الأربعاء، 10 فبراير 2016

معركة إنقاذ مصر أم معركة عودة مرسي ؟ .

 
عندما تتوحد القوي السياسية ويلتف حولها الشعب يسقط أي ديكتاتور
أمر من اثنين إما أنني أقدر الموقف الحالي تقديرا صحيحا والإخوان مخطئون ، أو أنني أقدر الموقف تقديرا خاطئا والإخوان يقرأون المشهد قراءة واضحة ، وأتمني أن أجد من مشاركتك أخي القارئ ما ينير لي الطريق .
قراءتي للمشهد الآن أن الشعب المصري محاصر في خانة ضيقة حصارا شديدا ، وفي ظل حالة الحصار هذه يتعرض للاعتقال والتعذيب والقتل في الشوارع والتصفية في البيوت ، وفيما يلي عرض لبعض الضغوط التي يتعرض لها شعبنا العظيم في موقف لا يحسد عليه :
1- تحالفت ضد الشعب المصري كل مؤسسات الدولة العميقة وأصبحت علي قلب رجل واحد ، الجيش والشرطة والقضاء ، وأضيف إليهم برلمان صنعوه علي أعينهم لتصبح مهمته هي تقديم الدعم المعنوي والغطاء السياسي للتنكيل بالشعب أكثر وأكثر .
2- تحالفت ضد الشعب المصري كافة الدول الاستعمارية الغربية والشرقية ، الولايات المتحدة الأمريكية ، وإسرائيل ، ودول أوربا ، ومعهم روسيا والصين ودول أخري ، وهذه الدول الكبري تقدم الدعم المادي والمعنوي لقادة الانقلاب حتي تحافظ علي بقائهم باعتبارهم الكنز الإستراتيجي لهم الذي لا يمكن لهم الاستغناء عنه ، ويرون في فقده إفلات للشرق الأوسط من مربع الاحتلال .
3- تحالفت ضد الشعب المصري الملكيات المجاورة لتدعم قادة الانقلاب بكافة صور الدعم المادي والمعنوي لأنها تري أن نجاح الثورات العربية في أي دولة عربية سوف يمتد لها ويحرك أفكار ومشاعر شعوبها للتحرر .
4- ولأن الانقلاب هو مخطط عالمي اشترك فيها كل أصحاب المصالح في الداخل والخارج ، لذلك رأينا قائد الانقلاب وبمجرد أن آلت إليه مقاليد الأمور بدأ في تنفيذ أجندة أمريكية إسرائيلية بدت واضحة للعيان تمثلت في إحكام الحصار علي قطاع غزة وتدمير مدينة رفح وتهجير أهلها بقصد تأمين إسرائيل ، فضلا عن تشكيل تحالفات لدخول سوريا وليبيا لتدمير الثورتين السورية والليبية والحفاظ علي أنظمة الحكم القديمة ، وهي السياسات التي ألحقت الدمار الشامل بكل الدول الإسلامية في آن واحد .
5- تمكن الانقلاب من شق صفوف الشعب المصري بعد أن قام بتقسيمه إلي شيع مستغلا الاختلافات الدينية والأيدولوجية ، وراح يضم إليه كل منافسي الإخوان المسلمين والتيار الإسلامي علي وجه العموم ، فأصبح الشعب الآن منقسما إلي مسلمين ومسيحيين ، إسلاميين وليبراليين وعلمانيين ، تيار إسلامي وطرق صوفية ونقابة أشراف ، مواطنين شرفاء وبلطجية ، شعب وجيش وشرطة ، قبائل سيناوية شريفة متضامنة مع العسكر وقبائل إرهابية ، وقد أدت هذه الانقسامات إلي تغير أحوال الناس إلي الأسوأ علي جميع المستويات .
6- يقوم الانقلاب بمكافئة المؤسسات الداعمة للعسكر من خلال رفع الرواتب والحوافز والبدلات وكافة أنواع العطايا النقدية والعينية في ظل ظروف في غاية الصعوبة وهو الأمر الذي أدي إلي زيادة معاناة المصريين في لقمة العيش ومصاريف المدارس والعلاج ، وأصبحت غالبية الأسر تعيش عيشة ضنكا .
7- وفي ظل أعمال البطش والتنكيل انخفضت أعداد المتظاهرين إلي حد لا يمكن مقارنته بالجموع الغفيرة أثناء ثورة يناير ، لاسيما أن هناك فصائل من الشعب تري أن المرحلة الانتقالية بعد ثورة يناير قد اعتراها أخطاء أدت إلي تغليب التيار الإسلامي وتنحية العديد من الفصائل الأخري ، وهو ما ساهم في استمرار مقاطعتهم للثورة رغم اقتناعهم بضرورة رحيل العسكر ، وأنا لا أقول ذلك تخمينا ولكن من خلال حوارات في الشارع مع شخصيات محترمة ممن كانوا يشاركونني في معاركي الانتخابية وأعتز بثقافتهم ووعيهم السياسي .
في ظل كل هذه المعطيات أود أن أطرح عليك أخي القارئ سؤالا فكرت فيه كثيرا وبعمق :
أي شيئ أولي الأن بالنسبة للشعب المصري كله وعلي رأسه أنصار الشرعية والديمقراطية ، إنقاذ الشعب المصري والعالم الإسلامي كله من التهلكة التي يتعرض لها علي يد السيسي وأنصاره أم عودة الرئيس مرسي ؟
لقد تعرض الشعب الإيراني لنفس الموقف الذي يتعرض له الشعب المصري في السبعينات من القرن الماضي ، لكن ثورته نجحت وانتصرت علي كل الدول الاستعمارية والنظام القديم في إيران عام 1979 ، ويرجع سبب النصر إلي أن الشعب الإيراني كله كان مجتمعا علي هدف واحد .
أما الشعب المصري الآن فهو يقدم كل يوم شهداء ومعتقلين ، ويترتب علي ذلك تراجع أكثر وأكثر في الحراك الثوري ، ومن وجهة نظري أن السبب في ذلك هو تصميم الإخوان وبعض أنصار الشرعية علي اتخاذ عبارة عودة مرسي شعارا للثورة وهدفا يوشك أن يكون الأوحد والأولي .
لقد أخطأت كل الفصائل السياسية والشخصيات العامة بعد ثورة يناير أخطاء أدت في مجملها إلي استرداد العسكر للحكم سواء كانت هذه الأخطاء بحسن أو بسوء نية ، وأصبحنا جميعا ندفع ثمنا باهظا الآن .
فهل سنواصل مسيرة الأخطاء علي حساب المعتقلين خاصة والشعب المصري عامة بعجزنا عن تحديد أولويات الثورة المصرية ...
هل نجهل أن الهدف الأول للثورة والذي قامت بسببه هو التخلص من حكم العسكر الذي أذاق المصريين أشد أنواع العذاب والبؤس منذ عام 1952 وحتي الآن ؟
هل نجهل أن الشعب المصري لم يعد مهيئا الآن - وبعد كل الفتن التي أشعلها العسكر- لئن يحكمه هذا الفصيل أو ذاك ، وأن تحقيق المصالحة وإعادة اللحمة تعد عملا جوهريا سابقا علي تكوين مؤسسات جديدة ؟
هل نجهل أن الفرقة التي أصابت الشعب المصري هي وحدها التي أعجزته عن إسقاط الانقلاب بعد مرور ما يقرب من عامين ونصف العام من وقوعه ؟
هل نجهل أن إسقاط الانقلاب في ظل كل هذا الدعم الخارجي من كل دول العالم تقريبا لا يمكن أن يتم إلا بتوحيد الصفوف أو علي الأقل أغلبها من خلال وضع هدف موحد وخطة لما بعد الانقلاب تضع تصورا لإعادة بناء مصر من جديد بعد إقصاء العسكر ؟
وفقا لهذه الحسابات لو كنت قائدا للثورة المصرية في ظل هذه الظروف لأخبرت أتباعي بأن المعركة ضخمة وهائلة نواجه فيها العالم كله فضلا عن مؤسسات الدولة العميقة التي تمتلك أدوات قوة الدولة ، وأن أولوياتنا هي إنقاذ الشعب المصري مما يتعرض له وإنقاذ باقي الشعوب الإسلامية مثل سوريا وليبيا والعراق التي يساهم الانقلاب في تدميرها أكثر مما هي مدمرة ، وأن تحقيق هذه الأولويات يقتضي توحد الشعب المصري علي مشروع واحد ، وليس هناك مشروع أولي من إزاحة حكم العسكر وإعادة بناء مصر من جديد .
إن القيادات داخل السجون الآن سواء من الإخوان أو غيرهم لا يدلون برأي في الأحداث الجارية ويقولون أن من بالخارج هو صاحب القرار ، أي أنهم أوكلوا مصائرهم ، حياتهم ، حريتهم لأنصار الشرعية في الخارج ، فهل نحن علي قدر المسئولية ، هل نحن نفكر فيهم وفيما يعانونه داخل السجون أم لأننا في الخارج لا نبالي كثيرا بهذا الأمر ؟
أقسم بالله أنني علي قناعة تامة بالرئيس مرسي وقدرته علي إدارة البلاد لما فيه الخير ، وأعلم يقينا أن الانقلاب لم يحدث إلا لأن مرسي كان فيه خير لمصر وللمسلمين عامة ، ولو كانوا يستطيعون تطويعه وتسخيره كما طوعوا غيره من عشرات السنين لما حدث الانقلاب ، أعلم أن مواقفه مع القضية الفلسطينية وغزة والشعب السوري ، وإعلانه بضرورة أن نحقق الاكتفاء الذتي من الغذاء والدواء والسلاح كانت هي الأسباب وراء التحالف الغربي ضده .
لكن الاختلاف بيني وبين من يجعلون عودة الدكتور مرسي هي الغاية الأولي والأعظم علي الاطلاق ، أنني أري أننا حين نتمكن من إزاحة العسكر واسترداد مصر لشعبها نستطيع أن نأت بالدكتور مرسي أو غيره ممن يسير علي نهجه ، بينما يمكن أن يؤدي تمسكنا بعودة الدكتور مرسي كهدف أول إلي استمرار تشتت شركاء الثورة علي نحو يحول بيننا وبين استعادة الشرعية ، وكم من الانقلابات استمرت حينا من الدهر . 
أخشي أن نكون نحن أنصار الشرعية واقعون في خطأ تحديد الأولويات ، رغم أن هناك أبواب وفصول في فقه الأولويات في الشريعة الإسلامية ، أخشي أن تكون سيطرت علينا حالة نفسية وفكرة متسلطة لن نستطيع الهروب منها وهي " عودة مرسي " رافضين أن نفكر في أي شيئ آخر حتي مجرد تقييم الموقف علي الأرض وما تحتاجه ساحة المعركة .
سوف أصارحكم لأن الموقف يستحق المصارحة لأنه ليس مصير مصر فحسب إنه مصير العالم الإسلامي كله ، أخشي أن نظل مصممين علي إدارة المعركة بهذه الثوابت ، عودة مرسي حتي نفاجئ نحن أنصار الشرعية والديمقراطية بأننا جميعا مقيمون في غرف مجاورة له ، فلا نحن أنقذناه وأنقذنا من معه ، ولا نحن أزحنا حكم العسكر ، ولا نحن استرددنا الرئيس مرسي ؟
لقد أخطأ الإخوان حين قدموا مرشحا للرئاسة ، واستغل العسكر هذا الخطا وأسقطوهم به بعد أن سلطوا أبواقهم الإعلامية لتنسب للدكتور مرسي نتائج ما وصلت إليه البلاد بعد ستين عام من فساد حكم العسكر ، فهل يواصل الإخوان الخطأ برفع شعار عودة مرسي كهدف أسمي ليستغله العسكر في تشتيت شركاء ثورة يناير والقضاء علي جميع أنصار الشرعية والديمقراطية من كل التيارات السياسية ؟
إليس شعار إزاحة حكم العسكر وإعادة بناء مصر من جديد علي أيدي كل أبنائها بشراكة لا يجور فيها فصيل علي آخر يمكن أن يحقق لنا وحدة الشعب في مواجهة دولة العسكر العتيقة التي أجادت أصول وفنون الحكم الاستبدادي علي النحو الذي يستدعي خروج أمواج هادرة من الشعب المصري لتحقيق الخلاص والنجاة.
إنه مجرد اجتهاد ، إنه مجرد تصور يحتمل الخطأ والصواب لكنه يستحق المناقشة الموضوعية المجردة من الهوي بين جميع أنصار الشرعية والديمقراطية .  وكيل لجنة الشئون الدستورية والتشريعية ببرلمان الثورة.
 

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق