السيسي وعلي جمعة كرمزين للحاكم المستبد
وحاشية السوء من رجال الدين أو هكذا هم موصوفين ، بينما هم في الحقيقة من
المنافقين الذين حجزوا أماكنهم في الدرك الأسفل من النار تصديقا لقول رب العالمين
:
" إنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن
تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا " سورة النساء – 145
رجال الدين من حاشية السلاطين الذين ابتكر
بعضهم نظريات فقهية فاسدة مثل " نظرية الإمامة" عند الشيعة الاثني عشرية
التي تحصر حكم المسلمين - منذ وفاة النبي صلي الله عليه وسلم وحتي قيام الساعة -
في نسله من جهة ابنته فاطمة وزوجها علي بن أبي طالب ، بحيث ينقل كل إمام حكم
المسلمين إلي ابنه وهكذا ، وكأن دعوة الإسلام عقار أو منقول تتوارثه عائلة النبي ،
وهو الأمر الذي يطرحه العقل والمنطق جانبا قبل أن تنفيه الشرائع السماوية ، أو "نظرية ولاية العهد" التي ملكت
الشعوب الإسلامية للملوك ، حيث منحت الملك حق اختيار من يخلفه في حكم الرعية ، حتي
أصبح كل ملك ينقل ملكية الشعب إلي من يختاره من أهل بيته ، أو "نظرية الحاكم
المتغلب" التي تجعل الوصول للحكم جائزا بأي عمل من أعمال الهمجية والبلطجة ،
وغير ذلك من النظريات التي أهدرت حق العالم الإسلامي كله في اختيار من يحكمه ،
وجعلت اختيار الحاكم علي مر التاريخ الإسلامي سببا للحروب التي قتلت من المسلمين
أعدادا لا يعلمها إلا الله عز وجل وجعلتهم في ذيل الأمم بعد أن كان صعودهم أسرع من
صواريخ " ناسا ".
رجال الدين من حاشية السلاطين الذين يصدرون
الفتاوى بقتل كل من يخرج عن ولي نعمتهم
بحجة تحقيق الأمن والاستقرار ، وهم في الحقيقة يريدون الاحتفاظ بالعطايا
التي يحصلون عليها مقابل ما يبذلوه من نفاق لصالح الملك أو السلطان وعائلته
وأنصاره .
للأسف الشديد أن نموذج السيسي كحاكم ظالم
يحكم بغير إرادة شعبه ، ونموذج مفتي مصر السابق علي جمعة كشيخ من شيوخ السلاطين ،
كانا هما النموذجين الغالبين علي مر أكثر من ألف عام من التاريخ الإسلامي ، وعاني
المسلمون من هذه النماذج معاناة شديدة تشيب من قصصها الرؤوس .
ولعل من أسباب استمرار أنظمة الحكم المستبدة
في العالم الإسلامي هو استسلام المسلمين لهؤلاء الحكام تحت وطأة التعذيب والقتل
والتمثيل بالقتلى كنوع من أنواع الترهيب والإرهاب لعامة الناس، ومع ذلك لم تخلو
الساحة ممن قاوم ظلم هؤلاء الحكام ومشايخهم ، ولم يخضع لهم رغم البطش والتنكيل علي
نحو جعلهم أمثلة فريدة داخل حالة الاستسلام التام لعامة المسلمين ، وهو الأمر الذي
يستوجب لنا إحياء هذه الأمثلة ونشر بطولاتها لعل العامة يحذون حذوها في مواجهة
الظلم والاستبداد .
ومن هذه الأمثلة علي الصمود في مواجهة الظلم
والاستبداد وعدم الرضوخ للحاكم الظالم ، ذلك الصمود الأسطوري للإمام/ أحمد بن حنبل
في مواجهة الخليفة المأمون والخليفة المعتصم من بعده بصحبة شيخه المنافق "
أحمد بن أبي دؤاد " .
وعن صمود الإمام " أحمد بن حنبل " يقول
الأستاذ / شريف عبد العزيز :
في بداية الحديث عن تاريخ المحن التي تعرض لها علماء الأمة ، لا يسعنا
الحديث إلا أن نبدأه بأشد هذه المحن وأعظمها وأخطرها ، ألا وهي محنة القول بخلق
القرآن ، والتي تعرض لها " الإمام أحمد بن حنبل " رحمه الله ، وهي
المحنة التي تأتي على رأس قائمة المحن التي تعرض لها علماء الأمة الربانيون
..............
ظل " الخليفة المأمون " معتنقًا لهذه العقيدة الضالة ولا
يجبر أحدًا على اعتناقها ويتردد ويراقب الشيوخ والعلماء والمحدثين وهو يخشى
مكانتهم وتأثيرهم على جماهير المسلمين ، وفي نفس الوقت يحاول استمالة من يقدر على
استمالته منهم ، فلما رأى إعراض العلماء عن القول ببدعته زين له " أحمد بن
أبي دؤاد" و "بشر المريسي" أن يجبر العلماء وذلك بقوة الدولة وحد
التهديد والوعيد .
وبالفعل سنة 218هـ أمر "المأمون العباسي" قائد شرطة بغداد
العاصمة " إسحاق بن إبراهيم " بأن يجمع كبار الفقهاء والعلماء والمحدثين
ويمتحنهم في القول بخلق القرآن ، وقرأ عليهم كتاب المأمون الذي يفيض بالتهديد
والوعيد وقطع الأرزاق والعزل من المناصب لمن يرفض القول بخلق القرآن ، ومن يومها
بدأت فصول المحنة العظمى التي تحمل "الإمام أحمد بن حنبل" وحده عبئها
والوقوف في وجه أربابها ودعاتها.
حُمل "الإمام أحمد" ومن معه من العلماء إلى دار السلطان
وأخذ "إسحاق بن إبراهيم" قائد الشرطة في امتحانهم ، ومع جدية التهديد
أخذ العلماء الواحد تلو الآخر يجيب بالقول بخلق القرآن ، فلما رأى "أحمد بن
حنبل" الناس يجيبون وكان من قبل رجلاً لينًا ، انتفخت أوداجه واحمرَّت عيناه
وذهب ذلك اللين وغضب لله عز وجل وجهر بالحق ، وبعد أول يوم لامتحان العلماء عاد
الإمام أحمد بن حنبل إلى مسجده وقعد للدرس والتحديث ، فالتف حوله الناس وسألوه عما
جرى وألحوا في معرفة من أجاب من العلماء في هذه المحنة ، فرفض بشدة وكره الإجابة
على هذا السؤال ، ولكن الأمر قد انتشر بسرعة بين الناس وعُرف من أجاب ممن رفض .
وصلت أخبار الامتحان "للخليفة المأمون" وكان وقتها مقيمًا "بطرسوس"
على الحدود مع الدولة البيزنطية ، فتغيظ بشدة ممن رفض القول بخلق القرآن وطلب من
قائد شرطته "إسحاق بن إبراهيم" أن يجمع العلماء مرة أخرى ويمتحنهم ويشتد
في التهديد والوعيد ، وبالفعل اشتد إسحاق في التهديد حتى أجاب كل العلماء ما عدا
أربعة : ( أحمد بن حنبل ، ومحمد بن نوح ، والقواريري ، وسجَّادة ) ، فقام إسحاق
بحبسهم وتهديدهم بالضرب والحبس ، فأجاب سجَّادة والقواريري فخرجا من السجن وبقي "أحمد
بن حنبل" و "محمد بن نوح" ، فأرسل بخبرهما "إسحاق" إلى
الخليفة المأمون الذي استشاط غضبًا وأمر بحملهما مقيدين زميلين إلى "طرسوس"
، وقد أقسم ليقتلهما بيده إذا لم يجيبا في هذه الفتنة ، بل أشهر سيفًا ووضعه
بجانبه استعدادًا لقتلهما إذا أصرا على الرفض .
حُمل "أحمد بن حنبل" و "محمد بن نوح" من بغداد
إلى طرسوس ، وفي الطريق وقعت عدة حوادث كان لها أثر كبير في تثبيت الإمام أحمد
ورفيقه ، ودللت أيضًا على أن الناس كانت كلها وراء الإمام وتؤيده وإن كانت لا تملك
له شيئًا ، فقد قابله بالرحبة ( موضع على شاطئ الفرات على بعد مائة فرسخ من بغداد )
رجل من عامة المسلمين يعمل في غزل الصوف والشعر، قد جاء لمقابلته خصيصًا من بادية
العراق ليقول له :
" يا أحمد إن يقتلك الحق مت شهيدًا وإن عشت عشت حميدًا ، وما
عليك أن تقتل هاهنا وتدخل الجنة " ، فقوي قلب الإمام أحمد بهذه الكلمات .
ثم بعد فترة استراح الركب في خان بالطريق للمسافرين ، وفي الخان قابل
الإمام أحمد أحد أصدقائه القدامى واسمه "أبو جعفر الأنباري" ، والذي عبر
الفرات للقاء الإمام أحمد قبل سفره إلى "طرسوس" ، فلما رآه الإمام أحمد
قال له :
يا أبا جعفر تعنيت ( أي كلفت نفسك مشقة السفر وعبور الفرات ).
فقال له أبو جعفر :
" يا هذا أنت اليوم رأس ، والناس يقتدون بك ، فوالله لئن أجبت
إلى خلق القرآن ليجيبن خلق ، وإن أنت لم تجب ليمتنعن خلق من الناس كثير ، ومع هذا
فإن الرجل إن لم يقتلك فإنك تموت ، لابد من الموت ، فاتق الله ولا تجب " .
فجعل الإمام أحمد يبكي ويقول :
" ما شاء الله ، ثم قال : يا أبا جعفر أعد عليَّ ، فأعاد عليه ،
وأحمد يبكي ويقول : ما شاء الله ".
وفي طريق السفر كان الإمام أحمد يتهجد ويصلي في جوف الليل ويدعو الله
عز وجل أن لا يرى المأمون وألا يجتمع معه أبدًا ، ويلح في الدعاء ، وفي رجب سنة 218هـ
وقبل أن يصل الإمام أحمد ورفيقه محمد بن نوح إلى طرسوس هلك المأمون فجأة بلا مرض
ولا تعب ، فراح ضحية سهم من سهام الليل من قوس مظلوم بوتر مكلوم هو دعاء الإمام
أحمد عليه.
وبعد وفاة "الخليفة المأمون" وتولي "الخليفة المعتصم"
تجلى صمود الإمام أحمد حيث أصبح وحده في الميدان بعد أن مات "محمد بن نوح"
تحت وطأة الحبس والتنكيل ، ورغم أن الخليفة المعتصم لم يكن من أهل الفكرة ولا
يعتقدها في الأساس ، ولكنه خاض في الفتنة وانغمر فيها لأن أخاه المأمون قد أوصاه
بذلك ، فحمله حبه لأخيه المأمون لأن يعمل بوصيته ، بل يزيد عليها ، فكان أول قرار
أخذه المعتصم هو رد الإمام أحمد إلى بغداد وسجنه هناك في سجن ضيق مظلم والقيود في
يديه ورجليه حتى إنه أصيب بمرض شديد في شهر رمضان ، فنقلوه إلى سجن أوسع مع عموم
الناس ، ومكث في هذا السجن ثلاثين شهرًا.
وفي السجن أخذ رجال الاعتزال ورءوس الفتنة يأتونه واحدًا تلو الآخر
ليناظروه في خلق القرآن وهو يناظرهم وتعلو حجته حججهم ، وكلما غلبهم في المناظرة
اشتدوا عليه وضيقوا عليه وزادوا في قيوده ، وبعد عدة أيام وكانوا في شهر رمضان
بدأت فصول المناظرة العلنية بحضور الخليفة المعتصم نفسه.
ولنا أن نتخيل هذا المشهد المهول الذي حضره الإمام أحمد وحده وكان في
مجلس الخليفة المعتصم وفيه كل رجال البدعة والوزراء والقادة والحجَّاب والسيافون
والجلادون ، وكان الذي بدأ معه الكلام هو المعتصم نفسه وقد حاول استمالته وترغيبه
في أول الأمر ، ثم أمر علماء البدعة بمناظرته ، فهزمهم الإمام كلهم ، وهو يحتج
عليهم بالآيات والأحاديث والآثار وهم يحتجون بكلام الفلاسفة مثل العرض والجوهر
والشيء والوجود والقدم ، لذلك فقد علت حجته حجتهم والإمام يقول :
" أعطوني شيئًا من كتاب الله وسنة رسوله ".
وكان قائد الشرطة "عبد الرحمن بن إسحاق" ـ وهو بالمناسبة ابن
إسحاق بن إبراهيم القائد السابق ـ ممن يدافع عن الإمام أحمد ويقول للخليفة المعتصم
:
" يا أمير المؤمنين أعرفه منذ ثلاثين سنة ، وإنه ليرى طاعتك
والحد والجهاد معك ، وإنه لعالم وإنه لفقيه ".
ولكن في المقابل كان " أحمد بن أبي دؤاد " أشد الناس عليه
ويحرض المعتصم عليه بشدة ليقتله ويقسم له أنه ضال وكافر ومبتدع .
استمرت هذه المناظرة العلنية ثلاثة أيام وكانوا في شهر رمضان ،
والإمام ثابت لا يتزعزع وخصومه من حوله تتساقط شبههم وبدعهم ، حتى كان اليوم
الرابع وكان المعتصم قد ضجر من طول المناظرة وأغراه قاضي المحنة "أحمد بن أبي
داؤاد" ، حتى وصل التهديد للضرب والجلد ، وأحضرت الخشبة والسياط وشد أحمد على
العقابين ( وهما خشبتان يشد الرجل بينهما للجلد ) فخلعت يداه وهو صامد ، وعندها
أخذت المعتصم شفقة على الإمام وأعجب بثباته وصلابته ، ولكن " أحمد بن أبي دؤاد
" أغراه وقال له :
" يا أمير المؤمنين تتركه فيقال غلب خليفتين ؟ " ، فعمى
المعصتم لكلمته الشريرة وأمر بالإمام فأخذ الجلادون في ضربه بالسياط، يتناوبون على
ضربه ؛ هذا يضربه سوطين والآخر ثلاثة وهكذا ، حتى إذا بلغ سبعة عشر سوطًا قام إليه
المعتصم وقال له :
" يا أحمد علام تقتل نفسك ؟! إني والله عليك لشفيق " ، وجعل
عجيف أحد قادة الأتراك العسكريين في جيش المعتصم ينخسه بقائمة سيفه ويقول :
" أتريد أن تغلب هؤلاء كلهم ؟
وجعل بعضهم يقول :
" ويلك إمامك الخليفة على رأسك قائم "
وقال بعضهم :
" يا أمير المؤمنين دمه في عنقي ، اقتله "
وجعلوا يقولون :
" يا أمير المؤمنين أنت صائم وأنت في الشمس قائم "
والمعتصم يقول : ويحك يا أحمد ما تقول ؟
فيجيب الإمام بكل صمود وثبات :
" أعطوني شيئًا من كتاب الله أو سنة رسول الله أقول به " .
فيأمر المعتصم بمواصلة الضرب ، ثم قال له المعتصم مرة أخرى :
" أجبني إلى شيء فيه أدنى فرج حتى أطلق عنك بيدي " .
ومع ذلك ، الإمام صامد ، فأخذوا في ضربه حتى أغمي عليه من شدة الضرب
وقد تمزق ظهره من لهيب السياط.
بعد هذا الثبات العجيب التي تعجز عن مثله الجبال الراسيات ، أمر
المعتصم بإطلاق سراحه ، ولكن بعد أن فعل شيئًا في منتهى العجب والغرابة ، وهو
قيامه بإحضار أقارب الإمام أحمد وأهله وجيرانه وأشهدهم على أنه سليم البدن ، وذلك
خوفًا من ثورة الناس عليه إن حصل للإمام مكروه ، هذا على الرغم من قوة المعتصم
وشجاعته وسلطته ، ولكن قوة الحق وسلطة الصمود وشجاعة الثبات الذي عليه الإمام أحمد
كانت أكبر من ذلك كله ، وخرج الإمام أحمد وعاد إلى بيته بعد 28 شهرًا من الحبس
والضرب من سنة 218هـ حتى سنة 221هـ.
هذه قصة مقاومة الإمام أحمد بن حنبل في مواجهة الحاكم الظالم ومشايخه
من رجال الدين المنافقين ، إنها قصة تستحثنا للتساؤل :
- أليست الحرب التي يشنها السيسي علي الإسلام والمسلمين والتي لا
تخطئها عين كافية بأن يجمع رجال الدين الثقات أنفسهم لمواجهة هذه الحرب حتي لا
يخسروا دنياهم وأخراهم ؟
- أليس الاضطهاد الواقع علي ألوف المصريين لمجرد أنهم يرفضون الحكم
العسكري وينشدون لبلدهم حكما ديمقراطيا رشيدا يتفق مع أحكام الإسلام جديرا بأن يتحرك
رجال الدين لإنقاذ رعيتهم من المسلمين ؟
- ألم يكن خروج السيسي علي الحاكم الشرعي المنتخب من عموم المصريين
جديرا بتجميع العلماء لكي تكون لهم وقفة من أجل الحفاظ علي البلاد من أن يصبح
الحكم فيها بمدافع الدبابات وطلقات الرصاص الحي ؟
- أليست دماء المصريين من المسلمين التي سالت حتي أصبحت أنهارا جديرة
بأن تحرك رجال الدين تحركا جماعيا يطالبون فيه بوقف نزيف دماء المصريين ؟
- أليست سجون مصر التي امتلأت بخيرة أبنائها مبررا يحرك علماء الأمة
لإنقاذ شبابها مما يتعرضون له من تعذيب وأحكام جائرة ؟
هل من " أحمد بن حنبل " جديد يتحرك ويحرك العلماء لإنقاذ
الرعية ؟
وكيل لجنة الشئون الدستورية والتشريعية ببرلمان الثورة .
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق