السبت، 15 أكتوبر 2016

"خير أجناد الأرض" ليس حديثا نبويا .



كلما تحدث مواطن مصري عن مظالم دولة العسكر في حق المصريين ، بل وفي حق كافة المسلمين في الدول الإسلامية المجاورة ، رفع العسكر وأنصارهم في وجهه ما وصفوه بأنه حديث نبوي :
 )إذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا فيها جندا كثيفا ، فذلك الجند خير أجناد الأرض . فقال له أبو بكر : ولم ذلك يا رسول الله ؟ قال : لأنهم في رباط إلى يوم القيامة ) ، ولذا أصبح ضرورة ملحة أن نبحث ما إذا كانت هذه العبارة حديثا نبويا شريفا من عدمه ، وبالبحث في هذه المسألة تبين لي ما يأتي :  
أولا : لم يرد هذا الحديث في كتب الأحاديث النبوية الصحيحة الستة والتي تسمي " كتب الصحاح " ، أو " كتب الحديث الستة " أو "الكتب الستة" ، أو "كتب الأمهات الست" ، وهي مصطلحات مترادفة تطلق على ستة كتب حديث عند علماء أهل السنة والجماعة وهي :
( صحيح البخاري - صحيح مسلم - سنن النسائي - سنن أبو داود - سنن الترمذي - سنن ابن ماجه ) .
ثانيا : بل لم يرد هذا الحديث أيضا في كافة كتب الحديث وهي :
( رياض الصالحين - صحيح مسلم - كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال - مسند الإمام أحمد - صحيح البخاري - بلوغ المرام من أدلة الأحكام - السنن الكبرى - الجامع الصحيح ( سنن الترمذي ) - سنن النسائي - المستدرك على الصحيحين - صحيح ابن خزيمة - مختصر كتاب التوحيد من صحيح البخاري مختصر كتاب الإيمان من صحيح البخاري  -  الأدب المفرد  - المنتقى من السنن المسندة - الأربعين النووية مع زيادة ابن رجب - مسند الحميدي - سنن الدار قطني - الأربعين النووية من الأحاديث الصحيحة النبوية - 100 حديث زائدة على سنن النسائي الكبرى من الطبعتين من زيادات حمزة الكتاني ) .
ثالثا : ورد في موقع " الإسلام سؤال وجواب " للشيخ / محمد صالح المنجد - ردا علي سؤال عن مدي صحة هذا الحديث من عدمه – نقول ورد أنه حديث ضعيف ولا يصح ، وتفصيلا للفتوى قال :
" الحديث المقصود في السؤال جزء من خطبة طويلة لعمرو بن العاص رضي الله عنهما ، خطبها في أهل مصر ، فكان مما قال لهم : حدثني عمر أمير المؤمنين أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
( إذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا فيها جندا كثيفا ، فذلك الجند خير أجناد الأرض . فقال له أبو بكر : ولم ذلك يا رسول الله ؟ قال : لأنهم في رباط إلى يوم القيامة )
أخرج هذه الخطبة ابن عبد الحكم (257هـ) في " فتوح مصر " (ص/189) ، والدارقطني في " المؤتلف والمختلف " (2/1003) ، ومن طريقه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (46/162) ، وأخرجها ابن زولاق الحسن بن إبراهيم الليثي ( 381 هـ) في " فضائل مصر " (ص/83) ، وعزاه المقريزي في " إمتاع الأسماع " (14/185) لابن يونس .
جميعهم من طريق "ابن لهيعة" ، عن "الأسود بن مالك الحميري" ، عن "بحير بن ذاخر المعافري" ، عن عمرو بن العاص رضي الله عنه
وهذا إسناد ضعيف ، فيه علل ثلاثة  :
- عبد الله بن لهيعة : قال الذهبي رحمه الله في " الكاشف " (ص/590) : " العمل على تضعيف حديثه " انتهى .
- الأسود بن مالك : لم أقف له على ترجمة .
- بحير بن ذاخر المعافري : ترجم له البخاري في " التاريخ الكبير " (2/138) ، وابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " (2/411)، والذهبي في " تاريخ الإسلام " (7/326) ولم يذكر فيه أحد جرحا ولا تعديلا ، وإنما ذكره ابن حبان في " الثقات " (4/81.
وبهذا يتبين أن الحديث ضعيف جدا ، فلا يستشكل المعنى بعد ضعف السند .  
وعلى كل حال : فأجناد المسلمين فيهم الخير الكثير ، وكل من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو سبيل الله ، وفي وصاية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا يجوز إطلاق الأحكام العامة على أجناد بلاد معينة بغير دليل صحيح ، وخسارة بعض المعارك ليس دليلا على فساد جميع الجند ، كما أن النصر في المعركة ليس دليلا على صلاح جميع الجند "  .
رابعا : حتي دار الإفتاء المصرية الحكومية حين أصدرت فتوي بشأن الأحاديث الواردة عن فضل الجيش المصري أثبتت أن حديث " خير أجناد الأرض " ضعيف الأسانيد ، فقد نشرت صحيفة اليوم السابع الانقلابية خبرا بعنوان " دار الإفتاء تنشر بحثاً حول الأحاديث الواردة فى فضل الجيش المصري.. الطاعن فيها جاهل أو صاحب هوى.. ولم يتسلط عليها بالإنكار أو التضعيف أحد يُنسَب إلى العلم.. وتؤكد : لا طعن على مضامينها " ، جاء فيه ما يؤكد ضعف أسانيد الحديث الوارد في خطبة عمرو بن العاص ، حيث ورد في حيثيات الخبر منسوبا لبحث دار الإفتاء :
" ولا يقدح فى صحتها وثبوتها ضعفُ بعض أسانيدها ؛ فإن فى أحاديثها الصحيح والحسن والضعيف المنجبر الذى احتج به العلماء ، وقد اتفق المؤرخون على إيراد هذه الأحاديث والاحتجاج بها فى فضائل مصر من غير نكير ".
ولاحظ فيما قالته دار الإفتاء المصرية عبارة " وقد اتفق المؤرخون " ، وهذه هي حقيقة حديث " خير أجناد الأرض " فهو رواية تاريخية واردة في كتب تاريخ وليس في كتب فقه أو كتب السنة ، وما أيسر أن تقوم بتعديل كتب التاريخ فتحذف منها أو تضيف إليها دون أن يلتفت أحد لذلك ، بل إنني سبق وأن عرضت عليكم من قبل كيف أن صفحة منسوبة للسيسي نفسه بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة المشير عبد الفتاح السيسي علي موقع " فيس بوك " ، حيث أوردت الصفحة حديثا من أحاديث الخوارج منسوبا لسيدنا علي بن أبي طالب بمقولة أنه ينطبق علي الإخوان المسلمين ، وأوضحت أن الصفحة أضافت للحديث المذكور عبارة إضافية وهي " غزيرو اللحية ومحلقين الثياب والرؤوس " للإيحاء بأن الحديث ينطبق علي أعضاء التيار الإسلامي في مصر الذين يتبعون هذه السنن ، ناهيك عما ذكرناه من أن أحاديث الخوارج ذاتها من الأحاديث الموضوعة في زمن الفتنة وتتعارض مع آيات القرآن الكريم القاطعة الصريحة في حرمة الدماء .
خامسا : أن الحديث منسوب لعمرو بن العاص رواية عن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه ، وهنا نسأل كيف يكون عمر بن الخطاب هو راوي الحديث بينما كتب التاريخ تثبت أنه كان رافضا لفكرة عمرو بن العاص بفتح مصر ، خشية علي تفرق الجيش في إفريقيا وضياعه ، لدرجة أنه حتي بعد أن وافق وخرج الجيش أرسل له رسالة يطلب منه العودة إذا لم يكن قد دخل مصر ، إلا أن عمرو بن العاص تعمد التأخر في فتح الرسالة حتي دخل مصر لأنه كان يتوقع ما فيها ، فلو كان عمر بن الخطاب قد روي حديث " جند مصر خير أجناد الأرض " وأنهم سوف يعاونوه في الفتوحات الإسلامية ، لكان مستبشرا ومتشجعا و مقبلا علي فتح مصر وليس رافضا ثم مترددا لهذا الحد .
سادسا : لقد كان بعض المصريين قبل الفتح الإسلامي علي الديانة المسيحية ، وبعضهم علي الوثنية ، فهل يعقل أن هؤلاء وأولئك هم خير أجناد الأرض الذين سيقدمون العون للمسلمين في هذا الوقت الذي بلغوا فيه من القوة والشجاعة عنان السماء ، وحققوا من الإنجازات ما شهد به المؤرخون والمستشرقون بأوربا ، بل إن العديد من المراجع التاريخية ومنها المسيحية أثبتت أن المصريين هم من طلبوا من المسلمين فتح مصر وإغاثتهم من اضطهاد الرومان كما فعلوا مع مواطني بلاد الشام ، أعتقد أنه كلام لا يتفق مع حقائق الأمور ، وأنه من قبيل الأحاديث التي وضعت في أزمنة الفتنة والصراع علي السلطة ، حين كان كل فريق من المتصارعين يضع لنفسه من الأحاديث ما يؤيد أحقيته بالحكم ، وكان من يمسك بالحكم يضع من الأحاديث ما يثبت به سلطانه أو يخدع به خصومه أو رعيته التي يريد أن يخضعها له ، بل ربما كان وضع الحديث حديثا ليتخذه العسكر سندا للحكم الأبدي لمصر الذي هيأوا أنفسهم له ، ولازالوا يضعون له الأسانيد منذ عام 1952م حتي الآن .
سابعا : أن الشريعة الإسلامية لا تعطي علامة الشرف الدائم لأحد ، بل تمدح من يفعل الخيرات وتذمه في ذات الوقت حين يرتكب الآثام ، وهو ما نفهمه من قوله تعالي :
( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ )
                                       [ الزلزلة : 7، 8 ]
ويفهم أيضا من قول النبي صلي الله عليه وسلم :
( بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنْ الدُّنْيَا ).          رواه مسلم
لا جدال في بطولات الجيش المصري السابقة والتي كان آخرها حرب السادس من أكتوبر 1973م ، ولا غضاضة في أن يصفه المواطن المصري وهو في حال النصر والانتصار لحقوق الشعب وحمايته والدفاع عنه أن يصفه طواعية بأنه خير أجناد الأرض ، أما وأن يوقع الجيش معاهدة كامب ديفيد عام 1979م والتي أعقبها قانون الرئيس الأمريكي كارتر بضخ مبالغ مالية ضخمة سنويا للجيش المصري ، والتي ترتب عليها تحول ولاءه وتعاونه مع الدول الغربية ضد المسلمين في أي مكان إلي أن وصل الأمر إلي اعتدائهم علي المصريين أنفسهم بالقتل والاعتقال والتعذيب والخطف بقصد حرمانهم من حقوقهم وحرياتهم ومنع البلاد من التحول الديمقراطي حتي يظلوا قابضين علي الحكم وثروات البلاد ، ثم يسعي لإجبار المواطنين علي أن يرددوا أن " الجيش المصري هو خير أجناد الأرض " ، فلا أعتقد أن أحدا سوف يستجيب أو يصدق بحال من الأحوال أنه حصل علي علامة الجودة بحديث عن النبي ( ص ) الذي لا ينطق عن الهوي .
وكيل لجنة الشئون الدستورية والتشريعية ببرلمان الثورة .

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق