الأحد، 9 أبريل 2017

الزعيم مصطفي كامل أحيا الموتي .






قال تعالي :
" وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (20) أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (21﴾ "                            سورة النحل
كما قال جل وعلا :
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ  "
                             سورة الأنفال : 24
ليس الموت فقط انتهاء أجل الإنسان وصعود روحه إلي بارئها ، فانعدام الكرامة وقبول المذلة والهوان موت ، الاستسلام للمستعمر والمستبد والخضوع لهما موت ، تقديس المال والسعي لكسبه من أي طريق موت .
الزعيم مصطفي كامل رحمه الله وجد المصريين في حالة من  حالات الموت ، يعيشون في رعب وهلع من بطش الانكليز والخديوي توفيق جعلهم يقبلون الدنية في كرامتهم ودينهم وأرضهم ويخضعون لمستعمر جاء لينهب ثرواتهم ويستبيح أرواحهم وأرضهم وعرضهم ، فسعي لإعادة الحياة إلي عقولهم ونفوسهم وأرواحهم ، ظل يخطب فيهم ويوقظ وعيهم ويحرك بحار الأفكار في رؤوسهم بأفكاره التنويرية عن الاستقلال والحرية وحقوق الإنسان حتي أصبح وبحق زعيم الأمة ومفجر ثورتها ضد الاحتلال الانجليزي واستبداد الحكام الجائرين .
خطبة القاهرة للزعيم مصطفي كامل من كتابه " المسألة الشرقية " الذي ربما لا يعرف به أحد في زمن احتكار العسكر لكافة وسائل الإعلام ، قال فيها الزعيم الوطني :
سادتي وأبناء وطني الأعزاء .
طالما تاقت نفسي إلي الوقوف أمام أبناء العاصمة في موقف عام أحادثهم في شئون الوطن المحبوب آلامه وآماله ، وتناجي نفسي نفوسهم في مصير هذا الوطن العظيم ، وفي مستقبل هذه الديار العزيزة ، وقد حقق الله لي هذه الأمنية ، ورأيت من الوطنيين الصادقين ما شجعني علي الوقوف أمامكم هذه الليلة ، وإن كان اجتماعكم وازدحامكم وتهليلكم مما يجعلني أري المقام صعبا والموقف حرجا ، فإني أحس بأنكم تكرمون في شخصي الضعيف الفكرة الوطنية ، ولذلك أري عقدة لساني تنحل انحلالا ، وأري الجنان يحرك اللسان للدفاع عن هذه الأوطان ولمناداة بنيها بالمناضلة عن حقوقها المقدسة والقيام بواجباتها خير قيام .
ولعمري أن حالة الوطن العزيز لداعية إلي هذا الاجتماع ولأضعاف أضعافه لكي يفقه أبناؤه هل هم حقا أبناؤه ، وهل هو وطن لهم أم هم غرباء في وطنهم ، وهل هم في عداد الأحرار أم في عداد الأرقاء والأذلاء ، وهل هم في مصاف الأموات أم في مصاف الأحياء ، وليعلم الوضيع والرفيع هل ثم رفيع أم الكل سواء أمام الذل وأمام الهوان ، وليتدبر العقلاء إن كان فينا عقلاء ، ويعمل للوطن الأبناء الأوفياء إن كان فينا أوفياء ، ولتجتمع كلمة المصريين عساهم ينقذون سفينة الوطن والأهواء تلعب بها من كل طرف ، والصواعق نازلة من كل جانب ، والبحر مضطرب أي اضطراب .
أجل أيها السادة ، يجب علينا أن نجتمع كثيرا ، وأن نتدبر في الأمر طويلا فقد توالت الحوادث الجسام ، وتعاقبت البلايا العظام ، وأنذرت الأيام مصر بسوء العاقبة وظلمة المستقبل إذا دام المصريون رائدهم الشقاق والفراق ، ومنتهي آمالهم قضاء الحياة علي أي حال تعسة كانت أو سعيدة .
رددوا الطرف يا بني مصر في هذا الوطن التعس وفي سائر الأوطان ، وقلبوا صحائف التاريخ ، وانظروا في ممالك الأرض يمنة ويسرة وشمالا وجنوبا ثم أجيبوني : هل تُحاكي مصر في بلائها ، هل لها نظير في شقائها ، هل تُنفذ إرادة الأجنبي في غيرها ، هل تُلاقي من الهوان ما تلاقيه أمتها ، هل يسود الأجنبي في غير ديارها ، هل يسود الدخيل والخائن والمنافق بين شعب غير شعبها ، بل تنزلوا أيها المصريون ، واسألوا سرائركم هل أنتم علي شقاء أم علي هناء ، وهل بالاستسلام وتسليم الأوطان تقابلون نعمة الله عليكم بمصر وهي جنة الأرض وأبدع البلدان ، وهل يليق بكم وأنتم سلالة أشرف الأمم أن ترضوا بهذا الهوان وتقبلوا هذه المذلة وأنتم صاغرون .
لقد كان لنا من الآباء من يعرف حب الوطن ومجد الأمة وشرف الراية ومعني الحياة والوجود ، فكانوا إذا هاجم الأعداء ديارهم يدافعون عنها إلي آخر لحظة من حياتهم ، ويردونهم علي أعقابهم خاسرين ، وهذه مصر بنفسها قد سلمت من اعتداء الانكليز عليها في أوائل هذا القرن حيث صدهم رجال مصر وأبناؤها الأشداء تحت إمرة ساكن الجنان ( محمد علي باشا ) ، وقد ماتوا فرحين مبتهجين بهذا الوطن العظيم إذ تركوه لنا قويا عزيزا منيعا ، ولو كان حدثهم وقتئذ محدث بأن وادي النيل ستحتله دولة بريطانيا ، وتقيم فيه طويلا بسبب انشقاق المصريين بعضهم علي بعض وخور عزائمهم وقعود هممهم واهتمام كل واحد منهم بمصالحه الذاتية لكانوا كذبوه أعظم تكذيب واعتبروه معتوها عديم المثال .
أما الآن وقد انزعجت بقايا من في القبور من انحطاط الوطن الشريف وقعود أبناءه عي نصرته ، فلو بُعث أولئك من قبورهم ورأؤا ما أنتم راؤون لأنكرونا إنسانا بعد إنسان .
فما عسانا نجيبهم إذا سألونا عن ذلك الوطن الذي سلموه لنا حرا مستقلا قويا حصينا ، أنقدمه لهم عليلا حزينا باكيا شاكيا ، ونقول لهم أننا هدمنا ما بنيتم ، ودمرنا ما عمرتم ، وأدخلنا بأنفسنا الأعداء ديارنا ، فأجلسناهم مجالس السادة ، وجلسنا مجالس العبيد ، أم نقول لهم لقد كان شرف الوطن كبيرا فصيرناه حقيرا ، لقد كانت الديار رفيعة المقدار فأصبحت موضع الاحتقار ، لقد كنا أعزاء فأصبحنا بإرادتنا أذلاء ، بل ما عسانا نستطيع أن نقول .
كان البعض منا يثق في الوعود البريطانية والعهود الانكليزية ، ويعتبر الاحتجاج ضد الاحتلال والمطالبة بحقوق الشعب خروجا علي الحد ومخالفة للواجب ، فما بالنا الآن صامتين لا نبدي حراكا وقد أعلن الانكليز علي رؤوس الأشهاد أنهم يريدون مصر ملكا لهم ومتاعا إلي الأبد ، وأن وعودهم وعهودهم قُدمت للعالم خطأً ، وفاه بها وزراؤهم سهوا .
ألا يجدر بالمصريين وقد حنت رؤوسهم المصائب ، ودكت بنيان استقلالهم النوائب أن يجاهروا بأفكارهم وإحساساتهم ويظهروا للملأ كله أنهم إن قضت عليهم مصالح الوطن العظمي بالسكينة وعدم القيام بثورة أو هيجان فإنهم أمة حية رشيدة تدرك ما لها وما ضدها وتستطيع الإعراب عن رغائبها و مقاصدها  .
تمر الحادثات المزعجات علينا ، وتنفطر لها قلوبنا ، وتحزن منها أشد الحزن أفئدتنا ، ثم لا نجد لسانا ينطق بما يختلج الجنان ، بل نري سكوتا في سكوت واستسلاما في استسلام فيزداد البلاء ويتضاعف الشقاء .
قد يقول البعض عن هذا الكلام أنه تهور في الوطنية وجنون في الحرية ،  ولكنني أسأل المعترضين ماذا كان يعمل الانكليز مع المصريين لو قدر أن هؤلاء احتلوا بريطانيا ، ونشروا عليها سيطرتهم وسلطانهم أكانوا يسلمون لهم البلاد ومفاتيحها ، أكانوا يستسلمون هذا الاستسلام المهين ، أكانوا ينشقون علي أنفسهم ويتركون المحتلين يقبضون علي زمام الأمور شيئا فشيئا ، أكانوا يطأطئون رؤوسهم أمام الأجنبي ويخضعون له عن طيب خاطر ، ويسبحون بحمده بكرة وأصيلا ، كلا ثم كلا ، إنهم كانوا يقدمون كل يوم دليلا من دلائل الحياة وبرهانا من براهين الوجود حتي يشهد من في الأرض ومن في السماء أنهم أمة حية حقيق بها الاستقلال جدير بها العز والشرف والمجد الرفيع .
علي أن ما نطلبه من أبناء الوطن العزيز هو ما جعله الخالق من أول الفروض علينا ومن أقدس واجباتنا ، فلا يستطيع أحد في الوجود أن ينكر علينا وجوب حث قومنا علي محبة بلادنا ، والتعلق بها ، والمطالبة بسعادتها وحريتها واستقلالها .
لقد بالغنا في الاستسلام وأبدعنا فيه كل الإبداع ، وما جنينا إلا الخيبة والفضيحة والعار .........
أقام الانجليز الأرض وأقعدوها بسبب " غردون " وثأر غردون ونسفوا قبر المهدي نسفا وأخرجوا رأسه بأشنع صفة وأقبح مثال ، وعقدوا المجامع ، وألقوا الخطب تحية وسلاما علي روح الفقيد ، ورفعوا رايات الفرح والنصر للأخذ بثأره ، والمصريون ينظرون إلي هذه المناظر ويتساءلون : أليس لدماء من مات منا ثمن ، أليس لرجالنا قيمة ، أليس المصري في شريعة الرحمن إنسانا ككل إنسان ، أتموت منا الجنود الأبطال قبل استرداد السودان وفي سبيل الاسترداد ولا يذكرون بشئ ، بل يقوم منا من يهنئ الانكليز بأخذ ثأر غردون ، أيكون دم فرد من الانكليز غالي الثمن رفيع القدر ودماء آلاف من المصريين لا ثمن لها ولا تقابل بغير النسيان .
لقد تعاظم الخطب وأصبحت الحياة مرة ، وبات الوطن في أشد الأخطار وكل منا يهمل واجباته ، وينتحل لنفسه عذرا فمنا من يطمع في الثروة والترقي ، ومنا من يخاف الذل والفقر ، ومنا من لا يشعر بالمسئولية ، ومنا من استولي علي قلبه اليأس والقنوط .
فالذين يطمعون في الترقي يضحون كل مصلحة قومية في سبيل مصالحهم الشخصية ، ويظنون أنهم يخدمون بذلك عائلاتهم وأولادهم من بعدهم مع أن نواميس الخالق جل شأنه تقضي علي كل من يفضل نفسه علي بني جنسه ويسئ إلي بني وطنه ليحسن إلي نفسه أن تقع نتائج أعماله علي شخصه وإن لم تقع عليه فعلي أبنائه من بعده ، فكم أرانا التاريخ رجالا سهلوا للأجنبي امتلاك بلادهم طمعا منهم في الحصول علي ثروة واسعة ومكانة رفيعة فكانت مكافأة الأجنبي لهم إعدامهم ونعم الجزاء للخائنين ، وكم رأينا رجالا ظلموا الناس ، وخربوا البيوت ، وهدموا أركان الوطن والوطنية فخربت بيوتهم من بعدهم ، ولاقي أبناؤهم من الشقاء والعذاب ما لم يره إنسان ، فيا أيها الطامعون في الثروة ولذات الحياة ، ويا أيها المعتدون علي وطنكم بشروا أنفسكم بسوء منقلبكم وبشقائكم وشقاء أبنائكم من بعدكم ، فالوطن ساخط عليكم ، والأمة بريئة منكم ، وما الله بغافل عما تعملون .
أما الذين يخافون الذل والفقر ، ولا يرفعون أصواتهم ضد أعداء وطنهم لئلا يذلهم الأجنبي ، ويبدل هنأهم شقاء وسعادتهم فقرا وبلاء وهم في الحقيقة أذلاء فقراء ، فالناس من خوف الذل في الذل ، ومن خوف الفقر في الفقر ، ومن خاف الذل والفقر ، وأحجم عن خدمة الوطن العزيز فقد جحد بالله أكبر جحود ، فأرزاقكم يا قوم وأعماركم بيد الله يتصرف فيها كيف يشاء ، وما خلق لكم مصر إلا لتجعلوها جنة الأرض بما وهبكم من قوة وذكاء .
وليس المسئول عن خدمة مصر وإعلاء شأنها شخصا أو أشخاصا ، بل كل واحد من أبنائها يُسأل عن خدمتها ويُطالب بنصرتها ، كما أن المسئولية في تأخرها وانحطاطها تقع علي كل منا ، ومن أكبر أدواء مصر أن كثيرا من أبنائها يظنون أنهم لا يسألون عن خدمتها ، بل المسئول الكبراء والأمراء ، وإذا ألقي الخطيب النصيحة علي قومه ظن كل إنسان أن النصيحة موجهة إلي غيره فيقول لقد أصاب الخطيب ولكن الأمة ميتة ، فمن هي الأمة ، ألستم من أعضائها وأهم أعضائها ، أو ليست الأمة فردا متكررا ، فإذا قام كل واحد بواجباته وأصلح العوج من أموره صلحت أحوال المجموع ، وردت إلي الأمة حريتها وسعادتها ، ولبث الوطن ثياب الحياة والقوة والعافية .
ولقد يعتذر البعض منا عن التقصير في خدمة الوطن العزيز بأنه ضعيف فقير مع أن الخالق جل جلاله أرسل الرسل والأنبياء وأعظم الرجال من طبقة الفقراء ليبعث في كل إنسان روح الأمل وروح العمل ، فيا أيها الضعفاء ، ويا أيها الفقراء ، ليس الفقر أو الضعف عذرا يقدم للوطن المحبوب ، فالضعفاء قوة إن اجتمعوا ، والفقراء غني إن اتحدوا ، وقد خلقنا الله عز وجل جميعا رجالا يملك كل منا قلبا ولسانا فقدموهما في خدمة الوطن والأمة ، وارفعوا أصواتكم ضد أعدائهما والخونة والمنافقين ، وتذكروا أننا ندين بدين الأمة العربية الجليلة التي خاطب أحد عامتها الخليفة عمر رضي الله عنه بقوله : " لو رأينا فيك اعوجاجا لقومناه بسيوفنا " .
وكما أن الضعف أو الفقر ليس بعذر عن التقصير في خدمة البلاد ، فكذلك اليأس ليس بعذر بل هو جناية كبري تجني علي الوطن وأهله ، وإني لأعجب من أناس عُرفوا بالمروءة والشهامة وسعة العيش ويحجمون عن خدمة الوطن بدعوي اليأس والقنوط من مستقبله ، فهل تيأسون وفي السماء إله نسجد له ونسبح بحمده ، أتيأسون ونحن في الحياة نمر أمام الوطن وهو قائم دائم ؟ أتيأسون والتاريخ يحدثنا عن أمم عاشت القرون تحت نير الاستعباد ثم استجمعت قوتها وطردت العدو من ديارها وصارت حرة مستقلة ؟
أتيأسون وأنتم أبناء هذه البلاد التي قُبرت فيها الدول الطاغية والممالك الظالمة ، فأين دولة الرومان ؟ وأين دولة اليونان ؟ بل أين الذين حكموا مصر وحكموا فيها السيوف ؟ أتيأسون وقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام " مصر كنانة الله في أرضه من أرادها بسوء قصمه الله " .
لا معني للحياة مع اليأس ولا معني لليأس مع الحياة ، وإذا سلمنا جدلا بأنه قُضي علينا أن نعيش تعساء أرقاء ونموت عبيدا أذلاء ، فهل ذلك يدعوا إلي إهمال كل أمر فيه فائدة للوطن ورفعته أم يجب علينا أن نقيم ما هدم ونرفع ما دمر ، ونترك ميراث الوطن لأبنائنا صالحا للتقويم والإصلاح ، أليست الأمة عائلة واحدة مرتبطة الأعضاء متماسكة الأجزاء متضامنة الحقوق والواجبات يفتخر كل فرد فيما أتاه بقية الأفراد ، ألا ترون كيف أننا نفتخر بما بناه الآباء الأولون وشيده السابقون ، فلتكن صحيفتنا في سجل الأمة المصرية من أول أب جاء إلي آخر ابن يولد فيها صحيفة بيضاء ونترك للأعقاب مثلا حسنا جديرا بالاقتداء ..... .
وأظنكم تذكرون جميعا ما أتاه "الأيرلانديون" أيام الاحتفال بعيد جلالة الملكة الستيني إذ ساروا في شوارع " دوبلن " حاملين لنعش كتبوا عليه " المملكة البريطانية " ، وألقي يومئذ خطباؤهم الخطب المؤثرة مذكرين قومهم بمن مات منهم في سبيل الوطن الأيرلندي ومبشرين بقرب ساعة الخلاص ودنو ساعة بلوغ الآمال .
فهذه هي الوطنية الحقيقية التي سادت بها أمم الغرب ويعرفها الانكليز أكثر من كل إنسان ، أرجو لوطني أن تنبعث في قلوب أبنائه محبته إلي هذا الحد الجميل ، وأسأل لبلادي أن يخرج منها رجال يرفعون شأنها ويحيون مجدها ، ويعيدون رفعتها ، وما ذلك علي الله بعزيز .
نعم الحياة جهاد والعمر قصير ، وخير الناس من جاهد في سبيل بلاده وعمل لخيرها وناضل عن حقوقها ، ولطالما لامنا اللوام ، وسبنا الدخلاء لأننا نادينا بحقوق مصر ، وسألنا الدول الأوربية الاتفاق مع دولتنا العلية لفك قيود هذا البلد الأمين وتحريره من يد الاحتلال ، ولسنا نخجل مما فعلنا ، ولا نري عارا مما آتيناه ، بل نفتخر بأننا قرعنا كل باب في سبيل خلاص بلادنا ، ولا نزال ونعيش أبد الدهر نعمل لتحريرها ، ولا نترك وسيلة من وسائل إسعادها وإعلاء شأنها إلا نأتيها ، وإننا لا نشك لحظة واحدة في أن أعمالنا ستتوج بالنجاح والفلاح إن لم يكن في حياتنا فبعد موتنا وعلي أيدي أبنائنا ، فليست الحرية بعزيزة علي قوم يعملون للحصول عليها ويجتهدون في نيلها ، وليس بعزيز علي المصريين أن يفكوا قيود بلادهم ويعيدوا إليها استقلالها ومجدها ، فالصخرة الضخمة تذوب وتتفتت بسقوط المياه عليها قطرة بعد قطرة .
وإننا كلما اشتدت بلايا الوطن وعظمت مصائبه ازداد تعلقنا به وإخلاصنا إليه ، وإني في هذا الموقف أجاهر بأعلى صوتي أن أكرم يوم في حياتي هو يوم أموت فيه لأجل بلادي وفي سبيل سعادتها ، فليست الوطنية معني من المعاني المحدودة أو لها درجات معدودة ، بل الوطنية هي ذلك الإحساس الشريف العالي الذي إذا استولي علي قلب امرئ دفع به إلي الهلاك في سبيل سلامة الوطن ومجده ، هذه هي الوطنية التي نعرفها ولا نعرف سواها .     
      

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق