#قسطنطين_العظيم_هو_ذو_القرنين_الحاكم_الصالح
قلت في كتابي ( قسطنطين العظيم إمبراطور التوحيد الإسلامي ذو القرنين ) ، تحت عنوان ( وختاما ) .
من كل ما تقدم يتضح لنا أن قسطنطين العظيم لم يحصل على حقه في الدراسة بين المسلمين المنتشرين في كل بقاع الأرض ، أو المسلمين العرب .
كما يترجح لدينا أن قسطنطين العظيم هو ذو القرنين ، لأنه لا يوجد حاكم على مر التاريخ توفرت فيه الصفات التي أوردها الله عز وجل لذي القرنين مثلما توفرت في قسطنطين .
فإذا كان الله عز وجل قد أخبرنا أن ذي القرنين عبد صالح مؤمن بالله عز وجل إيمانا صحيحا قائما على توحيد الله عز وجل وعدم الإشراك به ، فهكذا كان شأن قسطنطين ، كان مسيحيا على مذهب آريوس التوحيدي ، عاش عليه ومات عليه ، وحسبه دليلا على صدق إيمانه هو أن ينتقل من أقصى غرب تركيا ( القسطنطينية ) إلى أقصى شرق تركيا من جهة الجنوب ليصل إلى أنطاكية في سوريا ويتعمد على قبر لوكيانوس كبير الموحدين في زمنه ومعلم آريوس ورفاقه عقيدة التوحيد الصحيح ، ويتعمد على يدي يوسابيوس النيقوميدي وهو آريوسي ، ثم يعود إلى مدينة القسطنطينية ليموت في ذات الملابس البيضاء التي تعمد بها .
وإذا كان الله عز وجل قد أخبرنا في سورة الكهف أنه جل شأنه قد مكن لذي القرنين في الأرض ، فهكذا كان قسطنطين ممكنا في الأرض يحكم مشارقها ومغاربها ، وإذا كان الله عز وجل قد أسماه ذي القرنين ، فهكذا كان قسطنطين يحكم الإمبراطورية الرومانية الشرقية والإمبراطورية الرومانية الغربية وهما القرنان ، وكان من قبل يحكم جزءً من الإمبراطورية ، لكنه ولكونه عبدا صالحا أبت نفسه أن يتخلى عن المسيحيين المؤمنين الموحدين، وغيرهم من مواطني الإمبراطورية الذي يتعرضون للاضطهاد ، لذلك حارب مكسيمينوس حاكم الشرق وانتصر عليه بجيش جعل على رأسه ليسينيوس زوج أخته ، كما حارب قسطنطين بنفسه ماكسنتيوس حاكم الغرب ( روما ) وانتصر عليه ودخل روما في ظل فرحة غالبية مواطني الإمبراطورية الرومانية ، لأن الوثنيين بالطبع كانوا مع فكرة اضطهاد المسيحيين ، وبعد هذه الانتصارات أصبح قسطنطين هو الحاكم الأوحد للإمبراطورية بإرادة الله عز وجل ، وأصدر بعدها مباشرة مرسوم ميلانو لمنع اضطهاد الرومان الوثنيين للمسيحيين ، وقرر حرية العبادة للجميع ، وفعل غير ذلك كثير كما قرأتم .
وإذا كان الله عز وجل قد أخبرنا أن ذي القرنين كان حاكما عادلا ، فهكذا كان قسطنطين ، منذ تولى القيادة مع والده سار على نهج أبيه ولم يضطهد أحدا من المسيحيين أو من غيرهم ، وعامل الناس معاملة طيبة ، ونظر في شكاواهم ومشاكلهم ، وخاض الحروب الطاحنة على حدود الإمبراطورية الشمالية ضد القبائل التي كانت تهاجم الإمبراطورية من جهة الشمال ، كما حارب مع جاليريوس ومكسيميانوس على الحدود الشرقية ضد الفرس وغيرهم من القبائل التي تهاجم الإمبراطورية من جهة الشرق .
وإذا كان ذو القرنين حاكما عادلا ، فإنه حتما ولابد أن يكون رحيما ، وهكذا كان قسطنطين رحيما، أوقف الرومان الوثنيين عن اضطهاد المسيحيين بمرسوم ميلانو ، بل وكانت حروب قسطنطين لهذا السبب ، وهو التخلص من مكسيميانوس ومكسنتيوس الحاكمين الذين أذاقا المسيحيين أشد أنواع العذاب على نحو لم يسبقهما فيه أحد اللهم إلا دقلديانوس أشهر المستبدين المضطهدين في التاريخ المسيحي ، وعندما بنى مدينته القسطنطينية منع فيها السلوكيات الرومانية الشاذة التي كان يمارسها الرومان الوثنيين حين يجتمعوا في ملاعبهم ويفرضوا على العبيد أن يتقاتلوا حتى الموت ليستمتعوا برؤية دمائهم وهي تسيل على الأرض .
وإذا كان ذو القرنين قد بنى سد يأجوج ومأجوج ، فإن قسطنطين قد بنى مدينة القسطنطينية على سبعة تلال ( جبال ) ليحصن المدينة وكامل الإمبراطورية الرومانية الشرقية من هجمات القبائل الشمالية ، ولربما كان سد يأجوج ومأجوج مبنيا بين التلال السبعة المقام عليها القسطنطينية .
وإذا كان سد يأجوج ومأجوج يقع بين جبلين على الحدود بين دولتي قيرغستان وأوزبكستان - حسب الباحث الأردني عبد الله الشوربجي - وهما مجاورتان للحدود الشرقية لتركيا ، فإنه يترجح أيضا أن قسطنطين هو من بنى هذا السد للعديد من الأسباب ، منها أن قسطنطين قد اتبع استراتيجية إقامة الحواجز القوية في طريق القبائل المعتدية ، وقد فعلها حين بنى القسطنطينية وأحاطها بالأسوار القوية والمجاري المائية ما بين هذه الأسوار ، وجعل من المستحيل على هذه القبائل دخول المدينة أو حتى العبور من أوربا إلى آسيا والهجوم على باقي الإمبراطورية الرومانية الشرقية وهي منطقة الأناضول في تركيا ثم ولايات آسيا مثل فلسطين وسوريا والأردن أو ولايات أفريقيا مثل مصر ، ومن ثم يترجح أنه استكمل استراتيجيته بالبحث عن طرق مرور القبائل التي تهاجم الإمبراطورية من جهة الشرق حتى عثر على أضيق مكان يمكن له ردمه لمنع هذه القبائل من المرور والوصول إلى الإمبراطورية الرومانية الشرقية .
ومن هذه المُرجحات أيضا أن الرومان كانوا متفوقين في استخراج المعادن والصناعات التعدينية ، كما ثبت من مبانيهم التي استمرت قرابة ألفي عام، أنهم بنوا الطوابق المتعددة واستخدموا الخرسانة في البناء ، وقد أثبت فريق من العلماء أن الخرسانة الرومانية أقوى من الخرسانة الأسمنتية ، وأن المباني الرومانية أطول عمرا من المباني الحديثة بسبب هذه الخرسانة القوية التي صممت بطريقة تجعلها قادرة على معالجة آثار عوامل التعرية ذاتيا من خلال تفاعلات كيميائية ، بل وأثبت العلماء أن طريقة تصنيع هذه الخرسانة مشابهة تماما للوصف القرآني للطريقة التي صنع بها ذو القرنين الخرسانة التي ردم بها ما بين السدين ، وقد سبق أن عرضنا ذلك ، وقد أحسن الإمام الطبري رحمه الله عز وجل حين جمع في تاريخه وفي تفسيره للقرآن الكريم كافة الروايات التي كانت متداولة بين الناس منذ زمن النبي صلى الله عليه وسلم وترك للأجيال القادمة أن تبحث عن الروايات الصحيحة من الموضوعة بما عسى أن يستجد لديهم من أدلة من مصادر أخرى ، وقد ترك لنا حديثا في تفسيره يفيد أن ذو القرنين كان شابا رومانيا ، وأنه كان مدعوما بملاك من السماء ، وأن الملاك أرشده على مكان السد ليقوم ببنائه وغلق الطريق في مواجهة قوم يأجوج ومأجوج ، هذا فضلا عما صرح به الباحث الأردني عبد الله الشوربجي من أن الهدف من السد كان حماية القبائل التركية ، وهو ما يرجح أن قسطنطين هو من بنى السد لأنه كان الحاكم في هذه المنطقة وكان يهدف لحماية الشعوب الخاضعة لحكمه من هجمات القبائل الشمالية الشرسة ومن بينها الشعوب التركية .
ومن المرجحات أيضا أن قسطنطين العظيم هو ذو القرنين أن الله عز وجل جمع ( قصة ذي القرنين ) مع ( قصة أهل الكهف ) في سورة واحدة هي سورة الكهف ، وقال جل وعلا في بداية السورة : ( ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ عَلَىٰ عَبۡدِهِ ٱلۡكِتَٰبَ وَلَمۡ يَجۡعَل لَّهُۥ عِوَجَاۜ (١) قَيِّمٗا لِّيُنذِرَ بَأۡسٗا شَدِيدٗا مِّن لَّدُنۡهُ وَيُبَشِّرَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعۡمَلُونَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ أَنَّ لَهُمۡ أَجۡرًا حَسَنٗا (٢) مَّٰكِثِينَ فِيهِ أَبَدٗا (٣) وَيُنذِرَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَدٗا (٤) مَّا لَهُم بِهِۦ مِنۡ عِلۡمٖ وَلَا لِأٓبَآئِهِمۡۚ كَبُرَتۡ كَلِمَةٗ تَخۡرُجُ مِنۡ أَفۡوَٰهِهِمۡۚ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبٗا( (٥) ، .....
أي بدأت السورة بتحذير لمن قالوا اتخذوا الله ولدا ، والتحذير هنا ليس لكافة المسيحيين ، حيث يُستثني منه آريوس ومن سار على نهجه الذين رفضوا القول بأن عيسى عليه السلام ابن الله عز وجل وتعالى عن ذلك علوا كبيرا ، وإنما كان التحذير لمن اعتنقوا قانون إيمان نيقيا وتركوا آريوس القس المسيحي الخالص الذي تعلم على أيدي عظام الآباء أمثال لوكيانوس الموحد ، وأخذوا بأقوال أثناسيوس الذي أثبت الأنبا تكلا هيمانوت وكافة المصادر التاريخية الرومانية والمسيحية أنه كان وثني الأصل ، ثم يلي آيات التحذير لمن قالوا اتخذ الله ولدا قصة أهل الكهف ، حيث ترد في سورة الكهف قبل الحديث عن قصة ذي القرنين ، وهذا يوافق التسلسل الزمني ، لأن الراجح كما قلنا وبالدلائل أن أهل الكهف هم فتية من المسيحيين الموحدين ( إِنَّهُمۡ فِتۡيَةٌ ءَامَنُواْ بِرَبِّهِمۡ وَزِدۡنَٰهُمۡ هُدٗى (١٣) وَرَبَطۡنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ إِذۡ قَامُواْ فَقَالُواْ رَبُّنَا رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ لَن نَّدۡعُوَاْ مِن دُونِهِۦٓ إِلَٰهٗاۖ لَّقَدۡ قُلۡنَآ إِذٗا شَطَطًا (١٤) هَٰٓؤُلَآءِ قَوۡمُنَا ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِۦٓ ءَالِهَةٗۖ لَّوۡلَا يَأۡتُونَ عَلَيۡهِم بِسُلۡطَٰنِۭ بَيِّنٖۖ فَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّنِ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبٗا (١٥) وَإِذِ ٱعۡتَزَلۡتُمُوهُمۡ وَمَا يَعۡبُدُونَ إِلَّا ٱللَّهَ فَأۡوُۥٓاْ إِلَى ٱلۡكَهۡفِ يَنشُرۡ لَكُمۡ رَبُّكُم مِّن رَّحۡمَتِهِۦ وَيُهَيِّئۡ لَكُم مِّنۡ أَمۡرِكُم مِّرۡفَقٗا ) ، لجأوا إلى أحد الكهوف للهروب من اضطهاد حاكم ظالم يريد إعادتهم إلى ملة الحاكم الطاغية وأتباعه ( إِنَّهُمۡ إِن يَظۡهَرُواْ عَلَيۡكُمۡ يَرۡجُمُوكُمۡ أَوۡ يُعِيدُوكُمۡ فِي مِلَّتِهِمۡ وَلَن تُفۡلِحُوٓاْ إِذًا أَبَدٗا ) ، وهو نفس ما أثبته التاريخ الروماني والمسيحي من أن المسيحيين كانوا يلجأون في زمن الاضطهاد للكهوف ، وكانوا يقيمون كنائس ( وقد أخبرنا الله عز وجل أنهم يقيمون مساجد ) ، وكانوا يموتون من طول فترات الهروب ويتم دفنهم بجوار هذه الكهوف ، وأن سبب الاضطهاد إما من الوثنيين للمسيحيين ليعيدوهم من المسيحية إلى الوثنية أو من النيقيين الذين أشركوا عيسى مع الله عز وجل في جوهره وأزليته وصفاته تجاه الآريوسيين الذين صمموا على وحدانية الله عز وجل وعدم الإشراك به لا في ذاته ولا في طبيعته وجوهره ولا في أزليته ولا في صفاته ، .....
ولاشك أن مرحلة الاضطهاد سابقة لظهور قسطنطين العظيم وحدوث الانفراجة الكبرى للمسيحيين ، لاسيما الموحدين من أنصار آريوس والذين أصبحت لهم الكلمة العليا لزمن طويل إلى أن تمكنت الكنيسة المصرية من القضاء عليهم ، ليحل محلهم المسلمون بعد قرابة الألفي عام ، وكأن الله عز وجل قد بعثهم من الموت وأخرجهم من القبور لتعود أقوالهم ومعتقداتهم الصحيحة لتملأ الدينا من جديد ، وتصبح أسماء مثل قسطنطين ولوكيانوس وآريوس ويوسابيوس النيقوميدي ويوسابيوس القيصري متداولة بكل لغات العالم ، ......
ثم أوردت سورة الكهف قصة ذي القرنين بعد قصة أهل الكهف لترجح لنا أن ذو القرنين هو قسطنطين العظيم الذي رفع الاضطهاد عن المسيحيين ليخرجوا من الكهوف ويعيشوا حياة طبيعية آمنة ، بل وتتحول الإمبراطورية الرومانية بالكامل من الوثنية إلى المسيحية على أيدي قسطنطين ذاته ، ويكتشف الناس المعجزة التي حدثت لهؤلاء الفتية من خلال العملة القديمة التي حاولوا استخدامها في الشراء ، في الوقت الذي تخبرنا فيه المراجع الرومانية والمسيحية أن قسطنطين هو أيضا من غير العملة ، وألغى كل العملات التي كانت تحمل صورا وثنية أو صورا للأباطرة السابقين الوثنيين الذين غالوا في اضطهاد المسيحيين .
ومن المرجحات أيضا أن قسطنطين العظيم هو ذو القرنين ارتباط مجموعة من الأحداث المتجانسة معا بطريقة تستحث العقل على إعمال الفكر لمحاولة إيجاد الرابط المشترك الذي يجمع هذه الأحداث ، على سبيل المثال ما ذكرناه من ورود قصة أهل الكهف مع قصة ذي القرنين في سورة الكهف ، وبدء سورة الكهف بتحذير لمن قالوا اتخذ الله ولدا ( وَيُنذِرَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَدٗا * مَّا لَهُم بِهِۦ مِنۡ عِلۡمٖ وَلَا لِأٓبَآئِهِمۡۚ كَبُرَتۡ كَلِمَةٗ تَخۡرُجُ مِنۡ أَفۡوَٰهِهِمۡۚ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبٗا ) ، ثم تأتي الآية الأخيرة من السورة لتؤكد على وحدانية الله عز وجل ، والنهي عن الشرك به : ( قُلۡ إِنَّمَآ أَنَا۠ بَشَرٞ مِّثۡلُكُمۡ يُوحَىٰٓ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَٰهُكُمۡ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞۖ فَمَن كَانَ يَرۡجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِۦ فَلۡيَعۡمَلۡ عَمَلٗا صَٰلِحٗا وَلَا يُشۡرِكۡ بِعِبَادَةِ رَبِّهِۦٓ أَحَدَۢا ) ، وكأن الله عز وجل يخبرنا أن سورة الكهف مخصصة في الأصل للحديث عن هذه الحقبة ، حقبة اضطهاد المسيحيين على يد الرومان الوثنيين وأباطرتهم ، ومعاناة المسيحيين وهروبهم إلى الكهوف ، ثم ظهور قسطنطين العظيم لينهي هذه المأساة التي استمرت قبل ظهوره قرابة مائتي وخمسين عاما أو يزيد ، ثم تدخل قسطنطين في النزاع الذي حدث بين المسيحيين بشأن طبيعة المسيح ، لينضم في بداية الأمر – ولم يكن ساعتها قد اعتنق المسيحية وأحاط بها علما - إلى فريق التثليث بقيادة أثناسيوس وثني الأصل ، ثم وبعد أن تفهم حقيقة النزاع وآراء الطرفين يتحول من النقيض إلى النقيض ، يتحول إلى مناصرة آريوس الموحد ويعتنق مذهبه ويعيده من المنفى ، ثم يطرد الأساقفة النيقيين ، ويعلن قبول قانون إيمان آريوس واعتناق مذهبه في أهم مناسبة في حياة قسطنطين وربما في تاريخ المسيحية وهي افتتاح كنيسة القيامة ، ويأمر بعدها كافة الكنائس بإعادة آريوس وأتباعه لأماكنهم بكافة الكنائس ، وحين رفض أثناسيوس إعادة آريوس ، قام قسطنطين بنفي أثناسيوس نفسه ، واستدعى آريوس إلى القسطنطينية ليقوم بتعيينه أسقفا على كنيسة القسطنطينية مدينته الجديدة .
وكما قلت لكم من قبل مات آريوس الموحد شهيدا – بالسم حسب آراء العديد من المؤرخين والباحثين – قبل أن يتسلم قيادة كنيسة القسطنطينية بيوم واحد ، وهنا نجد أحداث أخرى يُخبئها المستقبل ويسترها الغيب مئات السنين ، فرغم سقوط الإمبراطورية الرومانية الغربية عام ٤٧٦م ، استمرت الإمبراطورية الرومانية الشرقية قائمة لقرابة الألف عام بعد سقوط الغربية ، حيث سقطت على يد العثمانيين بقيادة السلطان محمد الفاتح عام ١٤٥٣م ، وكان من أهم أسباب صمود الإمبراطورية الشرقية هو أسوار القسطنطينية التي بناها قسطنطين بالتحصينات التي سبق أن عرضناها ، وكأن قسطنطين رحمه الله عز وجل كان يُعد القسطنطينية حتى يتسلمها المسلمون بعد قرابة الألف عام ، وكأن المقادير تخبر من قتلوا آريوس ، أنكم وإن قتلتم آريوس المسلم الموحد وحرمتموه من البقاء في القسطنطينية لأنه كان موحدا لله عز وجل ، فإن القسطنطينية تنتظر الملايين من ( المسلمين الموحدين ) سوف يأتون إليها يوما ما ولو كان في نظركم بعيدا ويفتحونها ويتولون الحكم فيها وإدارتها وتحسين أحوال أهلها حتى يدخلون في دين الله أفواجا.
هل يمكن أن نجد حاكما على مر التاريخ أنجز من الانجازات الإيمانية ما أنجزه قسطنطين العظيم ، الذي قضى على الوثنية التي كانت لها السيادة على العالم في الوقت الذي كانت تضم فيه عمالقة الحضارات كالفراعنة والإغريق والرومان ، ورفع الاضطهاد عن المسيحيين والذي استمر قرابة مائتي وخمسين عاما قبل أن يصل قسطنطين للحكم ، وبنى لهم الكنائس وأغدق عليهم بالأموال والعطايا حتى من قبل أن يعتنق المسيحية ، ثم أدت إجراءاته إلى تحويل الإمبراطورية الرومانية من الوثنية إلى المسيحية وهو تحول ضخم في تاريخ البشرية كان له ما بعده من نتائج حتى زمننا هذا .
ثم وبعد أن فهم الديانة المسيحية تحول عن قانون إيمان نيقيا الذي جعل المسيح عليه السلام إلها ، واعتنق مذهب آريوس الموحد ، وبذل قصارى جهده ليعيد الناس إلى الإيمان الصحيح .
وبنى مدينة القسطنطينية والتي حافظت على جميع المسيحيين الموحدين ، والذين كانوا هم الأغلبية في الإمبراطورية الشرقية ، وهؤلاء المسيحيين الموحدين هم من وجدوا في الإسلام ضالتهم عندما فتح عمرو بن العاص مصر عام 641م ودخل الإسكندرية عام 642م لاسيما في ظل الصراعات التي كانت سائدة بين هرقل والمسحيين المصريين حول طبيعة المسيح ، وهل هو ذو طبيعة واحدة إلهية أم ذو طبيعتين ،....
" فعلى الرغم من اعتناق الإمبراطورية الرومانية للمسيحية ، فإن ذلك لم يُخَلِّص مصر من براثن الانحطاط والبؤس والشقاء ، فقد امتدَّت الخلافات العميقة داخل الدولة الرومانية الأرثوذكسية بين طائفة الملكانية - التي كانت تعتقد بازدواجية طبيعة المسيح ، وكانت تمثِّلها السُّلطة السياسية في القسطنطينية - وطائفة المنوفيسية ( اليعقوبية ) ، وهم أهل مصر والحبشة الذين كانوا يعتقدون بطبيعة إلهية واحدة للمسيح ، لذلك فكَّر الإمبراطور هرقل بعد انتصاره على الفرس في توحيد المذاهب المسيحية كلها، وعقد لهذا مَجْمَع خلقدونية، فأقرَّ البطارقة الذين يمثِّلون شتى المذاهب المسيحية مذهبًا واحدًا في ذلك المجمع ، وهو الإقرار بألوهية المسيح وبشريته في آنٍ واحد، ومساواة الابن مع الأب في الذات والجوهر، وأراد فرض هذا المذهب على المسيحيين في مصر عن طريق أحد البطارقة ويُدعى قيرس."
" لكن أهل مصر كانوا شديدي الحب لبنيامين -كبير أساقفة مصر- الذي كان شديد التعصب لمذهب اليعاقبة المخالف لما دان به هرقل، وما كاد قيرس يحطُّ رحاله في الإسكندرية في عام 631م إلاَّ وقد فرَّ بنيامين - خوفًا من بطشه ، لذلك رأى المصريون أن ما يدعو إليه قيرس ما هو إلاَّ بدعة وكفر وضلال لأن بنيامين أنكره ولم يدعمه ،
الأمر الذي جعل قيرس يلجأ إلى الشدَّة والبطش والتعذيب، ووقع الاضطهاد الأعظم الذي استمرَّ على الأقلية المسيحية المصرية مدَّة عشر سنوات كاملة، حتى جاء الفتح الإسلامي مخلِّصًا للمصريين من ذلك البطش والتنكيل ، فاتحا بصائرهم على عقيدة التوحيد الصحيحة التي تقبلها الفطرة ، ويعجز العقل عن النيل من منطقيتها ، ناهيك عن أن المسلمين لم يفرضوا الإسلام بالقوة على مواطني البلاد المفتوحة وتركوهم وما يرتضون لأنفسهم من معتقدات."
وكأن قسطنطين العبد الصالح والحاكم الصالح قد أراد من بناء أسوار القسطنطينية حمايتها حتى يُسلم الأمانة للمسلمين خير أمة أخرجت للناس .
إن تتبع سيرة قسطنطين يكشف لنا أنه أدى أدوارا عظيمة لصالح المسيحية والمسيحيين ، ولصالح الإسلام والمسلمين ، ولصالح البشرية أجمعين ، على نحو يرجح بشكل كبير أن قسطنطين العظيم هو العبد الصالح والحاكم الصالح "ذو القرنين" الذي أخبرنا المولى عز وجل قصته في سورة الكهف .
لن يخبرنا الله عز وجل عن ذي القرنين أنه مكن له في الأرض وآتاه من كل شيء سببا ، وكلفه بمهام لنشر العدل ومواجهة الطغاة وإغاثة المعذبين في الأرض إلا إذا كان ذو القرنين مسلما مؤمنا إيمانا صحيحا قائما على التوحيد الخالص ، مجاهدا لنصرة المؤمنين الموحدين ، وهذا ما عاش عليه قسطنطين ما تبقى من حياته بعد أن مكنه الله عز وجل في الأرض وأصبح الحاكم الأوحد للإمبراطوريتين الرومانية الغربية والبيزنطية الشرقية .
دار نشر ( كتبنا ) .
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق