الثلاثاء، 27 ديسمبر 2016

خِنْجَرُ السيسي في ظهر الوحدة الوطنية.





الوحدة الوطنية هي الحياة المشتركة بين الفئات المختلفة لأي شعب من الشعوب القائمة علي المودة والمشاركة في كافة شئون الحياة ، تلك المودة التي لا ينال منها اختلاف الأديان ولا الأعراق ولا المذاهب السياسية ، فهي مودة بين أبناء شعب واعي مثقف يؤمن بأن الاختلاف سنة من سنن الحياة لها حكمتها عند الله عز وجل الخالق الحكيم ، فهو جل وعلا الذي قال :
(وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ) سورة هود – 118
الوحدة الوطنية هي صمام الأمان لأي شعب من الشعوب ، لذلك فالقضاء عليها هو الهدف الأول لأي مستعمر يريد أن يحتل قطرا وينهب ثرواته أو مستبد يريد أن يهيمن علي شعب ، وقد رأينا كيف رفعت الحملات الصليبية الصليب وزعمت أنها جاءت لحماية المسيحيين من الاضطهاد ، بينما فيما وراء الكواليس قال البابا أوربان الثاني لمسيحي الغرب – في خطبته الشهيرة عام 1095م - أن أرض فلسطين هي أرض اللبن والعسل كما يقول الكتاب المقدس ، إنها أرض سعة الرزق بدلا من بلادكم التي تحاصرها البحار والمحيطات والجبال وتعانون فيها ضيق الحال وتقتلون بعضكم البعض من أجل صراع الأمعاء .
ورأينا كيف استعان هولاكو زعيم التتار بابن العلقمي الشيعي الخائن ليسهل له بخيانته دخول بغداد وتدمير مقر الخلافة ، ثم بعد أن دخلها هولاكو دمرها تدميرا شاملا لم يرحم فيها شيعيا ولا سنيا.
ورأينا الحملة الفرنسية كيف سعت لاستقطاب المسيحيين وتفرق بينهم وبين المسلمين حتي تصبح لهم السيادة علي الجميع ، وكان المعلم يعقوب القبطي في عهد الاحتلال الفرنسي مثالا علي هذه السياسة الاستعمارية الثابتة .
ويبدو أن ما فعلته الحملة الانجليزية في ملف الوحدة الوطنية هو الأقرب للدور الذي قام ويقوم به العسكر منذ انقلاب 3/7/2013م حتي الآن ، فالانجليز الذي استمروا في مصر قرابة الأربعة وسبعين عاما استعانوا ببعض المسيحيين لدعم الاحتلال ، وهو ما يدعوني إلي الاستناد لمقال سابق لي قلت فيه :
 أما عن دور الأقباط وموقفهم من الاحتلال الإنجليزي ، فيقول الدكتور / أحمد غباشي :
فقد عملت بريطانيا منذ بداية احتلالها لمصر على إتباع عدة سياسات من أجل إحكام السيطرة على مفاصل الدولة المصرية ، أهمها صبغ كل مؤسسات الدولة بالصبغة الإنجليزية ، والسيطرة على الحاكم من خلال مبدأ إننا لا نحكم مصر بل نحكم من يحكمون مصر ، وكانت السياسة الأهم هي سياسة فرق تسد بين عنصري الأمة من المسلمين والأقباط .
رحب بعض الأقباط بالقدوم الإنجليزي على مصر الذين توقعوا عهداً جديداً من الحرية بقدوم البريطانيين الذين يشاركونهم الدين ، وقد أوضح الدكتور جلال يحيى في كتابه المدخل في تاريخ العالم العربي الحديث ( أن الاستعمار البريطاني استغل هذه الظروف من التناقض بين عنصري الأمة في زيادة احتدام نيرانها ، وأوعز بأن الحركة الوطنية تعني إخضاع الأقلية المسيحية لحكم إسلامي ).
ويتابع الدكتور/ أحمد غباشي قائلا :
حادثة دنشواي كانت بداية الشقاق ، فقد كان من نتائج هذه الحادثة اشتداد ساعد الحركة الوطنية ، وظهور الأحزاب ، فعمد الإنجليز إلى إيجاد نوع من الخلاف بين المسلمين والأقباط لضرب الحركة الوطنية ، محاولين الإيهام بأنه لا حياة لهم إلا في ظل الاحتلال ، وبالتالي تنشغل الأمة المصرية بقضية أخرى غير التفكير في الجلاء والاستقلال .
ومن أسباب الشقاق أيضا ما زعمته إيطاليا من أن مشروع الجامعة الإسلامية لمصطفى كامل وحركته الوطنية ذو مضمون طائفي على الرغم من وجود بعض الأقباط مثل ويصا واصف باشا.
ومن أسباب الفتنة أيضا الحزب المصري لأخنوخ فانوس زعيم الطائفة الإنجيلية الذي تلقى تعليمه في المدرسة الإنجيلية بأسيوط ، وأكمله بالجامعة الأمريكية ببيروت ، وهو أحد أسباب وأوائل من أحدثوا شقاق طائفي في مصر ، رغم كونه غير تابع للكنيسة القبطية الأرثوذكسية دينا وتعليماً ، إذ تربى في أحضان إرساليات التبشير الأجنبية.
كانت الصحافة مسرحاً آخر للفتنة الطائفية والحرب الكلامية ، وكانت صحيفتي تادرس المنقباوي (مصر) و (الوطن) لسان حال الأقباط ، في المقابل كانت المؤيد للشيخ على يوسف اللواء لسان الحزب الوطني .
وبدأ الاستفزاز من جريدتي مصر والوطن في نشر المقالات المسيئة للإسلام والتي تهاجم الإسلام هجوماً عنيفاً ، بالإضافة إلى نشر سيل من البرقيات مثل ( قلق الأقباط العظيم ) ( ما يجب على الأقباط ) ومنها من رأى الالتجاء إلى دولة قوية لتكون عنصراً للأقباط ، ومنهم من رأى اللجوء إلى وزير خارجية إنجلترا ، والمعتمد البريطاني .
في 22مايو 1908: نشرت ( مصر ) مقالة تهاجم فيها من وطئت أقدامهم أرض مصر من بدء الإسلام إلى اليوم العرب و الترك و الفرنسيين والإنجليز ، وهاجمت فكرة الجامعة الإسلامية .

في 15يونيه 1908 نشرت جريدة الوطن مقالة للصحفي فريد كامل بعنوان ( الإنسانية تتعذب ) أساء فيه للتاريخ الإسلامي ، وجاء الرد من الشيخ عبد العزيز جاويش بمقالة في جريدة اللواء بعنوان ( الإسلام غريب في بلاده ) تكلم فيها بلهجة قاسية.
كان أخنوخ فانوس قد أنشأ الهيئة التي سميت مجتمع الإصلاح القبطي وجعل وظيفتها إشعال روح الفرقة بين المسلمين والأقباط .
في يناير 1910 دعا لطفي السيد إلى الاحتفال بعيد الهجرة النبوية وحضر الاحتفال ( مرقص حنا ) ووقف خطيباً يقول :
أن السنة الهجرية سنة المصريين جميعاً يحتفل المسلمون والمسيحيون ، لأنه احتفال الدين شريف مبدؤه ، إن محبة الوطن من الإيمان وعلى هذا المبدأ أقول إنني مسلم ومسلم ، مهما قيل ويقال عن تقاطعنا وتدابرنا ، فنحن أخوان في الوطن ، فإذا حدث خلاف بين مصريين ومصريين فلا يعد ذلك دليلاً على عدم وجود إخاء ، وإنما هو من مستلزمات الحياة .
وقد شنت جريدة الوطن هجوما عليه وأسمته يهوذا الإسخريوطي .
ويتابع الدكتور / أحمد غباشي قائلا :
ومن أسباب الفتنة أيضا حادث اغتيال بطرس غالي ، ولعل من أسباب إسناد الخديوي عباس حلمي لبطرس غالي تشكيل الوزارة 1908 ، هو أن يثبت لأوروبا أنه لا توجد في مصر أزمة طائفية.
وقد أُغتيل بطرس غالي على يد الشاب المصري إبراهيم الورداني في 21 فبراير 1910والذي قيل أنه كان من أعضاء جمعية سرية تدعى جمعية التضامن الأخوي ، وتعتبر هذه الحادثة هي أولى حوادث الاغتيالات السياسية التي وقعت في تاريخ الحركة الوطنية في العصر الحديث باستثناء حادث اغتيال الجنرال كليبر ، وقد أورد الورداني في التحقيقات أسباب الاغتيال فيما يلي :
1) اتفاقية الحكم الثنائي على السودان 1899 عندما كان وزيراً للخارجية.
2) أن بطرس غالي رأس محكمة دنشواي 1906 والتي أصدرت أحكامها الجائزة باعتباره وزيراً للحقانية بالنيابة.
3) سعيه لمد امتياز قناة السويس 40 عاماً.
زعمت الصحف القبطية أن الدافع وراء ارتكاب الجريمة هو التعصب الديني ، وأن بطرس غالي لم يقتل إلا لأنه قبطي ، وراحت تكيل التهم للمسلمين عامة وللحزب الوطني ورجاله وصحافته خاصة.......
وفي غضون هذه الأزمة أخذت الصحف القبطية تدافع عن الاحتلال ووجوده في مصر ، حيث دعت جريدة "مصر" إلى التسبيح بحمده لأن في ذلك حماية للأقباط ، وأن الأقباط كانت حياتهم عرضة للإبادة لو أبطأ المحتلون في دخول البلاد أسبوعاً واحداً.
وأخذت جريدة المقطم تنشر الروايات المختلفة والمهيجة لمشاعر المسيحيين المصريين ، وراح فانوس يدعو للاحتلال وبأنه لا سلامة للأقباط إلا مع الاحتلال .
ونتيجة لتصاعد الأحداث تم الدعوة إلى عقد المؤتمر القبطي سنة 1911 وفي نفس التوقيت تم عقد المؤتمر المصري أو الإسلامي ، وكتب أحمد شوقي داعياً إلى الوحدة الوطنية قائلاً :
تعالوا عسى نطوي الجفاءَ وعهدَهُ
وننبـذُ أسبــابَ الشقــاقَ نــواحـيا
ألم تــكُ مصـرُ مهدنــــا ثم لحدُنا
وبينهـــم كانـــت لكـــــــل مُعانيـا
اعتمد الاحتلال البريطاني على إصدار صحف خاصة مثل جريدة « المقطم » التي أصدرها يعقوب صروف وفارس نمر وشاهين مكاريوس والتي نشرت صراحة على صفحاتها أن الغرض السياسي من تأسيسها معلوم وظاهر، وهو تأييد السياسة الإنجليزية .
لقد كانت جريدة المقطم هي لسان حال الاحتلال الإنجليزي والأقباط معا ، يقول الدكتور محمد عمارة في مقاله " جيوش الثقافة وجيوش الاحتلال " المنشور علي بوابة الأهرام :
ولقد أنشأ هذا الجيش الثقافي ـ بمصر ـ العديد من المنابر الثقافية والصحفية , من أشهرها مجلة المقتطف ـ التي استمرت تصدر من سنة 1876م حتي قيام ثورة يوليو سنة 1952م ، والتي كانت تدس سم الإلحاد في عسل النظريات العلمية الحديثة ، وكذلك صحيفة المقطم التي صدرت سنة 1889م وحتي ثورة يوليو سنة 1952 م ، والتي كانت لسان حال الاستعمار الإنجليزي ودار المعتمد البريطاني بمصر!.. وكان القائمون علي هذه المنابر الثقافية والسياسية هم ـ أيضا ـ من خريجي مدارس الإرساليات الكاثوليكية الفرنسية ـ يعقوب صروف (1852ـ1927م) وفارس نمر(1856ـ1951م) وشاهين مكاريوس (1853ـ1910م ) .
ولأن عبد الله النديم كان أحد المعبرين عن الهوية العربية والإسلامية لذا كتب يصف القائمين علي مجلة المقتطف بأنهم : أعداء الله وأنبيائه والأجراء الذين أنشئوا لهم جريدة جعلوها خزانة لترجمة كلام من لا يدينون بدين , فمن ينسبون معجزات الأنبياء إلي الظواهر الطبيعية والتراكيب الكيماوية , ويرجعون بالمكونات إلي المادة والطبيعة منكرين وجود الإله الحق . وقد ستروا هذه الأباطيل تحت اسم فصول علمية , وما هي إلا معاول يهدمون بها عموم الأديان !
أما صحيفة المقطم ـ العاملة في خدمة الاحتلال الإنجليزي فلقد تحدث النديم عن أصحابها وكتابها فوصفهم بأنهم الأجراء الخونة , عملاء الأجانب الذين خانوا وطنهم وأهلهم وداروا حول أبواب الإنجليز , فخوفوهم من المصريين , حتي أبعدوهم عن الخدمة وحشدوا مكانهم الغرباء حتي كأن ثمرة مصر ما حرمت إلا علي أبنائها ، وهم يستدعون أوروبا علي مصر بدعوي المحافظة علي الأمن والخوف من الحركات الدينية ، فهم أعداء المصريين , العاملون علي شق عصا الاجتماع الشرقي !
هكذا مولت فرنسا العلمانية مدارس الإرساليات الدينية لتخريج الجيش الثقافي المتفاني في خدمة الحضارة المسيحية لأوروبا ، والذي مهد الأرض لجيوش احتلال الأرض ونهب الثروات !
يقول الأستاذ/ محمد شعبان صوان في مقال بعنوان " في ذكري وعد بلفور " وأثناء حديثه عن الشخصيات التي حضرت افتتاح الجامعة العبرية في القدس عام 1925م :
وشاركه في هذا الموقف جريدة المقطم وصاحبها فارس نمر الذي لم يكتف بتأييد الاحتلال البريطاني في مصر ، بل تعداه إلى تأييد الحركة الصهيونية وتبني مواقفها والعمل على تغذية الوعي الصهيوني بين أفراد الطائفة اليهودية في مصر ، وغيرها من البلاد العربية كما يقول الدكتور حسن صبري الخولي في ج 2 ص 3، وكانت المقطم ترى في وضع فلسطين تحت حكم الانتداب ما لا يراه أهل فلسطين أنفسهم وتقارن بين حالة شعب فلسطين تحت حكم العثمانيين وحالته تحت حكم الاحتلال البريطاني بطريقة مناقضة لمقارنات أهل فلسطين التي مر ذكرها ، وهو ما يشير بوضوح إلى انفصال الصحيفة وصاحبها عن قضايا الأمة وتبنيها مصالح الغرب بانحياز حاسم . انتهي حديث الدكتور / أحمد غباشي .
وأقول : للأسف الشديد كنت قد قرأت كتاب " عرابي ورفاقه في جنة آدم "من تأليف الدكتورة / لطيفة محمد سالم أستاذ التاريخ المعاصر - طبعة دار الشروق ، وهو كتاب يتناول الفترة التي قضاها أحمد عرابي ورفاقه في المنفي ، حيث كان من بين ما قرأت فيه رسالة أرسل بها عبد الله النديم خطيب الثورة العرابية لأحمد عرابي يشرح له فيها فرحة بعض الكنائس بالاحتلال الإنجليزي واحتفاؤهم بالضباط والجنود الإنجليز ، رسالة خطيرة في مضمونها وأسلوبها الذي يعكس ما بداخله من حزن وأسي قال فيها :
(( عندما دخل العُدوان وتربع الطُغام في الديوان تجملوا بالثياب وبرموا الأشناب ، انتفخوا بنفس الغير ، ونهقوا بصوت الحمير ، وتنهدوا فرحا ، واختالوا مرحا ، وجردوا سيوفهم التي ما سُلَّت ، وحركوا أيديهم التي قد غُلت ، وقابلوا الإنجليز بالولائم ، وتقربوا إليهم بالجرائم ، وقدم لهم المنافقون النفائس ، وصلَّت لهم النصارى في الكنائس ، وتلقوهم بالموسيقي والمغاني ، وتراقصوا معهم بالغواني كأنهم الظافرون بالإنجليز أو أنهم من غير الوطن العزيز ، وجمعوا نقودا من سائر الناس وصنعوا سيفا "لولسلي" وسيفا "لسيمور" وطبنجتين مرصعتن بالماس وكتب عليها مشير المنافقين " هدية ومعرفة جميل من المصريين " فدونوا لهم تاريخ ذلة بانتصارهم بعدو الملة .
ثم وضعوا الرحمة تحت نعالهم ، وجعلوا القسوة أجمل فعالهم ، وداروا حول حزبنا في البلاد يتصيدونهم في الأصفاد ثم ساقوهم إلي السجون وموارد المنون .
وقد خاطبوا العلماء خطاب الأسافل ، وأخرجوا الأشراف لكنس المزابل ، وأخذوا بالظن والتخمين ، وشنقوا الأبرياء من المسلمين فشنقوا اثني عشر رجلا في طندتا ( طنطا ) بشهادة إمرأة يهودية وتسعة بشهادة إلياس ملحمة في الإسكندرية وغيرهم في غير هاتين ممن لم تطرف لهم في الحركة عين .
وساقوا الشيخ عليشا إمام السنة إلي مستشفي قصر العيني في الدجنة كأنه مجرم أو لفيف أو أنه لم يكن حافظا الشرع الشريف ، وهناك جاءه العدو وسقاه فانتقل إلي رحمة الله وساقوا الشيخ العدوي وبقية العلماء وسجنوهم سجن الأدنياء لا دين يردعهم ولا وطنية تنفعهم ............
وإني لآسف علي يوسف أبي دية في غدوي ورواحي ، فإنه قتل ظلما بشهادة عبد الرحمن فايد وأحمد الصباحي ، وما أحسن ما أبداه من الثبات وهو تحت مشنقة الممات حيث قال له إبراهيم أدهم تريد شيئا نحضره إليك قبل أن يجري القضاء عليك ، فقال له وأي شيء بعد أن قطعتم آمالنا ولكن اليوم لكم وغدا لنا .
كما آسف علي سليمان داود حيث قتل بلا شهود ، ولكنهم خافوا أن يثبت عليهم مذبحة الإسكندرية فعاجلوه بسوق المنية وكلنا بهذين الشهيدين مصابون إنا لله وإنا إليه راجعون .
ولا تسأل عن ظلم مشايخ القري وما ابتدعوه من الافتراء فإنهم شفوا غيظهم من الأفراد وأظهروا كامن الأحقاد ، فكل من كان من حزبنا نهبوه ، وكل عدو لهم إلينا نسبوه ليتشفوا بالانتقام أو بتقديمه إلي الحكام .
ولما انتهي أمر الانتقام بالنفي والإعدام ظن الأعداء أن الجو قد خلا والوقت قد حلا ولم يعلموا أنهم يخادعون الله وهو خادعهم ويصدعون الدين وهو صادعهم فأطالوا النوم والغطيط والله من ورائهم محيط )).
سبحان الله التاريخ يعيد نفسه ، وتشعر أن عبد الله النديم يشرح ما يحدث الآن مع ثوار يناير ، وبعض الأقباط علي نفس الموقف مع الإنجليز ضد ثورة الشعب ، مثلما بعضهم الآن مع العسكر ضد ثورة الشعب من أجل الديمقراطية وإنهاء حكم العسكر .
نفس سياسات المستعمر هي بذاتها وعينها سياسة المستبد ، فكما استعان الانجليز ببعض الشخصيات المسيحية بعضهم من خارج مصر ، وأنشئوا لهم وسائل إعلام وهي الصحف في ذلك الوقت ، ليدافعوا عن الاحتلال وأهمية بقائه بألسنة مصرية ، واستعانوا ببعض رجال الدين المسيحي ممن ذكر عبد الله النديم أنهم كانوا يحتفلون بالضباط الانجليز في الكنائس ، واستغلوا أولئك وهؤلاء في إثارة الفتنة الطائفية في كل حدث يحدث في مصر .
وظلت الصحف المسيحية مستمرة في الإصدار حتي ثورة يناير 1952م ، وبعدها توقفت بالطبع بعد أن زال نفوذ المستعمر وآلته العسكرية الداعمة لها .
لكن للأسف الشديد ، استمر العسكر في نفس سياسة الانجليز التي عاصرها القيادات الأوائل من الضباط الأحرار ، وقرروا أن يستمروا علي نفس النهج يزرعون المخاوف في نفوس المسيحيين المصريين من إخوانهم المسلمين ، وفي ذات الوقت يعتمدون علي المسيحيين في دعم الحكم العسكري لدي الغرب .
كانت هذه السياسة مستترة إلي حد كبير ، لكنها ظهرت علانية  بعد الانقلاب ، كما ظهرت هيمنة العسكر علي كل مؤسسات الدولة العميقة ، وسيطرتهم علي الاقتصاد بشكل لم يكن يتصوره البسطاء من المصريين .
لقد وجه السيسي خنجره في ظهر الوحدة الوطنية المصرية عندما استعان بالبابا تواضروس الذي يفتقد حنكة البابا شنودة المحبوب من كل المصريين مسلمين ومسيحيين لحرصه علي أمن مصر وشعبها واستقرارها ، والذي كان يرفض دائما أن يركن إلي المتشددين من المسيحيين المصريين لإشعال الفتنة علي كل حدث صغير أو كبير من الأحداث اليومية .
وجه السيسي خنجره لظهر الوحدة الوطنية عندما استعان بالبابا تواضروس ليقف معه علي مسرح جريمة الانقلاب ، وحين استعان به لتوجيه المسيحيين المصريين في الخارج لدعم الانقلاب في كافة الدول الغربية ، ليصبح البابا في نظر الكثير من المسلمين ذلك الذي لا تأخذه شفقة ولا رحمة بمن يتم قتلهم أو اعتقالهم أو تعذيبهم من الشباب المسلم المتعلم المثقف الذي لا ذنب له سوي أنه شارك في الحياة السياسية وانتخب من لا يرضي عنه كل من السيسي والبابا .
رسالتي للبابا تواضروس ومن نهجوا نهجه من إخواننا المسيحيين مفادها أن الوحدة الوطنية هي رابطة بين فئات الشعب ، أما أن تتحد فئة من الشعب مع المستعمر أو الحاكم المستبد ضد فئة أخري من فئات الشعب فهي الفتنة الطائفية في أبشع صورها .
أمن المسيحيين في مصر يرجع إلي الإسلام وليس للعسكر ، فالمسلم يعرف قول الله عز وجل : ( لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) سورة الممتحنة – 8 .
المسلم يعرف قول النبي صلي الله عليه وسلم : ( من آذي ذميا فقد آذاني ) ، وقوله صلي الله عليه وسلم : ( من آذي ذميا فأنا حجيجه يوم القيامة ) ، وفي رواية ( فأنا خصيمه يوم القيامة ).

أقول لهم : انزعوا خنجر السيسي من ظهر الوحدة الوطنية ، وعودوا إلي الوحدة الوطنية مع إخوانكم المسلمين ، فإن التحالف بين فئات الشعب باقي ما بقي الشعب ، والشعوب قلما تزول ، أما التحالف مع النظم المستبدة فهو زائل بزوالها ، وزوالها حادث لا محالة لأنه سنة كونية .
انزعوا الخنجر ، فإن الشعوب الآمنة المطمئنة الآن هي تلك الشعوب التي تحولت إلي الديمقراطية ، وزالت منها أنظمة الحكم المستبدة ، وهي صانعة كل فساد واستبداد وإرهاب .

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق