الجمعة، 13 مارس 2015

العسكر وقتل سبعة آلاف جندي أمن مركزي بالطيران الحربي.



قصة تشبه حواديت ألف ليلة وليلة ، جريمة من جرائم حكم العسكر في حق الشعب المصري ، ومع ذلك الكثير منا بل أغلبنا لا يعلمها ، لأن الإعلام في يد العسكر منذ أن عرفت مصر وسائل الإعلام الحديثة ، فهم يتحكمون فيما يصل إلينا من معلومات ، هم الذين يحددون ما ينبغي أن يعرفه الشعب وما لا ينبغي .
لذلك فكل جرائم العسكر في حق الشعب يتم التعتيم عليها ، ولا يعرفها إلا من يبحث عنها ويبذل في سبيل ذلك جهدا كبيرا ، حاولت منذ فترة أن أعثر علي نسخة من كتاب " كنت رئيسا لمصر " لمؤلفه الرئيس محمد نجيب أول رئيس لمصر فلم أجده ، حتي المواقع الإلكترونية التي تشير إلي إمكانية الحصول علي نسخة من الكتاب من خلالها تبحث وتحاول فلا تجد بها شيئا ،  كلما تبحث وتقرأ تكتشف علامات مضيئة من جرائم العسكر في حق الشعب المصري .
بلاغ للنائب العام قدمه شحاتة محمد شحاتة المحامى ومدير مركز النزاهة والشفافية الحقوقي بتاريخ 8/8/2011 ضد الرئيس السابق مبارك بالتسبب في قتل ستة آلاف جندي أمن مركزي في أحداث انتفاضة الأمن المركزي في  1986، وطالب بإعادة فتح التحقيق في هذه الأحداث .
  قال شحاتة في بلاغه رقم 9501 لسنة 2011 :         

أنه في مساء يوم الثلاثاء 25 فبراير 1986 انفجرت انتفاضة جنود الأمن المركزي في منطقة الأهرامات ، وتطورت على نحو واسع ، وقد انطلقت الانتفاضة من معسكرين من معسكرات الأمن المركزي ، يقع أولهما على طريق القاهرة الفيوم ، ويقع الثاني على طريق القاهرة الإسكندرية ، ففي السادسة من مساء ذلك اليوم بدأ ثمانية آلاف جندي مظاهرات احتجاجية بعد أن ترددت بينهم أنباء تفيد بأنه تقرر مد فترة التجنيد الإجباري لأفراد الأمن المركزي من ثلاثة سنوات إلى أربع سنوات ، وأن تخفيضا صغير سوف يلحق بمرتبات الجنود لسداد ديون مصر .
تطورت الأحداث بعد ذلك فيما يشبه انتفاضة شاملة امتدت إلى ستة معسكرات مختلفة من الجمهورية ،القاهرة والجيزة والقليوبية وسوهاج وأسيوط والإسماعيلية ، وبدأ الجنود في تحطيم الفنادق الموجودة في منطقة الهرم مثل فندق جولي فيل ومينا هاوس وهوليداى إن ، وكذلك قسم شرطة الهرم وواجهات بعض المحلات التجارية ، وخلال ساعات استطاع الجنود احتلال منطقة الهرم بأكملها بما في ذلك مداخل طريق الإسكندرية الصحراوي وطريق الفيوم وترعة المنصورية ، وفي صباح الأربعاء 26 فبراير أعلنت حالة الطوارئ وتم فرض حظر التجول في تلك المنطقة.
وفي حوالي السادسة صباحاً انتشرت قوات الجيش واحتلت عدداً من المواقع التي يتواجد فيها الجنود المتمردون ، وبدءوا في حصار الجنود ، وبعد معارك ضارية استطاعت قوات الجيش أن تسيطر علي المنطقة ، وحتى ذلك الحين لم يكن ما يجرى في منطقة الأهرام قد امتد إلي بقية العاصمة ، وما كادت ساعات صباح الأربعاء الأول تمر حتى بدأت الانتفاضة في أغلب معسكرات الأمن المركزي الأخرى في العاصمة ، في شمالها وشرقها وجنوبها الغربي ، وتعالت أصوات اشتباكات الرصاص مع قوات الجيش التي كلفت بسحب السلاح من جنود الأمن المركزي في كافة المعسكرات ، بعد أن تزايدت الشكوك من اختراق سياسي واسع داخل جهاز الأمن المركزي .
 وبدأت الأحداث تنتشر حيث وقعت أول هذه الأحداث في معسكر الهايكستب القريب من مطار القاهرة ، وفى 8:30 صباحا تجمهر جنود الأمن المركزي بمعسكر لهم يقع في شارع جسر السويس ، وحين وصلت القوات المسلحة إلي المعسكر اشتبك معهم الجنود وتحول الاشتباك إلي مطاردة في الشوارع الجانبية المتفرعة من جسر السويس ، وشوهدت آثار الدماء علي أرض الشارع ، واحترقت إحدى سيارات الجيش علي الأقل ، وتم إغلاق شارع جسر السويس وتعزيز قوات الجيش .
وفي الدراسة  حيث يقع معسكر ضخم لقوات الأمن المركزي ، تبادل الجنود المحتشدون النار مع قوات الجيش ، ولجأ بعض جنود الأمن المركزي إلي البيوت المحيطة بالمعسكر ومنطقة المقابر بعد نفاذ ذخيرتهم .
أما في معسكر شبرا فقد رفض الجنود الاستسلام للجيش وانتشروا في المنطقة المحيطة بهم ، وكادوا ينجحوا في تحطيم أكبر محطة للكهرباء في القاهرة .
وقد بدأ الوضع يأخذ منحى آخر في شارع الهرم ، حيث انحاز بعض المواطنين من كافة الطبقات والعاطلين عن العمل ، الذين يسكنون في الطالبية ، إلي جنود الأمن المركزي ، وبدءوا يشتركون معهم في تحطيم الكباريهات والفنادق الموجودة في المنطقة عند هذا الحد انتاب الذعر الطبقة الحاكمة ، وتم إعلان حظر التجول في كافة مناطق العاصمة ، وتم تحذير المواطنين من البقاء في شوارع المدينة بعد ساعتين من قرار الحظر، خوفا من أن تشجع حركة الجنود فئات أخرى علي التحرك خاصة أن عناصر من المهمشين والعاطلين بدأت تشارك جنود الأمن المركزي الفارين في الهجوم علي السيارات والمحلات التجارية في منطقة الدقي . وبعد أن فشل الجيش في السيطرة علي الموقف أمر محمد حسني مبارك الجيش بقصف الأمن المركزي بالمقاتلات الحربية مما أدى إلى تضاعف أعداد القتلى الذي وصل إلى ما يقرب من سبعة آلاف جندي الكثير منهم لم يتوصل ذووهم إلى جثثهم ، حتى إن أعداد القتلى ذاته مازال مجهولا حتى اليوم نظرا لشدة العنف والوحشية التي استخدمت لقمع انتفاضتهم .
وحيث إن ما أمر به الرئيس السابق محمد حسنى مبارك من استخدام للعنف والوحشية هي جريمة ضد الإنسانية ، وضد مواطنيه بكل مقاييس الجريمة أطرافها معلومون ، ومازال الكثير منهم على قيد الحياة كما أنها ليست من الجرائم التي تسقط بالتقادم وهى جريمة مكتملة الأركان ، ويندى لها جبين البشرية ، ونستطيع الاسترشاد بأقوال قادة الجيش الذين كان وفى الخدمة وقتها ومازال الكثير منهم على قيد الحياة عن تفاصيل هذه الجريمة البشعة .
والتمس البلاغ بناء على ما ذكره فتح التحقيق اللازم في هذه الوقائع المذكورة أعلاه لإجلاء الحقائق التاريخية حولها وحتى يعاقب كل من أمر بهذه المجازر أو اشترك فيها سواء بصفته فاعل أصلى أو شريك أو محرض.
بتاريخ 24/8/2011 قرر النائب العام / عبد المجيد محمود فتح باب التحقيق في البلاغ حيث أحاله إلي نيابة وسط القاهرة .
بتاريخ 20/4/2013 تقدم السيد حامد المحامي ببلاغ عن ذات الواقعة حمل رقم 984 لسنة 2013 بلاغات النائب العام وجه فيه الاتهام لمبارك بقتل الآلاف من جنود الأمن المركزي .
وبتاريخ 10/8/2011 صرح شحاتة محمد شحاتة المحامي مقدم البلاغ لقناة العربية بأن معظم الأسماء المتورطة في التدبير لهذه المجزرة من أصدقاء مبارك الذين كانوا يشغلون مناصب قيادية بارزة ، وقال إن مبارك أمر بقصف الجنود الذين تمردوا عليه بالمقاتلات الحربية حيث وصل عدد ضحايا المذبحة إلى 7 آلاف جندي لم يتم العثور على معظم جثثهم  .
وبتاريخ 19/9/2011 أضاف شحاتة محمد شحاتة لليوم السابع :
أنه أكد أمام نيابة وسط القاهرة عند الاستماع إلى أقواله أنه تقدم ببلاغه بعد أن جمعته المصادفة مع أحد المستشارين، وأشار إلى أنه كان يعمل – أي المستشار - في ذلك الوقت وكيل نيابة بأسيوط التي كانت إحدى المناطق التي شهدت الأحداث وأنه قص عليه ما رآه بعينه من وقائع قتل متعمد لجنود الأمن المركزي ، وأنه رأى كيف كانت القوات تفتح هاويس الماء على الجنود حتى يغرقوا، وأخبره عن أن الطيران الحربى تلقى أوامر بقصف بعض المعسكرات وإطلاق النار على المجندين المتواجدين بها ، مشيرا إلى أنه رأى معظم تلك الأشياء والبعض الآخر تقصى عنه وتأكد من صحته من خلال عمله بالنيابة العامة في أسيوط وقتها ، مشيرا إلى أنه أحد الشهود الرئيسيين الذين سيطلب شهادتهم أمام النيابة العامة للوصول إلى الحقيقة في هذا البلاغ .
 كما أشار شحاتة إلى أن تلك الأحداث كانت مدبرة وكانت ضمن خطة كبيرة من النظام لإحباط أي محاولة للحرية من قبل أي شخص يحاول أن يبدى رأيه ، كما أنها كانت خطة للإطاحة بأحمد رشدي وزير الداخلية وقتها ، وذلك بعد قيامه بمكافحة الرشوة ، والذي كان الوزير الوحيد الذي وقف ضد القانون لأجل القانون.  
جريمة نكراء تؤكد استهانة حكم العسكر بالأرواح ، لاشك كان في الإمكان السيطرة علي الأحداث بخسائر أقل في الأرواح ، وإن كانت ستحتاج إلي جهد أكبر ، كان الأمر يستحق هذا الجهد لأسباب كثرة أولها أن هؤلاء الجنود مواطنون مصريون ، وثانيها أن ثورتهم كانت مبررة لأنهم يقضون ثلاث سنوات في الخدمة العسكرية الشاقة وبرواتب لا تذكر ، ثم ينشر أحد بينهم معلومات أن مدة الخدمة سوف تزداد عام مع نقص في الراتب ، وبالطبع ليس مستبعد أن يكون مبارك ونظامه قد أرادوا ذلك فعلا في هذا الوقت ، لأن مبارك وأعوانه من العسكر يعتمدون بشكل أساسي علي الحول الأمنية والقهرية في كل شيئ ، ولكن لماذا نبذل جهد ، وما قيمة المواطن المصري في نظر العسكر حتي يبذلوا جهدا لامتصاص غضبه المبرر وتهدئته بدلا من قتله غرقا وقصفا بالطيران الحربي .
واضح من بلاغ الأستاذ / شحاته محمد شحاتة أنه تحاشي في بلاغه أن يلقي اللوم أو يوجه الاتهام إلي الجيش أو قياداته ، حتي حين تحدث عن القصف الجوي بالطيران الحربي لمعسكرات جنود الأمن المركزي كان حريصا أن يؤكد علي أن هذا القصف تم بأوامر من مبارك ، إلا أنه تطرق في حديثه وبشكل خاطف إلي أن القيادات التي ارتكبت الجريمة وخططت لها كانوا يشغلون مناصب قيادية بارزة وأنهم من أصدقاء مبارك ، وهذا الحذر بالطبع كان واجب منه ، لأن العسكر في مصر هم المنطقة المحظورة والحديث معهم أو عنهم يمكن أن يقود إلي المشنقة أو السجن المؤبد أو إلي تعذيب تهدر فيه قيمة الإنسان حتي يتمني أنه ليته ما كان .
العجيب أن زكي بدر محافظ أسيوط ترقي ليصبح وزيرا للداخلية مكافئة له علي فتح القناطر لمنع عبور الجنود ، واُستخدم الطيران الحربي لقصف الجنود ، وحسب رواية محمد شحاتة علي لسان المستشار الذي كان من المفروض أنه سيشهد علي ما رآه ، أنه تم فتح المياه علي الجنود الذين سقطوا في النيل ليموتوا .
ومن العجيب أيضا أن تدخل التحقيقات في هذا البلاغ إلي الدفتر خانة وألا تري النور مثل التحقيقات في تسريبات مدير مكتب السيسي ، والتحقيقات في استشهاد عدد كبير من ضباط الجيش في سقوط طائرة البطوطي رحمه الله عز وجل .
لو لم يكن إعلام ماسبيرو والصحف القومية تحت قبضة وإدارة العسكر ، ولو لم يكن الشعب المصري محروما من أية وسيلة إعلام تعبر عنه لكانت هذه الواقعة محفورة في أذهان الكبير والصغير ، ولكننا وبدلا من الاستماع إلي هذه المأساة بشكل دائم ، كنا نسمع أغنية اخترناه اخترناه وإحنا معاه لما شاء الله .
لو كان لهؤلاء الجنود قيمة لدي وزارة الداخلية التي يخدموا فيها ، لأضحي يوم 25 فبراير من كل عام يوما أسودا تحتفي فيه الوزارة بتأبين هؤلاء الجنود وتتذكرهم كل عام .
عجيب هو حكم العسكر علي مر التاريخ في كل مكان وزمان ، في عام 1986 يقتلون الآلاف من جنود الأمن المركزي بلا رحمة ولا روية ، وبعد الانقلاب يستخدمون جنود الأمن المركزي لتأمين حكم العسكر وثرواتهم ، هل رأيت أخي المواطن المصري كيف أن العسكر يستخدم الشعب المصري كله بكل طوائفه ووظائفه كعساكر الشطرنج ، يقتلونهم إذا كان في قتلهم مصلحة ، ويستخدمونهم إذا كان من ورائهم نفع .
رحم الله عز وجل الآلاف من جنود الأمن المركزي الذين قتلهم العسكر .
رحم الله عز وجل كل المواطنين المصريين الذين قتلهم العسكر في رابعة والنهضة وأمام الحرس الجمهوري والمنصة ورمسيس وسيناء وجميع محافظات مصر .
رحم الله عز وجل كل مواطن مصري حكم عليه قضاء العسكر القديم أو الحديث بالإعدام أو المؤبد أو غير ذلك من أحكامهم القاسية .
وجعل الله عز وجل لمصر وشعبها فرجا قريبا ومخرجا .



ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق