طال عليم الأمد فقست قلوبهم
يقول الله عز وجل :
أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ
اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا
الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۖ
وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ
الحديد
- (16)
وعن تفسير قوله تعالى ( فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ
قُلُوبُهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ ) يقول القرطبي :
قال ابن مسعود :
" إن بني إسرائيل لما طال عليهم الأمد قست قلوبهم ، فاخترعوا
كتابا من عند أنفسهم استحلته أنفسهم ، وكان الحق يحول بينهم وبين كثير من شهواتهم
، حتى نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون ، ثم قالوا : أعرضوا هذا
الكتاب على بني إسرائيل ، فإن تابعوكم فاتركوهم وإلا فاقتلوهم ، ثم اصطلحوا على أن
يرسلوه إلى عالم من علمائهم ، وقالوا : إن هو تابعنا لم يخالفنا أحد ، وإن أبى
قتلناه فلا يختلف علينا بعده أحد ، فأرسلوا إليه ، فكتب كتاب الله في ورقة وجعلها
في قرن وعلقه في عنقه ثم لبس عليه ثيابه ، فأتاهم فعرضوا عليه كتابهم ، وقالوا :
أتؤمن بهذا ؟ فضرب بيده على صدره ، وقال : آمنت بهذا - يعني المعلق على صدره -
فافترقت بنو إسرائيل على بضع وسبعين ملة ، وخير مللهم أصحاب ذي القرن ...."
كما أورد ابن كثير في تفسيره حديث نبوي بذات المعنى .
ويتضح لنا مما سبق أن مجموعة من اليهود من أصحاب السلطة والقوة أرادوا
التخلص من التوراة سعيا للخلاص من الأوامر الإلهية التي تعرقل مصالحهم وشهواتهم
غير المشروعة ، فأخفوا كتاب الله عز وجل ،ووضعوا كتابا محرفا ، وقرروا قتل كل من
لا يقر كتابهم المحرف ، وأسرفوا في القتل ، ولكن ولأن نواميس الله عز وجل
وتشريعاته لا تتغير ، كانت النتيجة هي انتشار الفتن والقتل وانقسام اليهود إلي
اثنتي وسبعين فرقة.
ليس ذلك فحسب ، بل قال جل وعلا : ( أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ
اللَّهُ ۖ وَمَن يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا )
النساء - (52)
ليس ذلك فحسب ، بل قال جل وعلا :
( وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ ۗ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ ۖ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ )
الأعراف
- (167)
ليتعرضوا لضربات البابليين والأشوريين ثم ضربات الرومان التي طردتهم
من الأرض المباركة لتشردهم في جميع أنحاء الكرة الأرضية ، وهذا ما يؤكده قول الله
عز وجل :
( وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ
فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا )
الإسراء - (104)
وحتى بعد الشتات لم يجدوا الراحة والسكينة ، وإنما لازمهم الاضطهاد
أينما حلوا وليس اضطهاد الرومان أو " هولوكوست هتلر" منا ببعيد.
فهل من معتبر ، أم أن الاعتبار لا يحدث إلا بعدما يعيد التاريخ دورته
حتى نهايتها .
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق