الجمعة، 28 أبريل 2017

ستون عاما من ظلم العسكر للإخوان . 12






المقدمة الثابتة لهذه السلسلة من المقالات :
" شهادات لا تحصي ولا تعد تكشف وتؤكد أن الإخوان المسلمين هم من أنشئوا تنظيما سريا بين ضباط الجيش المصري هو نفسه ما سُمي فيما بعد " تنظيم الضباط الأحرار " ، وحددوا أهدافه في الخلاص من الملكية المستبدة الفاسدة والاحتلال الانجليزي ، وتحقيق مبدأ الوحدة الإسلامية بين الدول الإسلامية من خلال التعاون وليس من خلال حكومة مركزية واحدة ، كما تكشف هذه الشهادات كيف تحالف العسكر والإخوان المسلمون وأفراد من الشعب من أجل مصر وتحريرها ونهضتها ، وسرعان ما تفكك التحالف بعد أن وصل العسكر للسلطة ، فاستبدلوا حب الوطن بحب الدنيا ، واستبدلوا المودة مع شركاء العمل الوطني بالعداء السافر الذي لم يظهروه تجاه إسرائيل نفسها ".
خالد محيي الدين ضابط سابق في الجيش المصري إبان العصر الملكي وأحد الضباط الأحرار ، وعضو سابق في مجلس الشعب المصري ، ذي توجه يساري ديمقراطي علماني ، وهو مؤسس حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي حتى اعتزاله العمل العام.
ولد خالد محيي الدين في كفر شكر في محافظة القليوبية عام  1922، تخرج من الكلية الحربية عام 1940 ، وفي  1944 أصبح أحد الضباط الذين عرفوا باسم تنظيم الضباط الأحرار والذين شاركوا في ثورة يوليو سنة  1952، وكان وقتها برتبة صاغ ، ثم أصبح عضوا في مجلس قيادة الثورة ، حصل على بكالوريوس التجارة عام 1951  مثل كثير من الضباط الذين سعوا للحصول على شهادات علمية في علوم مدنية بعد الثورة وتقلدوا مناصب إدارية مدنية في الدولة.
وصفه جمال عبد الناصر بالصاغ الأحمر في إشارة إلى توجهات محيى الدين الماركسية وحينما دعا الصاغُ خالد محيي الدين رفاقَه في مارس 1954 إلى العودة لثكناتهم العسكرية لإفساح مجال لإرساء قواعد حكم ديمقراطي نشب خلاف بينه وبين جمال عبد الناصر ومعظم أعضاء مجلس قيادة الثورة استقال على إثره من المجلس، وآثر - ربما تحت ضغوط من جمال عبد الناصر - الابتعاد إلى سويسرا لبعض الوقت.
بعد عودته إلى مصر ترشح في انتخابات مجلس الأمة عن دائرة كفر شكر عام 1957  وفاز في تلك الانتخابات ، ثم أسس أول جريدة مسائية في العصر الجمهوري وهي جريدة المساء ، وشغل منصب أول رئيس للجنة الخاصة التي شكلها مجلس الأمة في مطلع الستينيات لحل مشاكل أهالي النوبة أثناء التهجير.
تولى خالد محيي الدين رئاسة مجلس إدارة ورئاسة تحرير دار أخبار اليوم خلال عامي 1964  و1965، وهو أحد مؤسسي مجلس السلام العالمي ، ورئيس منطقة الشرق الأوسط ، ورئيس اللجنة المصرية للسلام ونزع السلاح.
حصل على جائزة لينين للسلام عام 1970  وأسس [ حزب التجمع ] العربي الوحدوي في 10 أبريل  1976م ، اتهمه الرئيس السادات بالعمالة لموسكو.
كان عضوا في مجلس الشعب المصري منذ عام  1990 حتى عام 2005  وقد نشر مذكراته في كتاب بعنوان ( الآن أتكلم ) .
 ورغم أن خالد محيي الدين ، تحول من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار حينما ترك جماعة الإخوان ، وانضم إلى تنظيم ( حدتو ) الشيوعي ، أو ما يطلق عليه " الحركة الديموقراطية للتحرر الوطني"  حسبما ذكر الأستاذ / سامي شرف مدير مكتب عبد الناصر في مذكراته ( سنوات وأيام مع جمال عبد الناصر ) ، إلا أنه لم يحاول أن ينكر دور الإخوان المسلمين في ثورة يوليو 1952م ، وإن كان التناقض في الفكر الأيديولوجي بينه وبينهم بالتأكيد سوف ينعكس في أحاديثه علي نحو يشعر به القارئ المحايد الذي يعرف الاختلاف بين الهوية الفكرية لكل منهما ومما قد يترتب عليها من خصومة سياسية .

ستة وعشرون : خالد محيي الدين يؤكد أن الإخوان المسلمين هم من أسسوا تنظيم الضباط الأحرار .

يقول خالد محيي الدين في كتابه " الآن أتكلم " :
كنا في نهاية عام 1944  وكانت الحيرة تغلفنا جميعا بحثا عن طرق لنا ولمصر وذات يوم مر علي / عبد المنعم عبد الرؤوف وعرض علي أن نلتقي بضابط آخر يحمل ذات الهموم ويبحث عن إجابات لذات الأسئلة ، وأخذني لأقابل / جمال عبد الناصر، وكان لقائي الأول معه ،  لكن عبد المنعم عبد الرؤوف ما لبث أن طلب مني أن يعرفني بضابط آخر ، وأخذني إلى جزيرة الشاي في حديثة الحيوان حيث قابلت الصاغ / محمود لبيب الذي عرفت فيما بعد أنه مسئول الجناح العسكري في الإخوان المسلمين .
ذهبت في لقائي الأول ومعي / عثمان فوزي ، وبدأ محمود لبيب يتكلم في تؤدة ويتطرق إلى موضوع الدين دون تعجل ، كان يعرف أن محركنا الأساسي هو القضية الوطنية ، فظل يتحدث عن هذا الموضوع ولكن بنكهة إسلامية وكنت ألح في استخراج إجابات محددة عن أسئلة شغلت بالي طويلا الوطن وكيف سنحرره وبأية وسيلة ؟ وما هو الموقف من المفاوضات ؟ وكان يجيب هو في حذر وذكاء لم يكن يريد أن يخسرني بإلقاء الإجابات التقليدية للإخوان كان يقول:  مصر سيحررها رجالها وشباب القوات المسلحة هم قوتها الضاربة وكلام من هذا القبيل.
اشتم عثمان فوزي رائحة الإخوان من الحديث وقال لي ونحن عائدان من مقابلتنا:
هذه جماعة خطرة وضارة ، لكنني كنت سعيدا بالمقابلة وقلت إن الوطن بحاجة إلى تضحية والاتجاه الإسلامي يمكنه أن يبث في الشباب روح التضحية.
صمم عثمان فوزي على موقفه وانسحب ولم يحضر مرة أخرى ، وواصلت أنا مقابلاتي مع محمود لبيب ، وفي مرة تالية حضر اللقاء جمال عبد الناصر ، فعبد المنعم عبد الرؤوف قابلني أنا وجمال كل منا على انفراد بمحمود لبيب.
وبدأت علاقة من نوع غريب مع جماعة الإخوان ، وتكونت مجموعة عسكرية تضم العديد من الضباط ولم نعد نلتقي في أماكن عامة ، وإنما بدأنا نعقد اجتماعات منتظمة في البيوت ، فكنا نجتمع في بيت مجدي حسنين ، وأحيانا في بيت الضابط أحمد مظهر)  وهو نفسه أحمد مظهر الفنان ) وفي هذه اللقاءات الإخوانية كان يحضر معنا جمال عبد الناصر وكمال الدين حسين وحسين حموده وحسين الشافعي وسعد توفيق وصلاح خليفة وعبد اللطيف بغدادي وحسن إبراهيم كانت علاقة الإخوان بهذه المجموعة من الضباط تتسم بالحساسية ففجأة وجد الإخوان أنفسهم أمام كنز من الضباط المستعد لعمل أي شيء من أجل الوطن.
لكن هؤلاء الضباط لم يكونوا على ذات الدرجة من الولاء للجماعة فمثلا صلاح خليفة و حسين حمودة كانا من الإخوان قلبا وقالبا ، أما الآخرون فكانوا مجرد عناصر تبحث عن طريق ، لسنا ضد الإخوان بل نحن معهم ، لكننا لسنا معهم بالكامل ، فعبد الناصر مثلا كان يعتقد أن الإخوان يريدون استغلالنا كضباط لنكون أداة في أيديهم ونعطيهم مكانة سياسية بوجود نفوذ لهم في الجيش لكنهم لن يقدموا شيئا للقضية الوطنية وكان جمال يلح في الاجتماعات : إذا كان لديكم نصف مليون عضو وأربعة آلاف شعبة فلماذا لا نبدأ بعمليات ضرب ضد الاحتلال ، ومظاهرات وتحركات جماهيرية ؟
وكنت أنا دوما عنصرا مثيرا للقلق في الاجتماعات ، كان عثمان فوزي يلاحقني بالكتب ويدعوني إلى الاهتمام بالقضايا الاجتماعية ، وفيما يبدو أنه كان قد أصبح على علاقة فعلية بالحركة الشيوعية لأنه في ذلك الحين أحضر لي كتابا ذا غلاف أخضر مطبوعا بالعربية " لروجيه جارودي " هو « الاقتصاد محرك التاريخ » ، وبنهم قرأت الكتاب لأكتشف أن إجابات عديدة بدأت تتلاحق ولأربط بين مصر وبين المصريين ، بين تحرير الوطن وبين تحرير المواطن ، وبدأت مشكلات الوطن الاجتماعية تشغل جزءا هاما من تفكيري وبدأت ألح على محمود لبيب في اجتماعاتنا : ما هو برنامج الجماعة ؟ فيجيب الشرعية كنت أقول : كلنا مسلمون ولكنا نؤمن بالشريعة لكن تحديدا ماذا سنفعل لتحرير الوطن ، هل سنخوض كفاحا مسلحا أم نقبل بالتفاوض ؟ وماذا سنقدم للشعب في مختلف المجالات في التعليم والإسكان والزراعة وغيرها من القضايا الاجتماعية ، وكان محمود لبيب يزوغ من الإجابة ، وأنا أطارده وانتهى الأمر بأن أحضر لنا الأستاذ حسن البنا المرشد العام للإخوان.
وللحقيقة كان حسن البنا يمتلك مقدرة فذة على الإقناع وعلى التسلل إلى نفوس مستمعيه ، وكان قوي الحجة واسع الاطلاع ، وفي اللقاء الأول معه بدأنا نحن بالحديث وطرحنا أنا وعبد الناصر آراءنا ، وعندما تكلم البنا أفهمنا بهدوء وذكاء أن الجماعة تعاملنا معاملة خاصة ، ولا تتطلب منا نفس الولاء الكامل الذي تتطلبه من العضو العادي وقال : نحن الإخوان كبهو واسع الأرجاء يمكن لأي مسلم أن يدخله من أي مدخل لينهل منه ما يشاء ، فالذي يريد التصوف يجد لدينا تصوفا ، ومن يريد أن يتفقه في دينه فنحن جاهزون ، ومن يريد رياضة وكشافة يجدها لدينا ، ومن يريد نضالا وكفاحا مسلحا يجدهما ، وأنتم أتيتم إلينا بهدف القضية الوطنية فأهلا وسهلا.
تناقشنا معه وكان رحب الصدر ألححت في ضرورة إعلان برنامج قلت : لن نستطيع أن نكسب الشعب بدون برنامج واضح يقدم حلولا عملية لمشاكل الناس وأجاب : لو وضعت برنامجا لأرضيت البعض وأغضبت البعض سأكسب ناسا وأخسر آخرين وأنا لا أريد ذلك.
وتتالت مقابلاتنا مع حسن البنا وقد كان يمتلك حججا كثيرة لكنها لم تكن كافية ولا مقنعة بالنسبة لأكثرنا ، وظل عبد الناصر مستريبا في أن الجماعة تريد أن تستخدمنا كمجموعة ضباط لتحقق أهدافها الخاصة ، وظللت أنا أوالي قراءة ما يزودني به عثمان فوزي من كتب ، وأزداد إلحاحا في مناقشاتي على ضرورة وضع برنامج للجماعة يحدد أهدافها الوطنية وموقفها من مطالب الفئات المختلفة وبدأت في هذه المناقشات أنحو منحى يساريا وأصبحت نشازا في مجموعة من المفترض أنها تابعة للإخوان المسلمين.
وأخيرا حاول حسن البنا أن يشدنا إلى الجماعة برباط وثيق ، وتقرر ضمنا أنا وجمال عبد الناصر إلى الجهاز السري للجماعة ربما لأننا الأكثر فعالية وتأثيرا في المجموعة ومن ثم فإن كسبنا بشكل نهائي يعني كسب المجموعة بأكملها وربما لأننا كنا نتحدث كثيرا عن الوطن والقضية الوطنية ومن ثم فقد تصور حسن البنا أن ضمنا للجهاز السري حيث التدريب على السلاح والعمل المسلح يمكنه أن يرضي اندفاعنا الوطني ويكفل ارتباطا وثيقا بالجماعة.
المهم اتصل بنا صلاح خليفة وأخذنا أنا وجمال عبد الناصر إلى بيت قديم في حي الدرب الأحمر باتجاه السيدة زينب ، وهناك قابلنا عبد الرحمن السندي المسئول الأول للجهاز السري للإخوان في ذلك الحين ، وأدخلونا إلى غرفة مظلمة تماما ، و استمعنا إلى صوت أعتقد أنه صوت صالح عشماوي ، ووضعنا في يدنا على مصحف ومسدس ، ورددنا خلف هذا الصوت يمين الطاعة للمرشد العام في المنشط والمكره ( الخير والشر ) ، وأعلنا بيعتنا التامة الكاملة والشاملة له على كتاب الله وسنة رسوله.
وبرغم هذه الطقوس المفترض فيها أن تهز المشاعر فإنها لم تترك إلا أثرا محدودا سواء في نفس عبد الناصر أو نفسي.
وعلى أية حال بدأنا بعدها عملنا في الجهاز السري أخذونا للتدريب في منطقة قريبة من حلوان وطبعا كنا نحن ضباط نفهم في السلاح أكثر ممن يدربوننا وكان عبد الناصر يبدو ممتعضا من ذلك وبدأنا نستشعر حالة من الاغتراب عن الجماعة.
وأتى عام 1946  ليجد مصر في مد وطني عارم ، وتحركت جماهير شعبية واسعة تحت شعارات اللجنة الوطنية للطلبة والعمال وإذ التهبت المظاهرات وتساقط الشهداء وتزايد الصدام مع الحكم قررت الحكومة الاستعانة بالجيش في مواجهة المظاهرات.
وتقرر إرسالي ضمن قوة من الفرسان إلى المنصورة لمواجهة المظاهرات بها وكان معي من الضباط ثروت عكاشة ، وعسكرت قوتنا في منزل عائلة نور بشاعر البحر قرب سينما رويال وبقينا هناك حوالي شهر ونصف الشهر هناك جرى نقاش طويل بيني وبين ثروت عكاشة : كيف نضرب المواطنين الذين يتظاهرون طلبا للاستقلال ؟ وكيف نعتبر أنفسنا وطنيين إذا سمحنا للحكومة أن تستغلنا في سحق الحركة الوطنية المعادية للاحتلال وتعاهدنا ألا نسمح باستخدام الجيش ضد الشعب.
لكن المظاهرات ازدادت اشتعالا في المنصور بصورة كبيرة ، وعندما سقط أحد الطلاب شهيدا برصاص مباشرة من ضباط بوليس التهبت البلدة وعجز البوليس عن السيطرة على المظاهرات وطلب الحكمدار منا أن ننزل لنفرق المظاهرات.
كان قائد القوة الضابط عبد الخالق كامل وكان برتبة بكباشي وهو ابن لضابط مصري وأم سودانية وذهبت إليه وأنا وثروت عكاشة وقلنا له : لا يجوز أن تنزل قواتنا إلا إذا قدم لنا حكمدار البوليس طلبا كتابيا يعلن فيه أنه عاجز عن حفظ الأمن بالبلدة إقرار منع بعجزه وفشله وقلنا للبكباشي عبد الخالق كامل : إذا كنت تريدنا أن ننزل إلى البلدة فلا بد أن ينسحب البوليس نهائيا ونحن على استعداد للتفاهم مع الأهالي ، ورفض حكمدار البوليس ذلك أيضا ، وهكذا تخلصنا من مأزق حقيقي وضع واجباتنا العسكرية كضباط في مواجهة واجباتنا الوطنية ولم تشارك قوتنا في أي عملية قمع للمظاهرات وظللنا هناك لمدة شهر ونصف الشهر دون أي عمل ثم عدنا إلى القاهرة.
وأعود مرة أخرى إلى علاقتنا بجماعة الإخوان كانت الأحداث السياسية تتسارع وكشفت جماعة الإخوان عن وجهها السياسي ، وتصرفت كجماعة سياسية وتخلت عن دعاوي النقاء الديني ، ولما كانت بحاجة إلى صحيفة يومية وورق صحف في ظل أزمة شديدة في الورق تقاربت من إسماعيل صدقي وحصلت في مقابل تقاربها هذا على ما أرادت من دعم.
كذلك وقفت الجماعة ضد اللجنة الوطنية للطلبة والعمال وحاولت أن تشكل جماعة أخرى بالتعاون مع إسماعيل صدقي ، وبدأنا نحس أنهم مثل أي سياسيين آخرين يفضلون مصلحتهم ومصلحة جماعتهم على ما ينادون به من مبادئ وعلى مصلحة الوطن ، وتحادثت طويلا مع جمال عبد الناصر حول علاقتنا بالجماعة ، وأفضى جمال لي بمخاوفه من أن الجماعة تستخدمنا كضباط لمصالحها الذاتية وليس لمصلحة الوطن وأفضيت له بمشاعري واتفقنا أننا قد تورطنا أكثر مما يجب مع هذه الجماعة وأنه يجب أن ننسحب منها.
لكنه لا يمكن أن نقول إننا في يوم كذا انسحبنا من الجماعة ، فقط أصبحت الشكوك تملؤنا ، وأصبحنا على غير وفاق وغير متحمسين ، وبدأن نتباعد أنا وجمال وربما بدأت الجماعة هي أيضا تستشعر أننا لا نمتلك الولاء الكافي فبدأت تتباعد عنا.
وتدريجيا يأتي عام  1947 ليجد علاقتنا جمال وأنا وقد أصبحت باهتة تماما مع جماعة الإخوان ، ولكنني كنت لم أزل على علاقتي الحميمة بعثمان فوزي وكان لم يزل يزودني من حين لآخر بكتب لأقرأها وباليقين كان عثمان فوزي قد أصبح عضوا في جماعة أسكرا.
وفي يناير أو فبراير 1947 قابلني صديقي هو أحمد فؤاد وكان وكيل نيابة وكنا أعضاء معا في نادي القاهرة النهري حيث كنت أمارس رياضة التجديف قابلني أحمد فؤاد وقال أريد أن نجلس معا لنتحادث فجلسنا وتحادثنا ومنذ اللحظة الأولى أحسست أن لعثمان فوزي علاقة بهذا اللقاء.
كتاب " الآن أتكلم " تم نشره عام 1992م ، أي صدر بعد ثورة يوليو بأربعين عاما ، وفي وقت كان يعيش فيه خالد محيي الدين حياته بشكل طبيعي ، يتولي مناصب لا يتولاها إلا الموالون للنظام ، وينجح في انتخابات مجلس الشعب الذي لم يكن يدخله إلا الموالون للنظام ، ولذلك نجده في حديثه عن جماعة الإخوان يتبني نفس الاتهامات التي تبناها العسكر منذ نجاح الثورة مباشرة ، ويسعي إلي التأكيد علي أن موقف جمال عبد الناصر من الجماعة كان هو الارتياب والشك في مقاصدهم .
نعم لم ينكر خالد محيي الدين دور الإخوان في أنهم المؤسسون لتنظيم الضباط الأحرار ، لكنه أراد أن يقنع القارئ أن انقلاب العسكر علي الإخوان المسلمين كان يرجع إلي أخطاء وعيوب في الإخوان ، بينما ما أميل له أنا شخصيا أن انقلاب عبد الناصر علي الإخوان كان مجرد جزء من انقلابه علي كافة القوي السياسية التي كانت تقوم بثورة التحرر من الملكية المستبدة والاحتلال الانجليزي منذ بداية تحرك الزعيم مصطفي كامل وحتي إلغاء مصطفي النحاس لمعاهدة 1936م بتاريخ 8/10/1951م ، فالرئيس عبد الناصر انقلب علي الإخوان والوفد والشيوعيين والطلبة والعمال ، وكان ذلك نتيجة التفاهمات التي تمت بينه وبين الأمريكان وأحيل بشأنها لمقالي السابق " إقرأوا كتاب ثورة يوليو الأمريكية " منعا من التكرار ومختصرها ، أن الأمريكان التزموا بمنع الانجليز من مساندة الملك فاروق عندما يحدث الانقلاب ، في مقابل أن يكون النظام العسكري الجديد مواليا لهم ، وملتزما بتوقيع اتفاق سلام مع إسرائيل وفرضه علي المنطقة باعتباره أهم مطالب الأمريكان في ذلك الوقت ، وكان من بين مطالبهم أيضا القضاء علي الثورة الشعبية المشتعلة والتي كان يقوم بها الوفد والإخوان والشيوعيون والطلبة والعمال .


ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق