الأربعاء، 22 فبراير 2017

لهذا فضل نجيب ثورة 1919م عن ثورة يوليو 1952م .



 
الرئيس محمد نجيب أول رئيس لمصر الذي انقلب عليه أصدقائه من العسكر

في كتابه " كنت رئيسا لمصر " يؤكد الرئيس / محمد نجيب ما ذكرته في مقالي السابق بعنوان " العسكر سرقوا ثورة يوليو 1952م كما سرقوا ثورة يناير " ، حيث أكد نجيب أن ثورة 1919م هي أهم ثورات الشعب المصري ، وفيما يلي نص ما كتب ، حيث قال :
وبعد أيام من وصولي الخرطوم جاء لي إبراهيم عبود الذي كان زميلي في الوحدة ، وكان زميلي في الكلية الحربية ، وكان زميلي في فريق الملاكمة ، وأصبح رئيسا لجمهورية السودان فيما بعد وقال لي :
- هل سمعت بما يجري في بلدكم ؟
- لا .
- بلدكم فيها ثورة ....
- كان إبراهيم عبود يقصد ثورة 1919م بالطبع .
- وقبل أن يكمل الرجل كلامه ويصف لي ما سمعه ، رحت للقائد ، وطلبت منه إجازة لأسافر إلي مصر .
وسافرت إلي السويس بالبحر عن طريق بور سودان ، ومن السويس إلي القاهرة بالقطار .
في محطة القطار مر أمامي أميرالاي إنجليزي اسمه "بيرسي سميث" قائد الكتيبة الأولي للجيش المصري ، كان سمينا مثل البرميل ، وكان مغرورا مثل الديك الرومي ، مر أمامي فلم أود له التحية العسكرية ، كنت مرهقا ومرتبكا بسبب تأخر حقائبي ، وكنت لا أجد مبررا لتحيته والبلد فيها ثورة ضد الانجليز ، جاء لي الرجل وسألني :
- لماذا لم تؤد لي التحية العسكرية ؟
- قلت له :
لأننا بيننا وبينكم خصومة والبلد في حالة ثورة ضدكم ولو أديت لك التحية لأحسست بالعار ، وأتعرض لاحتقار المدنيين الذين يملأون المحطة من حولنا ، ثم إن المحطة
كالميدان العام لا تحية فيه بين الرتب .
قال في غضب :
من علمك هذا الكلام ؟
قلت قوانين الجيش .
سألني : ما هي وحدتك ؟
قلت : الكتيبة 16 مشاة .
أعطيت له ظهري وانصرفت دون تحيته ، فإذا به ينفجر في وجهي ويقول :
إذا لم تحيني فسأضعك تحت الإيقاف العسكري فورا .
ولأن أمي وأخوتي كانوا في انتظاري ، ولأني كنت لا أريد إفساد إجازتي ، ولأني كنت أريد أن أري عن قرب وبسرعة ما يجري في شوارع القاهرة بعد أن انفجرت فيها الثورة قلت له :
أحيك بشرط أن ترد لي التحية بنفس الطريقة ؟
وافق وتبادلنا التحية كما اتفقنا وانصرفت .
لكن بعد ستة أيام فوجئت بخطاب استدعاء من "هربرت باشا" قائد منطقة القاهرة والمدير السابق للمدرسة الحربية لكي أحضر إلي مكتبه .
وفي مكتب "هربرت باشا" عرفت أن الأميرالاي "بيرسي سميث" قدم في شكوى فرويت ما حدث بيننا ، وتوقعت عقابا صارما ، لكن هربرت أنهي الموضوع ببساطة وقال لي : إذا رأيته مرة أخري فلا تتردد في تحيته .
وخرجت ليلتف حولي الضباط وليسألوني : عملت إيه ؟
فضحكت وكان أكثر الضباط قلقا علي ّ ضابط اسمه علي فهيم ، كان في مكتب هربرت باشا ، وساعة أن وصلت عنده قال لي : وقعتك سودة ، هربرت باشا النهاردة زعلان وأنصحك ألا تدخل عليه الآن ، وعندما دخلت عند هربرت باشا قال : ربنا يستر ، وعندما خرجت سليما من عنده قال : احمد ربنا دون انقطاع ، فقلت : الحمد لله .
في ذلك الوقت كان الغضب يغلي في عروق مصر ، وكانت القاهرة تمتلئ بوفود البشر الذين جاءوا يعبرون عن سخطهم لنفي سعد زغلول من كل أرياف وصعيد ومدن مصر .
لازلت أذكر إلي اليوم هتافات المصريين المدوية كالرعد ( سعد .. سعد .. يحيا سعد ) ، ولازلت أذكر مظاهرات النساء والرجال .. الصغار والكبار .. شيوخ الأزهر وقساوسة الكنيسة ، ولازلت أذكر أكوام الجثث والحجارة وعربات الترام المقلوبة في الشوارع ، علي أن الصورة التي لا تزال شاخصة أمامي إلي الآن ، كانت صورة شاب صغير ، غالبا ما يكون أحد تلاميذ المدارس ، كان راقدا علي الأرض وهو ينزف دماءه بعد أن أصيب برصاصة من عسكري إنجليزي ، ورغم ذلك كله كان يرفع قميصه المصبوغ بدمه ويلوح به في الهواء علي طول ذراعه ، وكأن القميص راية يستنفر بها باقي زملائه ليواصلوا الكفاح .
إن هذا المشهد وحده يجعلني أحزن علي تاريخ مصر الذي تصور البعض أنه لم يبدأ إلا ليلة 23 يوليو 1952م .
وكان هذا التصور الأبله عارا علي ثورة يوليو وعلينا جميعا ، فمن لا أصل له لا أوراق له ، ومن ينكر ماضيه لا يعترف أحد بمستقبله ، لذلك يجب أن نعترف بأن ثورة 1919م كانت من أهم ثورات الشعب المصري ، وأنا أشهد بذلك خاصة أنني شهدت أحد تفاصيلها ، وتابعت حركتها .
ولا أدعي أنني اشتركت فيها ، وإنما كل ما فعلته كان مجرد تقرب مني محاولة للانتماء إليها ، فقد ذهبت مع مجموعة من الضباط الصغار ونحن نرتدي ملابسنا ونعلق رتبنا إلي بيت الأمة ، لنعبر عن احتجاجنا ورفضنا وغضبنا علي نفي سعد زغلول ، وجلس بعضنا علي سلالم البيت وكنت منهم ، لا نخشى محاكمتنا ، ولا نخشى الكاميرات التي كانت لا تتوقف عن التصوير ، وقد ألتقطت لي صورة وأنا جالس علي سلالم بيت الأمة ، وألتقطت لي صورة أخري وأنا أرفع صورة سعد زغلول .
وكان جزاء الضابط الذي يفعل مثل هذه الأمور الخروج من الجيش إلا أننا لم نكن نفكر في ذلك ، بل كنا نري أن الجيش لا يمكن أن ينفصل خاصة في أيام الغضب والاحتجاج والثورة ، وكنا نري أن ما فعلناه كان أبسط شئ يمكن أن نفعله لمصر .
وهكذا يؤكد لنا الرئيس محمد نجيب عدة أمور هامة :
أولا: أن الجيش المصري في ثورة 1919م كان في خندق الملك والانجليز ولم يكن مشاركا في ثورة 1919م وما سبقها من تحركات وطنية ساعية لتحرير مصر من الانجليز .
ثانيا : أن قادة الجيش المصري كانوا حريصين علي محو تاريخ مصر السابق لثورة يوليو ، وهذا ما أدركه الرئيس محمد نجيب والذي كتب كتابه في الثمانينات من القرن الماضي ، وعاب علي الضباط الأحرار محاولاتهم لطمس الحقائق وتزوير التاريخ سواء بالحذف أو الإضافة أو التعديل .
وسبق أن ذكرت في مقالي السابق وعنوانه  " العسكر سرقوا ثورة يوليو 1952م كما سرقوا ثورة يناير " ، فالاسم الصحيح لثورة يوليو 1952 هو ثورة أكتوبر / 1951م التي بدأت بإعلان مصطفي النحاس باشا وحكومة الوفد إلغاء معاهدة 1936م الذي أعقبه ثورة شعبية عارمة لتحرير مصر من الاحتلال الانجليزي ، ثورة لم يشارك فيها الجيش ، ولم يشارك في معاركها ، لكن بعد أن آتت ثمارها سرقها الضباط الأحرار ، وفي ختام المقال  سالف الذكر قلت :
" هكذا يتضح لنا أن الجيش المصري لم يستحدث ثورة يوليو 1952م ، بل كان الشعب المصري في حالة زخم ثوري لا تتوقف ضد الانجليز وضد الملك فاروق ، بدأت الثورة بقرارات جريئة أصدرتها حكومة مدنية منتخبة انتخابا نزيها هي حكومة الوفد بقيادة زعيم شعبي منتخب هو مصطفي النحاس بتاريخ 8/10/1951م ، تبع هذه القرارات ثورة شعبية وحرب تحرير ضد الانجليز استشهد فيها أعداد كبيرة من أبناء الشعب المصري بدءا من شهر أكتوبر 1951م واستمرت خلال عام 1952م ، ولم يشارك فيها الجيش علي نحو ما أوضحنا والذي كان يقوم بدوره بجانب الملك والانجليز لدرجة أن الضباط الأحرار – علي نحو ما قيل في  ذات الكتاب – وزعوا منشورات بعد حريق القاهرة ليمنعوا الجيش من توجيه سلاحه إلي الشعب .
وبعد أن آتت الثورة الشعبية ثمارها ضد الانجليز والملك وتسببت لهم في خسائر كبيرة وأصابت الملك بالفزع من المصير المجهول ، هنا قفز العسكر علي الثورة الشعبية ليسرقوها ويسرقوا خيراتها حتي يمنعوا أن تؤول السلطة والمكاسب والمغانم لحزب الوفد الذي اتخذ القرارات أو الإخوان المسلمين الذين قاموا بأكبر الأدوار في مواجهة الانجليز ، ونجحت خطتهم وسرقوا ثورة يوليو 1952م واستأثروا بها لأنفسهم وحرموا كافة القوي المدنية من المشاركة في الحكم بأي وجه من الوجوه ، وعلي ضوء انقلابهم سرقوا مصر كلها وشعبها وثرواتها لمدة تجاوزت الستين عام " .
وأقول أنه رغم أن الجيش المصري لم يشارك في ثورة 1919م ، كما أنه لم يشارك في ثورة أكتوبر/1951م المسماة ثورة يوليو/1952 ، بل كان في خندق الملك والانجليز ، إلا أنه استولي علي ثورة يوليو .
ولاشك أن الرئيس محمد نجيب قد عايش بنفسه محاولات العسكر لتشويه كافة الأحزاب والزعماء الوطنيين السابقين لثورة يوليو 1952م ، وهو ما حدا به إلي فتح الملفات المسكوت عنها ، وتحدث في كتابه عن ثورة 1919م باعتبارها أهم ثورات الشعب المصري ، وتحدث عن زعيمها سعد زغلول وعن بيت الأمة .
       
  

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق