الاثنين، 17 أبريل 2017

الزعيم مصطفي كامل يتهم المصريين بعبادة الحكام .






الزعيم مصطفي كامل مفجر ثورة الشعب المصري ضد الاحتلال الانجليزي وضد استبداد الحكام - في كتابه " المسألة الشرقية " وتحت عنوان " حياة الشعب بالشعب " –  يتهم المصريين بعبادة الحكام حيث يقول :


( من الشعوب من يسلم زمام أموره إلي حكومته ، ويجري طوع إرادتها ، ومنها من يجعل للحكومة حدا محدودا في السلطة والنفوذ ، ويراقبها مراقبة شديدة ، إن أحسنت كافأها ، وإن أساءت قضي عليها ، فشعوب الشرق من النوع الأول ، وشعوب الغرب من النوع الثاني ، ولذلك كان الشرق في تأخر وانحطاط ، وكان الغرب في تقدم وارتقاء ، لأن الشعب هو في الحقيقة صاحب البلاد وسيدها ، وحارس الوطن من كل الأخطار ، وما الحكومة إلا وكيل عنه ، تُختار من نخبة أبنائه ومن أشدهم حرصا علي مصالحه .

وقد قضي تاريخ مصر أن تنقلب الأوضاع فيها ، ويصير الشعب عبدا للحكومة وخادما تسخره كيف تشاء ، وترسل به أني شاءت ، وتسئ إليه ما استطاعت ، وهو لا يقدر معارضة أو حراكا لأنه اعتقد ورسخ في أذهان بنيه أنه آلة في يد أفراد يتصرفون فيه وفي مصالحه كما ترمي أهواؤهم ، وأنه ما خُلق إلا لإرضاء هؤلاء الأفراد .

وبقدر ما اشتهر المصريون بالنباهة الطبيعية والذكاء الفطري اشتهروا بالخضوع للحاكم وعدم مخالفة الحكومة ، فارتقاؤهم لا يكون إلا آية من آيات أمير عالي الهمة قوي الإرادة ، وتأخرهم إنما يكون نتيجة مظالم حاكم غشوم جائر ، ولذلك لم يبق لمجد مصر القديم أثر لأنه زال مع المُوجد له ، وقُبر مع صاحبه .

وهكذا حدثنا التاريخ عن مصر في النصف الأول من هذا القرن ، فإنها كانت قوية فخمة ترهب الدول وتباهي الأمم ، ونراها اليوم تعسة شقية ذليلة يرن صدي أنينها في آذان الناس أجمعين .

فهي تتقدم في سبيل الحضارة والاستقلال بطريق المصادفة ، وتنزل من عالي مجدها إلي حضيض ذلها بطريق المصادفة أيضا ، وحياتها كلها تجري علي هذا المنوال ، أما الشعوب التي عرفت حقوقها وأدركت سر وجودها وعلمت ما لها وما عليها ، فلا خوف عليها ولا خطر علي وجودها واستقلالها ، لأنها إن وليت حاكما عادلا عاملا علي إعلاء شأنها سارت وراءه بكل جهدها ، واستجمعت كل قواها للنهوض نهضة كبري ، وإن وليت حاكما جهولا محبا للفساد والمفاسد أسقطته من عرشه وسلمت زمامها إلي من يحسن التصرف في أمورها .

ولا ريب أن الشعب المصري لا يبلغ ما بلغته شعوب الغرب من التقدم والارتقاء ولا يأخذ من الحياة الحقيقة نصيبا إلا إذا قام بنفسه ، ونهض بمحض إرادته وبقوة مجهوداته ، يومئذ تدوم له الرفعة والسعادة ويدوم له المجد والاستقلال ، وإلا فإنه إذا اعتمد علي الحكومة في كل شئ وطالبها بتحقيق أمانيه فشقاؤه يكون أبديا وذله يبقي سرمديا .

وإن السُلّم الذي يصعد به الشعب إلي أعلي درجات المعالي ، ويدرك به أقصي مراتب السعادة الدنيوية هو العلم والتربية ، فبهما تهيئ الأمة رجالا يغارون عليها ويدافعون عن حقوقها ويثبتون في خدمتها ويموتون في سبيل مجدها .

وإنا نري الحكومة تبذل الجهد الجهيد في إيقاف تيار العلم والعرفان ، وتبني كل يوم بناء محكما لسد بحار المعارف وتحويل مجراها عن مصر والمصريين ، وكل يوم نسمع خبرا حديثا وحديثا جديدا عن أعمال الانجليز في مدارس الحكومة ، وتفنن القائمين بأمر التعليم في أساليب منع أنوار العلم عن المتعلمين ، ولم يبق مصري إلا وعلم علم اليقين أن العقائد الدينية نفسها أصبحت مهددة في مدارس الحكومة بفضل أبناء " التايمز " ، وأن علم التاريخ الذي يجب أن يكون دروسا وطنية حقيقية وفضائل صحيحة ، أصبح آلة سياسية في أيديهم يغرسون به في نفوس الناشئين حب بريطانيا وكراهة الدولة العلية واحتقار الوطن والوطنيين .

فإلي متى يرضي المصريون بهذه الحال السيئة ، وإلي متى يُسلمون أولادهم وأعز الناس لديهم في الحياة إلي أعدائهم ، وإلي متى تُصرف الأموال الباهظة في خدمة بريطانيا ضد مصلحة وطننا العزيز ، لأن ما يصرفه المصريون علي أبنائهم في مدارس الحكومة لا يُصرف في الحقيقة لمنفعتهم ، بل لتربيتهم علي المبادئ الانجليزية ، ليكونوا عبيدا لبريطانيا وخداما لها طائعين ، وعمالا ضد دينهم الكريم ووطنهم الشريف عاملين .

علي أن أمر تربية أبنائنا بأنفسنا أمر هين لا يحتاج إلي تعب كبير ونصب عظيم ، فآباء التلاميذ لو اجتمعوا واتحدوا يستطيعون أن ينشئوا مدارس مستقلة تربي أبنائهم علي مبادئ الإسلام الطاهرة وأصوله الصحيحة ، وتعلمهم محبة الوطن والتفاني في خدمته وإعلاء شأنه ، وتعرفهم معني هذه الحياة وحقيقة المطالب التي يجب علي الإنسان أن يتطلبها منها ، وترشدهم إلي أنه " خير للإنسان أن يكون بلا حياة من أن يكون بلا وطن " .

ومما لا يختلف فيه اثنان أن المسألة المصرية ليست مسألة الاحتلال البريطاني ، بل هي مسألة تأخر الشعب المصري ، وعدم شعوره بحقوقه الشرعية ، فإنه لو بقي متأخرا جاهلا وترك الانكليز مصر طوعا أو كرها لا يزول الخطر المهدد لحياته بالمرة ، لأن الأسلحة التي ترد بها الشعوب هجمات الأعداء واعتداء الأجانب هي الاتحاد والشهامة والوطنية الحقيقية ، ولا تكتسب هذه الصفات العالية إلا بالتربية والتعليم .

فالخدمة الصحيحة التي يجب علينا معاشر المصريين أن نؤديها لوطننا العزيز وديننا الكريم هي إنشاء المدارس الأهلية ، ووضع نظامات مخصوصة لها وتغيير طريقة التعليم المتبعة في مدارس الحكومة ، بمعني أن اللغة العربية تكون هي الأساس الأول في المدارس الأهلية .

نعم إن المصريين نهضوا في العام الماضي نهضة شريفة ، وأسس الكثيرون من أبناء الشعب الغيورين عليه مدارس أهلية سبقت مدارس الحكومة بمراحل في طريق التعليم السليم والتربية القويمة ، ولكننا لا نزال في حاجة شديدة إلي مدارس أخري .

ولست أري كغيري أن تُنشأ من الآن إدارة معارف أهلية لأن ذلك المشروع يحتاج إلي نفقات هائلة وأتعاب جسيمة ، ومتي تأسست مدارس أهلية مدارس أهلية مستقلة ونمت وتقدمت يسهل بعدئذ ضمها تحت إدارة واحدة وتوحيد طرق التدريس فيها .

والذي اقترحه الآن علي أبناء الوطن العزيز هو إنشاء مدرسة كبري في ضواحي العاصمة يكون بها قسم ابتدائي وقسم تجهيزي وقسم عال وقسم خاص بالفنون والصنائع ، وتكون كلها داخلية حتي يسير المتعلمون فيها علي نظام واحد ، ويتخرجوا علي مبادئ واحدة ، بمعني أنها تكون علي طراز المدارس الكبري في أوربا .

وقد قدرنا لتنفيذ هذه الفكرة مبلغا لا يقل عن عشرين ألف جنيه تُجعل أسهما وتوزع علي الفضلاء والأغنياء من بني مصر ، ومتي تم توزيعها جمع المبلغ تحت يد رجل أمين ، وينتخب المساهمون لجنة إدارية للمدرسة لتضع الخطة التي تجري عليها ، وتتفق مع أشهر المهندسين الوطنيين علي بناء محلها  بناء صحيحا .

فعمل كهذا يخدم به المصريون أنفسهم خدمات جليلة ، ويهيئون به للمستقبل رجالا أشداء يعرفون معني الوطن والوطنية ، ويبرهنون به علي أنهم قادرون علي القيام بعظائم الأعمال ، وأنهم أهل لنيل الحرية والاستقلال ) .


وجدير بالذكر أن حملة الزعيم / مصطفي كامل لإنشاء المدارس الأهلية الوطنية التي تقوم بتربية أبناء مصر تربية إسلامية وطنية تزرع فيهم حب الوطن والسعي لتحريره واستقلاله فضلا عن دعوته لإنشاء جامعة مصرية وطنية قد أسفرت عن إنشاء جامعة حديثة تأسست في 21  ديسمبر 1908 تحت اسم الجامعة المصرية ، على الرغم من معارضة سلطة الاحتلال الإنجليزي بقيادة اللورد كرومر ، سميت فيما بعد جامعة فؤاد الأول ثم جامعة القاهرة بعد ثورة 23 يوليو 1952.

وجدير بالذكر أيضا أن هذه الجامعة المصرية قد آتت ثمارها التي خطط لها الزعيم مصطفي كامل ، وكان لطلابها دور عظيم في كافة الحراك الشعبي ضد الاحتلال الانجليزي وضد استبداد النظام الحاكم في مصر ، وظهر هذا الدور جليا في ثورة 1919م وما بعدها من أحداث وحتي الآن .

لقد أصاب الزعيم مصطفي كامل في تشخيصه لأزمة شعوب الشرق ومن بينها مصر ، ووجه الاختلاف بينها وبين الشعوب الغربية ، فالشعوب الغربية شعوب حرة بطبيعتها لا تقبل الذل والهوان والخضوع للحكام المستبدين ، وكان هذا بلا شك وراء الثورات الانجليزية والفرنسية والأمريكية وغيرهم من ثورات الربيع الأوربي ، لقد تمكنت هذه الشعوب من الخلاص من النظم الملكية المستبدة الجائرة التي تحالفت مع كنائس الغرب ، لتروج الأخيرة أن سند الملوك في الحكم هو " التفويض الإلهي " ، هكذا كانت الكنائس أو بعضها يرجون أن سلطة الملوك المستبدة مستمدة من الله جل وعلا عن ذلك مباشرة ، في مقابل أن يترك الملوك للكنائس حرية العبث في الأرض والسيطرة علي الأراضي الزراعية وحرية جمع الأموال من الرعية .

ثارت الشعوب الغربية علي الملوك والكنائس معا ، وتمكنت من الخلاص من حكمهما معا إلي الأبد ، بعد أن دفعت ضريبة ضخمة من الأرواح والدماء والأموال وتعرضت للاعتقال والتعذيب في سجون لا مثيل لها مثل سجن "الباستيل" في فرنسا وغيره من سجون أوربا ، لكنها في النهاية تحررت واستقرت ، وامتلكت أسباب القوة السياسية والعسكرية والاقتصادية ، وامتلكت زمام أمرها وصارت تحكم نفسها بنفسها ، تختار من شاءت ليحكمها ، وتعزل من شاءت أن تعزله من خلال آليات ديمقراطية تكفل الانتقال السلمي للسلطة ، وتحسنت أحوالها وحققت رفاهية لا مثيل لها .

أما شعوب الشرق فهي كما قال الزعيم مصطفي كامل تميل إلي الخضوع لحكامها لدرجة تقترب من العبادة ، وتقبل الذل والهوان ، وترتضي بنهب أرزاقها ومقدراتها ، وتتعرض لاعتداءات الحكام ولا تثور ولا تعترض ، وأن هذا الخضوع هو سبب تخلفها وتأخرها .

استسلم الشعب المصري للاحتلال الانجليزي ، وبذل الزعيم مصطفي كامل جهدا فائقا لتحريك الشعب نحو المطالبة بالاستقلال والتخلص من الاحتلال الانجليزي ، لدرجة أن الزعيم مصطفي كامل مات في ريعان شبابه ، وإن كانت البذور التي بذرها قد أثمرت من بعده وأفرزت شعار الشعب المصري الشهير " الاستقلال التام أو الموت الزؤام " .

وبعد ثورة يوليو 1952م ابتليت مصر من جديد بنظام عسكري جائر يعمل لحساب الصهيونية العالمية مفرطا في استعباد الشعب المصري بالقوانين الجائرة والبطش والتنكيل ونهب مقدرات الوطن وثرواته ، ومع ذلك عاد الشعب المصري إلي عادته التي وصفه بها الزعيم مصطفي كامل .

أصدر العسكر قانون الطوارئ في بداية حكمهم الذي يمكنهم من تعطيل كافة حقوق الشعب وحرياته الدستورية ، ويمكنهم من اعتقال أي مواطن عشرات السنين دون حكم قضائي ، وملئوا السجون بالمصريين ، وأذاقوهم أشد أنواع العذاب .

وضع العسكر نصا في قانون الأحكام العسكرية يعطي الرئيس العسكري صلاحية إحالة أي مواطن مدني في قضية جنائية عادية إلي أي محكمة عسكرية يراها حتي يتخلصوا من المواطنين الذي يطالبون بالتحول الديمقراطي .

تاريخ العسكر الطويل عبارة عن مجازر للشعب المصري لا تعرف الرحمة أو الشفقة .

سيطر العسكر علي كل الأنشطة الاقتصادية في مصر حتي أصبحت ثرواتهم لا تسعها البنوك المصرية ، بينما أغلب المصريين يعانون في الحصول علي لقمة العيش .

عمل العسكر لحساب الصهيونية العالمية وتنفيذ مطالبها وعلي رأسها تأمين حدود إسرائيل ، ووصل بهم الأمر إلي تنفيذ انقلاب في مصر ضد إرادة الشعب المصري ، وراحوا يشنون حربا ضروسا علي أبناء مصر بمحافظة شمال سيناء ، ويدمرون مدينة رفح ويدمرن أنفاق غزة ، كل ذلك لتنفيذ مهامهم بحراسة إسرائيل مقابل ما يحصلون عليه من مليارات الجنيهات سنويا في رشوة مقنعة أطلق عليها الأمريكان المساعدات العسكرية .

لا يمكن أن نحصر أوجه معانات الشعب المصري من الاحتلال العسكري الحالي الذي لازال يحكم منذ أكثر من ستين عاما ، احتلالا عسكريا محليا لحساب الصهيونية العالمية بمقابل مادي يسميه الأمريكان والصهاينة المساعدات العسكرية تأدبا ومراعاة لمشاعر قيادات وضباط الجيش المصري .

ورغم استهتار العسكر بأرواح المصريين ودمائهم وكرامتهم إلي حد قتلهم لآلاف المصريين ، واعتقالهم لآلاف آخرين منذ الانقلاب الغاشم في 3/7/2013م ، إلا أن المصريين يقفون حتي الآن موقف المتفرج ، ويمارسون عادتهم في عبادة الحكام ، فهل يعود الزعيم مصطفي كامل من جديد ليمنح المصريين جرعة روحية جديدة تُعيد لهم الحراك من جديد في وجه الاستبداد ، كما حركتهم من قبل في مواجهة الاحتلال الانجليزي .  

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق