المقدمة الثابتة لهذه السلسلة من المقالات :
" شهادات لا تحصي ولا تعد تكشف وتؤكد أن
الإخوان المسلمين هم من أنشئوا تنظيما سريا بين ضباط الجيش المصري هو نفسه ما سُمي
فيما بعد " تنظيم الضباط الأحرار " ، وحددوا أهدافه في الخلاص من
الملكية المستبدة الفاسدة والاحتلال الانجليزي ، وتحقيق مبدأ الوحدة الإسلامية بين
الدول الإسلامية من خلال التعاون وليس من خلال حكومة مركزية واحدة ، كما تكشف هذه
الشهادات كيف تحالف العسكر والإخوان المسلمون وأفراد من الشعب من أجل مصر وتحريرها
ونهضتها ، وسرعان ما تفكك التحالف بعد أن وصل العسكر للسلطة ، فاستبدلوا حب الوطن
بحب الدنيا ، واستبدلوا المودة مع شركاء العمل الوطني بالعداء السافر الذي لم
يظهروه تجاه إسرائيل نفسها ".
عرضنا في المقالين السابقين مقتطفات من شهادة الضابط / حسين حمودة باعتباره
عضو مؤسس في تنظيم الضباط الأحرار لاسيما تلك المتعلقة بدور الإخوان المسلمين في
الأحداث التاريخية الهامة التي وقعت قبل عام 1952م ، حيث تحدثنا عن دور الإخوان في
تأسيس تنظيم سري بين ضباط الجيش هو نفسه الذي سُمي فيما بعد " تنظيم الضباط
الأحرار " بقصد الخلاص من الملكية المستبدة الفاسدة والاحتلال الانجليزي ،
كما تحدثنا عن نضال الإخوان المشترك مع الضباط الأحرار في العمليات الفدائية ضد
الانجليز ، ونضالهم المشترك في حرب فلسطين المقدسة عام 1948م ، ونستكمل في هذا
المقال مسألة هامة للغاية وهي حل جماعة الإخوان المسلمين أثناء اشتعال حرب فلسطين
عام 1948م في الوقت الذي يقاتل فيه شباب الإخوان قتالا شرسا جنبا إلي جنب مع الجيش
المصري ، فبعد أن كشف لنا الأستاذ / حسين حمودة الدور البطولي لمتطوعي الإخوان
المسلمين في حرب فلسطين ضد اليهود المحتلين ، كشف لنا أيضا كيف قام الملك
والنقراشي رئيس حكومته بحل الجماعة أثناء الحرب وذلك علي النحو التالي :
ثامنا : حسين حمودة يكشف لنا كيف تم حل جماعة
الإخوان أثناء مشاركتهم في حرب فلسطين المستعرة :
ولكن العجيب أن
قوات الفالوجا ظلت في مواقعها حتى أحاط بها اليهود من كل جانب . وقد ترتب على بقاء
قوة معطلة في الفالوجا قوامها خمسة آلاف رجل ضياع مدينة بئر سبع وما أعقب ذلك من انهيار
القطاع الشرقي عسلوج العوجة ثم اقتحام اليهود لحدود مصر الشرقية والزحف حتى مشارف مدينة
العريش لتطويق الجيش المصري المتواجد على الشريط الساحلي رفح/ غزة.
أما قوة الفالوجا
فقد أحكم اليهود حولها الحصار وظنوا أن هذه القوات لا تلبث أن تستسلم غير أن قوات الفالوجا
الباسلة خيبت ظنهم ومضت تدافع عن مراكزها باستبسال حتى من الله عليها بالنجاة بعد نهاية
الحرب وإعلان الهدنة وغادروا أرض الفالوجا بكامل أسلحتهم في 11/ 3/ 1949.
وقد قام الإخوان
المسلمون بجهد رائع في إمداد قوات الجيش المصري المحاصرة في الفالوجا بالمؤن والذخيرة
بقوافل الجمال عبر الصحراء ، وكان للبطل الصاغ معروف الحضري جهد مشكور في هذه الفترة
فكان يتولى قيادة هذه القوافل إلى أن وقع في أسر اليهود وظل في الأسر حتى تم تبادل
الأسرى بعد الهدنة.
بعد حصار الفالوجا
شدد اليهود هجومهم على حامية بئر سبع مفتاح فلسطين الشرقي وعاصمة النقب فاحتلوها يوم
27/ 10/ 1948.
وكانت القيادة
العسكرية المصرية لحملة فلسطين سنة 1948 قد رأت بعد استشهاد البطل أحمد عبد العزيز
تجميع كتيبتي الإخوان الأولى والثانية في منطقة الخليل وبيت لحم ومرتفعات صور باهر.
ولم يبق مع القوات
المصرية النظامية من المتطوعين إلا الكتيبة الثالثة من متطوعي الإخوان المسلمين فكلفتها
القيادة لحملة فلسطين بإرباك مستعمرات النقب ، فقام أفراد الكتيبة الثالثة لمتطوعي
الإخوان المسلمين بمحاصرة مستعمرات اليهود في صحراء النقب وتدمير شبكات مواسير المياه
حتى كادت هذه المستعمرات أن تموت عطشاً.
وبسقوط بئر سبع
يوم 27/ 10/ 1948 في أيدي اليهود أصبح في مقدور اليهود التنقل بحرية بين أرجاء صحراء
النقب وأصبح موقف القوات المصرية في القطاع الشرقي حرجاً للغاية.
مما دفع اللواء
المواوي قائد حملة فلسطين أن يطلب رسمياً في عدة خطابات له إلى الأمانة العامة للجامعة
العربية تجنيد أكبر عدد ممكن من شباب الإخوان وإرسالهم فوراً إلى ميادين القتال في
فلسطين ليتمكن من السيطرة على الموقف في القطاع الشرقي قطاع عوجا - عسلوج - بئر سبع
- الخليل - بيت المقدس وكلف اللواء المواوي الأستاذ الشيخ محمد فرغلي رئيس متطوعي الإخوان
في حرب فلسطين بالسفر إلى القاهرة لاستعجال تجهيز وتعبئة شباب الإخوان المسلمين.
وفي 11/ 11/
1948 قررت الحكومة المصرية سحب اللواء المواوي وتعيين اللواء أركان حرب أحمد فؤاد صادق
قائداً لحملة فلسطين وكان أفراد الكتيبة الثالثة للإخوان المسلمين لا يزالون يحتلون
المواقع المحيطة بمستعمرات اليهود.
وفي ذات اليوم
صدرت أوامر بسحب الإخوان من تلك المواقع ووضعهم في معسكر برفح.
وبمجرد سحب الإخوان
من تلك المواقع بادر اليهود إلى احتلالها وبذلك انحلت القيود التي كانت تكبل المستعمرات
اليهودية بالنقب.
ولم تمض أيام قليلة
حتى احتل اليهود تبة الشيخ نوران ولقد حاول الجيش المصري استردادها فهاجمها بقوات كبيرة
في 6/ 12/ 1948 ولكن ذهبت محاولاته أدراج الرياح.
أما بقية المواقع
التي كان يحتلها الإخوان وصدرت لهم أوامر قيادة حملة فلسطين بإخلائها فقد احتلها اليهود.
فاحتل اليهود تل
جمة في 5/ 12/ 1948 وتل الفارعة في 18/ 12/ 1948 وكان سحب الإخوان من مواقعهم المنيعة
والحد من نشاطهم العسكري يرجع إلى الإجراءات الشاذة التي اتخذتها حكومة النقراشي قبيل
حل جماعة الإخوان في مصر.
فقد كان الملك
فاروق ينظر بعين الريبة إلى الإخوان المسلمين ويخشى أن يؤلفوا جيشاً في فلسطين يكون
خطراً على عرشه. حقاً لقد كان الإخوان المسلمين خطراً على إسرائيل وفد فهم اليهود ذلك
حق الفهم في ميدان القتال.
فأوحى اليهود إلى
الإنجليز الذين أوحوا إلى الملك فاروق وأدخلوا في روعه أن استمرار الإخوان في جهادهم
بفلسطين والنشاط الذي يجريه حسن البنا في مصر لتجهيز قوات إخوانية كثيفة ليدخل بها
فلسطين وإيقاظه لروح الجهاد الديني في الشعب المصري سيصبح خطراً داهما على عرش فاروق.
فأمر الملك فاروق
رئيس وزرائه محمود فهمي النقراشي باتخاذ الإجراءات اللازمة للبطش بجماعة الإخوان المسلمين
واستئصال شأفتهم.
ولقد سبق أن ذكرت
أن اللواء المواوي طالب بإرسال أكبر عدد من متطوعي الإخوان المسلمين وإرسالهم فوراً
إلى ميدان القتال ب فلسطين وسافر لهذه الغاية الشيخ محمد فرغلي رئيس متطوعي الإخوان
في حرب فلسطين إلى القاهرة بتعليمات مكتوبة من قائد حملة فلسطين اللواء المواوي.
ولقد أخبرني الصاغ
محمود لبيب أن عبد الرحمن عزام أمين الجامعة العربية قد استدعاه في ذلك التاريخ ورجاه
أن يعمل على تجنيد أكبر عدد ممكن لأن خطورة الموقف العسكري في فلسطين تتطلب إرسالهم
على جناح السرعة.
ومضى محمود لبيب
فاتصل بشعب الإخوان في جميع أنحاء مصر وطلب تجهيز أكبر عدد ممكن من الأفراد.
ولكن ما إن تناهى
النبأ إلى مسامع النقراشي رئيس الوزراء حتى رفض قبول الفكرة رفضا باتا.
ولم يستطع محمود
لبيب فهم أسباب الرفض في حينه حتى جاءت الحوادث الغربية بعد ذلك لتعلن الحقيقة المرة..
ذلك أن النقراشي كان مشغولاً بتنظيم خطة للفتك بجماعة الإخوان المسلمين ومحوها من الوجود.
ولو أدى الأمر
إلى تعريض جيش مصر في فلسطين لأفدح الأخطار وتعريض الأرض التي اكتسبها بدمائه إلى الضياع
وتسليمها لليهود بلا قتال.
إذ أصدر النقراشي
رئيس الوزراء أوامر مشددة إلى اللواء فؤاد صادق قائد حملة فلسطين الجديد بسحب قوات
الإخوان من مواقعهم وسحب أسلحتهم واعتقالهم وإرسالهم كأسرى حرب إلى المعتقلات في مصر.
ولكن اللواء فؤاد
صادق رفض بشدة اعتقال هؤلاء المجاهدين واكتفى بسحبهم من مواقعهم وأبقاهم في معسكر بمنطقة
رفح المصرية ومعهم أسلحتهم.
وفي الوقت الذي
كان فيه حسن البنا يعد قوات كثيفة ليدخل بها إلى فلسطين كان النقراشي يرتكب أبشع حماقة
يمكن أن تصدر من رجل دولة مسئول في حالة الحرب.
ولم تلبث الأنباء
أن جاءت بقيام المذبحة ، فسيق زعماء الإخوان إلى المعتقلات وكان من بينهم الشيخ محمد
فرغلي رئيس الإخوان المسلمين بفلسطين الذي أرسله المواوي ليستعجل حضور شباب الإخوان
المتطوعين للجهاد في فلسطين.
وفي ليلة 7/
12/ 1948 حوصر معسكر الإخوان برفح بقوات كبيرة من الجيش المصري وحضر اللواء البرديني
ومعه عدد من ضباط البوليس الحربي وطلبوا مقابلة قائد معسكر الإخوان المسلمين.
وقال اللواء البرديني
لقائد الإخوان : لقد أبلغتنا الحكومة المصرية أن قراراً صدر بحل الإخوان بمصر
والقائد العام فؤاد صادق بناء على طلب الحكومة يطلب تسليم الأسلحة ومعدات الحرب خشية
أن يركب بعض شباب الإخوان رءوسهم ويرتكبوا بعض الحماقات يكون فيها أبلغ الضرر.
وهم شبان في مقتبل
العمر متحمسون وقد لا يقدرون عواقب تصرفاتهم في هذه المرحلة الخطيرة التي يجتازها الجيش
المصري وأنت رجل عاقل فأرجو ألا تمانع في تسليم الأسلحة ومعدات الحرب. فقال له قائد
الكتيبة الثالثة من متطوعي الإخوان : إن مسألة حل الإخوان المسلمين أمر وارد وهذه
الدعوة غير قابلة للحل لأنها دعوة الله وستجد حتماً من يعمل لها من غير الإخوان المسلمين.
أما خشية الجيش
من قيام حركة انتقامية في الميدان فتلك خشية لا موضع لها على الإطلاق ، فإن إيمان الإخوان
بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم يمنعهم من التفكير في مثل هذه الأعمال ،
وإن هؤلاء الشباب الذين باعوا أنفسهم لله لن يختموا جهادهم بضرب وجوه المؤمنين من إخوانهم
ضباط وجنود الجيش المصري.
وعلى هذا فتسليم
الأسلحة لا مبرر له ، وعلى القائد العام أن يطمئن تماماً ويبلغ المسئولين في مصر بهذا
الرأي وأن يتحمل التبعة وهو رجل شريف وشجاع.
وأخيراً اتفق اللواء
البرديني مع قائد الإخوان على كتمان الأمر حتى يقابل قائد الإخوان اللواء فؤاد صادق
في الصباح.
وذهب قائد الإخوان
في الصباح لمقابلة اللواء فؤاد صادق الذي قال له : إنه فكر في الأمر فاستقر رأيه
على معالجته بالحكمة وأنه سيترك للإخوان حرية الاختيار فإن رأوا كلهم أو بعضهم مغادرة
الميدان والذهاب إلى بلادهم في مصر فسوف يسهل لهم أمر العودة وإن رأوا أن يستمروا في
الحرب مع الجيش المصري فسيظلون في أماكنهم دون أي تغيير في أوضاعهم.
على أنه يرجو أن
يتدبر الإخوان الأمر وأن يعلموا أن الجيش المصري في حاجة إليهم وإلى جهودهم ولا يليق
بهم التخلي عنه في هذه الظروف.
ثم طلب جمع الإخوان
في موعد معين ليتحدث إليهم ولما عاد قائد الإخوان إلى المعسكر وجد أنباء قرار حل الإخوان
قد سبقه إلى أفراد المعسكر عن طريق أجهزة الراديو.
فشرح لهم ما دار
بينه وبين اللواء فؤاد صادق وتشاور الإخوان في الأمر واستقر رأيهم بالإجماع على البقاء
ومواصلة القتال مع الجيش المصري حتى تضع الحرب أوزارها.
وفي اليوم التالي
حضر اللواء فؤاد صادق وعرف إجماع الإخوان على البقاء لمواصلة القتال في سبيل الله فحياهم
اللواء صادق على روحهم الوطنية الطيبة. هذا كان رأي شباب الإخوان المقاتل مع الجيش
المصري فماذا كان رأي قيادة الإخوان في مصر .
لقد أرسل حسن البنا
خطاباً سرياً مع أحد الإخوان يقول فيه لا شأن للمتطوعين بما يجري في مصر وما دام في
فلسطين يهودي واحد يقاتل فإن مهمتهم لم تنته وأوصى الإخوان بالهدوء وعدم مقاومة الحكومة
في إجراءتها التعسفية حتى لا يستفيد الإنجليز واليهود من الفتنة لأن الإخوان المسلمين
لو قاوموا الحكومة لتحولت الفتنة إلى حرب أهلية لن يستفيد منها سوى أعداء مصر .
وأمر حسن البنا
الإخوان أن يتحملوا المحنة وأن يسلموا أكتافهم للسعديين ليقتلوا ويشردوا كيف شاءوا
حرصاً على مصلحة شعب مصر وإبقاء على وحدة الأمة وتفاديا لنشوب حرب أهلية لا يستفيد
منها سوى أعداء الإسلام.
وصدع الإخوان بالأمر
وتحملوا مصائب المحنة بصبر وجلد ومضي السعديون في خطتهم الطائشة يعتقلون ويعذبون حتى
بات أي فرد في مصر تحت رحمة البوليس السياسي.
وكان طبيعياً أن
تبرر الحكومة المصرية خطتها فأخذت وسائل الإعلام التابعة لها تشيع أنباء مختلفة عن
مؤامرات وهمية تدبر في الخفاء لقلب نظام الحكم.
وطفحت الصحف الحكومية
بتفاصيل هذه المؤامرات الوهمية ولم يسمح للإخوان بالدفاع عن أنفسهم وفرض التعتيم الإعلامي
التام لكيلا يعرف شعب مصر حقيقة الأمور.
فالحكومة في ظل
الأحكام العرفية كانت تقبض بيد من حديد على وسائل الإعلام من صحافة وإذاعة ودور نشر
وتملي عليها ما تذيعه وتنشره من إفك وزور وبهتان ، ولو ترك حسن البنا على حريته دون
أن تضع الحكومة المصرية العراقيل أمامه لرأي دعاة السوء كيف يغرق فلسطين بقوات إخوانية
كثيفة ولتغيرت نتيجة الحرب لا محالة.
تاسعا: حسين
حمودة يكشف كيف تم اعتقال الإخوان من ساحة معركة فلسطين المقدسة:
يقول حسين
حمودة:
وانتهت حرب فلسطين
باتفاق رودس سنة 1949 وكان من شروط الاتفاق سحب الجيش المصري كله من فلسطين ويكتفي
بلواء مشاة فقط في قطاع غزة/ رفح.
وقد وقع اختيار
قيادة الجيش المصري على اللواء الرابع المشاة الذي كنت أخدم فيه للبقاء في فلسطين بقطاع
غزة/ رفح وتم سحب قوات الفالوجا وباقي قوات الجيش المصري إلى سيناء ومنطقة القنال ووادي
النيل . وطلبت القيادة المصرية من الإخوان المسلمين برفح تسليم أسلحتهم ومعدات الحرب
تمهيداً لترحيلهم لمصر.
وسلم الإخوان أسلحتهم
بلا مناقشة وبدون أي اعتراض وبعد انتهاء تسليم الأسلحة تم نقل الإخوان إلى عنبر كبير
جداً في رفح كان من عنابر الجيش البريطاني قبل جلاء الإنجليز عن رفح. وقيل للإخوان
إنهم سيبيتون في هذا العنبر ليلة واحدة ليركبوا القطار في الصباح إلى القاهرة.
وقع اختيار قيادة
حملة فلسطين عليّ للإشراف على معتقل الإخوان المسلمين برفح... وطلب مني اللواء فؤاد
صادق حسن معاملة هؤلاء المعتقلين قائلاً : لقد شارك هؤلاء الشباب من الإخوان المسلمين
الجيش المصري في الجهاد ورووا بدماء شهدائهم أرض فلسطين وكانوا جنوداً أبطالا أدوا
واجبهم كأحسن ما يكون الأداء.
فلا أقل من أن
تجيب لهم كل طلباتهم المعقولة ولا تشعرهم بالندم على ما قدموه من تضحيات من أجل بلادهم
فقلت له : سأبذل جهدي وانصرفت وقلت لنفسي : أهكذا جزاء المجاهدين الصادقين
في هذا البلد ؟ لا حول ولا قوة إلا بالله.. وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
فوجئ الإخوان صباح
اليوم التالي فوجدوا العنبر محاطاً بقوات مسلحة من الجيش المصري ورأيت أن أخطرهم بالحقيقة
فقلت لزعمائهم إن الحكومة المصرية قد أصدرت تعليماتها لقيادة الجيش المصري بفلسطين
باعتقال الإخوان المجاهدين فترة من الزمن حتى تهدأ الأحوال في مصر. وقلت لهم إنهم سيلقون
معاملة كريمة جزاء ما قدموه من تضحيات لأمتهم وإن جميع طلباتهم المعقولة مجابة وأرجو
ألا تتسببوا في إحراجي لأني أنفذ الأوامر الصادرة إلى من رؤسائي.
وجاء اللواء فؤاد
صادق في اليوم التالي فقال إن الحكومة المصرية طالبته مراراً باعتقال الإخوان المسلمين
المقاتلين وكان يراوغ بحجة احتياجه لهم في القتال الدائر على أرض فلسطين. فلما انتهت
الحرب اضطر لتنفيذ أوامر الحكومة. وأصدر أمراً لي أمام الإخوان بتلبية جميع طلباتهم
المعقولة وقال الرجل علناً أمام الإخوان « إن الجيش المصري لن يستطيع أن يفي هؤلاء
الإخوان حقهم من الإكرام وليس في وسعه إلا أن يواسيهم في محنتهم كما وقفوا معه واستبسلوا
في معاونته.
ظل الإخوان في
المعتقل شهرين ثم انضم إليهم إخوان صور باهر بقيادة اليوزباشي احتياط محمود عبده ثم
انضم إليهم إخوان بيت لحم والخليل. ومضت حياة المعتقلين هادئة قطعها الإخوان في العبادة
وطلب العلم.
عاشرا: حسين حمودة يكشف العلاقة بين الأحداث
سالفة البيان واغتيال النقراشي والأستاذ/ حسن البنا .
ويكشف لنا حسين حمودة العلاقة بين الأحداث
سالفة البيان والمتمثلة في حل جماعة الإخوان المسلمين وهي تقاتل جنبا إلي جنب مع
الجيش المصري في حرب فلسطين والمعركة مشتعلة ، وقبولهم الاستمرار في القيام
بواجبهم حتي نهاية المعركة ثم تسليم أنفسهم للاعتقال ، وبين اغتيال النقراشي باشا
رئيس الحكومة واغتيال الأستاذ / حسن البنا حيث يقول حسين حمودة :
بعد 20 يوماً من
صدور قرار حل الإخوان المسلمين اغتال شاب من الإخوان المسلمين محمود فهمي النقراشي
باشا رئيس الوزراء (الذي أصدر قرار الحل).
وتم الاغتيال داخل
مبنى وزارة الداخلية وكان اغتياله يوم 28/ 12/ 1948.
وبعد 44 يوماً
من قتل النقراشي اغتيل الشيخ حسن البنا يوم 12/ 2/ 1949 في الساعة 8 مساء أمام مبنى
جمعية الشبان المسلمين.
وكان قتل حسن البنا
بتدبير من الملك فاروق ورئيس وزرائه وكان قتل حسن البنا للأسباب الآتية :
1- انتقام حزب
السعديين من الإخوان المسلمين لمقتل النقراشي.
2- تخلص الملك
فاروق من زعامة شعبية قوية قادرة على اتخاذ قرارات إيجابية وتنفيذها.
لقد كان للجيش
المصري 12 كتيبة مشاة تقاتل في فلسطين عام 1948 وكان لحسن البنا 3 كتائب مشاة من متطوعي
الإخوان المسلمين تقاتل مع الجيش المصري بفلسطين.
والملك فاروق هو
القائد الأعلى للجيش المصري وهو الذي أصدر القرار للجيش المصري بدخول فلسطين سنة
1948 وكانت حكومة فاروق هي التي تسلح وتدرب كتائب الإخوان وقادة كتائب الإخوان ضباط
من جيش مصر العامل.. ولو ترك حسن البنا على حريته لدفع إلى فلسطين بعشرات من الكتائب
الإخوانية ولتغيرت نتيجة حرب فلسطين لا محالة.
وخشي الملك فاروق
أن يطمع حسن البنا في حكم مصر وبخاصة بعد أن ظهرت بسالة وفدائية متطوعي الإخوان في
الحرب فقرر التخلص من الشيخ حسن البنا بقتله غيلة.
وساهمت اليهودية
العالمية من وراء ستار في اغتيال حسن البنا بأن أوحت إلى الإنجليز الذين أوحوا بدورهم
لفاروق وحذروه من خطر حسن البنا على عرشه.
وكانت قوة التنفيذ
مستعدة ، لقد اغتيل النقراشي وسط وزارة الداخلية حيث توجد قلعة البوليس السياسي.
وكان الإخوان قد
وجهوا عدة ضربات مركزة إلى البوليس السياسي الذي أنشأه المحتل الإنجليزي للتجسس على
المصريين وقهر الحركة الوطنية المصرية.
وكانت هذه الضربات
قد بدأت منذ عام 1946 بعمليات حربية على شكل حرب عصابات ضد قوات الاحتلال البريطاني
والتي كان يوجهها التنظيم الفدائي السري للإخوان بقيادة عبد الرحمن السندي وبتوجيه
وتدريب من عبد المنعم عبد الرؤوف وجمال عبد الناصر وكاتب هذه السطور....
وقد أسدل على جريمة
اغتيال حسن البنا ستار من الصمت حتى قامت ثورة يوليو 1952. انتهي ما اقتبسناه من حديث الضابط والعضو
المؤسس في تنظيم الضباط الأحرار / حسين حمودة .
ونقول : هكذا نشاهد الآلة الإعلامية للعسكر
تعيد علي آذان المصريين أن الإخوان قتلوا النقراشي باشا ، ولا تذكر أن قتله كان
حادثا فرديا وليس عملا مدبرا من قيادات الجماعة ، وكذلك لا يذكرون الظروف
والملابسات التي صاحبت الجريمة ، ولا يذكرون أن ضباط الجيش المصري والإخوان وغيرهم
من المصريين كانوا يرون فيما فعله
النقراشي عندما حل جماعة الإخوان المسلمين واعتقل المقاتلين من أبنائها وهم
في ساحة القتال في معركة فلسطين المقدسة خيانة عظمي لاسيما وأن قادة الجيش المصري
كانوا يطلبون ضم المزيد من شباب الإخوان لمساندتهم في الحرب المشتعلة .