السبت، 2 مايو 2015

السيسي ينقلب علي النوبيين وحق العودة إلي ضفاف البحيرة .




قررت عام 2005 أن أرشح نفسي لانتخابات مجلس الشعب عن الدائرة الثانية بمحافظة أسوان . وهذه الدائرة تضم مركزين كبيرين هما ، مركز كوم أمبو والذي يقع علي الجانب الشرقي لنهر النيل ويمتد إلي عمق في حدود العشر كيلومترات شرقا ، ويليه من الناحية الشرقية مركز نصر النوبة والذي يقع في منطقة صحراوية شديدة الحرارة .
مركز نصر النوبة هو ذلك المكان الذي تم نقل أهالي النوبة له من قراهم الأصلية التي كانوا يقيمون فيها علي مر تاريخهم الطويل علي ضفاف النيل جنوب السد العالي قبل أن يوجد هذا السد ، فمركز نصر النوبة مقام علي أرض صحراوية  شديدة الحرارة تكاد تنعدم فيها مظاهر الحياة الإنسانية الكريمة ، حيث المنازل المقامة علي أرض متحركة ، والتي ما أن يتم بنائها حتي تتشقق ، ولا يوجد به خدمات تذكر للدولة ، ولا مشروعات استثمارية من أي نوع حتي أن أهالي النوبة دأبوا علي الهجرة سواء إلي باقي محافظات مصر أو خارجها .
بدأت علاقتي بأهالي النوبة حين عقدت مؤتمرا ضخما للدكتور أيمن نور أمام منزلي بمدينة كوم أمبو في الانتخابات الرئاسية عام 2005 لتأييده ضد المخلوع مبارك بحثا عن تغيير لأوضاع الاستبداد والفساد والركود السياسي والاقتصادي التي تفشت في مصر ، فضلا عن تبعية المخلوع ونظامه للغرب بقيادة أمريكا وإسرائيل .
حاولت مديرية أمن أسوان في ذلك الوقت منع المؤتمر بشتي الطرق ولكني ومن معي من الزملاء المحامين والأهالي صممنا علي عقده علانية في الطريق العام .
حضر المؤتمر العديد من أهالي النوبة ، أذكر منهم الحاج / أحمد الكاجوجي والذي ألقي كلمة نارية في المؤتمر تحدث فيها عن مطالب أهالي النوبة وحقوقهم المسلوبة وعلي رأسها حق العودة علي ضفاف البحيرة جنوب السد العالي ، تلك البحيرة التي يقيمون علي ضفافها منذ آلاف السنين وقبل أن يولد جمال عبد الناصر الذي سميت البحيرة باسمه ، وقبل أن يولد السيسي الذي انقلب علي أهالي النوبة وأهدر بجرة قلم كل المكاسب التي تحققت علي طريق العودة لضفاف البحيرة لأهالي النوبة ، ولكل المصريين نظرا لاتساع هذه المناطق ، حيث تصل إلي 300 كم جنوبا وحتي حدود السودان ، و أحمد الله عز وجل أنني كنت شريكا أساسيا في أغلب هذه الخطوات والمكاسب ، بل ومن أهالي النوبة من يقيمون دوري بأكثر من ذلك بكثير .
وقف أهالي النوبة معي في انتخابات مجلس الشعب 2005 ليثبتوا أنهم لا يعرفون القبلية ولا يعرفون العصبية ، وأنهم بالفعل فئة مثقفة متحضرة من الشعب المصري كما عهدهم الناس ، يتمتعون بأخلاقيات رفيعة وحسن العشرة مع الجميع .
بعد نجاحي كنت أتحرك في كل المطالب النوبية قدر استطاعتي ، فقد وفقني الله عز وجل لحل مشكلة سيدات نصر النوبة اللاتي تورطن في قضية نصب كبيرة عبر بعض الموظفين في بنك التنمية والإتمان الزراعي ، حيث تم إقراض الواحدة ألف جنيه وتم إثباتها ثلاثين ألف أو يزيد في الأوراق ، وذلك علي عدد كبير من السيدات ، وصدر ضدهن أحكام حبس نهائية في جنح شيكات بدون رصيد أقامها البنك وتحدثت مع الرئيس المخلوع أثناء زيارته لأسوان ، وشرحت له عملية النصب التي حدثت وأدلتها فتم وقف جميع الأحكام النهائية ، ثم إلغاء هذه القروض .
وفقني الله عز وجل أيضا للحصول علي موافقة من اللواء / مصطفي السيد محافظ أسوان السابق ببيع أراضي المنازل التي يقيم بها أهالي النوبة في مركز نصر النوبة بعشرة جنيهات فقط للمتر بعد أن كان المحافظ الأسبق رحمه الله عز وجل يريد بيعها لهم بسعر مرتفع .
أما القضية الأهم فهي مطالبة أهالي النوبة بالعودة إلي ضفاف بحيرة ناصر جنوب السد العالي في ذات القرى التي كانوا يقيمون فيها من آلاف السنين قبل نقلهم إلي مركز نصر النوبة الذي يقع شمال السد العالي بحوالي 50 كم ، وتحديدا شرق مركز كوم أمبو ( شرق النيل ) ،  وذلك لبناء السد العالي والذي كان يستلزم تغيير في خط سير المياه ، وسيؤدي إلي اتساع عرض النيل بعد بناء السد . 
كانت القري النوبية القديمة تقع علي ضفاف النيل مباشرة جنوب السد العالي قبل أن يتم بناؤه
كنت أحضر مع أهالي النوبة جميع المؤتمرات التي يعقدونها للمطالبة بحق العودة إلي ضفاف البحيرة ، تبنيت القضية في وسائل الإعلام وفي مجلس الشعب ، وأوضحت أن امتناع الدولة عن تلبية هذا المطلب هو بسبب ما تدعيه أجهزة أمنية سيادية من أن أهالي النوبة يريدون الاستقلال والانفصال عن مصر ، وأوضحت أن هذا الكلام غير صحيح لسبب بسيط جدا ، يتمثل في أن العودة إلي ضفاف البحيرة لن تكون لأهالي النوبة وحدهم لأن المساحات هناك شاسعة سوف تسمح بتواجد كل المصريين ، يعني الفئات الاجتماعية في كل محافظات مصر كما هي في كل المحافظات سوف تكون هناك ، وأن الرفض له أسباب أخري تتمثل في رغبة جهات معينة ممن يحتكرون كنوز مصر لأنفسهم أن يحتكروا هذا المناطق ويتركونها خالية من الناس حتي يتم استنزافها بعيدا عن أعين الكافة .
شرحت هذا الكلام في الاجتماع الذي عقد بين ممثلين عن أهالي النوبة وبين ممثلين عن الحكومة تمثلوا في رئيس الوزراء الأسبق الدكتور عصام شرف وعدد ستة وزراء آخرين منهم وزير الداخلية ، والذي أسفر عن الاتفاق علي إنشاء هيئة لإعمار منطقة ضفاف البحيرة وقري النوبة القديمة ، وجدير بالذكر أن بعض أهالي النوبة اقترح أن يكون الاسم هيئة إعمار قري النوبة القديمة ، فقلت له ، إن أهالي النوبة لم يطلبوا في أي مرحلة من المراحل أن يقتصر أمر العودة عليهم ، والمساحات هناك أكبر من المطالبة بتخصيصها لأهالي النوبة وحدهم ، فأنا أري أن تسمية الهيئة بإعمار قري النوبة القديمة سوف يُصدر للآخرين رسالة سلبية هي في الأصل ليست موجودة في أذهان النوبيين ، واختتمت كلامي بالمطالبة أن يكون اسم الهيئة " هيئة إعمار ضفاف بحيرة ناصر وقري النوبة القديمة " ، ووافق الحضور علي الاسم الجديد وتم إثباته في محضر الاجتماع .
وقد نشرت بوابة الأهرام خبرا عن الاجتماع بتاريخ 12/9/2011 لازال منشورا علي موقع جوجل بعنوان " مشروع قومي لإعادة توطين أهالي النوبة في مناطقهم القديمة " ، جاء فيه :
" عقد الدكتور عصام شرف رئيس مجلس الوزراء اجتماعا موسعا أمس مع ممثلي وقادة أبناء النوبة ، بحضور عدد من الوزراء المعنيين ، وقادة الرأي وبعض الشخصيات الحزبية والعامة وممثلي الدبلوماسية الشعبية .
وصرح السفير محمد حجازي المتحدث باسم مجلس الوزراء بأنه تقرر خلال الاجتماع البدء في دراسة مشروع شامل يضمن إعادة توطين أهالي النوبة في مناطقهم القديمة ، وذلك علي ضفاف بحيرة ناصر جنوب السد العالي ، ليكون مشروعا قوميا لتعمير مناطق جنوب الوادي ، ولبناء قري النوبة القديمة.
كما أوصي الاجتماع بإنشاء هيئة تنموية عليا تابعة لمجلس الوزراء لتنمية مناطق ضفاف بحيرة ناصر وجنوب السد العالي وقري النوبة القديمة ، بما يضمن تحقيق التنمية المستدامة ومراعاة المحددات والاشتراطات البيئية عند تحديد الأنشطة التنموية والمستقبلية ، مع مراعاة أن يمثل فيها شخصيات نوبية عامة ومن الكوادر العلمية النوبية المختلفة.  
وقال إن اللجنة الوزارية المشكلة لهذا الشأن تدرس باقي طلبات أهالي النوبة ، ومنها بحث مشاكل متضرري خزان أسوان ، وتم خلال اجتماع شرف مع الناشطين الذي حضره وفد الدبلوماسية الشعبية الذي يضم حمدين صباحي والنائب السابق علاء عبد المنعم والنائب محمد العمدة نائب دائرة كوم أمبو والدكتور ممدوح حمزة والناشط السياسي جورج اسحق ، وعدد من نشطاء النوبة ، إضافة إلي وزراء الكهرباء والإسكان والزراعة والثقافة والإعلام ـ إقامة هيئة عليا لتنمية وتعمير مناطق ضفاف البحيرة خلف السد العالي، وجنوب البحر الأحمر علي غرار الهيئة العليا لتنمية سيناء، وإنشاء وحدات سكنية وتخصيص أراض للمهجرين ".
هذا ما وصلنا إليه في هذه القضية بالغة الأهمية من نجاح ، " الموافقة علي إنشاء هيئة لإعمار ضفاف البحيرة وقري النوبة القديمة " ، وهو نجاح ليس للنوبيين فقط ، وإنما للشعب المصري كله ، وفتح فرص عمل لكل شباب مصر ، ولكن للأسف كيف يحدث ذلك ، كيف تحدث تنمية لمنطقة ضفاف البحيرة ، لا يمكن أن يحدث ذلك ، ومن يريد أن يعرف سبب الحرص علي إخلاء المنطقة ، فليقرأ سلسلة مقالاتي والتي عنوانها " السيسي والعسكر ونهب مصر " ، ليعرف من الذي يريدها خاوية علي عروشها لكي يستنزف كنوزها وخيراتها ، وينقلها إلي العاصمة عبر شركته للنقل النيلي .
كنت حزينا - وأنا داخل زنزانة محبوسا حبسا انفراديا بسجن العقرب شديد الحراسة ، وأخي أحمد العمدة المحامي سجين بسجن قنا وهو لم يخرج حتي الآن ، وآلاف غيرنا خلف القضبان من خيرة أبناء مصر ومثقفيها - حين شارك بعض من أهالي النوبة في إجراءات ما بعد الانقلاب ، حين شاركوا في لجنة الخمسين لوضع الدستور ، وحين قبل الأديب النوبي الفاضل المحترم أن يشارك بمقالات في صحيفة الوطن الانقلابية المملوكة لرجل أعمال ممن يساهمون بكل قوة للقضاء علي التجربة الديمقراطية في مصر وبتكلفة وأموال لم يمتلك مثلها قارون ، فليست هذه طبيعة أهل النوبة أن يتجاهلوا أن هذا الانقلاب قام علي قتل آلاف المصريين واعتقال وتعذيب آلاف غيرهم ، وأحكام تصدر كذلك الحكم الذي أصدرته محكمة دنشواي ، كنت حزينا علي تغير موقف الفنان الراقي المثقف السياسي محمد منير الذي غني أجمل أغاني ثورة يناير المجيدة .
ومن حقي أن أحزن لأني كنت أحضر مؤتمرات أهالي النوبة التي لم يكن يحضرها أعضاء مجلس الشعب النوبيين أنفسهم ، رغم أنهم كانوا كثيرين في برلمان 2005 ، منهم نواب عن أسوان وآخرين عن القاهرة وآخرين عن إسكندرية ، وكنت أتساءل في نفسي ، ما لأهالي النوبة لا يتذكرونني ولا يتذكرون أخي وكل من هو مثلنا .
والذي كان يحزنني أكثر من هذه الأسباب الشخصية أنني علي يقين أن حكم العسكر لا يمكن أن يكون فيه خير إلا للعسكر وتلك القلة التي تدعم حكمهم من بعض المؤسسات التي تمتلك بعض آليات قوة الدولة ولديها الاستعداد والقابلية لتسخيرها لدعم حكم العسكر بمقابل ، فكيف لا يلتفت أهالي النوبة إلي ذلك وهم لم يحققوا شيئا من مطالبهم طوال عهد مبارك ، بل ولم يسلموا خلال هذا العهد البائس من الاتهامات بالعمالة ، والرغبة في الاستقلال والانفصال عن مصر ، كيف ابتلعوا الطعم وراحوا ينضمون إلي الانقلاب ليعود حكم العسكر من جديد .
وكما انقلب السيسي علي كل الشعب وعلي كل فئة من فئاته علي النحو الذي أوضحناه في العديد من المقالات منها ، " السيسي ينقلب علي الموظفين العموميين بالدولة " ، و " السيسي ينقلب علي الجامعات المصرية " ، و " السيسي ينقلب علي الشباب العاطل " ، وهي مقالات منشورة علي موقع " جوجل " ، فقد انقلب السيسي علي أهالي النوبة أيضا ، وانقلب علي مشروع الهيئة التي كانت الدولة قد عزمت إنشاءها ، وهي " هيئة إعمار ضفاف البحيرة وقري النوبة القديمة " ، فقد نشرت العديد من الصحف ومنها صحيفة " فيتو " التي نشرت بتاريخ 3/12/2014 تقريرا بعنوان " الجريدة الرسمية تنشر قرار السيسي بتحديد المناطق المتاخمة للحدود " ، جاء فيه :
" نشرت الجريدة الرسمية اليوم الأربعاء، بالعدد 48 مكرر أ ، قرار الرئيس عبد الفتاح السيسي رقم 444 لسنة 2014 ، بشأن تحديد المناطق المتاخمة لحدود جمهورية مصر العربية والقواعد المنظمة لها ، وذلك بناءً على ما عرضه القائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع والإنتاج الحربى .
ونصت المادة الأولى من القرار على ضرورة العمل بالقواعد المرفقة بالقرار لتأمين المناطق المتاخمة للحدود الغربية والجنوبية والشرقية لجمهورية مصر العربية والمحددة على خريطة مقياس رسمها 1  : 2000000.
كما نصت المادة الثانية على استثناءات القواعد المرفقة بالقرار، وهى المناطق الحدودية على كل الاتجاهات الإستراتيجية ، وبعض المدن مثل السلوم وسيدي برانى وسيوة وحلايب ورفح عدا 5 كيلومترات غرب خط الحدود الدولية.
كذلك بعض الطرق مثل طريق مرسي مطروح والسلوم وسيوة والواحات البحرية وشلاتين ومنفذ حدربة وأسوان ، بالإضافة إلى الطريق الأسفلتى من منطقة حجر الشمس وحتى منفذ قسطل بطول 35 كم والطبان الخاص به بعرض 50 مترًا على جانبية وامتداد الطريق الساحلى الدولى العريش ورفح حتى منفذ رفح البرى بعرض 50 مترًا على جانبي الطريق .
ونص القرار على إلغاء القرار الجمهوري رقم 204 لسنة 2010 بشأن تحديد المناطق المتاخمة لحدود جمهورية مصر العربية والقواعد المنظمة لها .
فقد حدد القرار سالف الذكر في بنده ثانيا المناطق المتاخمة للحدود الجنوبية ، ومن ثم محظور الإقامة فيها ، وقسمها إلي منطقتين ، وحدد الحدود لكل منطقة علي نحو يترتب عليه هدم فكرة العودة إلي ضفاف البحيرة سواء لأهالي النوبة أو لغيرهم ، هذا بالرغم من الاتفاق الذي تم مع الدكتور عصام شرف علي النحو الذي أوضحناه ، وبالرغم من تضمين حق العودة في دستور الانقلاب .
ولقد شعر أهالي النوبة بذلك فبدأ حراكهم ، وبدأت الأجهزة الأمنية وغيرها تسوف معهم كما كان يسوف معهم مبارك ونظامه منذ ثلاثين عام ، والذي هو نفسه نظام السيسي ، وبالطبع المقصود من التسويف أن يلتقط الانقلاب هدنة أملا في أن يستتب له الأمر ، وتخضع له كل الرؤوس ، أما أن يتصور أحد أن العسكر يمكن أن يتراجع في مثل هذه القضية تراجعا إراديا ، فهو واهم ، لأن هذه المنطقة من المناطق الاستثمارية والتي سوف تترك لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية ، ليقرر كيفية استثمارها لصالح القوات المسلحة مثل كافة الشركات والمصانع والمشروعات الخاصة بالاستفادة من المعادن والمحاجر علي النحو الذي كشفناه في مقال " السيسي والعسكر ونهب مصر (5) " .
إلي الشعب المصري كله ، إلي إخواني أهالي النوبة ، علينا أن نتعلم الدرس ، لا يمكن أن يكون في أي حكم عسكري خيرا لأي شعب ، يجب علينا أن نصمم علي تحول مصر إلي دولة ديمقراطية ، لا أن نترجى العسكر أن يجودوا علينا بالفتات .
وكيل لجنة الشئون الدستورية والتشريعية ببرلمان الثورة .



 


ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق