ ومن أين جمعت المليارات التي تتحكم فيها ؟ وفي أي مجالات تصرف ما تجمعه من أموال ؟ أسئلة مشروعة تبحث عن إجابة.
يلفت الخبير الاقتصادي عبد الخالق فاروق انتباهنا إلى أن فكرة الصناديق الخاصة نشأت أول ما نشأت بعد نكسة 1967 كمحاولة من الحكومة لتخفيف العبء نتيجة عدم القدرة على سد بعض الاحتياجات في الموازنة العامة للدولة. إذ كانت أول سابقة في هذا المجال هي إصدار القانون رقم (38) لعام 1967 الذي أقر إنشاء صندوق للنظافة في المحليات تم تمويله من خلال فرض رسوم نظافة محلية.
لكن النشأة الرسمية لـ "الصناديق الخاصة" أو "الحسابات الخاصة" كانت في عهد الرئيس الأسبق أنور السادات من خلال القانون رقم (53) لسنة 1973 بشأن الموازنة العامة للدولة. فقد أباح هذا القانون إنشاء "صناديق خاصة" و"وحدات ذات طابع خاص" في المادة (20) منه التي تقضى بأنه : ( يجوز بقرار من رئيس الجمهورية إنشاء صناديق تخصص لها موارد "معينة" لاستخدامات محددة، ويعد للصندوق موازنة خاصة خارج الموازنة العامة للدولة وتتبع الجهات الإدارية كالجهاز الإداري ، الإدارة المحلية ، الهيئات العامة الخدمية والاقتصادية ، وغيرها من الأشخاص الاعتبارية العامة )
وفي هذا السياق ، يقول مدير مركز الدراسات الاقتصادية الدكتور/ صلاح جودة : الصناديق الخاصة بشكلها الحالي بدأت بعد حرب أكتوبر مع اتجاه الرئيس السادات إلي سياسة الاقتصاد الحر ، إذ ظهرت وقتها بعض الأصوات التي طالبت بالتغلب على الروتين الحكومي وتبني نهج القطاع الخاص ، خاصة بعد دخول البنوك الأجنبية وشركات التأمين الخاصة إلى مصر . هذا ما دفع الحكومة آنذاك إلى ابتكار آليات جديدة للتغلب علي العقبات الروتينية المعوقة لتمويل الاستثمار.
وهكذا ظهرت الصناديق الخاصة التي بدأت بصندوق في مجلس الوزراء يهدف إلى تسهيل شراء الاحتياجات التي يراها المجلس بصفة عاجلة دون انتظار اللوائح وقانون المناقصات وغير ذلك. وفي السنوات اللاحقة ، اتسع استخدام الصناديق الخاصة ، خاصة بعد صدور القانون43 لسنة 1974 - قانون رأس المال العربي والأجنبي - في عهد وزارة الدكتور عبد العزيز حجازي الذي أسفر عن إنشاء "هيئة الاستثمار".
هناك نوعان من الصناديق الخاصة ، .....أما النوع الثاني فهو الصناديق التي تنشأ من داخل وحدات الجهاز الإداري للدولة كالوزارات أو المحافظات أو الهيئات الخدمية وتتبع لها ، مثل "حساب الخدمات والتنمية المحلية بالمحافظات" و"حساب الإسكان الاقتصادي بالمحافظات" و"حساب استصلاح الأراضي" و"صناديق تحسين الخدمة" وغيرها ، وهذه صناديق لا تخضع للرقابة المركزية وهي مصدر الصداع المرتبط بالصناديق الخاصة.
يقول الدكتور صلاح جودة أنه بعد صدور قانون الاستثمار العربي والأجنبي تم التوسع في إنشاء النوع الثاني من الصناديق ، فمثلا في عهد السادات تم تخصيص صندوق لوزارة الصناعة لشراء احتياجات المصانع من قطع غيار والآلات ومعدات وغير ذلك ، هذا بالإضافة إلى التوسع في تقنين فتح حسابات خاصة لبعض الجهات والوزارات ، مثل حالة قانون نظام الإدارة المحلية رقم (43) لسنة 1979م الذي نص على إعطاء مجالس الإدارات المحلية الحق في إنشاء صناديق وفرض رسوم.
أما في عهد مبارك ، فقد تشعبت تلك الصناديق وانتشرت في كل الوزارات والمحافظات والشركات القابضة . ففي هذه المرحلة صدرت سلسلة من القوانين تعطي الحق للعديد من الجهات في إنشاء صناديق خاصة ، مثل قانون التعليم رقم (139) لسنة 1981، وقانون الجامعات رقم (49) لسنة 1992 م.
ويرى الباحث الاقتصادي وعضو نادي خبراء المال الدكتور عبد المنعم سعيد أن الصناديق الخاصة في عصر المخلوع كانت بمثابة "باب خلفي" للفساد والتحايل على القوانين ، وذلك مثلما حدث في بداية التسعينيات ، حينما تم تأسيس صندوق خاص يتم تمويله من المعونة الخارجية ولا يخضع لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات لدفع رواتب كبار المصرفيين في البنوك المصرية بحجة أن القانون يحدد الحد الأقصى لراتب رئيس مجلس الإدارة .....
ويشير الدكتور / عبد المنعم سعيد كذلك إلى "صناديق النذور" بالمساجد ، فهذه الأخيرة تعتبر من الصناديق الخاصة التي اتسع نطاق استخدامها بشكل مهول في العقود الأخيرة ، حيث توزيع أموالها على إمام المسجد وخادم المسجد ووزارة الأوقاف دون وجود آليات وضوابط لضم موارد هذه الصناديق إلى وزارة الأوقاف.
أما عبد الخالق فاروق ، فيشير في هذا السياق إلى أن وزير المالية الهارب يوسف بطرس غالي أصدر عام 2006 القانون رقم (139) الذي عدل بموجبه قانون المحاسبة المالية مما سمح للصناديق الخاصة بإنشاء حسابات في البنوك التجارية ، وهو ما أخرج الصناديق عمليًا من دائرة الرقابة .
ونضيف على ما سبق اقتباسا من التقرير الذي أعده "نزار مانيك" كاتب مساهم في النشرة الإخبارية Africa Confidential ، و "جيريمي هودج" صحافي ، ومستشار بحثي ، ومترجم من العربية إلى الإنجليزية ، في حوار أجرته معهما راشيل حنا مساعدة مدير تحرير Harvard Political Review ، حيث جاء فيه :
" بحلول نهاية السنة المالية 2012/2013، تُظهر السجلات الرسمية التي اطّلعنا عليها عن وجود صناديق خاصة تضم مبالغ قدرها 3.5 مليارات دولار موزَّعة على 644 حساباً مودَعة بصورة غير قانونية في مصارف تجارية مملوكة من الدولة ، في خرقٍ للقانون 139 الذي أُقِر في العام 2006، والذي ينص على وجوب إيداع كل الصناديق الخاصة لدى المصرف المركزي . وتبيّن وجود مبلغ 5.9 مليارات دولار موزّع على 5729 حساباً قانونياً في المصرف المركزي. لكن كل الصناديق الخاصة ، بما في ذلك تلك المودعة بصورة قانونية لدى المصرف المركزي ، لا تخضع للتدقيق من المدققين الماليين ، ولذلك على الأرجح أنها تدار بطريقة سيئة وترتبط بالفساد. "
********
سادسا: الصناديق الخاصة تساعد على تهريب الأموال.
يقول الصحفيان "نزار مانيك وجريمي هودج" في تقريرهما المشار إليه أعلاه بشأن الصناديق الخاصة في مصر :
" خلال تلك المرحلة ، قيل إن التهريب غير القانوني لأموال الدولة المصرية إلى مراكز مالية في لندن وسويسرا وبلدان أخرى ، حدث في الأسابيع والأشهر التي تلت مباشرةً اندلاع انتفاضة كانون الثاني/ يناير 2011. كل من حاولوا تعقّب هذه المبالغ وتحديد قيمتها وجدوا صعوبة في ذلك ، لكن في شباط / فبراير 2011، تمكّنت الحكومة السويسرية من تجميد مبلغ قدره 760 مليون فرنك سويسري قالت إنه مرتبط بأسرة مبارك وشركائها ، وإنه جرى تهريبه بطريقة غير شرعية من مصر إلى سويسرا في أعقاب ثورة كانون الثاني/ يناير 2011م ، ويضيف الصحفيان : نحن نعتقد أنه ربما استُخدِمت الصناديق الخاصة لتسهيل هذا التهريب المزعوم للأموال ، نظراً إلى أن هذه الصناديق لا تخضع لإشراف المدققين الماليين ، كما أن وزارة المالية المصرية والبنك المركزي والبرلمانات المصرية السابقة عمدت مراراً وتكراراً إلى تقدير النشاط الائتماني لهذه الصناديق ومديونيتها بأقل من قيمتهما الفعلية في الأعوام التي أعقبت الانتفاضة المصرية . المبالغ المالية التي دخلت الحسابات ثم أُنفِقت سنوياً ، كما يظهر في وثائق البنك المركزي والجهاز المركزي للمحاسبات ووزارة المالية التي حصلنا عليها ، أعلى بكثير من المبالغ التي أعلنت عنها هذه المؤسسات للرأي العام ، من دون أن تقدّم أي تفسير عن التفاوت في الأرقام".
ويضيف الدكتور/ عبد الخالق فاروق : " أن الرئيس المخلوع سمح بإنشاء أكثر من ستة حسابات خاصة في رئاسة الجمهورية بلغ ما تحتويه من أموال حتى ليلة التنحي عن الحكم حوالي 3 مليار دولار لا أحد يعرف عنها شيئًا حتى الآن."
تأتي موارد الصناديق الخاصة التابعة لوحدات الجهاز الإداري للدولة من الرسوم التي تفرضها وتحصلها تلك الوحدات من المواطنين . وتتنوع الرسوم بحسب الجهة صاحبة الصندوق . فهناك الرسوم الدراسية بالكليات والمعاهد ، ورسوم تأمين استخراج اللوحات المعدنية للسيارات ، ورسوم شهادات البيانات للسيارات ، وهناك المصاريف الإدارية والتمغات المدفوعة للحصول على ترخيص سيارة أو رخصة قيادة ، وهناك المصروفات الإدارية والتمغات المدفوعة للحصول على بطاقة شخصية ، وكذلك هناك تذاكر زيارة المرضى بالمستشفيات وتذاكر الانتظار بمواقف السيارات ورسوم الطريق «الكارتة» ، بالإضافة إلى المصاريف الإدارية والتمغات المدفوعة للحصول على رخصة بناء أو القيام بنشاط تجاري.
المُلفت أن الأمر وصل إلى قيام بعض الجهات بفرض رسوم غير قانونية علي خدمات من المفترض أن تؤدى مجانًا للمواطنين بغرض تمويل الصناديق ، وهو ما وضع الجمهور تحت رحمة الجهات الحكومية التي تستنزف أموالهم دون أي سند قانوني . هذا ناهيك عن أن تحديد قيمة الرسوم يخضع لأهواء المسؤولين في الجهات المختلفة وفقًا لما تتطلبه الاحتياجات التمويلية للصناديق.
ويقول الدكتور/ عبد المنعم سعيد إنه لا يوجد حصر أو إحصائيات موثوق بها لعدد الصناديق الخاصة وما بها من أموال ، والسبب هو عدم وجود رقابة على التحصيل وكيفية الإنفاق ، وهو ما ظهر جليًا في تضارب التصريحات حول قيمة هذه الصناديق بين الجهات المختلفة مثل الجهاز المركزي للمحاسبات أو وزارة المالية أو مجلس الوزراء.
ويضيف سعيد أن عدم وجود ضوابط في القانون المنظم للصناديق يجعل الرقابة عليها غير ذات جدوى . فعلى سبيل المثال ، قيام المسؤول عن الصندوق بإنفاق كافة موارده علي المكافآت والحوافز والبدلات لا يعد مخالفة ، ببساطة ، لأنه لا توجد قواعد محددة تحكم إدارة الأموال.
وهكذا اتسعت الصناديق الخاصة في عصر الخصخصة والسوق الحر لتصبح سرطانًا متغلغلًا في الجسد الاقتصادي المصري . وبعد أن كانت الحكمة في إنشاء الصناديق هي تحطيم الروتين ، أصبح واقعها بابًا خلفيًا للفساد والتجاوزات على خلفية منظومة سياسية هدفها نهب أموال المصريين وإفقارهم ، وعامل هام من عوامل تسهيل تهريب أموال الشعب المصري على النحو الوارد أعلاه.
*******
سابعا: أمثلة على نهب أموال الصناديق الخاصة :
1- في ٢٨ يناير٢٠١٦م أصدر قاضي التحقيق المستشار محمد عبدالرحمن ، قرارًا بأنه لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية ضد ٩٠ مسئولًا بمؤسسات الدولة المختلفة على رأسها وزارة الداخلية ووزارة المالية ووزارة النقل ، والجهاز المركزي للمحاسبات ، في اتهامهم في القضية المعروفة إعلاميًا باتهام اللواء حبيب العادلي ، وزير الداخلية الأسبق ، بالاستيلاء على مليار جنيه من ميزانية وزارة الداخلية ورفعهم من قوائم المنع من السفر.
وأوضح القرار ، أن المتهمين اعترفوا بحصولهم على تلك المبالغ المالية تحت مسمى حافز احتياطي لمواجهة الأخطار الأمنية ، وأنه كان يصدر بقرار من الوزير وأنهم لم يتعمدوا الاستيلاء على الأموال ، وقام المتهمون برد كل الأموال التي أخذوها دون وجه حق.
2- وفقًا لسجلات رسمية هناك نحو ٩.٤ مليار دولار خبئت في نحو ٦٧٠٠ حساب بنكي غير خاضعة للتدقيق في البنك المركزي المصري ، وبشكل غير قانوني في عدد من البنوك التجارية المملوكة للدولة ، تم صرفها في آخر السنة المالية ٢٠١٢ م/ ٢٠١٣م ، هذه السنة التي سبقت انتفاضة ٣٠ يونيو والتي صاحبها تدفق مساعدات الخليج إلى البلاد.
وحذرت نفس اللجنة المذكورة أعلاه ، لجنة الخطة والموازنة بمجلس الشعب ، حكومة الإنقاذ الوطني برئاسة الدكتور كمال الجنزوري ، من خطورة حرق أموال الصناديق الخاصة التي قدرها البعض بنحو تريليون جنيه مصري ، عن طريق صرف هذه الأموال على المكافآت والذي منه.
(المصدر: أحمد الحصري – البوابة نيوز 7/8/2021م تحت عنوان الصناديق الخاصة حديث ممتد )
3- سمح الرئيس المخلوع بإنشاء أكثر من ستة حسابات خاصة في رئاسة الجمهورية بلغ ما تحتويه من أموال حتى ليلة التنحي عن الحكم حوالي 3 مليار دولار لا أحد يعرف عنها شيئًا حتى الآن.
( المصدر: دكتور عبد المنعم سعيد "المصري اليوم" 8/7/2012م )
4- كان المستشار هشام جنينة ، رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات قد تقدم للمهندس إبراهيم محلب رئيس مجلس الوزراء بمذكرة أوصى فيها بضرورة إصدار مرسوم بقانون لخضوع جميع الصناديق الخاصة لرقابة الجهاز وإلزام جميع جهات الدولة بالإفصاح عما لديها من صناديق خاصة ومصادر تمويلها وإنفاقها ، كما طالب في القانون بمعاقبة الممتنعين من المسئولين عن الإدلاء بتلك المعلومات بالعزل من الوظيفة والمحاكمة الجنائية.
( المصدر: الوفد 15/8/2014م تقرير بعنوان الصناديق الخاصة مغارة علي بابا )
5- وتطرق المستشار / هشام جنينة لملف الصناديق الخاصة قائلا: لم يعد وضع هذه الصناديق مقبولاً ، فلا يمكن أن تتمكن مختلف جهات الدولة من حصر حسابات الصناديق الخاصة بسبب إخفاء الجهات المؤسسة لها أية بيانات عمدا عن الحكومة والجهاز المركزي.
وشدد على ضرورة تفعيل المذكرة ، التي رفعها إلى رئيس الوزراء إبراهيم محلب ، بخصوص تنظيم عمل الصناديق الخاصة ، بعد أن تم حفظ المذكرة التي رفعها بشأن نفس الموضوع فى عهد حكومة الدكتور الببلاوي ، لافتاً إلى ضرورة تفعيل المحاسبة التأديبية والجنائية للمسئولين الذين يتعمدون اخفاء المعلومات عن الصناديق الخاصة حتى فى حالة انهاء خدمتهم بالحكومة.
( المصدر: موقع صحيفة المال 29/9/2014م تحت خبر تقارير بالفساد تنتظر البرلمان )
6- وأشار جنينة إلى أن القانون يمنح العاملين بالجهاز حق الضبطية القضائية ، لكن هناك مؤسسات منعت خبراء الجهاز من التفتيش على حساباتها مثل وزارة الداخلية معربا عن أمله في أن تستجيب الوزارة بعد الجلسة التي عقدها رئيس الوزراء مع وزير الداخلية لتسهيل عمل خبراء الجهاز.
( المصدر: سكاي نيوز عربية 19/6/2014م تحت عنوان 200مليار جنيه حجم الفساد بمصر سنويا )
7- تعد الصناديق الخاصة فى الوزارات من أبرز مظاهر الفساد التي كشفت عنها تقارير الجهاز. ذلك أنه يتم اقتطاع مبالغ مالية كبيرة من ميزانية بعض الوزارات وإيداعها فى تلك الصناديق بشكل عشوائي دون رقابة من الجهاز أو وزارة المالية. أما بند الهدايا التي تقدم للمسئولين فهو يشمل فصوص الألماظ والساعات الذهبية والجنيهات الذهبية ، فضلا عن الثلاجات والمكيفات . وفى بعض الأحيان كانت قيمة الهدايا تقدر بالملايين ، كما أنها كانت تشمل تأثيث بيت كامل بجميع احتياجاته وتقديمه «هدية» للمسئولين فى بعض المناسبات.
( المصدر: فهمي هويدي نقلا عن الجهاز المركزي للمحاسبات صحيفة الشروق بتاريخ 26/8/2016م )
8- جدد المستشار / هشام جنينة ، في تصريحات خاصة لـ «المصري اليوم» تأكيده التمسك بالرقم الذي ذكره حول تقديرات حجم الفساد ، والبالغ نحو 600 مليار جنيه في الفترة من 2012 إلى 2015، وتابع: " بل الجديد أن هذه التقديرات تتعلق بأربعة عشر قطاعا فقط داخل الدولة دون سائر القطاعات ".
وفجّر الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات مفاجأة بشأن قضية الفساد في مجلس الدولة ، قائلًا: " تلقينا شكاوي من مستشارين في مجلس الدولة قبل نحو 4 سنوات ، وطالبنا بتمكين الجهاز من الرقابة وممارسة دوره لفحص الشكوى ، ولم نتمكن ، والآن نرى هجمة شرسة على مجلس الدولة في الفترة الحالية بالتزامن مع حكم تيران وصنافير ، رغم أن الكثير من وقائع الفساد كانت معلومة منذ سنوات".
( المصدر: صحيفة المصري اليوم 5/1/2017م تحت عنوان: هشام جنينة : هل أدركتم حجم الفساد بعد قضية «الرشوة الكبرى»؟ )
9- ويكشف لنا ( مرصد الموازنة العامة وحقوق الإنسان ) في تقرير بعنوان (مغارة الحسابات والصناديق الخاصة فى مصر ) تم نشره بتاريخ 6/5/2013م عن تعدد أنواع الصناديق الخاصة بحسب الهدف المقصود من كل منها ، وعندما تقرأون هذه الأنواع سوف تتعجبون من حجم ونوعية الأموال التي يتم تعبئة الصناديق بها ، وفيما يلي أنواع الصناديق الخاصة :
1- صناديق الخدمات : وهي الصناديق التي تنشأ لأغراض خدمية ويتم تمويلها من ضرائب معينة أو إيرادات أخرى مخصصة لها وفقا للقانون مثل ( صناديق الحماية الاجتماعية - صناديق الصحة - صناديق الطرق ).
2- صناديق التنمية : وهي الصناديق التي تنشأ لدعم برامج التنمية التي غالبا ما تتطلب مساهمات من جانب المانحين وفي بعض الأحيان من مصادر داخلية كعوائد الخصخصة مثل ( الصناديق الاجتماعية - الصناديق البيئية ) .
3- صناديق الاستثمار : وهي الصناديق التي تنشأ بغرض تحقيق أهداف استثمارية محددة وتتكون من أسهم ، سندات ، معادن نفيسة ، أصول ، أو أي أشكال أخرى من الأصول المالية ، كما هو الحال بالنسبة لصناديق الثروة السيادية.
4- صناديق الاحتياطي : وهي الصناديق التي تنشأ لأغراض الطوارئ أو أوجه الإنفاق غير المتوقعة .
5- صناديق تحقيق الاستقرار : وهي الصناديق التي تنشأ بغرض تقليل أثر تقلبات الإيرادات على الحكومة والاقتصاد مثل صناديق الاستقرار النفطي.
6- صناديق الادخار: وهي الصناديق التي تسعى الي خلق مخزون من الثروة للأجيال المستقبلية مثل صناديق ادخار النفط .
7- صناديق التمويل : وهي صناديق تستخدم لتحقيق التوازن في الموازنة العامة بشكل عام وليس لتمويل أوجه الإنفاق المعتادة.
8- صناديق مشتركة مع الجهات المانحة ، وهي الصناديق المرتبطة بالتدفقات من الجهات المانحة ) بما فيها العينية ( التي يتم ادارتها وفقا لإجراءات معينة ، مع الأخذ في الاعتبار متطلبات الجهات المانحة .
9- الصناديق المتجددة / المتعاقبة : وهي الصناديق التي يعاد تجديد مواردها عادة من خلال الرسوم على السلع والخدمات وعل عمليات الإقراض التي يظل دخلها متاحا لتمويل عملياتها المستمرة ، التي كانت في الأحوال الأخرى ستتعرض للخطر بسبب قواعد الموازنة التي تقوم على انتهاء صالحية مخصصات الموازنة بنهاية العام المالي .
*******
ثامنا: اختلاف تقديرات الجهاز المركزي لأرصدة الصناديـــق فيمــا بيــن الأعــــــوام 2009م و2010م و 2011م
تحت عنوان ( أرصدة الصناديق والحسابات الخاصة لدى البنك المركزي والبنوك التجارية فى مصر حتى تاريخ 30/6/2011 (أفاد الجهاز المركزي للمحاسبات :
- أن جملة عدد الصناديق والحسابات الخاصة فى كل من البنك المركزي والبنوك التجارية تبلغ 6361 .
- وأن أرصدة تلك الحسابات بالبنك المركزي عملات محلية وأجنبية والبنوك التجارية بلغت نحو حسابا 47 مليار جنيه (حتى 30/6/2011م). - أضافت المذكرة أنه عند فحص الصناديق والحسابات الخاصة والوحدات ذات الطابع بخالف الحسابات تيحت للجهاز تبني أنها 6061 حسابا ً لكشوف حساب البنك المركزي بخلاف الحسابات المفتوحة فى البنوك التجارية ، وبلغ إجمالي تلك الصناديق فى 30/6/2011 نحو 38,6 مليار جنيه منها مبلغ نحو 5 مليارات جنيه تتعلق بالهيئات الاقتصادية والحسابات الأخرى ونحو 5,8مليار جنيه رصيد الحسابات الخاصة بالعملات الأجنبية والباقي يبلغ 27,8 مليار جنيه يخص الجهاز الإداري والإدارة المحلية والهيئات الخدمية والأشخاص الاعتبارية والجامعات ، وبلغ إجمالي حركة الحسابات عن العام المالي 2010/2011م نحو 98,7 مليار جنيه (ايداعات) ونحو 97,8مليار جنيه (مسحوبات) بفائض مرحل نحو 0,9 مليار جنيه بخلاف رصيد أول المدة البالغ نحو 31,9 مليار جنيه ( رصيد 1/7/2010م) ، وبذلك يكون إجمالي رصيد آخر المدة فى 30/6/2011 م نحو 32,8 مليار جنيه وبإضافة رصيد آخر المدة للحسابات بالعملات الأجنبية نحو 5,8 مليار جنيه يكون إجمالي رصيد آخر المدة نحو 38,6مليار جنيه ، أما أرصدة الصناديق والحسابات الخلاصة بالبنوك التجارية فى 30/6/2011م ( خارج البنك المركزي ) بلغت نحو 8.8 مليار جنيه وعددها 300 حساب وبذلك يكون الاجمالي كما ذكرنا 47 مليار جنيه .
وأضافت المذكرة أن عدد الحسابات الخاصة بالعملات الأجنبية بلغ في 30 يونيو2011 حوالي 820 حسابا إجمالي أرصدتها 5,846 مليار جنيه . وقد تصدرت الحسابات بالدولار الأمريكي عدد الحسابات حسابا ، يليه اليورو و الذي بلغ عدد الحسابات المفتوحة به بالعملات الأجنبية ، حيث كانت حوالي 418 حسابا ، يليه اليورو والذي بلغ عدد الحسابات المفتوحة به 255 حسابا ، ثم الجنيه الإسترليني بعدد حسابات بلغ 95 حسابا ، و15حساب بالريال السعودي ، و14حساب بالفرنك السويسري ، و9 حسابات بالكرون الدانماركي، و4 حسابات بالدينار الكويتي ، وحسابين اثنين بالين الياباني ، ومثلهم بالدولار الكندي .
أما عن مخالفات الصناديق التي ذكرها تقارير الجهاز المركزي للمحاسبات في التقرير سالف الذكر فسوف نعرض أهمها فقط والتي تتمثل في الآتي :
-صرف بعض أموال الصناديق والحسابات الخاصة فى غير الأغراض المخصصة لها والمنشأة من اجلها.
- عدم إحكام الرقابة على عملية الصرف والإيداع بسبب تحصيل بعض الإيرادات دون وجود لائحة مالية منظمة لذلك ، وكذا صرف بعض المبالغ دون وجود مستندات مؤيدة للصرف.
- تحميل بعض الصناديق والحسابات الخاصة بمبالغ دون مبرر تتمثل فى قيمة توصيلات المياه لفيلا كبار المسئولين على الرغم من عدم وجود أي مساكن مستفيدة من خط المياه المنفذ واخلط بالكامل داخل الأراضي الزراعية ، وقيمة حوافز ومكافآت وبدالات لبعض العاملين دون وجه حق بالزيادة عن النسبة المقررة لها ، بالإضافة الى عدم سداد بعض الصناديق والحسابات الخاصة النسبة المقررة من أموالها لصناديق وحسابات وجهات أخرى أو سدادها بأقل مما يجب.
كما أكد مخالفة الصناديق الخاصة لمبدأي وحدة وشمول الموازنة العامة ، موضحا أن قيام بعض الوحدات بفتح حسابات خاصة بالبنوك ليتم إيداع بعض المتحصلات بها والصرف منها ً يُعد مخالفة لمبدأ يعد مخالفة لمبدأ العمومية الوارد بالمادتين 9،3 من قانون الموازنة العامة ، فوفقا لمبدأ وحدة الموازنة ، فإنه لا يجوز تخصيص مورد معين لنفقة محددة ، بل يجب أن تتجمع جميع موارد الدولة في الخزانة العامة والتي تقوم بتوزيعها على مختلف جوانب الإنفاق العام وفقا لما يرتئيه المجلس التشريعي عند مناقشة وإقرار الموازنة ، بينما نلحظ أن هذه الصناديق تحتفظ بمواردها للإنفاق على بنود محددة وهو ما يؤدى الى اختلالات أساسية فى الأولويات التي وضعها المجتمع للإنفاق العام . كما أن التوسع فى هذه الصناديق قد أهدر مبدأ الشمول والذى بمقتضاه يجب أن تتجمع كل موارد الدولة ونفقاتها فى إطار واحد يسهل متابعته ، وبالتالي لا يجوز أن تُنشأ حسابات خارج هذا النظام .
س إذن ما هي أرصدة الصناديق الخاصة في ظل الاختلافات سالفة الذكر ؟
- أفاد الجهاز المركزي للمحاسبات الخاص بالحساب الختامي لموازنة الدولة للعام 2008م/2009م أن أرصدة الصناديق الخاص في نهاية العام 2008م/2009م ( 1272 مليار جنيه ) ، يعني ( تريليون و272 مليار جنيه ) .
- ثم فجأة ينخفض تقدير الجهاز المركزي لهذه الأموال في العام 2010م ليقرر أنها ( 31,9مليار جنيه ) في 1/7/2010م .
- و ( 47 مليار جنيه ) في 30/6/2011م .
بالتأكيد أن تقدير الجهاز المركزي لأرصدة الصناديق الخاصة في ختام العام 2008م/2009م عندما قرر أنها ( 1272 مليار جنيه ) هو الأكثر دقة وتعبيرا عن الحقيقة وذلك للأسباب الآتية :
1- أن التقدير السابق في عام 2009م ( 1272 مليار جنيه ) تم في ظل قيادة المستشار الدكتور / جودت الملط والذي رأس الجهاز في الفترة من 1999م حتى عام 2011م .
2- أن المجلس العسكري تولى شئون البلاد اعتبارا من شهر فبراير / 2011م ، وأصبحت كل الأمور تحت السيطرة .
3- أن الوزير الخبيث / يوسف بطرس غالي والذي سبق له تحويل تبعية 435 مليار من أموال التأمينات والمعاشات لوزارة المالية مما أدى إلى حرمان أصحاب المعاشات من الاستفادة من أموالهم المقتطعة من رواتبهم لتحسين أحوالهم ، قام بدور مماثل حين أهدى لمن يحكمون مصر طريقة إخفاء أموال الصناديق الخاصة في حسابات لدى البنوك ، وهو الأمر الذي حدا بالمستشار / هشام جنينة إلى مطالبة الدكتور/ مصطفى مدبولي رئيس الحكومة ومن قبله الدكتور/ الببلاوي رئيس الحكومة الأسبق مرارا وتكرارا بالكشف عن الصناديق الخاصة المخفية ومعاقبة من يفعل ذلك أو يمتنع عن الكشف عن هذه الصناديق .
4- نشر موقع القاهرة 24 الثلاثاء 20/12/2022م الخبر الآتي :
( في فعاليات المؤتمر الاقتصادي الذي عقد في شهر أكتوبر الماضي ، طرح الرئيس عبد الفتاح السيسي ، لأول مرة مقترح إنشاء صندوق هيئة قناة السويس ، ليكشف أن الهيئة اعتادت أن توجه دخلها إلى الموازنة العامة ( وزارة المالية فقط ) ، ليسأل بعدها رئيس الهيئة الاقتصادية لقناة السويس عما تملكه الهيئة في ذلك الوقت من أموال ، ليرد بأنها لا تمتلك أي أموال ليكون الأمر بمثابة المفاجأة غير المتوقعة.. كيف لا تمتلك أكبر هيئة اقتصادية في مصر أي ملاءة مالية.
السؤال نفسه طرحه رئيس الجمهورية: "إزاي مؤسسة عملاقة زي دي ميكونش لها ملاءة مالية بـ300 أو 400 مليار ، ليوجه بعدها بإنشاء صندوق إيرادات الهيئة مع العمل على تنميتها ، وعدم إنفاق أي شيء إلا بالعودة إليه ، أي إلى الرئيس ، متوقعًا أن تصل الملاءة المالية لهيئة قناة السويس إلى 300 أو 400 مليار جنيه خلال 4 سنوات.)
فعندما يسعى الرئيس الحالي إلى إنشاء صندوق خاص لهيئة قناة السويس تكون ملاءته 400 مليار جنيه ، فهو بالطبع ما كان ليفكر في ذلك لولا وجود صناديق أمامه تخص مؤسسات أخرى تحتوي على مثل هذه الأموال أو يزيد .
فهناك جهات مما تسمي نفسها سيادية لا يستطيع أحد أن يقترب أو يبحث في ممتلكاتها كما قرر الدكتور / عمرو الشوبكي ، ومما ورد على سبيل المثال في تقرير الصحفيين الأمريكيين "نزار مانيك" كاتب مساهم في النشرة الإخبارية Africa Confidential ، و "جيريمي هودج" عن الصناديق الخاصة قولهما :
( في ما يختص بالصناديق الخاصة الإضافية المملوكة من القوات المسلحة ، لا يسعنا سوى التكهّن بسبب عدم توافر معلومات مالية جوهرية وحسّاسة عن القوات المسلحة في السجلات التي اطّلعنا عليها . نعلم أنه في السنة المالية 2010/2011، كانت نحو 4.9 مليارات دولار من حسابات الصناديق الخاصة القانونية المودعة لدى المصرف المركزي ، مملوكة لـ "السلطات الاقتصادية"، وهو مصطلح يشير إلى سلسلة من الكيانات الحكومية الكبيرة ، منها هيئة قناة السويس ، والهيئة المصرية العامة للبترول ، والهيئة العربية للتصنيع ، وسواها ، ومعظمها يديرها ويشغّلها جنرالات في القوات المسلحة . يعني ذلك أنه كان للجيش وصول ما إلى هذا المبلغ ، لكننا لا نعلم إلى أي درجة.
من المحتمل أنه للجيش وصول إلى حسابات أخرى في مصر والخارج تبقى حتى الآن خارج نطاق الإشراف المحدود للمدققين.
نحن نعتقد أن ما كشفناه انطلاقاً من السجلات الرسمية للبنك المركزي ووزارة المالية والجهاز المركزي للمحاسبات ، ليس سوى رأس جبل الجليد.
يتعلق جزء كبير من التحقيق بصناديق خاصة خاضعة لسيطرة وزارتَي الداخلية والدفاع . حالياً ، تتعدّى وزارة الدفاع وأجهزتها الاستخباراتية على ميدان هو تقليدياً من اختصاص وزارة الداخلية ، هل تخدم الصناديق هذه الاستراتيجية ؟
في عهد عبد الناصر ، لم تتبلور الخصومة بين القوات المسلحة ومكتب الرئاسة الذي يسيطر على وزارة الداخلية ، سوى في أواخر الخمسينيات ، بعدما كان عبد الناصر قد أمضى أعواماً عدة في العمل بصفة مدنية. شكّلت هذه الخصومة سابقة استمرت حتى نهاية عهد مبارك. انتقل السيسي إلى الصفة المدنية منذ عام تقريباً ، وهذه المدّة ليست كافية ليفصل فعلياً بين مصالحه ومصالح القوات المسلّحة. وكذلك ، بعد ......... العام 2013، ظل السيسي طوال عامٍ وزيراً للدفاع ، ولم يكن رئيساً ، مع أنه كان الوجه العام للنظام . خلال تلك الفترة ، كان الجيش مهتماً بتثبيت مكانته واكتساب مزيد من النفوذ ، وهذا ما يفعله بصورة مطّردة منذ بدء الانتفاضة في العام 2011.
لقد كان السيسي الوجه الأبرز في هذا التثبيت لسلطة الجيش ، والآن بعدما أصبح رئيساً ذا صفة مدنية ، سنرى إذا كان سيطوّر قاعدة نفوذ شخصية منفصلة عن قاعدة القوات المسلحة ، قد لا يكون من المناسب له سياسياً القيام بذلك في الوقت الراهن ، لكن سنرى إن كان الأمر سيتبدّل مع استمرار ولايته.
من الممكن والمرجّح إلى حد كبير أن يؤثّر هذا التحوّل في الولاء من وزارة الداخلية إلى وزارة الدفاع والقوات المسلحة ، في توزيع الصناديق الخاصة. يعني توسيع قناة السويس مثلاً أن هيئة قناة السويس التي يديرها ضباط عسكريون ، ستحقق إيرادات أعلى بكثير قد يتم إيداعها في صناديق خاصة نعلم أن الهيئة تتولى تشغيلها. هذا مجرد مثال ، وقد تتجه هيئات أخرى يسيطر عليها الجيش إلى توسيع صناديقها الخاصة أيضاً . منذ سيطرة العسكر على الحكم في تموز/ يوليو 2013، دخل الجيش أيضاً في عدد من مشاريع الإنشاءات والأشغال العامة بالتعاون مع مستثمرين ومتعاقدين من الخليج . ومنها مشروعٌ يُشيّد الجيش بموجبه مليون وحدة سكنية جديدة بالتعاون مع شركة إماراتية ، وتُقدَّر كلفته بـ40 مليار دولار. من الممكن جداً أن يتم تحويل جزء من هذا المال ، فضلاً عن أموال مشاريع أخرى مشابهة ، إلى حسابات صناديق خاصة جديدة أو قائمة تتولّى القوات المسلحة تشغيلها.
هل كان الرئيس مرسي أو البرلمان الإخواني الذي لم يعمّر طويلاً مستعدَّين لممارسة سيطرة ما على هذه الصناديق خلال وجودهما في الحكم أو قادرَين على ذلك؟
لقد خاض برلمان 2012 بقيادة الإخوان المسلمين نقاشات متكررة حول موضوع الصناديق الخاصة ، وحاول إقرار قوانين بهدف ضبطها وإدراجها في الموازنة.
لقد أقرّ البرلمان الإخواني قانوناً للموازنة العامة في 2012/2013 نصّ على اقتطاع عشرين في المائة من عائدات الصناديق الخاصة المعروفة ، وجمعها ووضعها في موازنة الدولة ، لكن لم يتم قط تطبيق هذا القانون تطبيقاً كاملاً إذ جرى حل البرلمان بعد الانقلاب.)
وعندما صدر قرار رئيس الجمهورية بإعفاء المستشار هشام جنينة ، أقام دعوى قضائية أمام مجلس الدولة بالقاهرة يطلب فيها إلغاء قرار عزله ، وترافع أمام المحكمة مرافعة شفوية أشار فيها إلى أن عزله يرجع إلى حديثه عن المؤسسات التي تسمي نفسها سيادية رغم أن السيادة هي للشعب والقانون حسبما نصت كافة دساتير مصر ، وفيما يلي جزء من مرافعته :
(عندما تبوأت رئاسة الجهاز المركزي للمحاسبات ، وعندما التقيت عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية ، كان هدفي الأول ألا أحيد عن الحق والقانون الذي تربيت عليهما على منصة القضاء ، بمعنى أن يكون الكل سواسية أمام القانون ، وأضاف : أستعير تعبير الرئيس عبد الفتاح السيسي عندما كرر في أكثر من مناسبة وقال : إن مصر شبه دولة ، فهو محق في هذا القول ، ومصر أصبحت شبه دولة عندما أصبحت مؤسساتها شبه مؤسسات ، وهي مؤسسات ديكورية لا تؤدي واجبها .
ما أقدمت عليه هو الدخول في الخطوط الحمراء التي يعتبرها الجميع لا يجوز الاقتراب منها ، وهي ما يطلق عليها الأجهزة السيادية ، ولكني في أكثر من مناسبة قلتها داخل وخارج الجهاز لا سيادة إلا للشعب وفقًا للقانون والدستور، وهذه بدعة ابتدعها بعض أصحاب المصالح وبعض الرجال النافذين في الدولة ليضفوا على أنفسهم الحماية.
رفعنا تقارير عن تخصيص وزارة الإسكان وهيئة المجتمعات العمرانية أراضي في الأحزمة الخضراء للمدن الجديدة ، بالمخالفة للقانون ، لشركات مملوكة للمخابرات العامة ، و لبعض الشركات التي أنشأها ضباط مباحث أمن الدولة بغرض تخصيص أراضي لها .
للأسف هناك نائبين عامين سابقين حصلا على مزايا أثناء توليهما منصب النائب العام بأقل من القيمة الحقيقية للتكلفة التي تكبدتها الشركات التابعة للمخابرات العامة.
تقارير الجهاز أُرسلت بالكامل للجهات المعنية ، وتم الإعلان عنها في مؤتمر للجهاز .
أقوالي لله والتاريخ ، وهذا ثابت في تقارير الجهاز التي حيل بيني وبين الوصول إلى البرلمان لمناقشتها .. أرسلت في يناير ٢٠١٦م للبرلمان تقارير رصدت مخالفات جسيمة ومهمة ، وما حدث معي أن قرار الإعفاء تم قبل أن يطرح الأمر برمته على نواب الشعب حتى يدلوا بدلوهم .. فأنا لا أتحمل المسئولية بمفردي ، فهناك مؤسسات في الدولة يجب أن تؤدي دورها وواجبها .
أنا كشفت وقائع فساد تفصيلية ( الدراسة سبب الأزمة كانت من ٣٥٠ صفحة ) ، قدمتها لرئيس الجمهورية وللنائب العام ( قدم للنيابة ١٠٧ بلاغ )، وكنت سأتوجه لمناقشتها علناً في البرلمان ، لكن بدل ما أي حد يحقق في كلامي ويثبت خطأي ، الرئيس عزلني وأنا اللي باتحاكم !! ، وسبب القرار سياسي وهو أنني تحدثت عن الأجهزة السيادية.
السؤال واضح وصريح وبسيط .. هل تم التحقيق في ١٠٧ واقعة في ١٠٧ بلاغ ؟! ، لماذا لم نسمع أبداً أن الرئيس أو النائب العام أمر بالتحقيق في الوقائع دي وإن النتيجة كذا ؟)
5- أن الرئيس الحالي وأثناء أحد خطاباته أًصدر أوامره بصرف مليار جنيه من عدة صناديق خاصة ، وحسبنا أن نعود لما قاله الصحفي أحمد موسى في برنامجه ونشرته صحيفة الشروق في عددها الصادر بتاريخ 28/12/2022م تحت عنوان ( أحمد موسى: الرئيس السيسي طلع مليار جنيه من الصناديق في دقيقة واحدة ) ، وتكمل الصحيفة في تفصيلات الخبر بقولها :
قال الصحفي أحمد موسى ، إن مليار جنيه وجه الرئيس عبد الفتاح السيسي بضخها في صندوق ذوي الهمم "قادرون باختلاف."
وأضاف خلال برنامجه "على مسؤوليتي" عبر شاشة "صدى البلد"، مساء الأربعاء: "الرئيس طلع مليار جنيه من الصناديق في دقيقة واحدة علشان دعم ذوي الإعاقة.. هل وزارة المالية كانت تقدر تطلع مليار جنيه من الموازنة.. عرفتوا بقى أهمية الصناديق".
وتابع: "الصناديق كلها موجودة وفيها فلوس.. لو إحنا معندناش الصناديق دي كنا هنعمل إيه".
وذكر أن أموال الصناديق تخضع لرقابة شديدة ، لافتا إلى تصريح سابق للرئيس السيسي قال فيه إن جنيها واحدا لا يخرج من الصناديق من دون الرجوع إليه.
ولفت إلى إنفاق الدولة أموال ضخمة وغير مسبوقة على المشروعات التنموية ، وتحديدا مبادرة حياة كريمة.
وشهد الرئيس عبدالفتاح السيسي ، اليوم الأربعاء ، حفل "قادرون باختلاف" في نسخته الرابعة تحت شعار "لينا مكان"، بمركز المنارة للمؤتمرات بالتجمع الخامس.
وأكد الرئيس أهمية تدشين الصندوق لدعم الأشخاص ذوى الإعاقة ، ووجه صندوق هيئة قناة السويس بتقديم 100 مليون جنيه ، وصندوق الشهداء والمصابين بتقديم 100 مليون جنيه ، وصندوق الرعاية الصحية 100 مليون جنيه وصندوق الإسكان 200 مليون جنيه ، والقوات المسلحة 500 مليون جنيه ، وذلك لضخها في صندوق قادرون باختلاف.)
6- مما أصبح معلوما للشعب المصري بأكمله أن هناك مؤسسات تمارس كافة الأنشطة الاقتصادية ، وتحتكر تنفيذ المشروعات الاستثمارية للدولة ، وتهيمن على كافة مقدراتها وثرواتها ، وتضع أرباحها في صناديقها منذ عشرات السنوات ، فهل يعقل أن اجمالي أرصدة هذه المؤسسات الاستثمارية بالإضافة إلى أرصدة كافة صناديق باقي الوزارات والهيئات والجامعات والوحدات المحلية هو 31 مليار أو 47 مليار جنيه ، بالقطع هذا أمر لا يقبله العقل ولا المنطق ، ولو كانت هذه المبالغ الأخيرة هي غاية أرصدة الصناديق الخاصة لما تمسك النظام الحالي ببقائها رغم الحملات الشعبية والإعلامية الضخمة التي تطالب بإلغائها وضم أرصدتها المالية والعينية للموازنة العامة للدولة ، لذا فإن الأقرب للتصديق هو أن تكون هذه الأرصدة على نحو ما ورد في تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات على ربط الحساب الختامي للموازنة العامة للعام 2008م / 2009م من أنها بلغت في العام 2009 ( تريليون و272 مليار جنيه ) .
هكذا يتم تضليل الناس ، وصرفهم عن حقائق الأمور ، فما قاله أحمد موسي يكشف حجم الصناديق العملاقة التي تخص المؤسسات العملاقة ويعطينا إجابة للسؤال الذي طرحناه : ما هو حجم الأموال الموجودة بالصناديق الخاصة ؟ هل هي تتجاوز التريليون جنيه حسبما جاء في تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات عن العام 2009م أم فقط 31 مليار جنيه كما ورد في تقرير 2010م أم 47 مليار كما ورد في تقرير الجهاز للعام 2011م ؟
وإذا كان تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات يخبرنا بالرصيد الموجود بالصناديق في نهاية العام ، فهل يملك أن يخبرنا بما تم صرفه من هذه الصناديق التي قاربت السبعة آلاف صندوق حسب تقديرات الجهاز .
كما كشف لنا ما حدث أن رئيس الجمهورية يستطيع أن يخرج ما شاء من هذه الصناديق وبقرار شفوي وقتما شاء ولأي سبب ، ثم من أي سند دستوري يستمد الرئيس سلطة التحكم في مليارات الجنيهات أو تريليونات الجنيهات من أموال الشعب بإرادة منفردة على هذا النحو .
وهكذا كل بضع أيام يطالب الرئيس الحالي بإنشاء صندوق جديد ، من صندوق مصر السيادي ، إلى صندوق تحيا مصر ، إلى صندوق هيئة قناة السويس ، إلى صندوق لجمع أموال من المقبلين على الزواج ، إلى صندوق لذوي الإعاقات ، وهلم جرا ، يعني كل موارد الدولة تتحول إلى صناديق يصبح الرئيس هو الوحيد صاحب التصرف في أموالها ، ولا أٌقول سوى : ليس لها من دون الله كاشفة .
إنهم لا يفكرون في الشعب وحجم المعاناة التي وصل إليها لتحصيل أبسط مطالب الحياة وهي لقمة العيش ، ولذا يسعون سعيا حثيثا لتحول أموال الموازنة العامة إلى صناديق مكتظة بالمليارات التي لا تخضع للرقابة لينفقوا منها ما شاءوا وقتما شاءوا بمجرد كلمة .
لا بل الأغرب من ذلك أنهم يحقدون على ما في أيدي الناس ، يستكثرون عليهم السكن الذي يقيمون فيه ، ويستكثرون على أي مواطن أن يكون في يده مبلغ من المال ولو كان ضئيلا ، ولذا فهم يعصرون الناس عصرا فيما تحصله الوزارات والهيئات والمحافظات والوحدات المحلية من الناس مقابل أدنى ورقة يريد أن يحصل عليها المواطن أو رخصة من أي نوع ، ناهيك عن عمليات السطو على الشركات والممتلكات بالاتهامات الملفقة .
: الصناديق الخاصة وإبادة برلمان ثورة يناير .
لماذا تقتل النظم المستبدة شعوبها دون رحمة ولا رأفة ، لماذا استعان بشار الأسد بروسيا وإسرائيل وانجلترا ودول أخرى عربية لضرب الشعب السوري بالمدافع والصواريخ وبراميل الوقود من الأرض والجو والبحر .
إنها السلطة المستبدة المهيمنة على كل شيء بما في ذلك ثروات الشعوب والوظائف والمناصب والفيلات والقصور والتنقل بأفخم السيارات والطائرات وغير ذلك كثير .
السؤال: هل هناك علاقة بين حل برلمان ثورة يناير وبين الصناديق الخاصة ؟
الإجابة: الاستبداد فساد وسيطرة وهيمنة على ثروات ومقدرات الشعوب ، ولذا لا يتنازل نظام مستبد عن الحكم بإرادة حرة ، النظم المستبدة لا تقدم مصالح الشعوب على مصالح أفرادها ، إنها تعتبر الدولة ملكا لها ، وتقاتل وتقتل للحفاظ على الثروات والمناصب التي تُورث للأبناء والأحفاد ، تحافظ على ما يؤول لها من عقارات وأراضي ومنقولات برخص التراب مجانا أو بالتقسيط .
فقط أريد أن ألفت الانتباه إلى أن برلمان ثورة يناير ورغم أنه لم ينعقد سوى دور انعقاد واحد ولم يكتمل ، أي بضعة أشهر ، إلا أنه – ولأنه منتخب انتخابا ديمقراطيا حقيقيا – استطاع أن يوجه ضربات قوية للنظام المستبد ، حيث ألغى المحاكمات العسكرية للمدنيين بإلغاء المادة (6) من قانون الأحكام العسكرية ، وقام بتعديل قانون الانتخابات الرئاسية بإلزام اللجان الفرعية والعامة في كل المحافظات بإعداد محاضر تظهر عدد الأصوات التي حصل عليها كل مرشح وهو الأمر الذي حال بينهم وبين تزوير الانتخابات الرئاسية لصالح مرشح من طرفهم ، وشكل لجنة تقصي حقائق عن أحداث مجزرة بورسعيد التي قتل فيها عدد كبير من شباب ألتراس الأهلي أظهرت أمورا خفية .
وكان آخر أعمال برلمان ثورة يناير هو شروعه في تصفية الصناديق الخاصة والقضاء عليها وضم أموالها إلى الموازنة العامة للدولة تنفيذا لأحكام دستور مصر 2012م ، وبالفعل أضاف برلمان ثورة يناير المادة (11) إلى القانون رقم 27 لسنة 2012م بشأن ربط الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2012/2013م والتي نصت على أنه :
( اعتبارا من 1/7/2012م يؤول للخزانة العامة للدولة من الصناديق والحسابات الخاصة والوحدات ذات الطابع الخاص نسبة (20%) من جملة إيراداتها الشهرية المحققة حتى ولو كان ذلك مغايرا لما هو وارد في لوائحها المعتمدة ، ويلغى كل حكم يخالف ذلك . ويتم توريد هذه النسبة خلال عشرة أيام على الأكثر من الشهر التالي للتحصيل إلى الحساب المفتوح لهذا الغرض بالبنك ج.)
وما أن ظهرت نية برلمان ثورة يناير في ضم أموال الصناديق الخاصة للموازنة العامة للدولة من خلال خصم 20% منها في دور الانعقاد الأول مع تكرار ذلك في باقي أعوام البرلمان ، بحيث في نهاية البرلمان تكون كافة أموال الصناديق الخاصة قد ضُمت للموازنة العامة للدولة - حتى صدر حكم المحكمة الدستورية بحل برلمان الثورة بتاريخ 14/6/2012م بعد أيام من الموافقة النهائية على قانون ربط الموازنة العامة للعام 2012م/2013م ، حيث صدر القانون بعد ذلك بتاريخ 28/6/2012م .
وبعد ذلك بعام وبتاريخ 3/7/2013م تم اعتقال رئيس الجمهورية ، وقُتل العديد من نواب برلمان ثورة يناير رميا بالرصاص ، وآخرين تم اعتقالهم وحبسهم انفراديا منذ ما يقرب من عشر سنوات حتى يموتوا بطريق التعذيب النفسي أو ما يسمى في اللغة العربية بالقتل صبرا ، وآخرين هربوا من البلاد وحرموا من أسرهم وأبنائهم منذ ذلك التاريخ .
والعجيب أن أعضاء برلمان ثورة يناير كانوا قد أصدروا القانون رقم 25 لسنة 2012م بتعديل بعض أحكام القانون رقم 109 لسنة 1971م في شأن هيئة الشرطة بزيادة رواتب جميع أفراد الشرطة بما فيهم الخفراء .
عاشرا: الصناديق الخاصة ومصير هشام جنينة .
مر علينا في هذا البحث أن المستشار / هشام جنينة رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات كان قد رفع مذكرة إلى رئيس الوزراء إبراهيم محلب ، بخصوص تنظيم عمل الصناديق الخاصة ، بعد أن تم حفظ المذكرة التي رفعها بشأن نفس الموضوع فى عهد حكومة الدكتور الببلاوي أوصى فيها بضرورة إصدار مرسوم بقانون لخضوع جميع الصناديق الخاصة لرقابة الجهاز وإلزام جميع جهات الدولة بالإفصاح عما لديها من صناديق خاصة ومصادر تمويلها وإنفاقها ، كما طالب في القانون بمعاقبة الممتنعين من المسئولين عن الإدلاء بتلك المعلومات بالعزل من الوظيفة والمحاكمة الجنائية.
وبالإضافة إلى إصراره على فتح ملف الصناديق الخاصة منذ استلام عمله عام 2012م كان المستشار هشام جنينة رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات ، وهو الجهاز الرقابي المحاسبي الأكبر في مصر ، قد صرح لوسائل الإعلام في غضون شهر ديسمبر/ 2015م أن الفساد في الجهاز الحكومي للدولة تجاوز 600 مليار جنيه مصري "نحو 75 مليار دولار أمريكي" خلال الثلاثة أعوام الماضية.
بدأت الترتيبات لعزل المستشار هشام جنينة وإزاحته عن المشهد بل وإخفاءه تماما .
العقبة الأولى أنه لا يجوز عزل رؤساء الأجهزة الرقابية من مناصبهم في كافة دساتير مصر بما فيها دستور 2014م والذي نصت المادة ( 215) منه على أن :
( يحدد القانون الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية. وتتمتع تلك الهيئات والأجهزة بالشخصية الاعتبارية ، والاستقلال الفني والمالي والإداري ، ويؤخذ رأيها في مشروعات القوانين ، واللوائح المتعلقة بمجال عملها. وتعد من تلك الهيئات والاجهزة البنك المركزي والهيئة العامة للرقابة المالية ، والجهاز المركزي للمحاسبات، هيئة الرقابة الإدارية.)
كما نصت المادة ( 216 ) منه على أن :
( يصدر بتشكيل كل هيئة مستقلة أو جهاز رقابي "قانون" ، يحدد اختصاصاتها ، ونظام عملها ، وضمانات استقلالها ، والحماية اللازمة لأعضائها ، وسائر أوضاعهم الوظيفية ، بما يكفل لهم الحياد والاستقلال.
يعين رئيس الجمهورية رؤساء تلك الهيئات والأجهزة بعد موافقة مجلس النواب بأغلبية أعضائه لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد لمرة واحدة ، ولا يُعفى أي منهم من منصبه إلا في الحالات المحددة بالقانون ، ويُحظر عليهم ما يُحظر على الوزراء.)
بالطبع في دول " اللاقانون" ، لا تمثل العقبات الدستورية أدنى عقبة ، فقد أصدر الرئيس الحالي بتاريخ 9/7/2015م وبكل بساطة قرار بقانون رقم 89 لسنة 2015م وضع فيه القاعدة القانونية التي يعزل بها المستشار / هشام جنينة ، حيث نص فيه على الآتي:
( يجوز لرئيس الجمهورية إعفاء رؤساء وأعضاء الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية من مناصبهم فى الحالات الآتية:
1- إذا قامت بشأنه دلائل جدية على ما يمس أمن الدولة وسلامتها.
2- إذا فقد الثقة والاعتبار.
3- إذا أخل بواجبات وظيفته بما من شأنه الإضرار بالمصالح العليا للبلاد أو أحد الأشخاص الاعتبارية العامة.
4- إذا فقد أحد شروط الصلاحية للمنصب الذى يشغله لغير الأسباب الصحية(.
بتاريخ 26 ديسمبر 2015 م أصدر السيسي قرارا بتشكيل لجنة تقصى حقائق بشأن تصريحات هشام جنينة عن الفساد ، حيث نشرت صحيفة اليوم السابع على موقعها بذات التاريخ أن رئاسة الجمهورية أصدرت بيانا ، أكدت فيه ، أنه فى إطار متابعة التصريحات التي نشرتها بعض وسائل الإعلام بشأن تجاوز تكلفة الفساد داخل مؤسسات الدولة 600 مليار جنيه خلال عام 2015، وجه الرئيس عبد الفتاح السيسي بتشكيل لجنة برئاسة رئيس هيئة الرقابة الإدارية وعضوية ممثلين عن وزارات (التخطيط والمالية والداخلية والعدل) والمستشار هشام بدوى نائب رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات ، لتقصى الحقائق ودراسة ما جاء في هذه التصريحات.
وتقوم اللجنة ، بحسب بيان الرئاسة ، بإعداد تقرير عاجل للعرض على الرئيس وإطلاع الرأي العام على نتائج أعمالها فى إطار من الشفافية الكاملة.
وبتاريخ 26/12/2015 أيضا نشر موقع العربية خبر تقديم بلاغين ضد المستشار / هشام جنينة عن تصريحاته بخصوص تكلفة الفساد ، أحدهما قُدم من الأستاذ / طارق محمود المحامي ، والآخر من الأستاذ / سمير صبري المحامي .
( بتاريخ 12/1/2016م وضعت لجنة تقصي الحقائق التي شكلها رئيس الجمهورية تقريرها ومفاده باختصار أن تقارير الجهاز المركزي للمحاسبات والإدارة ، حول الفساد في مصر ، مبالغ فيها وتعمدت التضليل.)
وبتاريخ 28/3/2016م صدر تصريح من نيابة أمن الدولة بأنها سوف تستدعي المستشار / هشام جنينة للتحقيق معه ، وبعد هذا التصريح مباشرة صدر قرار رئيس الجمهورية بإعفائه من منصبه .
وبتاريخ 28/7/2016م وحسبما نشر موقع dw قضت محكمة جنح القاهرة الجديدة شرق العاصمة المصرية القاهرة بالحبس سنة مع الشغل وغرامة 20 ألف جنيه (حوالي 2200 دولار) وكفالة 10 آلاف جنيه مصري ضد المستشار هشام جنينة ، الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات ، بعد اتهامه بإشاعة أخبار كاذبة عن تكاليف الفساد في مصر ، وذلك ضمن القضية المعروفة إعلاميًا بـ"فساد الـ600 مليار جنيه".
وكانت نيابة أمن الدولة العليا قد أحالت المستشار جنينة للمحاكمة العاجلة في يونيو/ حزيران الماضي بعد أن قررت إخلاء سبيله بضمان مالي 10 آلاف جنيه رفض دفعها.
وقد اختصر لنا موقع مصراوي تلك القصة الدرامية وما ورائها من أسباب حقيقية في خبر نشره بتاريخ 29/3/2016م يتناول القصة فيما قبل صدور حكم الحبس سنة ، ثم حكم السجن خمس سنوات ، الخبر تحت عنوان : ( كيف "عزل" السيسي هشام جنينة من منصبه ) يقول فيه:
" في 11 يوليو من العام الماضي أصدر رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي، قرارا بقانون منحه حق عزل رؤساء الهيئات الرقابية والأجهزة المستقلة وتم تمرير القانون بعد مراجعته من قسم التشريع بمجلس الدولة ، وإقراره قبل انتخاب مجلس النواب الحالي.
ووفقا للقانون رقم 89 لسنة 2015م ، فهو يسري على كل من البنك المركزي والهيئة العامة للرقابة المالية والجهاز المركزي للمحاسبات وهيئة الرقابة الإدارية ، وبالتالي أصبح من حق السيسي إعفاء جنينه من منصبه وقتما يرى.
رئيس الجهاز المركزي عُرف بصراعاته الدائمة مع أجهزة الدولة ، ووفقًا للقانون الذي أصدره السيسي ، فإن عزل جنينة جاء لإحدى الأسباب التالية " إذا فقد المسؤول الثقة و اﻻعتبار أو إذا قامت بشأنه دﻻئل جدية على ما يمس أمن البلاد وسلامتها ، أو إذا أخل بواجبات وظيفته بما من شأنه إضرار بالمصالح العليا للبلاد أو مصلحة إحدى الشخصيات اﻻعتبارية ، أو إذا فقد المسؤول أحد شروط توليه منصبه لغير الظروف الصحية".
تربع جنينة على رأس الجهاز المركزي للمحاسبات ، منذ سبتمبر عام 2012 بتعيينه لمدة 4 سنوات كرئيس للجهاز في عهد الرئيس الأسبق محمد مرسي ، ودخل صراعات مع نادي القضاة ووزارة الداخلية بسبب رفضهم إطلاع الجهاز على الميزانية الخاصة بهم بحسب تصريحاته . كما أن لديه خلافات مع وزير العدل السابق أحمد الزند ، ودعاوى قضائية متبادلة بالسب والقذف ، كما سبق اتهام نادى القضاة حين كان الزند رئيسه ، بالفساد والحصول على أراضي الدولة بالمخالفة للقانون.
اتُهم جنينة ، أكثر من مرة بانتمائه لجماعة الإخوان المسلمين ، وهو ما وصفه بـ"العيب" مرجعًا ذلك أنه كان مسؤولا بالنيابة العامة وحقق في قضية اغتيال الرئيس السادات في قضية "الجهاد الكبرى رقم 462 لسنة 1981"، وعمل ضابط شرطة بالجيزة.
وكانت بداية النهاية في نهاية ديسمبر الماضي عندما أعلن هشام جنينة أن التقارير الرقابية تشير إلى أن الفساد داخل مؤسسات الدولة تجاوزت خلال عام 2015 الـ600 مليار جنية ، وردت رئاسة الجمهورية بلجنة تقصي حقائق برئاسة رئيس هيئة الرقابة الإدارية وعضوية ممثلين عن وزارات (التخطيط والمالية والداخلية والعدل) والمستشار هشام بدوى نائب رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات ، لتقصى الحقائق ودراسة ما جاء في هذه التصريحات . وتقوم اللجنة ، بحسب بيان الرئاسة ، بإعداد تقرير عاجل للعرض على الرئيس وإطلاع الرأي العام على نتائج أعمالها فى إطار من الشفافية الكاملة.
انتهت لجنة تقصي الحقائق إلى أن جنينة أصدر بيانات مغلوطة عن تقارير فساد مؤسسات الدولة ، وأحالت الواقعة إلى نيابة أمن الدولة نهاية يناير الماضي للتحقيق.
على حين غرة أصدرت نيابة أمن الدولة أمس الاثنين ، بيانا قالت إنها "ستطلب المستشار هشام حنينة ، رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات ، للمثول أمامها لمواجهته بملخص ما جاء من تحقيقات النيابة العامة حول تصريحاته عن تكلفة الفساد في عام 2015".
وعقب بيان لنيابة أمن الدولة العليا ، ردت رئاسة الجمهورية في أقل من ساعة تقريبا ، بقرار شمل إعفاء المستشار هشام جنينة من منصبه كرئيس للجهاز المركزي للمحاسبات ، وذلك على خلفية استدعائه للتحقيق في تصريحاته حول الفساد عام 2015.
وسط كل هذه الأحداث المتتالية ، وقف الجميع مترقبًا ، ما مصير جنينة بعد تجريده من حصانة المركزي للمحاسبات وعزله ؟
أي بدأ " تسونامي " ضد المستشار / هشام جنينه بعزله عن عمله بتاريخ 28/3/2016م ثم وبتاريخ 13/6/2016 أصدر رئيس الجمهورية قرارا بعزل "شروق" ابنة المستشار هشام جنينة من وظيفتها كمعاون نيابة إدارية ، ثم الحكم عليه بتاريخ 28/7/2016م بحبسه سنة بتهمة نشر أخبار كاذبة عن تقديرات حجم الفساد بمصر ، وأخيرا وكما نشر موقع ( فرانس 24 ) ، محكمة عسكرية تقضي بتاريخ 24/4/2018م بسجن هشام جنينة خمس سنوات بتهمة نشر أخبار كاذبة ، وقال الموقع في تفصيلات الخبر :
قضت محكمة عسكرية مصرية الثلاثاء بالسجن خمس سنوات على هشام جنينة الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات بتهمة نشر معلومات كاذبة تضر بالمؤسسة العسكرية . هشام جنينة هو الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات الحكومي ، وكان من بين المسئولين في الفريق الانتخابي لرئيس الأركان الأسبق سامي عنان.
ويأتي الحكم على خلفية إدانته بنشر معلومات خلال حوار صحفي تضر بالقوات المسلحة ، بحسب تصريح من محاميه لوكالة الأنباء الفرنسية.
كانت السلطات المصرية قد أوقفت جنينة في شباط / فبراير الماضي وتم التحقيق معه أمام النيابة العسكرية بتهمة "نشر معلومات من شأنها الإضرار بالقوات المسلحة" عقب إجرائه حوارا صحفيا مع موقع "هافبوست" العربي ، وهو النسخة العربية من الموقع الإخباري الأمريكي ، أكد فيها امتلاك رئيس الأركان الأسبق سامي عنان لوثائق "تدين أشخاصا كثيرين".
وفي المقابلة الصحفية ، قال جنينة إن عنان "يمتلك وثائق وأدلة على جميع الأحداث الكبرى بالبلاد وتلك الوثائق ليست موجودة داخل مصر"، مشيرا إلى أنها تتعلق بالفترة التي تلت ثورة كانون الثاني/ يناير 2011 التي أسقطت حسني مبارك.
وأضاف أن هذه الوثائق "بالطبع تغير المسار وتدين أشخاصا كثيرين"، مؤكدا أنه "إذا تعرض (عنان) إلى محاولة تصفية أو اغتيال فستظهر هذه الوثائق."
وتم كذلك توقيف الصحافي الذي أجرى المقابلة وهو معتز ودنان.
وأقال السيسي جنينة من منصبه قبل سنتين بعد اتهامه بالمبالغة في تكلفة الفساد في مصر في تقرير صادر عن الجهاز الرقابي الحكومي الذي كان يرأسه.
هذه هي الخطط والترتيبات التي اتخذوها للخلاص من المستشار / هشام جنينة ، تنسيق بين السلطات ، قانون يصدر بقرار من رئيس الجمهورية ليضع أسباب إنهاء الخدمة ، وقرار إنهاء خدمة يصدر بعد تصريح من نيابة أمن الدولة ، والعجيب أن يشكل رئيس الجمهورية لجنة تقصي حقائق من موظفين خاضعين في الأصل للرقابة عليهم من قبل الجهاز الذي يرأسه المستشار هشام جنينه لكي يراقبوا عمل الجهاز ويقيموه ، وهو ما يجعل كلمة ( انقلاب ) هي التعبير الوحيد الذي يتفق مع قلب الأحداث رأسا على عقب على النحو سالف الذكر .
وعن هذه الإجراءات والعقوبات التي تم توقيعها على هشام جنينة وأهل بيته كتب الدكتور / عمرو الشوبكي بتاريخ 17/1/2016م مقالا بعنوان ( مواجهه الفساد أم جنينة ؟ ) ، ونشرته صحيفة المصري اليوم وموقع العين الإلكترونية في نفس التوقيت ، قال فيه :
فتقرير جنينة كان رسالة اتهام واضحة مست مؤسسات مازالت بمثابة صندوق أسود مغلق غير مسموح لأى جهة رقابية أو غير رقابية أن تقترب منها .
لم يصدق البعض الرقم الذى أعلنه المستشار هشام جنينة بأن كلفة الفساد فى مصر تقدر بـ 600 مليار جنيه ، ولايزال حتى الآن غير متخيل أن هذا الرقم غير مبالغ فيه ، واعتبر أن الرجل قد يكون أخطأ فى تقدير هذا الرقم ، ومع ذلك وحتى لو كان هذا الرقم مبالغاً فيه فإن هذا لن يغير من الواقع شيئا بأن حجم الفساد فى مصر هائل وأن شبكة المصالح التي تحميه مرعبة ، وأن مجرد الاقتراب منه ولو همسا يفتح أبواب جهنم ، فما بالنا إذا كان من قام بهذه المغامرة هو رئيس أكبر جهاز رقابي فى مصر مهمته وعمله هو مكافحة الفساد فعلاً وليس قولًا.
المستشار هشام جنينة ، رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات ، قيمة وقامة كبيرة ، له تاريخ مهني نظيف ، قام بعمله الذى كلفته به الدولة ووظيفته العامة على أكمل وجه ، وقدم تقريرا حول فساد كثير من مؤسسات الدولة أثار جدلا وصخبا كبيرا خاصة أنه تعرض لفساد عدد من المؤسسات والوزارات السيادية وعلى رأسها الداخلية وأشار إلى الصناديق الخاصة وغيرها.
وقد شكلت الرئاسة لجنة لفحص تقرير هشام جنينة ، كثيراً من أعضائها يعملون فى الوزارات والمؤسسات التي اتهمها التقرير بالفساد ، وخرجت بتقريرها الأسبوع الماضي اتهمت فيه الرجل بالتضليل والإساءة لسمعة مصر، بل والتآمر عليها ، وفق الأسطوانة المشروخة التي يرددها البعض كل يوم لمنع مناقشة جوهر القضايا المثارة ، وفى هذه الحالة كان الفساد لصالح اتهامات أخرى مفبركة.
فتقرير جنينة كان رسالة اتهام واضحة مست مؤسسات مازالت بمثابة صندوق أسود مغلق غير مسموح لأى جهة رقابية أو غير رقابية أن تقترب منها ، وبالتالي فهو خروج عن الخطوط الحمراء التي جرى العرف ، وليس القانون ، على عدم التعرض لها.
وهنا سنجد أن الرجل قال أكثر من مرة إنه على استعداد ألا يراقب جهات ووزارات سيادية إذا وضع نص قانوني يطلب من الجهاز المركزي للمحاسبات ألا يراقبها ، وطالما أن الرئيس وكل رموز الدولة أعلنوا أكثر من مرة أنهم ضد الفساد وأنه لا توجد جهة فوق القانون والمحاسبة فإن الرجل تحرك وفق القانون والصلاحيات المعطاة له.
وإذا افترضنا أن رقم الـ 600 مليار جنيه مبالغ فيه ؟ فهل هذا يلغى جوهر القضية التي تضمنها التقرير ، وهو أن فى مصر فساداً و«مال سايب» كلفته بمليارات الجنيهات ؟ وهل عزل جنينة سيحل مشكلة الفساد ، أم أنه سيكون محاولة لإخراس كل الألسنة التي يمكن أن تشير للفساد فى مصر. خطورة ما يجرى مع الرجل أنه ينقلنا من مناقشة جوهر القضية التي تعانى منها البلاد وهى: وجود فساد يستلزم مواجهته بصورة تدريجية وحاسمة عبر سلسلة إجراءات وسياسات واضحة ، وعدم الاكتفاء بالقبض التليفزيوني على وزير أو مسؤول هنا أو هناك ، والبقاء أسرى الاتهامات المفبركة عن الرجل.
الخلاف مع أرقام جنينة وارد ، والخلاف مع طريقته وارد ، وعدم «استلطاف» الأجهزة له وارد أيضا ، ولكن كل ذلك لا علاقة له بوجود فساد مؤسسي فى مصر ضرب مؤسسات الدولة وواجب الأجهزة الرقابية كشفه للسلطة السياسية والرأي العام .
لا تذبحوا هشام جنينة مهما كان رأيكم فيه وتتركوا لنا الفساد يمرح ويمرع دون حساب.
وأضيف إلى عبارة الدكتور / عمرو الشوبكي :
لقد زال برلمان ثورة يناير من الوجود ، وظلت الصناديق الخاصة حرة مستقلة .
ولقد تم نفي المستشار هشام جنينة إلى ( بحار الظلمات ) ، وظلت الصناديق الخاصة حرة مستقلة .
نموت نموت وتحيا الصناديق ، عاشت الصناديق حرة مستقلة .
حادي عشر: قانون للحفاظ على استمرارية الصناديق الخاصة.
تصريحات كثيرة صدرت من وزير المالية الحالية ورئيس الوزراء على أنهم أصدروا قانون المالية الموحد رقم 6 لسنة 2022م لحل مشكلة الصناديق الخاصة التي أصبحت مثار لاستفزاز المواطنين في ظل الظروف الصعبة التي يعيشونها والتي بلغت إلى حد المشقة في الحصول على لقمة العيش فقط في أدنى أنواعها ويوما بيوم .
وبالطبع ومن خلال انغماسي في السياسة منذ زمن بعيد وعضويتي في البرلمان منذ عام 2005م أعرف جيدا أن تصريحات الحكومات المصرية في أغلبها مجافية للحقيقة على طول الطريق وتعتمد على المراوغات واستخدام كافة الحيل والألاعيب للوصول إلى أهدافهم الخفية ، لذا اضطلعت على نصوص قانون المالية الموحد رقم 6 لسنة 2022 م والذي صدر بتاريخ 8 فبراير سنة 2022م ، فوجدت ما أعرفه ساطعا على النحو التالية :
أولا: ألغى قانون المالية الموحد القانون رقم 53 لسنة 1973 بشأن الموازنة العامة للدولة ، والقانون رقم 127 لسنة 1981 بشأن المحاسبة الحكومية ليجعل قانون المالية الموحد هو الحاكم على كل ما يتعلق بالموازنة العامة للدولة .
ثانيا: وجدت في التعريفات الواردة في المادة (1) من القانون تعريفا للحساب الخاص أو الصندوق الخاص بأنه : ( حسابات أو صناديق تُنشأ لأغراض محددة تُخصص فيها مواردها لمقابلة استخداماتها ) ، وهذا يعني أن النظام الحالي يعلن للشعب أن الصناديق الخاصة باقية ، وبطلوا هري ، وأن كل المطالبات التي أعلنها أساتذة القانون بالجامعات المصرية وخارجها للمطالبة بإلغاء الصناديق الخاصة لكونها غير دستورية ، ولكونها إهدار للقدر الأكبر من الموازنة العامة للدولة قد ذهبت أدراج الرياح . كما وجدت فيها تعريفا لما يُسمى ( بالحسابات الصفرية ) وهي حسابات سوف تُودع خارج البنك المركزي بخلاف القاعدة الأساسية ، حيث عرف القانون الحسابات الصفرية بأنها : (حسابات مفتـوحة لبعض الجهـات الإداريـة خـارج البنـك المركـزي بموافقة الوزير ، وتحول أرصدتها يوميًا إلي حسابات موازية تفتح لكل منها بحساب الخزانة الموحد بالبنك المركزي ( ، وهذا يعني أن مسألة الإيداع في البنوك والتي أرسى دعائمها وزير المالية الخبيث / يوسف بطرس غالي لكي تصبح أموال محجوبة عن أعين الناظرين سوف تستمر بشرط موافقة الوزير المختص ( وزير المالية ) .
ثالثا: نصت المادة (3) من القانون على أن : ( تتضمن الموازنة العامة للدولة المخصصات المـالية للبرامج التي يقوم بها كل من الجهاز الإداري للدولة ووحدات الإدارة المحلية والهيئات العامة الخدمية ، وما يتبعها من وحدات ذات طابع خاص والصناديق والحسابات الخاصة ، والمشروعات الممولة من الحسابات الخاصة( . ، وهذا يعني أنهم أدخلوا الحسابات الخاصة والصناديق الخاصة ضمن مفردات الموازنة العامة للتأكيد على استمرارها وبقائها وأنه لا تفريط في الصناديق الخاصة .
كما نصت مادة (٧):
( لا يجوز بعد العمل بهذا القانون إنشاء صناديق وحسابات خاصة إلا بقانون .
ومع عدم الإخلال بما ورد في شأنه نص خاص ، يجوز بقانون تخصيص موارد معينة لبرامج واستخدامات محددة للصناديق والحسابات الخاصة ، وتعد الصناديق والحسابات الخاصة علي مستوى الجهة التي تتضمنها الموازنة العامة للدولة وحدة واحدة ، ويجوز النقل بين اعتماداتها وأرصدتها فيما بينها بموافقة السلطة المختصة بعد أخذ رأي الوزارة .
ويعد لهذا الصندوق أو الحساب الخاص موازنة خاصة به طبقًا للقواعد والأحكام المنصوص عليها في هذا القانون ، ويكون تمويل برامجه واستخداماته عن طريق موارده ، ويراعي تضمين الحساب الختامي للجهة الإيرادات المقابلة لمـا تم صرفه خلال السنة المـالية .)
وهذا النص يتضمن تنظيم عمل الصناديق الخاصة على نفس النحو الذي كانت عليه منذ نشأتها .
وليخبرني أحد ماذا فهم من نص المادة (21) من القانون – والذي يزعمون أنه لتحقيق الحوكمة لماليات الدولة وترشيد استخدامها - والتي نصت على أنه : ( يجوز لاعتبارات خاصة تقتضيها المصلحة العامة للبلاد أن تدرج ضمن برامج أو أبواب الاستخدامات بالموازنة العامة للدولة اعتمادات إجمالية لبعض الجهات أو احتيـاطيات عامة دون التقيد بالتصنيف الاقتصادي لهذه الأبواب ، وذلك لمواجهة الالتزامات الحتمية القومية أو الطارئة ، أو المصروفات أو الالتزامات التي لم يتسن مراعاتها لدي إعداد مشروع الموازنة العامة للدولة أو غيرها من الالتزامات الضرورية .
ويراعي ألا يتجـــاوز ما يدرج كاعتمـــادات إجمـــالية للجهة الواحـــدة نسبة (٥%) من إجمالي الاعتمادات المدرجة لاستخدامات هذه الجهـة بالمـوازنة العــامة للدولـة ، وتستثني من ذلك موازنات القوات المسلحة والمحكمة الدستورية العليا .
كما يراعي ألا يتجاوز ما يدرج كاحتياطيات عامة نسبة (٥%) من إجـمـالي برامج أو استخدامات الموازنة العامة للدولة ، وتوزع هذه الاحتياطيات خلال السنة المـالية علي أبواب وتقسيمات الاستخدامات المختلفة بما في ذلك الفوائد في إطار المعايير التي يعرضها الوزير علي مجلس الوزراء ، ويتضمن الحساب الختامي والقوائم المـالية التي تقدم لمجلس النواب ما تم استخدامه من هذه الاحتياطيات .)
س1 ماذا يعني أن نخصص لكل وزارة أو هيئة اعتمادات اجمالية غير موضح أمامها أسباب الاستخدام ، أليس ذلك دليلا قاطعا على أن هذه النسبة سوف يتم التعامل فيها بنفس طريقة التعامل في الصناديق الخاصة ، وفي النهاية تكون غير خاضعة للرقابة لأنها منذ البداية مقررة بشكل اجمالي غير مرتبط باستخدامات معينة .
س2 وإذا كان النص سالف الذكر قد حدد سقف هذه الاعتمادات الاجمالية بما لا يزيد عن 5% من الاعتماد المقرر للوزارة المعنية ، فلماذا تم استثناء القوات المسلحة والمحكمة الدستورية من تحديد حد أقصى للاعتمادات الاجمالية التي ستقرر بالهبة دون تحديد أسباب أو أهداف معينة لتحقيقها باستخدام هذه الاعتمادات ؟
أليس الاعتمادات الاجمالية هي وسيلة أخرى لتضاف إلى الصناديق الخاصة لتسهيل الاستيلاء على المال العام ؟
يعني قانون المالية الموحد وضع أصناف مختلفة من المصطلحات المريبة على نحو ما رأينا ( الصناديق الخاصة – الحسابات الصفرية التي تودع بعيدا عن البنك المركزي – الاعتمادات الاجمالية ) .
وماذا وراء المادة ( 34 ) من القانون والتي نصت على أن :
(مادة (٣٤):
لا يجوز للجهات الإدارية فتح حسابات باسمها أو باسم الصناديق والحسابات الخاصة التابعة لها خارج البنك المركزي إلا بموافقة الوزير ، وبشرط أن تكون هذه الحسابات صفرية . ويستثني من ذلك وبموافقة الوزير أيضًا فتح حسابات خاصة بالبنوك المسجلة لدي البنك المركزي لمـا تتلقاه من تبرعات أو إعانات أو هبات أو منح أو ما في حكمها من خارج الموازنة العامة للدولة ، ويفرد لكل منها حساب خاص يتم الصرف منه في الغرض الذي أنشئ الحساب من أجله .
علي أن يختص رئيس الجهة أو من يفوضه بالتوقيع الأول ، ومديرو ووكلاء الحسابات بالجهات الإدارية بالتوقيع الثاني علي هذه الحسابات .
وتخضع هذه الحسابات لأحكام الرقابة اللازمة لضبطها وبما لا يتعارض مع الشروط والقرارات الصادرة بقبول الأموال الخاصة بها ، ووفقًا لمـا تنظمه اللائحة التنفيذية لهذا القانون من إجراءات للرقابة عليها موردًا واستخدامًا .
ولا تسري أحكام هذه المـادة علي وزارة الدفاع وهيئة الأمن القومي وجميع أجهزتها ، والهيئة العامة للتأمين الصحي ، والهيئة العامة للتأمين الصحي الشامل ، وصناديق المعاشات والتأمينات التابعة للهيئة القومية للتأمين الاجتماعي ، والهيئة القومية للبريد فيما يتعلق باستثمار أموال المودعين ، وصناديق الرعاية الاجتماعية والصحية وصناديق التأمين الخاصة بالعاملين بالجهات الإدارية .)
فهذه المادة تبيح وتجيز ما يلي :
1- أن تفتح أي جهة إدارية – بعد موافقة الوزير - حساب باسمها أو باسم الصناديق الخاصة أو الحسابات الخاصة التابعة لها في بنوك خارج البنك المركزي بخلاف الأصل ، وهو ما يدعو للتساؤل : لماذا محاولة إبعاد الأموال عن البنك المركزي ؟
2- يجوز لأي جهة إدارية – وبعد موافقة الوزير – فتح حسابات خاصة بالبنوك المسجلة لدي البنك المركزي لمـا تتلقاه من تبرعات أو إعانات أو هبات أو منح أو ما في حكمها من خارج الموازنة العامة للدولة ، ويفرد لكل منها حساب خاص يتم الصرف منه في الغرض الذي أنشئ الحساب من أجله .
وهذا يعني تحويل الوزارات والهيئات وغيرها من الجهات الإدارية إلى دول داخل الدولة يتلقون أموالا من هنا وهناك ولا يضعونها في الموازنة العامة للدولة وإنما يضعونها في حسابات خاصة في البنوك التابعة للبنك المركزي ، وينفتح باب الرشاوي من الدول الغربية أو العربية أو غيرها لهذه المؤسسة أو تلك وبشكل قانوني على أن تتسلم الجهات الإدارية الهدايا الواردة إليها في سرية مراعاة لمشاعر الشعب .
3- ثم ما معنى استثناء بعض الوزارات و من أحكام هذه المادة مثل ( وزارة الدفاع – هيئة الأمن القومي وجميع أجهزتها ... إلخ ).
وحتى المادة (51) الواردة في الباب الرابع وعنوانه ( الرقابة والضبط الداخلي ) استثنت في فقرتها الأخيرة الكبار وجهات أخرى من حكم المادة ، أي من أحكام الرقابة ، حيث نصت على أنه :
(مادة (٥١):
( يصدر الوزير بالاتفاق مع محافظ البنك المركزي القواعد المنظمة لضبط حسابات الجهات الإدارية ، وله حق الاطلاع علي حساباتها وحصر أرصدتها لدي الوحدة الحسابية المركزية والبنك المركزي وجميع البنــوك ، سواءً كانت حسابات جــارية أو حســابات ودائــع أو غير ذلك من الحسابات بالعملة المحلية أو بالعملات الأجنبية.
وتكون هذه الحسابات وأرصدتها المودعة في حساب الخزانة الموحد ملكـًا لتلك الجهات ، ويجوز للوزير تقرير عوائد لها تؤديها الخزانة العامة .
وللوزير حق السحب علي حساب أي بنك مسجل لدي البنك المركزي لا يلتزم بتحويل المبالغ المودعة بالحسابات الصفرية لديه إلي الحسابات الموازية المفتوحة بحساب الخزانة الموحد في ذات يوم الإيداع ، وفي حدود المبلغ المودع مضافًا إليه مبلغ يعادل نسبة سعر الإقراض والخصم مضروبًا في المبالغ المتأخرة ، وذلك علي أساس سنوي، وتحدد اللائحة التنفيذية القواعد المنظمة لتلك الحسابات .
ولا تسري أحكام هذه المـادة على وزارة الدفاع وهيئة الأمن القومي وجميع أجهزتها ، والهيئة العامة للتأمين الصحي ، والهيئة العامة للتأمين الصحي الشامل ، وصناديق المعاشات والتأمينات التابعة للهيئة القومية للتأمين الاجتماعي ، والهيئة القومية للبريد فيما يتعلق باستثمار أموال المودعين ، وصناديق الرعاية الاجتماعية والصحية وصناديق التأمين الخاصة بالعاملين بالجهات الإدارية .)
وإذا كان استبعاد وزارة الدفاع وهيئة الأمن القومي بجميع أجهزتها من نص المادة (51) مفهوما ، فما هي أسباب استبعاد الهيئة العامة للتأمين الصحي الشامل ، وصناديق المعاشات والتأمينات التابعة للهيئة القومية للتأمين الاجتماعي ، والهيئة القومية للبريد فيما يتعلق باستثمار أموال المودعين ، وصناديق الرعاية الاجتماعية والصحية وصناديق التأمين الخاصة بالعاملين بالجهات الإدارية ؟
ونقول وبالله التوفيق لأنها جهات من ذوات الميزانيات الضخمة ، وليس من الصالح أن تخضع لرقابة محكمة ، وقد رأينا من قبل كيف قام الوزير الخبيث يوسف بطرس غالي بتحويل أموال التأمينات والمعاشات من التبعية للهيئة القومية للتأمينات والمعاشات إلى وزارة المالية ، وهو ما كان أحد الأسباب الهامة لمعاناة أرباب المعاشات وانخفاض معاشاتهم .
إذن الأمور أصبحت واضحة ، قانون المالية الموحد يقنن بالإضافة إلى الصناديق الخاصة أبوابا جديدة يمكن من خلالها فتح المجال لاستمرار ما يحدث من عبث بالمال العام ، على نحو ما رأينا فيما يتعلق بالصناديق الخاصة .
الخلاصة : أضاف قانون المالية الموحدة إلى
مصطلحات أخرى مريبة مثل ( الحسابات الصفرية خارج البنك المركزي – الاعتمادات الاجمالية – هيمنة هذه الجهة أو تلك على ما يأتيها من تبرعات ومنح وإيداعها باسمها خارج البنك المركزي ) .
ليس لها من دون الله كاشفة .
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق