مستقبل الصدام بين الحضارتين الغربية والإسلامية ؟
من كتاب "صدام
الحضارات"
صامويل هنتنجتون
من بين جميع الحضارات ، فإن الحضارة الغربية هي الوحيدة التي كان لها تأثير
رئيسي وأحيانا مدمر على كل الحضارات الأخرى .
العلاقة بين قوة وثقافة الغرب ، وقوة وثقافة الحضارات الأخرى هي - نتيجة
لذلك - السمة الأكثر ظهورا في عالم الحضارات ، ومع زيادة القوة النسبية للحضارات
الأخرى يقل التوجه نحو الثقافة الغربية ، وتزداد ثقة الشعوب غير الغربية بثقافتها الأصلية
والالتزام بها .
المشكلة الرئيسية في العلاقات بين الغرب والباقي بالتالي ، هي التنافر
بين جهود الغرب - وبخاصة أمريكا - لنشر ثقافة غربية عالمية وانخفاض قدرته على
تحقيق ذلك ، وقد فاقم سقوط الشيوعية من
هذا التنافر بأن قَوَٓى في الغرب النظرة إلى أن أيديولوجيته الليبرالية الديمقراطية
قد انتصرت كونياً وبالتالي أصبحت صالحة لتعميمها عالميا .
الغرب - وبخاصة الولايات المتحدة - الذي كان دائما أمة تبشيرية يعتقد أن
الشعوب غير الغربية لابد أن تلتزم بالقيم الغربية فيما يتعلق بالديمقراطية والأسواق
الحرة والحكومة المحدودة وحقوق الانسان والفردانية وحكم القانون ، وأنها لابد أن
تجسد تلك القيم في مؤسساتها.
الاقليات في الحضارات الأخرى تتبنى هذه القيم وتنميها ، ولكن التوجهات
السائدة نحوها تتراوح بين الشك فيها على نطاق واسع والمعارضة الشديدة لها وما
يعتبره الغرب عالمية يعتبره الباقي استعمارا .
الغرب يحاول وسوف يواصل محاولاته للحفاظ على وضعه المتفوق ، والدفاع
عن مصالحه بتعريفها على أنها مصالح " المجتمع العالمي" ، وقد أصبحت هذه العبارة
هي التسمية المهذبة لما كان يُطلق عليه العالم الحر ، وذلك لإضفاء شرعية كونية على الأعمال التي
تعبر عن مصالح الولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى ، فالغرب مثلا يحاول أن
يجمع اقتصاد المجتمعات غير الغربية في نظام اقتصادي عالمي يسيطر عليه .
وعن طريق صندوق النقد الدولي "imf" و المؤسسات الاقتصادية الدولية الأخرى ينمي
الغرب مصالحه الاقتصادية ويفرض على الدول الأخرى السياسات الاقتصادية التي يراها ملائمة
.
وفي أي اقتراع لدى الشعوب غير الغربية ، لا شك أن صندوق النقد الدولي
سوف يلقى تأييدا من وزارة المالية ومن قلة أخرى ، ولكنه يُواجه بمعارضة عامة من كل
الآخرين الذين قد يتفقون مع وصف "جيورجي أرباتوف" لمسئولي الصندوق النقد
بأنهم : " البلشفيك الجدد الذين يحلوا لهم مصادرة أموال الآخرين ، وفرض قواعد
من السلوك الاقتصادي والسياسي غير ديمقراطية وغريبة ، وخنق الحرية الاقتصادية
" ، كما لا يتردد غير الغربيين في الإشارة
إلى الفجوات بين المبادئ والتصرفات الغربية كالنفاق .. وازدواجية المعايير .. ولكن
ليس .. كل ذلك هو ثمن تلك العالمية المزعومة .
الغرب مع الديمقراطية ولكن ليس عندما تأتي بالأصوليين الإسلاميين إلى السلطة
، وبخصوص منع انتشار الأسلحة النووية يُطلب من إيران ولكن ليس من إسرائيل ، والتجارة
الحرة هي إكسير النمو الاقتصادي ولكن ليس الزراعة ، وحقوق الإنسان قضية مع الصين
ولكن ليس مع السعودية ، والعدوان على الكويت الغنية بالنفط مستهجن على أوسع نطاق ،
ولكن ليس العدوان على البوسنيين الذين لا يوجد لديهم نفط . ازدواجية المعايير في الممارسة
العملية هي الثمن الذي لا يمكن تجنبه في مستويات المبادئ العالمية .
وبعد حصولها على الاستقلال السياسي ، فإن الدول غير الغربية تريد أن
تحرر نفسها من السيطرة الغربية الاقتصادية والعسكرية والثقافية .
مجتمعات شرق آسيا في طريقها لأن تتساوي اقتصاديا مع الغرب ، الدول الأسيوية
والإسلامية تبحث عن طرق مختصرة لكي تتوازن عسكريا مع الغرب . الطموحات العالمية للحضارة
الغربية ، القوة النسبية الغربية المتدهورة ، التوكيد الثقافي المتزايد للحضارات الأخرى
، كل ذلك يؤكد العلاقات الصعبة بين الغرب والشرق بوجه عام ، إلا أن طبيعة تلك
العلاقات ومدى عدائيتها تختلف جدا وتنقسم الى ثلاث مستويات :
بالنسبة لحضارات التحدي من المرجح أن تكون علاقات الغرب بالإسلام
والصين متوترة على نحو ثابت ، وعدائية جدا في معظم الأحوال ، فالحضارة الإسلامية والحضارة
الصينية كل منهما ينتظم تقاليد ثقافية عظيمة تختلف جدا عن التي لدى الغرب ، وهي في
نظرهما أرقى من تقاليد الغرب بمراحل لا محدودة وقوة وتأكيد كليهما إزاء الغرب
تتزايدان ، كما يتزايد الصراع ويشتد بين مصالحهما وقيمهما ومصالح وقيم الغرب ، ولأن
الحضارة الإسلامية تفتقر إلى دولة مركز ، فإن علاقتها مع الغرب تتباين من دولة إلى
أخرى ، إلا أنه منذ السبعينات يوجد اتجاه معادي للغرب ثابت تقريبا ، من علاماته
صعود الأصولية وتحولات القوى داخل الدول الإسلامية من حكومات أكثر موالاة إلى
حكومات أكثر عداء له ، وظهور ما يشبه الحرب بين الجماعات الإسلامية والغرب ، وضعف
العلاقات الأمنية التي كانت قائمة بين بعض الدول الإسلامية والولايات المتحدة أثناء
الحرب الباردة. وراء الخلافات حول القضايا المحددة يكمن السؤال الأساسي الذي يتعلق
بالدور الذي ستلعبه تلك الحضارات بالنسبة للغرب في تشكيل مستقبل العالم ، هل ستعكس
المؤسسات الكونية واقتصاد و سياسات الدول في القرن الحادي والعشرين القيم والمصالح الغربية ، أم أنها سوف تُشكل
حسب قيم ومصالح الإسلام والصين.
النظرية الواقعية في العلاقات الدولية تتنبأ بأن دول المركز في
الحضارات غير الغربية لابد لها من أن تتآلف معا لكى توازن قوة الغرب المسيطرة ،
وقد حدث ذلك بالفعل في بعض المجالات إلا أن ائتلافا كاملا مضادا للغرب يبدو غير
وارد في المستقبل القريب .
الحضارتان الإسلامية والصينية مختلفتان أساسا من ناحية الدين والثقافة
الاجتماعية والتقاليد والافتراضات الأساسية الجذرية في أساليب الحياة ، وبطبيعة
الحال يوجد بين الحضارتين الإسلامية والصينية أمور مشتركة أقل مما يوجد بين كل
منهما والحضارة الغربية ، ولكن في السياسة العدو المشترك يخلق مصلحة مشتركة.
المجتمعات الإسلامية والصينية ترى الغرب عدوا ، ولذلك لديها سبب للتعاون ضده معا ،
كما سبق أن فعل الحلفاء و"ستالين " ضد "هتلر" ، هذا التعاون
يحدث حول عدة أمور تتضمن حقوق الانسان والاقتصاد ، والأهم من ذلك الجهود التي
تبذلها المجتمعات في كل من الحضارتين لتطوير قدراتها العسكرية وبخاصة أسلحة الدمار
الشامل والصواريخ اللازمة لاستخدامها ، وذلك لكي تواجه التفوق العسكري التقليدي للغرب.
نتوقف عند هذا القدر من رؤية صامويل هنتنجتون لمستقبل العلاقات بين
الحضارة الغربية من جهة والحضارتين الإسلامية والصينية المنافستين لها من جهة الأخرى.
وأقول : عندما تقرأ هذه التحليلات والتوقعات والارشادات من كاتب عملاق
وموسوعي ومُنصف – لاسيما عندما تعلم أن أول نشر لكتاب صدام الحضارات كان عام ١٩٩٦م
– بالتأكيد سوف تشعر بالحسرة والألم ، عندما يُحذر صامويل هنتنجتون العالم
الإسلامي أجمع منذ عام ١٩٩٦م بأن الحضارة الغربية قد خططت لإخضاع وابتلاع باقي
الحضارات ، وأن أشد أعدائهم الحضارة الإسلامية ، وأن حلف الناتو – الذراع العسكري –
للحضارة الغربية قد أعلنها صراحة - بعد سقوط الاتحاد السوفيتي – أن الهدف القادم
هو الإسلام والمسلمين ، كما قدم نصيحته للمسلمين بضرورة التعاون مع حضارة كبري
كالصين للحفاظ على نفسها من المخططات والكمائن التي ستنصبها لهم الحضارة الغربية ،
وربما تشاركها الحضارة الروسية الأرثوذكسية في العدوان .
وللأسف الشديد أطلق هنتنجتون تحذيراته عام ١٩٩٦م ، ومات عام ٢٠٠٨م ،
وها هو العالم الإسلامي قد دخل في حيز الدمار منذ بداية الألفية الثالثة .
بعد أن حذر هنتنجتون ونعوم تشومسكي العالم الإسلامي من أن أمريكا وإسرائيل
هما أكبر دولتين إرهابيتين في العالم ، وحصرا ونشرا جرائمهما ضد العديد من دول العالم
، وأكدا أن أمريكا وإسرائيل هما من وضعتا قواعد لعبة الحرب العالمية على الإرهاب بقصد
السيطرة على الدول الإسلامية في الشرق الأوسط والدول الشيوعية في أمريكا الجنوبية
.
بعد كل هذه التحذيرات من مخاطر بدأت تحدث بالفعل منذ حلول عام ٢٠٠٠م ،
ماذا لو كان صامويل هنتنجتون على قيد الحياة ، وشاهد ما يحدث الآن ، واكتشف أن
حكام مسلمين هم من يطبقون مخطط الحرب على الإرهاب على كافة الشعوب الإسلامية
بالنيابة عن أمريكا وإسرائيل حتى يوفرون عليهما الجهد والمال ، ويشاهد بعد كل
تحذيراته حجم الدمار الذي لحق بالمسلمين بالعراق وسوريا وفلسطين من جراء تطبيق
الحرب على الإرهاب ضدهم ، وحجم الاضطرابات الذي لحق بالسودان وليبيا واليمن ولبنان
و ... ، وأن كل هذا الدمار من عمل الحضارتين الغربية والروسية الأرثوذكسية الذين
يعيثون في العالم الإسلامي كله فسادا مستخدمين أياد عربية مسلمة لتنفيذ كل هذا
الدمار ؟
ماذا لو شاهد هنتنجتون كيف تتنافس وتتسارع وتتصارع الحكومات العربية
للتطبيع مع إسرائيل واصفين إياها بالدولة الجارة والصديقة ، وواصفين أصحاب الأرض
المحتلة بالإرهابيين ، بل ويضعون مناطق عربية تحت الحصار المشدد للحفاظ على أمن
إسرائيل ، ويصفون شعوبهم بأنهم الإرهابيين وأنهم أهل الشر ؟
ترى ماذا كان سيقول هنتنجتون لهذه الأمة بحكامها ومحكوميها ، عالمها وجاهلها
، مؤمنها وعاصيها ؟
أظنه كان قائلا قول
المتنبي لشعب مصر :
أغايةُ الدِّينِ أن تُحْفـوا شواربكم يا أمةً ضحكتْ من جهلها الأمم
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق