السبت، 21 مايو 2016

السيسي وقانون عسكرة الصحافة والإعلام . ( 1 )





الانجليز أثناء احتلالهم لمصر كانوا يسيطرون علي الأوضاع من خلال تعيين كبار المسئولين في كل مجال والسيطرة من خلالهم علي الخاضعين لهم ، وهي نفس السياسة التي انتهجها العسكر في حكم مصر منذ الخمسينات .
العسكر في مصر لم يتركوا مسئولا يُعين في وظيفة قيادية دون أن يكون باختيارهم وخاضعا لهم ، حتي المؤسسات المنتخبة زوروا نتائجها حتي يختاروا المنتفعين والمتسلقين الذين يفعلون ما يؤمرون مقابل تحقيق مصالح خاصة ، فقد فعلوا ذلك في انتخابات مجلسي الشعب والشورى والنقابات والاتحادات وغيرهم ، حتي شيخ الأزهر والمفتي جعلوا تعيينه بقرار من رئيس الجمهورية .
وعلي ضوء هذه الخلفية يمكن لنا أن نفهم أسرار القانون الموحد لتنظيم الصحافة والإعلام .
بالقطع أي عاقل يدرك أن السيسي ونظامه العسكري الذي أصدر أكثر من ثلاثمائة قانون لإحكام سيطرة المؤسسة العسكرية علي مصر أرضا وبحرا ونيلا وشعبا وثروة لا يمكن أن يكون قد قصد من القانون الموحد لتنظيم الصحافة والإعلام خيرا سواء للشعب أو للصحفيين أو الإعلاميين .
أي عاقل يعلم بالتأكيد أن الهدف من القانون هو إحكام السيطرة علي الصحافة والإعلام حتي لو انطوي القانون علي بعض النصوص البراقة التي يمكن أن تخدع الجميع ، ثم يكتشفوا أسرار نصوص أخري لم يعيروها اهتماما بعد أن يتم تطبيقها عملا مثلما حدث ورأينا أن مصطلح الإرهاب والجماعة الإرهابية قد تم استخدامه ضد الشباب الذين تظاهروا في جمعة الأرض ضد بيع جزيرتي تيران وصنافير .
وفيما يلي توضيح بعض الأسس التي انطوي عليها القانون وتهدف إلي سيطرة العسكر علي الصحافة والإعلام في مصر بشكل كامل ومطلق :

أولا : رئيس الجمهورية يعين كافة قيادات الصحافة والإعلام .

المؤسسات القيادية للصحافة والإعلام التي وردت في مشروع القانون الموحد لتنظيم الصحافة والإعلام هي :
- المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام .
- الهيئة الوطنية للصحافة .
- الهيئة الوطنية للإعلام .
يختص المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام وفقا للمادة ( 130 ) :
( يهدف المجلس إلى تنظيم شئون الإعلام المسموع والمرئي والرقمي ، وتنظيم الصحافة المطبوعة والرقمية وغيرها ، وحماية حرية الصحافة والإعلام فى إطار من المُنافسة الحرة ، وعلى الأخص ما يأتي :......... )
لذلك حرص العسكر علي أن يكون تعيين أعضاء المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام بقرار من رئيس الجمهورية ، حيث نصت المادة ( 133 ) علي أن :
( يشكل المجلس بقرار من رئيس الجمهورية من سبعة عشر عضوًا ، يختارون على الوجه الآتي :....)
وبعد النص علي تعيين أعضاء المجلس الأعلى للإعلام بقرار جمهوري ، تم منحه كافة السلطات علي جميع الخاضعين لأحكام القانون سواء في مجال الصحافة أو الإعلام ، حيث نصت المادة (157) علي أن :
( القرارات الصادرة من المجلس واجبة النفاذ وملزمة لجميع الجهات والكيانات المخاطبة بأحكام هذا القانون .)
كما تختص الهيئة الوطنية للصحافة وفقا للمادة ( 163 ) بالآتي :
( تهدف الهيئة إلى إدارة المؤسسات الصحفية المملوكة للدولة وتمارس حقوق الملكية عليها، وتطويرها، وتنمية أصولها، وضمان تحديثها، واستقلالها، وحيادها، والتزامها بأداء مهني وإداري واقتصادي رشيد ، وعلى الأخص: - ...... )
لذلك حرص العسكر علي أن يكون تعيين أعضاء الهيئة الوطنية للصحافة بقرار من رئيس الجمهورية ، حيث نصت المادة ( 166 ) علي أن :
( يتولى إدارة الهيئة مجلس إدارة يُشكل بقرار من رئيس الجمهورية ، من خمسة عشر عضوًا على النحو الآتي:  ....)
كما تختص الهيئة الوطنية للإعلام وفقا للمادة ( 190 ) من القانون بالآتي :
( تهدف الهيئة إلى إدارة وتنظيم المؤسسات الإعلامية المرئية والإذاعية والرقمية المملوكة للدولة وتمارس حقوق الملكية عليها ، لتقديم خدمات البث ، والإنتاج التليفزيوني والإذاعي والرقمي والصحفي ، والخدمات الهندسية المتعلقة بها ، وعلى الأخص ما يأتي : ..... )
لذلك حرص العسكر علي أن يكون تعيين أعضاء الهيئة الوطنية للإعلام بقرار من رئيس الجمهورية ، حيث نصت المادة ( 193 ) علي أن :
( يتولى إدارة الهيئة مجلس إدارة يُشكل بقرار من رئيس الجمهورية ، من خمسة عشر عضوًا على النحو الآتي : .......)
ولمن أراد أن يتنبأ بكيفية عمل هذه المؤسسات مستقبلا - في ظل تعيين أعضائها بقرارات جمهورية - في خدمة دولة العسكر يمكنه أن يتذكر مواقف شيخ الأزهر ومفتي الجمهورية ورؤساء الجامعات وغيرهم من القيادات التي يعينها رئيس الجمهورية بما فيها تلك المنوط بها إحقاق الحق ونشر العدل بين الناس .

ثانيا : للمجلس الأعلى للإعلام منع تداول الصحف ومنع المواد الإعلامية .

في نص من النصوص القانونية الفضفاضة التي اعتدناها في قوانين دولة العسكر والتي يمكن استخدامها لمنع تداول الصحف أو الفضائيات ، نصت المادة ( 4 ) من القانون علي أنه :
( يجوز للمجلس الأعلى للحفاظ على الأمن القومي أن يمنع مطبوعات ، أو صحف ، أو مواد إعلامية ، صدرت أو جرى بثها من الخارج ، من الدخول إلى مصر أو التداول أو العرض ، و يجوز للمجلس أن يمنع تداول المطبوعات أو المواد الإباحية ، أو التى تتعرض للأديان و المذاهب الدينية تعرضا من شأنه تكدير السلم العام بما فى ذلك المواد التى تحض على التمييز والعنف والعنصرية والكراهية والتعصب . وفى هذه الحالة يجوز لصاحب الشأن أن يلجأ للقضاء. )

ثالثا : إنشاء الصحف والفضائيات حكر علي أصحاب رؤؤس الأموال .

رغم ما نص عليه دستور الانقلاب من أن إنشاء الصحف بالإخطار ، إلا أن مشروع القانون وضع من القيود المالية الثقيلة ما يجعل إنشاء الصحف والفضائيات حكرا علي أصحاب رؤوس الأموال سواء من رجال الأعمال أو كبار رجال الدولة العميقة .
ففيما يتعلق بإصدار الصحف نصت المادة ( 43 ) علي أن :
( ملكية المصريين من أشخاص طبيعية أو اعتبارية ، عامة أو خاصة للصحف الورقية أو الإلكترونية مكفولة طبقًا للدستور والقانون.  ويشترط فى الصحف التى تصدرها الأشخاص الاعتبارية الخاصة أن تتخذ شكل تعاونيات أو شركات مساهمة ، وتكون الأسهم جميعًا فى الحالتين اسمية ومملوكة للمصريين وحدهم ، ولا يقل رأس مال الشركة المدفوع عن ثلاثة ملايين جنيه إذا كانت الصحيفة يومية ، ومليون جنيه إذا كانت أسبوعية ، و(500) ألف جنيه إذا كانت شهرية ، و(500) ألف جنيه للصحيفة الالكترونية ، و(500) ألف جنيه للصحيفة الإقليمية اليومية و (200) ألف جنيه للأسبوعية و (100) ألف جنيه للشهرية ، على أن تطبع فى مطابع فى ذات الإقليم ولا توزع إلا فى داخله. ويودع رأس المال بالكامل قبل إصدار الصحيفة فى أحد البنوك المصرية. )
وفيما يتعلق بإنشاء القنوات الفضائية نصت المادة ( 58 ) علي أن :
( ...... ولا يقل رأس مال الشركة عن خمسة وعشرين مليون جنيه للقناة التليفزيونية الإخبارية أو العامة ، وخمسة عشر مليون جنيه للقناة التليفزيونية المتخصصة ، وسبعة ملايين جنيه للمحطة الإذاعية الواحدة ، ونصف مليون جنيه للمحطة أو القناة التليفزيونية الرقمية على الويب ،.... إلخ )

رابعا : القانون يضع قيودا لمنع تراخيص الفضائيات التي يرفضها العسكر .

حتي إذا استطعت تدبير الملايين المطلوبة لإنشاء قناة فضائية ، فقد وضعت لك دولة العسكر من القيود ما يكفل منع الترخيص إذا لم تكن من عبيد العسكر ، فقد نصت المادة ( 68 ) علي أنه :
( لا يجوز الترخيص بإنشاء وسائل إعلامية مرئية أو مسموعة أو رقمية على أساس تمييز ديني أو مذهبي , أو بناء على التفرقة بسبب الجنس أو الأصل ، أو على أساس طائفي أو عِرْقي ، أو تعصب جَهوي ، أو على دعوة إلى ممارسة نشاط معادِ لمبادئ الديمقراطية ، أو على نشاط ذي طابع سري ، أو تحريض على الإباحية ، أو على الكراهية والعنف والتمييز بين المواطنين . كما لا يجوز الترخيص بإنشاء محطات إذاعية وتليفزيونية على أساس حزبي. )
فقد انطوي النص كعادة تشريعات العسكر علي العديد من المصطلحات الفضفاضة بقصد تمكينهم من رفض الترخيص لأي جهة لا يرغبون فيها .

خامسا : القانون يمنع الأحزاب السياسية من ترخيص فضائيات أو إذاعات .

وحتي تستمر الأوضاع كما كانت عليه طوال حكم العسكر ، بحيث يتحكم العسكر في الصحف القومية وفضائيات الدولة بينما يغلقون أبواب الإعلام في وجه أي أفكار أخري تعارض أفكارهم التي أدت إلي انهيار مصر وتدهور أحوال العالم الإسلامي كله نصت الفقرة الأخيرة من ( 68 ) سالفة الذكر علي أنه :
( كما لا يجوز الترخيص بإنشاء محطات إذاعية وتليفزيونية على أساس حزبي. )
وفي قيد آخر نصت المادة ( 73 ) علي أنه :
( لا يجوز بث المواد المسموعة والمرئية والرقمية على الهواتف الذكية ، قبل الحصول على ترخيص من المجلس الأعلى . )

سادسا : للمجلس الأعلى للإعلام حق إلغاء القناة الفضائية .

رغم كل هذه القيود علي منح الترخيص لم يكتف العسكر بذلك بل أعطوا أنفسهم الحق في إلغاء الفضائية التي لا تروق لهم ، حيث نصت المادة ( 74 ) علي أنه :
( للمجلس الحق فى إلغاء ترخيص البث الإعلامي فى الأحوال الآتية:  
- ...........
- إذا فقد المرخص له شرطًا من شروط الترخيص المحددة فى هذا القانون ، أو خالف حكمًا من أحكامه (.
ونستكمل في المقال القادم توضيح باقي مقاصد العسكر من وراء إصدار القانون الموحد لتنظيم الصحافة والإعلام .
وكيل لجنة الشئون الدستورية والتشريعية ببرلمان الثورة .





























ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق