ما أن أصدرت المحكمة الدستورية حكمها بقبول الدعوي المقامة مني - بعدم دستورية إتفاقية السلام الشامل - شكلا ، والتي أجازت للجنوب أن ينفصل عن السودان حتي حدث انقلاب في الصحافة السودانية .
بتاريخ 2010/10/14 نشرت صحيفة " الراكوبة " السودانية تحت عنوان " الدستورية" السودانية تقبل طعن "العمدة" المصري على تقسيم السودان "شكلاً" ، وجاء في الخبر ما يأتي :
" قررت المحكمة الدستورية السودانية بعضوية ثلاثة قضاة امس ، قبول الطعن المقدم من النائب المصرى محمد العمدة عضو مجلس الشعب شكلا ، والذى طالب فيه بإلغاء اتفاقية السلام بين الشمال والجنوب السودانى ، كما قررت إحالته إلى دائرة أخرى مكتملة الأعضاء للفصل فيه موضوعاً.
كان محمد العمدة عضو مجلس الشعب المصرى قد أقام طعنا أمام المحكمة الدستورية لجمهورية السودان العربية ، يطالب فيه بعدم دستورية اتفاقية السلام المبرمة بين شمال وجنوب السودان فى يناير 2005 والتى أتاحت للجنوب حق تقرير المصير، مؤكداً أن استقلال الجنوب سيحول المنطقة العربية إلى صراعات على غرار إسرائيل.
أوضح فى طعنه الذى حمل رقم 203 لسنة2010 دستورية ، أنه بموجب اتفاقية السلام الشامل التى وقعت بين شمال وجنوب السودان فى يناير 2005 وقع كل من حزب المؤتمر الوطنى الحاكم فى السودان والحركة الشعبية لتحرير السودان على بنود الاتفاقية ، والتى أتاحت لجنوب السودان الحق فى تقرير مصيره بعد 6 سنوات من توقيع الاتفاقية ، وذلك من خلال استفتاء لمواطنى الجنوب يقررون من خلاله إما البقاء فى السودان الموحد أو الانفصال فى دولة مستقلة.
وأضاف أن هذه الاتفاقية خطيرة لأنها ستفتح باب الصراع المسلح بين الشمال والجنوب من جهة ، فى ظل خلو الاتفاق من ترتيبات الدولة الجديدة وتقسيم الثروة البترولية ، ومن جهة أخرى بين القبائل المختلفة فى الجنوب وبعضها بسبب الصراع على السلطة.
وتابع أن الخطورة لا تقتصر على السودان وحده وإنما تمتد إلى كل الدول العربية والأفريقية، معللا ذلك بأن الولايات المتحدة الأمريكية ستساندها فى إشارة منه إلى جنوب السودان حال قرر الانفصال، وستمدها بالأسلحة المحرمة على غرار إسرائيل لتهدد الجميع وتحقق مطامع الغرب فى ثروات قارة أفريقيا والعالم العربى ".
كما نشرت صحيفة " الصحافة السودانية " بتاريخ 2010/10/13 تحت عنوان " الدستورية تقبل شكلاً طعنا بشأن تقسيم السودان " ، جاء فيه :
" الخرطوم - الصحافة : قررت المحكمة الدستورية بعضوية ثلاثة قضاة أمس ، قبول الطعن المقدم من النائب المصرى محمد العمدة عضو مجلس الشعب شكلا ، والذى طالب فيه بإلغاء اتفاقية السلام ، كما قررت إحالته إلى دائرة أخرى مكتملة الأعضاء للفصل فيه موضوعاً.
كان محمد العمدة عضو مجلس الشعب المصرى قد أقام طعنا أمام المحكمة الدستورية في السودان ، يطالب فيه بعدم دستورية اتفاقية والتى أتاحت للجنوب حق تقرير المصير ، مؤكداً أن استقلال الجنوب سيحول المنطقة العربية إلى صراعات على غرار إسرائيل .
أوضح فى طعنه الذى حمل رقم 203 لسنة2010 دستورية ، أنه بموجب اتفاقية السلام الشامل ، والتى أتاحت لجنوب السودان الحق فى تقرير مصيره بعد 6 سنوات من توقيع الاتفاقية ، وذلك من خلال استفتاء لمواطنى الجنوب يقررون من خلاله إما البقاء فى السودان الموحد أو الانفصال فى دولة مستقلة.
وأضاف أن هذه الاتفاقية خطيرة لأنها ستفتح باب الصراع المسلح بين الشمال والجنوب من جهة ، فى ظل خلو الاتفاق من ترتيبات الدولة الجديدة وتقسيم الثروة البترولية ، ومن جهة أخرى بين القبائل المختلفة فى الجنوب وبعضها بسبب الصراع على السلطة.
وتابع أن الخطورة لا تقتصر على السودان وحده وإنما تمتد إلى كل الدول العربية والأفريقية ، معللا ذلك بأن الولايات المتحدة الأمريكية ستساندها فى إشارة منه إلى جنوب السودان حال تقرر الانفصال ، وستمدها بالأسلحة المحرمة على غرار «إسرائيل» لتهدد الجميع وتحقق مطامع الغرب فى ثروات قارة أفريقيا والعالم العربى ".
لقد أحدث حكم المحكمة الدستورية السودانية بقبول القضية شكلا وإحالتها إلي دائرة مكتملة للفصل في الطلبات الموضوعية هلعا لدي النظام السوداني والذي كان يتعرض رئيسه للإبتزاز الأمريكي والغربي بإحالة رئيسه للمحكمة الجنائية الدولية ، وتهديده بشكل متكرر بالقبض عليه كلما أعلن عن زيارة خارج السودان ، هذا فضلا عن العقوبات المفروضة علي السودان ، ويبدو أن كل ذلك أحدث أثره ، وجعل النظام حريصا علي تمرير الإتفاقية بما فيها من تنازلات عن حقوق الشعب والوطن السوداني .
بدأت علي الفور مقالات الانتقاد الشديد للمحكمة الدستورية السودانية واتهامها بعدم الوطنية وتحذيرها بشكل مباشر وغير مباشر من إصدار حكم بعدم دستورية الإتفاقية ، من بين هذه المقالات سلسلة بعنوان " المحكمة الدستورية و البرلماني المصري : تقويض الدستور ، تقويض السيادة ، و تقويض المواطنة " ، هذه السلسلة لعدة كتاب منهم الدكتور / معاوية عمر والطيب الشيقوقي ومن يدعي كبر ، ونشرت جميعها يوم 2010/10/14 سوف نقتطف بعضا منها نعرضه نظرا لطول هذه المقالات وكثرة من جاء فيها :
يقول الكاتب المدعو " كُبَر " :
" طالعتنا الصحف اليومية السودانية بخبر يفيد أن المحكمة الدستورية السودانية قد قبلت (شكلا) طعنا مقدم من البرلماني المصري عضو مجلس الشعب المصري السيد محمد العمدة ، و أن الطعن يتعلق بتقسيم السودان و ضرورة الغاء اتفاقية السلام الشامل لسنة 2005(سنلحق الخبر لاحقا هنا)..
حينما قرأت الخبر في المرة الأولي كنت اظن أن نائبا برلمانيا سودانيا و في المجلس الوطني السوداني و اسمه المصري ، و لكن حينما راجعت الخبر اكثر من مرة تيقنت أنه مواطني أجنبي ..!
كنت أتمنى من كل قلبي أن تكون صياغة الخبر قد احتوت على خطأ ما و في مكان ما..و أن قرار الدائرة الدستورية في أساسه شطب الدعوى ، لأن مثل ذلك القرار (قرار الشطب) هو الذي يتسق مع روح الدستور و القانون و طبيعة عمل المحكمة الدستورية.. أما اذا كان الخبر صحيح و أن المحكمة الدستورية فعلا قد قبلت دعوى دستورية من مواطن أجنبي في شأن سوداني سيادي.. فإن المحكمة بهذا السلوك تكون قد قوضت الدستور الوطني السوداني و الذي من مهامها حراسته و حمايته ، و في نفس الوقت تكون المحكمة قد انتهكت حرمة السيادة الوطنية السودانية و ذلك بالسماح لمواطنين أجانب التظلم في شئون دستورية سودانية عليا ، و أيضا قد تكون المحكمة ابتدعت مفهوم جديد لمفهوم المواطنة بأن أصبح لها اختصاص يتعدى حدود السودان الجغرافية و السياسية و الدستورية و القانونية..! "
جوهر عريضة نائب مجلس الشعب المصري محمد العمدة ، و هو مواطن غير سوداني ، يطالب بإلغاء إتفاقية السلام الشامل لسنة 2005 ، و هي إتفاقية سودانية بين أطراف سودانية و تحقق مصالح سودانية لمواطنيين سودانيين ، و هي الإتفاقية التي قام عليها دستور السودان الإنتقالي لسنة 2005 ، و المطالبة بإلغاء تلك الإتفاقية بالضرورة تعني المطالبة بالغاء دستور 2005.. والأنكي أن مواطنا أجنبيا يطالب بالغاء دستور دولة اخرى..!!!
فكيف تسمح محكمة سودانية بقبول هذا الطلب ؟.. و كيف سمحت لنفسها بتصريح الدعوى ابتداءا ؟
إن صح وفعلت المحكمة الدستورية هذا الفعل ، فإنها تكون قد ارتكبت خيانة وطنية ، وأمام الجميع ، تقتضي المحاسبة العاجلة.. ووقف العبث و الفوضى..
هنا سنوضح ، باقتضاب ، ماهية المحكمة الدستورية السودانية ، مفهوم السيادة الوطنية السودانية ، مفهوم المواطنة في الدولة السودانية ، الجهات التي لها الحق في تعديل الدستور القومي و طرق التعديل.. ثم سلطات المحكمة الدستورية في شطب الدعوى إيجازيا..
... لم ينص الدستور السوداني لسنة 2005 ، و هو الدستور الذي بموجبه تم تكوين المحكمة الدستورية السودانية ، لم ينص هذا الدستور في حق المحكمة الدستورية و سلطتها في تصريح و قبول عرائض دعوى من مواطنيين أجانب في مسائل دستورية سيادية .. بغض النظر عن كون مثل ذلك القبول هو شكلي أو موضوعي ، لأن المبدأ يقتضى أنها هيئة سودانية تختص بنظر مظالم مواطنيين من السودان ، لأن الدستور نفسه حدد و عرف من هو المواطن السوداني ، و بالتالي من هو المواطن الذي يحق له أن يتمتع بالحقوق الدستورية و بالتالي حماية مثل تلك الحقوق و بواسطة المحكمة الدستورية في نفسها..!
المادة (1/1) من دستور السودان الإنتقالي لسنة 2005 تقرأ (جمهورية السودان دولة مستقلة و ذات سيادة )..
ومن مظاهر هذه السيادة أن يعمل جميع مواطني السودان على حماية سيادة السودان أرضا و جوا و بحرا و دستورا.. ومن مقتضى هذا المفهوم ، أن المواطن الأجنبي لا يحق له التدخل في أمور السودان السيادية ، ناهيك أن تعمل هيئة سودانية دستورية لمساعدة مثل ذلك المواطن الأجنبي في انتهاك حرمة السيادة السودانية بتصريح و قبول دعوى تهدف الى نسف الدستور و الغائه تماما عن الوجود..!
في شهادته المرفقة في آخر الدستور الإنتقالي لسنة 2005 ، شهد السيد أحمد ابراهيم الطاهر ، رئيس المجلس الوطني بالتالي :
( بهذا أشهد بأن المجلس الوطني قد اجاز دستور جمهورية السودان الإنتقالي لسنة 2005 ، في جلسته رقم (24) من دور الإنعقاد التاسع بتأريخ 30 جمادى الأولى 1426 الموافق السادس من يوليو 2005)..
و بالرغم من أن هذه الشهادة ليست هي نص دستوري في حد ذاتها ، و لكنها توضح أن إجازة الدستور ، و هو المؤسس للمحكمة الدستورية السودانية ، قد تم وفقا لإرادة أهل السودان وممثليهم في المجلس التشريعي السوداني .. وبالضرورة تعني هذا الشهادة أن نواب مجلس الشعب المصري ليسوا هم جزءا من المجلس الوطني السوداني حتى تسمح لهم المحكمة الدستورية بمثل تلك التدخلات السافرة و التغولات في تقويض الدستور السوداني لدرجة المطالبة بالغائه بصورة غير مباشرة ، لأننا نفهم أن المطالبة بالغاء اتفاقية نيفاشا هي بالضرورة مطالبة بالغاء دستور السودان الإنتقالي..!
حينما تحدثت المادة (7) من الدستور الإنتقالي لسنة 2005 ، لم تتحدث عن مفهوم للمواطنة و الجنسية بطريقة مفتوحة ، حتى يحق للمتغولين الأجانب التمتع بالحقوق الدستورية وفقا لدستور السودان المانع .. بل كانت المادة منضبطة و تحدثت عن مواطنية و جنسية سودانية ..
المادة (7/1) تقرأ ( تكون المواطنة أساس الحقوق المتساوية و الواجبات لكل السودانيين ) .. و إن كانت المادة بهذا الوضوح ، فكيف يمكن أن تقنعنا المحكمة الدستورية أن تعريف المواطنة و الجنسية السودانية بالضرورة يشمل نواب مجلس الشعب المصري أمثال السيد محمد العمدة ، حتى تسمح لنفسها بتصريح عرائض دعاواهم التي تمس السيادة السودانية و تسعى لتقويض الدستور السوداني ؟..
الحقوق التي يتحدث عنها دستور جمهورية السودان لسنة 2005 هي حقوق للمواطن السوداني ، سواءا مالك للجنسية بصورة طبيعية أو متجنس وفقا لقانون التجنس.. و مثل هذا التعريف ، يمنع بالضرورة ، المواطنين الأجانب من التمتع بالحقوق الدستورية .. و قد نظم الدستور في مسائل حق التقاضي و المساواة أمام القانون حقوق الأجانب في التمتع بحماية السودان .. و أن حدود التقاضي لهم تكون في مخاصمات في القانون و ليس الدستور ، و بالتالي لهم الحق في التقاضي المدني و الجنائي و الشرعي و الإداري ، أما التقاضي الدستوري لدرجة المطالبة بالغاء الدستور فهذه محرمة عليهم .. و كل دساتير العالم تعمل بهذا المبدأ .. لأن مثل تلك الأمور هي أمور سيادية و التفريط فيها يعني الخيانة الكبرى التي تستوجب المحاسبة..
.. تلك الجهات التي يحق لها تعديل الدستور هي مؤسسات سودانية ، و يحكمها دستور سوداني ، و هي الجهات التي يجب أن تحرس نشاطها المحكمة الدستورية السودانية ، وحتى تلك المؤسسات السودانية ليست لها القدرة على المطالبة بالغاء الدستور.. ناهيك عن مواطنيين اجانب..!
اتفاقية السلام الشامل 2005 هي اتفاقية سودانية ، و الدستور الإنتقالي خرج من صلب تلك الإتفاقية ، و حدد الطرق التي يمكن أن يتم تعديل الدستور ، و اشترطت مثل تلك التعديلات موافقة أطراف الإتفاقية إذا كانت التعديلات المزمعة تؤثر على الإتفاقية..!
و اذا كان نائب مجلس الشعب المصري ، و هو المواطن الأجنبي ، يطالب بالغاء اتفاقية نيفاشا .. فهل ستذهب المحكمة الدستورية شوطا أبعد و تسمح له أن ينال موافقة طرفي الإتفاقية ؟..
.. وبموجب هذه المادة ، يحق للمواطن الأجبي التظلم تجاه القانون السوداني أو القرارت الإدارية أو القانونية و مدى مخالفتها للدستور..و مثل تلك الأمور تشمل فيما تشمل أن يتقدم مواطن أجنبي بأن القانون السوداني قد ظلمه في كذا أو كذا.. خصوصا إذا حرمه حق التقاضي أمام المحاكم السودانية على أساس أنه مواطن أجنبي..!
ولأن دستور السودان هو دستور يحكم علاقات مواطني السودان ، فليس للمواطن الأجنبي الحق في التظلم الدستوري على أساس الغاء الدستور نفسه .. صحيح يمكن أن يتظلم المواطن الأجنبي وفق صحيفة حقوق الإنسان السودانية ، بان بعض من حقوق الإنسان خاصته قد أهدرت أو أن حريته قد انتهكت من قبل جهات سودانية ..ففي مثل هذه الحال يمكن أن تنظر المحكمة الدستورية دعوى في هذا النطاق المحدود.. و يجب أن تعلم المحكمة الدستورية أن المواطن السوداني وحده فقط من يملك الحق في تقديم عريضة دعوى تدعو لتعديل الدستور السوداني أو إلغائه أو إلغاء إتفاقية السلام الشامل لسنة 2005 ، أما أن تصرح و تقبل مثل تلك العريضة من مواطن أجنبي فهذا يصل لحد الخيانة الوطنية و تقويض الدستور ..وعمالة للأجنبي بالباب العديل..!
المصالح التي تضار هي مصالح أهل السودان ، وفقا لتعريف المواطنة و الجنسية في الدستور الإنتقالي لسنة 2005 ، و مصلحة مثل مصلحة المطالبة بالغاء إتفاقية السلام الشامل أو تعديل الدستور الإنتقالي هي مصلحة تتعلق بأهل السودان ، و أهل السودان وحدهم لهم الحق في التظلم منها و أمام مؤسسات سودانية ..و بهذا الفهم ليس هناك حق لنائب في مجلس الشعب المصري أن يطالب بأن له مصلحة في الغاء إتفاقية السلام الشامل ، اللهم اٍلا أن يكون نواب مجلس الشعب المصري يتمتعون بجنسية سودانية ومواطنيين سودانيين وفقا لتعريف الدستور السوداني..
كان ينبغي للمحكمة الدستورية أن ترفض مبدئيا تصريح عريضة نائب مجلس الشعب المصري السيد محمد العمدة .. وليس هناك مبرر دستوري أو قانوني يسمح لها بتصريح مثل تلك العريضة ناهيك عن قبولها شكلا..!
و ما كان للمحكمة الدستورية أن تستمر في تلك الدعوى لغاية مرحلة الشطب الإيجازي ( و هو ما نتوقع حدوثه)..!
و إذا افترضنا أن المحكمة الدستورية قد سهت وأخطأت في تصريحها لدعوى نائب مجلس الشعب المصري ، فينبغي ألا تسهي في مرحلة الشطب الإيجازي.. لأن كل شروط الشطب الإيجازي تنطبق على هذه الدعوى الغريبة ..فنائب مجلس الشعب المصري السيد محمد العمدة ليس هو بمواطن سوداني ، و ليس له حق دستوري ظاهر يكفل له التبجح بالغاء الدستور السوداني ، و ليست له مصلحة محمية بالدستور السوداني في هذا الشأن..
وأيضا يجب أن تنتبه المحكمة الدستورية الى أن نائب مجلس الشعب المصري السيد محمد العمدة لا تشتمل عريضة دعواه على مسألة صالحة للفصل و يجب توبيخه على مسألة التغول على السيادة السودانية ودستورالسودان ، و يجب أن توجه المحكمة وزارة الخارجية السودانية الى ضرورة توجيه لوم شديد إلى الحكومة المصرية و ضرورة أن تضبط مواطنيها و نواب مجالسها التشريعية و منعهم من التغول على سيادة الدول الأخرى و دساتيرها..
على المجلس الوطني ومجالس الولايات توجيه رسالة لوم إلى مجلس الشعب المصري الذي يترك نوابه يتغولون على سيادة و دساتير الدول الأخرى..
وعلى جميع أهل السودان إدانة و رفض سلوك المحكمة الدستورية السودانية و نهجها في تصريح و قبول عريضة نائب مجلس الشعب المصري السيد محمد العمدة..
وعلى شعب السودان مطالبة رئاسة الجمهورية (رئيس الجمهورية هو من عين قضاة المحكمة الدستورية ) بان تسائل قضاة الدائرة الدستورية الثلاثة الذين سمحوا بتصريح و قبول (ولو شكلا) دعوى المواطن الأجنبي السيد محمد العمدة نائب مجلس الشعب المصري.. و التي تطالب ، بصورة غير مباشرة ، بإلغاء الدستور السوداني الإنتقالي ، و بصورة مباشرة بالغاء إتفاقية السلام الشامل لسنة 2005..!!
الخاتمة :
تصريح المحكمة الدستورية السودانية لعريضة السيد محمد العمدة نائب مجلس الشعب المصري ، يعد فضيحة دستورية وقانونية ، وفوق ذلك خيانة عظمى و انتهاك لحرمة مبدأ سيادة الدولة السودانية و تقويض للدستور السوداني ومفهوم المواطنة و الجنسية السودانية..
وإذا كانت المحكمة الدستورية صفتها الأساسية أنها حارسة للدستور السوداني فهذا يعني حماية مصالح أهل السودان و ليست حماية مصالح المواطنين الأجانب..!
وإذا المحكمة الدستورية لها القدرة وقوة العين على تصريح دعوى لمواطن أجنبي تسعي لتقويض الدستور السوداني ، وفي نفس الوقت تتجاهل فكرة السيادة السودانية .. فماذا تفعل مثل تلك المحكمة إذا تقدم لها المدعي الجنائي الدولي بأن له الرغبة في مقاضاة رئيس جمهورية السودان جنائيا ؟.. هل ستصرح له الدعوى مبدئيا ؟..
المحكمة الدستورية السودانية يفترض فيها أنها مؤسسة سودانية وتعمل على حماية حقوق المواطنين السودانين ، وهؤلاء ليسوا من بينهم نواب مجلس الشعب المصري ..
مقال الكاتب " كبر " مثال لما تم نشره تعقيبا علي قضاء المحكمة الدستورية السودانية بقبول قضيتي بعدم دستورية تقسيم السودان شكلا ، والحقيقة أن انتقادات كبر لا تمت لصحيح القانون بصلة لأنه يناقش الدعوي علي ضوء دستور 2005 وهو دستور ناشئ عن الإتفاقية المطعون عليها ، وكان عليه أن يناقش الدعوي من منظور دستور 1998 الذي توقعت الإتفاقية في ظله ، هل يسمح دستور 1998 للنظام السوداني بتوقيع مثل هذه الإتفاقية والتفريط فيما يقرب من نصف مساحة السودان من عدمه ؟ ساعتها كان سينتهي للنتيجة التي انتهيت إليها وهو عدم أحقية النظام السوداني في توقيع هذه الإتفاقية .
أما عن زعمه بعدم جواز إقامة مواطن مصري للدعوي ، فلا يمت أيضا للقانون بصلة ، لأن إتفاقية " فيينا " والتي تمثل قانون المعاهدات تمنع أي دولة من أن توقع إتفاقية يمكن أن تمس بحقوق دولة أخري ، ولما كان تقسيم السودان ، والتنازل عن نصف مساحته لدولة مسيحية ترحب بإسرائيل وتعتبرها قدوة ومثل يحتذي به ، فإن ذلك لا محالة سوف يلحق الضرر بمصر وبكافة الدول الإفريقية ، ومن ثم يحق لمصر ولأي من مواطنيها إذا تقاعست مصر أن يلجأ لمقاضاة الدولة التي وقعت الإتفاقية .
وبالطبع هذا الهجوم العنيف علي المحكمة الدستورية من كاتب سوداني واتهامها بالخيانة والعمالة إلي غير ذلك من الأوصاف المهينة والمسيئة كان كفيلا أن تقضي الدستورية فيما بعد برفض الدعوي ، وإنني لأتعجب من الكاتب " كبر " كيف أعطي لنفسه ، أو كيف أعطوه هذه الصلاحية لإهانة أعلي محكمة في السودان علي هذا النحو ، للأسف هذا حالنا نحن الشعوب العربية والإسلامية ، حكام مستبدين وسدنة يعملون أبواقا للدفاع عن فساد الأنظمة وتمرير كل جرائمهم في حق الشعوب المغلوبة علي أمرها .
وكيل لجنة الشئون الدستورية والتشريعية ببرلمان الثورة .
بتاريخ 2010/10/14 نشرت صحيفة " الراكوبة " السودانية تحت عنوان " الدستورية" السودانية تقبل طعن "العمدة" المصري على تقسيم السودان "شكلاً" ، وجاء في الخبر ما يأتي :
" قررت المحكمة الدستورية السودانية بعضوية ثلاثة قضاة امس ، قبول الطعن المقدم من النائب المصرى محمد العمدة عضو مجلس الشعب شكلا ، والذى طالب فيه بإلغاء اتفاقية السلام بين الشمال والجنوب السودانى ، كما قررت إحالته إلى دائرة أخرى مكتملة الأعضاء للفصل فيه موضوعاً.
كان محمد العمدة عضو مجلس الشعب المصرى قد أقام طعنا أمام المحكمة الدستورية لجمهورية السودان العربية ، يطالب فيه بعدم دستورية اتفاقية السلام المبرمة بين شمال وجنوب السودان فى يناير 2005 والتى أتاحت للجنوب حق تقرير المصير، مؤكداً أن استقلال الجنوب سيحول المنطقة العربية إلى صراعات على غرار إسرائيل.
أوضح فى طعنه الذى حمل رقم 203 لسنة2010 دستورية ، أنه بموجب اتفاقية السلام الشامل التى وقعت بين شمال وجنوب السودان فى يناير 2005 وقع كل من حزب المؤتمر الوطنى الحاكم فى السودان والحركة الشعبية لتحرير السودان على بنود الاتفاقية ، والتى أتاحت لجنوب السودان الحق فى تقرير مصيره بعد 6 سنوات من توقيع الاتفاقية ، وذلك من خلال استفتاء لمواطنى الجنوب يقررون من خلاله إما البقاء فى السودان الموحد أو الانفصال فى دولة مستقلة.
وأضاف أن هذه الاتفاقية خطيرة لأنها ستفتح باب الصراع المسلح بين الشمال والجنوب من جهة ، فى ظل خلو الاتفاق من ترتيبات الدولة الجديدة وتقسيم الثروة البترولية ، ومن جهة أخرى بين القبائل المختلفة فى الجنوب وبعضها بسبب الصراع على السلطة.
وتابع أن الخطورة لا تقتصر على السودان وحده وإنما تمتد إلى كل الدول العربية والأفريقية، معللا ذلك بأن الولايات المتحدة الأمريكية ستساندها فى إشارة منه إلى جنوب السودان حال قرر الانفصال، وستمدها بالأسلحة المحرمة على غرار إسرائيل لتهدد الجميع وتحقق مطامع الغرب فى ثروات قارة أفريقيا والعالم العربى ".
كما نشرت صحيفة " الصحافة السودانية " بتاريخ 2010/10/13 تحت عنوان " الدستورية تقبل شكلاً طعنا بشأن تقسيم السودان " ، جاء فيه :
" الخرطوم - الصحافة : قررت المحكمة الدستورية بعضوية ثلاثة قضاة أمس ، قبول الطعن المقدم من النائب المصرى محمد العمدة عضو مجلس الشعب شكلا ، والذى طالب فيه بإلغاء اتفاقية السلام ، كما قررت إحالته إلى دائرة أخرى مكتملة الأعضاء للفصل فيه موضوعاً.
كان محمد العمدة عضو مجلس الشعب المصرى قد أقام طعنا أمام المحكمة الدستورية في السودان ، يطالب فيه بعدم دستورية اتفاقية والتى أتاحت للجنوب حق تقرير المصير ، مؤكداً أن استقلال الجنوب سيحول المنطقة العربية إلى صراعات على غرار إسرائيل .
أوضح فى طعنه الذى حمل رقم 203 لسنة2010 دستورية ، أنه بموجب اتفاقية السلام الشامل ، والتى أتاحت لجنوب السودان الحق فى تقرير مصيره بعد 6 سنوات من توقيع الاتفاقية ، وذلك من خلال استفتاء لمواطنى الجنوب يقررون من خلاله إما البقاء فى السودان الموحد أو الانفصال فى دولة مستقلة.
وأضاف أن هذه الاتفاقية خطيرة لأنها ستفتح باب الصراع المسلح بين الشمال والجنوب من جهة ، فى ظل خلو الاتفاق من ترتيبات الدولة الجديدة وتقسيم الثروة البترولية ، ومن جهة أخرى بين القبائل المختلفة فى الجنوب وبعضها بسبب الصراع على السلطة.
وتابع أن الخطورة لا تقتصر على السودان وحده وإنما تمتد إلى كل الدول العربية والأفريقية ، معللا ذلك بأن الولايات المتحدة الأمريكية ستساندها فى إشارة منه إلى جنوب السودان حال تقرر الانفصال ، وستمدها بالأسلحة المحرمة على غرار «إسرائيل» لتهدد الجميع وتحقق مطامع الغرب فى ثروات قارة أفريقيا والعالم العربى ".
لقد أحدث حكم المحكمة الدستورية السودانية بقبول القضية شكلا وإحالتها إلي دائرة مكتملة للفصل في الطلبات الموضوعية هلعا لدي النظام السوداني والذي كان يتعرض رئيسه للإبتزاز الأمريكي والغربي بإحالة رئيسه للمحكمة الجنائية الدولية ، وتهديده بشكل متكرر بالقبض عليه كلما أعلن عن زيارة خارج السودان ، هذا فضلا عن العقوبات المفروضة علي السودان ، ويبدو أن كل ذلك أحدث أثره ، وجعل النظام حريصا علي تمرير الإتفاقية بما فيها من تنازلات عن حقوق الشعب والوطن السوداني .
بدأت علي الفور مقالات الانتقاد الشديد للمحكمة الدستورية السودانية واتهامها بعدم الوطنية وتحذيرها بشكل مباشر وغير مباشر من إصدار حكم بعدم دستورية الإتفاقية ، من بين هذه المقالات سلسلة بعنوان " المحكمة الدستورية و البرلماني المصري : تقويض الدستور ، تقويض السيادة ، و تقويض المواطنة " ، هذه السلسلة لعدة كتاب منهم الدكتور / معاوية عمر والطيب الشيقوقي ومن يدعي كبر ، ونشرت جميعها يوم 2010/10/14 سوف نقتطف بعضا منها نعرضه نظرا لطول هذه المقالات وكثرة من جاء فيها :
يقول الكاتب المدعو " كُبَر " :
" طالعتنا الصحف اليومية السودانية بخبر يفيد أن المحكمة الدستورية السودانية قد قبلت (شكلا) طعنا مقدم من البرلماني المصري عضو مجلس الشعب المصري السيد محمد العمدة ، و أن الطعن يتعلق بتقسيم السودان و ضرورة الغاء اتفاقية السلام الشامل لسنة 2005(سنلحق الخبر لاحقا هنا)..
حينما قرأت الخبر في المرة الأولي كنت اظن أن نائبا برلمانيا سودانيا و في المجلس الوطني السوداني و اسمه المصري ، و لكن حينما راجعت الخبر اكثر من مرة تيقنت أنه مواطني أجنبي ..!
كنت أتمنى من كل قلبي أن تكون صياغة الخبر قد احتوت على خطأ ما و في مكان ما..و أن قرار الدائرة الدستورية في أساسه شطب الدعوى ، لأن مثل ذلك القرار (قرار الشطب) هو الذي يتسق مع روح الدستور و القانون و طبيعة عمل المحكمة الدستورية.. أما اذا كان الخبر صحيح و أن المحكمة الدستورية فعلا قد قبلت دعوى دستورية من مواطن أجنبي في شأن سوداني سيادي.. فإن المحكمة بهذا السلوك تكون قد قوضت الدستور الوطني السوداني و الذي من مهامها حراسته و حمايته ، و في نفس الوقت تكون المحكمة قد انتهكت حرمة السيادة الوطنية السودانية و ذلك بالسماح لمواطنين أجانب التظلم في شئون دستورية سودانية عليا ، و أيضا قد تكون المحكمة ابتدعت مفهوم جديد لمفهوم المواطنة بأن أصبح لها اختصاص يتعدى حدود السودان الجغرافية و السياسية و الدستورية و القانونية..! "
جوهر عريضة نائب مجلس الشعب المصري محمد العمدة ، و هو مواطن غير سوداني ، يطالب بإلغاء إتفاقية السلام الشامل لسنة 2005 ، و هي إتفاقية سودانية بين أطراف سودانية و تحقق مصالح سودانية لمواطنيين سودانيين ، و هي الإتفاقية التي قام عليها دستور السودان الإنتقالي لسنة 2005 ، و المطالبة بإلغاء تلك الإتفاقية بالضرورة تعني المطالبة بالغاء دستور 2005.. والأنكي أن مواطنا أجنبيا يطالب بالغاء دستور دولة اخرى..!!!
فكيف تسمح محكمة سودانية بقبول هذا الطلب ؟.. و كيف سمحت لنفسها بتصريح الدعوى ابتداءا ؟
إن صح وفعلت المحكمة الدستورية هذا الفعل ، فإنها تكون قد ارتكبت خيانة وطنية ، وأمام الجميع ، تقتضي المحاسبة العاجلة.. ووقف العبث و الفوضى..
هنا سنوضح ، باقتضاب ، ماهية المحكمة الدستورية السودانية ، مفهوم السيادة الوطنية السودانية ، مفهوم المواطنة في الدولة السودانية ، الجهات التي لها الحق في تعديل الدستور القومي و طرق التعديل.. ثم سلطات المحكمة الدستورية في شطب الدعوى إيجازيا..
... لم ينص الدستور السوداني لسنة 2005 ، و هو الدستور الذي بموجبه تم تكوين المحكمة الدستورية السودانية ، لم ينص هذا الدستور في حق المحكمة الدستورية و سلطتها في تصريح و قبول عرائض دعوى من مواطنيين أجانب في مسائل دستورية سيادية .. بغض النظر عن كون مثل ذلك القبول هو شكلي أو موضوعي ، لأن المبدأ يقتضى أنها هيئة سودانية تختص بنظر مظالم مواطنيين من السودان ، لأن الدستور نفسه حدد و عرف من هو المواطن السوداني ، و بالتالي من هو المواطن الذي يحق له أن يتمتع بالحقوق الدستورية و بالتالي حماية مثل تلك الحقوق و بواسطة المحكمة الدستورية في نفسها..!
المادة (1/1) من دستور السودان الإنتقالي لسنة 2005 تقرأ (جمهورية السودان دولة مستقلة و ذات سيادة )..
ومن مظاهر هذه السيادة أن يعمل جميع مواطني السودان على حماية سيادة السودان أرضا و جوا و بحرا و دستورا.. ومن مقتضى هذا المفهوم ، أن المواطن الأجنبي لا يحق له التدخل في أمور السودان السيادية ، ناهيك أن تعمل هيئة سودانية دستورية لمساعدة مثل ذلك المواطن الأجنبي في انتهاك حرمة السيادة السودانية بتصريح و قبول دعوى تهدف الى نسف الدستور و الغائه تماما عن الوجود..!
في شهادته المرفقة في آخر الدستور الإنتقالي لسنة 2005 ، شهد السيد أحمد ابراهيم الطاهر ، رئيس المجلس الوطني بالتالي :
( بهذا أشهد بأن المجلس الوطني قد اجاز دستور جمهورية السودان الإنتقالي لسنة 2005 ، في جلسته رقم (24) من دور الإنعقاد التاسع بتأريخ 30 جمادى الأولى 1426 الموافق السادس من يوليو 2005)..
و بالرغم من أن هذه الشهادة ليست هي نص دستوري في حد ذاتها ، و لكنها توضح أن إجازة الدستور ، و هو المؤسس للمحكمة الدستورية السودانية ، قد تم وفقا لإرادة أهل السودان وممثليهم في المجلس التشريعي السوداني .. وبالضرورة تعني هذا الشهادة أن نواب مجلس الشعب المصري ليسوا هم جزءا من المجلس الوطني السوداني حتى تسمح لهم المحكمة الدستورية بمثل تلك التدخلات السافرة و التغولات في تقويض الدستور السوداني لدرجة المطالبة بالغائه بصورة غير مباشرة ، لأننا نفهم أن المطالبة بالغاء اتفاقية نيفاشا هي بالضرورة مطالبة بالغاء دستور السودان الإنتقالي..!
حينما تحدثت المادة (7) من الدستور الإنتقالي لسنة 2005 ، لم تتحدث عن مفهوم للمواطنة و الجنسية بطريقة مفتوحة ، حتى يحق للمتغولين الأجانب التمتع بالحقوق الدستورية وفقا لدستور السودان المانع .. بل كانت المادة منضبطة و تحدثت عن مواطنية و جنسية سودانية ..
المادة (7/1) تقرأ ( تكون المواطنة أساس الحقوق المتساوية و الواجبات لكل السودانيين ) .. و إن كانت المادة بهذا الوضوح ، فكيف يمكن أن تقنعنا المحكمة الدستورية أن تعريف المواطنة و الجنسية السودانية بالضرورة يشمل نواب مجلس الشعب المصري أمثال السيد محمد العمدة ، حتى تسمح لنفسها بتصريح عرائض دعاواهم التي تمس السيادة السودانية و تسعى لتقويض الدستور السوداني ؟..
الحقوق التي يتحدث عنها دستور جمهورية السودان لسنة 2005 هي حقوق للمواطن السوداني ، سواءا مالك للجنسية بصورة طبيعية أو متجنس وفقا لقانون التجنس.. و مثل هذا التعريف ، يمنع بالضرورة ، المواطنين الأجانب من التمتع بالحقوق الدستورية .. و قد نظم الدستور في مسائل حق التقاضي و المساواة أمام القانون حقوق الأجانب في التمتع بحماية السودان .. و أن حدود التقاضي لهم تكون في مخاصمات في القانون و ليس الدستور ، و بالتالي لهم الحق في التقاضي المدني و الجنائي و الشرعي و الإداري ، أما التقاضي الدستوري لدرجة المطالبة بالغاء الدستور فهذه محرمة عليهم .. و كل دساتير العالم تعمل بهذا المبدأ .. لأن مثل تلك الأمور هي أمور سيادية و التفريط فيها يعني الخيانة الكبرى التي تستوجب المحاسبة..
.. تلك الجهات التي يحق لها تعديل الدستور هي مؤسسات سودانية ، و يحكمها دستور سوداني ، و هي الجهات التي يجب أن تحرس نشاطها المحكمة الدستورية السودانية ، وحتى تلك المؤسسات السودانية ليست لها القدرة على المطالبة بالغاء الدستور.. ناهيك عن مواطنيين اجانب..!
اتفاقية السلام الشامل 2005 هي اتفاقية سودانية ، و الدستور الإنتقالي خرج من صلب تلك الإتفاقية ، و حدد الطرق التي يمكن أن يتم تعديل الدستور ، و اشترطت مثل تلك التعديلات موافقة أطراف الإتفاقية إذا كانت التعديلات المزمعة تؤثر على الإتفاقية..!
و اذا كان نائب مجلس الشعب المصري ، و هو المواطن الأجنبي ، يطالب بالغاء اتفاقية نيفاشا .. فهل ستذهب المحكمة الدستورية شوطا أبعد و تسمح له أن ينال موافقة طرفي الإتفاقية ؟..
.. وبموجب هذه المادة ، يحق للمواطن الأجبي التظلم تجاه القانون السوداني أو القرارت الإدارية أو القانونية و مدى مخالفتها للدستور..و مثل تلك الأمور تشمل فيما تشمل أن يتقدم مواطن أجنبي بأن القانون السوداني قد ظلمه في كذا أو كذا.. خصوصا إذا حرمه حق التقاضي أمام المحاكم السودانية على أساس أنه مواطن أجنبي..!
ولأن دستور السودان هو دستور يحكم علاقات مواطني السودان ، فليس للمواطن الأجنبي الحق في التظلم الدستوري على أساس الغاء الدستور نفسه .. صحيح يمكن أن يتظلم المواطن الأجنبي وفق صحيفة حقوق الإنسان السودانية ، بان بعض من حقوق الإنسان خاصته قد أهدرت أو أن حريته قد انتهكت من قبل جهات سودانية ..ففي مثل هذه الحال يمكن أن تنظر المحكمة الدستورية دعوى في هذا النطاق المحدود.. و يجب أن تعلم المحكمة الدستورية أن المواطن السوداني وحده فقط من يملك الحق في تقديم عريضة دعوى تدعو لتعديل الدستور السوداني أو إلغائه أو إلغاء إتفاقية السلام الشامل لسنة 2005 ، أما أن تصرح و تقبل مثل تلك العريضة من مواطن أجنبي فهذا يصل لحد الخيانة الوطنية و تقويض الدستور ..وعمالة للأجنبي بالباب العديل..!
المصالح التي تضار هي مصالح أهل السودان ، وفقا لتعريف المواطنة و الجنسية في الدستور الإنتقالي لسنة 2005 ، و مصلحة مثل مصلحة المطالبة بالغاء إتفاقية السلام الشامل أو تعديل الدستور الإنتقالي هي مصلحة تتعلق بأهل السودان ، و أهل السودان وحدهم لهم الحق في التظلم منها و أمام مؤسسات سودانية ..و بهذا الفهم ليس هناك حق لنائب في مجلس الشعب المصري أن يطالب بأن له مصلحة في الغاء إتفاقية السلام الشامل ، اللهم اٍلا أن يكون نواب مجلس الشعب المصري يتمتعون بجنسية سودانية ومواطنيين سودانيين وفقا لتعريف الدستور السوداني..
كان ينبغي للمحكمة الدستورية أن ترفض مبدئيا تصريح عريضة نائب مجلس الشعب المصري السيد محمد العمدة .. وليس هناك مبرر دستوري أو قانوني يسمح لها بتصريح مثل تلك العريضة ناهيك عن قبولها شكلا..!
و ما كان للمحكمة الدستورية أن تستمر في تلك الدعوى لغاية مرحلة الشطب الإيجازي ( و هو ما نتوقع حدوثه)..!
و إذا افترضنا أن المحكمة الدستورية قد سهت وأخطأت في تصريحها لدعوى نائب مجلس الشعب المصري ، فينبغي ألا تسهي في مرحلة الشطب الإيجازي.. لأن كل شروط الشطب الإيجازي تنطبق على هذه الدعوى الغريبة ..فنائب مجلس الشعب المصري السيد محمد العمدة ليس هو بمواطن سوداني ، و ليس له حق دستوري ظاهر يكفل له التبجح بالغاء الدستور السوداني ، و ليست له مصلحة محمية بالدستور السوداني في هذا الشأن..
وأيضا يجب أن تنتبه المحكمة الدستورية الى أن نائب مجلس الشعب المصري السيد محمد العمدة لا تشتمل عريضة دعواه على مسألة صالحة للفصل و يجب توبيخه على مسألة التغول على السيادة السودانية ودستورالسودان ، و يجب أن توجه المحكمة وزارة الخارجية السودانية الى ضرورة توجيه لوم شديد إلى الحكومة المصرية و ضرورة أن تضبط مواطنيها و نواب مجالسها التشريعية و منعهم من التغول على سيادة الدول الأخرى و دساتيرها..
على المجلس الوطني ومجالس الولايات توجيه رسالة لوم إلى مجلس الشعب المصري الذي يترك نوابه يتغولون على سيادة و دساتير الدول الأخرى..
وعلى جميع أهل السودان إدانة و رفض سلوك المحكمة الدستورية السودانية و نهجها في تصريح و قبول عريضة نائب مجلس الشعب المصري السيد محمد العمدة..
وعلى شعب السودان مطالبة رئاسة الجمهورية (رئيس الجمهورية هو من عين قضاة المحكمة الدستورية ) بان تسائل قضاة الدائرة الدستورية الثلاثة الذين سمحوا بتصريح و قبول (ولو شكلا) دعوى المواطن الأجنبي السيد محمد العمدة نائب مجلس الشعب المصري.. و التي تطالب ، بصورة غير مباشرة ، بإلغاء الدستور السوداني الإنتقالي ، و بصورة مباشرة بالغاء إتفاقية السلام الشامل لسنة 2005..!!
الخاتمة :
تصريح المحكمة الدستورية السودانية لعريضة السيد محمد العمدة نائب مجلس الشعب المصري ، يعد فضيحة دستورية وقانونية ، وفوق ذلك خيانة عظمى و انتهاك لحرمة مبدأ سيادة الدولة السودانية و تقويض للدستور السوداني ومفهوم المواطنة و الجنسية السودانية..
وإذا كانت المحكمة الدستورية صفتها الأساسية أنها حارسة للدستور السوداني فهذا يعني حماية مصالح أهل السودان و ليست حماية مصالح المواطنين الأجانب..!
وإذا المحكمة الدستورية لها القدرة وقوة العين على تصريح دعوى لمواطن أجنبي تسعي لتقويض الدستور السوداني ، وفي نفس الوقت تتجاهل فكرة السيادة السودانية .. فماذا تفعل مثل تلك المحكمة إذا تقدم لها المدعي الجنائي الدولي بأن له الرغبة في مقاضاة رئيس جمهورية السودان جنائيا ؟.. هل ستصرح له الدعوى مبدئيا ؟..
المحكمة الدستورية السودانية يفترض فيها أنها مؤسسة سودانية وتعمل على حماية حقوق المواطنين السودانين ، وهؤلاء ليسوا من بينهم نواب مجلس الشعب المصري ..
مقال الكاتب " كبر " مثال لما تم نشره تعقيبا علي قضاء المحكمة الدستورية السودانية بقبول قضيتي بعدم دستورية تقسيم السودان شكلا ، والحقيقة أن انتقادات كبر لا تمت لصحيح القانون بصلة لأنه يناقش الدعوي علي ضوء دستور 2005 وهو دستور ناشئ عن الإتفاقية المطعون عليها ، وكان عليه أن يناقش الدعوي من منظور دستور 1998 الذي توقعت الإتفاقية في ظله ، هل يسمح دستور 1998 للنظام السوداني بتوقيع مثل هذه الإتفاقية والتفريط فيما يقرب من نصف مساحة السودان من عدمه ؟ ساعتها كان سينتهي للنتيجة التي انتهيت إليها وهو عدم أحقية النظام السوداني في توقيع هذه الإتفاقية .
أما عن زعمه بعدم جواز إقامة مواطن مصري للدعوي ، فلا يمت أيضا للقانون بصلة ، لأن إتفاقية " فيينا " والتي تمثل قانون المعاهدات تمنع أي دولة من أن توقع إتفاقية يمكن أن تمس بحقوق دولة أخري ، ولما كان تقسيم السودان ، والتنازل عن نصف مساحته لدولة مسيحية ترحب بإسرائيل وتعتبرها قدوة ومثل يحتذي به ، فإن ذلك لا محالة سوف يلحق الضرر بمصر وبكافة الدول الإفريقية ، ومن ثم يحق لمصر ولأي من مواطنيها إذا تقاعست مصر أن يلجأ لمقاضاة الدولة التي وقعت الإتفاقية .
وبالطبع هذا الهجوم العنيف علي المحكمة الدستورية من كاتب سوداني واتهامها بالخيانة والعمالة إلي غير ذلك من الأوصاف المهينة والمسيئة كان كفيلا أن تقضي الدستورية فيما بعد برفض الدعوي ، وإنني لأتعجب من الكاتب " كبر " كيف أعطي لنفسه ، أو كيف أعطوه هذه الصلاحية لإهانة أعلي محكمة في السودان علي هذا النحو ، للأسف هذا حالنا نحن الشعوب العربية والإسلامية ، حكام مستبدين وسدنة يعملون أبواقا للدفاع عن فساد الأنظمة وتمرير كل جرائمهم في حق الشعوب المغلوبة علي أمرها .
وكيل لجنة الشئون الدستورية والتشريعية ببرلمان الثورة .
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق