الأربعاء، 8 مارس 2017

ستون عاما من ظلم العسكر للإخوان . 6



الرئيس جمال عبد الناصر مع وزير خارجية أمريكا جون فوستر دالاس

المقدمة الثابتة لهذه السلسلة من المقالات :

" شهادات لا تحصي ولا تعد تكشف وتؤكد أن الإخوان المسلمين هم من أنشئوا تنظيما سريا بين ضباط الجيش المصري هو نفسه ما سُمي فيما بعد " تنظيم الضباط الأحرار " ، وحددوا أهدافه في الخلاص من الملكية المستبدة الفاسدة والاحتلال الانجليزي ، وتحقيق مبدأ الوحدة الإسلامية بين الدول الإسلامية من خلال التعاون وليس من خلال حكومة مركزية واحدة ، كما تكشف هذه الشهادات كيف تحالف العسكر والإخوان المسلمون وأفراد من الشعب من أجل مصر وتحريرها ونهضتها ، وسرعان ما تفكك التحالف بعد أن وصل العسكر للسلطة ، فاستبدلوا حب الوطن بحب الدنيا ، واستبدلوا المودة مع شركاء العمل الوطني بالعداء السافر الذي لم يظهروه تجاه إسرائيل نفسها ".

لا جدال في أن الرئيس جمال عبد الناصر انقلب علي الإخوان المسلمين بعد نجاح ثورة يوليو 1952م ، وأذاقهم أشد العذاب ضاربا عرض الحائط بأن الإخوان المسلمين هم من أسسوا تنظيم سري للضباط داخل الجيش المصري وهو نفس التنظيم الذي أعاد جمال عبد الناصر تأسيسه عام 1950م بمسمي " تنظيم الضباط الأحرار " ، وتوسع في ضم الضباط إليه ، وضاربا عرض الحائط بأن الإخوان هم من حددوا أهداف هذا التنظيم والتي تمثلت في الخلاص من الملكية المستبدة الفاسدة والخلاص من الاحتلال الانجليزي والتمسك بالشريعة الإسلامية كمصدر رئيسي للتشريع ، والسعي لتحقيق مبدأ الوحدة الإسلامية من خلال التعاون بين الدول الإسلامية وليس من خلال فرض حكومة مركزية تحكم الجميع .

كما ضرب الرئيس جمال عبد الناصر عرض الحائط بأن الإخوان المسلمين ضموه للتنظيم ، وأنه حين أراد مجموعات من شباب الإخوان المسلمين لتدريبهم علي استعمال السلاح للقيام بعمليات فدائية ضد الانجليز أمدوه بهؤلاء الشباب بعد أن حلف معهم اليمين علي الالتزام بالعهود ، وضرب عرض الحائط بدور شباب الإخوان في العمليات الفدائية ضد الانجليز ، ودورهم في حرب فلسطين ، وهي كلها حقائق كان شاهدا عليها بنفسه .

قبل أن نخوض في بحث تفاصيل انقلاب الرئيس جمال عبد الناصر علي الإخوان المسلمين أري أنه يجب البحث عن إجابة لسؤال هام وهو :

هل كانت للرئيس جمال عبد الناصر علاقة بالأمريكان قبل ثورة يوليو 1952م وبعدها ؟

أري أن الإجابة عن هذا السؤال وثيقة الصلة بفهم أسباب انقلاب الرئيس جمال عبد الناصر علي الإخوان المسلمين ، فعداء الغرب ضد الإسلام والهوية الإسلامية ومن يتمسك بها قديم بدأ مع خطبة البابا أوربان الثاني التي حث فيها الغرب علي احتلال القدس ، وهو ما تناولته بالتفصيل في مقالي " الخطبة التي أشعلت الحروب الصليبية ألف عام " ومقالي " القدس تفسر لنا ألف عام من العدوان " ، حيث بدأت الحروب الصليبية والتي انتهت باحتلال القدس عام 1099م ، ومن ساعتها وهي محور الصراع بين المسلمين من جهة والصهيونية العالمية بمن تضمهم من اليهود والمسيحيين معا من جهة أخري .

كما تجلي عداء الغرب للإسلام والمسلمين في إسقاط الدولة أو الخلافة العثمانية ، حيث لم يكتف الغرب بذلك ، وإنما زاد عليه محو الهوية الإسلامية والعربية من تركيا علي النحو الذي أوضحته في مقالي " الغرب وأتاتورك والسيسي .

إذن لو ثبت أن للرئيس جمال عبد الناصر علاقة بالأمريكان قبل ثورة يوليو 1952م وبعدها ، فهذا يرجح أن للأمريكان صلة وثيقة بانقلاب جمال عبد الناصر علي الإخوان المسلمين ، وربما تؤكد لنا باقي شهادات الضباط الأحرار هذا التخمين السياسي الذي أراه راجحا .

والحقيقة أن الضابط / حسين حمودة أجاب لنا عن السؤال المطروح علي النحو التالي :

رابع عشر : حسين حمودة يؤكد علاقة الرئيس جمال عبد الناصر بالأمريكان من قبل ثورة يوليو 1952م وبعدها :

قال حسين حمودة :

كان يوجد وقت قيام الثورة ثمانون ألف عسكري بريطاني في منطقة قنال السويس مزودين بأسلحة حديثة تفوق أسلحة الجيش المصري . وكانت بريطانيا حريصة على أن يكون تسليح جيش مصر من أسلحة أقل كفاءة من أسلحة القوات البريطانية حتى تضمن لنفسها السيطرة على مصر .

وكان على المنظمين ل ثورة يوليو 52 أن يضمنوا عدم تدخل القوات البريطانية لحماية الملك فاروق كما سبق لها أن تدخلت لحماية الخديوي توفيق وأخمدت الثورة العرابية سنة 1882 .

وكانت انجلترا قد خرجت من الحرب العالمية الثانية مفلسة اقتصادياً ، وأصبحت الولايات المتحدة الأمريكية هي القوة العسكرية والاقتصادية الأولى في العالم نتيجة الحرب العالمية الثانية.

وكانت الولايات المتحدة تهدف إلى أن يحل النفوذ الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط محل النفوذ الإنجليزي ، فحاول الأمريكان مع الملك فاروق باعتباره صاحب السلطة التشريعية في مصر لتوجيهه في الاتجاه المطلوب إلا أنهم نفضوا أيديهم منه لفساده وعدم اهتمامه بالأمور السياسية وانصرافه بكل تفكيره إلى اللهو والمجون والفسق .

فحاولوا الاتصال بالجيش عن طريق الملحق العسكري الأمريكي بالسفارة الأمريكية ب القاهرة والذي كان بحكم وظيفته على اتصال بوزارة الدفاع .

وكان الأمريكان يعرضون على مصر خدماتهم في تدريب ضباط الجيش المصري في معاهد الولايات المتحدة العسكرية ، وغير ذلك من التيسيرات التي يمكن أن تقدمها دولة كبرى كالولايات المتحدة الأمريكية ل مصر .

وقد حضر كاتب هذه السطور شخصيا عدة اجتماعات في منزل الملحق العسكري الأمريكي بالزمالك مع جمال عبد الناصر ، وكان الكلام يدور في مسائل خاصة بالتسليح والتدريب والموقف الدولي والخطر الشيوعي على العالم بعامة والشرق الأوسط بخاصة ، وأن الولايات المتحدة ستساند أي نهضة تقوم في مصر ، لأن بقاء الحال على ما هو عليه في مصر ينذر بانتشار الشيوعية ، وهذه الاتصالات بالسفارة الأمريكية كانت في الفترة من عام 1950 - 1952 ميلادية.

ولم يكن يتعدى الكلام أكثر من ذلك ، ومما لا شك فيه أن الولايات المتحدة الأمريكية هي التي حالت دون تدخل القوات البريطانية لحماية الملك فاروق .

خامس عشر: حسين حمودة يكشف لنا تأييد أمريكا للثورة وانطلاق بعثات ضباط الجيش المصري للمعاهد العسكرية الأمريكية فور قيام الثورة .

حيث يقول :

ولقد أيدت الولايات المتحدة الأمريكية الثورة فور إعلان قيامها وفتحت أبواب معاهدها العسكرية على مصراعيها لتدريب ضباط الجيش المصري بالمئات فور قيام الثورة .

ومما لا شك فيه أن عبد الناصر وهو المنظم الحقيقي لحركة الضباط الأحرار كان على صلة أكثر وثوقا بالسفارة الأمريكية.

وقد قام الملك فاروق بالاتصال بالسفير الأمريكي ( كافري ) من أجل حمايته ، وبناء عليه طلب السفير الأمريكي من رجال الثورة عدم قتل الملك وتركه يخرج من البلاد حياً وهو ما حدث فعلاً .

وتابع حسين حمودة قائلا : في سبتمبر سنة 1952 أعلنت نتيجة امتحان القبول للدفعة 13 لكلية أركان الحرب ( فكنت ضمن المقبولين ) والتحقت طالبا بكلية أركان الحرب يوم 2/ 10/ 1952 وكان عدد المقبولين في هذه الدفعة 54 ضابطاً وكان من زملائي في الدراسة في هذه الدفعة السيد / حسين الشافعي نائب رئيس جمهورية مصر الأسبق ، و حسين الشافعي رجل شجاع ذو أخلاق حميدة ومتدين وكان له دور رئيسي مع ثوار يوليو 1952 مع سلاح المدرعات.

وفي سبتمبر سنة 1953 تسلمت شهادة الماجستير في العلوم العسكرية بعد تخرجي من الكلية في احتفال مهيب حضره سيادة اللواء أركان حرب محمد نجيب رئيس الجمهورية.

بعد تخرجي من كلية أركان الحرب سافرت يوم 12/ 9/ 1953 إلى الولايات المتحدة الأمريكية في زيارة رسمية للقوات المسلحة الأمريكية بدعوة من الحكومة الأمريكية التي دعت كل ضباط الدفعة 13 خريجي كلية أركان الحرب المصرية.

سافرت على متن إحدى طائرات سلاح الطيران المصري إلى الميناء الجوي الملاحة في طرابلس ثم ركبنا طائرة من طائرات سلاح الجو الأمريكي تسع حوالي 120 راكباً نزلت في الدار البيضاء بمراكش للتزود بالوقود ، ثم استمرت الطائرة في السفر إلى جزر الأوزور في المحيط الأطلسي وهي جزر برتغالية أجرتها حكومة الولايات المتحدة الأمريكية من البرتغال لمدة 99 سنة .

وبتنا ليلة بجزر الأوزور ثم استأنفنا الطيران لواشنطن حيث نزلنا ضيوفا على البنتاجون مقر وزارة الحرب الأمريكية وقمنا بعدة زيارات لأسلحة الجيش الأمريكي المختلفة والمدارس العسكرية ومراكز التدريب والمصانع الحربية الأمريكية .

وزرنا مقر قيادة الجيش الأمريكي الأول وإحدى الفرق المشاة وإحدى الفرق المدرعة وإحدى الفرق المشاة الميكانيكية وحضرنا عدة محاضرات بكلية الحرب العليا War college عما يسمي الحزام المحمدي "THE MOHAMEDAN BELT"

ويتابع قائلا : لفت نظري ضمن الدراسات في كلية الحرب العليا بالولايات المتحدة الأمريكية دراسة أعدتها الكلية المذكورة عن الحزام المحمدي وكان عنوانه باللغة الإنجليزية THE MOHAMEDAN BELT كشف فيه الأمريكان عن أملهم في عمل حلف إسلامي عسكري يرتبط بالولايات المتحدة الأمريكية بمعاهدة أمن متبادل لمقاومة الإلحاد والشيوعية.

حضرنا حفلة في السفارة المصرية أقامها لنا السفير أحمد حسين سفير مصر في الولايات المتحدة الأمريكية وقتئذ وحضر هذا الحفل مستر "هنري بايرود" رئيس قسم الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الأمريكية.

وقد قال لنا السفير أحمد حسين إن مستر بايرود يحب الشراب فسأسقيه حتى أفك عقدة لسانه.

وظل السفير المصري يناول مستر بايرود كأساً وراء كأس حتى تكلم بايرود فقال : إن الولايات المتحدة يهمها أن تقيم علاقة متينة مع القاهرة لأن القاهرة من أكبر عواصم العالم نفوذا ولها تأثير روحي عظيم على العالم الإسلامي.

وأرجو أن تبلغوا المسئولين عن قيادة الثورة المصرية أن الولايات المتحدة الأمريكية مستعدة لتسليح الجيش المصري بأحدث الأسلحة ولكن لنا شرطاً واحداً ألا وهو توقيع معاهدة للأمن المتبادل بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية.

وبعد عودتي من أمريكا في نهاية عام 1953 ذهبت إلى جمال عبد الناصر وذكرت له ما حصل في الولايات المتحدة الأمريكية في كلية الحرب العليا عن الحزام المحمدي والحلف الإسلامي وما نطق به مستر هنري بايرود أمام السفير أحمد حسين فكان رد عبد الناصر هو الآتي :

المشكلة الرئيسية ليست بيننا وبين الاتحاد السوفيتي ولكن المشكلة بين العالم العربي وبين انجلترا وفرنسا و إسرائيل .. فانجلترا ما زالت جيوشها في مصر و السودان وشرق الأردن و العراق وعدن وفرنسا ما زالت تحتل تونس و الجزائر ومراكش واستقطعت إسرائيل أكثر من نصف فلسطين فكيف ندخل في معاهدة تحالف ضد الاتحاد السوفيتي الذي لا يوجد بينه وبين العالم العربي أي مشكلة وإذا كانت الولايات المتحدة جادة فيما تدعيه من أنها راغبة في صداقة العالم العربي فعليها معاونته في تحرير أرضه من الاستعمار الفرنسي والبريطاني وحل مشكلة فلسطين بما يصون حقوق أصحابها الشرعيين وعلى هذا الأساس فإن حكومة مصر ستقاوم كافة الأحلاف التي تروج لها الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط حتى ينال العرب حقوقهم كاملة.

هكذا يتأكد لنا أن العلاقة بين الرئيس جمال عبد الناصر قد بدأت عام 1950م وهو نفس العام الذي أعاد فيه تأسيس التنظيم السري للضباط الذي أسسه الإخوان المسلمون عام 1943م وظل يعمل حتي عام 1948م حيث توقف بسبب قيام حرب فلسطين ، وإن كان الرئيس عبد الناصر قد أطلق عليه اسم " تنظيم الضباط الأحرار " وألغي تبعيته للإخوان المسلمين وجعله تابع له شخصيا .

وإذا كنت أخمن أن هذه العلاقة بين عبد الناصر والأمريكان هي أحد الأسباب الهامة في انقلاب الرئيس جمال عبد الناصر علي الإخوان المسلمين وتحويلهم من شريك أساسي في الثورة إلي جماعة محظورة مضطهدة ، وهي الأوصاف التي لم يرفعها عنهم أي رئيس عسكري جاء من بعده ، باستثناء السيسي الذي عين نفسه رئيسا بالقوة المسلحة حيث قام بترقيتهم من جماعة محظورة إلي جماعة إرهابية وأصدر لهم العديد من القوانين ليستبيح قتلهم وتصفيتهم مثل قانون مكافحة الإرهاب وقانون الكيانات الإرهابية وقانون التظاهر ، أقول إذا كان هذا تخمينا فربما تكشف لنا شهادات باقي الضباط الأحرار القول الفصل في هذه العلاقة لاسيما أن علاقة السيسي بالأمريكان واليهود هي سبب رئيسي لسعيه للقضاء علي الإخوان المسلمين وحماس والثورة السورية والليبية ووقوفه مع الشيعة في كل من سوريا والعراق .









ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق