الجمعة، 2 يوليو 2021

                                                                               معجزة

أفضل ترجمة إسلامية للقرآن الكريم

للعلامة عبد الله يوسف علي

منذ ما يزيد عن عشرين عاما كنت أتجول في ردهات احدى المكتبات للاطلاع علي عناوين الكتب التي تملأ الرفوف ، لفت نظري كتاب بعنوان " ترجمة معاني القرآن الكريم بالإنجليزية " ، لم أتردد في شرائه لأن موضوعه يدخل ضمن المجالات التي أحب أن أبحث فيها .

الكتاب من إنتاج وتوزيع " شركة أمانة " ومقرها " برينت وود – ميريلاند – الولايات المتحدة الأمريكية " ، عدد صفحاته 1758 صفحة ، وينطوي علي ترجمة وتفسير للقرآن الكريم كاملا ، بدأ بسورة الفاتحة وانتهي بسورة الناس.

كل صفحة تتضمن ترجمة لبعض الآيات القرآنية في جزء منها ، وباقي الصفحة يحتوي علي تعليق المترجم على الآيات الواردة في الصفحة لإضافة مزيد من الإيضاح والتفسير ، من خلال عرض مناسبات التنزيل وعلل الأحكام وعظمة التشريع وعظمة اللغة العربية عموما ولغة القرآن الكريم علي وجه الخصوص ، والآيات مكتوبة باللغتين : العربية على يمين الصفحة والإنجليزية علي اليسار .

بدأت في قراءة الترجمة واستخدام القاموس الإلكتروني لاستخراج معاني الكلمات الجديدة سواء الواردة في الآيات القرآنية أو التعليق الوارد في أسفل كل صفحة ، وكنت أكرر ذلك بين الحين والآخر .

في احدي المرات بدا لي أن أترجم مقدمات الكتاب سواء التي كتبها المترجم أو الناشر أو المعهد العالمي للفكر الإسلامي بالولايات المتحدة الأمريكية ، لاكتشف أن الكتاب الذي بين يدي هو أفضل ترجمة كُتبت للقرآن الكريم باللغة الإنجليزية .

العجيب أن من قام بالترجمة ليس عربيا ولا انجليزيا  ،  ليست  اللغة العربية لغته ، وليست  اللغة الانجليزية  لغته  ، ومع ذلك استطاع  كتابة  أفضل ترجمة  للقرآن الكريم باللغة الإنجليزية !! ، ومن  ثم جعل من اليسير  علي أي شعب من شعوب العالم أن يقوم بترجمة هذه  النسخة  الإنجليزية إلى لغته المحلية .

 

مقدمة الناشر

يقول الأستاذ / فخري البرزنجي رئيس شركة أمانة التي قامت بنشر كتاب " ترجمة معاني القرآن الكريم بالإنجليزية " نشراً عالميا تحت عنوان " كلمة الناشر":

" نحمد الله سبحانه وتعالي علي ما يسر لنا من إصدار هذه الطبعة الجديدة المنقحة من ( ترجمة معاني القرآن الكريم بالإنجليزية ) التي سبق وأن قام بإعدادها العلاّمة / عبد الله يوسف علي رحمه الله .

ويمثل هذا  العمل خلاصة التجارب لشركة أمانة للنشر في خدمة كتاب الله العزيز خلال العقدين الأخيرين ، وذلك بإصدار تراجم معاني القرآن الكريم بعدة لغات .

وقد بدأنا العمل في إعداد هذه الطبعة منذ أكثر من ثماني سنوات ، ومنذ ذلك الحين بدأت تصلنا ملاحظات القراء والعلماء والمراكز والجمعيات الإسلامية تبدي تصويبا أو اعتراضا أو  استفسارا  علي ما أورده المترجم .

ثم كونت شركة أمانة لجنة تتضمن نخبة من العلماء المسلمين لاختيار أفضل التراجم المتداولة لمعاني القرآن الكريم باللغة الإنجليزية ، وقد وقع اختيار تلك اللجنة علي العمل الجليل الذي قام به العلامة / عبد الله يوسف علي .

قامت اللجنة بدراسة الآراء والملاحظات التي تجمعت حول هذا العمل علي اختلاف مصادرها ، ثم تلتها عدة لجان لمراجعة الردود والآراء وفحص المتن وتحقيق الهوامش عامة ، ولقد قام بآخر مراجعة لأعمال تلك اللجان الأستاذ الدكتور إسماعيل راجي الفاروقي رحمه الله الذي كان يومها رئيسا للمعهد العالمي للفكر الإسلامي بالولايات المتحدة الأمريكية .

وحرصا على إتقان هذا العمل  المبارك قمنا بالتعاون مع المعهد العالمي للفكر الإسلامي بتأسيس هيئة تحرير لتنفيذ التوصيات ومراجعة التعديلات ، وإعداد النسخة النهائية ، وإخراج العمل بشكله الحالي والمشار إليه بتفصيل في المقدمة الإنجليزية الخاصة بهذه الطبعة المنقحة .

نسأل الله تعالي خير الجزاء للمعهد العالمي للفكر الإسلامي وكل من أسهم في إخراج هذه الطبعة المنقحة بالرأي أو الجهد أو المال ، ونسأله سبحانه أن يثيب العلامة عبد الله يوسف علي ويسكنه فسيح جناته ..آمين ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

واشنطن – يناير – 1989م.

 

 مقدمة  الطبعة الأولى

وتضمن كتاب " ترجمة معاني القرآن الكريم بالإنجليزية " مقدمة أخرى موجزة للتعريف بسيرة المترجم / عبد الله يوسف علي رحمه الله جاء فيها :

" ولد عبد الله يوسف علي عام 1872م في مدينة بومباي في بيت من بيوت البهرة ، وكان والده رجلا متدينا من تجار بومباي ، اعتنى بتعليم ولده القرآن الكريم قبل كل شيء ، ولما حفظ عبد الله القرآن ، أقام والده مأدبة كبيرة بمناسبة إكمال ولده حفظ القرآن ، ليطبع في ذهن طفله أهمية القرآن الكريم وعظمته ، وتدرج عبد الله في مراحل تعليمه العصري إلي المراحل العليا ، وهو لا يفارق تلاوة القرآن الكريم .

تلقى عبد الله مبادئ اللغة العربية في صغره بجانب الثقافة العصرية التي امتاز بها وفاق أترابه ، وفاز في المسابقة العلمية التي كانت تُجرى لاختيار الحكام الإداريين ، والتي يُطلق عليها الخدمات المدنية  الهندية ، وكانت هذه المسابقة تعد من أهم المسابقات العلمية التي يتطلع إليها الأغنياء لأبنائهم من  الشباب ولا ينجح فيها إلا ذوي الحظوظ بينهم .

وتمكن عبد الله يوسف علي من التشبع بالأدب الإنجليزي ، وتفوق  على كثير من مواطنيه في الكتابة باللغة الإنجليزية ، ونشرت له كبرى المجلات العلمية مقالاته مُبدية إعجابها بأسلوبه الأدبي المطبوع .

سافر عبد الله يوسف علي إلي عواصم أوربا وأقام بمدينة لندن مدة طويلة ، واطلع علي ترجمات الكتب المقدسة بجانب شغفه غير المنقطع بالقرآن الكريم وما يتصل به ، وعكف على دراسة  القرآن الكريم والتفاسير  القديمة والحديثة ردحا  من  الزمن استوعب فيه كثيرا  مما كُتب عن القرآن في اللغات  الأوربية  والشرقية ، ثم  عاد إلي الهند ، واستقر بمكانه بمدينة لاهور حيث عين فيها عميدا للكلية الإسلامية ، وبدأ ترجمة معاني القرآن الكريم ، وتوفي في مدينة لاهور عام 1948م رحمه الله وتقبل منه وجزاه خير الجزاء ".

 

                                     مقدمة

الأستاذ الدكتور عبد الله يوسف علي

والحقيقة أنني بذلت جهدا في ترجمة مقدمة الطبعة الأولي التي كتبها المترجم الدكتور عبد الله يوسف علي بنفسه ومؤرخة في إبريل / 1934م ليوضح أهدافه وتطورات مشروعه وخطة العمل ، يقول فيها :

" أنا  لا أرغب في كتابة مقدمة طويلة ، فقط  أرغب في شرح تاريخ مشروعي موضحا نطاق وخطة العمل والأهداف التي سعيت لتحقيقها .

لقد أشرت في ملاحظات تمهيدية منفصلة إلي الكتب القيمة التي رجعت إليها سواء في مجال تفسير القرآن الكريم أو ترجمة القرآن الكريم وغير ذلك من المجالات المرتبطة ، وعلي نحو مماثل قمت بشرح الطريقة التي اتبعتها لترجمة الكلمات العربية والأسماء ومختصرات الكلمات التي يُكتفي بكتابة بعض الأحرف منها .

ويضيف  عبد الله يوسف علي  :

وهنا يمكن أن يُطرح سؤال : هل هناك حاجة لترجمة حديثة للقرآن الكريم باللغة الإنجليزية ؟

ولمن يطرحون هذا السؤال أطلب منهم الاطلاع علي الملاحظات المدونة أسفل كل صفحة وما انطوت عليه من تفسيرات وإيضاحات للآيات القرآنية وعلي وجه الخصوص التعليقات الواردة في الصفحتين رقمي 74 ،  164 من سورة البقرة ، وأن يقارنوا ذلك بأي ترجمة أخرى سابقة  للقرآن الكريم ، فإذا  اكتشفوا  بعد  قراءة هذه التعليقات أنني ساعدتهم ولو قليلا علي فهم معاني الآيات أو تذوق جمالها أو  إدراك شيء  من فخامة  الأصل وهو القرآن الكريم باللغة العربية ، فإنني أزعم  بذلك أن محاولتي المتواضعة لترجمة معاني القرآن الكريم قد آتت ثمارها .

إنه من واجب كل مسلم رجلا كان أو امرأة أو طفلا ، أن  يقرأ القرآن الكريم ، وأن يفهمه  طبقا لقدرته الخاصة ، وإذا تمكن أي منا من تحصيل بعض المعرفة أو الفهم للقرآن الكريم سواء بطريق الدراسة أو التأمل أو من خلال تجاربه مع الحياة الخارجية أو النفسية ، فمن الواجب عليه وفقا لقدرته أن يُعلم الآخرين ويشاركهم البهجة والسلام النابعين من التواصل الروحي .

إن القرآن الكريم – وفي الواقع أي كتاب ديني – ينبغي أن يُقرأ ، ليس فقط باللسان والصوت والأعين ، وإنما بالنور الذي تمدنا به عقولنا ، ينبغي قراءته بنور الحق الصافي الذي تمنحنا إياه قلوبنا وضمائرنا ، وبهذه الروح أتمني أن يتقرب القراء من القرآن الكريم .

كنت ما بين سن الرابعة والخامسة حين تعلمت في البداية أن أقرأ كلمات اللغة العربية وأتذوق إيقاعها وموسيقاها ، وأتعجب من معانيها ، ولازلت أتذكر حفل " ختم القرآن الكريم " والذي أنهي هذه المرحلة ، ومنذ ذلك الحين بدأت لدي يقظة روحية استمرت معي بعد ذلك دون انقطاع.

والدي الموقر علمني اللغة العربية ، ولكنني فضلا عن ذلك تشربت منه شيئا آخر رسخ في كياني الداخلي ، إنه صوت في أعماقي يخبرني بأن كل أفكار العالم وكل لغاته الجميلة وآدابه ليست إلا وسائل لنقل تلك الرسالة العظيمة التي تأتي إلي القلب في لحظات نادرة من الصفاء الروحي .

القرآن الكريم فيه روح التصوف والصفاء والسعادة ، علاوة علي أنه هداية بسيطة واضحة للإنسان البسيط  ، والتي يمكن أن يرتضيها العالم أجمع إذا بلغته علي حقيقتها ، إنه من الخير أن تحصل علي هذا الاعتراف في عصر بلغ أعلي درجات التعارض مع الحديث في الدين والسلام الروحي والتعزية الوجدانية ، عصر تُعد فيه مثل هذه الكلمات مثيرة للسخرية والشفقة أو الإزدراء.

لقد استكشفْتُ بلاد الغرب وأحواله وثقافته وعلومه ، واستكشفت أعماق الفكر والتعليم الالغربي إلي الحد الذي قلما أُتيح لرجل شرقي ، ومع ذلك لم أفقد تواصلي مع ميراثي الشرقي .

وخلال كل  نجاحاتي وحالات  فشلي ،  تعلمت أن أعتمد  أكثر وأكثر علي الشيء الوحيد الحقيقي  في حياتي ، وهو ذلك الصوت الذي يتحدث بلسان فوق حدود  الإنسان الفاني ،  وبالنسبة لي تجسد هذا  الصوت في الكلمات الشريفة للقرآن الكريم والذي حاولت ترجمته  لنفسي وتطبيقه كاملا في كافة مناحي حياتي .

إن  خدمة القرآن  الكريم  كانت  ولازالت  فخرآ وتمييزا  للكثير  من المسلمين  ،  وقدد شعرت بأن هذه الخدمة   قد  أصبحت  من قرعتي  بموجب خبرتي الحياتية.

شعرت  أن خدمتي للقرآن الكريم هي تقديمه للناس باللغة الإنجليزية في صيغة مقاربة لمعانيه  قدر الاستطاعة ، وقد ظللت أغذي هذا الطموح في عقلي أربعين عاما ، جمعت  خلالها الكتب وأدوات الكتابة ، قمت بزيارة العديد من الأماكن ، قمت برحلات ، سجلت الملاحظات ، خالطت مجتمعات من الناس ، وحاولت أن استكشف  عقولهم وقلوبهم لكي أعد نفسي لهذه المهمة .

أحيانا كانت تبدو لي مهمة مدهشة للغاية ، إنها مهمة مزدوجة ، حيث ينبغي عليك أن تفهم الأصل وهو القرآن الكريم باللغة العربية ، ثم تعيد إنتاجه بلغة أخرى ، مظهرا نبله وما فيه من مواطن الجمال والروعة وأسلوبه الأدبي الرفيع ، وما به من موسيقي تُشعر النفوس بالراحة ، وفخامته التي لا يدانيه فيها كتاب آخر في الماضي والحاضر والمستقبل ، وقابليته للتطبيق علي أي تجارب تصادفنا اليوم وكل يوم ، وفي النهاية وجهت اللوم لنفسي علي نقص الشجاعة ، تلك الشجاعة الروحية التي حملت هؤلاء الناس أصحاب الأهداف السامية علي التجرؤ والتحرك لتحقيق أهدافهم .

إن حياة الإنسان تتعرض لعواصف داخلية كثيرا ما تكون أكثر تدميرا من تلك العواصف التي تأتيه من العالم المادي المحيط به ، وفي ظل الكرب المرير والحزن الشديد الذي أفقدني صوابي ، وُلد أمل جديد من رحم تلك المطاردة المتواصلة التي لاحقني بها مشروعي الذي ظل ينمو عبر سنوات طوال بعمق وجدية .

لقد حافظت عليه معتبرا إياه كنزا مخفيا ، متعجبا أنني حملته آلاف الأميال لكل أنواع الدول والشعوب ، ليستقر بي المطاف في مدينة " لاهور".

لقد ذكرت الأمر لبعض الشباب الصغير ، وفوجئت بهم يحيطون بي بحب واحترام شديد ، وأظهروا حماسا وجدية للمشروع أدهشتني ، وأخذوا زمام الأمر من يدي ، وطلبوا نشرا فوريا للكتاب ، وكان تحت يدي بعض الأوراق ولكنها لا تحتوي علي جزء كامل من أجزاء القرآن الكريم ، وصمم هؤلاء الشباب على أن يحصلوا علي وعد مني بتسليمهم جزءاً كاملا قبل مغادرة لاهور.

لقد قام الشباب بعمل يشبه السحر ، استطاعوا أن يوفروا الناشر الذي تعهد بنشر الجزء الأول ، والكاتب الذي سيكتب نصوص الآيات القرآنية باللغة العربية ، والنقاش الذي  سيضبط صفوف الآيات باللغتين العربية والإنجليزية ، وعامل الطباعة  ، لقد عملوا جميعا علي قدم المساواة بشغف شديد لدفع المشروع  للأمام  ، بارك الله عز وجل في الشباب وأنعم عليهم بمزيد من  الطاقة والعزيمة  والتصميم ، ففي الوقت الذي تراجع  فيه الآخرون ، تقدم الشباب بكل  شجاعة .

أيها القارئ الكريم البصير ، ما أرغب فيه هو أن أقدم لك تفسيرا للقرآن الكريم باللغة الإنجليزية جنبا إلي جنب مع نصوص الآيات القرآنية باللغة العربية ، ولن تكون الترجمة مجرد استبدال للكلمة العربية بأخرى إنجليزية ، وإنما سوف أعرض لك باللغة الإنجليزية المعني الإجمالي الذي استطعت أن أفهمه من النص العربي من خلال ترجمة تعكس الإيقاع والموسيقى والنغمة الرفيعة الواردة في الأصل ، قد يكون هذا الانعكاس باهتا ، لكنني سوف أسَّخر كل امكانات قلمي لتحقيق هذه الغاية ، إنني أريد أن أجعل اللغة الإنجليزية نفسها لغة إسلامية .

وقد حرصت أخي القارئ علي أن أقدم لك كل الإضافات التي يمكن أن تساعدك علي قدر استطاعتي من خلال النثر الإيقاعي أو  النص الحر أيا ما تسميه ، وأن أقدم لك التهيئة من خلال تعليق مصاحب للترجمة يحتوي علي الموضوع بشكل عام ، وبشأن ترجمة سور القرآن  الكريم ،  إذا   كانت السورة قصيرة  أقدم  لك فقرة أو  فقرتين  من تعليقي لإعدادك لفهم النص ،  وإذا كانت السورة طويلة  أقدم  لك لب الموضوع  لكل مجموعة من الآيات المرتبطة في فقرة قصيرة من  تعليقي من  وقت إلي آخر .

الفقرات التي تنطوي علي التعليقات التابعة للآيات مرقمة علي التوالي مع الأخذ في الاعتبار الارتباط بين كل فقرة والفقرات السابقة واللاحقة لها ،  وفي إمكانك أن تقرأ هذه التعليقات المصاحبة والمدونة أسفل كل صفحة بنفسك  لتأخذ فكرة عامة عن محتويات القرآن الكريم قبل أن تشرع في دراسته  .

نص الآية القرآنية باللغة الإنجليزية مدون بخط أكبر من  ذلك المدون به التعليقات حرصا علي  التمييز بمجرد النظر  بين جوهر الكلام المتمثل في الآيات القرآنية الكريمة وظلال الكلام الواردة في التعليقات  ، إنه  أيضا مدون  بطريقة  مختلفة حيث تم كتابة نصوص  الآيات باللغتين  العربية والإنجليزية  جنبا  إلي جنب في أعمدة متوازية .

كل سورة ، وكل نص داخل كل سورة مرقم ترقيما منفصلا ، والأرقام مبينة صفحة تلو الأخرى ، ونظام ترقيم النصوص لا يسير علي نهج أي ترجمة أخري سابقة .

الكتّاب والمترجمون الأوربيون سمحوا بالتباعد  بين  الأرقام تباعدا كبيرا علي نحو غير  مقبول في  الشرق  ، القراءات  المختلفة  قد تختلف  بسبب علامات الترقيم  أو أرقام النصوص ، لذلك من الأهمية بمكان أن تتبع الدول الإسلامية علي الأقل نظاما  موحدا للترقيم ، ولقد  طبقت نظام  الترقيم  الخاص بالطبعة المصرية التي نشرت  في ظل سلطة ملك مصر ، وبالطبع سيكون هذا مقبولا  ففي مصر وسائر الأقطار التي  تتحدث باللغة  العربية لأن هذه الأقطار تتطلع إلي مصر  في كل مما يتعلق بشئون العلم والأدب .

ولقد شعرت بالسعادة حين علمت أن النسخة  التي  سوف تصدر  قريبا بمعرفة " أنجوماني  حمايتي إسلام ""  بلاهور  تتبع نفس نظم الترقيم  ،   وقد نصحت سائر  الناشرين  في الهند أن يتبعوا نفس هذا النموذج الجيد ، ولو حدث هذا  سوف يكون لدينا نظام ترقيم موحد .

وبالنسبة لعدد وأرقام الأجزاء فقد أبقيت الوضع علي ما هو عليه في النسخ العربية ، وقمت بعمل تقسيم منطقي لكل سورة إلي عدة أقسام بحسب ما تحتويه السورة من موضوعات ، ووضعت علامات فارقة بين كل قسم وما يليه باستخدام فقرة من تعليقي موجزة لتوضيح مضمون الآيات التالية لهذه الفقرة ، وهذه الفقرات ليست مرقمة ولكنها مكتوبة بخط متميز وتبدأ بحرف استهلالي.

وفي ترجمة النصوص لا أعرض وجهة نظري الخاصة ،  وإنما أعرض وجهة نظر المفسرين المقبولين ، فإذا اختلفوا فيما  بينهم ، فإنني أعرض الرأي الذي  يبدو لي أكثر منطقية من  باقي  الآراء  المعروضة.

وعندما كان الأمر يتعلق بمجرد ترجمة لمعاني الكلمات لم أجد ضرورة للتعليق  علي  ذلك ، أما إذا تعلق الأمر بجوهر الآيات ومضمونها ، فقد أتْبَعته بشرح وتفسير واف في التعليقات المصاحبة لترجمة الآيات .

 ولقد تحاشيت الترجمة الحرفية حتي أتمكن من ترجمة المعنى العام وروح النص ، وقمت بشرح المعاني الحرفية  في الملاحظات ، وبالنسبة لاختيار الكلمة الإنجليزية  المرادفة لكلمة عربية فإن المترجم يمارس نوعا من  التقدير والاختيار وربما - دون أن يشعر  - يعبر عن وجهة نظره الخاصة من واقع فهمه للنص ومعاني الكلمات الواردة فيه ، وأعتقد أن هذا شيء لا محالة منه .

دعني أشرح لك نطاق الملاحظات ، لقد جعلت الملاحظات في أقصر عبارة ممكنة ، وحرصت علي ذلك بشكل مستمر حتي أعطي القارئ الإنجليزي سواء الطالب الأكاديمي أو القارئ العادي معني كامل ، ولكنه مختصر لما فهمته من النص ، ولم أناقش الخلافات الدينية أو المحادثات الجدلية معتبرا ذلك خارج نطاق مهمتي ، هذه المناقشات  والمجادلات ربما  تكون ضرورية ،  لكن لها مكان آخر إذا لم يكن فيها خروج عن الاحترام اللائق بالقرآن ، هذا  بالإضافة إلي  أن هذه المناقشات ليست من الأمور الهامة أو المعلومات المرغوبة لقارئ اليوم ، وجدير بالذكر أن  المفسرين لم يُبدوا أي تحفظات علي الجدل  الموضوعي الهادف  .

أما بالنسبة لمسألة التشريع فإن القرآن الكريم وضع مبادئ عامة  ، وهذه قمت بشرحها ، بينما تفاديت الدخول في التفاصيل العملية ، وسوف أناقشها في مكانها  المناسب من كتابي " Anglo Muhammadan Law ".

كذلك لم أخصص مساحة كبيرة للتعليق علي مسائل النحو واللغة ، حيث أرى أن الجمهور العريض من علمائنا في الماضي قد تركوا من المراجع ما لم يترك لنا جديدا لنقوله ، ولا يوجد عادة اختلافات كثيرة في هذا المجال ، ولذلك تقبلت نتائج العلماء المتخصصين دون أن أضع مبررات لهذه النتائج في التعليقات .

وعندما كان من الضروري لفهم النص استدعاء الوقائع التي كانت سببا لنزوله ، فقد فعلت ذلك وقمت بعرض أسباب التنزيل ولكن بشكل مختصر ، فمن المعلوم أن كل نص أنزل لمناسبة معينة له أيضا معنى عام ، فهذه المناسبة الخاصة والأشخاص المتعلق بهم النص قد فارقوا الحياة ، أما المعنى العام للنص فقد ظل حقيقة باقية مدي الزمان ، وما يعنينا الآن في القرن الرابع عشر للهجرة هو ذلك الهدي الذي نستنبطه لأنفسنا من رسالة الله عز وجل .

لقد تحدثت عن المعاني العامة للنصوص ، والحقيقة أن كل دارس وقور وجاد للقرآن الكريم عندما يشرع في دراسته سوف يجد في نفسه بهجة غامرة يصعب وصفها ، وكيف أن هذا المعني العام للنص يتسع كلما زادت قدرته علي الفهم كمثل الذي يتسلق الجبل ، كلما زاد ارتفاعه كلما اتسع مجال رؤيته للأشياء .

ما أعظم تلك البهجة والشعور بالدهشة والإعجاز عندما يفتح القرآن الكريم أبصارنا - والتي هي أعين أرواحنا - فنجد أن المعنى الذي اعتقدنا أننا فهمناه وأحطنا به لازال يتسع ويتمدد ليفتح أمامنا عوالم جديدة ، وكلما تقدمنا يتمدد المعنى ، ونشعر بعوالم جديدة تسبح في أعماقنا  ، وإحساسنا بالإعجاز  يتعمق ويتعمق حتي يستوعبنا ، ونعرف بعدد ذلك أننا أوشكنا علي الوصول لوجه الله عز وجل ، والذي هو غايتنا النهائية ، وإذا كان الأشرار قد أنكروا ملك سليمان وتحولوا إلي التجديف ، فإننا نتجاهل التجديف والسخرية والازدراء  ، لأننا علي عتبة  الحقائق ، وقد فاحت روائح العطور من جنة الله عز وجل الواحد الأحد لتسعد  أرواحنا .

هذه المعاني يصعب التعبير عنها ، ولكنني كلما استطعت قمت بتوضيحها في الملاحظات مصحوبة بالإيقاع واللغة الراقية للنص .

الخطاط / محمد شريف من مدرسة / بر عبد الحامد ، كنت أتواصل معه شخصيا ، التزم رغبتي في نوعية الخط الواضح الذي طلبته والكلمات الواضحة المنفصلة ، ودقة علامات التشكيل التي توضع فوق أو تحت الحروف المرتبطة بها ، ووضع الأرقام في أماكنها الصحيحة أمام النصوص ، ووضع النص العربي أمام ترجمته باللغة الإنجليزية ، إن الخط يحتل مكانة هامة في الفن الإسلامي ، وأنا أرغب أن تكون طبعتي مدونة بأجود الخطوط التي تتناسب مع موضوعها .

كذلك كنت حريصا علي ضمان التعاون مع الدكتور /  زافار إقبال ليقوم بفحص مسودة  النص  العربي ، فهو الذي راجع طبعة  " أنجومان " التي تحتوي علي القرآن الكريم باللغة العربية ،  وبذل جهدا كبيرا لضبط علامات  الترقيم  بها ، كما حققها تاريخيا وبحث مشاكلها ، وأتمنى أن تنشر رسميا ،  وأرى أنها  معدة  بعناية  كبيرة تفوق  أي  طبعات  للقرآن الكريم نُشرت  في الهند  ،  وقد سرت على  نهجها فيما يتعلق بعلامات الترقيم ،  وترقيم نصوص  الآيات القرآنية  الكريمة.

لقد  كنت راغبا وحريصا على أن تكون طبعة  كتاب" ترجمة  معاني القرآن الكريم" في أفضل صورة ممكنة ، في نموذج مبتكر يحقق الأهداف المرجوة منه ، وأن تكون من صفحاته من الورق المصقول ، وبأفضل حبر يمكن الحصول عليه / متمنيا أن تحصل الطبعة في شكلها النهائي على قبول الجميع ، مراعيا أن بعض الفئات من القراء  يحرصون على  جودة الكتاب علي نحو يسهل عليهم قراءته .

كل  الشكر والتقدير  لأصحاب "صحافة ريبون" وكل طاقم العمل معهم خاصة السيد/ بدر  الدين بدر  المختص  بفحص  مسودة  الطباعة  التي يقومون بإعدادها ، لقد بذلوا  جهدا كبيرا  في تنفيذ الأعمال  التي أسندت  إليهم  لتكون في أفضل  صورة  ممكنة ،  ورغم أن  المطوب  منهم كان فوق العادة من حيث ما يحتاجه  من وقت  وجهد ورعاية  ،  إلا أنهم قاموا  به وهم  في  غاية الرضا  والسعادة .

كما أتوجه بالشكر للناشر / الشيخ محمد  أشرف الذي  ألقى بنفسه قلبا وروحا في  خضم  هذا العمل  ، وأعتقد  أن الجميع سوف يقدرون ما  قام به من جهود.

الخطة هي إصدار كل جزء عندما يكون جاهزا للنشر ، على ألا تزيد الفترات الفاصلة بين إصدار كل جزء والتالي له عن ثلاثة أشهر ، وأتمني أن نحقق سرعة في الإصدار أكبر من ذلك .

ترقم الصفحات سوف يكون مستمرا في المجلدات التالية ، والعدد الأخير سوف يكون من مجلدين أو ثلاث ، وأنوي إن شاء الله عز وجل أن أقدم فهرس تحليلي كامل لكافة الأجزاء في نهاية الجزء الأخير ، وأتمني من كل المهتمين المشاركة في أمر الاكتتاب الذي أصدره الناشر لمن يرغبون في سداد مقدم حجز لشراء الأجزاء .

كلمة أخيرة للقراء ، اقرأوا ، ادرسوا ، استوعبوا القرآن الكريم ، اقرأوا ببطء ودعوه يغوص في أعماق قلوبكم وأرواحكم ، إن مثل هذه القراءة فضيلة حتما لابد وأن تكون لها مكافئتها ، إذا رأيتم شيئا في هذا المجلد محلا لانتقادكم لا تجعلوه يفسد عليكم متعتكم بباقي ما جاء فيه ، إذا كتبتم لي رقم الآية التي ترون فيها غموضا أو ترون أني أخطأت في تفسيرها ، فسوف أكون سعيدا بأخذ هذا النقد في الاعتبار ، وأي تصحيحات مقبولة لن أتردد في الأخذ بها ، وسوف أرسل لكم رسالة الشكر والامتنان ، لو أن هناك أي شيء يسعدكم أو يساعدكم ، من فضلكم لا تترددوا في أن ترسلوا لي بما شئتم ، فقد خصصت وقتي وجهدي لمساعدتكم ، فسوف أكون في غاية السرور حين أشعر أن عملي لم يذهب هباء ، وإذا أرسلتم لي علي عنوان الناشر ب " لاهور " فسوف تصلني رسائلكم .

عبد  الله  يوسف علي

4/4/1934م

                                  مقدمة أخرى

للأستاذ الدكتور/عبد الله يوسف علي

المقدمة سالفة الذكر هي المقدمة الافتتاحية لطبعة كتاب " معاني القرآن الكريم بالإنجليزية " التي بين يدي ، والتي أصدرتها شركة أمانة بالتعاون مع المعهد العالمي للفكر الإسلامي بالولايات المتحدة الأمريكية ، وهي طبعة 1991م ، وواضح مما جاء فيها أن المترجم رحمه الله كتبها ليفتتح بها الجزء الأول الذي تم نشره في مدينة لاهور بالهند استجابة لضغوط الشباب وبمساعدتهم .

وتلا هذه المقدمة كلمة  كتبها المرحوم / عبد  الله  يوسف علي -  المواطن المسلم الهندي - تحت عنوان " تفسير القرآن الكريم " يوضح  فيها المصاعب التي واجهته  في ترجمة القرآن  الكريم ، وكيف تجاوزها ،  حيث يقول رحمه الله :

" إن  العلم القرآني  كبير الحجم علي نحو  يحول  بين أي  إنسان وبين قراءته  كاملا بتمعن  ، فالمؤلفات المتعلقة بالقرآن  الكريم لا  تحصى ،  وكل  يوم  تضاف مؤلفات وأعمال  جديدة ، والنشاط  في هذا المجال  لم يكن من قبل أعظم منه الآن .

لا يوجد كتاب في العالم أنفق فيه من الوقت والعمل والأموال  على قدر ما تم انفاقه في خدمة القرآن الكريم .  إن مجرد لمحة عاجلة في كتاب " الإتقان " للسيوطي  وكتاب  " كشف الظنون ل "حاجي خليفة" سوف  يكشف الحجم الموسوعي للعلوم القرآنية في زمنهم ، ومنذ  ذلك الوقت والحجم  في تزايد  مستمر على الرغم  من  أنه  لابد من  الاعتراف بأن مستوى المؤلفات الأخيرة في موضوع البحث يجعل هناك  المزيد مما ينبغي عمله.

وينبغي ملاحظة أن الانتكاسة التي لحقت  بالعالم الإسلامي في مجال الإبداع علي وجه العموم سواء في مجال العلم أو الفن أو الفلسفة ، والقصور المصاحب لذلك في نظرة المسلمين وخبرتهم في مجال الأطوار المختلفة للحياة العقلية والروحية قد أدي إلي غياب روح الحرية والإبداع في مجال البحث العلمي .

إن نهضة  الإسلام الحديثة والتي بدأت توا ، نأمل أن تؤدي  إلي إزالة  نسيج  العنكبوت  لتدع  نور العقل المبهر  يمر  .

إن  الحاجة إلي شرح نصوص القرآن الكريم  قد بدأت مبكرا للغاية حتي قبل أن يكتمل نزول القرآن الكريم  ، فقد اعتاد الناس أن يسألوا النبي صلى الله عليه وسلم كافة أنواع الأسئلة مثل : الاستفسار عن معاني  كلمات معينة  في  النصوص التي نزلت ، أو عن كيفية تعاملهم مع المشاكل  التي تواجههم ، أو  يستفسرون عن بعض الأمور التاريخية أو  الروحية بحثا  عن المزيد من نور الإيمان ، وكانت أجوبة  النبي صلى  الله عليه وسلم  تُحفظ بعناية في  ذاكرة  "أصحابه" ،  وفيما  بعد  تم  تدوين هذه الإجابات  ، ثم  جاء الجيل التالي وهم " التابعون " الذين لم يتحدثوا  شخصيا مع النبي  صلى  الله عليه  وسلم مثل الصحابة ولكنهم تحدثوا مع  الصحابة وتعلموا منهم  ، أما الأجيال  اللاحقة  للصحابة والتابعين  فقد  اعتادت الرجوع إلى الوراء  لعمل  سلسلة  للدليل تربط بين التابعين والصحابة الذين يُعزى إليهم نمو وازدهار  علم الحديث أو  ما  نسميه السنة النبوية المباركة ،  وكان من الضروري  إنشاء مجموعة من القواعد  الصارمة التي  يتم من  خلالها فحص واختبار  الدليل للتمييز بين الحديث  النبوي الذي تثبت صحته وذلك المشكوك فيه أو الضعيف الذي ينبغي تركه ،  وقد أصبح معروفا  في علم الحديث أنه يوجد من  بين الصحابة أشخاص معينون لديهم ذاكرة أقوى من الآخرين أو لديهم فرص أكبر لفهم المعني الحقيقي الذي يقصده النبي صلي  الله عليه وسلم ، وعلي نحو مشابه  تم فحص ما  رواه التابعون وتم تصنيفه ، وهذا ما أدي إلي نشأة علم جديد يتم من خلاله فحص أسماء ومكانة رواة الحديث  من  حيث السيرة الذاتية والصفات للتحقق من توفر الثقة فيهم من عدمه ، ويدخل هذا العلم ضمن علم السنة النبوية.

الحديث النبوي تعامل مع كل الأمور ، كالأمور الدينية والأخلاقية وتفسير القرآن الكريم ، وسرعان ما تحول التفسير إلي علم مستقل بنفسه يسمى علم التفسير ، وبدأ نطاقه يتسع نظرا لاتساع الخبرة والمعرفة لدى العرب عموما والكتاب العرب خاصة ، هذا بالإضافة إلى  اتساع نطاق أبحاث السنة النبوية والتفسير من خلال زوايا مختلفة ، حيث بدأ فحص معاني الكلمات لغويا من خلال جمع أكبر كمية  من الجذور اللغوية للكلمات وهو الأمر الذي خُصصت له قواميس فيما بعد لتوضيح جذور ومعاني الكلمات العربية ، وتم التركيز على معاني الكلمات وطريقة استعمالها  لدي  قبيلة قريش  العربية  التي ينتمي لها  النبي صلي الله  علليه وسلم للتوصل إلي المعاني  الأصلية للكلمات  العربية قبل أن  تختلط  بكلمات أجنبية ، وكذلك بحث طريقة استعمال المسلمين من غير العرب للغة العربية وما تركته من أثر علي معاني الكلمات ، وتم بحث تأثير الامتداد الجغرافي الضخم للجنس العربي خلال القرون القليلة الأولي بعد نزول القرآن الكريمومن جهة أخري فإن زيادة العلم بالتاريخ والاطلاع على الأساطير اليهودية والمسيحية قد حدا ببعض المفسرين إلي استخدام هذه الأساطير للتدليل علي صحة تفسيراتهم ، ونتيجة لذلك وجدت كميات من الحشو اليهودي – وبعضها مناف للعقل – طريقها إلي كتب التفسير رغم عدم مناسبتها وانقطاع صلتها بالموضوعات التي يتم دمجها فيها ، وهو الذي رفع من شأن هذه الأساطير اليهودية علي نحو استثمره الكتاب اليهود والمسيحيين المجادلين ، وهذا المسلك لا يتفق مع الإسلام نصا وروحا والذي يسعي في كم كبير من آياته لمواجهة المعارف الخاطئة لدي اليهود والمسيحيين ، وبعض  كتب التفسير عرضت أساطير من التلمود والميدراش والمدارس المسيحية الخيالية كما لو كانت حقيقة .

وبعد ذلك جاءت الفلسفة ،  ثم المذهب  الصوفي الذي تبنته المدارس الصوفية ، ثم ظهر  علم  الكلام والذي يبنى علي علم المنطق وفرعه الإضافي علم العقائد الذي يتبنى التفسير  الفلسفي للأسس التي يقوم عليها الإيمان من خلال تقديم عناصر  إضافية  من الأدلة العقلية.

أما التأويل فيعني بيان المعني الخفي الكامل داخل النص من خلال حدس للمفسر فوق نطاق معارف الإنسان المعتادة ، والمتصوفون يلتزمون بالقواعد النابعة من نظمهم الخاصة والتي كانت صارمة للغاية ، ولكن الكتاب غير المتصوفين انغمسوا في قدر كبير من الحرية التي أُسيئ استعمالها ، وهو الأمر الذي استدعي وبحق اعتراض عدد كبير من العلماء الراشدين ، وبالنسبة لي فأنا أتفق مع هذا الاعتراض مع احترامي لحق الأفراد في تقدير الدور الذي يقوم به كل كاتب جاد .

إنني أعتقد أن فن التفسير ينبغي  أن  يكون لصيقا بأكبر قدر ممكن بالنص  الذي يحتاج إلي تفسير ، ولكل كاتب  جاد ومفكر الحق في أن يستخدم كل المعرفة والخبرة التي  يمتلكها  لخدمة  القرآن الكريم  ، ولكن يجب عليه ألا يخلط نظرياته واستنتاجاته الخاصة مهما كانت معقوليتها ومنطقيتها  بتفسير النص  ذاته .

إن الصعوبات التي تواجهنا في التفسير تنشأ غالبا نتيجة أسباب مختلفة ، أذكر القليل منها فيما يلي :

1- إن الكلمات العربية في النص قد اكتسبت معاني أخرى غير تلك التي كان يفهمها النبي صلي الله عليه وسلم والصحابة من هذه الكلمات ، ولا شك أن كل اللغات الحية تعاني من مثل هذا التحول ، والمفسرون واللغويون الأوائل خاضوا في مجال التفسير بفهم كبير لمعاني الكلمات ، ويجب علينا أن نتقبل نتائجهم ، فإذا لم تكن هذه النتائج متفق عليها وجب علينا أن نستخدم تقديرنا وحسنا التاريخي لاختيار التفسير الذي نراه الأصوب ، ولا يصح لنا أن نبتكر معاني كلامية جديدة .

2- منذ أن كتب المفسرون الأوائل تفسيراتهم تطورت اللغة العربية ، وهجر المفسرون المتأخرون تفسيرات الأوائل دون مبرر معقول ، والصحيح أنه في حالة ممارستنا لصلاحية التقدير والاختيار أن نفضل تفسيرات المفسرين الأوائل على تفسيرات المتأخرين ،  فإذا قام  كاتب متأخر  بمراجعة تفسير ما لهذا المفسر أو ذاك من الأوائل  وعدل عنه لأسباب جيدة  ومقبولة  فيجبب علينا أن نسلم  له فيما  توصل له  من  نتائج.

3- اللغة  العربية الأصيلة بها كم  كبير ممن الكلمات ،  كل منها له جذر لغوي هو أصل الكلمة ، ويكون له في كثير من الأحيان معاني متعددة ، فضلا عن كثرة اشتقاقات الومن جهة أخري فإن زيادة العلم بالتاريخ والاطلاع على الأساطير اليهودية والمسيحية قد حدا ببعض المفسرين إلي استخدام هذه الأساطير للتدليل علي صحة تفسيراتهم ، ونتيجة لذلك وجدت كميات من الحشو اليهودي – وبعضها مناف للعقل – طريقها إلي كتب التفسير رغم عدم مناسبتها وانقطاع صلتها بالموضوعات التي يتم دمجها فيها ، وهو الذي رفع من شأن هذه الأساطير اليهودية علي نحو استثمره الكتاب اليهود والمسيحيين المجادلين ، وهذا المسلك لا يتفق مع الإسلام نصا وروحا والذي يسعي في كم كبير من آياته لمواجهة المعارف الخاطئة لدي اليهود والمسيحيين ، وبعض  كتب التفسير عرضت أساطير من التلمود والميدراش والمدارس المسيحية الخيالية كما لو كانت حقيقة .

وبعد ذلك جاءت الفلسفة ،  ثم المذهب  الصوفي الذي تبنته المدارس الصوفية ، ثم ظهر  علم  الكلام والذي يبنى علي علم المنطق وفرعه الإضافي علم العقائد الذي يتبنى التفسير  الفلسفي للأسس التي يقوم عليها الإيمان من خلال تقديم عناصر  إضافية  من الأدلة العقلية.

أما التأويل فيعني بيان المعني الخفي الكامل داخل النص من خلال حدس للمفسر فوق نطاق معارف الإنسان المعتادة ، والمتصوفون يلتزمون بالقواعد النابعة من نظمهم الخاصة والتي كانت صارمة للغاية ، ولكن الكتاب غير المتصوفين انغمسوا في قدر كبير من الحرية التي أُسيئ استعمالها ، وهو الأمر الذي استدعي وبحق اعتراض عدد كبير من العلماء الراشدين ، وبالنسبة لي فأنا أتفق مع هذا الاعتراض مع احترامي لحق الأفراد في تقدير الدور الذي يقوم به كل كاتب جاد .

إنني أعتقد أن فن التفسير ينبغي  أن  يكون لصيقا بأكبر قدر ممكن بالنص  الذي يحتاج إلي تفسير ، ولكل كاتب  جاد ومفكر الحق في أن يستخدم كل المعرفة والخبرة التي  يمتلكها  لخدمة  القرآن الكريم  ، ولكن يجب عليه ألا يخلط نظرياته واستنتاجاته الخاصة مهما كانت معقوليتها ومنطقيتها  بتفسير النص  ذاته .

إن الصعوبات التي تواجهنا في التفسير تنشأ غالبا نتيجة أسباب مختلفة ، أذكر القليل منها فيما يلي :

1- إن الكلمات العربية في النص قد اكتسبت معاني أخرى غير تلك التي كان يفهمها النبي صلي الله عليه وسلم والصحابة من هذه الكلمات ، ولا شك أن كل اللغات الحية تعاني من مثل هذا التحول ، والمفسرون واللغويون الأوائل خاضوا في مجال التفسير بفهم كبير لمعاني الكلمات ، ويجب علينا أن نتقبل نتائجهم ، فإذا لم تكن هذه النتائج متفق عليها وجب علينا أن نستخدم تقديرنا وحسنا التاريخي لاختيار التفسير الذي نراه الأصوب ، ولا يصح لنا أن نبتكر معاني كلامية جديدة .

2- منذ أن كتب المفسرون الأوائل تفسيراتهم تطورت اللغة العربية ، وهجر المفسرون المتأخرون تفسيرات الأوائل دون مبرر معقول ، والصحيح أنه في حالة ممارستنا لصلاحية التقدير والاختيار أن نفضل تفسيرات المفسرين الأوائل على تفسيرات المتأخرين ،  فإذا قام  كاتب متأخر  بمراجعة تفسير ما لهذا المفسر أو ذاك من الأوائل  وعدل عنه لأسباب جيدة  ومقبولة  فيجبب علينا أن نسلم  له فيما  توصل له  من  نتائج.

3- اللغة  العربية الأصيلة بها كم  كبير ممن الكلمات ،  كل منها له جذر لغوي هو أصل الكلمة ، ويكون له في كثير من الأحيان معاني متعددة ، فضلا عن كثرة اشتقاقات الومن جهة أخري فإن زيادة العلم بالتاريخ والاطلاع على الأساطير اليهودية والمسيحية قد حدا ببعض المفسرين إلي استخدام هذه الأساطير للتدليل علي صحة تفسيراتهم ، ونتيجة لذلك وجدت كميات من الحشو اليهودي – وبعضها مناف للعقل – طريقها إلي كتب التفسير رغم عدم مناسبتها وانقطاع صلتها بالموضوعات التي يتم دمجها فيها ، وهو الذي رفع من شأن هذه الأساطير اليهودية علي نحو استثمره الكتاب اليهود والمسيحيين المجادلين ، وهذا المسلك لا يتفق مع الإسلام نصا وروحا والذي يسعي في كم كبير من آياته لمواجهة المعارف الخاطئة لدي اليهود والمسيحيين ، وبعض  كتب التفسير عرضت أساطير من التلمود والميدراش والمدارس المسيحية الخيالية كما لو كانت حقيقة .

وبعد ذلك جاءت الفلسفة ،  ثم المذهب  الصوفي الذي تبنته المدارس الصوفية ، ثم ظهر  علم  الكلام والذي يبنى علي علم المنطق وفرعه الإضافي علم العقائد الذي يتبنى التفسير  الفلسفي للأسس التي يقوم عليها الإيمان من خلال تقديم عناصر  إضافية  من الأدلة العقلية.

أما التأويل فيعني بيان المعني الخفي الكامل داخل النص من خلال حدس للمفسر فوق نطاق معارف الإنسان المعتادة ، والمتصوفون يلتزمون بالقواعد النابعة من نظمهم الخاصة والتي كانت صارمة للغاية ، ولكن الكتاب غير المتصوفين انغمسوا في قدر كبير من الحرية التي أُسيئ استعمالها ، وهو الأمر الذي استدعي وبحق اعتراض عدد كبير من العلماء الراشدين ، وبالنسبة لي فأنا أتفق مع هذا الاعتراض مع احترامي لحق الأفراد في تقدير الدور الذي يقوم به كل كاتب جاد .

إنني أعتقد أن فن التفسير ينبغي  أن  يكون لصيقا بأكبر قدر ممكن بالنص  الذي يحتاج إلي تفسير ، ولكل كاتب  جاد ومفكر الحق في أن يستخدم كل المعرفة والخبرة التي  يمتلكها  لخدمة  القرآن الكريم  ، ولكن يجب عليه ألا يخلط نظرياته واستنتاجاته الخاصة مهما كانت معقوليتها ومنطقيتها  بتفسير النص  ذاته .

إن الصعوبات التي تواجهنا في التفسير تنشأ غالبا نتيجة أسباب مختلفة ، أذكر القليل منها فيما يلي :

1- إن الكلمات العربية في النص قد اكتسبت معاني أخرى غير تلك التي كان يفهمها النبي صلي الله عليه وسلم والصحابة من هذه الكلمات ، ولا شك أن كل اللغات الحية تعاني من مثل هذا التحول ، والمفسرون واللغويون الأوائل خاضوا في مجال التفسير بفهم كبير لمعاني الكلمات ، ويجب علينا أن نتقبل نتائجهم ، فإذا لم تكن هذه النتائج متفق عليها وجب علينا أن نستخدم تقديرنا وحسنا التاريخي لاختيار التفسير الذي نراه الأصوب ، ولا يصح لنا أن نبتكر معاني كلامية جديدة .

2- منذ أن كتب المفسرون الأوائل تفسيراتهم تطورت اللغة العربية ، وهجر المفسرون المتأخرون تفسيرات الأوائل دون مبرر معقول ، والصحيح أنه في حالة ممارستنا لصلاحية التقدير والاختيار أن نفضل تفسيرات المفسرين الأوائل على تفسيرات المتأخرين ،  فإذا قام  كاتب متأخر  بمراجعة تفسير ما لهذا المفسر أو ذاك من الأوائل  وعدل عنه لأسباب جيدة  ومقبولة  فيجبب علينا أن نسلم  له فيما  توصل له  من  نتائج.

3- اللغة  العربية الأصيلة بها كم  كبير ممن الكلمات ،  كل منها له جذر لغوي هو أصل الكلمة ، ويكون له في كثير من الأحيان معاني متعددة ، فضلا عن كثرة اشتقاقات الالكلمة ، وفي ظل  هذه السمات  لا يمكن أن تفسر العبارات  العربية بطريقة اللغة التحليلية الحديثة ، أي كلمة بكلمة ، لأن الكلمة  ليست بمعنى واحد ففي  كافة الأماكن التي وردت فيها ،  فإذا رجحنا  أحد معاني الكلمة في  نص معين  فيجب ألا  نغفل عن باقي المعاني  الكامنة  فيها ، فالمنشور الزجاجي يقوم بتحليل شعاع الضوء ، فإذا نظرنا إلي المجال الذي يغلب  فيه  أحد الألوان  فسوف تهرب  من أعيننا باقي الألوان ،  كذلك الكلمة العربية مليئة بشعاع الضوء ، فعندما  ينظر إليها المترجم  من خلال منشور اللغة التحليلية الحديثة  سوف يفقد الكثير من معناها لأنه ركز انتباهه  إلي معنى واحد ، المترجمون الأوربيون فشلوا في هذه الناحية ، وأحيانا هبطوا لمستوي سرد النتائج المنافية للعقل لأن الاختلافات الدقيقة في معاني الكلمات العربية لم تُدرس في لغاتهم ، ولم يبحثوها أو يقدروا آثارها في مجال ترجمة النصوص العربية ، رغم أن اللغة العربية هي أفضل نموذج للغات الشرقية ، فقد تركوا ترجمة علوم اللغات الشرقية لاسيما الدينية والروحية ، ولاشك أنه لا توجد لغة إنسانية كافية وقادرة علي التعبير عن الأفكار الروحية السامية مثل اللغة العربية ، فهذه الأفكار ينبغي التعبير عنها بكلمات موجزة  ووافرة  المعنى ، وعلى ذلك فإنهم لا يرون من الضوء بعد  مروره في المنشور سوى اللون الازرق القاتم  ،  أما سيمفونية  باقي الألوان فقد غابت  عن أعينهم .

4- اختلاف آخر بين اللغة العربية والإنجليزية ، يتمثل في أن كلمات القرآن الكريم الغنية وافرة المعاني قد تميز بين أشياء وأفكار متقاربة بمشتقات متعددة للكلمة الواحدة ، على سبيل المثال كلمة "رحمن" وكلمة  "رحيم" ، بينما في اللغة الإنجليزية لا توجد سوي كلمة واحدة عامة للتعبير عن معني معين ، وهي هنا " Merciful "  ، كذلك كلمات مثل  (  عفا – صفح – غفر  )  والتي لا يمكن ترجمتها في اللغة الإنجليزية سوي بكلمة واحدة هي " Forgive " ، ومثل ذلك الكلمات المتعددة للتعبير عن الخلق .

والحقيقة أننا لو استخدمنا كلمة " Mercy " فإنها سوف تعطينا فكرة محدودة للغاية عن رحمة  الله عز  وجل ، أما الفكرة القرآنية  للرحمة  فهي تشير إلي معاني متعددة منها الشفقة والرحمة ،  ومنها  فضل الله  عز وجل  على  الإنسان  الذي  يحميه  من الوقوع في الذنوب ، ومنها هدايته لنا إلي نور وجهه الكريم ، ولذا فإن رحمة الله عز وجل شيء آخر مختلف من جميع النواحي عن رحمة الإنسان بأخيه الإنسان.

كذلك صفة الخلق عند الله عز وجل وفقا للقرآن الكريم - ليست كما هي في سائر العقائد واللغات – مجرد عملية تمت في الماضي البعيد وانتهت - ، بل هي وفقا لمعاني الخلق في القرآن الكريم عمليات متنوعة ومستمرة علي نحو يُفهم منه أن خلق الله عز وجل مستمر بلا انقطاع ومتنوع بلا نهاية. إنني أؤمن بالتفسير المتطور لمواجهة حاجاتنا الدائمة لفهم الأمور الدينية والروحية من زوايا مختلفة ، فالصعوبات التي تواجهني ربما لا تكون هي نفس الصعوبات التي تواجهك ، والمشاكل التي نواجهها في عصرنا ربما لا تكون هي نفس المشاكل التي حيرت العقول الجادة في القرنين الرابع والسادس للهجرة وما بعدهما ، ورغم هذه الحاجة للتفسير المتطور إلا أن ذلك لا يمنعننا من تبني الحلول التي تبناها المفسرون في القرنين الرابع والسادس للهجرة إذا وجدنا فيها عزائنا تجاه هذه المشاكل أو تلك .

وبالنسبة للتمييز الذي تبناه المفسرون بين الأمور الخبرية التي أسموها " المنقولات " وأمور الأحكام التي أسموها " المعقولات " ، فإنني أتبني هذا التقسيم وأراه صائبا ، ولكنني أرى توسيع نطاق المعقولات ليتجاوز نطاق السؤال عن المصطلحات اللغوية والمعاني ، فقد كان السابقون يسألون عن الأشياء التي حدثت أو التي قيلت ، أو كيف يفعلون هذه الأشياء التي حدثت أو التي قيلت ، أو كيف يفعلون هذه الأشياء ، أما نحن فينبغي أن نسأل ما صلة هذا التشريع بحياتنا؟ وما الذي يمكن أن يساعدنا علي فهم هذا ؟ أو ما الحكمة التي يمكن أن نستخلصها من هذا ؟ فكلما اقتربنا من بحث ما يتعلق بظروفنا وأحوالنا كلما كان ذلك أفضل ، وواجبنا أن نبحث بأمانة عن الحلول التي تناسبنا ، ويجب علينا ألا نهمل أو نتجاهل نعم الله عز وجل علينا والتي تتراكم عبر العصور.

المبادئ التي سِرْتُ عليها  أذكرها باختصار ، بالنسبة للمسائل اللغوية اخترت أفضل  المراجع  من بين المراجع المختصة ، وفضلت المراجع الأقدم على غيرها ، وبالنسبة للروايات فإنني قدمت المراجع المعاصرة علي غيرها. وبالنسبة للمناسبات المعينة التي كانت سببا في نزول آيات معينة ، فهي شيقة وقيمة من وجهة النظر التاريخية ، وقد جمع علمائنا القدماء مادة كبيرة منها ، ولكن أن نعطي هذه المناسبات قدر كبير من التركيز فهذا خارج نطاق الصواب ، لأن القرآن الكريم لم ينزل لواقعة أو وقائع معينة فقد ، ولكنه نزل لكل الأزمنة والأماكن ، نزل ليبقي حاكما لحياة الناس ما دامت الحياة علي الأرض باقية ، فالمناسبة المعينة حلت وأصبحت من الماضي ، ومن ثم فإن اهتمامنا الرئيس ينبغي أن ينصب علي بحث كيفية الاستفادة من هذه القاعدة ، وكيف يمكن أن ترشدنا في حياتنا الحالية ، إن معانيها متعددة ، وحين نختبرها نجدها عين الحق والحقيقة ونورا يكشف لنا الطريق المستقيم الذي لا يجلب سوى الخير والحق والعدل ، ولذا فإنه من الحكمة أن نركز علي كيفية الاستفادة من الأحكام العامة لنصوص القرآن والسنة النبوية في شئون حياتنا المعاصرة والمستقبلية ، وذلك مثلما تفعل النباتات الطبيعية حين تبحث  في التربة عن الطعام الذي يناسبها ويهبها الحياة والنمو رغم كثرة ما تحتويه التربة من مصادر الطعام الأخرى والذي تستعين به نباتات أخرى تستطيع أن تهضمه وتنتفع به .

وبالنسبة للتاريخ البعيد يمكن أن نأخذ بنتائج الأبحاث القديمة  والحديثة حسب ما يترجح لنا .

وبالنسبة  للأساطير والمعتقدات اليهودية والمسيحية ، فإنه يجوز الأخذ بالمصادر اليهودية والمسيحية ولكن علي سبيل التوضيح بالأمثلة وليس من قبيل دمج هذه المعتقدات والأنظمة ، وعلي وجه العموم فإن ضوء الشمس الساطع لا تحجبه أنوار النجوم .

ثم اختتم المرحوم الدكتور عبد الله يوسف على كلمته عن تفسير القرآن الكريم بذكر عدد كبير للغاية من مراجع التفسير التي استعان بها في مهمته الشاقة .

                 نظرة في التراجم السابقة للقرآن الكريم

وفي كلمته الثالثة التي وردت ضمن مقدمات  كتاب " معاني  القرآن الكريم " ،  تحدث الدكتور/  عبد الله يوسف علي تحت عنوان " تراجم القرآن الكريم" عن كتب الترجمة السابقة التي تضمنت ترجمة القرآن الكريم إلى لغات مختلفة من بينها اللغة  الإنجليزية ، كما أوضح  الأسباب التي دعته إلى الإقدام  علي ترجمة القرآن الكريم إلى اللغة الإنجليزية حيث قال رحمه  الله عز وجل :

" كل اللغات التي يتحدث بها المسلمون تقريبا تحتوي على تراجم للقرآن الكريم ، وعادة النص مصحوب بالترجمة ، وبالنسبة للغات غير الناضجة فإن العديد من كلمات القرآن الكريم تُنقل بجسدها ، أي تكتب بذات النطق ولكن بحروف هذه اللغة نظرا لعدم وجود كلمات مرادفة في اللغة سالفة الذكر ، حتي في اللغات الحية مثل الفارسية والتركية فإنهم يستخدمون في ترجمة القرآن الكريم كم كبير من الكلمات العربية شائعة الاستعمال في العالم الإسلامي علي نحو يؤكد مبدأ وحدة المسلمين والتي يُرمز لها بالقبلة ، فاستخدام أصل الكلمة العربية في ترجمة القرآن الكريم إلي اللغات المتقنة أحيانا يرجع إلي أن الفكرة التي تعبر عنها الكلمة تكون جديدة علي أصحاب هذه اللغة فيجدوا سعادة في استعارة هذه الكلمة بأصل نطقها ، فمن المعلوم مثلا أن كافة المسلمين في جميع أنحاء العالم ومن كافة اللغات يسعدون باستخدام كلمة " القبلة " كما هي بنطقها العربي  ، وعادة  تكون ترجمة القرآن الكريم إلي اللغات  غير الناضجة غير متقنة ، ولا تملك أن تقف بذاتها كمصدر مستقل  يمنح القارئ القدرة علي قراءة القرآن الكريم  واستيعابه ، وهذا مما حدث  في تراجم القرآن الأولى للغة "  الأردية " - احدى اللغات  التي تتحدث بها  الهند وباكستان وبنجلادش - ، فقد كانت هذه التراجم في الحقيقة غير متقنة.

إن طموح كل مسلم هو أن يقرأ القرآن الكريم بالصوت العربي ، وأن يفهمه  فهما جيدا سواء باللغة العربية أو باللغة التي يتحدث بها أو بأي لغة أخرى يستطيع أن يفهمها.

ويضيف الدكتور/ عبد الله يوسف علي :

والتراجم إلي لغات غير أوربية المعلومة بالنسبة لي هي الفارسية والتركية والأردية والتاميل والباشتو وبعض اللغات التي تتحدث بها الجزر الشرقية وبعض اللغات الإفريقية ، كما توجد ترجمة لإحدى لغات الصين المحلية .

أول ترجمة للقرآن الكريم باللغة الأردية كتبها الشاه/ عبد القادر بمدينة دلهي عام 1826م ، وقد ذُكر ضمن المفسرين الهنود ، وتبع ذلك العديد من الترجمات للغة الأدرية ، وبعضها لم يكتمل ، ومن بين التراجم المكتملة التي قُرِأت كثيرا ترجمة الشاه / رافع الدين بمدينة دلهي ، وترجمة الشاه/ أشرف علي مولاي ، وترجمة مولاي نزير أحمد عام 1912م ، وبالنسبة لي فأنا أفضل الترجمة الأخيرة ، أما الترجمة للغة الأردية التي يعتزم السيد / حكيم أحمد شاجا إصدارها ، فعلي حد علمي أنها لم تصدر .

وقبل تطور اللغات الأوربية المحلية الحديثة ، كانت اللغة المستخدمة في أوربا هي اللاتينية ، وقد تم عمل ترجمة للقرآن الكريم باللغة اللاتينية لحساب دير ( كلونجي ) عام 1143م – القرن السادس للهجرة – لكنها لم تصدر حتي عام 1543م حيث تم نشرها في مدينة " بازل " بمعرفة المدعو/ "ببلياندر" ، وقد تمت ترجمتها إلي اللغات الإيطالية والألمانية والهولندية.

أما ترجمة " شودجر" للغة الألمانية فقد صدرت في مدينة "نورنبرج" - بافاريا – عام 1616م.

ترجمة أخرى إلي اللغة  الروسية صدرت في "بطرسبرج" عام 1776م .

وبالإضافة إلي ترجمة " ريو  - رير "  للغة  الفرنسية صدرت عدة تراجم أخرى للغة الفرنسية فيها ترجمة "سافاري" 1738م ، وترجمة "  كاسيمرسكي " 1840م والتي وُزع منها عدة طبعات  ، ويرجع اهتمام فرنسا بترجمة القرآن الكريم إلي غزوها للجزائر وشمال أفريقيا .

أما   الألمان فقد  ألحقوا بترجمة "شودجر" ترجمة "بوينس" 1773م ، ثم ترجمة "هويل" 1828م ، ثم  ترجمة "أولمان" 1840م  ، وأعتقد أن جمعية الأحمدية  ب "لاهور" لديها ترجمة للقرآن الكريم باللغة الألمانية وأخرى باللغة الهولندية .

المدعو "ماراكي" كتب ترجمة للقرآن الكريم باللغة اللاتينية عام 1689م تحتوي علي النص العربي واقتباسات من مراجع تفسير متعددة ثم اختيارها بعناية مع التحريف لإعطاء أسوأ انطباع عن الإسلام في أوربا ، كان " ماراكي" كائنا للاعتراف تابعا للبابا " إنوسنت الثالث" ، وكانت ترجمته مهداة للإمبراطور الروماني المقدس/ "ليوبيلد" ، وبدأ ترجمته بمقدمة تحتوي علي ما أسماه " دحض القرآن ".

أول ترجمة للقرآن الكريم باللغة الإنجليزية والتي كتبها "إيه روز" لم تكن إلا ترجمة للترجمة الفرنسية التي كتبها " ديو – رير" عام  1647م ، وصدرت بعدها  بسنوات  قليلة  ، اما ترجمة  "جورج سيل"  1737م وهي باللغة الإنجليزية أيضا فهي مجرد ترجمة  لترجمة "ماراكي" اللاتينية ، حتى ملاحظاته ومقدمته التمهيدية مستمدة من ادعاءات  "ماراكي" مع  الأخذ في الاعتبار كما ذكرنا سابقا أن ترجمة " ماراكي" كان الهدف  منها تشويه الإسلام في عيون أوربا ، ورغم كل هذا فإن ترجمة "جورج سيل" تعتبر من منظور العالم المتحدث باللغة الإنجليزية مثالية ، وصدرت منها طبعات عديدة ضمن سلسلة تسمى " كلاسيكيات شاندوس "، وحصلت على مباركة السيد " إي – دينسون – روز " ، وملاحظات  " سيل " تكشف عن عقلية قس مسيحي كتب ترجمته للإساءة علي نحو ما فعل " ماراكي" وليس بحثا عن الحق والحقيقة .

أما ترجمة البروفيسورر "  إي – إتش – بالمر " والتي صدرت عام 1876م فقد كانت تعاني من فكرته بأن القرآن الكريم يجب أن يُترجم باللغة العامية ، وفشل في إدراك عظمة الفكر وروعة الأسلوب في الأصل ، وهي أيضا من الترجمات التي تستهدف التشويه لا كشف الحقائق.

ولاشك أن حجم الفساد الذي ارتكبه غير المسلمين والمعادين للإسلام في طبعاتهم هو الذي حدا بالكتاب المسلمين إلي المخاطرة بدخول مجال ترجمة القرآن الكريم باللغة الإنجليزية ، وأول مسلم كتب ترجمة للقرآن الكريم باللغة الإنجليزية هو الدكتور/ محمد عبد الحكيم خان من " باطليا "عام 1905م .

الميرزا حيرات من دلهي أيضا أصدر ترجمة ، إلا أن التفسير الذي كان يعتزم  إصداره في مجلد  مستقل حسبما أعلم لم يصدر.

صديقي العزيز/ نواب عماد الملك قام بترجمة جزء من القرآن الكريم إلي اللغة الإنجليزية ، لكنه توفي إلي رحمة الله عز وجل قبل أن يستكمل ترجمته .

الفرقة الأحمدية القاديانية لها نشاط في هذا المجال ، إلا أنه ومنذ أن ادعي الميرزا / غلام أحمد القادياني النبوة ، وأنه رسول من الله فقد أجمعت الأمة الإسلامية علي أن هذه الفرقة أصبحت خارج جماعة المسلمين ، وقد أصدروا ترجمة لجزء من القرآن الكريم عام 1915م إلا أنهم توقفوا بعد ذلك .

كذلك صدرت الطبعة الأولي من ترجمة مولاي محمد علي عام 1917م ، وصدر منها أكثر من طبعة ، وهي طبعة موسوعية  مصحوبة بشرح  واف في الملاحظات والمقدمة ، وتحتوي علي فهرس كامل لمحتويات الطبعة  ،  ولكن اللغة الإنجليزية  للنص بكل  تأكيد ضعيفة ، وليس  من  الراجح أن تنال إعجاب المتحدثين باللغة الإنجليزية.

يوجد ترجمتان مسلمتان يستحقان التقدير ، ولكنهما صدرا بدون النص العربي .

ترجمة حافظ غلام سروار التي صدرت عام 1930م تستحق أن تكون معروفة علي نحو أكبر مما هي عليه ، تحتوي على ملخصات لمضمون السور ، لكنها خلت من الملاحظات تعليقا علي النصوص ، وأعتقد أن الملاحظات ضرورية للغاية لتمكين القارئ من فهم النصوص فهما جيدا ، ففي أحوال كثيرة تكون الكلمات ذات معاني متعددة  ، ومن ثم يكون المترجم مقصرا إذا لم يقم بشرح ما يفهمه  من معاني الكلمات بشأن النص المعروض.

ترجمة السيد/ مارماروك بكثال صدرت عام 1930م ، وهو مسلم إنجليزي وأديب وحسن السمعة  وعلَّامة في اللغة العربية ، ولكنه  أضاف ملاحظات قليلة للغاية لتوضيح النصوص ، وطريقة ترجمته  حرفية لا يتصور أن تُعطي القارئ  فكرة كافية عن القرآن  الكريم الذي وصفه هو شخصيا  بأنه سيمفونية  لا تحاكي ففي تأثيرها علي الإنسان ، تملك أرجحته بين السعادة والدموع.

وبجرأة عظيمة وبفضل من الله عز وجل أجريت هذه المحاولة ، فنحن لا نلوم الفنان الذي يرسم صورة يحاول من خلالها تثبيت روعة الطبيعة حين يهل عليها فصل الربيع .

اللغة العربية منتشرة انتشارا واسعا في العالم ، والعديد من الناس المهتمين بالإسلام سوف يحصلون علي أفكارهم عن القرآن الكريم من كتب الترجمة ، ومن ثم فإنه من الخير أن يقوم المسلمون المؤهلون بعمل محاولات الترجمة لتقديم الصورة برؤيتهم العقلية والروحية كما فهموها ، ونظام  التعليم الهندي  توج اللغة الإنجليزية لتصبح أحد اللغات العامة للثقافة في الهند لشعب قوامه ثلاثمائة وخمسين مليون  نسمة ،  والمواطنون الأكثر تعليما من بين ثمانين مليون  

مسلما إذا لم يكونوا يعرفون العربية ، فإنهم يتطلعون إلي اللغة الإنجليزية كوسيط للتواصل ، إخوانهم من المواطنين غير المسلمين ينشرون عقائدهم السماوية أو غير السماوية ،  وكل ما يتعلق بها باللغة الإنجليزية مستخدمين كل إمكاناتهم المتاحة ، ونحن يجب علينا أن نقدم كل ما يتعلق بالإسلام باللغة الإنجليزية الأوسع انتشارا في العالم .

بعض الدول الإسلامية مثل الأتراك صمموا على دمج علوم الدين بما فيها القرآن الكريم في لغتهم القومية ليجعلوا مواطنيهم  علي اتصال وتواصل دائم بالدين لينعكس ذلك علي أفكارهم ووجهات نظرهم في كل ما يتعلق بشئون الحياة.

اللغة الإنجليزية في ظل الظروف الحالية أصبحت هي الوسيط الأكثر انتشارا في كل دول العالم ، وهذه هي الاعتبارات التي حركتني للقيام بهذه المهمة الشاقة المدهشة وهي تقديم تفسير باللغة الإنجليزية للقرآن الكريم ، وأدعو الله عز وجل أن يهبني القوة والبصر ، وأن يمكنني من النجاح في خدمة الإسلام.  مسلما إذا لم يكونوا يعرفون العربية ، فإنهم يتطلعون إلي اللغة الإنجليزية كوسيط للتواصل ، إخوانهم من المواطنين غير المسلمين ينشرون عقائدهم السماوية أو غير السماوية ،  وكل ما يتعلق بها باللغة الإنجليزية مستخدمين كل إمكاناتهم المتاحة ، ونحن يجب علينا أن نقدم كل ما يتعلق بالإسلام باللغة الإنجليزية الأوسع انتشارا في العالم .

بعض الدول الإسلامية مثل الأتراك صمموا على دمج علوم الدين بما فيها القرآن الكريم في لغتهم القومية ليجعلوا مواطنيهم  علي اتصال وتواصل دائم بالدين لينعكس ذلك علي أفكارهم ووجهات نظرهم في كل ما يتعلق بشئون الحياة.

اللغة الإنجليزية في ظل الظروف الحالية أصبحت هي الوسيط الأكثر انتشارا في كل دول العالم ، وهذه هي الاعتبارات التي حركتني للقيام بهذه المهمة الشاقة المدهشة وهي تقديم تفسير باللغة الإنجليزية للقرآن الكريم ، وأدعو الله عز وجل أن يهبني القوة والبصر ، وأن يمكنني من النجاح في خدمة الإسلام.    

                                       مقدمة

المعهد العالمي للفكر الإسلامي

بــالولايات المتحدة الأمريكيــة

وبعد أن تناولنا  المقدمات الثلاث للمرحوم الدكتور / عبد الله يوسف علي الواردة في صدر كتابه " معاني القرآن الكريم باللغة الإنجليزية" ، الأولى بعنوان " مقدمة الطبعة الأولي " ، والثانية بعنوان " تفسيرات القرآن الكريم " ، والثالثة بعنوان " تراجم القرآن الكريم " ، ننتقل إلي المقدمة التي كتبها المعهد العالمي للفكر الإسلامي بالولايات المتحدة الأمريكية والذي شارك مشاركة كبيرة  في  نشر الكتاب  نشرا  عالميا ، ففي مقدمته تحت عنوان  " مقدمة للطبعة الجديدة المنقحة " يقول المعهد :

"  لقدد مضى أكثر من نصف قرن على الظهور الأول للعمل الأفضل في مجاله علي الإطلاق للعلامة / عبد الله يوسف  علي وهو " ترجمة وتفسير القرآن الكريم باللغة الإنجليزية " والذي أعيدت  طباعته مرات لا تحصى ، ووزعت منه ملايين النسخ في جميع أنحاء العالم .

ومما لاشك فيه أن ترجمة العلامة / عبد الله يوسف علي للقرآن الكريم باللغة الإنجليزية هي الأوسع انتشارا والأكثر دراسة واحتراما في جميع أرجاء الكرة الأرضية ، إنه الكتاب الموثوق به في مجاله ، إنه الكتاب الخالد الذي ألهم الكثيرين فيما بعد ليقوموا بجهود مماثلة في خدمة الإسلام والقرآن الكريم .

إن الأسلوب الشعري البليغ للترجمة وصحة التفسيرات والشروح الشاملة التي وردت بالملاحظات ساهمت بشكل كبير وبلاشك في حسن سمعتها المستحق كترجمة إنجليزية للقرآن الكريم .

إن التأثير الضخم الذي أحدثته الترجمة في المسلمين من المتحدثين باللغة الإنجليزية في العالم لم يكن في أي مرحلة مضت أعظم منه الآن ، وسوف يستمر إن شاء الله لكافة الأجيال القادمة إلي أن تقوم الساعة .

لقد مكنت الترجمة - القراء الإنجليز الذين لا يمتلكون مهارة قراءة وفهم القرآن الكريم باللغة العربية – من تحقيق فهم عميق لمعاني القرآن العظيم وإتقانه وما به من مواطن جمال لا تحاكي ، وأعطتهم ترجمة وتفسيرا أصيلا يمكنهم الاعتماد عليه في القيام بدراسات جادة للقرآن الكريم .

ولقد أشار عبد الله يوسف علي مبكرا إلي عدم إمكانية تقديم ترجمة تامة ومطابقة للقرآن الكريم ، وأن أفضل ما يمكن تقديمه هو تفسير للمعني الذي يفهم من آياته .

ربما لم يتخيل العلامة / عبد الله يوسف علي حجم العالمية التي حققتها ترجمته للقرآن الكريم باللغة الإنجليزية لأنه في الأساس كان يحاول أن يشرح فهمه للقرآن الكريم لأبناء وطنه من المسلمين وغير المسلمين علي السواء ، لذلك كان يميل من حين إلي آخر إلي استخدام إشارات يصعب فهمها علي من هم خارج محيط شبه القارة الهندية.

ولما كانت الترجمة قد حققت هذا المعدل الواسع من الانتشار ، وأصبح قراءها بالملايين ، ولازال العدد في تزايد ، فقد أضحت الحاجة ملحة لطبعة جديدة منقحة تعكس احتياجات وطلبات جماعة القراء المتحمسين ، واستجابة لذلك فإن الطبعة الحالية تمثل المراجعة الأهم منذ خمسين عاما حين صدرت الطبعة الأولي منها .

المراجعات أجريت علي كل من محتوي وشكل العمل الأصلي كلما كان ذلك ضروريا ، وبالنسبة للترجمة - سواء في مقدمات السور والتفسير - كانت التغييرات نسبيا قليلة ونادرة ، وأشير إلي أنه قد تم إجراء تعديل ، وسوف يلاحظ القراء هذه التغييرات القيمة ، فعلي سبيل المثال تم استخدام لفظ الجلالة ( الله ) بدلا من كلمة ( God ) المستخدمة في الطبعات السابقة بعد أن ساد الشعور بأن الاسم الأعظم ( الله )  قد أصبح مفهوما ومقبولا بشكل أوسع لدي القارئ العادي اليوم من أي لفظ آخر ، كذلك تم استخدام كلمة ( Messenger ) كمعنى لكلمة ( رسول ) بدلا من كلمة ( Apostle ) والتي تعني رسول أيضا مع الفارق أن الأولي تعبر عن المفهوم الإسلامي لكلمة رسول وهو الشخص الذي يتلقى رسالة من ربه ليبلغها للناس ، أما الثانية فيتم استخدامها في اللغة الإنجليزية للإشارة إلي أي من الحواريين الاثنى عشر للمسيح عليه السلام الذي اختارهم لتبليغ رسالته ووفقا للمعتقدات المسيحية ، ومن ثم فإن استخدامه في الطبعات السابقة لم يكن دقيقا ، وكان يؤدي إلى الخلط بين مفهوم كلمة رسول في الإسلام وكلمة رسول في المسيحية وأديان أخرى.

الهوامش الشارحة والملاحق خضعت أيضا لبعض التعديلات القليلة لإضافة إيضاحات لبعض الشروح التي قد تؤدي إلى سوء فهم ، كذلك تم تحديث شكل هذه الطبعة الجديدة المنقحة لتسهيل قراءتها ودراستها ، فقد تم تغيير الطباعة الخطية العربية واستخدام نمط الكتابة في مصحف المدينة المنورة ، كما حدث نفس الشيء بالنسبة لنمط الكتابة في النص الإنجليزي ولذات الغاية .

كذلك تم تحديث الحروف الهجائية للكلمات الإنجليزية ، وتحديث الترجمة الحرفية من اللغة العربية للغة الإنجليزية – ملحوظة: يقصد بعبارة الترجمة الحرفية كتابة الكلمة العربية بذات النطق ولكن بحروف إنجليزية ، وقد استخدمها المرحوم عبد الله يوسف علي ذلك كثيرا أثناء تفسيره لبعض الآيات في الملاحظات التي أضافها في نهاية كل صفحة - ، كما تم كتابة الاسم العربي لكل سورة بحروف إنجليزية أعلى السورة بجانب الاسم المرادف باللغة الإنجليزية حتى تصبح الأسماء العربية لسور القرآن مألوفة للقارئ الإنجليزي ، كذلك تم كتابة اسم كل حرف من الحروف المقطعة بذات النطق العربي ولكن بالحروف الإنجليزية حتي يعرف القارئ الذي يتحدث الإنجليزية طريقة نطق الحرف باللغة العربية.

وإجمالا فإن المحررين قد عملوا برغبة خالصة لتحسين هذا العمل العظيم ، ونأمل أن ذلك إن شاء الله عز وجل سوف يعزز أهداف المرحوم العلامة الدكتور / عبد الله يوسف علي في تعظيم النفع بعمله الجليل لعدد لا يحصى من القراء.

بارك الله عز وجل في العلامة عبد الله يوسف علي ، ورحمه رحمة واسعة ، وأسكنه فسيح جناته علي جهوده غير العادية التي بذلها في هذا العمل القيم عظيم النفع " ترجمة وتفسير القرآن الكريم باللغة الإنجليزية ".

المعهد العالمي للفكر الإسلامي

الولايات المتحدة الأمريكية

يناير 1989م.

                            

                            من المؤمنين رجال

قال الله عز وجل:

مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا

                          سورة الأحزاب – الآية (23)

تلك كانت قصة أفضل ترجمة للقرآن الكريم إلي اللغة الإنجليزية ، نعم تأخرت ويدل تأخرها علي تقاعس خير أمة أخرجت للناس في تبليغ الدعوة لقطاع كبير من العالم ، إذ من غير المعقول أن تتم أول ترجمة للقرآن الكريم إلي اللغة الإنجليزية على يد عالم مسلم في القرن الخامس عشر الهجري – العشرين  ميلادي ، ولكن وكما تقول الحكمة: " إن تأت متأخرا خير من ألا تأتي أبدا " .

والحقيقة إنني لا أعرف ما الذي دعاني إلي ترجمة مقدمات كتاب " معاني القرآن الكريم للعلامة / عبد الله يوسف علي ، فقد كنت أقرأ الكتاب باللغتين العربية والإنجليزية ، أقرأ الآيات القرآنية باللغة الإنجليزية وكذلك التعليقات الواردة أسفل الصفحات ، وكنت مندمجا في هذه القراءة ، وفجأة ودون أسباب شعرت برغبة في ترجمة مقدمات الكتاب ،  ربما كانت رغبة مني لمعرفة من قام  بهذا العمل الضخم بداية من الترجمة إلي الطباعة  ثم النشر والتوزيع  لتكون النتيجة هي خروج هذا الكتيب بعنوان " معجزة أفضل ترجمة للقرآن الكريم ".

وبعد أن قرأت ما قرأت من قصة كفاح ونضال المرحوم/ عبد الله يوسف علي في هذه المهمة المقدسة التي قرر القيام بها بمحض إرادته رغم صعوبتها ومشقتها ، كان  واجبا عليّ أن أترجم هذه القصة باللغة العربية ليعرفها المسلمون الذين يتحدثون  العربية .

إنني أتعجب  من أمر المرحوم / عبد الله يوسف علي المواطن المسلم الهندي الذي يتحدث اللغة الهندية لغة بلاده ،  عندما يقرر أن  يقوم بترجمة القرآن الكريم  إلي اللغة الإنجليزية ، رغم أن اللغة العربية ليست لغته الأصلية ، وكذلك اللغة الإنجليزية ليست لغته الأصلية ، وبدأ في نشر أجزاء من القرآن الكريم عام 1934م حتى استكمل ترجمته  ليُنشر في محيط وطنه الهند ، ثم توفي إلي رحمة الله عز وجل عام  1948م ، وبعد وفاته بواحد وأربعين عاما  تقرر شركة أمانة بالاشتراك مع المعهد العالمي للفكر الإسلامي في أميركا أن يختارا أفضل ترجمة للقرآن الكريم متداولة في المكتبات ليقوما بنشرها ، فإذا بهما وبعد البحث يكتشفون أن ترجمة الدكتور / عبد الله يوسف علي هي الأفضل على الإطلاق ، فبدأوا على الفور في نشر كتابه " معاني القرآن الكريم باللغة الإنجليزية " نشرا عالميا بدءا من عام  1989م ، ليتم توزيع ملايين من النسخ في جميع  أنحاء العالم ، ولا زالت الطبعات تتوالى وتوزع  دون توقف.

وبعد سبعين عاما من وفاته يسوق الله عز وجل من يترجم قصة كفاحه من أجل كتابة وإصدار هذه الترجمة العظيمة للقرآن الكريم ، إنها إذن  الكلمة الطيبة التي وصفها الله عز وجل في كتابه العزيز بالشجرة الطيبة التي أصلها ثابت وفرعها في  السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها  ، هكذا هي كلمات المرحوم/ عبد الله يوسف علي في كتابه " معاني كلمات القرآن الكريم " شجرة لا تنقطع ثمارها بمرور الزمن ، بل كلما مرت الأيام زادت ثمار عمله.

لقد قطعت شوطا كبيرا  في كتاب " معاني القرآن الكريم بالإنجليزية " للعلامة عبد الله يوسف علي رحمه الله عز وجل ، وأدركت بعد ما قرأت أنه لا يمكن تقدير  عدد الكتب التي قرأها حتى يتمكن من إنتاج كتابه الخالد  ، وبدأت الأسئلة  تصول وتجول في رأسي ، كم كتاب قرأه حتى يتمكن من إجادة اللغة العربية ، ويفوق الكثيرين من  المتخصصين فيها ممن أهلها رغم أنها ليست لغته الأصلية ؟

كم كتاب قرأه  حتى يجيد اللغة الإنجليزية ويكتب بها على نحو ربما يفوق الكثيرين من المتخصصين فيها من أهلها رغم أنها ليست لغته الأصلية ؟

كم كتاب قرأه حتى يستطيع الإلمام بالأديان السماوية الأخرى والأديان والمعتقدات غير السماوية ؟

كم كتاب قرأه حتى يستطيع الإلمام بتاريخ الأمة العربية والإسلامية وتاريخ أوربا بل وتاريخ العالم ؟

كم كتاب قرأه في العلوم الإنسانية المختلفة الطبيعية منها والنظرية والتي تجلت واضحة في تعليقاته على الآيات القرآنية ؟

أسئلة كثيرة لا  تنتهي ، بل إنني أرى أن الزمن الذي أخبرنا بأنه قضاه في العمل لإنجاز هذه المهمة  وقدره أربعون عاما لا يفي لتحقيق هذا الإنجاز الضخم ، فلاشك أنه استغرق من الزمن أكثر من  ذلك بكثير .

إن ما قام به المرحوم الدكتور / عبد الله يوسف علي يجعلنا  نفهم قول الله عز وجل :

" اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ "

                                                سورة  الحج – الآية 75

كما يجعلنا نفهم قول الله عز وجل:

" قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ 

                              سورة يوسف – الآية (108)

رحم الله عز وجل المرحوم الأستاذ الدكتور / عبد الله يوسف علي وأسكنه فسيح جناته ، ورحم والده وأسكنه فسيح جناته ، ورحم كل من ساهم  في هذا العمل العظيم  .

                                     زهرة

من تفسيرات  العلامة عبد الله يوسف علي

وبعد أن عرضنا كلمة المعهد العالمي  للفكر الإسلامي ، أرى أن نعرض مثالا لتفسيرات المرحوم العلامة عبد الله يوسف علي للآيات القرآن الكريم ، وقد اخترت لك أخي القارئ تفسيره لآية الكرسي  أفضل آيات القرآن الكريم والتي يقول فيها الله عز وجل :

" اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۚ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ۚ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ۚ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ۖ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ۚ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ۖ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ۚ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ

                              سورة البقرة – الآية (255)

حيث يقول العلامة عبد الله يوسف علي تعليقا على هذه الآية القرآنية باللغة الإنجليزية ما ترجمته :

" هذه هي آية الكرسي ، هذه هي آية العرش ، فمن ذا الذي يستطيع أن يترجم معانيها العظيمة الرائعة ترجمة مطابقة ، أو يعيد إنتاج أسلوبها اللغوي الرفيع ، أو يجد كلمات تعبر عما تحتويه كلماتها المختارة بدقة بمعانيها الوافية الشاملة ، أو يستخدم عبارات لها إيقاع موسيقي يتفق مع الأفكار والمعاني علي نحو ما حوته تلك الآية الكريمة ، حتى النص العربي يبدو أعظم من أن نعبر عنه بالكلمات .

إن صفات الله عز وجل تختلف عن أي شيء نعرفه في عالمنا الذي نعيش فيه ، إنه حي لكن حياته أبدية لا بداية لها ولا نهاية ، إنه سبحانه وتعالى قائم بذاته لا يعتمد في وجوده  ولا بقائه علي غيره ، إذ كيف يعتمد علي غيره وكل ما هو غير الله عز وجل مخلوق من مخلوقاته .

إن صفة القيومية لا تشير إلي قيامه بذاته فحسب ، بل تشير أيضا إلي حفظه لكافة المخلوقات وإعالتها ، فهو سبحانه وتعالى مصدر الحياة لجميع المخلوقات وسند بقائها واستمرارها إلي أن يأذن سبحانه وتعالى بفنائها .

إن قدرة الله عز وجل – كحياته – موصوفة بالكمال المطلق لا يعتريها الخلل والعطب بخلاف المخلوقات ، فكل كائن حي مخلوق يخضع للموت ويصيبه الإعياء الذي يحد من جهده ونشاطه .

إن الإنسان وغيره من الكائنات الحية يتراجع جهده ، وتضمحل طاقته فيشعر بالتعب فيدخل للحظة في مرحلة ما بين اليقظة والنوم ، وهي التي عبرت عنها الآية الكريمة بكلمة "سنة" .. أي سنة من النوم ، وحين يشتد بالإنسان التعب يدخل في مرحلة النوم العميق ، أما الله عز وجل فهو لا يتعب ولا يحتاج إلي الراحة ، ولا يحتاج إلي النوم ، بل ولا يحتاج إلي سنة من النوم لأن قدرته سبحانه وتعالي كاملة كمالا مطلقا ، ولاشك أن هذا الكمال لصفات الله عز وجل الذي أوضحته آية الكرسي  يختلف عما جاء في الكتاب المقدس والذي يقول :

" فاستيقظ الرب كنائم ، كجبار معيط من الخمر "

                                           مز ( 78:65 )

إن حياة الله عز وجل أبدية بلا بداية ولا نهاية  ، فهو الأول وهو الآخر ، وكل ما سواه مخلوق له محدث بعد عدم  ، فلم يكن هذا الكون شيئا  مذكورا قبل خلقه ، وقد أجرم أنصار وحدة الوجود حين قالوا : إن كل شيء هو الله ، إذ الصحيح أن نقول : أن كل شيء لله كما قال سبحانه وتعالى في الآية الكريمة  : " لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ".

ليس من حق أحد أن يزعم أنه يملك غفران ذنوب العباد أو حملها عنهم ، فالشفاعة ليست إلا لمن يأذن له الله عز وجل من ملائكته أو رسله أو عباده المقربين وعلي رأسهم محمد صلى الله عليه وسلم .

علم الله عز وجل مطلق لا حدود له وغير مقيد بالزمان والمكان حتى لا يتصور أحد أن علمه سبحانه وتعالى ينحصر فيما يحتوي عليه الكون من مخلوقات ، يقول سبحانه وتعالى :

" قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا "

                                  سورة الكهف - (109)

كما يقول جل وعلا:

" وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ "

                                 سورة لقمان – الآية (27)

فالآية الثانية ضربت مثلا تقريبيا لمساعدتنا علي تصور مدى  اتساع علم الله عز وجل ، فلو أننا استطعنا تحويل كافة الأشجار – التي نبتت علي سطح الأرض منذ بدء الخليقة وإلي أن تقوم الساعة – إلي أقلام ، واستطعنا أن نحول سبعة أمثال حجم المياه الموجودة علي سطح الأرض إلى مداد ( حبر ) لنقوم بتدوين  كلمات الله عز وجل والتي تعبر عن علمه لنفدت الأقلام ونفدت المياه دون أن تفي بهذه المهمة ، وهذا المثل يجعلنا نفهم قوله تعالي : " وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ " ، فكل العلوم التي توصل لها الإنسان هي مجرد قشور لا تُذكر من علم الله عز وجل منحها للإنسان لتعاونه علي تحقيق غاية الله عز وجل من خلقه حتى تيسر له شئون حياته علي الأرض ، وهذا ما يؤكده قول الله عز وجل : " وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلً " .

وكلمة " كرسي "  لها معاني متعددة  بعضها حقيقي وبعضها مجازي  منها ( مقعد  - قوة – علم – سلطة ) ، في حين يقول الله سبحانه وتعالى : " وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ " ، وهذا يعني أن كل  شيء في السماوات والأرض هو من عمل الله عز وجل ، وأنه سبحانه وتعالى يسع الكون بعلمه وإحاطته وقوته ومشيئته وسلطته وحفظه ، وعبارة " كل شيء " تشير إلي كل ما هو مادي وروحي .

                       

                     دار الكتاب الإسلامي المترجم

من يتابع برنامج  " بالقرآن اهتديت" الذي يقدمه  الأستاذ فهد الكندري علي قناته علي موقع " يوتيوب" ، ويلتقي من خلاله بعدد من المسلمين الأجانب الذين أشهروا إسلامهم في دول مختلفة منها بريطانيا وفرنسا وبلجيكا وأسبانيا ، أو  برنامج  " رحلتي مع  الإسلام " الذي يقدمه  الأستاذ / عزام التميمي ويجري فيه أيضا  حوارات مع  مواطنين غربيين أعلنوا اعتناقهم للإسلام .

من يقرأ قصة  اعتناق الداعية الأمريكي " يوسف إستس" للإسلام ، وما قام به من خدمات جليلة  في نشره في دول أوربا وأمريكا وكندا واستراليا ، أو يقرأ قصة الدكتور موريس بوكاي الطبيب  الفرنسي وما قدمه  من أبحاث عن  تطابق الإسلام مع العلم بخلاف سائر الأديان السماوية الأخرى في كتابه " الكتاب المقدس والقرآن والعلم "  ،  أو يقرأ قصة اعتناق  البروفيسور الأمريكي في الرياضيات - الدكتور "جيفري لانج" ...

من يقرأ ما أشرنا إليه سوف يكتشف أن معظم من اعتنقوا الإسلام حديثا كان لسبب بسيط ، يتمثل في أنهم عثروا علي نسخة مترجمة للقرآن الكريم ترجمة أمينة تنقل لهم الإسلام نقلا صحيحا إلي حدد كبير ، فإذا بهم – وعلي حد قولهم – يجدون العقيدة التي يبحثون عنها ، والإجابة الشافية عن الأسئلة التي لا يجدون لها إجابة في  سائر الأديان السماوية ، أو تدفع عنهم الشكوك التي ملأت رؤوسهم تجاه عقائدهم السابقة .

أغلب الحوارات التي سمعتها تؤكد أن نشر الإسلام في جميع دول العالم وعلى أوسع نطاق هو أمر يسير للغاية ، لا يحتاج إلا توصيل القرآن الكريم والأحاديث النبوية والكتب الإسلامية القيمة التي ألفها علماء مسلمين أجلاء إلى  سائر الشعوب سواء الغربية أو غيرها .

الأمر يحتاج  فقط  إلي إنشاء  "دار الكتاب الإسلامي المترجم" ،  على أن  تكون دار عملاقة  ، تضم أقسام لكل  لغات العالم أو  أغلبها ،  ليقوم كل  قسم بترجمة  الكتب الإسلامية إلي اللغة المتخصص فيها ، على أن تستفيد هذه الدار من الجاليات  الإسلامية المنتشرة في كل بقاع العالم لتوفر دور للتوزيع والنشر والبيع ،  كما تتعاون معهم في توفير مراكز إسلامية تتولي رعاية من  يعتنقون الإسلام  فضلا عن ترغيب الآخرين في اعتناقه .

إن نشر الإسلام في كافة دول العالم  أو معظمها يحقق  للمسلمين منافع ضخمة سواء في بلادهم أو  في الدول  التي  يقيمون فيها .

وفكرة "دار الكتاب الإسلامي المترجم" ليست جديدة ، فهي  تشبه " بيت الحكمة" التي أنشأها الخليفة "هارون الرشيد"  و هيَ أول دار علمية أقيمت في عمر الحضارة الإسلامية ، أُسِّسَت في عهد الخليفة العباسي هارون الرشيد ، واتُّخذَ من بغداد مقراً لها . كان أبو جعفر المنصور مهتماً بعلوم الحكمة ، فترجمت له كتب في الطب والنجوم والهندسة والآداب ، فقام بتخصيص خزانات للكتب في قصره  لحفظها حتى ضاق قصره عنها. عندما تولى هارون الرشيد الحكم أمر بإخراج الكتب والمخطوطات التي كانت تحفظ في جدران قصر الخلافة ، لتكون مكتبة عامة مفتوحة أمام الدارسين والعلماء وطلاب العلم وسماها "بيت الحكمة" ، وأضاف إليها ما اجتمع عنده من الكتب المترجمة والمؤلفة ، فتوسعت خزانة الكتب وأصبحت أقسام لكل منها من يقوم بالإشراف عليها ، ولها مُترجمون يتولون ترجمة الكتب المختلفة من الحضارات المجاورة إلى العربية ، وتحولت من مجرد خزانة للكتب القديمة إلى بيت للعلم ومركزاً للبحث العلمي والترجمة والتأليف والنسخ والتجليد ، وأصبح لبيت الحكمة دوائر علمية متنوعة لكل منها علماؤها ومترجموها ومشرفون يتولون أمورها المختلفة. في عهد المأمون عاش بيت الحكمة عصره الذهبي ، فاتجه لجلب الكتب اليونانية من بلاد الروم وترجمتها ، وبرز في عهده أسماء كبيرة في حركة النهضة العلمية في علم الفلك والطب والفلسفة ترجمةً وتأليفاً.

كان عهد المأمون أزهى عصور بيت الحكمة ، ولم يجد بعده من يمنحه العناية الكافية ، وبدأت الحركة العلمية في بيت الحكمة في الجمود والإهمال حتى سقطت بغداد بيد هولاكو عام 656 هـ الموافق 1258م ، والذي حول بيت الحكمة وغيره من خزائن الكتب العامة والخاصة لخراب ، وألقى بعض كتبها في نهر دجلة ، ولكن تذكر كتب التاريخ لنا أن العديد من المخطوطات تم نقلها وإنقاذها  من  مذبحة  الكتب ، وكان من بينها كتب الإغريق  مثل كتب  أرسطو وأفلاطون  وأبيقراط وغيرهم من علماء الإغريق  ، والتي  أدت إلي نهضة أوروبا عندما  تمت ترجمتها إلي اللغة اللاتينية عقب دخول المسلمين الأندلس .

ومشروع دار الكتاب الإسلامي  المترجم يمكن أن تقوم به دولة أو أكثر  من الدول  الإسلامية المقتدرة ، أو يقوم به مجموعة من رجال الأعمال من خلال تأسيس شركة لهذا الغرض .     

 

 

 

 

 

 

 

 

 

      

 

 

    

 

 

  

 

 

 

 

مقدمة

المعهد العالمي للفكر الإسلامي

بــالولايات المتحدة الأمريكيــة

وبعد أن تناولنا  المقدمات الثلاث للمرحوم الدكتور / عبد الله يوسف علي الواردة في صدر كتابه " معاني القرآن الكريم باللغة الإنجليزية" ، الأولى بعنوان " مقدمة الطبعة الأولي " ، والثانية بعنوان " تفسيرات القرآن الكريم " ، والثالثة بعنوان " تراجم القرآن الكريم " ، ننتقل إلي المقدمة التي كتبها المعهد العالمي للفكر الإسلامي بالولايات المتحدة الأمريكية والذي شارك مشاركة كبيرة  في  نشر الكتاب  نشرا  عالميا ، ففي مقدمته تحت عنوان  " مقدمة للطبعة الجديدة المنقحة " يقول المعهد :

"  لقدد مضى أكثر من نصف قرن على الظهور الأول للعمل الأفضل في مجاله علي الإطلاق للعلامة / عبد الله يوسف  علي وهو " ترجمة وتفسير القرآن الكريم باللغة الإنجليزية " والذي أعيدت  طباعته مرات لا تحصى ، ووزعت منه ملايين النسخ في جميع أنحاء العالم .

ومما لاشك فيه أن ترجمة العلامة / عبد الله يوسف علي للقرآن الكريم باللغة الإنجليزية هي الأوسع انتشارا والأكثر دراسة واحتراما في جميع أرجاء الكرة الأرضية ، إنه الكتاب الموثوق به في مجاله ، إنه الكتاب الخالد الذي ألهم الكثيرين فيما بعد ليقوموا بجهود مماثلة في خدمة الإسلام والقرآن الكريم .

إن الأسلوب الشعري البليغ للترجمة وصحة التفسيرات والشروح الشاملة التي وردت بالملاحظات ساهمت بشكل كبير وبلاشك في حسن سمعتها المستحق كترجمة إنجليزية للقرآن الكريم .

إن التأثير الضخم الذي أحدثته الترجمة في المسلمين من المتحدثين باللغة الإنجليزية في العالم لم يكن في أي مرحلة مضت أعظم منه الآن ، وسوف يستمر إن شاء الله لكافة الأجيال القادمة إلي أن تقوم الساعة .

لقد مكنت الترجمة - القراء الإنجليز الذين لا يمتلكون مهارة قراءة وفهم القرآن الكريم باللغة العربية – من تحقيق فهم عميق لمعاني القرآن العظيم وإتقانه وما به من مواطن جمال لا تحاكي ، وأعطتهم ترجمة وتفسيرا أصيلا يمكنهم الاعتماد عليه في القيام بدراسات جادة للقرآن الكريم .

ولقد أشار عبد الله يوسف علي مبكرا إلي عدم إمكانية تقديم ترجمة تامة ومطابقة للقرآن الكريم ، وأن أفضل ما يمكن تقديمه هو تفسير للمعني الذي يفهم من آياته .

ربما لم يتخيل العلامة / عبد الله يوسف علي حجم العالمية التي حققتها ترجمته للقرآن الكريم باللغة الإنجليزية لأنه في الأساس كان يحاول أن يشرح فهمه للقرآن الكريم لأبناء وطنه من المسلمين وغير المسلمين علي السواء ، لذلك كان يميل من حين إلي آخر إلي استخدام إشارات يصعب فهمها علي من هم خارج محيط شبه القارة الهندية.

ولما كانت الترجمة قد حققت هذا المعدل الواسع من الانتشار ، وأصبح قراءها بالملايين ، ولازال العدد في تزايد ، فقد أضحت الحاجة ملحة لطبعة جديدة منقحة تعكس احتياجات وطلبات جماعة القراء المتحمسين ، واستجابة لذلك فإن الطبعة الحالية تمثل المراجعة الأهم منذ خمسين عاما حين صدرت الطبعة الأولي منها .

المراجعات أجريت علي كل من محتوي وشكل العمل الأصلي كلما كان ذلك ضروريا ، وبالنسبة للترجمة - سواء في مقدمات السور والتفسير - كانت التغييرات نسبيا قليلة ونادرة ، وأشير إلي أنه قد تم إجراء تعديل ، وسوف يلاحظ القراء هذه التغييرات القيمة ، فعلي سبيل المثال تم استخدام لفظ الجلالة ( الله ) بدلا من كلمة ( God ) المستخدمة في الطبعات السابقة بعد أن ساد الشعور بأن الاسم الأعظم ( الله )  قد أصبح مفهوما ومقبولا بشكل أوسع لدي القارئ العادي اليوم من أي لفظ آخر ، كذلك تم استخدام كلمة ( Messenger ) كمعنى لكلمة ( رسول ) بدلا من كلمة ( Apostle ) والتي تعني رسول أيضا مع الفارق أن الأولي تعبر عن المفهوم الإسلامي لكلمة رسول وهو الشخص الذي يتلقى رسالة من ربه ليبلغها للناس ، أما الثانية فيتم استخدامها في اللغة الإنجليزية للإشارة إلي أي من الحواريين الاثنى عشر للمسيح عليه السلام الذي اختارهم لتبليغ رسالته ووفقا للمعتقدات المسيحية ، ومن ثم فإن استخدامه في الطبعات السابقة لم يكن دقيقا ، وكان يؤدي إلى الخلط بين مفهوم كلمة رسول في الإسلام وكلمة رسول في المسيحية وأديان أخرى.

الهوامش الشارحة والملاحق خضعت أيضا لبعض التعديلات القليلة لإضافة إيضاحات لبعض الشروح التي قد تؤدي إلى سوء فهم ، كذلك تم تحديث شكل هذه الطبعة الجديدة المنقحة لتسهيل قراءتها ودراستها ، فقد تم تغيير الطباعة الخطية العربية واستخدام نمط الكتابة في مصحف المدينة المنورة ، كما حدث نفس الشيء بالنسبة لنمط الكتابة في النص الإنجليزي ولذات الغاية .

كذلك تم تحديث الحروف الهجائية للكلمات الإنجليزية ، وتحديث الترجمة الحرفية من اللغة العربية للغة الإنجليزية – ملحوظة: يقصد بعبارة الترجمة الحرفية كتابة الكلمة العربية بذات النطق ولكن بحروف إنجليزية ، وقد استخدمها المرحوم عبد الله يوسف علي ذلك كثيرا أثناء تفسيره لبعض الآيات في الملاحظات التي أضافها في نهاية كل صفحة - ، كما تم كتابة الاسم العربي لكل سورة بحروف إنجليزية أعلى السورة بجانب الاسم المرادف باللغة الإنجليزية حتى تصبح الأسماء العربية لسور القرآن مألوفة للقارئ الإنجليزي ، كذلك تم كتابة اسم كل حرف من الحروف المقطعة بذات النطق العربي ولكن بالحروف الإنجليزية حتي يعرف القارئ الذي يتحدث الإنجليزية طريقة نطق الحرف باللغة العربية.

وإجمالا فإن المحررين قد عملوا برغبة خالصة لتحسين هذا العمل العظيم ، ونأمل أن ذلك إن شاء الله عز وجل سوف يعزز أهداف المرحوم العلامة الدكتور / عبد الله يوسف علي في تعظيم النفع بعمله الجليل لعدد لا يحصى من القراء.

بارك الله عز وجل في العلامة عبد الله يوسف علي ، ورحمه رحمة واسعة ، وأسكنه فسيح جناته علي جهوده غير العادية التي بذلها في هذا العمل القيم عظيم النفع " ترجمة وتفسير القرآن الكريم باللغة الإنجليزية ".

المعهد العالمي للفكر الإسلامي

الولايات المتحدة الأمريكية

يناير 1989م.

 

 

 

 

 

 

 

 

من المؤمنين رجال

قال الله عز وجل:

مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا

                          سورة الأحزاب – الآية (23)

تلك كانت قصة أفضل ترجمة للقرآن الكريم إلي اللغة الإنجليزية ، نعم تأخرت ويدل تأخرها علي تقاعس خير أمة أخرجت للناس في تبليغ الدعوة لقطاع كبير من العالم ، إذ من غير المعقول أن تتم أول ترجمة للقرآن الكريم إلي اللغة الإنجليزية على يد عالم مسلم في القرن الخامس عشر الهجري – العشرين  ميلادي ، ولكن وكما تقول الحكمة: " إن تأت متأخرا خير من ألا تأتي أبدا " .

والحقيقة إنني لا أعرف ما الذي دعاني إلي ترجمة مقدمات كتاب " معاني القرآن الكريم للعلامة / عبد الله يوسف علي ، فقد كنت أقرأ الكتاب باللغتين العربية والإنجليزية ، أقرأ الآيات القرآنية باللغة الإنجليزية وكذلك التعليقات الواردة أسفل الصفحات ، وكنت مندمجا في هذه القراءة ، وفجأة ودون أسباب شعرت برغبة في ترجمة مقدمات الكتاب ،  ربما كانت رغبة مني لمعرفة من قام  بهذا العمل الضخم بداية من الترجمة إلي الطباعة  ثم النشر والتوزيع  لتكون النتيجة هي خروج هذا الكتيب بعنوان " معجزة أفضل ترجمة للقرآن الكريم ".

وبعد أن قرأت ما قرأت من قصة كفاح ونضال المرحوم/ عبد الله يوسف علي في هذه المهمة المقدسة التي قرر القيام بها بمحض إرادته رغم صعوبتها ومشقتها ، كان  واجبا عليّ أن أترجم هذه القصة باللغة العربية ليعرفها المسلمون الذين يتحدثون  العربية .

إنني أتعجب  من أمر المرحوم / عبد الله يوسف علي المواطن المسلم الهندي الذي يتحدث اللغة الهندية لغة بلاده ،  عندما يقرر أن  يقوم بترجمة القرآن الكريم  إلي اللغة الإنجليزية ، رغم أن اللغة العربية ليست لغته الأصلية ، وكذلك اللغة الإنجليزية ليست لغته الأصلية ، وبدأ في نشر أجزاء من القرآن الكريم عام 1934م حتى استكمل ترجمته  ليُنشر في محيط وطنه الهند ، ثم توفي إلي رحمة الله عز وجل عام  1948م ، وبعد وفاته بواحد وأربعين عاما  تقرر شركة أمانة بالاشتراك مع المعهد العالمي للفكر الإسلامي في أميركا أن يختارا أفضل ترجمة للقرآن الكريم متداولة في المكتبات ليقوما بنشرها ، فإذا بهما وبعد البحث يكتشفون أن ترجمة الدكتور / عبد الله يوسف علي هي الأفضل على الإطلاق ، فبدأوا على الفور في نشر كتابه " معاني القرآن الكريم باللغة الإنجليزية " نشرا عالميا بدءا من عام  1989م ، ليتم توزيع ملايين من النسخ في جميع  أنحاء العالم ، ولا زالت الطبعات تتوالى وتوزع  دون توقف.

وبعد سبعين عاما من وفاته يسوق الله عز وجل من يترجم قصة كفاحه من أجل كتابة وإصدار هذه الترجمة العظيمة للقرآن الكريم ، إنها إذن  الكلمة الطيبة التي وصفها الله عز وجل في كتابه العزيز بالشجرة الطيبة التي أصلها ثابت وفرعها في  السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها  ، هكذا هي كلمات المرحوم/ عبد الله يوسف علي في كتابه " معاني كلمات القرآن الكريم " شجرة لا تنقطع ثمارها بمرور الزمن ، بل كلما مرت الأيام زادت ثمار عمله.

لقد قطعت شوطا كبيرا  في كتاب " معاني القرآن الكريم بالإنجليزية " للعلامة عبد الله يوسف علي رحمه الله عز وجل ، وأدركت بعد ما قرأت أنه لا يمكن تقدير  عدد الكتب التي قرأها حتى يتمكن من إنتاج كتابه الخالد  ، وبدأت الأسئلة  تصول وتجول في رأسي ، كم كتاب قرأه حتى يتمكن من إجادة اللغة العربية ، ويفوق الكثيرين من  المتخصصين فيها ممن أهلها رغم أنها ليست لغته الأصلية ؟

كم كتاب قرأه  حتى يجيد اللغة الإنجليزية ويكتب بها على نحو ربما يفوق الكثيرين من المتخصصين فيها من أهلها رغم أنها ليست لغته الأصلية ؟

كم كتاب قرأه حتى يستطيع الإلمام بالأديان السماوية الأخرى والأديان والمعتقدات غير السماوية ؟

كم كتاب قرأه حتى يستطيع الإلمام بتاريخ الأمة العربية والإسلامية وتاريخ أوربا بل وتاريخ العالم ؟

كم كتاب قرأه في العلوم الإنسانية المختلفة الطبيعية منها والنظرية والتي تجلت واضحة في تعليقاته على الآيات القرآنية ؟

أسئلة كثيرة لا  تنتهي ، بل إنني أرى أن الزمن الذي أخبرنا بأنه قضاه في العمل لإنجاز هذه المهمة  وقدره أربعون عاما لا يفي لتحقيق هذا الإنجاز الضخم ، فلاشك أنه استغرق من الزمن أكثر من  ذلك بكثير .

إن ما قام به المرحوم الدكتور / عبد الله يوسف علي يجعلنا  نفهم قول الله عز وجل :

" اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ "

                                                سورة  الحج – الآية 75

كما يجعلنا نفهم قول الله عز وجل:

" قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ 

                              سورة يوسف – الآية (108)

رحم الله عز وجل المرحوم الأستاذ الدكتور / عبد الله يوسف علي وأسكنه فسيح جناته ، ورحم والده وأسكنه فسيح جناته ، ورحم كل من ساهم  في هذا العمل العظيم  .

                                        زهرة

من تفسيرات  العلامة عبد الله يوسف علي

وبعد أن عرضنا كلمة المعهد العالمي  للفكر الإسلامي ، أرى أن نعرض مثالا لتفسيرات المرحوم العلامة عبد الله يوسف علي للآيات القرآن الكريم ، وقد اخترت لك أخي القارئ تفسيره لآية الكرسي  أفضل آيات القرآن الكريم والتي يقول فيها الله عز وجل :

" اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۚ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ۚ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ۚ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ۖ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ۚ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ۖ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ۚ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ

                              سورة البقرة – الآية (255)

حيث يقول العلامة عبد الله يوسف علي تعليقا على هذه الآية القرآنية باللغة الإنجليزية ما ترجمته :

" هذه هي آية الكرسي ، هذه هي آية العرش ، فمن ذا الذي يستطيع أن يترجم معانيها العظيمة الرائعة ترجمة مطابقة ، أو يعيد إنتاج أسلوبها اللغوي الرفيع ، أو يجد كلمات تعبر عما تحتويه كلماتها المختارة بدقة بمعانيها الوافية الشاملة ، أو يستخدم عبارات لها إيقاع موسيقي يتفق مع الأفكار والمعاني علي نحو ما حوته تلك الآية الكريمة ، حتى النص العربي يبدو أعظم من أن نعبر عنه بالكلمات .

إن صفات الله عز وجل تختلف عن أي شيء نعرفه في عالمنا الذي نعيش فيه ، إنه حي لكن حياته أبدية لا بداية لها ولا نهاية ، إنه سبحانه وتعالى قائم بذاته لا يعتمد في وجوده  ولا بقائه علي غيره ، إذ كيف يعتمد علي غيره وكل ما هو غير الله عز وجل مخلوق من مخلوقاته .

إن صفة القيومية لا تشير إلي قيامه بذاته فحسب ، بل تشير أيضا إلي حفظه لكافة المخلوقات وإعالتها ، فهو سبحانه وتعالى مصدر الحياة لجميع المخلوقات وسند بقائها واستمرارها إلي أن يأذن سبحانه وتعالى بفنائها .

إن قدرة الله عز وجل – كحياته – موصوفة بالكمال المطلق لا يعتريها الخلل والعطب بخلاف المخلوقات ، فكل كائن حي مخلوق يخضع للموت ويصيبه الإعياء الذي يحد من جهده ونشاطه .

إن الإنسان وغيره من الكائنات الحية يتراجع جهده ، وتضمحل طاقته فيشعر بالتعب فيدخل للحظة في مرحلة ما بين اليقظة والنوم ، وهي التي عبرت عنها الآية الكريمة بكلمة "سنة" .. أي سنة من النوم ، وحين يشتد بالإنسان التعب يدخل في مرحلة النوم العميق ، أما الله عز وجل فهو لا يتعب ولا يحتاج إلي الراحة ، ولا يحتاج إلي النوم ، بل ولا يحتاج إلي سنة من النوم لأن قدرته سبحانه وتعالي كاملة كمالا مطلقا ، ولاشك أن هذا الكمال لصفات الله عز وجل الذي أوضحته آية الكرسي  يختلف عما جاء في الكتاب المقدس والذي يقول :

" فاستيقظ الرب كنائم ، كجبار معيط من الخمر "

                                           مز ( 78:65 )

إن حياة الله عز وجل أبدية بلا بداية ولا نهاية  ، فهو الأول وهو الآخر ، وكل ما سواه مخلوق له محدث بعد عدم  ، فلم يكن هذا الكون شيئا  مذكورا قبل خلقه ، وقد أجرم أنصار وحدة الوجود حين قالوا : إن كل شيء هو الله ، إذ الصحيح أن نقول : أن كل شيء لله كما قال سبحانه وتعالى في الآية الكريمة  : " لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ".

ليس من حق أحد أن يزعم أنه يملك غفران ذنوب العباد أو حملها عنهم ، فالشفاعة ليست إلا لمن يأذن له الله عز وجل من ملائكته أو رسله أو عباده المقربين وعلي رأسهم محمد صلى الله عليه وسلم .

علم الله عز وجل مطلق لا حدود له وغير مقيد بالزمان والمكان حتى لا يتصور أحد أن علمه سبحانه وتعالى ينحصر فيما يحتوي عليه الكون من مخلوقات ، يقول سبحانه وتعالى :

" قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا "

                                  سورة الكهف - (109)

كما يقول جل وعلا:

" وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ "

                                 سورة لقمان – الآية (27)

فالآية الثانية ضربت مثلا تقريبيا لمساعدتنا علي تصور مدى  اتساع علم الله عز وجل ، فلو أننا استطعنا تحويل كافة الأشجار – التي نبتت علي سطح الأرض منذ بدء الخليقة وإلي أن تقوم الساعة – إلي أقلام ، واستطعنا أن نحول سبعة أمثال حجم المياه الموجودة علي سطح الأرض إلى مداد ( حبر ) لنقوم بتدوين  كلمات الله عز وجل والتي تعبر عن علمه لنفدت الأقلام ونفدت المياه دون أن تفي بهذه المهمة ، وهذا المثل يجعلنا نفهم قوله تعالي : " وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ " ، فكل العلوم التي توصل لها الإنسان هي مجرد قشور لا تُذكر من علم الله عز وجل منحها للإنسان لتعاونه علي تحقيق غاية الله عز وجل من خلقه حتى تيسر له شئون حياته علي الأرض ، وهذا ما يؤكده قول الله عز وجل : " وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلً " .

وكلمة " كرسي "  لها معاني متعددة  بعضها حقيقي وبعضها مجازي  منها ( مقعد  - قوة – علم – سلطة ) ، في حين يقول الله سبحانه وتعالى : " وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ " ، وهذا يعني أن كل  شيء في السماوات والأرض هو من عمل الله عز وجل ، وأنه سبحانه وتعالى يسع الكون بعلمه وإحاطته وقوته ومشيئته وسلطته وحفظه ، وعبارة " كل شيء " تشير إلي كل ما هو مادي وروحي .

 

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق