الاثنين، 24 أبريل 2017

ستون عاما من ظلم العسكر للإخوان . 10

ترحيب من الرئيس عبد الناصر ب شمس بدران أحد أذرعه في التعذيب



المقدمة الثابتة لهذه السلسلة من المقالات :

" شهادات لا تحصي ولا تعد تكشف وتؤكد أن الإخوان المسلمين هم من أنشئوا تنظيما سريا بين ضباط الجيش المصري هو نفسه ما سُمي فيما بعد " تنظيم الضباط الأحرار " ، وحددوا أهدافه في الخلاص من الملكية المستبدة الفاسدة والاحتلال الانجليزي ، وتحقيق مبدأ الوحدة الإسلامية بين الدول الإسلامية من خلال التعاون وليس من خلال حكومة مركزية واحدة ، كما تكشف هذه الشهادات كيف تحالف العسكر والإخوان المسلمون وأفراد من الشعب من أجل مصر وتحريرها ونهضتها ، وسرعان ما تفكك التحالف بعد أن وصل العسكر للسلطة ، فاستبدلوا حب الوطن بحب الدنيا ، واستبدلوا المودة مع شركاء العمل الوطني بالعداء السافر الذي لم يظهروه تجاه إسرائيل نفسها ".


اثنان وعشرون : حسين حمودة يكشف لنا حجم التعذيب والأهوال التي تعرض لها الإخوان في سجون عبد الناصر .


ذهبت يوم 30/ 6/1954م إلى اللواء السابع المشاة بالعباسية لاستلام عملي فأفهمني قائد اللواء الأميرالاي السرساوي أني في إجازة إجبارية منذ اعتقالي في 18/ 1/ 1954  فذهبت للقيادة العامة للقوات المسلحة ، وقابلت الصاغ صلاح نصر مدير مكتب عبد الحكيم عامر ، فأفادني أنه لم يبت في أمري بعد وعلي البقاء في الإجازة الإجبارية لحين التصرف في شأني بمعرفة المسئولين في قيادة القوات المسلحة.

فذهبت لمنزل زكريا محي الدين وزير الداخلية وكان يسكن في ذلك الوقت بمنشية البكري بعمارة رشاد بشارع الخليفة المأمون ، فقابلني في منزله وقال إن النية قد اتجهت لتحويلي إلى وظيفة مدنية.

وظللت في منزلي في انتظار قرار من المسئولين بشأن عملي المقبل حتى يوم 26/ 10/1954م وهو اليوم الذي أذاعت فيه الحكومة المصرية بيانا يفيد أن شابا ينتمي إلى الإخوان المسلمين حاول قتل جمال عبد الناصر بأن أطلق عليه 8 رصاصات في ميدان المنشية ب الإسكندرية فلم يصب بسوء.

اعتقلت يوم 19/ 10/1954م للمرة الثانية في عهد جمال عبد الناصر ، ووضعت في زنزانة بمعتقل 2 بالسجن الحربي ، وأثناء دخولي الزنزانة كان القائمقام يوسف منصور صديق عائدا من دورة المياه إلى الزنزانة فقال لي : ( جيت له يا حسين ده فيه ضرب وتعذيب حتى الموت ).

وإنه لأمر شديد القسوة على النفس أن يتحدث الإنسان عن مهانة تعرض لها ولكن رواية الحقيقة للتاريخ قد تمنع تكرار هذه الجرائم في سجون مصر مستقبلا.

وهنا تقشعر الأبدان لذكرى تلك الشنائع التي كان أعوان جمال عبد الناصر يوقعونها على الأبرياء من الإخوان المسلمين مما سوف يسجله التاريخ في صفحات الوحشية التي لا يسبق لها مثيل في صحيفة من صحائف المظالم من يوم أن خلق الله الإنسان.

فكم من نفوس قتلت ، ورجال صلبت ، وجسوم مثل بها وهي على قيد الحياة وبالنسبة لشخصي فقد نالني من هذا العذاب الكثير والذي لا يحتمله بشر ، ففي صباح يوم 20 /11 /1954م استدعيت لمكتب حمزة البسيوني قائد السجن الحربي ووجدته في مكتبه ومعه اليوزباشي شمس بدران مدير مكتب عبد الحكيم عامر  ، وكان بالغرفة اثنان من الجنود بأيديهم الكرابيج السودانية :

وما إن رآني شمس بدران حتى بادرني بسيل من الشتائم القذرة التي لا تصدر إلا من أحط الناس خلقا وأعرقهم في الإجرام والخسة والنذالة.

فقلت له عيب يا شمس ، فقال بتقول أيه يا ابن.... وانهال على ضربا بيده القذرة الملوثة بدماء الشرفاء والأبرياء ، ثم أمر من كان بالغرفة من الجنود أن يذهبوا بي إلى غرفة التعذيب فجذبني أحد الجنود من ملابسي فمزقها ودفعني خارج الغرفة وانهال هو وزميله على ضربا بالكرباج ثم اقتادوني إلى زنزانة في سجن (4) وعلقت كما تعلق الذبائح على صلبة من الحديد رأسي إلى أسفل وقدماي إلى أعلى من ثنى الركبتين ، وربطوني بالحبال ، وانهال على الجنود بالكرابيج السودانية على كل جسدي ، على الصدر والظهر والبطن والأرجل والوجه والرأس حتى تعب الجنود من كثرة الضرب ، فأنزلوني من فوق التعليقة بعد أن فقدت الوعي وظن الجلادون أني فارقت الحياة ، فألقوا على جداول مياه باردة فأفقت بعض الشيء وشعرت بقشعريرة شديدة من البرد ثم نقلوني على نقالة إلى زنزانتي بمعتقل (2) وأنا بين الحياة والموت.

وسمعت أحد الجنود يقول سيبوه ابن .... هنا لحد الصبح وإن مات ندفنه جنب المعتقل اللي دفناه أمبارح بعد ما مات من التعذيب.

وفي اليوم التالي 21/ 11/1954م جاءني اليوزباشي علي شفيق صفوت مساعد شمس بدران وفتح باب الزنزانة فلم أستطع الوقوف من شدة الإعياء وكنت لم أتناول طعاما منذ 19/ 11/1954م فما كان من الجندي المرافق ل علي شفيق صفوت إلا أن قال قوم يا بن ... فلم أستطع الوقوف فركلني الجندي بقدمه وأوقفني بالقوة وأمسك بي ليسندني حتى لا أقع على الأرض ، وانهال علي شفيق صفوت ضربا بالبوكس على وجهي عدة ضربات فسالت الدماء من أسناني التي كسرت نتيجة هذه الضربات وظل علي شفيق صفوت يضربني بالبوكس حتى تعب فأمسك الكرباج من الجندي المرافق له وظل يضربني على جسدي حتى وقعت على الأرض من شدة الألم حتى فقدت الوعي تماما ورحت في غيبوبة تامة ، وقد شاهد عملية تعذيبي الأخ جمال إسماعيل ضابط شرطة والأخ جمال ربيع ضابط جيش حيث كانا يشار كأنني الإقامة في الزنزانة.

وقد نال كل منهما من التعذيب ما يعجز القلم عن وصفه وفي اليوم التالي استيقظت في الفجر وأنا في غاية الألم فكل عظامي تنشر وجسمي كله ينزف وملابسي ممزقة وملوثة بالدماء ، فقلت في نفسي هل قمنا بالثورة لتحرر مصر من طغيان فاروق أم لتعود مصر إلى أشد أيام العصور الوسطي وحشية وهمجيه ، وهل وضعنا ثقتنا في جمال عبد الناصر ومهدنا له الطريق لحكم مصر لتكون النتيجة أن يستعين عبد الناصر بالسفلة والأوغاد ومعدومي الضمائر للقضاء على خير شباب مصر خلقا وعلما ووطنية.

فيا ويل مصر من جمال عبد الناصر وأعوانه الظلمة ، وما أسود المصير الذي ينتظر شعب مصر على يد هذا السفاح وأعوانه!

وكان السجن الحربي قد امتلأ بالمعتقلين من الإخوان ، وحشروا حشرا في الزنزانات حتى امتلأت ففتحت الحكومة معتقلات أخرى في القلعة وغيره أو كان ل حمزة البسيوني هواية عجيبة هي الإشراف على طوابير التعذيب الجماعية للمعتقلين السياسيين وكانت هذه الطوابير تجرى في فترتين من 7- 8 صباحا ومن 4-5 مساء وكان الطابور يبدأ بإدارة أسطوانة لأم كلثوم تذاع بواسطة ميكرفون هي أسطوانة يا جمال يا مثال الوطنية.

ويجمع المعتقلون جميعا في فناء السجن الحربي وينتظمون في طابور ، ويصدر لهم الأمر بالجري بالخطوة السريعة داخل فناء السجن لمدة ساعة ، وتنهال عليهم كرابيج الحراس ، وكان بعض المعتقلين مرضى بالقلب أو من كبار السن الذين لا يستطيعون الجري ، فينهال عليهم ضربا بالكرابيج حتى مات عدد كبير منهم أمام أعين باقي المعتقلين ، فتحضر عربة تنقل إليها الجثث وتخرج أمام أعيننا لتدفن في الصحراء .

وفي يوم 22/ 11/1954م استدعيت لمكتب حمزة البسيوني فوجدت على شفيق صفوت الذي قال لي المطلوب منك أن تشهد ضد اللواء محمد نجيب وتذكر أنه كان يتعاون مع حسن الهضيبي ضد جمال عبد الناصر ومجلس الثورة ، فقلت له : أنا لا أعرف محمد نجيب ، ولم أقابله في حياتي مطلقا ، ولا أعرف حسن الهضيبي فيردا على علي شفيق صفوت ويقول : أنا كل يوم بنشتم من تحت رأسك فقلت له مين اللي بيشتمك قال جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر فقلت «ليه» قال بيقولوا أنت خايب مش عارف تمضيه على ورقة يقول فيها إن محمد نجيب هو اللى بيحرض الإخوان ضد مجلس قيادة الثورة فقلت له يا علي أنا لا أعرف محمد نجيب ولا حسن الهضيبي فيعتدي على علي شفيق صفوت بالضرب بالبوكس والكرباج حتى يتعب ثم يمشى.

وهكذا ظل التعذيب يتكرر يوميا بواسطة علي شفيق صفوت حتى تورمت قدماي من الضرب ، وصار لون جسدي كله كلون الكبدة تمام ، وفي يوم طلبوني لمكتب حمزة البسيوني فوجدت هناك علي صبري وصلاح الدسوقي الششتاوي وما إن رآني صلاح الدسوقي الششتاوي حتى بادرني بسيل من الشتائم القذرة فنهره علي صبري وقال له اسكت يا صلاح وجاب كرسي وأجلسني وأرسل في استدعاء طبيب السجن وطلب منه أن يغير على الجروح التي أحدثها الضرب.

وبعد أن انتهي الطبيب من عمله أخذني علي صبري خارج المكتب وقال : الريس عبد الناصر عارف أن موقفك سليم ومفيش حاجة عليك بس عايزك تروح المحكمة تشهد إن محمد نجيب هو المحرض للإخوان ضد عبد الناصر ومجلس الثورة ، فقلت له أنا متألم جدا من التعذيب وجسدي كله بينشر وقد لا أستطيع السير ولا الذهاب إلى المحكمة ، فأمر حمزة البسيوني بالكف عن تعذيبي وتركي أستريح يومين قبل الذهاب للمحكمة ، وفعلا رفع عني التعذيب لمدة ثلاثة أيام ثم ذهبت تحت حراسة مشددة لمجلس الثورة بالجزيرة وأدخلت إلى حجرة فوجدت فيها زكريا محيي الدين وزير الداخلية فقلت له : يا أفندم ده فيه تعذيب في السجن الحربي وضرب وإهانة شديدة للمعتقلين وفيه ناس ماتت من التعذيب فابتسم زكريا محيى الدين وقال : وماله يا سيدي لما تنضرب ، ولما جاء ميعاد الشهادة صممت على أن أقول للناس كلمة للتاريخ قبل أن يقتلني هؤلاء السفاحون فوقفت أمام المحكمة وكانت برئاسة جمال سالم وقلت : المعلومات التي أعرفها أن اللواء محمد نجيب مطرشق من أعضاء مجلس الثورة بسبب الحكم الديكتاتوري في البلاد وأن الإخوان المسلمين والوفديين وسائر الأحزاب السياسية وكل شعب مصر يطالب بالحرية والحكم الديمقراطي ويرفض الديكتاتورية العسكرية رفضا باتا.

وشعب مصر ليس له سوى مطلب واحد هو الحرية والحكم النيابي السليم.

وعدت للسجن الحربي فوجدت حمزة البسيوني في انتظاري فقال : إيه اللي قلته في المحكمة دة ، لقد جاءت أوامر من عبد الناصر شخصيا بضربك علقة جامدة على كده ، ولأمر لا أعرفه جاء أحد الجنود وأخبره بشيء فخرج من مكتبه مسرعا وقال للحارس وديه الزنزانة فذهبت مع الجندي إلى الزنزانة ولم أخرج منها إلا إلى المحاكمة.


ثلاثة وعشرون : حسين حمودة يكشف مهزلة محاكمة الإخوان عن حادث الشروع في اغتيال جمال عبد الناصر المزعوم .


شكل مجلس الثورة ثلاث دوائر لمحكمة الشعب كل أعضائها من العسكريين لمحاكمة الإخوان المسلمين ، وحوكمت أمام دائرة محكمة الشعب يرأسها ضابط طيار لا أعرف اسمه ، وكان الاتهام الذي قدمت به إلى المحكمة وقدم على أساسه أكثر من ألف إنسان من الإخوان هو ( أتى أفعالا لقلب نظام الحكم الحاضر وذلك باشتراكه في تنظيم سرى مسلح ).

والعجيب أن هذه التهمة كانت باطلة بطلانا تاما لسبب بسيط وهو أن التنظيم السري المدني للإخوان كله كان يؤيد جمال عبد الناصر ضد حسن الهضيبي ولم يعتقل عبد الرحمن السندي رئيس التنظيم السري للإخوان عام 1954  وكان أعوان عبد الرحمن السندي كلهم خارج السجون في عهد عبد الناصر .

وكان رئيس المحكمة يسأل المتهم ( الضحية ) إن كان مذنبا أو غير مذنب فيرد المتهم بأنه غير مذنب فيأمره بالانصراف وفي اليوم التالي يأتون بالمتهمين الذين مثلوا بالأمس أمام المحكمة ليسمعوا الحكم عليهم بالشنق أو الإعدام رميا بالرصاص أو السجن المؤبد أو المؤقت.

وقد حكمت محكمة الشعب على حوالي 1000 شخص من الإخوان المسلمين منهم ستة بالشنق وهم الشهداء ( محمود عبد اللطيف وهنداوي دوير وإبراهيم الطيب و عبد القادر عودة و محمد فرغلي و يوسف طلعت ) .

وقد واجهوا الموت بشجاعة وقالوا وهم معلقون على حبل المشنقة « نشكر الله لأننا نموت شهداء » ، وتحدثت صحف العالم كله عن شجاعة هؤلاء الذين اقتحموا الموت بهذه البطولة النادرة ولم تكتب صحف مصر حرفا واحدا عما قاله هؤلاء الأبطال وهم على حبل المشنقة وأما الشهيد القاضي عبد القادر عودة فقد قال وهو على حبل المشنقة بعد أن حمد الله الذي رزقه الشهادة ( اللهم أجعل دمي لعنة على رجال الثورة ).

وكان من نصيبي من هؤلاء السفاحين الظلمة الحكم على بالسجن لمدة خمسة عشر عاما مع الأشغال الشاقة.

وحكم على باقي الألف بالأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة وكان هذا الحكم الظالم صدمة عنيفة لي لم تخطر لي على بال لقد كنت بريئا مائة في المائة وما كنت متآمرا ضد عبد الناصر ولا رجال الثورة ولا داعيا إلى فتنة وما كنت أتصور أن يصل الأمر ب جمال عبد الناصر إلى هذا الحد الخطير من الطغيان والظلم ولقد دعته قدرته إلى ظلم الناس ولم يتذكر قدرة الله عليه ولكن الله يمهل ولا يهمل ولقد أحياني الله حتى رأيت بعين رأسي مصارع هؤلاء الظالمين في الدنيا واحدا إثر واحد.

وقد حاولت تقصى الحقائق في موضوع الشروع في قتل جمال عبد الناصر في ميدان المنشية سنة 1954  فما وجدت أحد من المحكوم عليهم والذين كانوا معي في السجن له يد في جريمة الشروع في قتل عبد الناصر من قريب أو بعيد مما يغلب على الظن أن الحادث كان مدبرا بإحكام وبتخطيط جيد لدفع جمال عبد الناصر للانقضاض على جماعة الإخوان المسلمين والفتك بهم على هذه الصورة الوحشية وتبين لي أن محكمة الشعب التي شكلها مجلس الثورة لم تكن تستهدف عدلا ولا يعنيها أن تجري إنصافا أو تتحرى الحقيقة وإنما قصدها توقيع أحكام معينة لتصفية جماعة الإخوان تصفية نهائية فهي أشبه بمذبحة القلعة التي نفذها محمد على ضد المماليك.






ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق