قراءة تحليلية لكتاب ثنائية الوجود ( ٢ )
أولا يجب أن نعطى كل ذى حق حقه وننزل الناس منازلهم ومصداقا لقوله تعالى " ولاتنسوا الفضل بينكم ., يجب أن نشيد ونفتخر بكاتبنا الرائع الاستاذ محمد العمدة وانه لشرف وعلو منزلة لبلدتنا المباركة أن يكون لدينا كاتب مبدع يمتلك شجاعة فائقة على الكتابة والبحث واصطياد الافكار الابداعية وكما فعل سلفا فى كتابه الشهير ( قسطنطين امبراطور التوحيد الاسلامى ) جاء اليوم بفكرة جديدة فى كتابه ( ثنائية الوجود ) والذى استمتعت بقراءته عدة مرات ., وهالنى واسعدنى سعادة بالغة بقدرته على تقديم رؤى جديدة وفريدة والابتعاد عن تقليد الأخرين فى الاعمال الفكرية والإبداعية ., ولاحظت اهتمامه الكبير بالتفاصيل وقدرته الفائقة على البحث والتحليل علاوة على التطرق بشجاعة منقطعة النظير لموضوعات فريدة قد حيرت العقول والافهام من قبل , لاستكشاف واستجلاء الحقائق وكشف اللثام عن جوانب لم يكتشفها من سبقوه ., ثانيا كتاب ( ثنائية الوجود ) وعدد صفحاته مائتان واربعون صفحة بطباعة فاخرة وتم طبعه بدار نشر ( كتبنا kotobna ) ويحتوى على اربعة عشرة فصلا واستهل كاتبنا كتابه برسالة لروح والده ووالدته رحمهما الله ثم علاوة على اهداء وخاتمة ., فى الفصل الاول تناول بإستفاضة " ثنائية الوجود خطيئة ابن عربى ومصطفى محمود " وكان هجومه ونقده يصب بجام غضبه واستنكاره على الدكتور مصطفى محمود رحمه الله فى أغلب السطور وبرغم أن تلك الخطيئة التى ارتكبها الدكتور مصطفى محمود والتى أوردها فى تأملاته عن جواهر وذوات المخلوقات الموجودة مع الله ولها صفة القدم والأزلية ماهى الا نتاج عقلى ضال انتجه الدكتور مصطفى محمود قبل رحلته مابين الشك والايمان وتراجع عنه أواخر ايامه و بحثت كثيرا فى هذه النقطة وتأكدت من ذلك ., ثم جاءت فكرة " ثنائية الوجود التى تخالف عقيدة التوحيد فى فصل الكتاب الثانى " ثم أورد كاتبنا أراء ابن قيم الجوزية والامام ابوحامد الغزالى فى فلسفة وفكر ابن عربى وقدم الوجود واعتبار أن كلامه افك وانه زنديق ملحد ولايتصور أن يثنى أحدا على افكاره إلا كافر ملحد أو جاهل ضال ., دعم كاتبنا ضلالة ابن عربى بالامامين العظيمين ابن قيم الجوزية وابوحامد الغزالى ., ونسى جهلا أو متعمدا أن هناك كثير من الأمة القدامى والمحدثين استحسنوا افكار محى الدين بن عربى واعتبروه امام الصوفية الأكبر امثال الرازى وابن الرشد والعز بن عبدالسلام وفريد الدين العطاروشهاب الدين السهرودى وجلال الدين الرومى وابن حجر العسقلانى والقاضى الفقيه كمال الدين الزملكانى وابوحيان الاندلسى والفقيه المحدث على بن محمد الباجى الشافعى المتوفى سنة 714 هجرية والذى له تصنيف يرد فيه على ابن القيم الجوزية وابن تيمية ايضا ., وحتى فى عصرنا الحديث هناك الكثير من دافع عن فكر بن عربى وانتفوا عنه الكفر والردة ., وانا هنا لست مدافعا عن ابن عربى ولست ممن يعتننق الفكر الصوفى ولست من انصار فلسفة الميتافزيقا والماورئيات من الاساس ., ولكنى مجرد ناقل ., وفى فصل أخر استعرض كاتبنا تطابق افكار ابن عربى مع فكر القديس توما الاكوينى., وتحدث فى فصل أخر عن الكشوفات الالهية لأبن عربى وخطورتها وتحدث عن ازلية السيد المسيح والسيدة مريم العذراء عليهما السلام فى اللاهوت المسيحى وألوهية السيدة مريم لدى الاقباط الفاتيكان والارثوذكس وفى فصل أخر تناول احكام التوحيد عند الموحد أريوس والذى كان قد سبق أن خصص له مساحة كبيرة فى كتابه قسطنطين امبراطور التوحيد الاسلامى , فى فصل اخر تكلم الاستاذ محمد العمدة عن ابداعات محى الدين بن عربى فى مجال عقيدة التوحيد فى الاسلام ., وأختتم كاتبنا كتابه بفكرة " أن الله قد خلق الانسان على صورته " الكتاب فى فكرته عبارة عن قنبلة فكرية قادرة على توليد الأفكار الجديدة وتحويل مسار النقاشات والابحاث بشكل فريد واحداث ثورة فى طريقة النظر والبحث فى موضوع قد قتل بحثا قديما واستهلك الأقدمون كل مالديهم من أدوات فى طرق البحث والتفكير وسارت عليه جدليات سرمدية وحروب فكرية مابين فريق مؤيد وأخر معارض ., واحتاج اليوم لطريقة جديدة ابداعية تساعد على خلق افكار جديدة تساعد الحيارى والمتشككين للوقوف على الحقائق الكاشفة والبراهين الساطعة كى تضع الأمور فى نصابها ., ولكنى فى النهاية وبعد قراءتى للكتاب وقراءة الكثير من افكار الامام محى الدين بن عربى وقراءة كتابى الوجود والعدم للدكتور مصطفى محمود رحمهما الله قد تبين الله بأن الاستاذ محمد العمدة كان محقا فى كثير مما كتبه فى كتابه ولكنه لم يوفق تماما فيما ورد فى تذييل عنوان كتابه بعبارة ( خطيئة ابن عربى ومصطفى محمود ) ولا أدرى كيف تتملكنى الشجاعة الادبية الأن كى اراجع الكاتب فى هذه العبارة بالذات ., ولكننى لدى قناعات ومعتقدات فكرية نشأت عليه منذ أن كنت أحبو صغيرا فى عالم القراءة والمطالعة فى جميع صنوف الكتب والادب ., وهى ترتكز على مقولة قرأتها للفليسوف الصينى قديما ( سأفتح نوافذى للرياح على ألا تقتلعنى من مكانى ) والمقصود هنا رياح الافكار والمعتقدات طالما أنا ثابت وعلى يقين مما أعتنق من افكار ., وهناك ملايين بل مليارات الافكار السليمة منها والشاذة والتى تبناها فلاسفة عرب ومسلمين وغربيون طرحت الفكر السليم منه والسقيم والسوى والغير مقبول والمفيد منها والضال المضل ., وهناك افكار فيها الكفر البواح الذى يجب دحضه وانكاره ., وهناك الافكار التى تحمل مضامين كثيرة ورموز واشارات عديدة وظاهرها ليس كباطنها ., وهذا كان منهاج الامام محى الدين بن عربى فى جميع تصانيفه وكتبه ., يجعل مراهقى الفكر فى حيرة مما يقرأون وبرعونة شديدة يذهبوا الى زندقته وتكفيره ., ولدى ايمان بأن كل كاتب وكل اديب وكل مفكر من الذين مروا على تاريخ البشرية دأبوا واجتهدوا وانتجوا لنا من عصارة افكارهم لأصلاح العالم والبشرية وماأشبههم بأنبياء يرفعون بشعلة العلم والنور لإصلاح العالم وتقديم افكارا تعالج واقعهم مثلما حدث فى الثورة الفكرية فى عصر التنوير والذين اشعلوا ثورة العقل والعلم والحرية والتسامح واعقب ذلك ثورة صناعية وتكنولوجية هائلة أدت لما نحن فيه الان من تقدم ورقى ., ولا أجد هنا أعظم من ابن عربى والدكتور مصطفى محمود فيما اسهموا بأفكارهم لرقى ورفعة وسمو البشرية ومن الاجحاف والظلم تخطيئهم وزجرهم ووضعهم فى مواضع لاتليق بمكانتهم الساطعة الرائعة والله يعلم وأنتم لاتعلمون ., وفى النهاية سنترك المجال فى هذا المنشور المتواضع لكاتبنا ومفكرنا العبقرى الاستاذ محمد العمدة كى يطلعنا ويفيدنا بما لم نستوعبه ونفهمه من بين سطوره ويزيل عنا غمامة الجهل وغشاوة الألتباس وكى نستفاد من علمه وفكره نفعنا الله بعلمه ., والله الموفق لرفعة كلمة الحق وراية التوحيد ..
سعيد الكوممباوى فى 22 اكتوبر 2025

ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق