الاثنين، 26 يوليو 2021

 

لماذا تحارب أمريكا الديمقراطية في الدول الإسلامية ؟!

من كتاب صدام الحضارات

صامويل هتنجتون

-        أكد الكاتب العملاق صامويل هتنجتون على النتائج التي توصل إليها الكاتب الكبير " فرانسيس فوكوياما " في كتابه " نهاية التاريخ والرجل الأخير" ، من أن أبناء الحضارة الغربية لديهم اعتقاد جازم بأن حضارتهم قد بلغت قمة التقدم في جميع المجالات ، وأنه ينبغي فرض القيم الغربية بمختلف أنواعها على سائر الحضارات .

-        ثم أكد على تبني أمريكا فرض منظومتها الثقافية ومن بينها حقوق الإنسان والديمقراطية على سائر الشعوب التي تنتمي إلي حضارات أخري ، لا لخدمة الشعوب ، ولكن سعيا وراء المكاسب التي سوف تحققها من جراء تبعية الدول المتحولة لها والسير في ركابها وتنفيذ سياساتها في مختلف المجالات ، كما أكد على نجاح أمريكا في تحقيق مخططها في تحويل الكثير من الدول إلى الديمقراطية ، وأكد على أن أكثر عمليات التحول إلى الديمقراطية  الناجحة كانت في دول مسيحية نظرا للاتحاد أو بالأدنى التقارب في المنظومة الثقافية ، وفي هذا الصدد يقول صامويل هنتنجتون :

في السبعينيات والثمانينيات تحول أكثر من 30 دولة من أنظمة سياسية سلطوية إلى أنظمة ديمقراطية ، موجة التحول هذه وراءها أسباب كثيرة ، النمو الاقتصادي كان بلا شك هو العامل الرئيسي وراء ظهور هذه التغيرات السياسية ، بالإضافة إلى ذلك فإن سياسات وتصرفات الولايات المتحدة والقوى الأوروبية الغربية والمؤسسات الدولية ساعدت على تحقق الديمقراطية في أسبانيا والبرتغال وكثير من دول أمريكا اللاتينية والفلبين وكوريا الشمالية وأوروبا الشرقية . كان التحول الديمقراطي ناجحا حيث كانت المؤثرات المسيحية والغربية قوية واتضح أن استقرار الديمقراطية الجديدة في دول أوروبا الغربية والوسطى والتي كانت معظمها كاثوليكية او بروتستانتية أكثر احتمالا عنه في دول أمريكا اللاتينية .

في شرق أسيا عادت الفلبين الكاثوليكية والخاضعة لتأثير أمريكي شديد إلى الديمقراطية في الثمانينات ، بينما في كوريا الجنوبية وتايوان تبني القادة المسيحيون حركة نحو الديمقراطية .

وكما أشرنا من قبل في الاتحاد السوفيتي السابق: في جمهوريات البلطيق يتم إرساء الديمقراطية بنجاح ، في الجمهوريات الأرثوذكسية مستويات الديمقراطية ودرجات استقرارها مختلفة وغير مؤكدة ، في الجمهوريات الإسلامية آفاق الديمقراطية غير واضحة . في التسعينيات حدثت تحولات ديمقراطية في معظم دول العالم - خارج افريقيا - باستثناء كوبا ، حيث تعتنق الشعوب المسيحية الغربية أو حيث توجد مؤثرات مسيحية كثيرة . هذه التحولات مع سقوط الاتحاد السوفيتي ولدت اعتقادا لدى الغرب ، وبخاصة الولايات المتحدة بأن هناك ثورة ديمقراطية كونية في الطريق ، وأن المفاهيم الغربية عن حقوق الإنسان والأشكال الغربية للديمقراطية السياسية سوف تسود العالم بسرعة . وقد صدقت على ذلك إدارة بوش بإعلان "جيمس بيكر" وزير الخارجية في إبريل 1990م : إن وراء الكبح توجد الديمقراطية ، وأنه من أجل عالم ما بعد الحرب الباردة حدد الرئيس بوش مهمتنا الجديدة بأن تكون هي تبني الديمقراطية وتدعيمها .

وفي حملته الانتخابية  1992م كرر "كلينتون" أكثر من مرة أن تبني الديمقراطية سيكون على رأس أولويات إدارته ، وأن التحول الديمقراطي كان الموضوع الوحيد للسياسة الخارجية ، والذي كرس له خطابا كاملا في حملته. وبمجرد أن باشر مهامه كرئيس أوصي بزيادة بمقدار الثلثين في الاعتمادات المالية المخصصة للصندوق القومي للديمقراطية ، كما حدد مساعده لشؤون الأمن القومي الموضوع الرئيسي في سياسته الخارجية بأنه توسيع الديمقراطية ،  كما حدد وزير دفاعه تبني الديمقراطية كواحد من أربعة أهداف رئيسية ، وحاول أن يستحدث وظيفه عليا في إدارته لمتابعه هذا الهدف .

ثم أوضح صامويل هنتنجتون أن أمريكا اكتشفت أنه وإن كانت - عملية التحول الديمقراطي في الدول المنتمية ثقافيا للحضارة الغربية - ناجحة ومفيدة لأمريكا والغرب ، إلا أنها لم تكن مفيدة للغرب عندما حدثت في دول تنتمي إلى حضارات أخرى كالحضارة الإسلامية ، وهو الأمر الذي حدا بأمريكا والغرب لمحاربة أي تحول ديمقراطي بأي دولة إسلامية حيث يقول :

- الافتراض الغربي السهل بأن الحكومات المنتخبة ديمقراطيا سوف تكون متعاونة وموالية للغرب لا يحتاج لأن نعتبره صحيحا في المجتمعات غير الغربية ، حيث يمكن أن تأتي الانتخابات إلى السلطة بقوميين أصوليين معادين للغرب . لقد شعر الغرب بالارتياح عندما تدخل الجيش الجزائري في سنة 1992م وألغى الانتخابات التي كان من الواضح أن الجبهة الإسلامية Fis الأصولية ستفوز بها . كما اطمأنت الحكومات الغربية أيضا عندما طُرد حزب الرفاة في تركيا وحزب "BJP " القومي في الهند من السلطة بعد تحقيقهما انتصارات انتخابية في 1995م و1996م . من جانب آخر وفي اطار ثورتها ، فإن إيران كان يوجد بها أحد أكثر الأنظمة  ديمقراطية في العالم الاسلامي والانتخابات التنافسية .

في دول عربية كثيرة بما في ذلك السعودية ومصر من المؤكد أن الدميقراطية ستفرز حكومات أقل تعاطفا بكثير مع المصالح الغربية عن الحكومات غير الديمقراطية السابقة عليها . إن حكومة صينية منتخب شعبيا يمكن ان تكون حكومة وطنية إلى درجة كبيرة .

وحيث إن قادة الغرب يدركون أن العمليات الديمقراطية في المجتمعات غير الغربية غالبا ما تأتي بحكومات غير صديقة ، فإنهم يحاولون التأثير على تلك الانتخابات . كما يفقدون حماسهم كذلك لتنمية الديمقراطية في تلك التجمعات .

-        الولايات المتحدة تتآمر لقلب الأنظمة الإسلامية خلال السنوات ال 15 بين 1980م و 1995م  وطبقا لبيانات وزارة الدفاع الأمريكية شاركت الولايات المتحدة في 17 عملية في الشرق الأوسط كانت كلها موجهة ضد مسلمين ، ولم تحدث أي عمليات أمريكية من هذا النمط ضد أي شعب من حضارة أخرى .

-        الحكومات التي جاءت بعد الاحتلال مباشرة كانت غربية عموما في أيديولوجيتها وسياستها ، وموالية للغرب في سياستها الخارجية مع استثناءات جذرية مثل الجزائر وإندونيسيا حيث كان الاستقلال نتيجة ثورات وطنية ، إلا أن الحكومات الموالية للغرب راحت واحدة تلو الأخرى تخلي الطريق لحكومات أقل توحدا مع الغرب أو معادية له : في العراق و ليبيا واليمن وسوريا وإيران والسودان وأفغانستان . كما حدثت تغيرات أقل درامية في نفس الاتجاه في توجهات وانحيازات دول أخرى من بينها تونس وإندونيسيا وماليزيا .

-        الحليفان العسكريان الرئيسيان للولايات المتحدة في سنوات الحرب الباردة هما تركيا وباكستان واقعتان تحت ضغط سياسي إسلامي في الداخل ، وروابطهما مع الغرب عرضة لتوتر متزايد . في عام ١٩95م كانت الكويت هي الدولة الإسلامية الوحيدة الأكثر موالاة للغرب ، بكل وضوح عما كانت عليه قبل عشر سنوات .

-        أصدقاء الغرب المقربون في العالم الإسلامي الآن ، إما أنهم مثل الكويت والسعودية ومشيخات الخليج المعتمدة على القوة العسكرية الغربية ، أو مثل مصر والجزائر يعتمدون عليها اقتصاديا  ، أواخر الثمانينيات انهارت الأنظمة الشيوعية في أوروبا الشرقية عندما أصبح واضحا أن الاتحاد السوفيتي لم يعد قادرا أو لن يكون قادرا على تقديم العون  الاقتصادي والعسكري لهم و إذا اتضح أن الغرب لن يكون قادرا على المحافظة على توابعه من الأنظمة الإسلامية ، فالمرجح أنهم سيلقون نفس المصير .

-        المشكلة المهمة بالنسبة للغرب ليست الأصولية الإسلامية بل الإسلام فهو حضارة مختلفة شعبها مقتنع بتفوق ثقافته وهاجسه ضآلة قوته . المشكلة المهمة بالنسبة للإسلام ليست المخابرات المركزية الأمريكية ولا وزاره الدفاع ، المشكلة هي الغرب : حضارة مختلفة شعبها مقتنع بعالمية ثقافته ، ويعتقد أن قوته المتفوقة إذا كانت متدهورة فإنها تفرض عليه التزاما بنشر هذه الثقافة في العالم ، هذه هي المكونات الأساسية التي تغذي الصراع بين الإسلام والغرب.

ملحوظة :

لقد نشرت هذا المقال علي صفحة الفيس الخاصة بي يوم الأحد الموافق 25/7/2021م الساعة 11.41 صباحا ، فإذا بالرئيس التونسي قيس سعيد يعلن في مساء ذات اليوم قرارات انقلابية علي مكتسبات الثورة التونسية .

محمد العمدة



 






ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق