الأربعاء، 26 أبريل 2017

ستون عاما من ظلم العسكر للإخوان . 11



 
زكريا محيي الدين

المقدمة الثابتة لهذه السلسلة من المقالات :
" شهادات لا تحصي ولا تعد تكشف وتؤكد أن الإخوان المسلمين هم من أنشئوا تنظيما سريا بين ضباط الجيش المصري هو نفسه ما سُمي فيما بعد " تنظيم الضباط الأحرار " ، وحددوا أهدافه في الخلاص من الملكية المستبدة الفاسدة والاحتلال الانجليزي ، وتحقيق مبدأ الوحدة الإسلامية بين الدول الإسلامية من خلال التعاون وليس من خلال حكومة مركزية واحدة ، كما تكشف هذه الشهادات كيف تحالف العسكر والإخوان المسلمون وأفراد من الشعب من أجل مصر وتحريرها ونهضتها ، وسرعان ما تفكك التحالف بعد أن وصل العسكر للسلطة ، فاستبدلوا حب الوطن بحب الدنيا ، واستبدلوا المودة مع شركاء العمل الوطني بالعداء السافر الذي لم يظهروه تجاه إسرائيل نفسها ".

أربعة وعشرون : حسين حمودة يكشف تفاصيل مذبحة  طرة .
يقول حسين حمودة :

بينما نحن نعيش خلف أسوار سجن الواحات الخارجة ، جاءتنا أنباء مروعة عن وقوع مذبحة للمسجونين السياسيين من الإخوان المسلمين في ليمان طره استشهد فيها 23 من شباب الإخوان المسلمين .
ويتلخص الموضوع في أنه كان يوجد بليمان طره في 1/ 6/1957م مائة وثمانون شابا جمعتهم أحكام نطق بها قضاة محكمة الشعب عام 1954  ، وكانوا قد أمضوا في تنفيذ الأحكام الظالمة عدة سنوات بليمان طره ، قضوا لياليها السوداء في أعماق الزنزانات الرطبة المظلمة ، وعاشوا أيامها الأشد سوادا في قطع وتكسر وحمل الأحجار الضخمة في جبال طره.
واستمرت هذه المهانة سنوات إلى أن أعلن الليمان أن كل مسجون أمضى بالجبل 24 شهرا عليه أن يقدم التماسا يطلب فيه إعفاءه من العمل بالجبل ليعمل بالورش داخل أسوار الليمان.
فأجمع المسجونون السياسيون من الإخوان المسلمين على التقدم بهذه الطلبات لإدارة الليمان ، ولكن إدارة الليمان رفضت طلبات الإخوان المسلمين وطبقت القاعدة على المجرمين من القتلة واللصوص وهاتكي الأعراض ومهربي المخدرات ، فاعتصم الإخوان بالعنبر ورفضوا الخروج للعمل في قطع الأحجار ، فجاءهم مدير الليمان وحاول إقناعهم بالخروج للعمل في الجبل فأبوا ، فما كان من مدير الليمان إلا أن أحضر قوة من الجنود المسلحين بالبنادق ، واعتلى عدد منهم الدور الرابع وبدأ ضرب النار في المليان على المسجونين السياسيين من الإخوان المسلمين الموجودين في الدور الثلاث من العنبر رقم (1) بليمان طره.
فأسرع المسجونون إلى داخل زنزانتهم يحتمون بها ، وحاولوا إغلاقها عليهم ، وبعد ساعة تقريبا تم وقف إطلاق النار ، وكان على الأرض دماء غزيرة وجثث مبعثرة ، وكانت حصيلة المذبحة 23 قتيلا وضعفهم من الجرحى ، وظل المشهد الحزين صامتا حتى المساء ، ثم أخرجت إدارة الليمان جثث القتلى والجرحى ليلا ، ومن المؤلم أن الجرحى وهم مسوقون إلى مستشفى السجن كانوا يضربون بالشوم حتى إن بعضهم لفظ أنفاسه الأخيرة من ضرب الشوم وهو جريح!!
وأذاعت محطات الإذاعة العالمية نبأ المذبحة الرهيبة فور وقوعها ، ومنعت حكومة عبد الناصر نشر أي أنباء عن هذه المذبحة في صحف مصر ووسائل الإعلام المصرية ، ولم يتم التحقيق مع المجرمين الذين نفذوا هذه المذبحة إلى يومنا هذا.
في أول يوليو 1958 صدرت الأوامر بنقل 80 فردا من الإخوان من سجن الواحات إلى سجن القاهرة العمومي ( سجن قرة ميدان - وقد هدم بعد ذلك وكان موقعه بجوار قلعة صلاح الدين الأيوبي ).
وفي يوم الاثنين 7/ 7 / 1958م تحركنا من الواحات إلى القاهرة ، وكنت ضمن هذا الفوج المرحل من سجن الواحات إلى سجن قرة ميدان ، وعند وصولنا لمدينة القاهرة نزلنا بليمان طره لمدة يومين ثم نقلنا بعدها إلى سجن قرة ميدان .
في يوم 30/ 9/1958م تم الإفراج عني من سجن قرة ميدان وتم الإفراج بالأسلوب الآتي :
استدعاني القائمقام عبد الحميد حلمي مدير سجن قرة ميدان إلى مكتبه في الساعة 11 صباحا يوم 30/ 9/1958م ، وأخبرني أني مطلوب الساعة 4 بعد الظهر للذهاب في مهمة خارج السجن ، فطلبت منه أن يسمح لي بالاتصال تليفونيا بأي شخص من أهلي لإحضار ملابس مناسبة بدلا من ملابس السجن الزرقاء ، فقال لي لا داعي لذلك لأنها مأمورية سرية للغاية وستعود ثانية إلى السجن فلا داعي لأن تشغل بال أهلك بهذا الموضوع.
وسأحضر لك ملابس أحد الأفراد الذين هم محبوسون احتياطيا على ذمة قضايا يكون حجم جسمه مقاربا لحجم جسمك ، فأحضروا لي بدلة وقميصا وكرافتة ، وفي الساعة 4 بعد الظهر خرجت من السجن بدون أي حراسة وركبت سيارة ملاكي القاهرة كانت في الانتظار ، وركب بجواري الملازم أول زايد رستم من قوة سجن قرة ميدان بملابسه المدنية ، ولاحظت عدم وجود أي سلاح ظاهر معه وكان سائق السيارة يرتدي ملابس مدنية.
وتوجهت السيارة إلى مبنى وزارة الداخلية وصعدنا لمكتب اللواء عبد العظيم فهمي مدير إدارة المباحث العامة الذي أمر ضابط السجن الملازم أول زايد رستم بالانصراف ،    فأصر ضابط السجن على أخذ إيصال باستلام المسجون فاستدعى عبد العظيم فهمي البكباشي زهدي وأمره بإعطاء إيصال لضابط السجن.
وبعد فترة من الوقت قصيرة شربت فيها فنجانا من القهوة توجهت مع اللواء عبد العظيم فهمي في سيارته بدون حراسة إلى الدقي حيث وقفت السيارة أمام فيلا عليها حراسة مشددة ، ثم دخلنا المنزل فوجدنا زكريا محيى الدين وزير الداخلية فرحب بي وقال : "مالك خاسس ليه كده."
فقلت له : مما لاقيناه من أهوال في السجن الحربي وليمان طره ونقص في الغذاء الحيوي في سجن الواحات الخارجة وقد تأثرت حالتي الصحية وأصبت بعدة أمراض منها السكر وارتفاع ضغط الدم وضعف في قوة الإبصار وخلع لجميع أسناني وروماتزم في المفاصل.
فقال زكريا محيي الدين : احنا كنا نبذل أقصى ما يمكننا في موضوع التغذية بسجن الواحات في حدود الإمكانات المتاحة وأبحنا لكم الطرود من عائلاتكم حينما علمنا بأخطار نقص الغذاء فقلت له لقد حدث ذلك فعلا.
وأخبرني زكريا محيي الدين بأن الرئيس جمال عبد الناصر قد أصدر قرار بالإفراج عني اعتبارا من هذه الليلة ، وقال زكريا محيي الدين أن عبد الناصر كلفه بأن يقول لي إنه لا يمكن له أي لعبد الناصر أن ينسى أبدا تضحياتي ( كاتب هذه السطور ) في سبيل مصر واشتراكي في تنفيذ الثورة ليلة 23 / 7 /1952م ، ويرجو عبد الناصر أن تنسى الماضي وما تعرضت له من إساءة وتفتح صفحة جديدة ، فقلت لزكريا محي الدين  : إني مؤمن بالله وأعلم أن ما أصابني لم يكن ليخطئني وكل ما حدث ثم بقضاء من الله ولعل فيه الخير لي والله أعلم ونحن لا نعلم.
وشكرت زكريا محيي الدين للحفاوة التي لقينى بها في بيته ، وانصرفت مع عبد العظيم فهمي إلى وزارة الداخلية حيث أطلق سراحي من هناك ، فركبت «تاكسي» من وزارة الداخلية لمنزل والد زوجتي بسراي القبة وكانت مفاجأة تامة لزوجتي وأولادي وفي اليوم التالي ذهبت في الصباح لسجن قرة ميدان وأعدت الملابس التي استعرتها لصاحبها بالسجن.

خمسة وعشرون : حسين حمودة يكشف أحوال مصر عام 1958م .

يقول حسين حمودة :
خرجت من السجن يوم 30/ 9/1958م فوجدت مصر قد تغيرت وتحولت كلها إلى سجن رهيب ، وتحول شعب مصر إلى شعب صامت صمت نزلاء القبور ، خرست الألسنة ، وكسرت الأقلام ، وقهرت حرية الرأي والفكر ، وكممت الأفواه ، وأصبحت الصحف مملوءة بالشعارات التي بغير مضمون أو تنفيذ والمدح الباطل للحكام ، وارتفع المنافقون والانتهازيون والوصوليون ، ولم يعد لأهل العلم والمثقفين وأصحاب الخبرة ورجال السياسة ورجال الأعمال كلمة أو رأي في إدارة شئون البلاد ، ونشطت أجهزة الأمن المنوط بها أساسا تعقب نشاط أعداء البلاد من جهة الخارج والمجرمين والمفسدين في الأرض في الداخل ، كل أجهزة الأمن نشطت لا لتؤدي واجبها الحقيقي في حماية أمن البلاد وأمن المواطنين وإنما نشطت في تعقب الأحرار والشرفاء من المواطنين وكتابة التقارير السرية عنهم ومحاولة الإيقاع بهم بتدبير المؤامرات الوهمية بحجة حماية أمن حاكم مصر ونظامه الديكتاتوري.
وأخذت هذه الأجهزة تتلقط أي كلمة يتفوه بها مواطن لعلها تكون الدليل للوصول إلى أول خيط تتبعه هذه الأجهزة للوصول إلى التنظيمات السرية التي تضمر شرا بحاكم مصر .
ثم تؤخذ الضحية إلى السجن لتلاقي من أصناف التعذيب الوحشي ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
وتتوالى الاعترافات الكاذبة بمؤامرات تحاك الظلام لحاكم مصر ، وتتوالى المحاكمات الاستثنائية والأحكام الظالمة ، وقد استحوذ الذعر على الخلق من شيوع الجاسوسية ، وأصبح كل فرد في مصر يحسب زميله في العمل أو جاره في السكن جاسوسا ، ولو أنك اعتبرت شعب مصر كله جواسيس لم تكن مغاليا.
ويتجسسون عمن ولمن ؟
يتجسسون على بعضهم البعض لحساب جمال عبد الناصر حاكم مصر المطلق.
وكان عبد الناصر يباهى الحكام الآخرين بأجهزة مخابراته ، وأنه يعلم دبيب النمل وما يحدث بينا المرء وزوجه في عقر داره.
وحتى نواب رئيس الجمهورية والوزراء لم يسلموا من ذلك .
وكانت أجهزة التجسس ترفع التقارير اليومية إلى جمال عبد الناصر عن أنور السادات و زكريا محيى الدين و عبد اللطيف البغدادي و كمال الدين حسين ...الخ.
لدرجة أن تتضمن هذه التقارير أن واحدا من هؤلاء كان في السينما أمس وقد نشر محمود الجيار في مجلة روز اليوسف بعد وفاة عبد الناصر وهو في معرض كتابة مذكراته أن التقارير كانت ترفع يوميا ل عبد الناصر عن نشاط وتحركات وأقوال وأفعال هؤلاء السادة من أعضاء مجلس الثورة والوزراء وكأن عبد الناصر لم يقرآ قول الله تعالى في كتابه الكريم ﴿ وَلاَ تَجَسَّسُوا ﴾.
فلقد نهى الله عباده المؤمنين عن التجسس لما فيه من فساد وإفساد لحياة المجتمع ، وهكذا شغل عبد الناصر معظم وقته في التجسس على شعب مصر ، وضيع وقته في قراءة التقارير المرفوعة إليه من أجهزة الأمن المختلفة من مخابرات عامة ومخابرات حربية ومباحث أمن الدولة ورقابة إدارية وغير ذلك وترك عمل رجل الدولة الحقيقي.
وقد اشتد الظلام في مصر والتعتيم الإعلامي وكثر الظالمون وتعددت المظالم وكانت آية المظالم الحراسات على أموال الناس بقرارات جمهورية وتقوم أجهزة الأمن بتنفيذ هذه القرارات بأسلوب همجي لا يتورع عن نهب وسلب أموال الناس وإخراج النساء والأطفال بملابس النوم بعد منتصف الليل من البيوت إلى الشوارع لأن الزوج أو الأب قد فرضت عليه الحراسة ولم يعد يملك في ظل شريعة الغاب البقاء حتى الصباح في بيته.
ثم يفحش المنفذون ويقومون بنهب ما في بيوت الناس من نقود ومجوهرات وتحف.



ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق