كثير من العقائد والمذاهب اليهودية والمسيحية ينبغي أن يعرفها عامة
المسلمين ، البسطاء قبل المثقفين ، لأنها عقائد تمس الأمن القومي لكافة الشعوب
الإسلامية ، فهي عقائد وثيقة الصلة بالحروب المتكررة التي يشنها الغرب علي الشرق ،
وللأسف الشديد فالسمة الغالبة هي جهل المسلمين بهذه العقائد والمذاهب .
ومما يدعو للحزن والأسى أن الملوك والعسكر العرب الذي يحكمون الشعوب الإسلامية بقوة السلاح ودون اختيار الشعوب هم
الذين يغيبون الشعوب عن هذه العقائد والمذاهب ، ليس ذلك فحسب ، بل يغيبونهم عن
تاريخ حضارتهم الإسلامية ، ويقومون كما فعل السيسي بحذف – موضوعات عن السلطان الناصر صلاح الدين
ومعركة حطين التاريخية التي استردت القدس من الصليبين - من المناهج الدراسية .
فقليل من المسلمين من يعلم تفاصيل الحروب الصليبية وأسبابها ، ولماذا استمر الصليبيون يشنون الحملات الواحدة
تلو الأخرى علي مدي أربعة قرون بدأت من القرن الحادي عشر وحتي الرابع عشر ، وهو ما
حاولت علاجه في مقالي " الخطبة التي أشعلت الحروب الصليبية ألف عام " ،
وهي خطبة " البابا أوربان الثاني " عام 1095م والتي وضعت وثيقة مرجعية
لأسباب الصليبيين في ضرورة ووجوب احتلالهم القدس خاصة وفلسطين عامة ، ومختصرها أن
فلسطين بما فيها القدس هي الأرض المملوكة لبني إسرائيل بسلطان الرب ، وبها مقدسات
المسيحيين ، وأن المسيحيين يتعرضون فيها لإرهاب مروع يستوجب إغاثتهم واحتلال
الأراضي المقدسة إلي الأبد للأسباب سالفة الذكر .
وأسباب الحروب الصليبية هي نفس أسباب احتلال
اليهود - بمساعدة مسيحي الغرب - لفلسطين وسيطرة إسرائيل الكاملة علي القدس الشرقية
التي احتلتها بعد هزيمتها لمصر عام 1967م ، لتعلن أن كامل القدس الغربية والشرقية
هي عاصمة إسرائيل الأبدية .
كذلك يتصور بعض البسطاء أن الحرب علي الإرهاب هي بالفعل للقضاء علي تنظيمات
إرهابية ، بينما الحقيقة أن الحرب علي
الإرهاب هي جزء أصيل من الحروب الصليبية هدفها تدمير أي دولة والانقلاب علي أي
نظام يمكن أن يمثل خطر محتمل علي أمن إسرائيل أو بصورة أخري يؤثر علي احتلال الغرب
للأراضي المقدسة ، وقد أوضحت ذلك في مقالي " بوش : الحرب علي الإرهاب صليبية
ممتدة " .
فأمريكا علي سبيل المثال كانت تدعم تنظيم القاعدة حين كان يقاوم احتلال
الاتحاد السوفيتي لأفغانستان ، وفي الوقت الذي تزعم فيها أنها تحارب تنظيم الدولة
الإسلامية الذي يتشكك كثير من الباحثين في وجوده من الأصل أو علي الأقل يعلمون أن
ما ينشر عنه مبالغ فيه بقصد إشعال فتيل الحرب التي يسمونها الحرب علي الإرهاب ،
تجدهم يتعاونون مع الحشد الشعبي الشيعي وحزب الله وهي التنظيمات الأشد إرهابا في
العالم والذين يفتكون بالمسلمين السنة في العراق وسوريا لأسباب استعمارية توسعية
هدفها نشر سلطان إمامتهم الباطلة ومد نفوذ وليهم الفقيه .
ونستكمل في هذا المقال توضيح أسباب التحالف المسيحي – اليهودي في الحروب
الصليبية سابقا ، وفي احتلال اليهود لفلسطين ثم إعلان دولة إسرائيل عام 1948م ، ثم
دعم المسيحيين لإسرائيل ودفاعهم المستميت عنها ، وشنهم العديد من الحروب علي الدول
الإسلامية لتأمينها ، وترتيبهم للعديد من الانقلابات لحمايتها من أي خطر محتمل .
ولتوضح أسباب هذا التحالف نعود إلي بحث قام بترجمته الأستاذ / محمد
المنشاوي عن رئيس تحرير موقع واشنطن حول " المسيحية الصهيونية " ، ونشره
موقع الجزيرة ، يقول الأستاذ / محمد المنشاوي :
حمل
غالبية المهاجرين الأوروبيين إلى الأراضي الأميركية العقيدة البروتستانتية
الأصولية التي كانوا يحاولون تطبيقها في مجتمعاتهم ولم ينجحوا ، ومنذ بداية تأسيس الدولة الأميركية في
القرن الـ17 لعبت الرؤى الأصولية المسيحية البروتستانتية دورا كبيرا في تشكيل هوية
الدولة.
أثرت العقيدة البروتستانتية كثيرا
باليهودية ، ونتج عن هذا التأثير تعايش يشبه التحالف المقدس بين
البروتستانتية واليهودية بصورة عامة ، وخلقت علاقة أكثر خصوصية بين الصهيونية
اليهودية والبروتستانتية الأصولية.
وتتميز البروتستانتية في الولايات
المتحدة بصفتين يمكن من خلالهما فهم محاور حركة المسيحية الصهيونية :
- هيمنة الاتجاه الأصولي على
البروتستانتية.
- سيطرة التهود على الأصوليين
البروتستانتيين .
وآمنت
المسيحية الصهيونية Christian Zionism "" قبل تأسيس دولة إسرائيل بضرورة عودة الشعب اليهودي إلى أرضه
الموعودة في فلسطين ، وإقامة كيان يهودي فيها يمهد للعودة الثانية للمسيح وتأسيسه
لمملكة الألف عام.
وتمثل
فكرة عودة اليهود إلى فلسطين حجر الأساس في فكر المسيحية الصهيونية ، لذا كانت
فكرة إنشاء " وطن قومي لليهود في فلسطين " التي آمن بها المسيحيون
البروتستانت قبل إيمان اليهود أنفسهم بها هي أهم ما يجمع بين الطرفين.
ومصطلح المسيحية الصهيونية لم يتم
الإشارة إليه كثيرا قبل حقبة التسعينيات من القرن الماضي ، وتصنف هذه المدرسة ضمن
جماعات حركة البروتستانت الإنجيليين" Protestant
Evangelical "، ولهذه الحركة ما يقرب من 130 مليون عضو
في كل قارات العالم .
ويمكن تعريف المسيحية الصهيونية بأنها
" المسيحية التي تدعم الصهيونية " ، وأصبح يطلق على من ينتمون إلى هذه
الحركة اسم " مسيحيون متصهينون " ، وتتلخص فكرة هذه الحركة في ضرورة المساعدة لتحقيق نبوءة الله من
خلال تقديم الدعم لإسرائيل.
وتريد المسيحية الصهيونية إعادة بناء
الهيكل اليهودي في الموقع الذي يقوم عليه المسجد الأقصى اليوم ، وفي نظرهم يتم ذلك
عن طريق تحقيق هيمنة إسرائيلية كاملة على كل " فلسطين " ، كون فلسطين هي
( الأرض الموعودة ) ، وتعتقد المسيحية الصهيونية أن من شأن القيام بذلك تعميم
البركة الإلهية على العالم كله.
نشأت المسيحية الصهيونية - كما نعرفها
اليوم - في إنجلترا في القرن الـسابع عشر ، حيث تم ربطها بالسياسة لاسيما بتصور
قيام دولة يهودية حسب زعمها لنبوءة الكتاب المقدس ، ومع بدء الهجرات الواسعة إلى
الولايات المتحدة أخذت الحركة أبعادا سياسية واضحة وثابتة ، كما أخذت بعدا دوليا
يتمثل في تقديم الدعم الكامل للشعب اليهودي في فلسطين.
وتتصل جذور هذه الحركة بتيار ديني
يعود إلى القرن الأول للمسيحية ويسمى " تيار الألفية"
(Millenarianism) ، والألفية هي معتقد
ديني نشأ في أوساط المسيحيين من أصل يهودي ، وهو يعود إلى استمرارهم في الاعتقاد
بأن المسيح سيعود إلى هذا العالم محاطا بالقديسين ليملك في الأرض ألف سنة ولذلك
سموا بالألفية.
هناك تفسير اعتمد تاريخيا في العقيدة
المسيحية ينص على أن الأمة اليهودية انتهت بمجيء المسيح ، وأن خروج اليهود من
فلسطين كان عقابا لهم على صلب السيد المسيح ، وأن فلسطين هي إرث المسيح للمسيحيين ،
إلا أن ظهور حركة الإصلاح الديني في أوروبا في القرن الـ16 تبنت مقولة أن " اليهود
هم شعب الله المختار " ، وأنهم الأمة المفضلة عند الرب ، وأن هناك وعدا إلهيا
يربط اليهود بفلسطين ، لذا ارتبط الإيمان المسيحي البروتستانتي بعد حركة
الإصلاح بالإيمان بعودة المسيح الثانية بشرط قيام الكيان الصهيوني على كل أرض
فلسطين .
وحدث انقسام بين منظري المسيحية
الصهيونية في القرن الـتاسع عشر ، وظهرت مدرستان ، البريطانية الداعمة لنظرية تحول
اليهود للمسيحية قبل عودتهم لفلسطين كمسيحيين ، والأميركية التي آمنت بأن اليهود
سيعودون إلى فلسطين كيهود قبل تحولهم للمسيحية.
ورأس فكر المدرسة الأميركية القس
الأيرلندي "جون نيلسون داربي" الذي يعتبر بمثابة الأب الروحي لحركة
المسيحية الصهيونية الأميركية.
وخلال 60 عاما بشر داربي لنظريته
بكتابة العديد من المؤلفات التي فصلت رؤيته لنظرية عودة المسيح الثانية ، ونظرية
الألفية ، وقام داربي بست زيارات تبشيرية للولايات المتحدة ، ومن ثم أصبح داعية
مشهورا ومدرسا له أتباع كثيرون.
وحمل
لواء الحركة من داربي عدة قساوسة من أشهرهم "داويت مودي" الذي عرف
بترويجه لنظرية " شعب الله المختار "، و "ويليام يوجين بلاكستون" الذي ألف كتاب "
المسيح آت " عام 1887 وأكد فيه على نظرية حق اليهودي طبقا لقراءته للتوراة في
فلسطين ، إلا أن أكثر المنظرين تطرفاً كان القس "سايروس سكوفيلد" الذي
ألف كتابا عنوانه " إنجيل سكوفيلد المرجعي" عام 1917، وهو الكتاب الذي
أصبح بمثابة المرجع الأول لحركة المسيحية الصهيونية.
ومن
أشهر السياسيين الذين أسهموا في نمو حركة المسيحية الصهيونية عضو البرلمان
البريطاني اللورد " شافتسبري "، وكان شافتسبري مسيحيا محافظا وعلى علاقة
جيدة بصانعي السياسة البريطانيين في منتصف القرن الـتاسع عشر .
وفي
العام 1839 ذكر " شافتسبري" في مقال نشر في دورية شهيرة Quarterly Review أنه " يجب أن نشجع عودة اليهود
إلى فلسطين بأعداد كبيرة ، حتى يستطيعوا مرة أخرى القيام بالرعي في سامراء والجليل
" ، وكان ذلك قبل 57 عاما من ظهور الحركة الصهيونية العالمية ، وكان اللورد
شافتسبري هو أول من وصف اليهود وفلسطين قائلا " شعب بلا وطن.. لوطن بلا
شعب ".
يعد " تيودور هرتزل " مؤسس
الصهيونية الحديثة هو أول من استخدم مصطلح " الصهيونية المسيحية " ،
وعرف المسيحي المتصهين بأنه " المسيحي الذي يدعم الصهيونية " ، بعد ذلك
تطور المصطلح ليأخذ بعداً دينيا ، وأصبح المسيحي المتصهين هو " الإنسان الذي
يساعد الله لتحقيق نبوءته من خلال دعم الوجود العضوي لإسرائيل ، بدلا من مساعدته
على تحقيق برنامجه الإنجيلي من خلال جسد المسيح"
تيودور هرتزل نفسه آمن وطرح فكرة
الدولة اليهودية ولم تكن دوافعه دينية بالأساس ، فهو قومي علماني ، وأعلن استعداده
لقبول استيطان اليهود في أوغندا أو العراق أو كندا أو حتى الأرجنتين ، أما
المسيحيون المتصهينون فقد آمنوا بأن فلسطين هي وطن اليهود ، واعتبروا ذلك شرطا
لعودة المسيح ، لذا انتقدوا الموقف المتساهل من قبل تيودور هرتزل .
تلتقي الحركتان الصهيونية اليهودية
والصهيونية المسيحية حول " مشروع إعادة بناء الهيكل اليهودي في الموقع الذي
يقوم عليه المسجد الأقصى اليوم " ، لذا فالهدف الذي تعمل الحركتان على تحقيقه
يتمحور حول فرض سيادة يهودية كاملة على كل فلسطين بدعوة أنها " أرض اليهود
الموعودة " ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى تعميم البركة الإلهية على كل العالم .
أسهم
في سهولة نشر وتبني أفكار المسيحية الصهيونية العلاقات الكبيرة والمتشعبة التي
بنتها بهدف الضغط والتأثير خاصة على الإعلام الأميركي والسلطات التشريعية
والتنفيذية ، وترجمت معتقدات هذه الحركة بداية في العام 1917 مع صدور "
وعد بلفور " الذي أيد فكرة وطن قومي لليهود في فلسطين ، ووافق أغلب
البروتستانت الأميركيين على هذه الفكرة واعتبروا تنفيذها واجبا دينيا راسخا.
وتأثرت المسيحية الصهيونية بثلاثة
توجهات يجمع بينها خلفية التفسير الديني المعتمد على النصوص التوراتية ، ورغم
تباين هذه التوجهات وتناقضها بعضها مع بعض أحيانا ، فإن التفسير الحرفي
للتوراة والإيمان بضرورة مساعدة إسرائيل جمع بينهم ، والحركات الثلاث هي:
- حركة تهتم بقضية نهاية العالم ومؤشراته.
- حركة تهتم بقضية التقرب من اليهود من
أجل المسيح .
- حركة تركز على الدفاع عن إسرائيل وعلى
مباركتها ودعمها بكل ما هو ممكن ومتاح.
وأهم
ما يجمع بين المسيحية الصهيونية واليهودية اليوم يمكن تلخيصه في ثلاث نقاط أساسية:
- التراث المسيحي اليهودي المشترك.
- الأخلاق اليهودية المسيحية.
- الالتزام الأدبي والأخلاقي بدعم
إسرائيل .
تترجم
حركة المسيحية الصهيونية أفكارها إلى سياسات داعمة لإسرائيل ، وتطلب ذلك خلق
منظمات ومؤسسات تعمل بجد نحو تحقيق هذا الهدف ، لذا قامت حركة المسيحية الصهيونية
بإنشاء العديد من المؤسسات مثل " اللجنة المسيحية الإسرائيلية للعلاقات
العامة " و " مؤسسة الائتلاف الوحدوي الوطني من أجل إسرائيل "، ومن
أهداف هذه المؤسسات دعم إسرائيل لدى المؤسسات الأميركية المختلفة ، السياسي منها
وغير السياسي.
وهناك ما يقرب من 40
مليونا من أتباع الصهيونية المسيحية داخل الولايات المتحدة وحدها ،
ويزداد أتباع تلك الحركة خاصة بعدما أصبح لها حضور بارز في كل قطاعات المجتمع
الأميركي.
ويشهد الإعلام الأميركي حضورا متزايدا
لهم حيث إن هناك ما يقرب من 100 محطة تلفزيونية ، إضافة إلى أكثر من 1000 محطة
إذاعية ويعمل في مجال التبشير ما يقرب من 80 ألف قسيس .
وامتد نفوذ الحركة إلى ساسة الولايات
المتحدة بصورة كبيرة وصلت إلى درجة إيمان بعض من شغل البيت الأبيض بمقولات الحركة
والاعتراف بهذا علنيا ، فالرئيسان السابقان جيمي كارتر " ديمقراطي"
ورونالد ريغان " جمهوري" كانا من أكثر الرؤساء الأميركيين إيمانا
والتزاما بمبادئ المسيحية الصهيونية.
وتتحدث
الموسوعة الحرة في بحث قيم في ذات الموضوع فتقول :
الصهيونية
المسيحية
هو الاسم الذي يطلق عادة على معتقد جماعة من المسيحيين المنحدرين غالباً من الكنائس
البروتستانتية الأصولية والتي تؤمن بأن قيام دولة إسرائيل عام
1948 كان ضرورة حتمية لأنها تتمم نبؤات
الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد وتشكل المقدمة
لمجيء المسيح الثاني إلى الأرض كملكٍ منتصر.
يعتقد
الصهاينة المسيحيون أنه من واجبهم الدفاع عن الشعب اليهودي بشكل عام وعن الدولة العبرية بشكل
خاص ، ويعارضون أي نقد أو معارضة لإسرائيل خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية حيث
يشكلون جزءاً من اللوبي المؤيد لإسرائيل .
تلعب
" التدبيرية " أو " القدرية " كما يسميها
البعض دوراً رئيسياً في الفكر اللاهوتي للصهاينة المسيحيين ، ولفهم علاقة الله مع
الجنس البشري يقسمون تاريخ هذه العلاقة إلى سبعة أقدار أو حقب زمنية يخضع فيها
الله الإنسان لتجارب تمتحن طاعته ، فيقول "سكوفيلد" أحد أهم مفكري هذا
المذهب " كل قدر دور من الزمان يمتحن فيه البشر حسبما أوحاه الله من وحي
مخصوص ".
فوفقاً
للتدبيريين نحن نعيش اليوم في الحقبة السادسة أو ما يسمى "دور الكنيسة والنعمة " بانتظار حلول الحقبة السابعة
والأخيرة برجوع المسيح للأرض لتأسيس حكمه الألفي .
وهكذا
تفصل التدبيرية بين مفهومي إسرائيل والكنيسة ، فبالنسبة للمسيحية التقليدية
الكنيسة كما يقول " أوغسطينوس " هي وارثة الوعود التي أعطاها الله
لإسرائيل ( أنظر الاستبدالية (، فهي بذلك
إسرائيل الجديدة التي تسعى بشوق لبلوغ أورشليم السماوية ، ففي هذا المفهوم تصبح
أورشليم أو أرض الموعد للمسيحيين ذات طبيعة روحانية أزلية لا صلة لها بأرض إسرائيل
التاريخية ، على عكس الصهاينة المسيحيين الذين يشددون على الفصل بين إسرائيل كشعب
يهودي أو شعب الله على الأرض والكنيسة أو شعب الله في السماء ، مؤكدين على التفسير
الحرفي للكتاب المقدس ليفضي هذا بهم إلى نتيجة حتمية مفادها
أن أرض فلسطين التاريخية هي ملك أبدي للشعب اليهودي ،
وأن نبوءات الكتاب المقدس التي أعلنت عن عودة " شعب الله "
إلى أرضه قد تحققت في القرنين التاسع عشر والعشرين .
فالتدبيريون لا
يؤمنون بأن المسيحية أتت لتحل محل اليهودية ، بل
أتت لكي تعيد لها عناصرها المفقودة ، فبحسب فهمهم للكتاب المقدس يعتقدون بأن قيام إسرائيل عام
1948 كان الخطوة الأولى لعودة المسيح للعالم حيث سيخوض حرباً فيها ضد قوى
الشر تسمى هرمجدون يُقتل خلالها ثلثي الإسرائيليين ويهتدي الثلث الباقي للمسيحية
وبعد انتصاره يحكم المسيح العالم كملك لألف عام .
ترجع
أصول الصهيونية المسيحية المباشرة إلى التدبيرية كما ذكر سابقاً ، والتدبيرية منهج
لتفسير الكتاب المقدس ظهر في إنكلترا في القرن التاسع عشر بشكل أساسي بفضل
جهود "جون نلسون داربي" من كنيسة " الإخوة البليموث
" ، إلا أن البعض يرجع بأصولها إلى فترة أقدم من ذلك إلى بريطانيا القرن
السابع عشر ، غير أنها بكل الأحوال ظهرت نتيجة لسياق تاريخي معين أقدم من ذلك
بكثير.
الصهيونية
المسيحية كفكر ديني رؤيوي سياسي حديث يرجع ظهوره للقرن التاسع عشر ولكن هذا الفكر
يجد جذوره في تيار ديني يرجع للقرون الأولى للمسيحية يدعا " بتيار الألفية " ، والألفية
هي معتقد إيماني ظهر بين مسيحيين من أصول عبرية حافظوا من ديانتهم القديمة على ما
يسمى ب " الماشيحية الزمنية " وعلى التأويل الحرفي
لنصوص الكتاب المقدس خاصة ما ورد في سفر رؤيا يوحنا (20: 3 – 6) .
فهم
يعتقدون بأن المسيح سيعود إلى عالمنا هذا مع ملائكته والقديسين
ليحكم الأرض كملك مدة ألف عام ومن هنا جاءت تسمية الألفية.
مبكراً
جداً في عام 172 م ادعى " مونتانوس الفريجي
" بأن الحياة الأخلاقية والروحية لأعضاء الكنيسة قد انحدرت ، وابتعدت عن الله
بسبب تأثير العالم السلبي عليهم ، لذلك وجب على الكنيسة العودة إلى ما كانت عليه
أيام الرسل فأعلن نفسه نبيا ً جديداً من السماء
أوكلت إليه مهمة التبشير بقرب نزول أورشليم السماوية و مجيء الرب إلى
منطقة فريجية العليا - التي كانت واقعة آنذاك في آسيا الصغرى – لتأسيس مملكته التي ستستمر فترة ألف
سنة.
في
القرون الوسطى ظهرت في أوروبا جماعات ألفية بعيدة في إيمانها عن المسيحية التقليدية
ومعادية بشكل عام للبابوية وللكنيسة الكاثوليكية ، وابتداءً من
نهاية القرن الحادي عشر انخرطت حركات ألفية بكثرة في الحملات الصليبية ، وبشكل
عام لم يحمل الألفيون حتى القرن السابع عشر أي طابع سياسي يدعو لإعادة اليهود إلى
فلسطين وإقامة دولة لهم على تلك الأرض .
مع
قدوم العصر الإليزابيثي تراجعت الأفكار الألفية في إنكلترا ولكنها
عاودت الظهور مع قدوم حركة الطهوريين )البوريتانيون ) حيث تطورت أفكارها في تلك الفترة لحد الربط بين
النصوص الدينية والسياسة والربط بين مجيء المسيح الثاني وإقامة دولة يهودية .
ففي
عام 1588 دعا رجل دين اسمه " بريتمان
" لإعادة اليهود إلى الأراضي المقدسة تحقيقاً
لنبوءات الكتاب المقدس ، وفي عام 1615 طالب البرلماني السير "هنري فينش" حكومة بلاده بدعم اليهود ليرجعوا
لأرض الموعد قائلاً " ليس اليهود قلة مبعثرة ، بل إنهم أمة ، ستعود أمة
اليهود إلى وطنها ، وستعمر كل زوايا الأرض وسيعيش اليهود بسلام في وطنهم إلى الأبد
"
أعطيت
الصهيونية المسيحية بعدها السياسي الأيديولوجي للمرة الأولى في بريطانيا عام
1655 عندما
دعا "أوليفر كرومويل" رئيس المحفل البوريتاني بين عامي 1649 و1659 لعقد مؤتمر يسمح لليهود بالعودة للسكن
والإقامة في المملكة بعدما تم نفيهم منها بقرار من
الملك إدوارد الأول عام 1290 فتم في هذا المؤتمر خلق صلة ما بين
أفكار الصهيونية المسيحية والمصالح الإستراتيجية لبريطانيا ، ودفعت كرومويل
للإيمان باكراً بوجوب توطين اليهود في الأراضي المقدسة في فلسطين .
في
القرن التاسع عشر برزت شخصيتان تعتبران من أهم دعاة الصهيونية المسيحية ، هما "جون
نلسون داربي "من كنيسة الإخوة البليموث والقس
"لويس واي" ، كان هذا الأخير رئيس لجمعية في لندن هدفها الترويج للدين المسيحي بين
اليهود والتي أصبحت بفضل جهود واي أهم منبر
للتعبير عن أفكار الصهيونية المسيحية بما في ذلك الدعوة لإرجاع اليهود إلى
فلسطين .
ومن
مؤيدي الصهيونية المسيحية في تلك الفترة برز أيضاً البرلماني البريطاني "هنري
دارموند" الذي ترك الحياة السياسية بعد زيارته الأراضي المقدسة ليكرس
بقية حياته لتعليم المسيحية بنسختها الأصولية وليدعوا
لعودة اليهود إلى فلسطين .
ولم
يكن ما يحفز حاملي الفكر الصهيوني من المسيحيين لينخرطوا في هذا المجال هو دائماً
محبة اليهود ، فإن بعضهم كان ينظر لهم نظرة عداء كالمصلح الاجتماعي الإنجيلي اللورد
"آشلي كونت شافتسبوري" (1818 - 1885) الذي كان يحبذ رؤية اليهود يقيمون دولتهم في فلسطين ويحيون
فيها بدلاً من البقاء في إنكلترا .
ومن
الوجوه المهمة للصهاينة المسيحيين في بريطانيا القس "ويليام هشلر (1845 - 1831) " والذي قام في فترة عمله في سفارة بلاده في فيينا بتنظيم
عمليات لنقل المهاجرين اليهود الروس إلى فلسطين ، وكان
قد نشر كتاباً عام 1894 بعنوان "عودة اليهود إلى
فلسطين" دعا فيه لهذه العودة تحقيقاً لنبوءات وردت في كتاب العهد القديم ،
وكان هشلر كذلك من المتحمسين للصحافي النمساوي المجري تيودور هرتزل مؤسس الصهيونية ، حيث كان يقدم له
وللقضية الصهيونية الدعم السياسي لفترة تقارب الثلاثين عاماً .
وأخيراً
من أشهر السياسيين البريطانيين الألفيين اللورد "آرثر بلفور" المعروف
بإعطاءه اليهود وعد الحكومة البريطانية بإنشاء
وطن قومي لليهود على أرض فلسطين التاريخية ) وعد بلفور 1917( بالرغم من مواقف بلفور المعروفة بمعاداة
اليهود .
لاقت
أفكار "المذهب التدبيري" رواجاً في الولايات المتحدة في
القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين بفضل جهود لاهوتيين بروتستانت مثل
"دوايت مودي" مؤسس معهد مودي للدراسات الكتابية في شيكاغو و
"سكوفيلد وويليام بلاكستون" .
ومن
الكتب المنشورة حديثاً في البلاد والمتأثرة بهذا التيار العمل الذي حقق أفضل
المبيعات Late Great planet Earth لكاتبه "هال ليندسي" ، إضافة لسلسلة من الروايات الآخروية" لتيموثي لاهاي" بعنوان ( Left Behind )، بيع من هذه
السلسلة خمسين مليون نسخة.
أعطى
قيام دولة إسرائيل عام 1948 زخماً قوياً لمتبني الصهيونية
المسيحية ، كما أن حرب حزيران عام 1967 كانت بالنسبة لهم أشبه بمعجزة إلهية
تمكن فيها اليهود من دحر عدة جيوش عربية مجتمعة في آن
واحد وأحكمت خلالها الدولة العبرية سيطرتها على بقية أراضي فلسطين التاريخية
خصوصاً القدس الشرقية والمواقع الدينية التي تحتضنها .
وبالنسبة
للتدبيريين فإنه باحتلال إسرائيل للقدس والضفة الغربية تحققت نبوات الكتاب المقدس ، فشجعت
هذه العلامات "الإلهية"- علي حد اعتقادهم - مسيحيين إنجيليين آخرين
على الانخراط في صفوف المدافعين عن إسرائيل وإلى دفع الولايات المتحدة للبقاء
إلى جانب "الطرف الصحيح" في تتميم النبوات.
يعتبر
عام 1979 عاماً استثنائياً بالنسبة لتاريخ
الصهيونية المسيحية ، فبعد قرن من تقرب هشلر من تيودور هرتزل مؤسس الصهيونية العالمية وبدء
الدعم المسيحي الأصولي المباشر لإقامة الدولة اليهودية ،
أنشأ القس "جيري فالويل" في الولايات المتحدة الأمريكية" منظمة الأغلبية الأخلاقية "، وهذه
المنظمة تضم لجان سياسية لمسيحيين ذوي توجهات محافظة من أهدافها العمل على التعبئة
والدعاية لانتخاب المرشحين المحافظين ، ومع بلوغ عدد أعضائها الستة ملايين عضو
أصبحت المنظمة كتلة انتخابية قوية عزي إليها فضل نجاح "رونالد ريغان" في
الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 1980 .
ينص
أحد المبادئ الأربعة التأسيسية لمنظمة الأغلبية الأخلاقية على " دعم إسرائيل والشعب
اليهودي في كل مكان ".
في
عام 1980 صرح فالويل بأن " الله بارك
أمريكا لأن أمريكا باركت اليهود ، فإذا أرادت هذه الأمة أن ترى حقولها محافظةً على
بهائها وإنجازاتها العلمية محافظة على ريادتها وحريتها محمية ، فعلى أمريكا أن
تبقى واقفة إلى جانب إسرائيل".
حل
جيري فالويل منظمة الأغلبية الأخلاقية عام
1989 ولكن المسيحيين المحافظين حافظوا على دورهم كداعمين لإسرائيل رغم
افتقارهم لوجود مؤسسة قوية رسمية لدعم الدولة العبرية بقوة المنظمة المذكورة آنفاً
.
ولتأطير
هذا الدعم أسس الصهاينة المسيحيون في الولايات المتحدة عدة مؤسسات هدفها المعلن التشجيع على
مساندة إسرائيل ، أبرزها " مسيحيون متحدون من أجل إسرائيل " وصفها القس "جون
هاجي" بالنسخة المسيحية من " إيباك
" ، ومؤسسات أخرى مثل " مؤتمر القيادة المسيحية الوطني من أجل إسرائيل" و" ائتلاف الوحدة من أجل إسرائيل " و" السفارة
المسيحية العالمية في أورشليم" وغيرها.
لا
يقتصر دعم الصهاينة المسيحيين لإسرائيل وللقضية اليهودية على الناحية السياسية فقط
، فهم يقدمون لها العون بكل الأشكال المتاحة لهم خصوصاً من الناحية المالية ، فقد قدم هؤلاء تبرعات كبيرة في سبيل المساهمة
بنقل يهود دول الاتحاد السوفييتي السابق وإثيوبيا إلى إسرائيل ، على سبيل المثال تمكن جون
هاجي من جمع أكثر من 4.7 مليون دولار لصالح
اتحاد الجماعات اليهودية ، وقامت "شبكة بات روبيرتسون" للبث الإذاعي
المسيحي بتقديم منح بمئات الآلاف من الدولارات لمساعدة اليهود الفقراء حول العالم
للانتقال والعيش في إسرائيل .
بين
عامي 2000 و2003 ضعفت السياحة في إسرائيل بسبب
الانتفاضة الفلسطينية الثانية وإعلان جورج بوش ما سمي بالحرب على الإرهاب ، تسبب ذلك
بخسائر مهمة للاقتصاد الإسرائيلي ، إلا أن الصهاينة المسيحيين استمروا بتنظيم
رحلات السياحة الدينية إلى الأراضي المقدسة بأعداد فاقت أحياناً أعداد السياح اليهود ، وقام مبشرو التلفزيون أمثال بات
روبيرتسون وبيني هين بزيارة إسرائيل خلال تلك الفترة وأعلنوا من خلال
شبكاتهم التلفزيونية لمتابعيهم من ملايين الإنجيليين حول العالم أن زيارة إسرائيل آمنة .
كما
ساهم الصهاينة المسيحيين بدعم قطاع السياحة الإسرائيلي من الولايات المتحدة بالمشاركة
بأيام "Shop Israel" حيث كان يحضر تجار إسرائيليون إلى أمريكا لترويج
وبيع منتجاتهم .
هذه
هي حقيقة التحالف اليهودي – المسيحي من أجل احتلال الأراضي المقدسة بالنسبة
لهم والتي هي مقدسة بالنسبة للمسلمين أيضا ، وكانت تحت يدهم ، وتم احتلالها بالقوة
، واستردادها بالنسبة للمسلمين كذلك مسألة عقيدة ودين .
ألف عام يعمل اليهود جنبا إلي جنب مع المسيحيين من أجل
احتلال الأراضي المقدسة والسيطرة عليها ، قاموا باحتلالها خلال الحروب الصليبية
الأولي ، واستردها المسلمون وظلت تحت أيديهم مئات السنين ، إلي أن استردها اليهود
والمسيحيون مرة أخري وأقاموا عليها دولة إسرائيل ، ووضعوا اليد علي كامل مدينة
القدس التي تضم المسجد الأقصي القبلة السابقة للمسلمين وثالث المساجد التي تشد لها
الرحال ، وفي الوقت الذي يتحالف فيه اليهود والمسيحيون ويخططون ويدبرون ويخوضون
عشرات المعارك مع المسلمين خلال مئات السنين ، نجد عملية تعمية متعمدة من الحكام
المسلمين الجبريين لكافة الشعوب الإسلامية .
يتجاهل الحكام العرب وأنظمتهم توعية الشعوب بمثل هذه
الحقائق ، وأنتم ترون كيف يقصرون استعمال وسائل الإعلام علي كرة القدم والأفلام
والمسلسلات والمسرحيات الهابطة والبرامج التافهة ، لأن إثارة الموضوعات التي
تحدثنا عنها يدخل ضمن موضوعات الإرهاب وفقا لتحالف الحكام مع أعداء الأمة .
هذا في الوقت الذي يستخدم فيه اليهود والمسيحيون كافة
وسائل الإعلام لديهم لتوعية مواطنيهم بقضايا الأمن القومي وعلي رأسها الآن الترويج
لتطرف وإرهاب الإسلام والمسلمين ، إعلام الحكام العرب يصف كل حروب الغرب اليهودي -
المسيحي علي الشعوب الإسلامية بأنه قانون دولي ، من حق الغرب في إعلام الحكام
العرب أن يدمر أفغانستان والعراق ، ثم يعود مرة أخري ليدمر باقي العراق وسوريا
وليبيا ، من حق الغرب أن يرتب انقلابا في مصر وآخر في تركيا ، لأنه عندما يفعل ذلك
فهذا يعني أن الحكام العرب الذين تختارهم شعوبهم إرهابيون ، كل ما يفعله الغرب
بالشعوب الإسلامية مباح لدي الحكام العرب طالما يحقق مصلحتهم في البقاء علي صدور
شعوبهم ، حتي لو كان ثمن هذه التحالفات هو زوال كامل الشعوب الإسلامية ، أهم
الأهداف الإستراتيجية لهم هو تحاشي غضب الأمريكان واليهود .
علي كل مسلم أن يسعي لنشر مثل هذه المعلومات بين
المسلمين علي قدر استطاعته وبكل الوسائل المتاحة له ، إلي أن يحرر الله عز وجل
شعوبنا الإسلامية ، ويرزقها بحكام منتخبين يعبرون عنها ويمثلونها تمثيلا حقيقا ،
لا أن يمثلوا دولاً أخري نظير المساعدات التي لا ينال الشعوب منها حتي الفتات ، وربما نال المرءُ بسبها عدة طلقات
ترديه قتيلاً ، أو رحموه فأسكنوه قبراً في أحد المعتقلات .
وكيل لجنة الشئون الدستورية والتشريعية ببرلمان الثورة .
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق