الجمعة، 10 مارس 2017

ستون عاما من ظلم العسكر للإخوان . 7



 
الرئيس جمال عبد الناصر مع الرئيس الأمريكي الجنرال / أيزنهاور

المقدمة الثابتة لهذه السلسلة من المقالات :
" شهادات لا تحصي ولا تعد تكشف وتؤكد أن الإخوان المسلمين هم من أنشئوا تنظيما سريا بين ضباط الجيش المصري هو نفسه ما سُمي فيما بعد " تنظيم الضباط الأحرار " ، وحددوا أهدافه في الخلاص من الملكية المستبدة الفاسدة والاحتلال الانجليزي ، وتحقيق مبدأ الوحدة الإسلامية بين الدول الإسلامية من خلال التعاون وليس من خلال حكومة مركزية واحدة ، كما تكشف هذه الشهادات كيف تحالف العسكر والإخوان المسلمون وأفراد من الشعب من أجل مصر وتحريرها ونهضتها ، وسرعان ما تفكك التحالف بعد أن وصل العسكر للسلطة ، فاستبدلوا حب الوطن بحب الدنيا ، واستبدلوا المودة مع شركاء العمل الوطني بالعداء السافر الذي لم يظهروه تجاه إسرائيل نفسها ".
كنت قد كتبت مقالا تم نشره بعنوان " العسكر سرقوا ثورة يوليو 1952م كما سرقوا ثورة يناير " وختمت المقال بهذا الملخص :
" هكذا يتضح لنا أن الجيش المصري لم يستحدث ثورة يوليو 1952م ، بل كان الشعب المصري في حالة زخم ثوري لا تتوقف ضد الانجليز وضد الملك فاروق ، بدأت الثورة بقرارات جريئة أصدرتها حكومة مدنية منتخبة انتخابا نزيها هي حكومة الوفد بقيادة زعيم شعبي منتخب هو مصطفي النحاس بتاريخ 8/10/1951م ، تبع هذه القرارات ثورة شعبية وحرب تحرير ضد الانجليز استشهد فيها أعداد كبيرة من أبناء الشعب المصري بدءا من شهر أكتوبر 1951م واستمرت خلال عام 1952م ، ولم يشارك فيها الجيش علي نحو ما أوضحنا والذي كان يقوم بدوره بجانب الملك والانجليز لدرجة أن الضباط الأحرار – علي نحو ما قيل في  ذات الكتاب – وزعوا منشورات بعد حريق القاهرة ليمنعوا الجيش من توجيه سلاحه إلي الشعب .
وبعد أن آتت الثورة الشعبية ثمارها ضد الانجليز والملك وتسببت لهم في خسائر كبيرة وأصابت الملك بالفزع من المصير المجهول ، هنا قفز العسكر علي الثورة الشعبية ليسرقوها ويسرقوا خيراتها حتي يمنعوا أن تؤول السلطة والمكاسب والمغانم لحزب الوفد الذي اتخذ القرارات أو الإخوان المسلمين الذين قاموا بأكبر الأدوار في مواجهة الانجليز ، ونجحت خطتهم وسرقوا ثورة يوليو 1952م واستأثروا بها لأنفسهم وحرموا كافة القوي المدنية من المشاركة في الحكم بأي وجه من الوجوه ، وعلي ضوء انقلابهم سرقوا مصر كلها وشعبها وثرواتها لمدة تجاوزت الستين عام .
هؤلاء هم عسكر مصر يجيدون سرقة الثورات الشعبية ، وكما سرقوا ثورة يوليو 1952م سرقوا أيضا ثورة يناير المجيدة " .
ثم في المقال السابق من هذه السلسلة طرحت سؤالا رأيته هاما وهو :
هل كانت ل جمال عبد الناصر علاقة بالأمريكان قبل قيام الثورة وبعدها ؟ ورأيت أن الإجابة عن هذا السؤل ربما تكشف لنا أسباب انقلاب الرئيس جمال عبد الناصر علي الإخوان المسلمين حين ألغي تبعية تنظيم الضباط الأحرار للإخوان عندما أعاد تأسيس التنظيم عام 1950م بعد انتهاء حرب فلسطين ، فضلا عن صدامه معهم بعد نجاح الثورة وسعيه لإبادتهم ، وبعد أن أوضحت من واقع شهادة الضابط / حسين حمودة وجود هذه العلاقة ، رجحت أن تكون هي السبب الرئيسي في انقلاب جمال عبد الناصر علي الإخوان ، وربما هي أيضا السبب في انقلابه علي الرئيس محمد نجيب وتصميمه علي إقصائه ، وأحيل إلي المقال السابق من السلسلة فيما سبق ذكره ، كما أشرت في مقالي السابق إلي أن باقي شهادات الضباط الأحرار ربما تؤكد لنا هذا الرأي الذي أراه راجحا .
والحقيقة أنني عثرت بالفعل علي كتاب " ثورة يوليو الأمريكية – علاقة عبد الناصر بالمخابرات الأمريكية " للأستاذ / محمد جلال كشك الصحفي الكبير بأخبار اليوم والذي توفي عام 1993م ، وكالعادة يعتم عليه إعلام العسكر وعلي مؤلفاته كما عتم علي الدكتور جمال حمدان ومؤلفاته وغيرهم كثير .
فوجدت في هذا الكتاب ما يؤكد بالمستندات ما توصلت إليه من نتائج في المقالين السابقين ، من أن العسكر استولوا علي ثورة شعبية قائمة بالفعل ، وأن هذا الاستيلاء كان بالتنسيق مع الأمريكان حتي يحل النفوذ الأمريكي في مصر بديلا عن النفوذ البريطاني ، وحتي يتم توجيه الثورة الشعبية في الاتجاه الذي يرتضيه المستعمر الجديد .
وسوف أعرض بعض المقتطفات من كتاب " ثورة يوليو الأمريكية " والتي تؤكد النتائج التي توصلت إليها في المقالين الذين أشرت إليهما :

يقول الأستاذ/ محمد جلال كشك :

- وهكذا تعرض تاريخنا للتزوير والتشويه والتجهيل ، ولا حاجة للشباب للبحث والتقصي ، فكل جيل الثورة كما يسمونه ، لم يكن يعرف حتى عام  1973 بوجود شخص اسمه محمد نجيب والذين سمعوا عنه من آبائهم بدورهم ما كانوا يعرفون لا هم ولا آباؤهم - على وجه اليقين - إن كان محمد نجيب حيا أو ميتا ، أما كتب المدارس الرسمية التي تلقن التاريخ ويفترض فيها أن تعلم الحقائق ، فقد حذفت من التاريخ تماما أن محمد نجيب هذا كان رئيسا للجمهورية حتى ابن محمد نجيب شك في كلام أبيه وجاء إليه يقول:  كيف تكذب على يا أبى وتقول إنك كنت أول رئيس لجمهورية مصر وكتب المدرسة والمدرس يقولان إن عبد الناصر هو الأول..
- نعم من حقكم أن تعرفوا ، ومن واجبنا أن نعرفكم أن انقلاب يوليو لم يكن ثورة بل الثورة المضادة التي دبرت لإجهاض الثورة الحقيقية.. فقد كانت مصر حبلى بنذر ثورية ( كان الحزب الشيوعي يتحدث عن ثورتنا المقبلة التي باعها بعد ذلك بكرسي الوزارة في خدمة العسكر ) بل نحن نعتقد أنه لو بقى الوفد في الحكم أسبوعا واحدا بعد معركة البوليس في الإسماعيلية ، وصدرت المراسيم التي كانت قد أعدت فعلا بقطع العلاقات الدبلوماسية وإقالة حاكم عام السودان وإلغاء شرعية الوجود البريطاني في السودان ، وإصدار الأمر للجيش المصري هناك بالمقاومة إذا ما تعرض له الإنجليز لو تم ذلك لتفجرت في وادي النيل ثورة وطنية شاملة تحمل إمكانات تغيير وجه وتاريخ المنطقة.. على الأقل هذا ما توقعه الأمريكيون وتؤكده وثائقهم كما سنرى بعضا منها. ...
- ومن ناحية أخرى فإن المواجهة التي طرحها الوفد ضد الاحتلال البريطاني ، وضعت السراي في موقف المشبوه ، وخاصة عندما عين الملك حافظ عفيفي باشا رئيسا للديوان الملكي ، وكان معروفا بموالاته للانجليز وعدائه للوفد وعندما خرجت المظاهرات الصاخبة محتجة ، وفى الجامعة هتفوا :" يسقط عفيفي وحافظ عفيفي" " يسقط عفيفي وحامى عفيفي" والتقط ممثل " الحزب الشيوعي المصري" في الجامعة وكان طالبا في كلية التجارة التقط الخيط أو المبادرة من الجماهير وهتف" بسقوط الملك وحياة الجمهورية" وزلزلت الأرض وانتشر الهتاف للجمهورية لأول مرة في مصر منذ ثورة 1919  عندما أعلن النائب الوفدي جمهورية زفتى..
وهكذا اكتملت الثورة ، ضد الاستعمار " الأنجلو- أمريكي" كما كانت الجماهير قد حددت عدوها.. وضد السراي وفلول الرجعية ، وفى نفس الوقت كان الفلاحون في الريف يخوضون فعلا المناوشات التحضيرية للثورة الفلاحية الكبرى. ....
- وقد أسهبنا في حديث الثورة الوطنية لنكشف لماذا كان انقلاب يوليو تعبيرا عن إرادة القهر الاستعماري لسحق هذه الثورة ، سحق الرأسمالية الوطنية في مصر والوطن العربي كله.. تسليم مصر والوطن العربي ، مرة أخرى للإنتاج الأجنبي سوقا مفتوحة بلا مقاومة أو قوة قادرة وصاحبة مصلحة في المقاومة.. وقد حقق عبد الناصر ذلك بالتأميم والمصادرات التي كانت صريحة في استهدافها القضاء المبرم على الرأسمالية المصرية ووأد محاولتها إقامة اقتصاد عربي موحد ..
كما دمر عبد الناصر القيادة الفكرية والسياسة بالاستبداد والإرهاب وإفساد التعليم على نحو لم ينجح استعمار بربري في إلحاقه بعدو لدود تمكن منه ، فلما هزم عسكريا وجاء نائبه وخليفته ورفيق كفاحه وشريك هيكل في انقلابه.
أكمل السادات المهمة بفتح الباب للإنتاج ورأس المال الأجنبي.. وخسرنا جولة أخرى في حرب الاستقلال التي توشك أن تدخل قرنها الثالث.. ولكن لا يأس .. بل يحق لنا أن نستشهد بكلمة " ماو" فنقول نحن أيضا : هذا مجرد فشلنا الرابع على طريق النجاح.
- كانت ثورة تتجمع وتستعد من خلال ممارسة ثورية فعلية ، وكان لابد - من وجهة نظر الاستعمار العالمي - أن تجهض ، أن تضرب هذه الثورة ، قبل أن تلد تنظيمها ، وترسخ جذورها ، ويستحيل تطويقها وجاء " حريق القاهرة " الذي ربما كان آخر ضربة لأخبث جهاز مخابرات أو أول عملية كبيرة للـ  "سى آى إيه" أو من فعلهما معا ، لا أحد يجزم ولا ندرى إن كنا سنعرف أم لا .. لأنها أقذر من أن يعترفوا بها ، ولأن المخابرات البريطانية لا ملفات لها ، وعملياتها لا تنشر ولو بعد ألف سنة.. فقبحهم في الصندوق ، بعكس الأمريكيين ففى السوق.. ولكننا عثرنا على هامش صغير ورد في وثائق الخارجية الأمريكية يفيد أن الإنجليز كانوا يتوقعون ويسعون لما حدث في القاهرة صباح 26 يناير 1952...
- اتفق الإنجليز والأمريكان على " حرق " الثورة .. وإسقاط حكومة الوفد , وكانت ضربة قاسية عنيفة بل متوحشة ولكنها غير قاضية , وليس في التاريخ ثورة قمعت بالإرهاب وحده , بل حتى الإرهاب لم يكن متوفرا , وقد يحلو لنا الآن أن ننتقد قبول حكومة الوفد مرسوم الإقالة , ولكن لا مجال لذلك عند المؤرخ الأمين , فالعاصمة تحترق والأسطول البريطاني يتحرش , والجيش في الشوارع وهو لا مع الحركة الوطنية ولا مع الوفد , وهذه تقارير الحكومة البريطانية تثبت ذلك : " إن القوات المسلحة المصرية لا تعتبر فقط غير مساندة للحكومة بل إنها قد أوضحت رغبتها في اجتناب أي صدام مع البريطانيين , وتقبل وحدات الجيش في منطقة القناة إشرافنا على تحركاتها . كذلك وعد الجيش خارج منطقة القناة بالابتعاد عن طريقنا " .
وصحيح أن عددا من الضباط اشترك مع الحركة الوطنية المسلحة , إلا أن الجيش كمؤسسة لم يكن مع الثورة , وسرعان ما استعاد دوره في خدمة النظام فور صدور الأمر إليه بالنزول لوقف الحريق , وإقالة الوفد .. وقد شهد "هيكل " أنه قابل " عبد الناصر " بعد حرق القاهرة ينفذ قرار حظر التجول على الشعب .
إلا أن الوفد أخطأ بلا شك بإعلان الأحكام العرفية , وتوهم أنه سيحكم بها لمواجهة المؤامرة , وهكذا رفعوه في الهواء وتمكنوا منه ....
- وتشبث الأمريكيون بحلمهم وهو ضرب الثورة باسم الثورة , إسقاط النظام العاجز وإقامة نظام شاب قادر على ضرب قوى الثورة ، وإعادة مصر إلى حظيرة الاستعمار العالمي , على أن تكون هذه المرة في المدار الأمريكي , واستمرت بريطانيا تناور ما بين دعوة الأمريكان للمشاركة والتهديد بجعلها " ضلمة " .
- السفير الأمريكي يحذر من ثورة لا تبقى ولا تذر ، يقودها تحالف من الوفد والإخوان والشيوعيين .. والغريب أنه بعد 35 سنة ما زال هذا هو عين الخطر الذي يخشونه.. وقد يكون بعض الحل الذي ما زلنا – أيضا - نريده.. فالتاريخ يكرر نفسه في بلادي.
وأظن أن ألأمر لا يحتاج لتحاليل ولا لكبير ذكاء لمعرفة ما الذي يقترحه السفير الأمريكي ، إنه يحاول إقناع حكومته لتقنع الإنجليز ، أن الحلول البريطانية الترقيعية غير مجدية وفات أوانها ، وأنه لابد من قوة جديدة لها من الشعبية ومن الفجور ما يمكنها من ضرب الوفد والإخوان والشيوعيين وإجهاض الثورة المتجمعة في الأفق وفرض التسوية التي تقبلها جميع الأطراف المعنية بإبقاء وحماية المصالح الاستعمارية في الشرق الأوسط .. وأخيرا إطلاق يد الولايات المتحدة لتجربة أساليبها ووضع هذه القوة الجديدة في السلطة ، وهذا ما حدث بانقلاب  23 يوليو 1952  .
- كذلك أورد حمروش ، نقلا عن خالد محيى الدين..  رواية تعزز القول بأن المخابرات الأمريكية لعبت دورا حاسما في تصفية نجيب..
إذ قال خالد محيى الدين : " إن ممثل صحيفة " نوفيل أوبزر فاتور" قال له ( خلال فترة الصراع يوم لم يكن الكثيرون في الشارع السياسي المصري يراهنون على انتصار جمال عبد الناصر واحد ضد عشرة ) إن جمال سيكسب المعركة ضد نجيب ، وإن مجلس القيادة قد أعطى إشارة للأمريكيين بأنهم سيوافقون على المعاهدة وإدخال تركيا في بند السما بعودة قوات الإنجليز للقناة " وسنجد في رواية كوبلاند وايفيلاند ، ومصطفى أمين ما يؤكد أن المخابرات الأمريكية رجحت كفة ناصر على نجيب ،  بل إن أحد أساطين الأجهزة السرية الأمريكية يشك في تآمر هذه المخابرات مع ناصر في حادثة المنشية للقضاء على نجيب.
- لقد استطاع بن جوريون في الفترة من يناير 1954 – عندما اعتزل الحكم في فبراير 1955 عندما عاد بدرجة وزير الدفاع وهو مؤسس إسرائيل ، ولكنه لم يهتم بالألقاب و الأقدمية ، التي كانت الشغل الشاغل لمجلس الثورة . . استطاع أن يضع إستراتيجية الإمبراطورية الإسرائيلية التي نفدت خلال الثلاثين عاما التالية.
ترى ما الاهتمامات المقابلة للقيادة المصرية في عام  1954 نسمع شهادة البغدادي:
بدأ عام 1954  والخلاف على أشده بين محمد نجيب وجمال عبد الناصر، بعدما حلت الأحزاب وقبض على القيادات السياسية المدنية وألغى الدستور..
يختتم بغدادي تاريخه لعام 1953  بتقرير أن سياسة جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر " قد أدت إلى إفساد الجيش مما يترتب عليه نتائج وخيمة عسكرية وسياسية مما سيتضح للقارئ من خلال هذه المذكرات".
وهذا بالطبع نتيجة وسبب " لعدم الانشغال بإسرائيل " .. وانشغلت القيادة المصرية في صراع مصيري ، على السلطة فيما بينها ، وفيما بينها وبين بقية القوى السياسية المصرية وكانت المؤامرات على جميع المستويات.
" جمال عبد الناصر تكلم مع هيكل وأحمد أبو الفتح ، وطلب منهما عدم نشر أحاديث وصور محمد نجيب.. وأنور السادات لمح هو الآخر إلى " أحمد الصاوي محمد" بجريدة " الأهرام" وسأل بغدادي عن مدى علم مصطفى أمين وعلى أمين بذلك الأمر " فأبلغني جمال عبد الناصر أن هيكل أبلغهما وأنه – أي جمال- يثق بهما".
وكان محمد نجيب لا يزال رئيس الجمهورية الشرعي..
" وفى اليوم التالي لهذا الحديث مع جمال عبد الناصر كنت أتحدث مع زكريا وحسين الشافعي عن هذا الخلاف الذي بدأ يستفحل وهذا الهجوم السافر على صفحات الجرائد وأن ذلك له ضرره ولا يحقق مصلحة لأحد ( لماذا لم يقل ذلك لعبد الناصر نفسه في اليوم السابق؟) فعلق زكريا على ذلك بقوله: إنه التنافس على السلطة ولكنهما استاءا معي لما علما بموضوع حديث جمال مع الصحفيين".
ومن تسجيل البغدادي نكشف موقفه المنافق ، فليس في ما أورده عن جلسته مع جمال عبد الناصر ما يوحى بأي استياء ، أو اعتراض ، بل بالعكس أراد إكمال حلقة الحصار الإعلامي حول محمد نجيب فسأل وماذا عن مصطفى أمين وعلى أمين.. هل أخبرهما أحد ؟ فطمأنه عبد الناصر " إنه معمول حسابهما".
 " اقترح جمال عبد الناصر عقد اجتماع من وراء ظهر محمد نجيب " وكان واضحا أن الهدف هو أن يصبح اجتماع يوم الأحد ( الاجتماع الرسمي لمجلس الثورة) ما هو إلا اجتماع صوري فقط ، حتى يمكن شل وعزل محمد نجيب ويصبح وكأنه في جانب والمجلس في جانب آخر" وتحمس جمال سالم وكان الأمر قد بليت بليل واقترح تفويض عبد الناصر في اتخاذ القرارات نيابة عن المجلس ، أي قبل تفويض مجلس الأمة الشهير بـ 13 سنة ، على أن يأخذ موافقة الأعضاء تليفونيا.
"  اجتمع مجلس الثورة لبحث كيف يمكن مقاومة الإخوان المسلمين والقضاء على جماعتهم" "ورؤى تركهم لزيادة الانشقاق بينهم" فهذه " هى الوسيلة لإضعافهم وتفكيك صفوفهم" و" كان قرارنا هو العمل على زيادة الانشقاق الموجود بينهم والعمل أيضا على زعزعة ثقة من يتبعهم في أشخاص قياداتهم"
ثم تقرر " حل الإخوان واعتقال مرشدهم وما يربو على 450 معتقلا وفصل بعض الطلبة والموظفين المنضمين للجمعية وكان قد أحيل ضباط البوليس المنتسبون إليها إلى المعاش وكذا تم اعتقالهم" .
وكانت جماعة الإخوان هى آخر تنظيم سياسي يُحل ويُعتقل أعضاؤه في مصر، فهي التنظيم الذي اعتمد عليه ضباط وحركة 23 يوليو ، وكلفه عبد الناصر بالتصدي للانجليز إذا ما هجموا من ناحية السويس.. ( لنا رأينا في هذه الرواية وارجع إلى ما كتبه مصطفى أمين في فصل في البدء جاء الأمريكان ) ولكن لم يمر أقل من عامين حتى كانوا في السجون وكان الفصل والتشريد والتجويع للمواطنين بسبب آرائهم السياسية.
" جمال عبد الناصر يبلغ المجلس أنه اتصل بإسماعيل فريد يارو ومحمد نجيب وسب له ولعن رئيس الجمهورية ، وطالب إسماعيل فريد أن ينقل إلى رئيس الجمهورية هذه الشتائم وأعتقد أن جمال قصد بهذا إرهاب الرجل ، وأنه من المستحسن له أن ينزوي ويخضع".
الكلام لبغدادي.
" واقترح جمال سالم أن يقتل هو محمد نجيب ويحاكموه.."
وهذا بالطبع في مواجهة عبد الناصر أما من ورائه فإليك نموذج من الحوار الهامس الذي كان يدور بين الجماعة التي شاء القدر أن تكون على رأس السلطة المصرية وإسرائيل تعمل ليل نهار لخوض معركة " حق الوجود".
يقول بغدادي:
" يوليوس قيصر :
وكنت قد سافرت إلى مدينة الأقصر بالطائرة يوم الجمعة 19 فبراير 1954 لافتتاح المطار الجديد بها ، وقد رافقني في هذه الرحلة حسن إبراهيم.
ودار بيننا حديث حول فيلم يوليوس قيصر الذي شاهدناه في اليوم السابق.. وذلك الشبه الكبير بين ما دار في ذلك الفيلم .
وما كان يتمثل على أرض مصر من صراع وتطاحن من أجل السلطة.
وعلى أن هذه هى سنة الحياة ، وأن هذا الصراع سيظل على مسرحها ما دام هناك بشر وحياة.
وجرنا الحديث عن الفيلم – إلى الحديث عن مجلس قيادة الثورة والتطور الذي حدث به - وبعد أن كان هناك توازن في القوى والرأي داخله دام قبل قيام الثورة وبعد قيامها لمدة عام تقريبا إلا أن هذا التوازن قد انتهى.
وأخذنا نبحث عن أسباب هذا متعرضين لموقف جمال سالم وانحيازه إلى رأى جمال عبد الناصر المستمر ، وأن ذلك الموقف منه غير ما كان حاله من قبل .
ومتعرضين أيضا لأشخاص المجلس وكيف كانوا وما أصبحوا عليه.
وكذا موقف جمال عبد الناصر وما يهدف إليه من محاولة تركيز السلطة في يده وذلك بغرض أن ينفرد بها في النهاية.
كتاب " ثورة يوليو الأمريكية " للأستاذ/ محمد جلال كشك الصحفي بأخبار اليوم رحمه الله كتاب قيم مليئ بالحقائق المستندة إلي الأدلة والموثقة بالمصادر يؤكد أن تحرك الرئيس جمال عبد الناصر كان بضوء أخضر من الولايات المتحدة الأمريكية ، وأنها كانت تهدف من ذلك الحلول محل بريطانيا في الشرق الأوسط وفي نفس الوقت القضاء علي الثورة الشعبية التي يتزعمها الوفد والإخوان والشيوعيون والتي تهدف للخلاص من الملكية والانجليز والأمريكيين معا وتحقيق الاستقلال الوطني ، وهي نفس النتائج التي تحدثت عنها في مقالي " العسكر سرقوا ثورة يوليو 1952م كما سرقوا ثورة يناير " ومقالي السابق في هذه السلسلة .
فالعلاقة إذن بين العسكر والأمريكان قديمة بدأت من قبل ثورة يوليو ، ثم توطدت أواصر هذه العلاقة بعد توقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل وصدور قانون كارتر الذي قرر مساعدات عسكرية للجيش المصري يتعامل فيها قادة الجيش مباشرة وحدهم دون شريك لهم داخل الدولة المصرية ، فضلا عن تدريبات ضباط الجيش المصري سنويا في كلية الحرب الأمريكية ، فضلا عن التدريبات المشتركة ، ولاشك أن توطيد علاقة العسكر بالأمريكان وفتح باب العلاقات المالية بينهما هو ما ترتب عليه أن تصبح إسرائيل في ظل الجيل الرابع من ضباط " كامب ديفيد " صديق ويصبح شعب مصر هو العدو الأول للجيش المصري وأصبح لقبه الجديد وفقا للعقيدة العسكرية الجديدة  " أهل الشر " .


ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق