الثلاثاء، 29 يونيو 2021

 

عندما يتراجع العلماء تفسد الأرض






قال الله عز وجل :

( وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ )

آل عمران - (146)

وعن معنى كلمة ( ربيون ) الواردة في الآية الكريمة يقول الطبري في تفسيره : اختلف أهل التأويل في معنى ( ربيون ) ، ثم أورد العديد من الأقوال مفادها أن الربيين هم العلماء ،
قال بذلك ابن عباس ، و ا لحسن و جعفر ، كما ذكر أقوالا أخرى مفادها أن كلمة ( ربيون ) تعني جموع كثيرة ، وهي نفس المعاني التي ذكرها ابن كثير في تفسيره.

والراجح أن كلمة ربيين تعني العلماء الفقهاء ، إذ لو كان المعنى المقصود جموع كثيرة أو ألوف لكان في كلمة كثير التي تلتها غنى عنها.

ومن جهة أخرى وفضلا عن الآيات الكثيرة التي ميزت وفضلت الذين يعلمون عن الذين لا يعلمون ، فقد ضرب الله عز وجل لنا أمثلة مفادها أن العلماء هم من يتصدون إذا تعرض الدين للانتهاك أو تعرض المؤمنون للاعتداء ، من ذلك قوله تعالى:

وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ ۖ وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ ۖ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ

                     سورة غافر - (28)

فالآية الكريمة تكشف لنا أن "مؤمن آل فرعون" كان مؤمنا عالما فصيح اللسان ويمتلك قدرة على الإقناع بالمنطق ، وفوق كل ذلك ورغم أنه كان يكتم إيمانه ، اندفع بقوة لإغاثة موسى من المكر به والتدبير لقتله ، فضلا عن حرصه على قومه من التعرض لعذاب الله ، حسبما أخبرنا الله عز وجل في الآية التالية بقوله جل وعلا:

( يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ اللَّهِ إِن جَاءَنَا ۚ قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ (29)

وهو نفس الدور الذي هب "مؤمن آل يسن" للقيام به ، حين أسرع لإنقاذ الرسل الثلاثة المرسلين إلى قومه عندما همّ قومه بقتلهم ، وعندما قتله قومه بشره الله بالجنة قبل خروج روحه ، حيث يقول الله عز وجل:

( وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ *اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ * وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ * إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ * قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ )

                     [يس:20-27]

لا شك في أن قصة مؤمن آل فرعون وقصة مؤمن آل يسن توضحان لنا معنى قول الله عز وجل :

( وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ )

                      البقرة - (251)

وهذه الآية الكريمة تعني أنه عندما يتراجع العلماء ، وهم قرون استشعار الأمة ، ويعمدون للإختفاء تفسد الأرض ، لذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:

( مَن كتمَ علمًا ألجمَهُ اللَّهُ يومَ القيامةِ بلجامٍ من نارٍ )

                 صححه الألباني

هذا فضلا عن حديث ( به فابدأ ) والذي جاء في العديد من مصادر الحديث ، وصححه بعض العلماء ، وضعفه البعض ، وجعله البعض في حكم الأثر ، حيث ورد عن  سُفيان بن عيينة عن سُفيان بن سعيد عن مِسْعَر قال : 

( بَلَغَنِي أنَّ مَلَكًا أُمِر أن يَخْسِف بِقَرْيَة ، فقال : يا رَبّ فيها فُلان العَابِد ، فأوْحَى الله تعالى إليه أن بِـه فَابْـدَأ ، فإنه لَم يَتَمَعَّر وَجْهُه فيَّ سَاعَة قَط .)

وورد ذات الأثر عن مالك بن دينار :

( إن الله عز وجل أمَرَ بِقَرْيَة أن تُعَذَّب ، فَضَجَّتِ الْمَلائكَة ، قالت : إنَّ فِيهم عَبدك فُلانا . قال : أسْمِعُونِي ضَجِيجَه ، فإنَّ وَجْهَه لَم يَتَمَعَّر غَضَبًا لِمَحَارِمِي ).

إن التصدي للفساد هو من السمات الأساسية للأمة الإسلامية ، وفي ذلك يقول الله عز وجل:

( كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ  )

 

 

 

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق