#فأضحت_اعتراضاته_نبوءات_تتحقق_منذ_40_عاما
محمد إبراهيم كامل وزير الخارجية المصري الأسبق ، من الشخصيات الرئيسية التي شاركت في مفاوضات اتفاقية كامب ديفيد ، حتى استقال خلال الفترة الأخيرة من المفاوضات بين الس منادات والرئيس الأمريكي كارتر ورئيس وزراء إسرائيل مناحم بيجن في منتجع كامب ديفيد بالولايات المتحدة الأمريكية والتي استمرت ثلاثة عشر يوما .
استقال محمد إبراهيم كامل من منصبه عشية التوقيع على اتفاقية كامب ديفيد ، وجاءت استقالته بعد خلافه مع الرئيس محمد أنور السادات الذي وقع المعاهدة مع إسرائيل عام ١٩٧٩م.
وكان كامل رفيق كفاح مع السادات ضد قوات الاحتلال والقصر الملكي في مصر في سنوات شبابهما، وقد التحق بالخارجية المصرية وترقى فيها إلى أن اختاره وزيرا للخارجية بعد استقالة سلفه إسماعيل فهمي وزميله محمود رياض وزير الدولة للشؤون الخارجية احتجاجا على الزيارة التاريخية للسادات في نوفمبر/ تشرين الثاني لمدينة القدس المحتلة فيما عرف بمبادرة السلام.
كتب كامل في كتابه ( السلام الضائع في اتفاقات كامب ديفيد ) المنشور في القاهرة بداية الثمانينيات أن ما قبل به السادات بعيد جدا عن السلام العادل ، وانتقد كل اتفاقات كامب ديفيد لكونها ستعزل مصر عن العالم العربي ، وأنها لم تشر بصراحة إلى انسحاب إسرائيلي من قطاع غزة والضفة الغربية ، ولعدم تضمينها حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره ، فضلا عن عدم تطرقها لمصير مدينة القدس ، وأنها سوف تطلق يد الغول الصهيوني ليعيث في أرض العرب فسادا .
يقول محمد إبراهيم كامل في الفصل الثالث والعشرون من كتابه ( السلام الضائع في اتفاقات كامب ديفيد ) ص ٢٤٩ :
" كان الرد الإسرائيلي أكثر من سلبي ، ولم يكن أحد يستطيع أن يجادل في ذلك حتى أصدقاء إسرائيل في الولايات المتحدة ، وصرح "هودنج كارتر" المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الأمريكية معبرا عن أسف أمريكا لأن الحكومة الإسرائيلية لم ترد على الأسئلة الأمريكية ، وأن ما أجابت به لا يعتبر ردا ولكن الحقيقة ، الرد الإسرائيلي كان يحمل في طيات صياغته المعقدة الغامضة رسالة بسيطة واضحة هي أن إسرائيل لا تعتزم بحال الانسحاب من أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة بعد الفترة الانتقالية ، وأن هذه الفترة ما هي إلا فسحة من الزمن تعمل إسرائيل خلالها على تكريس احتلالها لتلك الأراضي تمهيدا لضمها وابتلاعها . كل ما هناك أنها ستمن على الفلسطينيين التعساء الذين يعيشون على تلك الأراضي بحكم محلي إداري تحت السيطرة الإسرائيلية كشأن النظام الذي كان يحكم طائفة المنبوذين في الهند .
وبالنسبة لي ( كامل ) فقد كنت أرى أن رد إسرائيل قد حسم الموقف وأغلق الباب نهائيا على إعادة التفاوض المباشر بيننا وبين إسرائيل ، وأصبح على الولايات المتحدة أن تتحمل مسؤوليات ما تعهدت به لنا من تقديم مقترحاتها على أساس ما أعلنته وأكدته مرارا من انطباق الانسحاب المنصوص عليه في قرار مجلس الأمن رقم ٢٤٢ على جميع الأراضي المحتلة ، والذي قام المستر "سوندرز" بإعادة تأكيده في البيان الرسمي الذي ألقاه أمام لجنة العلاقات الخارجية لمجلس النواب الأمريكي منذ أيام قليلة ."
ويضيف كامل في ص ٤٨٧ :
" ظللت ساهرا أغلب الليل تدور الأفكار في رأسي حول مقابلة السادات في الغد ، ماذا سأقول له ، ومن أين أبدأ وكيف انتهي ، وجادلت نفسي : هل أنا على حق وهو المخطئ ؟ ، أم هل أنا واهم وهو المصيب ؟
#اتفاقيات_كامب_ديفيد_ستعزل_مصر_عن_العرب
ومر في رأسي شريط الأحداث منذ وفدت إسرائيل إلى منطقتنا وخلقت المشكلة الفلسطينية ، و أشاعت الشكوك والمخاوف في الدول المحيطة بها ، واستعرضت كل القرارات الدولية ومبادئ العدالة وحقوق الإنسان التي كان يتحتم أن تتم في إطارها تسوية النزاع العربي الإسرائيلي ، و انتهيت إلى أن ما هو مطروح علينا - وما يبدو أن السادات قد قبل به ، سواء كان ذلك عن وعي وتخطيط أو عن ضعف واستسلام إزاء جمود بيجن و إلحاح الرئيس كارتر - بعيد كل البعد عن أن يؤدي إلى السلام العادل الشامل والاستقرار المنشود في منطقة الشرق الأوسط ، بل إنه سينحرف بها بعيدا عن ذلك ، ويلقي بها في أغوار سحيقة من الغليان والاضطراب وعدم الاستقرار ، فإن مؤداه عزل مصر وهي محور الارتكاز وقلب العالم العربي عن سائر دوله وأعضائه ، واطلاق سراح إسرائيل من حصار الحق والعدالة المضروب حولها عربيا ودوليا – فيما عدا الولايات المتحدة – حتى تسلم بحقوق من سلبتهم حقوقهم ، فينطلق الغول الصهيوني بشعا مدمرا ، أنيابه وأظافره سلاح أمريكا المتطور ومحركه ودوافعه غرائز الجشع والطمع والسيطرة على مقدرات المنطقة ومصائر شعوبها ، والاستئثار بكنوزها وأرزاقها......
#الاتفاقيات_ستطلق_يد_إسرائيل_للفتك_بالعرب
ينقض عليها نهبا وقتلا وإرهابا حتى يفرض سيطرته ، ثم يتحول إلى مصر العاجزة المكبلة بما وقعت عليه وقبلته ، ويفرض عليها ما يشاء أن يفرضه ، وتدخل إسرائيل الدولة الوافدة الطارئة الدخيلة ذات الملايين الثلاثة من المهاجرين في مصاف الدول العظمى تحت اسم إمبراطورية آل صهيون التي تضم دولا لها ما لها من الثروات الطبيعية والإمكانات البشرية والموقع الاستراتيجي المؤثر .
أين هذا مما بشر به السادات في القدس من سلام شامل يعم المنطقة ، ويشيع فيها الرخاء والاستقرار وتعيش فيه إسرائيل بين جيرانها العرب في أمن وأمان تظلله أحكام القانون الدولي ، وتربطه علاقات السلام والتعاون وحسن الجوار ؟ "
وعن ليلة ما قبل توقيع السادات على اتفاقات كامب يقول كامل رحمه الله عز وجل :
" وحملت مقعدي بالقرب من حيث يجلس السادات وقلت في هدوء : إني أرغب في أن أتحدث إليك ، لا بوصفي وزيرا للخارجية يتحدث إلى رئيس الجمهورية ، ولكن بوصفي صديقا وأخا أصغر لك ، أكلنا معا العيش والملح في السجن منذ ثلاثة وثلاثين عاما ، وأنت تعلم مدى إخلاصي لك وللحق ، وإني حريص على ألا تُقدم على شيء نندم عليه فيما بعد ، قال السادات بصوت هادئ : وهل بيني وبينك حجاب يا محمد ؟ قل ما تريد ولا تتردد .
#محمد_كامل : لقد اضطلعت على المشروع الذي قدمه لك أمس الرئيس كارتر بإطار السلام ، وقد وجدته بعيدا كل البعد عن تحقيق السلام الشامل الذي نستهدفه ، والذي حددت معالمه بحق ووضوح في خطابك في الكنيست الإسرائيلي عند زيارتك للقدس ،
#الاتفاقيات_سوف_تمكن_إسرائيل_من_الضفة_وغزة
فالمشروع الأمريكي رسم الطريق إلى سلام كامل بين مصر وإسرائيل مستقلا تماما عما يجري في الضفة الغربية وغزة ، فلا رابطة بينهما تضمن التزامن بين حل مشكلة سيناء وحل المشكلة الفلسطينية وهي الأصل ، وستكون النتيجة أن ينتهي الأمر إلى معاهدة سلام بين مصر وإسرائيل ، بينما تبقى الضفة الغربية وغزة تحت قبضة إسرائيل تمارس فيها تنفيذ تخطيطها لضم هذه الأراضي في النهاية ، وفيما يتعلق بالضفة الغربية وغزة فالمشروع الأمريكي يعكس فلسفة بيجن في مشروعه للحكم الذاتي ، ويلبي طلبه في تعليق السيادة على هذه الأراضي ، وقد صيغ عمدا بالغموض والميوعة ، وحفل بالثغرات مما يجعل التوصل إلى هدفنا بانسحاب إسرائيل من تلك الأراضي وممارسة الشعب الفلسطيني لحقه في تقرير المصير من رابع المستحيلات ، ويمكن أن تستمر المفاوضات والمراوغات الإسرائيلية بشأنه إلى عشرات السنين ، في حين أننا نعلم أن كل ما تحتاج إليه إسرائيل هو سنوات قليلة لتكون قد مكنت نفسها من الاستحواذ على الأراضي من الناحية العملية ، وقد زود المشروع الأمريكي إسرائيل بحق الفيتو في كل خطوة وعلى أي إجراء قد تراه معوقا لهدفها الواضح في ضم تلك الأراضي ، ومن ثم فمهما أجمع الجانب المصري والأردني وسلطة الحكم الذاتي الفلسطيني على أمر فلن يتحقق ، إذ يشترط المشروع إجماعا كاملا يتضمن موافقة إسرائيل .
#مصر_غير_مفوضة_من_الفلسطينيين_بالاعتراف_بإسرائيل
#أو_اختيار_الحل_واستبدال_الانسحاب_الكامل_بالحكم_الذاتي
وهناك نقطتان مهمتان في هذا الصدد ، الأولى: أننا غير مفوضين من ممثلي الشعب الفلسطيني صاحب الشأن ، ولا من الدول العربية المشاركة جميعا في تحمل مسؤولية حل المشكلة الفلسطينية في الموافقة والتوقيع على تسوية لهذه المشكلة ، والمشروع الأمريكي بأحكامه وصياغته لن يجتذب الأردن بحال إلى المشاركة في الفترة الانتقالية ، كما أنه لن يحظى بموافقة أي من الدول العربية الأخرى ، ولا بطبيعة الحال بموافقة منظمة التحرير الفلسطينية ، والنقطة الثانية : هي أن الاحتلال الإسرائيلي لأراضي الضفة الغربية وغزة سيظل دائما احتلالا غير مشروع لأراضي الغير ، ليس له من سند إلا العدوان والقوة الغاشمة ، وهو لن يكسب إسرائيل حقا مهما طال أمده ، ........
#اتفاقيات_كامب_ديفيد_مدمرة_ستمنح_الاحتلال_شرعية
بينما المشروع الأمريكي يحاول أن يضفي على هذا الاحتلال – على الأقل خلال فترة السنوات الخمس – صيغة من الشرعية مظهرها مشاركة صورية مصرية أردنية فلسطينية – المجلس الإداري الذي يباشر الحكم الذاتي – وصحيح أن هذه الصيغة الشرعية مطعون فيها بطبيعة الحال ، لأننا غير مفوضين من أصحاب الشأن ، ......
ولكنك تعلم جبروت الدعاية الصهيونية الذي سيصور أن وجود السلطة الإسرائيلية وقواتها إنما يستند إلى صك واتفاق وقعت عليه مصر كبرى الدول العربية ودعت إليه الأردن ، ولم يعد مجرد احتلال غير مشروع لا يسانده إلا القوة والبطش والعدوان ، وسيؤدي ذلك إلى تمييع القضية وبعثرة التأييد الدولي على مستوى الدول والرأي العام العالمي الذي جاهدنا طويلا في بنائه ويضعف الضغوط على إسرائيل . لذلك أرجوك وأستحلفك أن ترفض التوقيع على مثل #هذا_الاتفاق_المدمر .
#السادات : إنك لا تعلم شيئا عن العرب ، اسألني أنا ، إنهم لو تركوا وشأنهم فلن يحلوا أو يربطوا ، وسيظل الاحتلال الإسرائيلي قائما إلى أن ينتهي إلى التهام الأراضي العربية المحتلة ، دون أن يحرك العرب ساكنا غير الجعجعة وإطلاق الشعارات الفارغة ، كما فعلوا منذ البداية ولن يجمعوا على حل أبدا .
#محمد_كامل : إني لا أشاركك الرأي فيما قلته ، وهو ليس صحيحا على إطلاقه ، فقد اجتمعت كلمة العرب واتحدوا على يديك أنت نفسك ، وحققوا تضامنا وتكاتفا عظيما ، عسكريا وسياسيا واقتصاديا في حرب أكتوبر 1973م وبعدها ، وهذه حقيقة واقعة لا يمكن إنكارها ، ولم يبذر بذور الشقاق والتفتت العربي من جديد غير مجيء كيسنجر إلى المنطقة وتوقيع اتفاقية فض الاشتباك الثانية بين مصر وإسرائيل ، والآن وقد ظهر العجز والتخاذل الأمريكي عن تحقيق السلام العادل الشامل ، ألا ترى أن نعود إلى العرب من جديد ، ونبذل جهدا معهم لاستعادة التضامن الذي كان من جديد ، وسيكون موضوعه هذه المرة ليس الحرب بل الحل السلمي ، كما أشارت إليه مقررات مؤتمر القمة العربي في الرباط ، إنك ستعود إليهم حاملا رصيدا ضخما من التأييد الدولي والوعي العالمي بعدالة القضية العربية حققته مبادرتك ، وستنقشع الخلافات كسحابة صيف ، وسيلتفون حولك على السلام كما التفوا على الحرب ، وهذه مسئولية مصر بوصفها الدولة الأم الرائدة ، ونحن متفاهمون ومتفقون مع السعودية والأردن بالفعل على هذه الاستراتيجية وهم رهن الإشارة ليبدأوا مساعيهم ، فلتعد إلى العرب ، ولتقم بمبادرة نحوهم كما قمت بمبادرة نحو إسرائيل ، ثم لتعد إليها من جديد ( إسرائيل ) على رأس مبادرة عربية شاملة على نفس الأسس التي حددتها في مبادرتك السابقة ، ولكن تحمل ثقل الإمكانيات العربية الضخمة الهائلة ، ولن تقوى إسرائيل هذه المرة على إجهاضها ولا أمريكا على الانحراف بها .
#السادات : وسكت السادات برهة طالت ، وعيناه شاخصتان إلى الهواء لا تنمان عن شيء ثم قال : إن مشروع الحكم الذاتي سيؤدي إلى إلغاء الحكومة العسكرية الإسرائيلية في الضفة وغزة ، وسيؤدي إلى رفع المعاناة عن كاهل الفلسطينيين ، وقد أصر الرئيس كارتر على إضافة وصف "الكامل" لعبارة "الحكم الذاتي" رغم معارضة بيجن الشديدة حتى تكون سلطة الحكم الذاتي كاملة لكل شيء ما عدا بعض المسائل كالأمن ، ولن يكون الفلسطينيون وحدهم ، فسنكون معهم وكذلك الأردن في خلال الفترة الانتقالية ، وإذا لم يقبل الفلسطينيون بالحل الذي تنتهي إليه الفترة الانتقالية ، فسيكون لهم حق " الفيتو " لأنهم سيصوتون على هذا الحل ، وقد قال لي الرئيس كارتر إن لغة المشروع وصياغاته ربما فيها غموض ولكن ليس هذا ذا أهمية ، فالمهم أنه سيكون معنا في مفاوضات الحكم الذاتي كشريك كامل ، وقد أكد لي الرئيس كارتر أنه عندما يُعاد انتخابه رئيسا للفترة الثانية فسيكون في وضع قوي جدا ، يمكنه من الضغط على إسرائيل ، ويستطيع عندئذ تدارك العيوب والنقص في اللغة والصياغة التي لم يتمكن في الوقت الحالي من التوصل إلى أحسن منها بسبب جمود بيجن وحرص كارتر على ألا يفشل المؤتمر ويقضي على عملية التفاوض بين مصر وإسرائيل إلى الأبد وتعود احتمالات قيام حرب جديدة ، وقد أكد لي كارتر مرارا وتكرارا أنه يحس بأن عليه التزاما أدبيا وشخصيا نحو عمل شيء للفلسطينيين وأن هذا ما ستمكنه إعادة انتخابه من أن يقوم بها .
#معاهدة_كامب_ديفيد_ستصبح_سند_بمشروعية_الاحتلال
#محمد_كامل: إننا نخدع أنفسنا إذا فكرنا أن هذا المشروع سينتهي بتحقيق حل عادل للقضية الفلسطينية ، إنه سيكون سند إسرائيل وأداتها لتصفية هذه القضية وفقا لنواياها التوسعية ، وهذا رأي كل مستشاري وفدنا بالإجماع ، ولماذا تظن بيجن يحارب ويدقق في كل كلمة يتضمنها المشروع ؟ ، لأنه متى وقعنا عليه فسيكون هذا هو الأساس الذي يجري عليه التفاوض ، ولن يستطيع كارتر أو غيره أن يخرج عن نطاق النصوص والصياغات ، ثم ما يدرينا بأن كارتر سُيعاد انتخابه فترة جديدة وينفذ وعوده لك ؟
#السادات: لا .. لا .. لقد قال لي الرئيس كارتر : إن نجاح مؤتمر كامب ديفيد في التوصل إلى اتفاقيات بشأن إطار السلام الشامل سيؤكد نجاحه في الانتخابات القادمة بسهولة ويسر ، وأنا واثق بأنه سُينفذ وعوده لي لأنه رجل قيم ومبادئ .
#محمد_كامل: ولكن هذه الاتفاقية وفقا للمشروع الأمريكي – لن تؤدي إلى حل شامل ، بل ستنتهي إلى صلح منفرد بين مصر وإسرائيل ، بينما تظل الضفة الغربية وغزة والجولان تحت السيطرة والاحتلال الإسرائيلي ، وسيؤدي ذلك إلى عواقب وخيمة أخطرها عزل مصر وانعزالها عن العالم العربي وما سيؤدي إليه ذلك من إطلاق يد إسرائيل في المنطقة ، لماذا لا تصر على ما كنت تنادي به دائمنا من وجود رابطة بين الانسحاب من سيناء والانسحاب من الضفة الغربية وغزة ، بحيث يسيران جنبا إلى جنب وتعلق كل خطوة في سيناء على خطوة مقابلة في الضفة الغربية وغزة ؟
#السادات : ها أنت تردد كالببغاء ما يقوله الاتحاد السوفيتي عن صلح منفرد ، كيف يكون صلحا منفردا إذا كنت سأظل ملتزما بأن أقوم بدور في الحكم الذاتي في الضفة الغربية وغزة خلال فترة السنوات الخمس الانتقالية وحتى تحل القضية الفلسطينية من جميع وجوهها ؟ وما معنى أن أبقي سيناء تحت السيطرة الإسرائيلية حتى تُحل المشكلة الفلسطينية لتغمرها إسرائيل بمستوطنات جديدة يوما بعد يوم ، أليس هذا من الغباء ؟ ، إنك تتكلم لأنك لا تعرف شيئا عن أحوال مصر الداخلية ، لقد ترك لي عبد الناصر تركة مثقلة بالهموم والمشاكل ، وأن أوضاعنا الاقتصادية والاجتماعية في غاية السوء ، وكل مرافق البلد منهارة ، ولن تستطيع مصر أن تخرج من أحوالها المتردية إلا إذا حصلت على السلام وكرست كل مواردها للتنمية ، وعندئذ ستكون مصر في مركز أقوى لمساعدة الفلسطينيين في حل مشكلتهم .
#محمد_كامل : ولكنك لم تقم بمبادرتك على هذا الأساس ، لقد بنيتها على أساس الحل الشامل ، ولو كان الأمر هو استعادة سيناء وإقامة سلام بين مصر وإسرائيل فقط ، لما كان هناك حاجة إلى كل هذا اللف والدوران ، ولهرع إلى القاهرة مناحم بيجن بإشارة منك ليوقع مثل هذا الاتفاق ويعيد سيناء إلى مصر ويقبل ظهر يدك ووجهها ويعود إلى إسرائيل راضيا قرير العين ، وأنا لا أدعي أني أعلم كثيرا عن مشاكل مصر الداخلية ، فأنت الرئيس وأنت أدرى بها ، ولكن إذا كان الأمر كما تقول فلماذا محاولة التظاهر بأنك تحل النزاع العربي الإسرائيلي حلا شاملا عادلا دائما ، وتعطي لإسرائيل سندا مزيفا خداعا يتيح لها اغتيال الضفة الغربية ، وغزة ، والقضاء على القضية الفلسطينية تحت ستار حل هذه القضية نفسها حلا كريما عادلا ؟ إن رأيي لا يزال هو عدم التوقيع على شيء ، والعودة إلى العرب والعمل معهم من خلال جبهة واحدة كما أسلفت ، ولكن إذا كنت تقدر أن ظروفنا تحتم عليها التوصل إلى حل مرحلي فوري مع إسرائيل فلماذا لا تعلن ذلك صراحة ، وفي الإمكان أن تصدر بيانا تقول فيه : إن مصر وقد تحملت الشطر الأعظم من التضحيات البشرية والمالية والاقتصادية من جراء تصديها للعدوان الإسرائيلي على الدول العربية في أربع حروب ، قد استنفدت كل امكانياتها وطاقاتها وجهودها ، وأن ظروفها الاقتصادية والاجتماعية قد تدهورت إلى أوضاع لا تستطيع معها المضي في حالة اللاسلم و اللاحرب ، لذا قد قررت إبرام اتفاق مرحلي مع إسرائيل أنهي بمقتضاه حالة الحرب مع إسرائيل ، وأن مصر ستواصل مع باقي الدول العربية والمجتمع الدولي مساعيها السلمية لتحقيق انسحاب إسرائيل من كافة الأراضي العربية المحتلة ، وإقامة السلام العادل الشامل في المنطقة .
#السادات ( مقاطعا ) : ماذا جرى لك ؟ أتريد أن أتعرض لشماتة الاتحاد السوفيتي وحافظ الأسد والقذافي فيقولون : إن ما أدعوه على مبادرتي منذ البداية من أنها كانت ترمي إلى حل منفرد كان صحيحا ؟
#محمد_كامل: إنك إذا وقعت على اتفاقية على أساس المشروع الأمريكي فستكون حلا منفردا بكل المعايير ، ولن تنجح في خداع أحد بغير ذلك ، وأفضل لنا وأشرف أن نقول ذلك صراحة على أن نتستر وراء مسرحية الحكم الذاتي كما وردت في المشروع .
#السادات: بل إني أسير على استراتيجية بعيدة المدى ستنتهي بالحل الشامل في الشرق الأوسط ، وسيكون معنا الرئيس كارتر وستنضم إلينا السعودية والملك حسين .
#محمد_كامل: إذا وقعت هذا الاتفاق فلن يستطيع كارتر عمل شيء ولن يجذب ذلك السعودية والأردن بحال ، أرجو منك مرة ثانية أن تعيد النظر في الأمر ولنعد إلى مصر ونُجري مشاورات مع الدول العربية لنرى ماذا تكون خطوتنا التالية ؟
#السادات: لا ، أنا أعلم ما أفعله ، وسأمضي في مبادرتي إلى النهاية .
#محمد_كامل: إذن فأرجو أن تقبل استقالتي .
#السادات : كنت أعلم من البداية أنك تلف وتدور لتقول هذا في النهاية .
#محمد_كامل: لا لقد حاولت إقناعك بما أراه وفشلت ، فلم يبق أمامي إلا هذا المخرج ، فأنا لا أستطيع أن أوافق على شيء يبدو لي من المؤكد خطؤه وخطره ، ولا أنا أستطيع أن أغشك وأغش نفسي وضميري ، فإنه كامن داخلي يعيش معي ليل نهار .
#السادات: إذا كان هذا يريحك فإني أقبل استقالتك ، وكل ما أطلبه منك هو أن تعدها بيننا في الوقت الحالي ولا تخبر أحدا بأمرها حتى نعود إلى مصر .
#محمد_كامل: سأفعل ذلك فليس قصدي إحراجك .
#الاتفاقيات_ستمكن_إسرائيل_من_تدمير_المنطقة
#باستخدام_الأسلحة_الأمريكية_المتطورة
ويضيف كامل في موضع آخر : ( إن تلك الاتفاقيات ستؤدّي إلى عُزلة مصر وستسمح للدولة الصهيونية بحرية مُطلقة في ممارسة سياسة القتل والإرهاب في المنطقة مُستخدمة السلاح الأميركي كمخلب لها.. فالأفكار الأميركية التي طُرحت في كامب ديفيد كانت تهدف لإضفاء غطاء شرعي للاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية )
ويضيف كامل : إن تلك الاتفاقيات ستؤدّي إلى عُزلة مصر وستسمح للدولة الصهيونية بحرية مُطلقة في ممارسة سياسة القتل والإرهاب في المنطقة مُستخدمة السلاح الأميركي كمخلب لها.. فالأفكار الأميركية التي طُرحت في كامب ديفيد كانت تهدف لإضفاء غطاء شرعي للاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية .
#الاتفاقيات_أسقطت_القدس
وأما عن مسألة القدس والمواقف المصرية والأميركية منها، فقد جاءت في مذكّراته تحت عنوان "خيول الملاهي الخشبية"، وهنا كتب كامل :
"وفي النهاية تمّ الاتفاق بين كارتر والسادات على إسقاط الإشارة إلى القدس في الاتفاقية نهائياً وأن يعالج موضوع القدس عن طريق خطابات مُتبادلة تلحق بالاتفاقية بين السادات وكارتر من جهة وبين كارتر وبيغين من جهة أخرى، يحدّد فيها كل موقفه من موضوع القدس. فكتب السادات خطاباً مضمونه أن القدس العربية جزء لا يتجزّأ من الضفة الغربية ويجب أن تخضع للسيادة العربية، وردّ عليه كارتر بأنه تلقّى خطابه وأنه سيبعث بصورة منه إلى بيغين لعلمه، وكتب بيغين إلى كارتر خطاباً مضمونه أن الكنيست الإسرائيلي قد أصدر في 28 تموز/ يوليو 1967 قانوناً يخوّل للحكومة الإسرائيلية سلطات التشريع والإدارة على أي جزء من أراضي (إسرائيل- فلسطين)، وأنه وفقاً لهذا القانون فقد قرّرت حكومة إسرائيل في تموز/ يوليو 1967 أن مدينة القدس موحّدة ولا يمكن تقسيمها وأنها عاصمة دولة إسرائيل.. وردّ عليه كارتر بأنه سيُرسل صورة من خطابه للسادات، وأن الموقف الأميركي بشأن القدس هو ما سبق ذكره"
ونختم هذا المقال بما قاله الكاتب الصحفي والروائي يوسف إدريس في كتابه " البحث عن السادات " ص 33 ، 34 :
" توقفت حواسي كلها كأنني أصبت بضربة مباغتة على أم رأسي . فقد اكتشفت أن مبادرة القدس، وهذا الاجتماع المعقود بجوار الأهرام، وأن ما سوف ينتج عنه ويتلوه، ليست مبادرات مصرية في اتجاه الحق العربي أو حتى المصري، وإنما هي ٌ في الحقيقة مبادرات لمصلحة إسرائيل وحدها، هي مبادرات إسرائيلية بدأت بها إسرائيل وليس السادات ، عصرا جديدا في صراعها مع العرب، ألا وهو عصر التوغل واللعب داخل ً المعسكر العربي ذاته. وكان الاكتشاف من البشاعة بحيث إني وجدت أن حماسي للمبادرة - أنا الذي وهبت ُ زهرة شبابي أعادي الصهيونية التوسعية الإسرائيلية - يدل على خطورة العقول التي أ دبَّرتها ونفَّذتها، يدل على أننا استهنَّا كثريًا بتفكير أعدائنا، وأننا كمجموعة أطفال يُحاربون ً أناساً جاءوا إلى الأرض — كما تقول أفلام الخرافات العلمية — من عوالم فلكية متقدمة.
#اعتراضات_كامل_واقع_نعيشه_منذ_٤٠_عاما
وهكذا كانت اعتراضات وزير الخارجية المصري محمد إبراهيم كامل على بنود اتفاقات " كامب ديفيد " للسلام بين مصر وإسرائيل بمثابة نبوءات ظلت تتحقق طوال أكثر من ثلاثين عاما ، وآخرها هذا العدوان الإسرائيلي الوحشي على غزة .
#لماذا_استمرت_معاهدة_السلام_رغم_مساوئها
لأن الرئيس الأمريكي الصهيوني الخبيث استطاع أن يخصص حسنة لفئات قليلة العدد لتتولى حماية المعاهدة وتضمن استمرارها مقابل هذه الحسنة على حساب كل أمة ( لا إله إلا الله محمد رسول الله ) .
#استقال_اعتراضا_على_بنود_اتفاقيات_كامب_ديفيد
#فأضحت_اعتراضاته_نبوءات_تتحقق_منذ_40_عاما
محمد إبراهيم كامل وزير الخارجية المصري الأسبق ، من الشخصيات الرئيسية التي شاركت في مفاوضات اتفاقية كامب ديفيد ، حتى استقال خلال الفترة الأخيرة من المفاوضات بين السادات والرئيس الأمريكي كارتر ورئيس وزراء إسرائيل مناحم بيجن في منتجع كامب ديفيد بالولايات المتحدة الأمريكية والتي استمرت ثلاثة عشر يوما .
استقال محمد إبراهيم كامل من منصبه عشية التوقيع على اتفاقية كامب ديفيد ، وجاءت استقالته بعد خلافه مع الرئيس محمد أنور السادات الذي وقع المعاهدة مع إسرائيل عام ١٩٧٩م.
وكان كامل رفيق كفاح مع السادات ضد قوات الاحتلال والقصر الملكي في مصر في سنوات شبابهما، وقد التحق بالخارجية المصرية وترقى فيها إلى أن اختاره وزيرا للخارجية بعد استقالة سلفه إسماعيل فهمي وزميله محمود رياض وزير الدولة للشؤون الخارجية احتجاجا على الزيارة التاريخية للسادات في نوفمبر/ تشرين الثاني لمدينة القدس المحتلة فيما عرف بمبادرة السلام.
كتب كامل في كتابه ( السلام الضائع في اتفاقات كامب ديفيد ) المنشور في القاهرة بداية الثمانينيات أن ما قبل به السادات بعيد جدا عن السلام العادل ، وانتقد كل اتفاقات كامب ديفيد لكونها ستعزل مصر عن العالم العربي ، وأنها لم تشر بصراحة إلى انسحاب إسرائيلي من قطاع غزة والضفة الغربية ، ولعدم تضمينها حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره ، فضلا عن عدم تطرقها لمصير مدينة القدس ، وأنها سوف تطلق يد الغول الصهيوني ليعيث في أرض العرب فسادا .
يقول محمد إبراهيم كامل في الفصل الثالث والعشرون من كتابه ( السلام الضائع في اتفاقات كامب ديفيد ) ص ٢٤٩ :
" كان الرد الإسرائيلي أكثر من سلبي ، ولم يكن أحد يستطيع أن يجادل في ذلك حتى أصدقاء إسرائيل في الولايات المتحدة ، وصرح "هودنج كارتر" المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الأمريكية معبرا عن أسف أمريكا لأن الحكومة الإسرائيلية لم ترد على الأسئلة الأمريكية ، وأن ما أجابت به لا يعتبر ردا ولكن الحقيقة ، الرد الإسرائيلي كان يحمل في طيات صياغته المعقدة الغامضة رسالة بسيطة واضحة هي أن إسرائيل لا تعتزم بحال الانسحاب من أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة بعد الفترة الانتقالية ، وأن هذه الفترة ما هي إلا فسحة من الزمن تعمل إسرائيل خلالها على تكريس احتلالها لتلك الأراضي تمهيدا لضمها وابتلاعها . كل ما هناك أنها ستمن على الفلسطينيين التعساء الذين يعيشون على تلك الأراضي بحكم محلي إداري تحت السيطرة الإسرائيلية كشأن النظام الذي كان يحكم طائفة المنبوذين في الهند .
وبالنسبة لي ( كامل ) فقد كنت أرى أن رد إسرائيل قد حسم الموقف وأغلق الباب نهائيا على إعادة التفاوض المباشر بيننا وبين إسرائيل ، وأصبح على الولايات المتحدة أن تتحمل مسؤوليات ما تعهدت به لنا من تقديم مقترحاتها على أساس ما أعلنته وأكدته مرارا من انطباق الانسحاب المنصوص عليه في قرار مجلس الأمن رقم ٢٤٢ على جميع الأراضي المحتلة ، والذي قام المستر "سوندرز" بإعادة تأكيده في البيان الرسمي الذي ألقاه أمام لجنة العلاقات الخارجية لمجلس النواب الأمريكي منذ أيام قليلة ."
ويضيف كامل في ص ٤٨٧ :
" ظللت ساهرا أغلب الليل تدور الأفكار في رأسي حول مقابلة السادات في الغد ، ماذا سأقول له ، ومن أين أبدأ وكيف انتهي ، وجادلت نفسي : هل أنا على حق وهو المخطئ ؟ ، أم هل أنا واهم وهو المصيب ؟
#اتفاقيات_كامب_ديفيد_ستعزل_مصر_عن_العرب
ومر في رأسي شريط الأحداث منذ وفدت إسرائيل إلى منطقتنا وخلقت المشكلة الفلسطينية ، وأشاعت الشكوك والمخاوف في الدول المحيطة بها ، واستعرضت كل القرارات الدولية ومبادئ العدالة وحقوق الإنسان التي كان يتحتم أن تتم في إطارها تسوية النزاع العربي الإسرائيلي ، وانتهيت إلى أن ما هو مطروح علينا - وما يبدو أن السادات قد قبل به ، سواء كان ذلك عن وعي وتخطيط أو عن ضعف واستسلام إزاء جمود بيجن وإلحاح الرئيس كارتر - بعيد كل البعد عن أن يؤدي إلى السلام العادل الشامل والاستقرار المنشود في منطقة الشرق الأوسط ، بل إنه سينحرف بها بعيدا عن ذلك ، ويلقي بها في أغوار سحيقة من الغليان والاضطراب وعدم الاستقرار ، فإن مؤداه عزل مصر وهي محور الارتكاز وقلب العالم العربي عن سائر دوله وأعضائه ، واطلاق سراح إسرائيل من حصار الحق والعدالة المضروب حولها عربيا ودوليا – فيما عدا الولايات المتحدة – حتى تسلم بحقوق من سلبتهم حقوقهم ، فينطلق الغول الصهيوني بشعا مدمرا ، أنيابه وأظافره سلاح أمريكا المتطور ومحركه ودوافعه غرائز الجشع والطمع والسيطرة على مقدرات المنطقة ومصائر شعوبها ، والاستئثار بكنوزها وأرزاقها......
#الاتفاقيات_ستطلق_يد_إسرائيل_للفتك_بالعرب
وينقض عليها نهبا وقتلا وإرهابا حتى يفرض سيطرته ، ثم يتحول إلى مصر العاجزة المكبلة بما وقعت عليه وقبلته ، ويفرض عليها ما يشاء أن يفرضه ، وتدخل إسرائيل الدولة الوافدة الطارئة الدخيلة ذات الملايين الثلاثة من المهاجرين في مصاف الدول العظمى تحت اسم إمبراطورية آل صهيون التي تضم دولا لها ما لها من الثروات الطبيعية والإمكانات البشرية والموقع الاستراتيجي المؤثر .
أين هذا مما بشر به السادات في القدس من سلام شامل يعم المنطقة ، ويشيع فيها الرخاء والاستقرار وتعيش فيه إسرائيل بين جيرانها العرب في أمن وأمان تظلله أحكام القانون الدولي ، وتربطه علاقات السلام والتعاون وحسن الجوار ؟ "
وعن ليلة ما قبل توقيع السادات على اتفاقات كامب يقول كامل رحمه الله عز وجل :
" وحملت مقعدي بالقرب من حيث يجلس السادات وقلت في هدوء : إني أرغب في أن أتحدث إليك ، لا بوصفي وزيرا للخارجية يتحدث إلى رئيس الجمهورية ، ولكن بوصفي صديقا وأخا أصغر لك ، أكلنا معا العيش والملح في السجن منذ ثلاثة وثلاثين عاما ، وأنت تعلم مدى إخلاصي لك وللحق ، وإني حريص على ألا تُقدم على شيء نندم عليه فيما بعد ، قال السادات بصوت هادئ : وهل بيني وبينك حجاب يا محمد ؟ قل ما تريد ولا تتردد .
#محمد_كامل : لقد اضطلعت على المشروع الذي قدمه لك أمس الرئيس كارتر بإطار السلام ، وقد وجدته بعيدا كل البعد عن تحقيق السلام الشامل الذي نستهدفه ، والذي حددت معالمه بحق ووضوح في خطابك في الكنيست الإسرائيلي عند زيارتك للقدس ،
#الاتفاقيات_سوف_تمكن_إسرائيل_من_الضفة_وغزة
فالمشروع الأمريكي رسم الطريق إلى سلام كامل بين مصر وإسرائيل مستقلا تماما عما يجري في الضفة الغربية وغزة ، فلا رابطة بينهما تضمن التزامن بين حل مشكلة سيناء وحل المشكلة الفلسطينية وهي الأصل ، وستكون النتيجة أن ينتهي الأمر إلى معاهدة سلام بين مصر وإسرائيل ، بينما تبقى الضفة الغربية وغزة تحت قبضة إسرائيل تمارس فيها تنفيذ تخطيطها لضم هذه الأراضي في النهاية ، وفيما يتعلق بالضفة الغربية وغزة فالمشروع الأمريكي يعكس فلسفة بيجن في مشروعه للحكم الذاتي ، ويلبي طلبه في تعليق السيادة على هذه الأراضي ، وقد صيغ عمدا بالغموض والميوعة ، وحفل بالثغرات مما يجعل التوصل إلى هدفنا بانسحاب إسرائيل من تلك الأراضي وممارسة الشعب الفلسطيني لحقه في تقرير المصير من رابع المستحيلات ، ويمكن أن تستمر المفاوضات والمراوغات الإسرائيلية بشأنه إلى عشرات السنين ، في حين أننا نعلم أن كل ما تحتاج إليه إسرائيل هو سنوات قليلة لتكون قد مكنت نفسها من الاستحواذ على الأراضي من الناحية العملية ، وقد زود المشروع الأمريكي إسرائيل بحق الفيتو في كل خطوة وعلى أي إجراء قد تراه معوقا لهدفها الواضح في ضم تلك الأراضي ، ومن ثم فمهما أجمع الجانب المصري والأردني وسلطة الحكم الذاتي الفلسطيني على أمر فلن يتحقق ، إذ يشترط المشروع إجماعا كاملا يتضمن موافقة إسرائيل .
#مصر_غير_مفوضة_من_الفلسطينيين_بالاعتراف_بإسرائيل
#أو_اختيار_الحل_واستبدال_الانسحاب_الكامل_بالحكم_الذاتي
وهناك نقطتان مهمتان في هذا الصدد ، الأولى: أننا غير مفوضين من ممثلي الشعب الفلسطيني صاحب الشأن ، ولا من الدول العربية المشاركة جميعا في تحمل مسؤولية حل المشكلة الفلسطينية في الموافقة والتوقيع على تسوية لهذه المشكلة ، والمشروع الأمريكي بأحكامه وصياغته لن يجتذب الأردن بحال إلى المشاركة في الفترة الانتقالية ، كما أنه لن يحظى بموافقة أي من الدول العربية الأخرى ، ولا بطبيعة الحال بموافقة منظمة التحرير الفلسطينية ، والنقطة الثانية : هي أن الاحتلال الإسرائيلي لأراضي الضفة الغربية وغزة سيظل دائما احتلالا غير مشروع لأراضي الغير ، ليس له من سند إلا العدوان والقوة الغاشمة ، وهو لن يكسب إسرائيل حقا مهما طال أمده ، ........
#اتفاقيات_كامب_ديفيد_مدمرة_ستمنح_الاحتلال_شرعية
بينما المشروع الأمريكي يحاول أن يضفي على هذا الاحتلال – على الأقل خلال فترة السنوات الخمس – صيغة من الشرعية مظهرها مشاركة صورية مصرية أردنية فلسطينية – المجلس الإداري الذي يباشر الحكم الذاتي – وصحيح أن هذه الصيغة الشرعية مطعون فيها بطبيعة الحال ، لأننا غير مفوضين من أصحاب الشأن ، ......
ولكنك تعلم جبروت الدعاية الصهيونية الذي سيصور أن وجود السلطة الإسرائيلية وقواتها إنما يستند إلى صك واتفاق وقعت عليه مصر كبرى الدول العربية ودعت إليه الأردن ، ولم يعد مجرد احتلال غير مشروع لا يسانده إلا القوة والبطش والعدوان ، وسيؤدي ذلك إلى تمييع القضية وبعثرة التأييد الدولي على مستوى الدول والرأي العام العالمي الذي جاهدنا طويلا في بنائه ويضعف الضغوط على إسرائيل . لذلك أرجوك وأستحلفك أن ترفض التوقيع على مثل #هذا_الاتفاق_المدمر .
#السادات : إنك لا تعلم شيئا عن العرب ، اسألني أنا ، إنهم لو تركوا وشأنهم فلن يحلوا أو يربطوا ، وسيظل الاحتلال الإسرائيلي قائما إلى أن ينتهي إلى التهام الأراضي العربية المحتلة ، دون أن يحرك العرب ساكنا غير الجعجعة وإطلاق الشعارات الفارغة ، كما فعلوا منذ البداية ولن يجمعوا على حل أبدا .
#محمد_كامل : إني لا أشاركك الرأي فيما قلته ، وهو ليس صحيحا على إطلاقه ، فقد اجتمعت كلمة العرب واتحدوا على يديك أنت نفسك ، وحققوا تضامنا وتكاتفا عظيما ، عسكريا وسياسيا واقتصاديا في حرب أكتوبر 1973م وبعدها ، وهذه حقيقة واقعة لا يمكن إنكارها ، ولم يبذر بذور الشقاق والتفتت العربي من جديد غير مجيء كيسنجر إلى المنطقة وتوقيع اتفاقية فض الاشتباك الثانية بين مصر وإسرائيل ، والآن وقد ظهر العجز والتخاذل الأمريكي عن تحقيق السلام العادل الشامل ، ألا ترى أن نعود إلى العرب من جديد ، ونبذل جهدا معهم لاستعادة التضامن الذي كان من جديد ، وسيكون موضوعه هذه المرة ليس الحرب بل الحل السلمي ، كما أشارت إليه مقررات مؤتمر القمة العربي في الرباط ، إنك ستعود إليهم حاملا رصيدا ضخما من التأييد الدولي والوعي العالمي بعدالة القضية العربية حققته مبادرتك ، وستنقشع الخلافات كسحابة صيف ، وسيلتفون حولك على السلام كما التفوا على الحرب ، وهذه مسئولية مصر بوصفها الدولة الأم الرائدة ، ونحن متفاهمون ومتفقون مع السعودية والأردن بالفعل على هذه الاستراتيجية وهم رهن الإشارة ليبدأوا مساعيهم ، فلتعد إلى العرب ، ولتقم بمبادرة نحوهم كما قمت بمبادرة نحو إسرائيل ، ثم لتعد إليها من جديد ( إسرائيل ) على رأس مبادرة عربية شاملة على نفس الأسس التي حددتها في مبادرتك السابقة ، ولكن تحمل ثقل الإمكانيات العربية الضخمة الهائلة ، ولن تقوى إسرائيل هذه المرة على إجهاضها ولا أمريكا على الانحراف بها .
#السادات : وسكت السادات برهة طالت ، وعيناه شاخصتان إلى الهواء لا تنمان عن شيء ثم قال : إن مشروع الحكم الذاتي سيؤدي إلى إلغاء الحكومة العسكرية الإسرائيلية في الضفة وغزة ، وسيؤدي إلى رفع المعاناة عن كاهل الفلسطينيين ، وقد أصر الرئيس كارتر على إضافة وصف "الكامل" لعبارة "الحكم الذاتي" رغم معارضة بيجن الشديدة حتى تكون سلطة الحكم الذاتي كاملة لكل شيء ما عدا بعض المسائل كالأمن ، ولن يكون الفلسطينيون وحدهم ، فسنكون معهم وكذلك الأردن في خلال الفترة الانتقالية ، وإذا لم يقبل الفلسطينيون بالحل الذي تنتهي إليه الفترة الانتقالية ، فسيكون لهم حق " الفيتو " لأنهم سيصوتون على هذا الحل ، وقد قال لي الرئيس كارتر إن لغة المشروع وصياغاته ربما فيها غموض ولكن ليس هذا ذا أهمية ، فالمهم أنه سيكون معنا في مفاوضات الحكم الذاتي كشريك كامل ، وقد أكد لي الرئيس كارتر أنه عندما يُعاد انتخابه رئيسا للفترة الثانية فسيكون في وضع قوي جدا ، يمكنه من الضغط على إسرائيل ، ويستطيع عندئذ تدارك العيوب والنقص في اللغة والصياغة التي لم يتمكن في الوقت الحالي من التوصل إلى أحسن منها بسبب جمود بيجن وحرص كارتر على ألا يفشل المؤتمر ويقضي على عملية التفاوض بين مصر وإسرائيل إلى الأبد وتعود احتمالات قيام حرب جديدة ، وقد أكد لي كارتر مرارا وتكرارا أنه يحس بأن عليه التزاما أدبيا وشخصيا نحو عمل شيء للفلسطينيين وأن هذا ما ستمكنه إعادة انتخابه من أن يقوم بها .
#معاهدة_كامب_ديفيد_ستصبح_سند_بمشروعية_الاحتلال
#محمد_كامل: إننا نخدع أنفسنا إذا فكرنا أن هذا المشروع سينتهي بتحقيق حل عادل للقضية الفلسطينية ، إنه سيكون سند إسرائيل وأداتها لتصفية هذه القضية وفقا لنواياها التوسعية ، وهذا رأي كل مستشاري وفدنا بالإجماع ، ولماذا تظن بيجن يحارب ويدقق في كل كلمة يتضمنها المشروع ؟ ، لأنه متى وقعنا عليه فسيكون هذا هو الأساس الذي يجري عليه التفاوض ، ولن يستطيع كارتر أو غيره أن يخرج عن نطاق النصوص والصياغات ، ثم ما يدرينا بأن كارتر سُيعاد انتخابه فترة جديدة وينفذ وعوده لك ؟
#السادات: لا .. لا .. لقد قال لي الرئيس كارتر : إن نجاح مؤتمر كامب ديفيد في التوصل إلى اتفاقيات بشأن إطار السلام الشامل سيؤكد نجاحه في الانتخابات القادمة بسهولة ويسر ، وأنا واثق بأنه سُينفذ وعوده لي لأنه رجل قيم ومبادئ .
#محمد_كامل: ولكن هذه الاتفاقية وفقا للمشروع الأمريكي – لن تؤدي إلى حل شامل ، بل ستنتهي إلى صلح منفرد بين مصر وإسرائيل ، بينما تظل الضفة الغربية وغزة والجولان تحت السيطرة والاحتلال الإسرائيلي ، وسيؤدي ذلك إلى عواقب وخيمة أخطرها عزل مصر وانعزالها عن العالم العربي وما سيؤدي إليه ذلك من إطلاق يد إسرائيل في المنطقة ، لماذا لا تصر على ما كنت تنادي به دائمنا من وجود رابطة بين الانسحاب من سيناء والانسحاب من الضفة الغربية وغزة ، بحيث يسيران جنبا إلى جنب وتعلق كل خطوة في سيناء على خطوة مقابلة في الضفة الغربية وغزة ؟
#السادات : ها أنت تردد كالببغاء ما يقوله الاتحاد السوفيتي عن صلح منفرد ، كيف يكون صلحا منفردا إذا كنت سأظل ملتزما بأن أقوم بدور في الحكم الذاتي في الضفة الغربية وغزة خلال فترة السنوات الخمس الانتقالية وحتى تحل القضية الفلسطينية من جميع وجوهها ؟ وما معنى أن أبقي سيناء تحت السيطرة الإسرائيلية حتى تُحل المشكلة الفلسطينية لتغمرها إسرائيل بمستوطنات جديدة يوما بعد يوم ، أليس هذا من الغباء ؟ ، إنك تتكلم لأنك لا تعرف شيئا عن أحوال مصر الداخلية ، لقد ترك لي عبد الناصر تركة مثقلة بالهموم والمشاكل ، وأن أوضاعنا الاقتصادية والاجتماعية في غاية السوء ، وكل مرافق البلد منهارة ، ولن تستطيع مصر أن تخرج من أحوالها المتردية إلا إذا حصلت على السلام وكرست كل مواردها للتنمية ، وعندئذ ستكون مصر في مركز أقوى لمساعدة الفلسطينيين في حل مشكلتهم .
#محمد_كامل : ولكنك لم تقم بمبادرتك على هذا الأساس ، لقد بنيتها على أساس الحل الشامل ، ولو كان الأمر هو استعادة سيناء وإقامة سلام بين مصر وإسرائيل فقط ، لما كان هناك حاجة إلى كل هذا اللف والدوران ، ولهرع إلى القاهرة مناحم بيجن بإشارة منك ليوقع مثل هذا الاتفاق ويعيد سيناء إلى مصر ويقبل ظهر يدك ووجهها ويعود إلى إسرائيل راضيا قرير العين ، وأنا لا أدعي أني أعلم كثيرا عن مشاكل مصر الداخلية ، فأنت الرئيس وأنت أدرى بها ، ولكن إذا كان الأمر كما تقول فلماذا محاولة التظاهر بأنك تحل النزاع العربي الإسرائيلي حلا شاملا عادلا دائما ، وتعطي لإسرائيل سندا مزيفا خداعا يتيح لها اغتيال الضفة الغربية ، وغزة ، والقضاء على القضية الفلسطينية تحت ستار حل هذه القضية نفسها حلا كريما عادلا ؟ إن رأيي لا يزال هو عدم التوقيع على شيء ، والعودة إلى العرب والعمل معهم من خلال جبهة واحدة كما أسلفت ، ولكن إذا كنت تقدر أن ظروفنا تحتم عليها التوصل إلى حل مرحلي فوري مع إسرائيل فلماذا لا تعلن ذلك صراحة ، وفي الإمكان أن تصدر بيانا تقول فيه : إن مصر وقد تحملت الشطر الأعظم من التضحيات البشرية والمالية والاقتصادية من جراء تصديها للعدوان الإسرائيلي على الدول العربية في أربع حروب ، قد استنفدت كل امكانياتها وطاقاتها وجهودها ، وأن ظروفها الاقتصادية والاجتماعية قد تدهورت إلى أوضاع لا تستطيع معها المضي في حالة اللاسلم و اللاحرب ، لذا قد قررت إبرام اتفاق مرحلي مع إسرائيل أنهي بمقتضاه حالة الحرب مع إسرائيل ، وأن مصر ستواصل مع باقي الدول العربية والمجتمع الدولي مساعيها السلمية لتحقيق انسحاب إسرائيل من كافة الأراضي العربية المحتلة ، وإقامة السلام العادل الشامل في المنطقة .
#السادات ( مقاطعا ) : ماذا جرى لك ؟ أتريد أن أتعرض لشماتة الاتحاد السوفيتي وحافظ الأسد والقذافي فيقولون : إن ما أدعوه على مبادرتي منذ البداية من أنها كانت ترمي إلى حل منفرد كان صحيحا ؟
#محمد_كامل: إنك إذا وقعت على اتفاقية على أساس المشروع الأمريكي فستكون حلا منفردا بكل المعايير ، ولن تنجح في خداع أحد بغير ذلك ، وأفضل لنا وأشرف أن نقول ذلك صراحة على أن نتستر وراء مسرحية الحكم الذاتي كما وردت في المشروع .
#السادات: بل إني أسير على استراتيجية بعيدة المدى ستنتهي بالحل الشامل في الشرق الأوسط ، وسيكون معنا الرئيس كارتر وستنضم إلينا السعودية والملك حسين .
#محمد_كامل: إذا وقعت هذا الاتفاق فلن يستطيع كارتر عمل شيء ولن يجذب ذلك السعودية والأردن بحال ، أرجو منك مرة ثانية أن تعيد النظر في الأمر ولنعد إلى مصر ونُجري مشاورات مع الدول العربية لنرى ماذا تكون خطوتنا التالية ؟
#السادات: لا ، أنا أعلم ما أفعله ، وسأمضي في مبادرتي إلى النهاية .
#محمد_كامل: إذن فأرجو أن تقبل استقالتي .
#السادات : كنت أعلم من البداية أنك تلف وتدور لتقول هذا في النهاية .
#محمد_كامل: لا لقد حاولت إقناعك بما أراه وفشلت ، فلم يبق أمامي إلا هذا المخرج ، فأنا لا أستطيع أن أوافق على شيء يبدو لي من المؤكد خطؤه وخطره ، ولا أنا أستطيع أن أغشك وأغش نفسي وضميري ، فإنه كامن داخلي يعيش معي ليل نهار .
#السادات: إذا كان هذا يريحك فإني أقبل استقالتك ، وكل ما أطلبه منك هو أن تعدها بيننا في الوقت الحالي ولا تخبر أحدا بأمرها حتى نعود إلى مصر .
#محمد_كامل: سأفعل ذلك فليس قصدي إحراجك .
#الاتفاقيات_ستمكن_إسرائيل_من_تدمير_المنطقة
#باستخدام_الأسلحة_الأمريكية_المتطورة
ويضيف كامل في موضع آخر : ( إن تلك الاتفاقيات ستؤدّي إلى عُزلة مصر وستسمح للدولة الصهيونية بحرية مُطلقة في ممارسة سياسة القتل والإرهاب في المنطقة مُستخدمة السلاح الأميركي كمخلب لها.. فالأفكار الأميركية التي طُرحت في كامب ديفيد كانت تهدف لإضفاء غطاء شرعي للاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية )
ويضيف كامل : إن تلك الاتفاقيات ستؤدّي إلى عُزلة مصر وستسمح للدولة الصهيونية بحرية مُطلقة في ممارسة سياسة القتل والإرهاب في المنطقة مُستخدمة السلاح الأميركي كمخلب لها.. فالأفكار الأميركية التي طُرحت في كامب ديفيد كانت تهدف لإضفاء غطاء شرعي للاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية .
#الاتفاقيات_أسقطت_القدس
وأما عن مسألة القدس والمواقف المصرية والأميركية منها، فقد جاءت في مذكّراته تحت عنوان "خيول الملاهي الخشبية"، وهنا كتب كامل :
"وفي النهاية تمّ الاتفاق بين كارتر والسادات على إسقاط الإشارة إلى القدس في الاتفاقية نهائياً وأن يعالج موضوع القدس عن طريق خطابات مُتبادلة تلحق بالاتفاقية بين السادات وكارتر من جهة وبين كارتر وبيغين من جهة أخرى، يحدّد فيها كل موقفه من موضوع القدس. فكتب السادات خطاباً مضمونه أن القدس العربية جزء لا يتجزّأ من الضفة الغربية ويجب أن تخضع للسيادة العربية، وردّ عليه كارتر بأنه تلقّى خطابه وأنه سيبعث بصورة منه إلى بيغين لعلمه، وكتب بيغين إلى كارتر خطاباً مضمونه أن الكنيست الإسرائيلي قد أصدر في 28 تموز/ يوليو 1967 قانوناً يخوّل للحكومة الإسرائيلية سلطات التشريع والإدارة على أي جزء من أراضي (إسرائيل- فلسطين)، وأنه وفقاً لهذا القانون فقد قرّرت حكومة إسرائيل في تموز/ يوليو 1967 أن مدينة القدس موحّدة ولا يمكن تقسيمها وأنها عاصمة دولة إسرائيل.. وردّ عليه كارتر بأنه سيُرسل صورة من خطابه للسادات، وأن الموقف الأميركي بشأن القدس هو ما سبق ذكره"
ونختم هذا المقال بما قاله الكاتب الصحفي والروائي يوسف إدريس في كتابه " البحث عن السادات " ص 33 ، 34 :
" توقفت حواسي كلها كأنني أصبت بضربة مباغتة على أم رأسي . فقد اكتشفت أن مبادرة القدس، وهذا الاجتماع المعقود بجوار الأهرام، وأن ما سوف ينتج عنه ويتلوه، ليست مبادرات مصرية في اتجاه الحق العربي أو حتى المصري، وإنما هي ٌ في الحقيقة مبادرات لمصلحة إسرائيل وحدها، هي مبادرات إسرائيلية بدأت بها إسرائيل وليس السادات ، عصرا جديدا في صراعها مع العرب، ألا وهو عصر التوغل واللعب داخل ً المعسكر العربي ذاته. وكان الاكتشاف من البشاعة بحيث إني وجدت أن حماسي للمبادرة - أنا الذي وهبت ُ زهرة شبابي أعادي الصهيونية التوسعية الإسرائيلية - يدل على خطورة العقول التي أ دبَّرتها ونفَّذتها، يدل على أننا استهنَّا كثريًا بتفكير أعدائنا، وأننا كمجموعة أطفال يُحاربون ً أناساً جاءوا إلى الأرض — كما تقول أفلام الخرافات العلمية — من عوالم فلكية متقدمة.
#اعتراضات_كامل_واقع_نعيشه_منذ_٤٠_عاما
وهكذا كانت اعتراضات وزير الخارجية المصري محمد إبراهيم كامل على بنود اتفاقات " كامب ديفيد " للسلام بين مصر وإسرائيل بمثابة نبوءات ظلت تتحقق طوال أكثر من ثلاثين عاما ، وآخرها هذا العدوان الإسرائيلي الوحشي على غزة .
#لماذا_استمرت_معاهدة_السلام_رغم_مساوئها
لأن الرئيس الأمريكي الصهيوني الخبيث استطاع أن يخصص حسنة لفئات قليلة العدد لتتولى حماية المعاهدة وتضمن استمرارها مقابل هذه الحسنة على حساب كل أمة ( لا إله إلا الله محمد رسول الله ) .#استقال_اعتراضا_على_بنود_اتفاقيات_كامب_ديفيد
#فأضحت_اعتراضاته_نبوءات_تتحقق_منذ_40_عاما
محمد إبراهيم كامل وزير الخارجية المصري الأسبق ، من الشخصيات الرئيسية التي شاركت في مفاوضات اتفاقية كامب ديفيد ، حتى استقال خلال الفترة الأخيرة من المفاوضات بين السادات والرئيس الأمريكي كارتر ورئيس وزراء إسرائيل مناحم بيجن في منتجع كامب ديفيد بالولايات المتحدة الأمريكية والتي استمرت ثلاثة عشر يوما .
استقال محمد إبراهيم كامل من منصبه عشية التوقيع على اتفاقية كامب ديفيد ، وجاءت استقالته بعد خلافه مع الرئيس محمد أنور السادات الذي وقع المعاهدة مع إسرائيل عام ١٩٧٩م.
وكان كامل رفيق كفاح مع السادات ضد قوات الاحتلال والقصر الملكي في مصر في سنوات شبابهما، وقد التحق بالخارجية المصرية وترقى فيها إلى أن اختاره وزيرا للخارجية بعد استقالة سلفه إسماعيل فهمي وزميله محمود رياض وزير الدولة للشؤون الخارجية احتجاجا على الزيارة التاريخية للسادات في نوفمبر/ تشرين الثاني لمدينة القدس المحتلة فيما عرف بمبادرة السلام.
كتب كامل في كتابه ( السلام الضائع في اتفاقات كامب ديفيد ) المنشور في القاهرة بداية الثمانينيات أن ما قبل به السادات بعيد جدا عن السلام العادل ، وانتقد كل اتفاقات كامب ديفيد لكونها ستعزل مصر عن العالم العربي ، وأنها لم تشر بصراحة إلى انسحاب إسرائيلي من قطاع غزة والضفة الغربية ، ولعدم تضمينها حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره ، فضلا عن عدم تطرقها لمصير مدينة القدس ، وأنها سوف تطلق يد الغول الصهيوني ليعيث في أرض العرب فسادا .
يقول محمد إبراهيم كامل في الفصل الثالث والعشرون من كتابه ( السلام الضائع في اتفاقات كامب ديفيد ) ص ٢٤٩ :
" كان الرد الإسرائيلي أكثر من سلبي ، ولم يكن أحد يستطيع أن يجادل في ذلك حتى أصدقاء إسرائيل في الولايات المتحدة ، وصرح "هودنج كارتر" المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الأمريكية معبرا عن أسف أمريكا لأن الحكومة الإسرائيلية لم ترد على الأسئلة الأمريكية ، وأن ما أجابت به لا يعتبر ردا ولكن الحقيقة ، الرد الإسرائيلي كان يحمل في طيات صياغته المعقدة الغامضة رسالة بسيطة واضحة هي أن إسرائيل لا تعتزم بحال الانسحاب من أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة بعد الفترة الانتقالية ، وأن هذه الفترة ما هي إلا فسحة من الزمن تعمل إسرائيل خلالها على تكريس احتلالها لتلك الأراضي تمهيدا لضمها وابتلاعها . كل ما هناك أنها ستمن على الفلسطينيين التعساء الذين يعيشون على تلك الأراضي بحكم محلي إداري تحت السيطرة الإسرائيلية كشأن النظام الذي كان يحكم طائفة المنبوذين في الهند .
وبالنسبة لي ( كامل ) فقد كنت أرى أن رد إسرائيل قد حسم الموقف وأغلق الباب نهائيا على إعادة التفاوض المباشر بيننا وبين إسرائيل ، وأصبح على الولايات المتحدة أن تتحمل مسؤوليات ما تعهدت به لنا من تقديم مقترحاتها على أساس ما أعلنته وأكدته مرارا من انطباق الانسحاب المنصوص عليه في قرار مجلس الأمن رقم ٢٤٢ على جميع الأراضي المحتلة ، والذي قام المستر "سوندرز" بإعادة تأكيده في البيان الرسمي الذي ألقاه أمام لجنة العلاقات الخارجية لمجلس النواب الأمريكي منذ أيام قليلة ."
ويضيف كامل في ص ٤٨٧ :
" ظللت ساهرا أغلب الليل تدور الأفكار في رأسي حول مقابلة السادات في الغد ، ماذا سأقول له ، ومن أين أبدأ وكيف انتهي ، وجادلت نفسي : هل أنا على حق وهو المخطئ ؟ ، أم هل أنا واهم وهو المصيب ؟
#اتفاقيات_كامب_ديفيد_ستعزل_مصر_عن_العرب
ومر في رأسي شريط الأحداث منذ وفدت إسرائيل إلى منطقتنا وخلقت المشكلة الفلسطينية ، وأشاعت الشكوك والمخاوف في الدول المحيطة بها ، واستعرضت كل القرارات الدولية ومبادئ العدالة وحقوق الإنسان التي كان يتحتم أن تتم في إطارها تسوية النزاع العربي الإسرائيلي ، وانتهيت إلى أن ما هو مطروح علينا - وما يبدو أن السادات قد قبل به ، سواء كان ذلك عن وعي وتخطيط أو عن ضعف واستسلام إزاء جمود بيجن وإلحاح الرئيس كارتر - بعيد كل البعد عن أن يؤدي إلى السلام العادل الشامل والاستقرار المنشود في منطقة الشرق الأوسط ، بل إنه سينحرف بها بعيدا عن ذلك ، ويلقي بها في أغوار سحيقة من الغليان والاضطراب وعدم الاستقرار ، فإن مؤداه عزل مصر وهي محور الارتكاز وقلب العالم العربي عن سائر دوله وأعضائه ، واطلاق سراح إسرائيل من حصار الحق والعدالة المضروب حولها عربيا ودوليا – فيما عدا الولايات المتحدة – حتى تسلم بحقوق من سلبتهم حقوقهم ، فينطلق الغول الصهيوني بشعا مدمرا ، أنيابه وأظافره سلاح أمريكا المتطور ومحركه ودوافعه غرائز الجشع والطمع والسيطرة على مقدرات المنطقة ومصائر شعوبها ، والاستئثار بكنوزها وأرزاقها......
#الاتفاقيات_ستطلق_يد_إسرائيل_للفتك_بالعرب
وينقض عليها نهبا وقتلا وإرهابا حتى يفرض سيطرته ، ثم يتحول إلى مصر العاجزة المكبلة بما وقعت عليه وقبلته ، ويفرض عليها ما يشاء أن يفرضه ، وتدخل إسرائيل الدولة الوافدة الطارئة الدخيلة ذات الملايين الثلاثة من المهاجرين في مصاف الدول العظمى تحت اسم إمبراطورية آل صهيون التي تضم دولا لها ما لها من الثروات الطبيعية والإمكانات البشرية والموقع الاستراتيجي المؤثر .
أين هذا مما بشر به السادات في القدس من سلام شامل يعم المنطقة ، ويشيع فيها الرخاء والاستقرار وتعيش فيه إسرائيل بين جيرانها العرب في أمن وأمان تظلله أحكام القانون الدولي ، وتربطه علاقات السلام والتعاون وحسن الجوار ؟ "
وعن ليلة ما قبل توقيع السادات على اتفاقات كامب يقول كامل رحمه الله عز وجل :
" وحملت مقعدي بالقرب من حيث يجلس السادات وقلت في هدوء : إني أرغب في أن أتحدث إليك ، لا بوصفي وزيرا للخارجية يتحدث إلى رئيس الجمهورية ، ولكن بوصفي صديقا وأخا أصغر لك ، أكلنا معا العيش والملح في السجن منذ ثلاثة وثلاثين عاما ، وأنت تعلم مدى إخلاصي لك وللحق ، وإني حريص على ألا تُقدم على شيء نندم عليه فيما بعد ، قال السادات بصوت هادئ : وهل بيني وبينك حجاب يا محمد ؟ قل ما تريد ولا تتردد .
#محمد_كامل : لقد اضطلعت على المشروع الذي قدمه لك أمس الرئيس كارتر بإطار السلام ، وقد وجدته بعيدا كل البعد عن تحقيق السلام الشامل الذي نستهدفه ، والذي حددت معالمه بحق ووضوح في خطابك في الكنيست الإسرائيلي عند زيارتك للقدس ،
#الاتفاقيات_سوف_تمكن_إسرائيل_من_الضفة_وغزة
فالمشروع الأمريكي رسم الطريق إلى سلام كامل بين مصر وإسرائيل مستقلا تماما عما يجري في الضفة الغربية وغزة ، فلا رابطة بينهما تضمن التزامن بين حل مشكلة سيناء وحل المشكلة الفلسطينية وهي الأصل ، وستكون النتيجة أن ينتهي الأمر إلى معاهدة سلام بين مصر وإسرائيل ، بينما تبقى الضفة الغربية وغزة تحت قبضة إسرائيل تمارس فيها تنفيذ تخطيطها لضم هذه الأراضي في النهاية ، وفيما يتعلق بالضفة الغربية وغزة فالمشروع الأمريكي يعكس فلسفة بيجن في مشروعه للحكم الذاتي ، ويلبي طلبه في تعليق السيادة على هذه الأراضي ، وقد صيغ عمدا بالغموض والميوعة ، وحفل بالثغرات مما يجعل التوصل إلى هدفنا بانسحاب إسرائيل من تلك الأراضي وممارسة الشعب الفلسطيني لحقه في تقرير المصير من رابع المستحيلات ، ويمكن أن تستمر المفاوضات والمراوغات الإسرائيلية بشأنه إلى عشرات السنين ، في حين أننا نعلم أن كل ما تحتاج إليه إسرائيل هو سنوات قليلة لتكون قد مكنت نفسها من الاستحواذ على الأراضي من الناحية العملية ، وقد زود المشروع الأمريكي إسرائيل بحق الفيتو في كل خطوة وعلى أي إجراء قد تراه معوقا لهدفها الواضح في ضم تلك الأراضي ، ومن ثم فمهما أجمع الجانب المصري والأردني وسلطة الحكم الذاتي الفلسطيني على أمر فلن يتحقق ، إذ يشترط المشروع إجماعا كاملا يتضمن موافقة إسرائيل .
#مصر_غير_مفوضة_من_الفلسطينيين_بالاعتراف_بإسرائيل
#أو_اختيار_الحل_واستبدال_الانسحاب_الكامل_بالحكم_الذاتي
وهناك نقطتان مهمتان في هذا الصدد ، الأولى: أننا غير مفوضين من ممثلي الشعب الفلسطيني صاحب الشأن ، ولا من الدول العربية المشاركة جميعا في تحمل مسؤولية حل المشكلة الفلسطينية في الموافقة والتوقيع على تسوية لهذه المشكلة ، والمشروع الأمريكي بأحكامه وصياغته لن يجتذب الأردن بحال إلى المشاركة في الفترة الانتقالية ، كما أنه لن يحظى بموافقة أي من الدول العربية الأخرى ، ولا بطبيعة الحال بموافقة منظمة التحرير الفلسطينية ، والنقطة الثانية : هي أن الاحتلال الإسرائيلي لأراضي الضفة الغربية وغزة سيظل دائما احتلالا غير مشروع لأراضي الغير ، ليس له من سند إلا العدوان والقوة الغاشمة ، وهو لن يكسب إسرائيل حقا مهما طال أمده ، ........
#اتفاقيات_كامب_ديفيد_مدمرة_ستمنح_الاحتلال_شرعية
بينما المشروع الأمريكي يحاول أن يضفي على هذا الاحتلال – على الأقل خلال فترة السنوات الخمس – صيغة من الشرعية مظهرها مشاركة صورية مصرية أردنية فلسطينية – المجلس الإداري الذي يباشر الحكم الذاتي – وصحيح أن هذه الصيغة الشرعية مطعون فيها بطبيعة الحال ، لأننا غير مفوضين من أصحاب الشأن ، ......
ولكنك تعلم جبروت الدعاية الصهيونية الذي سيصور أن وجود السلطة الإسرائيلية وقواتها إنما يستند إلى صك واتفاق وقعت عليه مصر كبرى الدول العربية ودعت إليه الأردن ، ولم يعد مجرد احتلال غير مشروع لا يسانده إلا القوة والبطش والعدوان ، وسيؤدي ذلك إلى تمييع القضية وبعثرة التأييد الدولي على مستوى الدول والرأي العام العالمي الذي جاهدنا طويلا في بنائه ويضعف الضغوط على إسرائيل . لذلك أرجوك وأستحلفك أن ترفض التوقيع على مثل #هذا_الاتفاق_المدمر .
#السادات : إنك لا تعلم شيئا عن العرب ، اسألني أنا ، إنهم لو تركوا وشأنهم فلن يحلوا أو يربطوا ، وسيظل الاحتلال الإسرائيلي قائما إلى أن ينتهي إلى التهام الأراضي العربية المحتلة ، دون أن يحرك العرب ساكنا غير الجعجعة وإطلاق الشعارات الفارغة ، كما فعلوا منذ البداية ولن يجمعوا على حل أبدا .
#محمد_كامل : إني لا أشاركك الرأي فيما قلته ، وهو ليس صحيحا على إطلاقه ، فقد اجتمعت كلمة العرب واتحدوا على يديك أنت نفسك ، وحققوا تضامنا وتكاتفا عظيما ، عسكريا وسياسيا واقتصاديا في حرب أكتوبر 1973م وبعدها ، وهذه حقيقة واقعة لا يمكن إنكارها ، ولم يبذر بذور الشقاق والتفتت العربي من جديد غير مجيء كيسنجر إلى المنطقة وتوقيع اتفاقية فض الاشتباك الثانية بين مصر وإسرائيل ، والآن وقد ظهر العجز والتخاذل الأمريكي عن تحقيق السلام العادل الشامل ، ألا ترى أن نعود إلى العرب من جديد ، ونبذل جهدا معهم لاستعادة التضامن الذي كان من جديد ، وسيكون موضوعه هذه المرة ليس الحرب بل الحل السلمي ، كما أشارت إليه مقررات مؤتمر القمة العربي في الرباط ، إنك ستعود إليهم حاملا رصيدا ضخما من التأييد الدولي والوعي العالمي بعدالة القضية العربية حققته مبادرتك ، وستنقشع الخلافات كسحابة صيف ، وسيلتفون حولك على السلام كما التفوا على الحرب ، وهذه مسئولية مصر بوصفها الدولة الأم الرائدة ، ونحن متفاهمون ومتفقون مع السعودية والأردن بالفعل على هذه الاستراتيجية وهم رهن الإشارة ليبدأوا مساعيهم ، فلتعد إلى العرب ، ولتقم بمبادرة نحوهم كما قمت بمبادرة نحو إسرائيل ، ثم لتعد إليها من جديد ( إسرائيل ) على رأس مبادرة عربية شاملة على نفس الأسس التي حددتها في مبادرتك السابقة ، ولكن تحمل ثقل الإمكانيات العربية الضخمة الهائلة ، ولن تقوى إسرائيل هذه المرة على إجهاضها ولا أمريكا على الانحراف بها .
#السادات : وسكت السادات برهة طالت ، وعيناه شاخصتان إلى الهواء لا تنمان عن شيء ثم قال : إن مشروع الحكم الذاتي سيؤدي إلى إلغاء الحكومة العسكرية الإسرائيلية في الضفة وغزة ، وسيؤدي إلى رفع المعاناة عن كاهل الفلسطينيين ، وقد أصر الرئيس كارتر على إضافة وصف "الكامل" لعبارة "الحكم الذاتي" رغم معارضة بيجن الشديدة حتى تكون سلطة الحكم الذاتي كاملة لكل شيء ما عدا بعض المسائل كالأمن ، ولن يكون الفلسطينيون وحدهم ، فسنكون معهم وكذلك الأردن في خلال الفترة الانتقالية ، وإذا لم يقبل الفلسطينيون بالحل الذي تنتهي إليه الفترة الانتقالية ، فسيكون لهم حق " الفيتو " لأنهم سيصوتون على هذا الحل ، وقد قال لي الرئيس كارتر إن لغة المشروع وصياغاته ربما فيها غموض ولكن ليس هذا ذا أهمية ، فالمهم أنه سيكون معنا في مفاوضات الحكم الذاتي كشريك كامل ، وقد أكد لي الرئيس كارتر أنه عندما يُعاد انتخابه رئيسا للفترة الثانية فسيكون في وضع قوي جدا ، يمكنه من الضغط على إسرائيل ، ويستطيع عندئذ تدارك العيوب والنقص في اللغة والصياغة التي لم يتمكن في الوقت الحالي من التوصل إلى أحسن منها بسبب جمود بيجن وحرص كارتر على ألا يفشل المؤتمر ويقضي على عملية التفاوض بين مصر وإسرائيل إلى الأبد وتعود احتمالات قيام حرب جديدة ، وقد أكد لي كارتر مرارا وتكرارا أنه يحس بأن عليه التزاما أدبيا وشخصيا نحو عمل شيء للفلسطينيين وأن هذا ما ستمكنه إعادة انتخابه من أن يقوم بها .
#معاهدة_كامب_ديفيد_ستصبح_سند_بمشروعية_الاحتلال
#محمد_كامل: إننا نخدع أنفسنا إذا فكرنا أن هذا المشروع سينتهي بتحقيق حل عادل للقضية الفلسطينية ، إنه سيكون سند إسرائيل وأداتها لتصفية هذه القضية وفقا لنواياها التوسعية ، وهذا رأي كل مستشاري وفدنا بالإجماع ، ولماذا تظن بيجن يحارب ويدقق في كل كلمة يتضمنها المشروع ؟ ، لأنه متى وقعنا عليه فسيكون هذا هو الأساس الذي يجري عليه التفاوض ، ولن يستطيع كارتر أو غيره أن يخرج عن نطاق النصوص والصياغات ، ثم ما يدرينا بأن كارتر سُيعاد انتخابه فترة جديدة وينفذ وعوده لك ؟
#السادات: لا .. لا .. لقد قال لي الرئيس كارتر : إن نجاح مؤتمر كامب ديفيد في التوصل إلى اتفاقيات بشأن إطار السلام الشامل سيؤكد نجاحه في الانتخابات القادمة بسهولة ويسر ، وأنا واثق بأنه سُينفذ وعوده لي لأنه رجل قيم ومبادئ .
#محمد_كامل: ولكن هذه الاتفاقية وفقا للمشروع الأمريكي – لن تؤدي إلى حل شامل ، بل ستنتهي إلى صلح منفرد بين مصر وإسرائيل ، بينما تظل الضفة الغربية وغزة والجولان تحت السيطرة والاحتلال الإسرائيلي ، وسيؤدي ذلك إلى عواقب وخيمة أخطرها عزل مصر وانعزالها عن العالم العربي وما سيؤدي إليه ذلك من إطلاق يد إسرائيل في المنطقة ، لماذا لا تصر على ما كنت تنادي به دائمنا من وجود رابطة بين الانسحاب من سيناء والانسحاب من الضفة الغربية وغزة ، بحيث يسيران جنبا إلى جنب وتعلق كل خطوة في سيناء على خطوة مقابلة في الضفة الغربية وغزة ؟
#السادات : ها أنت تردد كالببغاء ما يقوله الاتحاد السوفيتي عن صلح منفرد ، كيف يكون صلحا منفردا إذا كنت سأظل ملتزما بأن أقوم بدور في الحكم الذاتي في الضفة الغربية وغزة خلال فترة السنوات الخمس الانتقالية وحتى تحل القضية الفلسطينية من جميع وجوهها ؟ وما معنى أن أبقي سيناء تحت السيطرة الإسرائيلية حتى تُحل المشكلة الفلسطينية لتغمرها إسرائيل بمستوطنات جديدة يوما بعد يوم ، أليس هذا من الغباء ؟ ، إنك تتكلم لأنك لا تعرف شيئا عن أحوال مصر الداخلية ، لقد ترك لي عبد الناصر تركة مثقلة بالهموم والمشاكل ، وأن أوضاعنا الاقتصادية والاجتماعية في غاية السوء ، وكل مرافق البلد منهارة ، ولن تستطيع مصر أن تخرج من أحوالها المتردية إلا إذا حصلت على السلام وكرست كل مواردها للتنمية ، وعندئذ ستكون مصر في مركز أقوى لمساعدة الفلسطينيين في حل مشكلتهم .
#محمد_كامل : ولكنك لم تقم بمبادرتك على هذا الأساس ، لقد بنيتها على أساس الحل الشامل ، ولو كان الأمر هو استعادة سيناء وإقامة سلام بين مصر وإسرائيل فقط ، لما كان هناك حاجة إلى كل هذا اللف والدوران ، ولهرع إلى القاهرة مناحم بيجن بإشارة منك ليوقع مثل هذا الاتفاق ويعيد سيناء إلى مصر ويقبل ظهر يدك ووجهها ويعود إلى إسرائيل راضيا قرير العين ، وأنا لا أدعي أني أعلم كثيرا عن مشاكل مصر الداخلية ، فأنت الرئيس وأنت أدرى بها ، ولكن إذا كان الأمر كما تقول فلماذا محاولة التظاهر بأنك تحل النزاع العربي الإسرائيلي حلا شاملا عادلا دائما ، وتعطي لإسرائيل سندا مزيفا خداعا يتيح لها اغتيال الضفة الغربية ، وغزة ، والقضاء على القضية الفلسطينية تحت ستار حل هذه القضية نفسها حلا كريما عادلا ؟ إن رأيي لا يزال هو عدم التوقيع على شيء ، والعودة إلى العرب والعمل معهم من خلال جبهة واحدة كما أسلفت ، ولكن إذا كنت تقدر أن ظروفنا تحتم عليها التوصل إلى حل مرحلي فوري مع إسرائيل فلماذا لا تعلن ذلك صراحة ، وفي الإمكان أن تصدر بيانا تقول فيه : إن مصر وقد تحملت الشطر الأعظم من التضحيات البشرية والمالية والاقتصادية من جراء تصديها للعدوان الإسرائيلي على الدول العربية في أربع حروب ، قد استنفدت كل امكانياتها وطاقاتها وجهودها ، وأن ظروفها الاقتصادية والاجتماعية قد تدهورت إلى أوضاع لا تستطيع معها المضي في حالة اللاسلم و اللاحرب ، لذا قد قررت إبرام اتفاق مرحلي مع إسرائيل أنهي بمقتضاه حالة الحرب مع إسرائيل ، وأن مصر ستواصل مع باقي الدول العربية والمجتمع الدولي مساعيها السلمية لتحقيق انسحاب إسرائيل من كافة الأراضي العربية المحتلة ، وإقامة السلام العادل الشامل في المنطقة .
#السادات ( مقاطعا ) : ماذا جرى لك ؟ أتريد أن أتعرض لشماتة الاتحاد السوفيتي وحافظ الأسد والقذافي فيقولون : إن ما أدعوه على مبادرتي منذ البداية من أنها كانت ترمي إلى حل منفرد كان صحيحا ؟
#محمد_كامل: إنك إذا وقعت على اتفاقية على أساس المشروع الأمريكي فستكون حلا منفردا بكل المعايير ، ولن تنجح في خداع أحد بغير ذلك ، وأفضل لنا وأشرف أن نقول ذلك صراحة على أن نتستر وراء مسرحية الحكم الذاتي كما وردت في المشروع .
#السادات: بل إني أسير على استراتيجية بعيدة المدى ستنتهي بالحل الشامل في الشرق الأوسط ، وسيكون معنا الرئيس كارتر وستنضم إلينا السعودية والملك حسين .
#محمد_كامل: إذا وقعت هذا الاتفاق فلن يستطيع كارتر عمل شيء ولن يجذب ذلك السعودية والأردن بحال ، أرجو منك مرة ثانية أن تعيد النظر في الأمر ولنعد إلى مصر ونُجري مشاورات مع الدول العربية لنرى ماذا تكون خطوتنا التالية ؟
#السادات: لا ، أنا أعلم ما أفعله ، وسأمضي في مبادرتي إلى النهاية .
#محمد_كامل: إذن فأرجو أن تقبل استقالتي .
#السادات : كنت أعلم من البداية أنك تلف وتدور لتقول هذا في النهاية .
#محمد_كامل: لا لقد حاولت إقناعك بما أراه وفشلت ، فلم يبق أمامي إلا هذا المخرج ، فأنا لا أستطيع أن أوافق على شيء يبدو لي من المؤكد خطؤه وخطره ، ولا أنا أستطيع أن أغشك وأغش نفسي وضميري ، فإنه كامن داخلي يعيش معي ليل نهار .
#السادات: إذا كان هذا يريحك فإني أقبل استقالتك ، وكل ما أطلبه منك هو أن تعدها بيننا في الوقت الحالي ولا تخبر أحدا بأمرها حتى نعود إلى مصر .
#محمد_كامل: سأفعل ذلك فليس قصدي إحراجك .
#الاتفاقيات_ستمكن_إسرائيل_من_تدمير_المنطقة
#باستخدام_الأسلحة_الأمريكية_المتطورة
ويضيف كامل في موضع آخر : ( إن تلك الاتفاقيات ستؤدّي إلى عُزلة مصر وستسمح للدولة الصهيونية بحرية مُطلقة في ممارسة سياسة القتل والإرهاب في المنطقة مُستخدمة السلاح الأميركي كمخلب لها.. فالأفكار الأميركية التي طُرحت في كامب ديفيد كانت تهدف لإضفاء غطاء شرعي للاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية )
ويضيف كامل : إن تلك الاتفاقيات ستؤدّي إلى عُزلة مصر وستسمح للدولة الصهيونية بحرية مُطلقة في ممارسة سياسة القتل والإرهاب في المنطقة مُستخدمة السلاح الأميركي كمخلب لها.. فالأفكار الأميركية التي طُرحت في كامب ديفيد كانت تهدف لإضفاء غطاء شرعي للاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية .
#الاتفاقيات_أسقطت_القدس
وأما عن مسألة القدس والمواقف المصرية والأميركية منها، فقد جاءت في مذكّراته تحت عنوان "خيول الملاهي الخشبية"، وهنا كتب كامل :
"وفي النهاية تمّ الاتفاق بين كارتر والسادات على إسقاط الإشارة إلى القدس في الاتفاقية نهائياً وأن يعالج موضوع القدس عن طريق خطابات مُتبادلة تلحق بالاتفاقية بين السادات وكارتر من جهة وبين كارتر وبيغين من جهة أخرى، يحدّد فيها كل موقفه من موضوع القدس. فكتب السادات خطاباً مضمونه أن القدس العربية جزء لا يتجزّأ من الضفة الغربية ويجب أن تخضع للسيادة العربية، وردّ عليه كارتر بأنه تلقّى خطابه وأنه سيبعث بصورة منه إلى بيغين لعلمه، وكتب بيغين إلى كارتر خطاباً مضمونه أن الكنيست الإسرائيلي قد أصدر في 28 تموز/ يوليو 1967 قانوناً يخوّل للحكومة الإسرائيلية سلطات التشريع والإدارة على أي جزء من أراضي (إسرائيل- فلسطين)، وأنه وفقاً لهذا القانون فقد قرّرت حكومة إسرائيل في تموز/ يوليو 1967 أن مدينة القدس موحّدة ولا يمكن تقسيمها وأنها عاصمة دولة إسرائيل.. وردّ عليه كارتر بأنه سيُرسل صورة من خطابه للسادات، وأن الموقف الأميركي بشأن القدس هو ما سبق ذكره"
ونختم هذا المقال بما قاله الكاتب الصحفي والروائي يوسف إدريس في كتابه " البحث عن السادات " ص 33 ، 34 :
" توقفت حواسي كلها كأنني أصبت بضربة مباغتة على أم رأسي . فقد اكتشفت أن مبادرة القدس، وهذا الاجتماع المعقود بجوار الأهرام، وأن ما سوف ينتج عنه ويتلوه، ليست مبادرات مصرية في اتجاه الحق العربي أو حتى المصري، وإنما هي ٌ في الحقيقة مبادرات لمصلحة إسرائيل وحدها، هي مبادرات إسرائيلية بدأت بها إسرائيل وليس السادات ، عصرا جديدا في صراعها مع العرب، ألا وهو عصر التوغل واللعب داخل ً المعسكر العربي ذاته. وكان الاكتشاف من البشاعة بحيث إني وجدت أن حماسي للمبادرة - أنا الذي وهبت ُ زهرة شبابي أعادي الصهيونية التوسعية الإسرائيلية - يدل على خطورة العقول التي أ دبَّرتها ونفَّذتها، يدل على أننا استهنَّا كثريًا بتفكير أعدائنا، وأننا كمجموعة أطفال يُحاربون ً أناساً جاءوا إلى الأرض — كما تقول أفلام الخرافات العلمية — من عوالم فلكية متقدمة.
#اعتراضات_كامل_واقع_نعيشه_منذ_٤٠_عاما
وهكذا كانت اعتراضات وزير الخارجية المصري محمد إبراهيم كامل على بنود اتفاقات " كامب ديفيد " للسلام بين مصر وإسرائيل بمثابة نبوءات ظلت تتحقق طوال أكثر من ثلاثين عاما ، وآخرها هذا العدوان الإسرائيلي الوحشي على غزة .
#لماذا_استمرت_معاهدة_السلام_رغم_مساوئها
لأن الرئيس الأمريكي الصهيوني الخبيث استطاع أن يخصص حسنة لفئات قليلة العدد لتتولى حماية المعاهدة وتضمن استمرارها مقابل هذه الحسنة على حساب كل أمة ( لا إله إلا الله محمد رسول الله ) .
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق