الخميس، 13 أبريل 2017

الإسلام بين السيسي والزعيم مصطفي كامل .




الزعيم مصطفي كامل مفجر ثورة الشعب المصري ضد الاحتلال الانجليزي والاستبداد في كتابه " المسألة الشرقية " وتحديدا في خطبة القاهرة كشف لنا عن موقفه من الإسلام والتمسك بالهوية الإسلامية فقال :
" وإذا بحثنا بحثا مدققا عن سبب تأخر المسلمين في سائر البلاد ، وضياع استقلالهم ومجدهم وسؤددهم ، لوجدنا الأسباب كلها مجتمعة في سبب واحد وهو أننا ابتعدنا عن الدين وقصرنا في اتباع أوامره واجتناب نواهيه ، فصرنا كالذين يهجرون بيوت آبائهم ، وهي قصور عالية البنيان مشيدة الأركان ، ثم يأوون إلي الفضاء متشردين فتصيبهم الأمراض المختلفة من عوارض الجو ويسقطون في مهواة الاضمحلال ، فارجعوا إلي بيوت آبائكم أيها المتشردون في الفضاء ففيها تجدون الدواء ، وفيها تجدون الشفاء .
ويا أيها المسلمون إن كنتم تبتغون استرجاع مجدكم وسؤددكم ، فاتبعوا دينكم فهو كفيل لكم أن تعيشوا أبد الدهر سادة لا عبيدا .
وإنا نري الأمم الأوربية مع ما وصلت إليه من العظمة والقوة تحافظ علي دينها أشد المحافظة ، ويخطب فيها ملوكها ورؤساؤها باسم الدين ، وإذا ألم بأحد أبناء دينها خطر اهتزت له جمعاء ولو كان المصاب بعيد المزار .
ولقد كذب من ادعوا أن الإسلام دين مناقض لمبادئ المدنية ، غير ملائم لمصالح الإنسانية ، فإنه دين شريف اعترف المنصفون من المسيحيين بأنه كافل لتقدم الأمم القائمة به ، وأنه كما رفع المسلمين إلي المقام الأعلى في أول ظهوره يرفعهم اليوم إلي أسمي المنازل إذا اتبعوا مبادئه الشريفة ، فهو الآمر بمحبة الأوطان ، الآمر بالعدل والإحسان ، الآمر بالعمل والسعي والجد والنشاط ، الآمر بالاتفاق والوفاق ، الآمر بالرحمة والاعتدال والغفران ، فارجعوا إليه أيها المسلمون النافرون عنه واتحدوا جميعا ......
وإنكم إذا حافظتم أيها المصريون علي مبادئكم الوطنية ، وطالبتم بحقوقكم المقدسة ، واتبعتم أوامر الشريعة المطهرة ، وزال من بينكم الشقاق والفراق ردت إليكم حريتكم وسعادتكم ، وبلغتم منتهي العز وذروة المجد ، وإلا فإذا دمتم علي هذا الحال فبئس المآل وبئس الاستقبال .
وحسبكم مبشرا ونذيرا قول ربكم :
( إن الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم ) " .
وفي ذات الكتاب وتحت عنوان " الدين والسياسة " يقول الزعيم مصطفي كامل :
" أوضحنا في مقالات متعددة أن الدين والسياسة توأمان لا يفترقان ، وأثبتنا بالبراهين المحسوسة والدلائل القوية أن الدول الأوربية لم تنل من المدنية والمجد والسلطة ما نالت إلا باعتمادها علي مبادئ الدين في سياستها حتي صح أن تسمي السياسة الأوربية بالسياسة المسيحية ، لكونها ترمي دائما إلي رفع شأن الدين المسيحي علي غيره من الأديان ، وتجعل رجاله آلة قوية في الشرق الأدنى والأقصى لبلوغ غاياتها السياسية ومآربها المختلفة .
ومن يتصفح تاريخ الدولة العلية ، ويمعن النظر في أحوالها من أول يوم وضع فيه أساسها إلي هذا اليوم ، يجد أن أوربا لم تحاربها إلا بسبب الدين ، ولم تتدخل في شئونها الداخلية إلا بدعوي نصرة الدين ، ولم تعادها إلا لأنها دولة إسلامية .
وكأن الدول الأوربية علمت أننا إذا تمسكنا بالدين استرجعنا قوتنا وعظمتنا ، فنراها تعمل ما في وسعها لإبعادنا عن مبادئه القويمة ، وتجتهد في نشر مبادئ الجحود والفلسفة الكاذبة بيننا .
وصنائع أوربا في الشرق لا يكرهون شيئا مثل خطباء الإسلام وكتّابه بدعوة المسلمين إلي التمسك بدينهم الكريم ، والعمل لإحياء مبادئه الشريفة الطاهرة التي قبرناها بجهلنا واستسلامنا للأجانب والأعداء .
وإني كلما طالعت كتب الأوربيين وجرائدهم ، أزداد يقينا علي يقين بشأن مسألة ارتباط الدين بالسياسة والسياسة بالدين ، وقد جاءني العدد الأخير من " مجلة العالمين " وفي صدره مقالة علي حرب " الترنسفال " للدكتور " كوبير " أحد مشاهير نواب هولندا ، فتلوتها ولم أكن قبل تلاوتها أظن أن فيها شيئا دينيا ، ولكني ما بدأتها حتي وجدت الكاتب يقول ما ترجمته بالحرف الواحد :
( أصبح المتوحشون ينظرون بعين الاندهاش إلي هذه الحرب الدموية القائمة بين المسيحيين وبعضهم ، وينتظرون النتيجة ليعرفوا من الظافر مسيحيو أوربا أم مسيحيو إفريقية ، وقد ارتفع صراخ حزن وحداد في أوربا – ليس ضد التركي في هذه المرة – ولكنه ضد الدولة التي كانت تفتخر في الزمن الماضي بمحبتها الشديدة الطبيعية للعدل والإنصاف ، أفليس هذا المنظر محزنا للغاية ، وهل بهذا يقف سير التقدم إلي الأمام ، وهل سنرجع القهقري في هذا القرن الذي أصبح علي وشك الابتداء ) .
ويتابع الزعيم مصطفي كامل حديثه :
فقل لي بالله عليك أيها القارئ الكريم ما شأن التركي في هذه الحرب ، أليس غرض الكاتب من " التركي " المسلمين عموما ، لأن الدولة التركية تمثل الإسلام والمسلمين ، فهل لا يري القارئ من عبارة هذا النائب الهولندي أن أوربا تود لو كانت هذه الحرب قائمة بين المسلمين والمسيحيين ، وكان النصر فيها لأبناء دينها ، وهل بعد إعلان كتاب أوربا وخطبائها وساستها لأفكارهم بشأن ارتباط السياسة بالدين هذا الارتباط المكين يستطيع أحد أن ينكر علينا هذا الارتباط .
وإذا كانت لدول أوربا علي اختلاف مصالحها وتباين منافعها وعظمتها وقوة سلطانها تتحد فيما بينها ، وتنسي كل شقاق وكل افتراق عندما يهم المسيحية أمر ، فلماذا لا نتحد معاشر المسلمين ، وقد احتل الشقاء بلادنا ، وخيم الجهل والذل علي ديارنا ، وقوضت المصائب أركان استقلالنا ، وسلبتنا النوائب عظمتنا وقوتنا وسعادتنا ، ألسنا أشد من الأوربيين حاجة إلي هذا الاجتماع وهذا الاتفاق ، وإذا كنا نعتقد بالدلائل التاريخية أن الإسلام دين الفضائل والمدنية الصحيحة ، وأن الابتعاد عن مبادئه سبب التأخر والانحطاط ، والتمسك به داعية السمو والترقي ، فلماذا لا نعمل بأوامره ونجتنب نواهيه ، وإذا كنا نري كل يوم شاهدا جديدا ودليلا قويا علي أن أوربا لم تقم إلا بالدين ، فلماذا نهمل ديننا ونحن أحوج إلي التمسك به من أوربا والأوربيين ، اللهم إنا نسألك أن تهدينا بفضلك كما هديت آبائنا من قبل إنك سميع مجيب " .
وفي ذات الكتاب " المسألة الشرقية " وتحت عنوان " الدين والوطنية " يقول الزعيم مصطفي كامل :
" كتبنا أكثر من مرة أن الدين هو الأساس الذي يُبني عليه الاستقلال الصحيح والمجد الأبدي ، وأن الوطنية لا تكون صادقة قوية شديدة إلا إذا كانت ثمرة من ثمار التمسك بالدين ونتيجة من نتائجه ، لأن النفس البشرية مهما ارتفعت وسمت قاصرة عن أن تستمد كل القوة التي يحتاجها الإنسان من نفسها ، بل هي مفتقرة إلي قوة عالية تهبط عليها من لدن خالق السماوات والأرض وتهديها سواء السبيل .
لذلك رأينا ونري أصحاب العقائد السليمة والإيمان الحي لا يخافون في الحياة شيئا ولا يعرفون لليأس معني ، بل يقضون العمر في أشرف الأطوار ، ويجاهدون في معارك الوجود بقلب قوي وعزم شديد .
ولطالما ضربنا الأمثلة بالأمم الحية التي عرفت أسرار الحياة ، وأدركت معني العمران ، فأسست مجدها علي دعائم الدين وقامت بالدين ، وإننا كلما ذكرنا كلمتي الدين والعقيدة سمعنا بعض المارقين والمفسدين يقولون هذا " تعصب ذميم " ، فما قولكم أيها المعترضون الضالون فيما كتبه المسيو " جان راموا " في جريدة " الجولوا " الباريسية الصادرة في 20 يناير الجاري تحت عنوان " سر الانتصار " حيث قال ما مؤداه :
( إن الضباط الذين أرسلتهم دول أوربا لمشاهدة حركات " البوير " وتقديم التقارير الوافية عن مهاراتهم الحربية لا يرون شيئا خطيرا أو أمرا استثنائيا  في أعمال الترانسفاليين العسكرية ، بل ربما وجدوا الجندي الترانسفالي غير لابس لملابس جميلة وغير مسلح تسليحا جيدا ، ولكن إذا أراد الضباط الأوربيون أن يقفوا علي " سر الانتصار " عما في أفئدة هؤلاء الجنود ، فإن في أفئدتهم شيئا لا يهتم به الإحصاء ولا تبحث عنه الجواسيس ولا تصنعه المعامل مع أنه سبب الظفر والنصر وأصل النجاح والفلاح ألا وهو الاعتقاد بالخالق القادر العظيم  .
فقد افتكر الرئيس " كروجر " في حاجة النفوس والأرواح قبل أن يفكر في حوائج الأجسام وفي معدات القتال وآلاته الحديدية ، لذلك ربما نقص جنود البوير أشياء كثيرة من الملابس والمعدات ، ولكن لا ينقصهم شئ من القوي الروحية ، بل إن نفوس الترانسفاليين متشبعة من الاعتقاد الديني المتين ، ذلك الاعتقاد الذي أظهر ويظهر المعجزات .
ومن قرأ منشورات " كروجر " يراها كلها مبتدئة ومختتمة باسم الخالق الذي عليه اعتماده ، ومهما قال أدعياء الفلسفة الحديثة ، فإن هذا الاعتقاد وهذا الاعتماد يولدان في نفس المقاتل قوة دونها كل قوة ، والذين يذهبون إلي القتال وليس لهم اعتماد إلا علي قوة دولهم لا يقاسون بمن يعتمدون علي حول الله وقوته .
وإذا كانت الحكومات الأوربية تريد إدراك " سر انتصار " البوير فلترسل إلي الترنسفال علماء النفوس وفلاسفة الأرواح وأخبر الخبيرين بحرارة تلك الأفئدة المتوقدة الذكية الطاهرة ، عندئذ نفقه أن صراخنا " لتحيا الجمهورية " لا يكوّن منا إلا محافظين ومديرين ، وأما النداء باسم الخالق وبمعونة الرحمن فإنه يوجد بين أفراد الأمة آسادا يدافعون عنها بقلوب لا تيأس ولا تلين ، فما أسعد الأمم التي تعتمد علي مبدع الوجود ، وما أسعد الجنود الذين يعتمدون علي قوة الإله ويسيرون بروح من لدنه  .
وإن لنا في تاريخ فرنسا مثلين عظيمين وهما مثل " جينييف ييف " و " جان دارك " فإن هاتين المرأتين أنقذتا فرنسا باعتمادهما علي خالق الأرض والسماء ، والبرنس " بسمارك " الذي لم يكن شاعرا يحب الخيال هو القائل لهذه الجملة الشهيرة " إذا نزعمتم العقيدة من فؤادي نزعتم  محبة الوطن معها " دلالة علي أن الدين والوطن مرتبطان ارتباطا لا انفصام له .
وإمبراطور ألمانيا الحالي لا يكتفي بإعطاء جنوده الأسلحة الجيدة والمدافع الحديثة الطراز ، بل يعطيهم قبل كل شئ السلاح المعنوي الفعال ، فهو يكلمهم عن الخالق ويرشدهم إلي أن قوتهم مستمدة منه جل وعلا ، وأنهم بالاعتماد عليه ينتصرون دائما ، ولا يترك فرصة تمر دون أن يذكر القدرة في خطبه ، وهو يعرف كسائر فلاسفتنا وعلمائنا الاختراعات الحديثة والتقدم العصري ولكنه يخاطب جنوده بنفس اللسان الذي كان يخاطب به " شارلمان " عساكره ، لأنه يعلم أن الإنسان في عهد الإمبراطور القديم هو إنسان اليوم ، وأن السر الذي أوتي به الأقدمون النصر والظفر هو بعينه سر الانتصار في هذه الأزمان ) .
فمن يستطيع بعد ذلك الإدعاء أن المناداة بالدين تعصب ذميم ، وأن حب الوطن شئ والتمسك بالدين شئ آخر ، وإذا كان الكاتب الفرنساوي لم يذكر غير البوير والألمان ، فهل نسي المسلمون أن سبب انتصاراتهم القديمة ، وبقاء دولتهم العلية في أمن من كل خطر هو التمسك بالدين تمسكا صحيحا صادقا ، وهل نسوا أن أقوي سلاح للجندي التركي هو الاعتقاد الديني الذي يدفعه إلي الإتيان بأعظم الأعمال العسكرية ويجعله في صدر الرجال شهامة وإقداما .
إذا لم نكن نسينا ذلك كله ، فلماذا نتساهل في أمور ديننا ونهمل واجباتنا ونقصر أقبح التقصير في القيام بما فرضه الخالق علينا ، اللهم هبنا من لدنك رشدا واهدنا بنورك إلي الصراط المستقيم .
وفي ذات الكتاب وتحت عنوان " رابطة الدين ورابطة الوطن " يقول الزعيم مصطفي كامل :
لكل أمة حية واجبان عظيمان ، واجب نحو دينها وعقيدتها ، وواجب نحو وطنها وأرض آبائها ، وكلما ارتقت الأمة في مدارج العرفان والكمال ، وتقدمت في سبيل المدنية والعمران اشتد إجلالها لدينها ووطنها وعظم تعلقها بعقيدتها وبلادها .
وبالعكس كلما نزلت الأمة من عالي مجدها إلي حضيض مقامها ، وانحطت عن غيرها قل إجلالها للوطن والوطنية وضعف تمسكها بالعقيدة الدينية .
وهذه أمم الغرب بلغت من المدنية أقصي ما تبلغه الأمم بفضل تمسكها بأوطانها التمسك الشديد وتفانيها في محبتها والدفاع عن استقلالها ، وقد كان الكثيرون من أبناء الشرق يظنون أن المدنية الغربية لا تعلم أبنائها إلا محبة الوطن ، وأنها بعيدة عن الدين ومبادئه ، فنبذوا مبادئ دينهم القويم تشبها بأهل الغرب ، وجهلوا أن الأوربيين هم أشد بني الإنسان احتراما لأديانهم ، وأن العقائد عندهم مقدسة لا يمكن مساسها ، وفي تاريخ هذا العصر براهين كثيرة تؤيد ذلك ، وما تصفح أحد تاريخ علاقات أوربا بالدولة العلية إلا ورأي أن الجهاد بين دولتنا المحبوبة ودولة الغرب جهاد ديني ، وأن الدين هو أساس سياسة الأوربيين مع الشرقيين ، ولم ينس أحد منا ما قاله جهارا سفير انكلترا في الأستانة العلية أما سفراء الدول الأخرى ووزير خارجية جلالة السلطان الأعظم من أن " ما أخذ من الهلال لا يرد إلي الهلال " .
كذلك نعلم كلنا علم اليقين أن دول أوربا مع اختلاف مشاربها وتباين أغراضها ومصالحها تتحد كلها إذا أصيب مسيحي في الشرق أو في أقصي بقاع الأرض بمصيبة وتعمل لإنقاذه والأخذ بثأره ، أليس ذلك كله دليلا علي أن الدين هو أساس السياسة ، وكما أن الدين يقود أوربا في سياستها مع الشرقيين ، فإنه يقود أفراد الأوربيين في أعمالهم الذاتية ، ولا عبرة بما يراه السائح في عواصم أوربا من التهتك والإلحاد ، فإن أهل الأرياف كلهم متدينون شديدو الاعتقاد ، وكل من رأي عاصمة انكلترا في أيام الأحد عرف مقدار تمسك الانجليز بدينهم واستهجانهم لكل من ليس علي شاكلتهم ، وكل من يقرأ كتابات كبار الكتاب الآن ، ويطلع علي أشعار فحول الشعراء يدرك أن الذين كانوا ينكرون الدين وقوته في أوربا أصبحوا اليوم دعاة له ونصراء .
فإذا كان الغربيون وهم أساتذتنا الذين تشبهنا بهم في أمور عديدة يُجلون الدين هذا الإجلال ، ويعتبرونه أساسا للمدنية والعمران ، فلماذا لا نكون مثلهم ، ولماذا لا نتمسك بديننا في السر والجهر وهو دين الفضائل والمكارم والهدي ، وإذا كان الغربيون يعتقدون أن الدين أساس السياسة ، فكيف يقوم بيننا من يدعي أن الدين شئ والسياسة شئ آخر ، وإذا كانت العقيدة الفلسفية التي لا ريب فيها هي أن التمسك بالدين والوطن سبب ارتقاء الأمم ، وعدم التمسك بهما علة انحطاطها ، فلماذا لا نتمسك بهما التمسك الشديد المتين ، وقد ابتدأنا العمل لارتقاء بلادنا وإعلاء شأن أمتنا .
نحن في مصر أمة مشتركة جزء منها هو الأقباط وجزء عظيم هو المسلمون ، وعلينا واجبان عظيمان ، واجب ديني وواجب وطني ، فالواجب الديني يحتم علي الأقباط أن يحافظوا علي عقيدتهم أشد المحافظة ، ويدافعوا عنها أقوي الدفاع ، ولا ملامة عليهم إذا عطفوا علي إخوانهم في الدين والعقيدة ، والواجب الديني يحتم علي المسلمين أن يرجعوا إلي مبادئ الإسلام الصحيحة ، ويعملوا بأوامر الدين الحنيف الكريم ، ويجتنبوا نواهيه ، ويتحدوا فيما بينهم اتحادا متينا أكيدا حتي يرتفع شأنهم وتسموا بين الأمم مكانتهم ، ولا ملامة إذا عطفوا بكل جوارحهم علي إخوانهم المسلمين في سائر المعمور ، لأن الإسلام جعل المسلمين إخوة بالرغم من اختلاف النحل والبلاد .
وإذا أضفنا إلي الرابطة الدينية اتحاد المصالح السياسية ، واضطهاد أوربا لنا بصفة واحدة وبشكل واحد وعلة واحدة ، ظهر لنا ضرورة اجتماع كلمة المسلمين ، وعرف الناس جميعا لماذا ننادي بالاتحاد الإسلامي ، ألا تري أن الذين يطعنون علي الإسلام يتهمونه بأنه دين التأخر والانحطاط ، وأن جميع أبنائه متأخرون منحطون ، أليست هذه التهمة وحدها داعية لاستنهاض همم المسلمين في كل أنحاء الأرض ودعوتهم للاتحاد والاتفاق وترقية شئونهم وإعلاء قدر الدين الكريم .
هذا واجبنا الديني نصرح به أمام الملأ ولا نخشى في ذلك أحدا ، أما واجبنا الوطني فهو العمل باتحاد تام بين المسلمين والأقباط وغيرهم ممن صارت مصر وطنا لهم لخدمة هذه الديار العزيزة ، والسعي وراء استقلالها وحريتها ، ولم نجاهر بغير ذلك طوال حياتنا ، بل إننا جاهرنا بأن المسلمين والأقباط في مصر أمة واحدة ، وأن الدم الذي يجري في عروق أغلب مسلمي مصر هو بنفسه الدم الذي يجري في عروق الأقباط ، وإلي هذا تنتهي الدعوة إلي الاتحاد الجنسي والاتفاق الوطني .
فإذا كان بعض السذج والبسطاء لا يفهمون القول الصريح ، فليعلموا أننا نقصد قبل كل شئ اتحاد المصريين بصفتهم أمة لها وطن ويجب عليها خدمته ونصرته ، وهذا لا ينافي ندائنا الإسلامي وعملنا لإعلاء شأن ديننا الكريم .
وليس في خدمة الإسلام أو الدعوة لاتحاد المسلمين شئ من التعصب الديني أو من المخالفة للمبادئ الوطنية الحقيقية ، بل إن التمسك بالدين يدعو للتمسك بالوطن ، وحسبنا دليلا " حب الوطن من الإيمان " .
هذا ما قاله الزعيم مصطفي كامل عن ضرورة التمسك بالإسلام والهوية الإسلامية ، وضرورة العمل علي تحقيق الوحدة الإسلامية لرفع شأن الإسلام والأمة الإسلامية معا ، موضحا أن ذلك لا يتعارض مع الوحدة الوطنية بين المسلمين والمسيحيين في مصر ، مثلما لا يتعارض مع هذه الوحدة الوطنية تعاطف المسيحيين مع أبناء دينهم في أي بقعة في العالم .
وعلي النقيض مما قال الزعيم مصطفي كامل نجد دولة العسكر في مصر ومنذ أن ظهرت وسائل الإعلام الحديثة وهم يستغلونها حربا علي الإسلام وقيم الإسلام ويسعون لنشر السلوكيات التي من شأنها أن تقشع قيم الإسلام من طريقها .
شاهد أفلام السينما والمسلسلات المصرية التي تعد علي ضوء خريطة العسكر وتعليماتهم تجدها حربا علي كل قيم الإسلام الشكلية والموضوعية ، فهم دائما يسخرون ويسيئون للملتحي والمحجبة والمنقبة ، فهؤلاء دائما شخصيات معقدة مريضة تُخرج أمراضها علي المجتمع ، أو هم يُظهرون غير ما يبطنون ، فالمحجبة تفعل في السر كافة الموبقات ، ودائما يجعلون رئيس عصابة المخدرات أو القتل والسرقة رجل متدين يؤدي الصلاة لوقتها ويحج بيت الله الحرام بانتظام .
في ذات الوقت يروج إعلام العسكر لكل ما هو مناقض لقيم الإسلام ، فتجده يروج للعري والإباحية واحتساء الخمر وتعاطي المخدرات حتي أصبح المواطن المصري لا يشاهد في الأفلام والمسلسلات المصرية سوي حياة الكباريهات حيث الراقصة والطبال يحيط بهم السكارى في حالة من العري والسكر وممارسة الدعارة حتي وصلنا إلي الزمن الذي يغتصب فيه رجل بالغ عاقل طفلة البامبرز ، كما يسعي لشد الشباب من خلال كرة القدم وتفريع قضايا ومنازعات عنها وإثارة الفتن بين مشجعي الفرق الرياضية منهم ، ويخصص لذلك عشرات الفضائيات حتي يخلق أجيالا فارغة مجوفة ، ومن تثقف منهم بعيدا عن إعلام العسكر ، وتحدث في السياسة وطالب بالديمقراطية قتلوه أو اعتقلوه .
كل من يتمسك بالمرجعية الإسلامية والقيم الإسلامية فهو في إعلام العسكر تاجر دين يتربح من وراء ما يتمسك به من أفكار ، وكل من يتحدث عن ضرورة إيجاد أي شكل من أشكال الوحدة بين المسلمين مثلما اتحدت الولايات الأمريكية التي بدأت مستقلة وصنعت الولايات المتحدة الأمريكية أو علي شاكلة الاتحاد الأوربي ، فهو من منظور العسكر وإعلام العسكر يفتقد الوطنية .
ووصل الأمر غايته مع ظهور أحدث جيل من ضباط كامب ديفيد وعلي رأسهم السيسي الذي بدأ يحارب الإسلام والمسلمين صراحة دون لف أو دوران ، فالنصوص الإسلامية المقدسة لديه تحتاج إلي تعديل ، والمليار مسلم في نظره إرهابيون يسعون لقتل العالم أجمع لكي يعيشوا هم .
الأزهر وما يعلمه للمسلمين من أكثر من ألف عام في نظر السيسي وعشيرته سبب الإرهاب في العالم ، وتحرك السيسي ، ولازال يتحرك لتصفية التعليم الأزهري نهائيا .
أعلن السيسي أكبر فصيل سياسي إسلامي حركة إرهابية وبدأ في قتلهم واعتقالهم ، حتي أدت سلوكياته إلي تعرض المسلمين في أوطانهم للحروب الغربية التي لا تتوقف ، وتعرضهم خارج أوطانهم للاضطهاد في كافة دول العالم .
يضطهد السيسي المسلمين في مصر ، ويحمل غير المسلمين علي كفوف الراحة في إخلال معكوس بمقتضيات الوحدة الوطنية لا تشهده دولة غير مصر ، حيث تُضطهد فيها الأغلبية المسلمة .
إسرائيل لدي السيسي وعشيرته هي الجار الصديق الصدوق الذي ينبغي عليه تأمينه ، ومسلمي غزة الذين يسعون لتحرير أرضهم عدو إرهابي لمصر وإسرائيل وللعالم كله ينبغي حصاره وتدمير أنفاقه لمنع الحياة عن أهلها من فوق الأرض ومن تحت الأرض .
لا مانع لدي السيسي من هدم وتدمير مدينة رفح المصرية التاريخية ، وتهجير أهلها وتجريف أرضها ، وتدمير زرعها ، وتحويل كل ما هو أخضر فيها إلي صحراء جرداء من أجل خلق منطقة خالية لتأمين حدود إسرائيل.
لا مانع لدي السيسي من تنفيذ الحرب العالمية علي الإرهاب التي درسها في كلية الحرب الأمريكية عام 2006م ودرسها من قبله وزير الدفاع صدقي صبحي عام 2005م وهي كما نري حرب علي كافة الدول الإسلامية للقضاء علي كل من يتمسك بالإسلام كمرجعية في نظام الحكم أو السياسات الخارجية أو الداخلية أو كمنظومة قيم حياتية يعيش عليها الناس .
لاشك أن هذا الاختلاف الجذري بين فكر الزعيم مصطفي كامل مفجر الثورة المصرية ضد الاحتلال الانجليزي وبين ممارسات العسكر ، والتي وصلت إلي ذروتها بالانقلاب الذي نفذه السيسي بتعليمات أمريكية ، يؤكد لنا ما انتهي إليه الأستاذ / محمد جلال كشك الصحفي الكبير بأخبار اليوم المتوفي عام 1993م في كتابه " ثورة يوليو الأمريكية "حين كشف لنا أن ثورة يوليو 1952م كانت الثورة المضادة ولم تكن الثورة الشعبية الأصلية ، كانت الثورة التي شجع فيها الأمريكان الرئيس جمال عبد الناصر ليبدأ انقلابه ضد الملك ، وهو ما كان يهرب من تنفيذه ويؤجله عاما بعد عام بعد أن وعدوه بمنع الانجليز من حماية الملك فاروق مقابل أن يعمل النظام الجديد علي تنفيذ الأجندة الأمريكية والتي كان علي رأسها في ذلك أن يفرض هذا النظام علي المصريين وغيرهم من العرب اتفاقية سلام مع إسرائيل خشية أن يتكرر عدوان الدول العربية علي إسرائيل علي النحو الذي حدث عام 1948م .
وكان من أهداف الاتفاق الأمريكي - الناصري أيضا أن يقضي النظام العسكري الجديد علي ثورة الشعب الحقيقية التي يتزعمها الوفد والإخوان المسلمون والشيعيون والطلبة والعمال ، تلك الثورة الشعبية الحقيقة التي كانت تطالب بالاستقلال عن الانجليز والأمريكان معا وليس الخروج من الاحتلال الانجليزي للدخول تحت الاحتلال الأمريكي علي نحو ما فعل الرئيس جمال عبد الناصر وباقي العسكر من بعده .
نعم هناك فرق بين الزعماء الشعبيين الحقيقيين الذين يتبنون فكرا إصلاحيا ناضجا من شأنه أن يصلح أحوال أمتهم ، وبين أناس لا فكر لهم يحصلون علي عطايا سنوية ضخمة تقدر بمليارات الجنيهات ليعملوا مرتزقة يستعبدون شعوبهم ، بل يحاربون شعوبهم لتنفيذ مهام توكل إليهم ممن يدفع لهم .
رحم الله عز وجل الزعيم مصطفي كامل وكل زعماء الثورة الشعبية الحقيقة التي قامت ضد الاحتلال الانجليزي والأمريكي معا ، ووصلت ذروتها عندما أعلن الزعيم مصطفي النحاس إلغاء معاهدة 1936م في 8/10/1951م لتصل الثورة الشعبية مداها ، فينهض العسكر لسرقتها بأوامر أمريكية ويفتكون بقادتها ويطمسون فكرها علي نحو ما فعلوا مع ثورة يناير المجيدة .
    

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق