الأزهر يساند الثورة العرابية في مواجهة توفيق والانجليز

 

الإمام محمد عبده والثورة العرابية

من صفحة ذاكرة الأزهر الشريف التي لا أظن أن شيخ الأزهر الحالي أحمد الطيب شاهدها أو يعلم عنها شيئا أنقل لكم هذا المقال الذي تم نشره تحت عنوان " الأزهر الشريف وثورة أحمد عرابي " والذي جاء فيه :

كانت ثورة أحمد عرابي في 14 شوال 1298هـ/9 سبتمبر1881م هي رد فعل لما أصاب شعب مصر من ظلم على يد بعض حكامه، وقد قام علماء الأزهر بنصيب وافر في إذكاء الحماسة وتهيئة النفوس لتلبية نداء الحرية ، وكان لمقالاتهم الأدبية وقصائدهم الشعرية وخطبهم في المحافل والمجتمعات أثر كبير في التمهيد للثورة ، ومن هؤلاء العلماء رفاعة الطهطاوي ، وعبد الله النديم ، ومحمد عبده ؛ فكان رفاعة الطهطاوي أول من كتب نثرا وشعرا في معنى الوطن والوطنية ويعد كتابه "مقدمة وطنية مصرية " هو أول كتاب من نوعه في هذا الميدان ، كما حث المربين في كتابه "المرشد الأمين للبنات والبنين" على غرس روح الوطنية في نفوس الأبناء والبنات ، كما كان لإصدار عبد الله النديم لصحيفة " التبكيت والتنكيت " وما يحمل اسمها من دلالة حيث قصد به تأنيب المصريين على ما وصلوا إليه من سوء أوضاعهم في أسلوب لاذع وساخر، ينتقد فيه السياسة العامة للدولة والعيوب الاجتماعية ، أما محمد عبده فكانت أفكاره الإصلاحية ، وما تحدث به في المجالس مصدرًا كبيرًا لشعور الناس بسوء الأوضاع وضرورة الإصلاح ، فضلًا عن أن أحمد عرابي قائد الثورة قد تلقى شطرًا من تعليمه في الأزهر، فكان لهذا أثره البعيد في تكوين شخصيته ؛ إذ جعلت منه خطيبًا مفوها يستولى على عقول سامعيه ومشاعرهم.  

وحين بدأت أولى خطوات الثورة أيدها أغلب علماء الأزهر؛ وكان النديم هو من أشار على عرابي بضرورة الحصول على توكيل من الأمة للمطالبة بحقوقها والتحدث باسمها ، وبالفعل طبع هذا المنشور وتولى النديم مهمة توزيعه في البلاد وجمع التوقيعات من الأهالي ، واتخذ منه عرابي دليلا على إنابة الأمة له .

وفي صباح يوم 14 شوال 1298هـ/ 9 سبتمبر1881م ، توجه أحمد عرابي إلى ميدان عابدين عارضًا مطالب الجيش والأمة على الخديوي توفيق ، وكان من بينها عزل شيخ الأزهر المعين محمد العباسي المهدي ؛ نظرا لمعاداته للنظام الدستوري الذي طالب عرابي بتطبيقه وموالاته للسلطة الحاكمة دون النظر لمصالح الشعب ، كما تخوف عرابي من إصدار الشيخ المهدي فتوى ضده لإجهاض ثورته ، أضف إلى ذلك أن عددًا كبيرا من الأزهريين أيدوا هذا المطلب ؛ لعدم رضائهم عنه ؛ بسبب صرامته في التعامل مع طلاب الأزهر، ولكن الخديوي رفض تلبية هذا المطلب ؛ لإدراكه لخطورة هذا المنصب ومدى تأثيره على الرأي العام المصري ، ولكن بعد الثورة ونتيجة للخلافات بين الشيخ محمد العباسي المهدي وبين بعض العلماء حول الجراية وطريقة توزيعها اشتكى هؤلاء العلماء إلى الحكومة التى بادرت بالتحقيق في هذه الشكاوى ، وشكلت لجنة للتقصي والتحقيق وانتهت إلى أن الشيخ العباسي كان مفتيًا حنفيًا ، ومن المعروف أن مشيخة الأزهر كانت دائما بيد علماء الشافعية وبناء على هذا أصدر الخديوي توفيق في 12 محرم عام 1299هـ/ 5 ديسمبر عام 1881م قرارا بفصل الشيخ العباسي من مشيخة الأزهر ، وأسندها إلى الشيخ محمد الإنبابي الشافعي في 18 محرم 1299هـ/11 ديسمبر 1881م .

وإبان تلك الأحداث انخرط الأزهريون كلية في الثورة ، وبدأ دورهم في إثارة الحمية الوطنية لقوى الشعب ؛ مما كان له أكبر الأثر في تحريك الجماهير وإضفاء الشرعية على حركتها ، وعاشوا لحظة بلحظة مع الثورة ، وكان ما كتبوه من المقالات وما نظموه من الشعر تنطق بحرصهم على الحرية والدستور ونفورهم من الاستبداد ، وفى مقدمتهم النديم الذي صار خطيباً للثورة ، وأصبحت جريدة الطائف التى أصدرها بديلا عن التبكيت والتنكيت لسان الدعاية للثورة العرابية ولزعيمها عرابي الذي لقبه النديم " بحامي حمى الديار المصرية " .

كما ساند الثورة علماء الأزهر ومنهم : محمد عبده ، وأحمد عبد الغنى ، وعلى المليجي ، ومحمود إبراهيم خطيب أسيوط ، ومحمد أبو الفضل خطيب المسجد الحنفي ، وعبد الوهاب أبو عسكر، ومحمد فتح الله ، وحين أرسل السلطان العثماني لجنة للنظر في الأحداث التي وقعت بمصر؛ أثنى شيخ الأزهر ونقيب الأشراف وشيخ المالكية على الجيش وذكروا فضله فيما نالته البلاد .

كما رفض علماء الأزهر المذكرة الثنائية التي أرسلتها كل من انجلترا وفرنسا في 27 جمادى الآخرة 1299هـ/ 15 مايو1882م ، تطلبان فيها إبعاد عرابي من مصر وإسقاط وزارة محمود سامي البارودي الثورية ، وفي حين طالب النديم بضرورة دعم الثورة شعبيًا ؛ توجه إلى الأزهر وأشعل الحماسة لمناصرتها من قبل علماء الأزهر وطلابه ، ثم ذهب للإسكندرية فخطب في أهلها وحثهم على رفض المذكرة المشتركة وللوجود الأجنبي ، وخلال الاجتماع الذي دعا له البارودي بعد رفضه لتلك المذكرة ، تولى محمد عبده وضع صيغة اليمين لكبار ضباط الجيش ليكونوا يدا واحدة في الدفاع عن البلاد.

وقد عقد الخديوي توفيق في 27 مايو 1882م اجتماعا حضره الشيخ الإنبابي وكبار علماء الأزهر ومنهم محمد عليش ، وحسن العدوى ، ومحمد أبو العلا الحلفاوى ، وثلة من الضباط والأعيان ، وحين طلب الخديوي ضرورة استقالة الوزارة وقبول المذكرة المشتركة رفض العلماء ذلك ؛ فاضطر إلى إعادة عرابي لوزارة الحربية في وزارة إسماعيل باشا التي تألفت في 20 يونيه 1882م ،
ثم سافر الخديوي إلى مدينة الإسكندرية ليكون في حماية مدافع الأسطول البريطاني ، التي قصفت المدينة في 23 شعبان 1299هـ/11 يوليو1882م ؛ بحجة أن عرابي يعزز قلاعها ، في حين كانت نية بريطانيا احتلال مصر ، وهو ما دفع علماء الأزهر ورجاله لمناصرة عرابي ، وفي غرة رمضان 1299هـ/17 يوليو 1882م وبديوان وزارة الداخلية عقد اجتماع عرف بالمجلس العرفي ، هو الذي تولى زمام السلطة نيابة عن الأمة ؛ دعا فيه لجمعية عمومية سرعان ما انعقدت بعد ساعات قليلة ، وشهدها الشيخ محمد الإنبابي وقاضى القضاة ، ومفتى الديار والنواب والتجار، واتخذت الجمعية قرارا خطيرا مؤداه إعداد الأمة للجهاد ضد الإنجليز واستدعاء الخديوي والوزراء إلى القاهرة ، وعندما علم توفيق بذلك أصدر مرسوما في 4 رمضان 1299هـ/ 20 يوليو 1882م بعزل عرابي من وزارة الحربية ، ولم يهتم الشعب بهذا الأمر، والتقى أعضاء الجمعية العمومية مرة أخرى في 7 رمضان 1299هـ/ 23 يوليو1882م ؛ على هيئة مؤتمر وطني ، وكان من بينهم شيخ الأزهر ومفتى السادة الحنفية ونقيب الأشراف عبد الباقي البكري ، وكوكبة من علماء الأزهر ، وقد عرض الشيخ محمد عبده الموقف ثم اختتم اللقاء بفتوى العلماء حسن العدوى ومحمد عليش ومحمد أبو العلا الحلفاوى التي تضمنت عزل توفيق ، وعدم شرعية ما يصدره من أوامر وإبطال سريانها في البلاد ، وتكليف عرابي بالدفاع عن الوطن ، وقد وقع على هذه الفتوى جمع كبير من كبار علماء الأزهر، وأدت هذه الفتوى إلى تماسك الأهالي خلف عرابي في ذلك الوقت العصيب .

وخلال مقاومة الأهالي للقوات الإنجليزية كان لعلماء الأزهر وطلبته مواقفهم الوطنية ، حيث ذهبوا مجموعات تلو الأخرى إلى ميادين القتال برئاسة الشيخ حسن العدوي ، وفي حين كان طلبة الأزهر يجوبون الشوارع ، ويوزعون المنشورات التي تحث على الجهاد في سبيل الله ، امتلأت المساجد بالأزهريين يتضرعون إلى الله لينصر عرابي وجيشه ، كما كان للخطابة الدينية وخاصة خطبة الجمعة الأثر الكبير في تعبئة الرأي العام للتطوع في الجهاد والتبرع بالأموال ، وقدموا الصناديق المملوءة بنذور المساجد إلى المجهود الحربي ، وقام الشيخ العدوى بإخلاء منزله بعابدين لينزل به مائة من مهاجري الإسكندرية ، وكان هذا شأن معظم العلماء الذين تبرعوا بمنازلهم لسكنى المهاجرين وتوفير المأكل والمشرب لهم.

واللافت للنظر سفر بعض علماء الأزهر إلى البلاد العربية ، طلبا لتأييد ثورة عرابي ، ومن ذلك توجه أحدهم إلى مدينة دمشق ، وتسابق معظم علمائها وأعيانها للاجتماع معه في المسجد الأموي ، حينذاك عرض عليهم الفتوى التي تدعم مركز عرابي ، وأكد أن مصر باب الكعبة وبيضة الإسلام ، وأن هدف الإنجليز القضاء على الإسلام والاستيلاء على الكعبة الشريفة ، وأن على كل مسلم أن يهب لنجدة عرابي بقواته وأمواله طالما أن هذه الحالة تعيد إلى الأذهان قصة العرب في أسبانيا ، وقد كان لذلك أثر بالغ على الناس .

وأمام هذا التأييد لثورة عرابي طلب السلطان العثماني عبد الحميد إلى العلماء أن يمنعوا المصريين من إرسال المؤن والمتطوعين إلى عرابي وأن يقنعوه بإلقاء السلاح باسم الشريعة ، ورد ثلاثون من كبار العلماء الأزهر على السلطان يحذرونه من هذه السياسة ، وأكدوا أنهم يطيعون أوامره وأوامر الخديوي طالما أنها تتوافق وأحكام الشريعة ، وأنهم يعتبرون عرابي قائدا عاما للقوات المصرية طالما أن أعماله تتمشى مع الشريعة ، وأن المصريين لن يلقوا السلاح إلا إذا انسحب الإنجليز من الإسكندرية ، وأنهم مجمعون على المطالبة بخلع الخديوي توفيق ، وأن القضية المصرية ليست متصلة يشخص عرابي بل بخلاص البلاد ، وأمام رد العلماء أصدر السلطان إعلان عصيان عرابي الذي نشر في صحف الآستانة في سبتمبر عام 1882م ، وكان لهذا البيان أثره السلبي على عرابي نظرا لمكانة السلطان العثماني لدى المصريين الذين يعدونه رمزا للإسلام والمسلمين .

انتهت الثورة بهزيمة عرابي وقواته في التل الكبير 9 سبتمبر1882م ، ودخول الإنجليز القاهرة واحتلالها في4 صفر 1300هـ/15 ديسمبر 1882م ، ثم بدأت حملة انتقامية قادها الخديوي من علماء الأزهر المؤيدين للثورة ، وتم تقديم عدد كبير منهم للمحاكمة ، وفي مقدمتهم الشيخ محمد عبده الذي حكم عليه بالنفي إلى بيروت والذي استمر أربع سنوات ، وأما الشيخ محمد عليش فقد أخذ من داره مريضا ونقل إلى المستشفى وتوفى بها ، وأشيع أنه دس له السم في الدواء ، ولم تكتف السلطات بذلك بل نفت أكبر أولاده الشيخ عبد الرحمن إلى خارج مصر لمدة خمس سنوات ، وإبان محاكمة الشيخ حسن العدوي ؛ قال في جرأة إنهم إذا جاءوه الآن بفتوى أن توفيقا مستحق للعزل فإنه يوقعها ؛ لأنه خرج عن الدين والوطن ، وقد حكم عليه بتجريده من جميع رتبه وامتيازاته ، وكذلك نفى الشيخ محمد عبد الجواد القاياتي وأخوه الشيخ أحمد شيخ رواق الفشنية إلى بيروت ، وإلى مكة المكرمة نفى الشيخ محمد الهجرسي لمدة أربع سنوات ، ولأن سعد زغلول كان مؤيدا للثورة فقد أقصى عن وظيفته كناظر لقلم قضايا مديرية الجيزة ، كما حكم على عبد الله النديم بالنفي المؤبد من مصر ، وفي حين أعفى الشيخ محمد الإنبابى من مشيخة الأزهر فقد أعيد الشيخ محمد المهدي فى18 ذي القعدة 1299هـ/ 12 أكتوبر 1882م ، ليجمع بين منصبي الإفتاء و مشيخة الأزهر.

وبرغم ما نال الأزهر ورجال من ضربات موجعة عقب فشل الثورة العرابية فإن رجال الأزهر لم يكفوا عن معارضة الاحتلال البريطاني ومقاومته بكل الوسائل المادية والمعنوية .

وهنا نلاحظ الاختلاف بين موقف الأزهر المساند للثورة العرابية ومطالب الشعب في أن يكون للبلاد دستور يضمن حقوقه وحرياته وفي إقالة حكومة مستبدة متجبرة علي المصريين ، وموقف شيخ الأزهر الحالي/ أحمد الطيب المساند بكل قوته لدولة العسكر في مواجهة شعب تراق دمائه كل يوم ، والمساند لما يسمي بالحرب العالمية علي الإرهاب التي ابتكرتها أمريكا وإسرائيل لتدمير العالم الإسلامي ، والذي لم يغبر حذائه إلا لزيارة البابا تواضروس أو بابا الفاتيكان ، ولا يعبر عن غضبه واستنكاره إلا لما يصيب الغرب من أعمال إرهابية ، بينما يلتزم الصمت والهدوء والسكينة إزاء المجازر التي يرتكبها الغرب في بلاد المسلمين ويرتكبها السيسي وأعوانه في مصر .

كما ينبغي أن نلاحظ أن الأزهر لم يُختزل في شيخه إزاء الثورة العرابية ، بل علي العكس حين وجد كبار علماء الأزهر أن شيخ الأزهر / محمد عباس المهدي رجل حكومي لا يختلف عن الشيخ أحمد الطيب حيث عادي الثورة العرابية ورفض مطالبها ، تكاتف عدد كبير منهم وطالبوا بإقالة شيخ الأزهر ولم يتوقفوا عن ذلك حتي تمت إقالته بالفعل .

أما الآن وفي ظل الظروف الحالكة التي تعيشها مصر ويعيشها العالم الإسلامي لا يري المصريون من رجال الأزهر إلا شيخه أحمد الطيب المرابط في صفوف العسكر ، فهل يمكن أن يراجع مشايخ الأزهر وأساتذته مواقفهم ويشكلون تكتلا في الأيام القليلة القادمة لإنقاذ خير أمة أخرجت للناس من عسكر يعملون لحساب أعداء الأمة في مصر وخارجها .

وكيل لجنة الشئون الدستورية والتشريعية ببرلمان الثورة .