المقدمة الثابتة لهذه السلسلة من المقالات :
" شهادات لا تحصي ولا تعد تكشف وتؤكد أن
الإخوان المسلمين هم من أنشئوا تنظيما سريا بين ضباط الجيش المصري هو نفسه ما سُمي
فيما بعد " تنظيم الضباط الأحرار " ، وحددوا أهدافه في الخلاص من
الملكية المستبدة الفاسدة والاحتلال الانجليزي ، وتحقيق مبدأ الوحدة الإسلامية بين
الدول الإسلامية من خلال التعاون وليس من خلال حكومة مركزية واحدة ، كما تكشف هذه
الشهادات كيف تحالف العسكر والإخوان المسلمون وأفراد من الشعب من أجل مصر وتحريرها
ونهضتها ، وسرعان ما تفكك التحالف بعد أن وصل العسكر للسلطة ، فاستبدلوا حب الوطن
بحب الدنيا ، واستبدلوا المودة مع شركاء العمل الوطني بالعداء السافر الذي لم
يظهروه تجاه إسرائيل نفسها ".
كشف لنا حسين حمودة علي نحو ما أوضحنا في
المقال السابق كيف تم اعتقاله بدءا من استدعاء جمال عبد الناصر له والتحقيق معه
بشأن علاقته بضباط الإخوان المسلمين ، ثم اعتقاله بزعم أنه لم يخبر جمال عبد
الناصر بما طرحه عليه الضابط / أحمد سبل من ضرورة عمل شئ ضد قرار مجلس قيادة
الثورة بحل جماعة الإخوان المسلمين ، كما ذكر لنا الشاهد / حسين حمودة وهو من
الضباط الأحرار المؤسسين الذين لم يتجاوز عددهم الأربعة في بداية السعي لتأسيس
التنظيم السري للضباط ، كما أنه كان أستاذا بالكلية الحربية وشارك في تحويلها إلي
معتقل أثناء الثورة ، كما كشف لنا كيف أنه حين وصل إلي السجن وجد هناك ضباط من
الإخوان المسلمين وآخرين من تيارات سياسية أخري ، كما وجد فؤاد سراج الدين الذي
كان وزيرا للداخلية في حكومة الوفد وهو الذي أصدر أوامره لضباط وأفراد الشرطة بعدم
الاستسلام للانجليز في معركة الإسماعيلية .
ونستكمل في هذا المقال شهادته بشأن إجبار
مجلس قيادة الثورة للواء / محمد نجيب علي تقديم استقالته من رئاسة الجمهورية ، وما
ترتب علي ذلك من أحداث نوضحها علي النحو التالي :
سابع عشر : حسين حمودة يكشف واقعة استقالة الرئيس
محمد نجيب من رئاسة الجمهورية بضغوط من مجلس قيادة الثورة وما ترتب علي ذلك من
أحداث .
وفي 23 فبراير 1954 جاءتنا
أنباء ونحن في السجن أن مجلس قيادة الثورة قبل استقالة اللواء محمد نجيب ، وقد كان لاستقالة محمد نجيب رد فعل عنيف في الجيش والشعب.
وانقسم الجيش إلى فريقين فريق يؤيد محمد نجيب وتزعم
هذا الفريق ضباط من سلاح المدرعات وفريق آخر يؤيد عبد الناصر من سلاحي
المدفعية والمشاة.
وكاد هذا النزاع يؤدي إلى حرب أهلية تقتتل فيها قوات مصر المسلحة. ولكن جمال عبد الناصر استجاب
للفريق المؤيد ل محمد نجيب نظراً لاندلاع
المظاهرات الشعبية من أسوان للإسكندرية تطالب
بعودة نجيب وتبين ل عبد الناصر أن نجيب يتمتع بشعبية
كبيرة في مصر و السودان حيث قامت مظاهرات مماثلة في السودان الشقيق
تطالب أيضًا بعودة نجيب.
فقبل عبد الناصر إعادة محمد نجيب إلى رئاسة الجمهورية يوم 27/ 2/1954م وذلك حتى
يملك الوقت الكافي لتهدئة الجو وخداع الضباط الذين أيدوا محمد نجيب ثم ينقض عليهم ويعتقلهم بعد أن يطمئنوا ويتركوا وحداتهم المعتصمين
فيها ويذهبوا إلى بيوتهم . وبذلك يستطيع عبد الناصر أن يحقق
حلمه في الانفراد بالسلطة.
وما إن علمت جموع الشعوب المصري يوم 28/ 2 1954 / بعودة محمد
نجيب حتى عمت المظاهرات الشعبية جميع مدن مصر وكنت أرى
من شباك الزنزانة بسجن الأجانب بباب الحديد جموع المتظاهرين التي ملأت الشوارع وهي
تهتف ل محمد نجيب وللحرية والديمقراطية
وكان شعب مصر بحسه المرهف يتوجس
خيفة من أن تنحرف ثورة 23 يوليو 52 إلى ديكتاتورية عسكرية تحل محل طغيان فاروق.
ولقد نجحت المظاهرات الشعبية واعتصام ضباط المدرعات في ثكناتهم في
تثبيت النصر الذي أحرزه محمد نجيب مؤقتا.
ولذا بدا للشعب المصري أن محمد نجيب قد عاد
للسلطة وأنه سيجمع كافة السلطات في يده ولكنهم نسوا أمراً هاما جداً.
وذلك الأمر الهام هو أن جمال عبد الناصر كان هو
الشخص الوحيد من ضباط الجيش الذي أشرف على تنظيم الضباط الأحرار بعد حرب فلسطين سنة 1948 وكان يعرف الضباط الأحرار كلهم
تقريباً واحداً واحداً.
واستطاع عبد الناصر أن يأخذ موافقة مجلس
الثورة على تعيين عبد الحكيم عامر قائدا عاماً للقوات
المسلحة وكان عبد الحكيم عامر هو صديق العمر
بالنسبة ل جمال عبد الناصر فاختاره من بين جميع الضباط
الأحرار لقيادة القوات المسلحة لأنه موضع ثقته وإن لم يكن أكفأ الضباط الأحرار لتولي هذا المنصب الخطير وقام عبد الناصر وعبد
الحكيم عامر بتوزيع أعوانهما على
وحدات الجيش المقاتلة ليضمنا السيطرة على القوات المسلحة.
ولما هال جمال عبد الناصر شعبية
نجيب عند شعب مصر وعند شعب السودان حاول استمالة الإخوان إليه.
فقرر يوم 25 مارس 1954 الإفراج
عن حسن الهضيبي وجميع المعتقلين من الإخوان
المسلمين .
وكان للملك سعود رحمه الله الذي كان يزور القاهرة في شهر مارس 1954 دور في
هذه المسألة.
فقد صرح عبد الرحمن عزام أمين الجامعة
العربية ل جريدة المصري يوم 25 مارس 1954 بأن الملك سعود تكلم مع عبد الناصر وقال له
إن مصر وهي زعيمة الدول العربية والإسلامية لا يجدر
أن يكون الإخوان المسلمون فيها في المعتقلات
ولا يباشروا نشاطهم في الدعوة الإسلامية.
وقد زار جمال عبد الناصر حسن
الهضيبي في منزله بمنيل الروضة مهنئا بالإفراج عنه في نفس يوم الإفراج.
وأعلن عبد الناصر زوال كل أثر لقرار حل
الجماعة الصادر في يناير 1954 والذي
اتهمهم فيه القرار بغير حق بالخيانة والاتصال بالإنجليز من خلف
ظهر الثورة.
ثامن عشر : اعتقال الضباط الذين أيدوا محمد
نجيب وطالبوا بعودته لرئاسة الجمهورية :
ويستكمل حسين حمودة شهادته فيقول : وفي يوم 29/ 3 / 1954م سمعنا حركة غير عادية في سجن الأجانب حوالي الساعة 9 مساء ووجدت محمد
أحمد سكرتير عبد الناصر يحضر ومعه بعض الضباط
المقبوض عليهم تحت حراسة البوليس الحربي وكان عددهم يزيد على 25 ضابطا ولما نظرت
فيهم وجدتهم جميعا من ضباط المدرعات الذين أيدوا محمد نجيب في
فبراير سنة 1954 وأذكر منهم اليوزباشي أحمد علي حسن المصري .
تاسع عشر : قضية الشاهد حسين حمودة و خليل
نور الدين ملفقة :
ويتابع حسين حمودة قائلا : وفي أول أبريل سنة 1954 زار سجن
الأجانب مدعي المجلس العسكري الذي شكل لمحاكمة عبد المنعم عبد الرؤوف وقد سلم المدعي العسكري عبد المنعم عبد الرؤوف قرار
الاتهام وأقوال الشهود في قضيته.
ودخل عبد المنعم عبد الرؤوف زنزانتي
ومعه كومة من الأوراق فلاحظت أن الأوراق كثيرة جدا وبها أقوال عدد كبير جدا من
الشهود ، فاستغربت وتبين لي من فحص الأوراق أن المدعي العسكري قد أخطأ وسلم عبد
المنعم عبد الرؤوف أقوال شهود لا دخل
لهم في قضيته ، ومما استرعى نظري في هذه الأوراق أقوال الصاغ أحمد سبل ، والتي جاء فيها :
قبل الثورة كنت ( أي أحمد سبل ) أعمل في سلاح المهمات مع خليل نور
الدين ومع أحمد أنور قائد البوليس الحربي
بعد الثورة ، وبعد قيام الثورة طلبت من أحمد أنور أن يتوسط
لي لنقلي إلى سلاح المدفعية لأنه سلاحي الأصلي ففعل ، وبعد حل الإخوان في 14/ 1 / 1954 استدعاني أحمد أنور قائد البوليس الحربي
وقال سأكلفك بمهمة خطيرة وهي - أنا عارف إنك صديق الصاغ خليل نور الدين وبتذاكر معه لكلية الحقوق وهو يثق فيك - ونحن نعلم أن خليل نور الدين من الإخوان المسلمين فهو لا يخفي ذلك.
فاذهب إليه واعرض عليه الاشتراك في خطة تقول فيها إن معك آلاي مدفعية
به 12 ضابطا من الإخوان المسلمين ثائرون لحل جماعة
الإخوان ومستعدون لأي عمل يطلب منهم.
وتطلب منه أن يعرفك بضباط آخرين من المدرعات أو المشاة ليشتركوا معا
في خطة لتخليص الإخوان من الاعتقال ، وبذلك
نستطيع أن نعرف عن طريق خليل نور الدين أسماء
أكبر عدد ممكن من الضباط الإخوان فنقبض عليهم ونتخلص
منهم دفعة واحدة.
فقابلت خليل نور الدين صدفة في ميدان
الأوبرا مساء يوم الجمعة 15/ 1/1954 وركبت معه السيارة من
ميدان الأوبرا وكان بها الدكتور غراب والصاغ حسين حمودة .
وتحدثت مع خليل نور الدين في ضرورة
عمل شيء إيجابي لإنقاذ الإخوان المعتقلين وقلت له إن
معي آلاي مدفعية به 12 ضابطا كلهم من الإخوان المسلمين وإذا كان
عندكم ضباط من المشاة أو المدرعات يبقى الوضع أفضل.
ولم أستطع أن أحصل منهم على أسماء ونزلت من العربة عند منزلي في شارع مصر والسودان ، و اتصلت تليفونيا بمنزل
جمال عبد الناصر الساعة الواحدة بعد
منتصف الليل ليلة 15- 16 يناير 1954 فرد علي أحمد
أنور حيث كان موجودا بمنزل عبد الناصر فقلت له
ما دار من حديث بالعربة الخاصة بالدكتور غراب.
ولما تبين لي ( حسين حمودة ) بعد الاطلاع على أقوال أحمد سبل بطريق المصادفة البحتة أن المؤامرة وهمية ، وأنها كانت فخاً من أحمد
أنور قائد البوليس الحربي للفتك بالضباط الإخوان ، وأن أحمد
أنور قد فعل ذلك تقربا من جمال عبد الناصر بعد أن
آلت إليه سلطة الدولة تعجبت من الناس وأحوالهم وقلت لأخي عبد المنعم عبد الرءوف انظر إلى أي مدى ينحدر الإنسان.
وتوقعت تبعا لذلك ألا أُقدم للمحاكمة لعدم وجود اتهام أصلا ،
فالمؤامرة التي اعتقلت بسببها كانت مؤامرة وهمية دبرها أحمد أنور وكانت وسيلته في ذلك استخدام الصاغ أحمد سبل للإيقاع
بصديقه خليل نور الدين وإيهامه بوجود قوة من
الضباط جاهزين لعمل إيجابي لإنقاذ الإخوان من السجن
الحربي.
عشرون : حسين حمودة يؤكد أعظم قادة الثورة في
السجن ويتعجب من خيانة جمال عبد الناصر .
وفي يوم 28/ 4/1954م رحلت أنا وعبد المنعم
عبد الرؤوف و معروف الحضري وأبو المكارم عبد الحي وذجمال ربيع إلى السجن الحربي بمعتقل 2 فوجدت هناك القائمقام محمد رشاد مهنا وصي العرش السابق يقضي مدة العقوبة التي حكم مجلس الثورة بها عليه وهي
السجن المؤبد.
ورشاد مهنا كان من الضباط
الممتازين الذين يتمتعون بشعبية كبيرة بين ضباط الجيش وبخاصة في سلاح المدفعية.
وبمجرد قيام الثورة وخلع فاروق اختار مجلس الثورة رشاد مهنا ضمن أعضاء مجلس الوصاية على العرش ، وكان الغرض من ذلك هو إبعاد رشاد
مهنا عن الجيش.
ولقد انتهز جمال عبد الناصر فرصة
خلاف نشب بين محمد نجيب بصفته رئيسا للوزراء
ورشاد مهنا بصفته وصيا على العرش
حول مشروعات القوانين التي تصدرها الثورة .
وكان ل رشاد مهنا رأي خاص في هذه
المشروعات يتلخص في ضرورة أخذ رأي مجلس الوصاية على العرش قبل إصدارها ، فأشاع عبد
الناصر بين ضباط الجيش أن رشاد مهنا يريد أن
يصبح ملكا وأن يستبد بالحكم وأن يرث فاروق وأسرة محمد علي .
واستطاع عبد الناصر أن يوغر صدر محمد
نجيب وصدور زملائه أعضاء مجلس الثورة ضد رشاد مهنا ، فقبضوا عليه وعلى الضباط المعروفين بولائهم ل رشاد
مهنا وحوكموا أمام مجلس الثورة الذي أصدر حكمه بالسجن المؤبد على رشاد مهنا وزملائه الضباط الموالين له ولم تكن هناك تهمة معينة أو جريمة ارتكبها
رشاد مهنا ولكن ذلك كان منطق عبد الناصر في
التخلص ممن توهم مزاحمته في أمله الخاص بالانفراد بحكم مصر فتخلص من
منافسيه بلا أي وازع من ضمير.
ووجدت ضمن المعتقلين القائمقام / يوسف منصور صديق الذي اقتحم رئاسة الجيش ليلة الثورة واعتقل حسين فريد رئيس هيئة أركان حرب الجيش ومن كان معه من الضباط ، ولولا يوسف صديق ما نجحت الثورة ولكان مصيرها الفشل المحتوم ووجدت ضمن المعتقلين
بالسجن الحربي القائمقام / أحمد شوقي قائد
الكتيبة الثالثة عشرة المشاة والتي قامت بتنفيذ الثورة في مدينة القاهرة ليلة 23/7/1952 بقيادته.
فتعجبت أشد العجب وقلت في نفسي أبلغت خيانة عبد الناصر إلى هذا الحد الذي لا يمكن أن يتصوره إنسان ف يوسف منصور صديق الذي اقتحم رئاسة الجيش ليلة الثورة وأحمد شوقي الذي قاد
الكتيبة 13 ليلة الثورة وحسين محمد أحمد حمودة الذي
أنشأ معتقل الثورة ليلة 23 يوليو 1952 بالكلية
الحربية يكون جزاؤهم هو جزاء سنمار فيوضعوا في السجن ويتحكم في مقدرات شعب وجيش مصر مدخولو الضمائر.
و رشاد مهنا يحكم عليه بالسجن
المؤبد وهو الذي اختارته الثورة وصيا على العرش ، ورشاد مهنا كان ضابطا
مثاليا في كل شيء في خلقه وتدينه وعلمه ووطنيته وعقليته الفذة فلا حول ولا قوة إلا
بالله العلي العظيم.
واحد وعشرون : جدل حول الهوية السياسية ل
جمال عبد الناصر .
ويتابع حسين حمودة : وقد أخبرني يوسف منصور صديق وأنا معه
في الاعتقال بالسجن الحربي أن جمال عبد الناصر كان عضوا
في خلية شيوعية تابعة للحركة الديمقراطية للتحرر الوطني والمعروفة باسم «حدتو» ، وذلك
قبل ثورة 1952 وكان بهذه الخلية أحمد فؤاد وكيل
النيابة والذي شغل منصب رئيس بنك مصر لمدة
طويلة بعد الثورة ، فلما أبديت دهشتي لهذه المعلومات التي أسمعها لأول مرة عن جمال
عبد الناصر ، قال يوسف صديق لماذا لا
تصدقني ، قلت لأن جمال عبد الناصر من الإخوان المسلمين ، وكان عضوا في التنظيم السري ل جماعة الإخوان
المسلمين معي منذ عام 1943 ، فكيف
أصدقك ... ثم قلت له إذا كان عبد الناصر ماركسيا
كما تدعي فلماذا يزج بالماركسيين في السجن ؟ فرد يوسف صديق قائلا
وإذا كان جمال عبد الناصر حسين إخوانيا كما تدعي فلم
يزج ب الإخوان في السجن ؟ وفي هذه
الأثناء مر حمزة البسيوني قائد السجن الحربي
وسأل مش عايزين أي خدمة ؟
فقال له يوسف صديق : خذ هذه
القصيدة وسلمها ل جمال عبد الناصر ، فأخذها حمزة البسيوني وانصرف
فقلت ل يوسف صديق ما الذي كتبته في هذه
القصيدة ؟
فقال يوسف صديق شتيمة في عبد الناصر فقلت وما هي فأحضر يوسف مسودة القصيدة وتلاها علي ، وأذكر منها بيتا
واحدا لا يزال عالقا بذهني حتى يومنا هذا وهو :
أفرعون مصر وجبارها
صحا لها من وراء القرون
وتناقشت مع يوسف صديق حول هوية عبد الناصر ومعتقداته هل هو ماركسي أم إسلامي ؟
فقال يوسف صديق ما كان عبد الناصر إسلاميا ولا كان ماركسيا ولكن كان كفرعون موسى الموسوم في سور القرآن بالضلال والظلم والطغيان.
وفرعون موسى له مذهب في الحكم يقوم على الحكم الفردي المطلق والطغيان
وتأليه الحاكم.
وقد بين القرآن الكريم ما في هذا
النظام الفرعوني من فساد فقال تعالى :
﴿ وَفِرْعَوْنَ ذِي الأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي البِلادِ *
فَأَكْثَرُوا فِيهَا الفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ *
إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ﴾ ( الفجر 11- 14) .
بقينا في السجن الحربي وكانت المعاملة حسنة جدا والزنزانات مفتوحة طول
النهار والطعام يحضر لنا من بيوتنا بعربة السجن الحربي والجرائد تصلنا بانتظام
والاتصال التليفوني بعائلاتنا مسموح به وقائد قسم القاهرة يمر
علينا يوميا ويسأل عن طلباتنا ويزورنا طبيب يوميا.
وكان حمزة البسيوني يلعب معنا الطاولة
وبقينا في السجن الحربي إلى أن جاء يوم ذهب عبد المنعم عبد الرءوف إلى المحاكمة ولم يعد وتبين أنه هرب من حارسه العميد محمد نبيه خطاب .
وبعد هرب عبد المنعم عبد الرءوف ضيقوا
علينا الخناق وصار كل واحد منا يقضي 24 ساعة في الزنزانة الانفرادية لا يتصل
بمخلوق ولا يتكلم مع أحد وفي 29/ 6/ 1954 صدرت
الأوامر بالإفراج عني وعن أبو المكارم عبد الحي و معروف
الحضري و جمال ربيع أي عن الضباط الذين
اعتقلوا بمقولة إنهم ينتمون ل جماعة الإخوان المسلمين .
هكذا يتأكد لنا من شهادة حسين حمودة -
الأستاذ بالكلية الحربية والعضو المؤسس في تنظيم الضباط الأحرار ، الذي انضم إليه
حين أسسه الإخوان المسلمون عام 1943م ولم يكن فيه ساعتها سوي عدد من الضباط يعد
علي الأصابع ، وظل يكافح مع التنظيم حتي اتسعت دائرته طوال السنوات من 1943م حتي
1948م وهو العام الذي نشبت فيه حرب فلسطين وتوقف نشاط التنظيم ، ليعيد عبد الناصر
تأسيسه مرة أخري عام 1950م بعد أن ألغي تبعيته للإخوان المسلمين – هكذا يؤكد لنا
الشاهد عدة حقائق :
- أن جمال عبد الناصر اعتقل أعظم قادة ثورة
يوليو 1952م الذين قاموا بأهم وأعظم الأدوار فيها من أمثال يوسف منصور صديق وأحمد
شوقي .
- أن جمال عبد الناصر اعتقل كافة الضباط
الذين لهم انتماء سياسي مثل ضباط الإخوان المسلمين أو الشيوعيين ، كما اعتقل قادة
الوفد ، ليؤكد لنا ما قرأناه في كتاب " ثورة يوليو الأمريكية " من أن
ثورة يوليو تمت بالاتفاق بين عبد الناصر والأمريكان ، بحيث يحصل عبد الناصر علي
دعم الأمريكان في مواجهة الانجليز شريطة أن يقضي العسكر علي الثورة الشعبية
القائمة بالفعل في مصر بقيادة الوفد والإخوان المسلمين والشيوعيين والتي كانت
تتبني الاستقلال التام عن كافة الدول الاستعمارية ، ورفعت الهتاف الأصيل للحركة
الثورية الشعبية " الاستقلال التام أو الموت الزؤام " استكمالا لجهود
الاستقلال التي بدأها مع بداية الاحتلال الانجليزي الزعيم الشعبي /
مصطفي كامل ، ووصلت ذروتها في ثورة 1919م بقيادة الزعيم الشعبي سعد زغلول وما
تلاها من أحداث أهمها العمليات الفدائية ضد الانجليز وحرب فلسطين ، وهي الأحداث
التي ظهرت فيه قوة جماعة الإخوان المسلمين وبسالتها واستعدادها للتضحية بالنفس
والمال من أجل مشروع الاستقلال التام ، هذا كله في الوقت الذي كان فيه العسكر جزء
من منظومة الاحتلال الانجليزي يخضعون للانجليز والملك معا ، ويفعلون ما يطلب منهم
للقضاء علي أي حراك شعبي ثوري باستثناء حالات فردية من الضباط نذكر منهم جمال عبد
الناصر الذي انضم للتنظيم السري لضباط الجيش الذي أسسه الإخوان المسلمون علي نحو
ما أوضحنا .
- أن جمال عبد الناصر كان محترفا في التدبير
والتخطيط للخلاص من كل الوطنيين حتي لا يشاركه أحد في الحكم ، ولا يكترث في سبيل
ذلك بالقيم الدينية أو الأخلاقية أو العرفية .
- أن بذور الاستبداد التي زرعها جمال عبد
الناصر لم يتمكن الشعب المصري من الخلاص منها منذ عام 1952م وحتي الآن ، بل إن
السيسي هو أعظم ثمار استبداد عبد الناصر ، فهو الرجل الذي أعلن أن إسرائيل صديق
وأنه لن يسمح بأن تضار إسرائيل من جهة الحدود المصرية ، بينما أعلن في ذات الوقت
أن عدوه أصبح داخل مصر ومن بين أبناء الشعب المصري وأسماهم " أهل الشر "
.