الاثنين، 13 مارس 2017

ستون عاما من ظلم العسكر للإخوان .8






المقدمة الثابتة لهذه السلسلة من المقالات :
" شهادات لا تحصي ولا تعد تكشف وتؤكد أن الإخوان المسلمين هم من أنشئوا تنظيما سريا بين ضباط الجيش المصري هو نفسه ما سُمي فيما بعد " تنظيم الضباط الأحرار " ، وحددوا أهدافه في الخلاص من الملكية المستبدة الفاسدة والاحتلال الانجليزي ، وتحقيق مبدأ الوحدة الإسلامية بين الدول الإسلامية من خلال التعاون وليس من خلال حكومة مركزية واحدة ، كما تكشف هذه الشهادات كيف تحالف العسكر والإخوان المسلمون وأفراد من الشعب من أجل مصر وتحريرها ونهضتها ، وسرعان ما تفكك التحالف بعد أن وصل العسكر للسلطة ، فاستبدلوا حب الوطن بحب الدنيا ، واستبدلوا المودة مع شركاء العمل الوطني بالعداء السافر الذي لم يظهروه تجاه إسرائيل نفسها ".
أوضحنا في المقال السابق أن علاقة الرئيس جمال عبد الناصر بأمريكا والتي بدأت عام 1950م كان لها علاقة واضحة بانقلابه علي الإخوان المسلمين بل وعلي حزب الوفد وكافة القوي السياسة الأخرى كالشيوعيين ، ونحيل في ذلك للمقال السابق منعا للتكرار .
نفس العام الذي بدأت فيه علاقة الرئيس جمال عبد الناصر بأمريكا 1950م هو نفسه الذي أعاد فيه تأسيس تنظيم الضباط السري داخل الجيش ، إلا أنه ألغي تبعيته لجماعة الإخوان المسلمين وأطلق عليه " تنظيم الضباط الأحرار ".
لم يكتف بذلك ، بل سعي بعد نجاح الثورة مباشرة للقضاء علي جماعة الإخوان المسلمين التي أسست تنظيم الضباط الأحرار والذي ظل يعمل من عام 1943م حتي قيام حرب فلسطين عام 1948م ، وهي الفترة التي قام خلالها الإخوان بعمليات فدائية ضد الانجليز ، فضلا عن مشاركتهم في حرب فلسطين جنبا إلي جنب مع الجيش المصري بعدة كتائب من متطوعي شباب الإخوان ، وأخيرا مشاركتهم في العمليات الفدائية ضد الانجليز بعد إعلان حكومة الوفد بقيادة مصطفي النحاس إلغاء معاهدة 1936م وذلك في أكتوبر 1951م ، ثم مشاركتهم في ثورة يوليو 1952م ، وهو ما يؤكد أن - شروع العسكر في القضاء علي الثورة الشعبية التي قامت ضد الملكية والاستعمار البريطاني والأمريكي بكل من ساهم فيها من وفد وإخوان وشيوعيين - كان شرطا أمريكيا لدعم أمريكا لحركة الضباط الأحرار علي النحو الذي انتهي إليه كتاب " ثورة يوليو الأمريكية " للأستاذ / محمد جلال كشك وهي نفس النتيجة التي رجحتها في مقالي " العسكر سرقوا ثورة يوليو 1952م كما سرقوا ثورة يناير " .
سادس عشر : حسين حمودة يكشف لنا تفاصيل حل جماعة الإخوان المسلمين بقرار من مجلس قيادة الثورة بتاريخ 14/1/1954م .
يقول حسين حمودة :
بعد عودتي من الولايات المتحدة في نهاية ديسمبر سنة 1953  عُينت في وظيفة أركان حرب اللواء السابع المشاة بالعباسية.
وفي يوم 14 / 1 / 1954م نشرت صحف القاهرة بياناً صادراً من مجلس قيادة الثورة بحل جماعة الإخوان المسلمين واعتقال حسن الهضيبي مرشد الجماعة وبعض أعضاء الجماعة وأودعوا السجن الحربي.
وفي مساء يوم الجمعة 15/ 1/ 1954م كنت في ميدان الأوبرا حيث التقيت بالدكتور غراب والصاغ خليل نور الدين فجلسنا بعض الوقت في كازينو أوبرا نتجاذب أطراف الحديث.
وعند انصرافنا تقابل خليل نور الدين مع شخص يعرفه يتردي الملابس المدنية فعرفنا به وهو الصاغ / أحمد سبل .
وقال له خليل نور الدين تعال معنا نوصلك في طريق عودتنا إلى منازلنا ؛ فركبنا نحن الأربعة الدكتور غراب وأنا و خليل نور الدين و أحمد سبل عربة الدكتور غراب.
فعرفت من أحمد سبل أنه نجل اللواء عبد الواحد سبل ، فقلت له إني أعرف والدك وهو رجل معروف في الجيش بتدينه الشديد .
وأثناء سير السيارة قال أحمد سبل :
ما رأيكم في قرار مجلس الثورة بحل جماعة الإخوان المسلمين ؟
فقلت له :
الموضوع غريب وبخاصة اتهام مجلس الثورة الإخوان بأنهم اتصلوا بالإنجليز من خلف ظهر مجلس قيادة الثورة ، وقلت أنا سأستفسر عن هذا الموضوع من جمال عبد الناصر لأعرف تفاصيل الموضوع.
فقال أحمد سبل :
الموضوع واضح ولا يحتاج إلى استفسار فمجلس الثورة يريد الاستبداد بحكم البلاد واحنا لو سكتنا فما حدش هيقدر عليهم بعد كده ، ثم قال : أنا عندي 12 ضابط إخوان مسلمين في آلاي مدفعية واحد وهم ثائرون جداً لحل الإخوان وعايزين يعملوا حاجة إيجابية ، فإذا كنت يا خليل تعرف حد من ضباط الإخوان في المشاة أو المدرعات تبقى قوة كافيه هتقدر تعمل حاجة تخلص مصر من هذا الطغيان.
فقلت له :
لا داعي لمثل هذا الكلام ولا داعي لإثارة المشاعر وعلينا التزام الهدوء حتى تتضح الأمور لأن جو الإثارة والانفعال ليس في مصلحة البلاد ، وانصرف كل منا إلى منزله.
وفي صباح 18/ 1/ 1954م اتصل بي تليفونيا في مكتبي برئاسة اللواء السابع المشاة بالعباسية الصاغ أركان حرب صلاح نصر مدير مكتب اللواء عبد الحكيم عامر قائد عام القوات المسلحة وطلب مني الحضور لمبنى القيادة العامة لمقابلة القائد العام للقوات المسلحة.
فذهبت علي الفور وصعدت إلى مكتبه فاستقبلني صلاح نصر وأدخلني غرفة القائد العام.
فوجدت جمال عبد الناصر جالساً على مكتب عبد الحكيم عامر ولم يكن عبد الحكيم عامر موجوداً في مكتبه.
فسألني جمال عبد الناصر عن مدى صلتي الآن ب الإخوان المسلمين ؟
 فقلت له : إن صلتي ب الإخوان المسلمين أنت تعرفها جيداً ولا تعدو الصلة التي كانت تربطني وتربطك بهم منذ عام 1943  حتى 15 مايو 1948 وهو تاريخ دخول الجيش المصري حرب فلسطين حيث انقطعت صلتي ب الإخوان .
واشتركت معك سنة 1950  في تنظيم الضباط الأحرار كما هو معلوم لديك جيداً ، ولما نقلت مدرسا بالكلية الحربية في 19/ 11/ 190م انتظمت في نواة الضباط الأحرار بالكلية الحربية كما اتفقت على ذلك معك واشتركت في تنفيذ الثورة ليلة 23/ 7 / 1952م بتجهيز معتقل الكلية الحربية كما هو معلوم لك.
وأنت تعلم جيداً أني لا أعرف أحداً من الإخوان المسلمين غير المرحوم حسن البنا والمرحوم محمود لبيب و عبد الرحمن السندي رئيس التنظيم السري المدني ل جماعة الإخوان المسلمين .
أما القيادة الجديدة للإخوان فلا أعرف حسن الهضيبي ولا أعرف أحداً من أعضاء مكتب الإرشاد ولا أي شخص في جماعة الإخوان المسلمين على الإطلاق.
ولقد قطعت صلتي ب عبد الرحمن السندي بناء على نصيحتك لي في سنة 1950 بعد أن أعلمك إبراهيم عبد الهادي رئيس وزراء مصر بأنك كنت مع آخرين من الضباط تدربون الجهاز السري للإخوان المسلمين .
فقال جمال عبد الناصر :
أنا لا أسألك عن هذا ولكن أسأل عن مدى صلتك الآن ب عبد المنعم عبد الرءوف ؟ فقلت له : أنت تعلم أن عبد المنعم عبد الرؤوف هو الذي أدخلني تنظيم الإخوان العسكري وهو الذي أدخلك هذا التنظيم سنة 1943  وتعلم المجهود الذي قام به المرحوم محمود لبيب في تكون التنظيم السري لضباط القوات المسلحة في الفترة من سنة 1943  حتى 15 مايو سنة 1948  .
فقال أنا أعرف ذلك ولكني أريد أن أعرف صلتك ب عبد المنعم عبد الرؤوف بعد الثورة.
فقلت له : لا يوجد أي اتصالات بيني وبين عبد المنعم عبد الرؤوف من 15 مايو سنة 1948  حتى الآن ، فبعد حرب فلسطين كان عبد المنعم عبد الرؤوف يخدم في سيناء وكنت أنت في القاهرة مدرسا بكلية أركان الحرب فاقتصر اتصالي في الفترة التي أعقبت حرب فلسطين عليك ولم أقابل عبد المنعم عبد الرءوف مطلقاً.
فقال وما صلتك ب معروف الحضري ؟
 فقلت له معروف الحضري من خيرة ضباط الجيش وكان معنا في تنظيم الإخوان قبل حرب فلسطين وفي تنظيم الضباط الأحرار بعد حرب فلسطين واشترك في تنفيذ ثورة 23 يوليو 1952.
 فقال : أعرف ذلك ولكن هل هناك اتصالات بينك وبينه بعد الثورة ؟
فقلت : لا.
ثم سأل جمال عبد الناصر ما مدى صلتك بأبي المكارم عبد الحي ؟
فقلت له : البكباشي أركان الحرب أبو المكارم عبد الحي من خيرة ضبا الجيش وكان زميلا لي في التدريس في الكلية الحربية وهو من الضباط الإخوان الممتازين.
ثم سألته ماذا تقصد من هذه الأسئلة ؟ ولماذا قمت بحل الإخوان ؟ وهل ما زلت عند اتفاقك الذي عاهدنا الله عليه قبل الثورة في أن الحكم سيكون بكتاب الله عز وجل إن وفقنا الله في الاستيلاء على السلطة في الدولة.
فقال جمال عبد الناصر من جهة الحكم بالقرآن أنا أحكم به من الآن ولكن خطوة خطوة حتى يطيق الناس لأن في البلد أجانب ومسلمين فاسقين والأمر يحتاج إلى ترو وسياسية.
فقلت له وما سبب حل الإخوان ؟
فقال : لأنهم عصاة.
فقلت له وما مظاهر عصيانهم ؟
قال جمال عبد الناصر أنا طلبت من حسن الهضيبي حاجات رفضها.
فقلت له وما هي هذه الطلبات التي رفضها حسن الهضيبي ؟
فقال عبد الناصر طلبت منهم الانضمام لهيئة التحرير فرفضوا .  
فقلت له : هم أحرار طالما لا يأتون أعمالا من شأنها الإضرار بالصالح العام.
فقال عبد الناصر : لا ليسوا أحرارا ، أنا عايز البلد تنتظم كلها في هيئة سياسية واحدة تمشي وراء أهداف الثورة وبذلك نستطيع تحقيق أهداف الثورة بسرعة وبلا منازعات أو اختلاف في الرأي ، أنا عايز البلد كلها على رأي وفكر واحد هو فكر الثورة .
فقلت لعبد الناصر ولكنك في قرار حل الإخوان اتهمتهم بالخيانة لاتصالهم بالإنجليز.  
فقال جمال اتصالهم بالإنجليز كان بعلمي وبالاتفاق معي ولكني أؤدبهم حتى يخضعوا لإرادتي ونعرف نمشي بالبلد ولا يبقاش في مصر سلطتين أنا عايز سلطة واحدة بس.
فقلت له : إذن أنت تتجه بالبلد نحو حكم الفرد المطلق ونحن لم نتفق معك على ذلك وهذا الاتجاه خطير وسيدفع شعب مصر ثمناً فادحا نتيجة لهذا الاتجاه الديكتاتوري.
وقلت له إن طريق الحرية هو الطريق الوحيد لتقدم الشعوب لأن الأمر يجب أن يكون شورى بين المؤمنين كنص القرآن الكريم ، أما حكم الفرد المطلق فسوف يوردنا موارد الهلاك .
وسألته عن قصة اتصال الإخوان بالإنجليز .
فقال عبد الناصر لقد طلب الإنجليز الاتصال بالمرشد العام للإخوان المسلمين لاستطلاع رأيه ورأي الإخوان في مشروع المعاهدة المزمع عقدها معهم بشأن جلاء القوات البريطانية عن مصر ورغبة انجلترا في استمرار التحالف مع مصر وعودة القوات البريطانية إلى مصر في حالة الحرب أو خطر الحرب أو قيام حالة دولية مفاجئة.
فاتصل الإخوان ب عبد الناصر وأعلموه بطلب الإنجليز فوافق عبد الناصر على ذلك على أن يوافيه الإخوان بما سوف يدور من حديث بينهم وبين الإنجليز.
وفعلاً أخطر الإخوان عبد الناصر بكل ما دار بين مبعوث السفارة البريطانية ومندوبي الإخوان المسلمين في هذا اللقاء.
ثم عاد عبد الناصر إلى أسئلته المثيرة.
فقال عبد الناصر : وما صلتك بالدكتور غراب ؟
فقلت له الدكتور غراب طبيب في الجيش وجار لي في السكن.
فقال وما صلتك ب خليل نور الدين ؟
فقلت له خليل نور الدين من دفعتي في الكلية الحربية فقال هل هو من الإخوان ؟
فقلت أعلم أنه من الإخوان .
ثم قال عبد الناصر:  وما صلتك ب أحمد سبل ؟
فقلت:  لا أعرفه.
فقال عبد الناصر : إزاي متعرفوش أنت تكذب علي .  
فقلت له أنا لا أكذب .
فقال عبد الناصر : ألم تكن تركب عربة الدكتور غراب مساء الجمعة 15/ 1/ 1954  وكان معك خليل نور الدين و أحمد سبل وتحدثتم في موضوع خطير بخصوص الإخوان فأدركت على الفور أنه كانت هناك رقابة ما وأن عبد الناصر علم بما دار في العربة من حديث وأنه استدعاني لهذا الغرض ولم يخطر ببالي مطلقاً أنه علم بما دار في العربة من أحمد سبل نفسه كما اتضح لي فيما بعد وسأذكره في هذه المذكرات في حينه.
فقلت لعبد الناصر : الحقيقة أنا لا أعرف أحمد سبل مطلقاً وقصصت على عبد الناصر نص حديث أحمد سبل في العربة .
فقال عبد الناصر : أنا عرفت الموضوع مساء الجمعة 15/ 1/1954م عند منتصف الليل وانتظرت حضورك السبت 16/ 1/1954م  أو الأحد 17/ 1/ 1954  ولما لم تحضر لتبلغني بما حدث استدعيتك اليوم الاثنين 18/ 1/1954م وعدم تبليغك لي يجعلني لا أطمئن إلى مدى ولائك لي ولذلك سأضطر لاعتقالك حتى تنجلي الأمور وضغط عبد الناصر على جرس أمامه فدخل ثلاثة ضباط من الشرطة العسكرية كانوا جاهزين.
اعتقلت للمرة الأولى في حياتي وللمرة الأولى في عهد جمال عبد الناصر يوم 18 يناير سنة 1954   ورحلت بواسطة الشرطة العسكرية من مكتب جمال عبد الناصر إلى مقر الشرطة العسكرية بباب الحديد حيث وضعت في زنزانة تحت الأرض ثم نقلت يوم 1/ 2/ 1954م إلى سجن الأجانب بباب الحديد.
فوجدت في سجن الأجانب بعض ضباط الجيش المسجونين في قضية رشاد مهنا وأذكر منهم مصطفى راغب محمد و محسن عبد الخالق ووجدت بعض الضباط المعتقلين لكونهم من الإخوان المسلمين أذكر منهم البكباشي عبد المنعم عبد الرؤوف والبكباشي أبو المكارم عبد الحي والصاغ معروف الحضري والصاغ جمال ربيع .
وكان يوجد معنا في سجن الأجانب في ذلك الوقت الأستاذ فؤاد سراج الدين.
انتهي ما اقتبسناه من حديث الضابط / حسين حمودة ، ونقول : هكذا جمعت سجون جمال عبد الناصر كافة القوي السياسية بعد نجاح ثورة يوليو 1952م ، جمعت قطبي الحراك الثوري الشعبي ضد الملكية الفاسدة والمحتل الانجليزي ، جمعت الوفد والإخوان المسلمين علي نحو يجعلنا نطبق  قاعدة الأستاذ / عباس محمود العقاد " كتاب واحد تقرأه ثلاث مرات خير من ثلاثة كتب تقرأ كل منهم مرة واحدة "، فنقرر ونعقد العزم علي قراءة كتاب " ثورة يوليو الأمريكية عشرات المرات " .

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق