الاثنين، 19 سبتمبر 2016

الأقباط يدعمون " دقلديانوس " المسلمين .




يحدثنا " كتاب الاستشهاد " في فكر الآباء للقمص " أثناسيوس فهمي جورج " عن الاضطهاد العاشر في عهد دقليديانوس " ديوكلتيانوس" سنة 284 م  ( بدء التقويم القبطي على رسم الشهداء ) ، فيقول :

نظرة في تُراثنا التاريخي نصل بها إلى عام 284 م الذي اعتلى فيه " دقلديانوس " العرش الإمبراطوري في روما  ، تُرينا أنه في البداية أظهر تعاطُفًا كبيرًا مع المسيحيين ، وفي عام 286 م أشرك " مكسيميان " معه في الحكم ليكون إمبراطور الشرق ومنذ ذلك الوقت ذاق المسيحيون كأس الاستشهاد واصطبغوا بها ثانيةً ، مثل "زوئي" زوجة السَّجان ، التي كانت تعتني بالشُهداء الذين تحت حراسة زوجها ثم تنصرت ، فعُلِّقت على شجرة تشتعِل بالنار في جذعها ، ثم أُلقِيت في نهر وقد عُلِّق حجر كبير في عُنُقها.

وفي عام 286 م اِستُشهِدت " الكتيبة العسكرية الطيبية " عن آخرها وكان كل أفرادها من أبناء الأقصر ، لأنهم رفضوا الإذعان لأمر الإمبراطور مكسيميان بتقديم الذبائِح للأوثان والنطق بالقَسَمْ على إنهاء المسيحية في بلاد الغال - التي أرسل إليها أفراد هذه الكتيبة - وكان ذلك في 22 سبتمبر عام 286 م.

وأصدر " دقلديانوس " مع زميله " غاليروس " منشورًا بهدم كل الكنائِس المسيحية وإحراق الكتب الكنسية ، واعتبار المسيحيين خارجين عن القانون .

وفي 25 نوڤمبر عام 311 م وبأمر الإمبراطور " مكسيميان " الذي كان يملُك على الشرق استُشهِد " البابا بطرس " البطريرك السابِع عشر في خلافِة "مارمرقُس" الرسول .

ويقول " يوسابيوس " المؤرِخ الكنسي ، أنَّ في مصر كان يوجد جمع غفير لا يُحصى من المؤمنين مع زوجاتِهِم وأطفالِهِم ممن عانوا من كل أنواع العذابات والموت من أجل الإيمان .

وفي عصر " دقلديانوس " قام " أريانوس " والي " أنصِنا " بتعذيب عدد كبير من المسيحيين في بلاد الصعيد منهم : الشهيدة " دُولاجي" الأُم وأبنائها ، والقديس " أبو قلتة " ، والأنبا " بضابا " الأسقف وغيرهم آلاف آلاف ..

ويذكُر التاريخ أنَّ هذا الوالي قد تنصَّر إثر معجزة باهرة حدثت له آمن على أثرها بالمسيح ، وأرسل إلى الإمبراطور دقلديانوس رسالة يُجاهِر فيها بإيمانه ويندم على كل الاِضطهاد الذي أوقعه على المسيحيين ، فأمر الإمبراطور بقتله.

ويقول المُدافِع والعلاَّمة " ترتليان " عن تقييمه لعدد شُهداء مصر من المسيحيين :
" لو أنَّ شهداء العالم كله وُضِعوا في كفة ميزان ، وشهداء مصر في الكفة الأخرى ،  لرجحت كفة المصريين “.

ويُقدَّر عدد شهداء الأقباط بحوالي ثمانمائة ألف شخص .
وعبَّر أيضًا العلاَّمة " ترتليانوس " عن قوة المسيحية ونقاوة فضائِلها ومدى انتشارها بلا سند من قوة زمنية ، وهو الذي عاصر الاضطهادات دون أن يرى نهايِتها – بقوله " دِماء الشهداء بِذار الكنيسة ".

لقد كان امتناع المسيحي عن بعض ممارسات الحياة الوثنية كفيلًا بكشف أمره وهكذا كان يُمات كل ساعة. 
( انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى ) .

وهكذا كانت الشهادة كل النهار ، كل خطوة تنطوي على اعتراف حَسَنْ وشهادة أمينة لله لذلك كان سيف الموت مُسلَّط دائِمًا على رِقاب المسيحيين - بحسب تعبير العلاَّمة " ترتليان " - لأنه لا يجوز للمؤمن أن يشترِك مع الوثنيين في الملبس والمأكل أو في أي مظهر ، علاوة على امتناع المؤمنين عن بعض الحِرَف التي لها صِلة بعبادة الأصنام ، وتركهم لها فجأة كان يُعرِّضهم للمحاكمة العامة..

وقد أورد كلٍ من " يوسابيوس القيصري " في تاريخه الكنسي والعلاَّمة " ترتليان " والشهيد " يوستين " الشهيد في دفاعياته كيف كان المسيحيون يُستبعدون من المناصِب العامة ومع ذلك كانوا يُحبون الإمبراطورية ويُصلُّون من أجل العدل والسلام ، ولكنهم لا يعبدون الأباطرة ، مُظهرين غيرة شديدة نحو الإيمان .

واعتُبِرَت المسيحية أبشع جريمة يموت من أجلها كل من دُعِيَ عليه اسم المسيح ، فضلًا على أنَّ الدُهماء والغوغاء اضطهدوا الكنيسة أشد اضطهاد ، وها التاريخ يُعيد نفسه ، فأحيانًا بالاِقتحام والسلب ، وأحيانًا بالتحطيم والحرق والسطو ، كما حدث في زمان البابا " ديونيسيوس الأسكندري ".

أخيرًا لا بُد أن نُشير إلى أنَّ تلك الاضطهادات ، هي الحرب التي صنعها الوحش مع الخروف الجالِسة عليه امرأة سكري من دم القديسين ودم شُهداء يسوع . 
( رؤيا 17:  3 ) .

ويذكُر التقليد الكنسي أنه في سنة 313 م وفي مدينة ميلانو صدر مرسوم للتسامُح مع المسيحيين ، يُعرف باسم " مرسوم ميلان " أُعطِيت به الحرية الدينية للمسيحيين ، وكان هذا على يد الإمبراطور " قسطنطين " المُحِب للإله ، الذي يُعتبر آخر الأباطِرة الوثنيين وأول المسيحيين .

لقد تفاقم الإحساس بالمرارة من الاِضطهاد الطويل الذي عانت منه الكنيسة ، وقد كان " ترتليان " والشهيد " يوستين " والمُدافِع " لكتانتيوس " أول من دافع عن حرية العقيدة ، وواجهوا الوثنيين بأنَّ ( الدين أساسًا هو مسألة إرادة حرة وأنه ينتشر بالإقناع لا بالفرض ، بالتعليم لا بالقوة الجبرية ).

وفي موسوعة " حقائق مصر القديمة " وتحت عنوان " دقلديانوس يرسم سياسة باضطهاد الأقباط فى مصر " يقول المؤلف :
وبالرغم من ذلك يقول " هـ آيدرس بل " :

" إنه لمن الخطأ أن نعتقد أن الاضطهاد كان حملة متصلة ، وأن الحكومة الرومانية اضطهدت المسيحيين بسبب عقائدهم الدينية بالذات ، فقد كانت متسامحة كل التسامح في المسائل الدينية ، ولم تحاول أن تستأصل شأفة أي عبادة جديدة إلا بحجة منافاتها للمبادئ الأخلاقية ، أو تعارضها مع السياسة العامة ، وكان المسيحيون في نظر السلطات مواطنين أشرارًا ، وعنصرًا خطرًا في المجتمع ؛ لأنهم كانوا يترفعون عن ممارسة شعائر الديانة الرسمية ، ولا يقدسون صور الأباطرة ، غير أنه كان هناك دائمًا بين الوثنيين من كان مستعدًّا للتستر على أصدقائهم المسيحيين ، كما كان حكام الولايات يحجمون أشد الإحجام في معظم الأحيان عن تطبيق قانون العقوبات عليهم ، ولم يكن الاضطهاد عامًّا إلا عند حدوث كارثة قومية أو هياج شعبي ، وكما قال " ترتو ليانوس " : فإذا فاض نهر التيبر على الجسور ، أو غاض ماء النيل فلم يبلغ الحقول ، أو أمسكت السماء عن المطر ، أو زلزلت الأرض ، أو حدثت مجاعة أو انتشر وباء تعالت الصيحات على الفور : " اقذفوا بالمسيحيين إلى الأسود " ، وفي تلك الأوقات كان بين الناس من يعوزهم الجَلَد ، وكان كثير منهم يصمدون للمحنة".

هكذا يتضح لنا أن الإمبراطور دقلديانوس وصف أقباط مصر بالجماعة الخارجة عن القانون ( الخوارج ) ، ووصفهم بالجماعة الإرهابية التي تمثل خطرا علي الإمبراطورية الرومانية ، ورتب علي هذه الأوصاف استباحة دمائهم وتعذيبهم وأعراضهم وأجسادهم في مجازر جعلت المؤرخين يصفون هذا العصر بعصر الشهداء .

كان ينبغي إذن علي أقباط مصر الذين عاني آباؤهم من اضطهاد " دقلديانوس " أن يكون لهم موقفا معارضا للسيسي وهو من يصح وصفه بدقة أنه " دقلديانوس المسلمين " في مصر .

نعم السيسي دقلديانوس المسلمين في مصر الذي وصفهم بأنهم مليار مسلم يريدون التخلص من باقي العالم لكي يعيشوا هم ، ووصف إسلامهم بالإرهاب فأعلن عما سماه " ثورة التصحيح الديني " زاعما أن القدماء استبعدوا ستمائة ألف حديث نبوي ، وأنه لابد من البدء في إزالة أحاديث أخري و نصوص مقدسة أخري قاصدا آيات من القرآن الكريم بعد أن عرض قوله تعالي " وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ  وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ " الأنفال - 60 "

نعم السيسي دقلديانوس المسلمين في مصر الذي يري مساجدهم مصدرا للإرهاب ، فراح يكلف المصلين برسوم الكهرباء والمياه توصلا لقطعهما عن المساجد وغلقها في القريب العاجل ، وراح يوزع خطبة موحدة علي أئمة المساجد في كل صلاة جمعة حتي يحجب عن المسلمين إسلامهم الذي يري أنه أساس الإرهاب في العالم ، وراح يغلق العديد من المساجد الكبرى تحت مسمي دواعي أمنية ، وراح يمنح ضبطية قضائية لأئمة من الأوقاف حتي يشددوا الحصار علي المساجد وأئمتها وروادها من المصلين ، وراح يعد لنشر كاميرات في المساجد وكأنها كهوف لعصابات كولومبيا ، وراح يسعي لمنع الآذان في مكبرات الصوت حتي لا يتسبب الآذان في إزعاج غير المسلمين .

نعم السيسي دقلديانوس مسلمي مصر الذي راح يحمي إسرائيل من إرهابهم بتدمير مدينة رفح التاريخية وتهجير أهلها تهجيرا إجباريا ، ويدمر أنفاق غزة ، ويشن حرب شعواء علي المصريين في سيناء في معركة لا يعلم أحد من الشعب المصري حقيقة ما يدور فيها ، ولا من يتم قتله بعد أن أغلق سيناء علي أهلها ومنع عنها وسائل الإعلام حتي يرتكب جرائمه في سرية تامة .

نعم السيسي دقلديانوس المسلمين في مصر الذي راح يستعين بأئمة النفاق من رجال الدين المنتفعين المتسلقين ليشحنوا ضباط الجيش والشرطة والجنود الذين لا يحملون أي مؤهل دراسي ، ليشحنهم جميعا بأن معارضي دولة العسكر خوارج فاقتلوهم حيث وجدتموهم مستخدما أحاديث الخوارج التي استبعدها العلماء الثقات لتعارضها مع حرمة الدماء ولكونها أحاديث تنتمي إلي زمن الفتنة بين سيدنا علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان ، ليس ذلك فحسب بل وعلي صفحة من صفحات الفيس بوك منسوبة للسيسي نفسه بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة المشير / عبد الفتاح السيسي ، وضعت الصفحة حديثا من هذه الأحاديث الضعيفة وأضافت إليه أوصاف للخوارج لم ترد في الحديث مثل ( غزيرو اللحية ، مقصرين الرؤوس ، مقصرين الثياب ) حتي يوحي بأن الحديث مخصص لأبناء التيار الإسلامي الذين يتبعون هذه الأوصاف علي كونها سنن عن النبي صلي الله عليه وسلم ، فيما ينم عن شخصية في غاية الخطورة تستبيح أي شئ لتحقيق رغباتها لدرجة إطلاق فتاوي بالقتل الجماعي غير المشروط لمعارضيه أيا وصل عدد القتلى والضحايا .

نعم السيسي دقلديانوس المسلمين في مصر الذي استباح قتلهم عمليا في عشرات المجازر التي قتل فيها آلاف من شباب مصر ، و اعتقل آلاف منهم ، ولم يستثن حتي الفتيات والأطفال والنساء وطالبات الجامعات بما يخالف طبيعة المصريين ونخوتهم وشهامتهم وأسلوبهم في التعامل مع النساء .

كان ينبغي علي الأقباط أن يجتنبوا السيسي حفاظا علي أرواح وسلامة إخوانهم المسلمين مما يتعرضون له من اضطهاد علي أيدي السيسي دقلديانوس مسلمي مصر ، لكنهم للأسف وقفوا مع السيسي في حربه ضد مسلمي مصر وقفة لا يمكن أن يقفها معه أحد من أهل بيته ، ولا أري أنني في حاجة لضرب أمثلة ، فالأمر أصبح واضحا مرئيا جليا للأعمى قبل البصير .

لقد كشف الانقلاب حقيقة التحالف بين العسكر والأقباط منذ عام 1952 تحت رعاية الغرب ، فالأقباط مرتبطون بالمنظومة العالمية بقيادة أمريكا وإسرائيل والقائمة علي حظر الديمقراطية في العالم الإسلامي حتي لا يظهر للهوية الإسلامية أثرٌ سواء في السياسات الخارجية أو الداخلية لهذه الدول ، والاكتفاء بنظام عسكري عميل ينفذ لهم أوامرهم في الشرق الأوسط بالكامل وهو ما سبق أن أسهبنا في توضيحه في مقالات سابقة .

لكن نصيحتي للأقباط وأولهم البابا تواضروس ، إن ما تقومون به خطير للغاية لأنكم تدعمون السيسي في قتل واعتقال وتعذيب لكافة مسلمي مصر من مختلف التيارات السياسية ، معركتكم بالتحالف مع العسكر لا تستثني أحدا في مصر ممن يرفض دولة العسكر ، وحجم الكبت في نفوس المسلمين فوق ما تتخيلون لكنه مكبوت تحت تهديد السلاح .

أقول لإخواني الأقباط من العقلاء الذين يفهمون ما أقول ، ماذا لو سقط السيسي وهو لا محالة ساقط بحكم العقل والمنطق ، فبأي وجه سوف تتعاملون مع إخوانكم المسلمين الذين شاركتم في قتلهم واعتقالهم وتعذيبهم .

أقول لكم أخيرا ليس عيبا أن نخطئ ، لكن العيب كل العيب أن نصمم علي الخطأ ونحن نعلم أنه خطأ ، لاسيما حين يرقي الخطأ إلي وصف الإجرام والعبث بأرواح وأعراض وأجساد شركائكم في الوطن الذين تعيشون معهم مما يزيد عن الألف عام ، تتشاركون الأفراح والأحزان وتتجاورون في كل مكان وبينكم وبينهم مودة حقيقية ، وليست مسلسلات ولا أفلام .

إن التحالف مع الشعوب باقي إلي يوم القيامة ، لأن الشعوب باقية قلما أن تزول ، أما التحالف مع أنظمة مستبدة فهو كلعب القمار أو كاللعب بالنار لأن الأنظمة المستبدة لا تدوم مهما طال الزمن .
وكيل لجنة الشئون الدستورية والتشريعية ببرلمان الثورة .


ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق