معتقدات الشيعة التي يختصون بها .
أولا : عصمة النبي (ص) من الخطأ صغيرا كان أو كبيرا .
ثانيا : الإمامة واجبة وتنحصر في آل بيت النبي (ص) والذين ينحصروا في ذرية علي بن أبي طالب .
ثالثا : الإمام معين بنص من الله عز وجل أو رسوله (ص) أو إمام ثابتة إمامته ، ومهمة الإمام امتداد لإمامة الرسول (ص) ودوره متمم لدوره ، حيث يتولي الإمام القيام بإدارة شئون الدولة في كافة المجالات والقيام بشئون الدين .
رابعا : إمامة سيدنا علي بن أبي طالب ثابتة بالنص والعقل معا .
خامسا: الإمام معصوم من الخطأ صغيرا كان أو كبيرا .
سادسا : آل بيت النبي (ص) معصومون أيضا .
سابعا : الإمام الثاني عشر الغائب محمد بن الحسن هو المهدي المنتظر .
ثامنا : آل بيت النبي (ص) هم علي وفاطمة والحسن والحسين وباقي الأئمة التسعة .
تاسعا: الأئمة الذين عينهم النبي (ص) اثني عشر إماما .
لا أسعي بهذه السلسلة من المقالات إلي إضافة أبواب جديدة إلي كتب التاريخ فيما يتعلق بالصراع الشيعي - السني ، ولكنني أريد أن أناقش الأفكار أو المقررات الفقهية سواء التي وضعت حجر أساس هذا الصراع أو التي نشأت عنه .
نريد أن نعرف في البداية الأفكار العامة للشيعة ، ما الذي يراه الشيعة ولا يراه غيرهم من المسلمين ، ونرجئ مناقشة هذه الأفكار وما ترتب عليها من آثار علي مر التاريخ الإسلامي لمرحلة لاحقة .
يقول الشيخ صالح الكرياسي ( شيعي ) علي موقعه " مركز الإشعاع الإسلامي " في مقال بعنوان " من هم الشيعة ، و ما هي أهم الفروق بينهم و بين السُنة ؟ " :
الشيعة هم أتباع النبي المصطفى محمد ( صلى الله عليه وآله ) و أهل بيته ( عليهم السلام ) ، و هم يعتقدون بأنّ قيادة الاَمّة الاِسلاميّةِ و زعامتها بعد وفاةِ رَسُول الله ( صلى الله عليه وآله ) هي من حق الإمام عليّ بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) و من بعده لأبنائه المعصومين ( عليهم السلام ) و ذلك إستناداً إلى ما أوصى به الرسول المصطفى ( صلى الله عليه وآله ) في مناسبات عديدة .
و يجد الباحث من خلال قراءة المصادر الإسلامية ككتب التاريخ الإسلامي و التفسير و الحديث أن ولادة مُصطلح " الشيعة " يرجع إلى عهد الرسول الأكرم ( صلى الله عليه وآله ) فهو الذي استخدم هذا المصطلح لأول مرة في أتباع علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) و رسَّخه في وجدان الأمة الاسلامية .
و قد كانت النخبة المتميزة من صحابة الرسول ( صلى الله عليه وآله ) أمثال : سلمان الفارسي ( المحمدي ) ، و أبي ذر الغفاري ، و عمار بن ياسر ، و المقداد ، يحملون لقب شيعة علي بن أبي طالب في أيام الرسول لحبهم و ولائهم لعلي بسبب توجيهات الرسول من خلال خطاباته ، وإلى هذه الحقيقة تشير الأحاديث المتواترة التي ذكرها غير واحد من المفسرين و المحدثين و المؤرخين نذكر منهم على حسب المثال مايلي :
الكنجي : أبو عبد الله محمد بن يوسف بن محمد القرشي الكنجي الشافعي المتوفى سنة : 658 هجرية ، عن جابر بن عبد الله ، قال : كنا عند النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، فاقبل علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : " قد أتاكم أخي " .
ثم التفت إلى الكعبة فضربها بيده ، ثم قال : " و الذي نفسي بيده إن هذا و شيعته هم الفائزون يوم القيامة ، ثم إنه أولكم إيمانا ، و أوفاكم بعهد الله ، و أقومكم بأمر الله ، و أعدلكم في الرعية ، و أقسمكم بالسوية ، و أعظمكم عند الله مزيّة " .
قال : و نزلت : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ﴾ 1 " 2 .
ابن عساكر : أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله الشافعي ، المتوفى سنة : 571 هجرية ، عن جابر بن عبد الله ، قال : كنا عند النبي ( صلى الله عليه وآله ) فأقبل علي ( عليه السلام ) ، فقال ـ أي النبي ـ : " و الذي نفسي بيده إن هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة " فنزل قوله تعالى : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ﴾ 1 ، 3 .
ابن حجر : أحمد بن حجر الهيثمي ، المتوفى سنة : 974 هجرية ، عن ابن عباس قال : لما أنزل الله تعالى : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ﴾ ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لعلي ( عليه السلام ) : " هم أنت و شيعتك يوم القيامة راضين مرضيين ، و يأتي عدوّك غِضابا مقمحين " 4 .
الطبري : أبو جعفر محمد بن جرير الطبري ، المتوفى سنة : 310 هجرية ، عن محمد بن علي ، قال : لما نزلت الآية : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ﴾ ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : " أنت يا علي و شيعتك " .
السيوطي : جلال الدين بن أبي بكر ، المتوفى سنة : 911 هجرية ، عن علي ، قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لي : " ألم تسمع قول الله تعالى : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ﴾ ، أنت و شيعتك ، و موعدي و موعدك الحوض إذا جاءت الأمم للحساب تدعون غرّا محجلين " .
إلى غيرها من المصادر الكثيرة التي ذكرت الألفاظ الدالة على أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) هو الذي استعمل مصطلح " الشيعة " ومشتقاتها في الموالين لعلي ( عليه السلام ) .
ويقول عن سبب تمسك الشيعة بمذهب أهل البيت :
و أما سبب تمسّك الشيعة بمذهب أهل البيت ( عليهم السلام ) فقد قال العلامة المجاهد آية الله السيد عبد الحسين شرف الدين ( قدَّس الله نفسه الزَّكية ) : " .. الأدلة الشرعية أخذت بأعناقنا إلى الأخذ بمذهب الأئمة من أهل بيت النبوة و موضع الرسالة و مختلف الملائكة ، و مهبط الوحي و التنزيل ، فانقطعنا إليهم في فروع الدين و عقائده ، و أصول الفقه و قواعده ، و معارف السنة و الكتاب ، و علوم الأخلاق و السلوك و الآداب نزولا على حكم الأدلة و البراهين ، و تعبداً بسنة سيد النبيين و المرسلين ، صلى الله عليه و اله و عليهم أجمعين .
ولو سمحت لنا الأدلة بمخالفة الأئمة من آل محمد ، أو تمكنا من تحصيل نية القربة لله سبحانه في مقام العمل على مذهب غيرهم ، لقصصنا أثر الجمهور ، و قَفَونا إثرهم ، تأكيداً لعقد الولاء ، و توثيقاً لعرى الإخاء ، لكنها الأدلة القطعية تقطع على المؤمن وجهته ، و تحول بينه و بين ما يروم .
ويقول عن الفرق بين الشيعة و السنة :
إنّ من أهم الفروق بين الشيعة والسنة هو أن الشيعة تعتقد بأن الإمامة والخلافة الشرعية بعد الرسول ( صلى الله عليه وآله ) إنما هي للإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) ، و من بعده تكون الإمامة في المعصومين الأحد عشر المنصوص عليهم من قبل النبي ( صلى الله عليه وآله ) و علي ( عليه السَّلام ) و بحسب الأدلة العقليّة و النقلية .
ثمّ إنّ هناك فروقاً أخرى في فهم الشريعة و أصول الدين و فروعه ، كلّها تبتني على الأخذ من معارف و علوم أهل البيت ( عليهم السلام ) .
أئمة أهل البيت :
الأئمة المعصومون من أهل البيت ( عليهم السلام ) بعد الرسول ( صلى الله عليه وآله ) حسب تسلسل إمامتهم هم :
1. الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) .
2. الإمام الحسن بن علي ( عليهما السلام ) .
3. الإمام الحسين بن علي ( عليهما السلام ) .
4. الإمام علي بن الحسين زين العابدين ( عليه السلام ) .
5. الإمام محمد بن علي الباقر ( عليه السلام ) .
6. الإمام جعفر بن محمد الصادق ( عليه السلام ) .
7. الإمام موسى بن جعفر الكاظم ( عليه السلام ) .
8. الإمام علي بن موسى الرضا ( عليه السلام ) .
9. الإمام محمد بن علي الجواد ( عليه السلام ) .
10. الإمام علي بن محمد الهادي ( عليه السلام ) .
11. الإمام الحسن بن علي العسكري ( عليه السلام ) .
12. الإمام محمد بن الحسن المهدي المنتظر ( عجل الله ظهوره ) .
***************
ومن كتاب " عقائد السنة وعقائد الشيعة " للمستبصر ( المتشيع ) صالح الورداني والمنشور علي " شبكة الشيعة العالمية " نتعرف علي بعض معتقدات الشيعة التي يختصون بها دون غيرهم من المسلمين ، وذلك علي النحو التالي :
أولا : عصمة النبي (ص) من الخطأ صغيرا كان أو كبيرا .
ثانيا : الإمامة واجبة وتنحصر في آل بيت النبي (ص) والذين ينحصروا في ذرية علي بن أبي طالب .
ثالثا : الإمام معين بنص من الله عز وجل أو رسوله (ص) أو إمام ثابتة إمامته ، ومهمة الإمام امتداد لإمامة الرسول (ص) ودوره متمم لدوره ، حيث يتولي الإمام القيام بإدارة شئون الدولة في كافة المجالات والقيام بشئون الدين .
رابعا : إمامة سيدنا علي بن أبي طالب ثابتة بالنص والعقل معا .
خامسا: الإمام معصوم من الخطأ صغيرا كان أو كبيرا .
سادسا : آل بيت النبي (ص) معصومون أيضا .
سابعا : الإمام الثاني عشر الغائب محمد بن الحسن هو المهدي المنتظر .
ثامنا : آل بيت النبي (ص) هم علي وفاطمة والحسن والحسين وباقي الأئمة التسعة .
تاسعا: الأئمة الذين عينهم النبي (ص) اثني عشر إماما .
لا أسعي بهذه السلسلة من المقالات إلي إضافة أبواب جديدة إلي كتب التاريخ فيما يتعلق بالصراع الشيعي - السني ، ولكنني أريد أن أناقش الأفكار أو المقررات الفقهية سواء التي وضعت حجر أساس هذا الصراع أو التي نشأت عنه .
نريد أن نعرف في البداية الأفكار العامة للشيعة ، ما الذي يراه الشيعة ولا يراه غيرهم من المسلمين ، ونرجئ مناقشة هذه الأفكار وما ترتب عليها من آثار علي مر التاريخ الإسلامي لمرحلة لاحقة .
يقول الشيخ صالح الكرياسي ( شيعي ) علي موقعه " مركز الإشعاع الإسلامي " في مقال بعنوان " من هم الشيعة ، و ما هي أهم الفروق بينهم و بين السُنة ؟ " :
الشيعة هم أتباع النبي المصطفى محمد ( صلى الله عليه وآله ) و أهل بيته ( عليهم السلام ) ، و هم يعتقدون بأنّ قيادة الاَمّة الاِسلاميّةِ و زعامتها بعد وفاةِ رَسُول الله ( صلى الله عليه وآله ) هي من حق الإمام عليّ بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) و من بعده لأبنائه المعصومين ( عليهم السلام ) و ذلك إستناداً إلى ما أوصى به الرسول المصطفى ( صلى الله عليه وآله ) في مناسبات عديدة .
و يجد الباحث من خلال قراءة المصادر الإسلامية ككتب التاريخ الإسلامي و التفسير و الحديث أن ولادة مُصطلح " الشيعة " يرجع إلى عهد الرسول الأكرم ( صلى الله عليه وآله ) فهو الذي استخدم هذا المصطلح لأول مرة في أتباع علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) و رسَّخه في وجدان الأمة الاسلامية .
و قد كانت النخبة المتميزة من صحابة الرسول ( صلى الله عليه وآله ) أمثال : سلمان الفارسي ( المحمدي ) ، و أبي ذر الغفاري ، و عمار بن ياسر ، و المقداد ، يحملون لقب شيعة علي بن أبي طالب في أيام الرسول لحبهم و ولائهم لعلي بسبب توجيهات الرسول من خلال خطاباته ، وإلى هذه الحقيقة تشير الأحاديث المتواترة التي ذكرها غير واحد من المفسرين و المحدثين و المؤرخين نذكر منهم على حسب المثال مايلي :
الكنجي : أبو عبد الله محمد بن يوسف بن محمد القرشي الكنجي الشافعي المتوفى سنة : 658 هجرية ، عن جابر بن عبد الله ، قال : كنا عند النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، فاقبل علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : " قد أتاكم أخي " .
ثم التفت إلى الكعبة فضربها بيده ، ثم قال : " و الذي نفسي بيده إن هذا و شيعته هم الفائزون يوم القيامة ، ثم إنه أولكم إيمانا ، و أوفاكم بعهد الله ، و أقومكم بأمر الله ، و أعدلكم في الرعية ، و أقسمكم بالسوية ، و أعظمكم عند الله مزيّة " .
قال : و نزلت : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ﴾ 1 " 2 .
ابن عساكر : أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله الشافعي ، المتوفى سنة : 571 هجرية ، عن جابر بن عبد الله ، قال : كنا عند النبي ( صلى الله عليه وآله ) فأقبل علي ( عليه السلام ) ، فقال ـ أي النبي ـ : " و الذي نفسي بيده إن هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة " فنزل قوله تعالى : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ﴾ 1 ، 3 .
ابن حجر : أحمد بن حجر الهيثمي ، المتوفى سنة : 974 هجرية ، عن ابن عباس قال : لما أنزل الله تعالى : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ﴾ ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لعلي ( عليه السلام ) : " هم أنت و شيعتك يوم القيامة راضين مرضيين ، و يأتي عدوّك غِضابا مقمحين " 4 .
الطبري : أبو جعفر محمد بن جرير الطبري ، المتوفى سنة : 310 هجرية ، عن محمد بن علي ، قال : لما نزلت الآية : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ﴾ ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : " أنت يا علي و شيعتك " .
السيوطي : جلال الدين بن أبي بكر ، المتوفى سنة : 911 هجرية ، عن علي ، قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لي : " ألم تسمع قول الله تعالى : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ﴾ ، أنت و شيعتك ، و موعدي و موعدك الحوض إذا جاءت الأمم للحساب تدعون غرّا محجلين " .
إلى غيرها من المصادر الكثيرة التي ذكرت الألفاظ الدالة على أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) هو الذي استعمل مصطلح " الشيعة " ومشتقاتها في الموالين لعلي ( عليه السلام ) .
ويقول عن سبب تمسك الشيعة بمذهب أهل البيت :
و أما سبب تمسّك الشيعة بمذهب أهل البيت ( عليهم السلام ) فقد قال العلامة المجاهد آية الله السيد عبد الحسين شرف الدين ( قدَّس الله نفسه الزَّكية ) : " .. الأدلة الشرعية أخذت بأعناقنا إلى الأخذ بمذهب الأئمة من أهل بيت النبوة و موضع الرسالة و مختلف الملائكة ، و مهبط الوحي و التنزيل ، فانقطعنا إليهم في فروع الدين و عقائده ، و أصول الفقه و قواعده ، و معارف السنة و الكتاب ، و علوم الأخلاق و السلوك و الآداب نزولا على حكم الأدلة و البراهين ، و تعبداً بسنة سيد النبيين و المرسلين ، صلى الله عليه و اله و عليهم أجمعين .
ولو سمحت لنا الأدلة بمخالفة الأئمة من آل محمد ، أو تمكنا من تحصيل نية القربة لله سبحانه في مقام العمل على مذهب غيرهم ، لقصصنا أثر الجمهور ، و قَفَونا إثرهم ، تأكيداً لعقد الولاء ، و توثيقاً لعرى الإخاء ، لكنها الأدلة القطعية تقطع على المؤمن وجهته ، و تحول بينه و بين ما يروم .
ويقول عن الفرق بين الشيعة و السنة :
إنّ من أهم الفروق بين الشيعة والسنة هو أن الشيعة تعتقد بأن الإمامة والخلافة الشرعية بعد الرسول ( صلى الله عليه وآله ) إنما هي للإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) ، و من بعده تكون الإمامة في المعصومين الأحد عشر المنصوص عليهم من قبل النبي ( صلى الله عليه وآله ) و علي ( عليه السَّلام ) و بحسب الأدلة العقليّة و النقلية .
ثمّ إنّ هناك فروقاً أخرى في فهم الشريعة و أصول الدين و فروعه ، كلّها تبتني على الأخذ من معارف و علوم أهل البيت ( عليهم السلام ) .
أئمة أهل البيت :
الأئمة المعصومون من أهل البيت ( عليهم السلام ) بعد الرسول ( صلى الله عليه وآله ) حسب تسلسل إمامتهم هم :
1. الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) .
2. الإمام الحسن بن علي ( عليهما السلام ) .
3. الإمام الحسين بن علي ( عليهما السلام ) .
4. الإمام علي بن الحسين زين العابدين ( عليه السلام ) .
5. الإمام محمد بن علي الباقر ( عليه السلام ) .
6. الإمام جعفر بن محمد الصادق ( عليه السلام ) .
7. الإمام موسى بن جعفر الكاظم ( عليه السلام ) .
8. الإمام علي بن موسى الرضا ( عليه السلام ) .
9. الإمام محمد بن علي الجواد ( عليه السلام ) .
10. الإمام علي بن محمد الهادي ( عليه السلام ) .
11. الإمام الحسن بن علي العسكري ( عليه السلام ) .
12. الإمام محمد بن الحسن المهدي المنتظر ( عجل الله ظهوره ) .
***************
ومن كتاب " عقائد السنة وعقائد الشيعة " للمستبصر ( المتشيع ) صالح الورداني والمنشور علي " شبكة الشيعة العالمية " نتعرف علي بعض معتقدات الشيعة التي يختصون بها دون غيرهم من المسلمين ، وذلك علي النحو التالي :
أولا : عصمة النبي (ص) من الخطأ صغيرا كان أو كبيرا .
يقول المستبصر ( المتشيع ) صالح الورداني في كتاب " عقائد السنة وعقائد الشيعة " المنشور علي " شبكة الشيعة العالمية " تحت عنوان " النبوة عند الشيعة " :
يعتقد الشيعة أن الرسول صلى الله عليه وآله معصوم عصمة كلية من ولادته وحتى مماته ، فلا تجوز عليه الكبيرة ولا الصغيرة لا بالعمد ولا بالسهو ولا بالتأويل ولا بالنسيان . . ودليلهم على ذلك أنه لو عهد منه خطيئة لتنفرت العقول من متابعته فتبطل فائدة البعثة . .
وتتجلى عصمة الرسول في مراحل ثلاث :
- مرحلة تلقي الوحي وحفظه وأدائه إلى الأمة .
- مرحلة القول والفعل ، وعلى ذلك فهو من عباده المكرمين الذين لا يعصون الله ما أمرهم وهم بأمره يعملون .
مرحلة تطبيق الشريعة وغيرها من الأمور المربوطة بحياته صلى الله عليه وآله لا يسهو ولا يخطئ في حياته الفردية والاجتماعية .
ويتابع ( صالح الورداني ) : يقول الشيخ محمد جواد مغنية : الأنبياء معصومون عن الذنوب ، كبيرها وصغيرها ، قبل النبوة وبعدها . لا يصدر عنهم ما يشين لا عمدا ولا سهوا . وأنهم منزهون عن دناءة الآباء وعهر الأمهات ، وعن الفظاظة والغلظة ، وعن الأمراض المنفرة كالبرص والجذام ، بل وعن كثير من الأعمال المباحة المنافية للتعظيم والتوقير كالأكل في الطريق ونحوه .
وقد اشتغل علماء الإمامية بالنصوص القرآنية التي توهم مناقضتها للعصمة الكلية والتي استند إليها أهل السنة في موقفهم منها . وقاموا بشرحها ومناقشة مدلولاتها على ضوء اللغة والعقل مثل قوله تعالى : ( ووجدك ضالا فهدى ) ، وقوله تعالى : ( والرجز فاهجر ) ، وقوله : ( . . ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان . . ) ، وقوله : ( فلا تكونن ظهيرا للكافرين ) ، وقوله : ( عبس وتولى ) ، وقوله : ( سنقرئك فلا تنسى ) .
ويتابع ( صالح الورداني ) : يقول السيد شبر : والعصمة عبارة عن قوة العقل من حيث لا يغلب مع كونه قادرا على المعاصي كلها . كجائز الخطأ .
وليس معنى العصمة أن الله يجبره على ترك المعصية ، بل يفعل به ألطافا يترك معها المعصية باختياره مع قدرته عليها ، كقوة العقل وكمال الفطنة والذكاء ونهاية صفاء النفس وكمال الاعتناء بطاعة الله تعالى : ولو لم يكن قادرا على المعاصي بل كان مجبورا على الطاعات لكان منافيا للتكليف وعدم الإكراه في الدين . والنبي أول من كلف ، حيث قال : فأنا أول العابدين ، وأنا أول المسلمين ، وقال تعالى : ( فاعبد ربك حتى يأتيك اليقين ) الحجر / 99 . ولأنه لو لم يكن قادرا على المعصية لكان أدنى مرتبة من صلحاء المؤمنين القادرين على المعاصي التاركين لها .
إن شخصية الرسول عند الشيعة الإمامية هي شخصية متكاملة متجانسة مع روح الإسلام وطبيعة الوحي ، وليست شخصية مهزوزة متقلبة ضعيفة الجذور متلونة أخلاقيا ، من هنا فإن الشيعة يرفضون وبقوة أي مساس بشخص الرسول كالسحر والخطأ والنسيان وتعرية حياته الشخصية ومشاركة بعض الصحابة له في شؤون الوحي ونسبة الكفر إلى والديه وعمه .
يقول السيد شبر : المشهور بين الإمامية - بل حكى عليه الإجماع - أنه يجب تنزيه الأنبياء عن كفر الآباء والأمهات وعهرهن . لئلا يعيروا ويعابوا في ذلك ، ولئلا يتنفر عنهم ، فإن ما في الآباء من العيوب يعود إلى الأبناء عرفا . ورووا الرويات في ذلك من طرق العامة والخاصة ولقوله تعالى : ( إن الذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقا ) الأنفال / 74 . وقد اتفق المخالف والموالف أن أول من أوى النبي صلى الله عليه وآله ونصره أبو طالب .
ثم يوضح لنا المستبصر ( المتشيع ) صالح الورداني في ذات المرجع رؤية الشيعة للإمامة فيقول تحت عنوان " الإمامة عند الشيعة " :
ثانيا : الإمامة واجبة وتنحصر في آل بيت النبي (ص)
والذين ينحصروا في ذرية علي بن أبي طالب .
تعد الإمامة عند الشيعة أصلا من أصول الدين ، وهذا الأصل هو ما يميزها عن أهل السنة وعن الفرق الأخرى . ولأجل تبني الشيعة قضية الإمامة نعتوا بالشيعة الإمامية ، أي الذين يعتقدون في اثني عشر إماما بعد الرسول صلى الله عليه وآله .
والشيعة حين تتبنى قضية الإمامة إنما تستند في ذلك إلى حجج شرعية تتمثل في نصوص قرآنية ونبوية بالإضافة إلى حجج عقلية . وهذه النصوص القرآنية والنبوية يعمل بها أهل السنة أيضا لكنهم لا يفهمون منها ذلك الفهم الذي تفهمه الشيعة منها .
وهذا لا يعني أن جميع نصوص الإمامة تعد نصوصا ظنية ، بل هناك نصوص قطعية واضحة الدلالة على الإمامة إلا أن أهل السنة سيرا مع قاعدة التأويل والتبرير يخضعون هذه النصوص للمفهوم الذي يتناسب مع عقائدهم .
ولا يخفى أن السياسة تدخلت في تفسير النصوص المتعلقة بالإمامة بل إنها اخترعت نصوصا مضادة لها على ما سوف نبين ، وتحاول بعض الاتجاهات من القدماء والمعاصرين إثارة الشبهات حول فكرة الإمامة عند الشيعة ، وذلك بهدف تقويضها والتشكيك في نشأتها لإيصال المسلمين إلى قناعة بأنها فكرة طارئة على الدين ومخترعة من قبل عناصر مدسوسة .
ولقد شغلت قضية الإمامة المسلمين من بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وشهرت السيوف وأريقت الدماء ودب الخلاف بين الأمة بسببها ، وما كان كل ذلك يمكن أن يحدث لولا أن هناك انحرافا حدث عن خط الرسول صلى الله عليه وآله بدأ مع مرحلة السقيفة وانتهى بظهور الملكية على يد معاوية .
ومثل هذا الاهتمام وهذا الصراع الذي دار حول الإمامة إنما يؤكد أهميتها وكونها ليست من القضايا الهامشية في الدين كما يحاول أهل السنة أن يصوروا ذلك .
وجوهر الخلاف بين الشيعة وأهل السنة حول الإمامة إنما يكمن في موقف كل من الطرفين من آل البيت . فموقف أهل السنة من آل البيت هو موقف عائم ، فهم يعرفونهم بأنهم أزواج النبي وآل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس ، أما موقف الشيعة فهو موقف محدد يحصرهم في ذرية علي عليه السلام ، ولديهم من النصوص ما يدعم هذا الموقف .
وبالطبع فإن مثل هذا الموقف العائم من قبل أهل السنة لا تبنى عليه فكرة الإمامة خاصة أنهم لا يجعلون لآل البيت أي خصوصية تميزهم عن بقية المسلمين .
أما حصر آل البيت في ذرية علي وإيجاد خصوصية لهم بحكم النصوص فيفرض وجوب الإمامة عليهم وهو ما تقول به الشيعة .
وتحت عنوان " هل الإمامة ضرورة " يقول ( صالح الورداني ) في ذات المرجع :
يعتبر الشيعة أن الإمامة ضرورة كضرورة الرسل . فكما أن مهمة الرسل هي هداية أقوامهم وإرشادهم إلى الصراط المستقيم كذلك مهمة الإمام بالنسبة لقومه . والإمام هو وصي الرسول . وما من رسول إلا وله وصي يكون حجة من على قومه من بعده كهارون بالنسبة إلى موسى . وعلي بالنسبة إلى محمد صلى الله عليه وآله .
ونظرا لكون الرسول محمد هو خاتم المرسلين فالحاجة لوجود إمام من بعده أشد وأكثر ضرورة من حاجة الرسالات السابقة .
وإذا كان الله يرسل الرسل لأقوامهم لأجل هدايتهم وإصلاح معتقداتهم فيمكث الرسول فيهم إلى ما شاء الله حتى إذا توفي وطال على قومه الأمد ، انحرف قومه وفسدت معتقداتهم مما يقتضي إرسال رسول جديد لهم . . فما هو الضمان الذي يحول دون انحراف أمة محمد من بعده وهم كبقية الأمم السابقة لا بد أن ينطبق حالها على حالهم ؟
لعل الجواب البديهي على هذا السؤال هو القرآن ، لكن هذه الإجابة مردودة على أصحابها لسبب وجيه هو أن الرسل السابقين كانوا يتركون في أقوامهم كتبا ومع ذلك قد انحرفوا ، ترك موسى التوراة وضل بنو إسرائيل ، وترك عيسى الإنجيل وضل أنصاره في سبل شتى .
إذن لا بد من حجة قائمة تحمي الكتاب الذي جاء به الرسول وتحفظه للأمة من بعده وتكون علامات على طريق الهداية والصراط المستقيم الذي دعا إليه الرسول .
وقد يقول قائل : إذا كان هناك وصي للرسول يكون حجة من بعده وهدى للناس ، فلماذا ضلت الناس إذن وتطلب الأمر إرسال رسول آخر ؟ إننا يجب علينا أن نعلم أساسا أنه ليست مهمة الرسل هي هداية جميع الناس أو تحويلهم إلى ملائكة . فإن الرسول مهمته الأساسية هي البلاغ والسامع مخير بين أن يهتدي وأن يختار الضلالة ، وقد ذهب موسى لميقات ربه وترك هارون على قومه فعبدوا العجل ولم يستطع هارون أن يحول بين قوم موسى وبين عبادة العجل ، فإذا كان الناس يضلون في عهد الرسل أفلا يضلون في عهد الأنبياء ؟ ، وإذا كان الرسل لم يستطيعوا الحيلولة دون ضلال الناس فهل يستطيع الأئمة ؟.
إن الله سبحانه يقول : ( وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) الكهف / 29 ، ويقول ( ولست عليهم بمصيطر ) الغاشية / 22 وهي نصوص موجهة للرسول بهدف تبصيره بحقيقة موقف الجماهير من الدعوات الإلهية ، فليس من سلطة الرسول إكراه الناس على الإيمان ، ولأجل ذلك فإن الذين اهتدوا واتبعوا الرسل هم قلة ، وكذلك الأمر بالنسبة للوصي .
إلا أن الأمر بالنسبة للأقوام السابقة أنه بعد الرسل وبعد الأوصياء كان الله سبحانه يجدد دعوته بإرسال رسل يكملون مهمة الرسل السابقين لهم ، أو يأتون بدين جديد ، لكن الأمر بالنسبة لقوم محمد صلى الله عليه وآله كان مختلفا ، إذ إن الرسول صلى الله عليه وآله كان خاتم المرسلين ، مما يقتضي الأمر وجود أوصياء على مر الزمان من بعده وحتى قيام الساعة .
وهنا تبرز فكرة الإمامة وأهميتها ، إن دور الإمام إنما هو مكمل لدور الرسول ومتمم له ، فقد يكون وسيلة لدخول أقوام آخرين في دين الله لم يدخلوا في حياة الرسول صلى الله عليه وآله ، وقد يكون وسيلة لحسم الردة والخلاف من بعد الرسول ، وهو سنة ثابتة تسير مع حركة الدعوات الإلهية وليست معصومة منه أمة محمد ، وقد يكون وسيلة لتبصير الناس بحقيقة دينهم ، إلا أن ذلك كله ليس هو المهمة الأساسية للإمام ، إنما مهمة الإمام الأساسية هي إقامة الحجة على الناس من بعد وفاة الرسول .
ولعل هذا هو المراد من قوله تعالى : ( يوم ندعوا كل أناس بإمامهم . . ) الإسراء / 71 . فهذا النص إنما هو موجه إلى الأقوام التي سوف تأتي بعد الرسول ، حيث لا رسل ولا أنبياء وإنما يدعون إلى حقيقة الإسلام ويكونون حججا على الناس يوم البعث والحساب .
وهناك حديث يقول : " من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية " ، فكأن الإمام هو الفيصل بين الإسلام والجاهلية ، فمن تبعه فقد دخل في حظيرة الإسلام ومن خالفه دخل حظيرة الجاهلية .
وأهل السنة فسروا الإمام في النص القرآني المذكور بالكتاب وبالرسول كما فسروا الإمام في النص النبوي بالحاكم ، ولذا كان ابن عمر وأنس والتابعون يسارعون إلى مبايعة الحاكم في زمانهم والالتزام بخطه مخافة أن يموتوا على الجاهلية .
حتى أن ابن عمر بايع الحجاج في زمانه مخافة أن يموت دون أن يكون مرتبطا بإمام زمانه وكان قبل ذلك قد بايع معاوية ويزيد ولم يبايع عليا .
وتفسير الإمام بالكتاب هو قول مردود لعدة وجوه :
الأول : إن هذا التفسير مناقض للغة فلم يرد الكتاب بمعنى إمام في اللغة .
الثاني : إن هناك كثيرا من الأقوام لم يبعث إليهم رسل وليس لديهم كتب .
الثالث : إن تفسير الإمام بالرسول مناقض للغة ، فالرسول يمكن أن يكون إماما من باب الوصف والمجاز وليس من باب المعنى الحرفي .
الرابع : إن الذين فسروا الإمام بالكتاب اعتمدوا في تفسيرهم على قوله تعالى : ( فمن أوتي كتابه بيمينه . . ) وقوله : ( إمام مبين ) ، وفاتهم أن الكتاب المقصود هنا هو سجل الأعمال الخاصة بالمرء في الدنيا ، وليس الكتاب الذي جاء به الرسل .
الخامس : إن لفظ أناس يخص المؤمن وغير المؤمن وغير المؤمن ليس له كتاب .
السادس : إن اللفظ الواحد قد يتكرر في القرآن بمعان مختلفة .
السابع : إن معاني القرآن صريحة ومحددة ، ولو كان الله سبحانه يريد بالإمام الرسول لذكر ذلك صراحة .
الثامن : إنه لا يعقل أن يبعث كل إنسان يوم القيامة بكتابه ، وهذا يناقض ما جاء في القرآن . والله سبحانه لم يبين لنا ذلك في حق الرسل فكيف يمكن أن يتحقق في أتباعهم وأقوامهم ؟ ثم إن كل رسول هو حجة على قومه بالكتاب الذي جاء إليهم . فما هي الحاجة إلى أن يبعثوا بكتابهم ؟
إن وجود الإمام بالنسبة للأمة ضرورة حيوية ينبني عليها وجودها ومستقبلها . وإن ما عانته الأمة من بعد الرسول وحتى يومنا هذا من فرقة وشتات ومظالم ومفاسد وانحرافات أضاعت هوية الإسلام وأشقت المسلمين إنما يعود سببه إلى فقدان الإمامة من واقع المسلمين .
لقد أدى تعيين الحكام مكان الإمام وإلزام الأمة بطاعتهم بأحاديث مخترعة إلى دخول الأمة مرحلة عبادة الأصنام . فإن الإمام هو الممثل الحقيقي للإسلام وأية قوى تغتصب حقه في تمثيل الإسلام هي قوى صنمية تعبر عن إسلام زائف مخترع يهدف إلى إضلال الأمة وتعبيدها لغير الله . إن الانحراف عن الإمام يعني الانحراف عن النص ، والانحراف عن النص يعني عبادة الرجال بجعل أقوالهم نصوصا يتعبد المسلمون بها . ولما كانت الأمة قد انحرفت عن أئمتها من بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله فقد استبدلت هؤلاء الأئمة بالصحابة والحكام والتابعين والفقهاء الذين شيدوا بالروايات إسلاما آخر غير الإسلام الذي تركه الرسول . شيدوا أصناما كثيرة بينهم وأضفوا عليها قداسة مصطنعة كي تصد الناس عن سبيل الله وتحول بينهم وبين معرفة حقيقة الإسلام . لقد نبت بعد الرسول أكثر من إسلام ، وأكثر من حكومة ، بالإضافة إلى آلاف الرويات ، كل ذلك بهدف سد الفراغ الذي أحدثه غياب الإمام ، أو بمعنى أدق تغييبه عن واقع الأمة .
ضرورة الإمامة هي ضرورة شرعية قبل أن تكون ضرورة عقلية حددها الرسول للأمة قبل وفاته على ما سوف نبين . .
ماذا جنت الأمة من الحكام على مر الزمان ؟ وماذا جنت الأمة من الروايات التي اخترعتها السياسة ؟ وماذا جنت الحركة الإسلامية اليوم من الأئمة الزائفين الذين حلوا محل أئمة الحق .
إن الحركة الإسلامية المعاصرة لن تنجح يوما في إقامة الدولة الإسلامية ما ظلت تتسلح بهذا الفكر الذي اخترعه الحكام وما ظلت متمسكة بعقيدة حكومية . إن هذه العقيدة لن تعطيها القدرة على مواجهة الحكام . وهي تجعل صراعها معهم أشبه بالصراع العائلي الذي من الممكن أن ينتهي في أي وقت بالتصالح أو بالتنازل . وإن تجربة الحركة الإسلامية اليوم مع الحكام لتشهد بذلك ، وفي مقدمة هذه التجارب تجربة الإخوان المسلمين مع نظام عبد الناصر في مصر .
وقد بات من الضروري على الحركة اليوم أن تتسلح بعقيدة الإمامة الحقة في مواجهة الواقع ، فهذه العقيدة هي التي سوف تمنحها القدرة والفاعلية على المواجهة والسعي بخطى ثابته نحو التغيير .
يقول السيد شبر : إن ما ذكر في بيان الاضطرار إلى الرسل فهو بعينه جار في الاضطرار إلى أوصيائهم وخلفائهم ، لأن الاحتياج إليهم غير مختص بوقت دون آخر ، وفي حالة دون أخرى .
ولا يكفي بقاء الكتب والشرائع من دون قيم لها عالم بها ، ألا ترى إلى الفرق المختلفة والمذاهب المتباينة كيف يستندون في مذاهبهم كلها إلى كتاب الله عز وجل . فيستند إلى قوله تعالى : ( الرحمن على العرش استوى ) . . و ( يد الله فوق أيديهم ) والمجبر إلى قوله : ( قل كل من عند الله ) . . ومن قال برؤية الله إلى قوله : ( وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ) . . ومن قال بخلق الأفعال إلى قوله : ( يضل من يشاء ويهدي من يشاء ) . . وبالجملة فإنك لا ترى فرقة من الفرق المحقة أو المبطلة إلا وهي تستند إلى كتاب الله بل وإلى سنة رسوله صلى الله عليه وآله ، وذلك لأن كتاب الله فيه المحكم والمتشابه والمجمل والمؤول والناسخ والمنسوخ ، والسنة فيها ذلك أيضا مع وقوع الكذب والتحريف والتصحيف .
هذا كله مع جهل أكثر الخلق بمعانيها وتشتت أهوائهم وزيغ قلوبهم . فلا بد حينئذ لكل نبي مرسل بكتاب من عند الله عز وجل أن ينصب وصيا يودعه أسرار نبوته وأسرار الكتاب المنزل ، ويكشف له مبهمه ليكون ذلك الوصي هو حجة ذلك النبي على أمته ، ولئلا تتصرف الأمة في ذلك الكتاب بآرائها وعقولها ، فتختلف وتزيغ قلوبها كما أخبر الله تعالى بذلك فقال : ( هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم . . ) .
إن إدراك مدى أهمية الإمامة وضرورتها يتبين لنا إذا ما قمنا برصد الجانب الآخر الذي حل محل الإمام وتسلط على الأمة ، ماذا قدم للإسلام والمسلمين ؟ هل تمكن من سد الفراغ الذي حدث بغياب الإمام ؟ هل قضى على الفرق والخلافات والمظالم والانحرافات ؟ هل عبر عن الوجه الحقيقي للإسلام ؟
لا شك أن أي متأمل في واقع المسلمين بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله يمكنه أن يجيب بالنفي ، فلا أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ولا معاوية وبنوه ولا بنو العباس تمكنوا أن يقنعوا الأمة بإمامتهم .
نعم لقد اعتبرتهم الأمة خلفاء وحكاما لكنها لم تعتبرهم أئمة . إلا أن فقهاء السلاطين وجيوش المنافقين أرادت أن تضفي على هؤلاء صفة الأئمة حتى تضلل الأمة عن الأئمة الحقيقين ، واخترعت مئات الأحاديث على لسان الرسول لتجبر الأمة على طاعتهم والسير على هديهم .
إننا لم نسمع أنه قيل الإمام أبو بكر أو الإمام عمر أو الإمام عثمان ، فقط سمعنا وعلمنا أنه قيل الإمام علي ، فالقوم على الرغم من موقفهم من قضية الإمامة إلا أن الله أنطق الحق على لسانهم فمنحوا لقب الإمام لعلي وحده .
إننا إذا اعتبرنا الإمامة منصبا اجتهاديا أو يقوم على الشورى كما يقول أهل السنة فإن ضرورتها تنتفي وتكون بهذه الصورة مسألة اختيارية تتغير بإرادة الرعية ، أما إذا اعتبرناها منصبا إلهيا فهنا تكمن ضرورتها .
فإن الله سبحانه لا يوجب على العباد شيئا لا ضرورة له أو تكون له أهمية هامشية . فغير الواجب يترك أمره للأمة تأخذ به أو تتركه ، فهي في مواجهته بالخيار ، أما في مواجهة الواجب فهي ملزمة مقيدة به .
ولقد عمل خصوم آل البيت على تعويم فكرة الإمامة والتقليل من شأنها حتى تهون في أعين المسلمين وبالتالي تنتفي ضرورتها وتفقد أهميتها ، وألصقوا الإمامة بكل من هب ودب من الناس واخترعوا الأحاديث التي توجب السمع والطاعة لهم .
يقول الشيخ جعفر السبحاني : إن رحلة النبي الأكرم أحدثت فراغا هائلا في مختلف المجالات المادية والمعنوية ، ومقتضى لطفه سبحانه وعنايته بالعباد أن يملأ هذا الفراغ بإنسان يخلف النبي ، ولا يقدر على ذلك إلا الإنسان المثالي الذي يكون له من الوعي والتربية والعلم والشجاعة مثل ما كان للنبي سوى كونه نبيا ذا شريعة ومتلقيا للوحي . كان النبي صلى الله عليه وآله يقوم بمسؤوليات كثيرة تجمعها الأمور التالية :
- إدراة أمور الأمة في مختلف مجالاتها الحيوية : السياسية والاقتصادية والعسكرية والقضائية وغيرها مما تجمعها إدارة الحكومة .
- تفسير الكتاب العزيز وتوضيح مقاصده وبيان أهدافه وكشف أسراره .
- الإجابة عن الأسئلة الشرعية التي لها مساس بعمل المسلم في حياته من حيث الحلال والحرام .
- الرد على الشبهات والتشكيكات التي يلقيها أعداء الإسلام ويوجهونها ضده من يهود ومسيحيين وغيرهم ، فكان يرد عليها تارة بلسان الوحي المقدس وأخرى بلسان الحديث .
- صيانة الدين الإسلامي عن أي فكرة تحريفية ، وعن أي دس في التعاليم . فلم يكن لأي دساس مقدرة على تحريف الدين أصولا وفروعا .
- يدفع بأمته في طريق الكمال والتقدم الروحي .
- ولا شك أن النبي كان يقوم بهذه المسؤوليات ، وكان فقدانه وغيابه عن الساحة يلازم حدوث فراغ هائل في حياة الأمة لا يسد إلا بإنسان يتمتع بتلك الكفاءات عدا النبوة وتلقي الوحي ، والفراغ الأول وإن كان يملأ باختيار الإمام من جانب الأمة ، لكن الفراغ الباقي لا يسد إلا بإنسان مثالي تربى في وضع خاص من العناية الإلهية .
ولما كانت هذه الأمور النفسية والمؤهلات المعنوية التي يتمكن بها الإنسان المثالي من ملء الفراغ لا يمكن الوقوف عليها ومعرفتها إلا بتعريف من الله تعالى وتعيين منه ، فلأجل ذلك صار الأصل عند الشيعة في مسألة الإمامة هو التنصيب والتعيين من جانبه سبحانه .
ثالثا : الإمام معين بنص من الله عز وجل أو رسوله (ص) أو إمام ثابتة إمامته ، ومهمة الإمام امتداد لإمامة الرسول (ص) ودوره متمم لدوره ، حيث يتولي الإمام القيام بإدارة شئون الدولة في كافة المجالات والقيام بشئون الدين .
وفي ذات المرجع " عقائد الشيعة وعقائد السنة " المنشور علي " شبكة الشيعة العالمية " يقول صالح الورداني تحت عنوان " تعيين الإمام " :
لما كانت الشيعة تتبنى عقيدة خاصة في الإمام ، فمن ثم فإن مسألة اختياره تعتمد على النص في المقام الأول ، ثم على العقل بعد ذلك .
والنص إما يكون من الله تعالى ، أو من رسوله ، أو من إمام ثابتة إمامته بالنص . أما العقل فيقول إن الناس في كل وقت محتاجون إلى عالم بكل ما كلف الله تعالى به عباده وجاء به الرسول من عنده من حلال وحرام ، ولأن نصب الإمام لطف واللطف واجب على الله عز وجل .
إن تعيين الإمام بالنص إنما يؤكد أهمية منصب الإمامة وضرورته وكونه مسألة شرعية في المقام الأول لا مجال لتدخل اجتهادات الناس فيها . فهي امتداد لمهمة الرسول ومرجع الأمة من بعده ، فلا بد أن تكون منصوصا عليها حتى تأخذ صفة المرجعية المطلقة ، ولو كان منصب الإمامة بالترشيح والاختيار لتنازع الناس عليها واختلفوا حولها وبالتالي ينتفي الغرض من وجودها . ولأجل ذلك وقع الخلاف على الآخرين الذين أحلوا أنفسهم مكان الإمام من الخلفاء والحكام من بعدهم .
ومن قال إن الأمة قد اجتمعت عليهم فالتاريخ والوقائع تكذب قوله ، وإن مثل هذا القول الهدف منه تخدير الأجيال القادمة .
أما الجيل المعاصر لعملية اختيار هؤلاء الحكام فقد دب بينهم الخلاف حول مشروعيتهم وإجماع الأمة عليهم .
والعقل الذي يقول بأن الإمام الذي يلي أمر الأمة من بعد الرسول لا بد أن تتوافر فيه المؤهلات العلمية التي تؤهله لسد الفراغ الذي أحدثه غياب الرسول . هذا العقل يحكم بأن الذين حكموا الأمة بعد الرسول لم يكونوا يملكون من هذه المؤهلات شيئا . وذلك بقليل من النظر في سيرة هؤلاء الحكام ومواقفهم وممارساتهم .
ومن هنا يتبين لنا أن الإمامة منصب اختصت به فئة معينة كانت تملك هذه المؤهلات . وأن هذه الفئة لا بد أن تكون محل قبول ورضا المسلمين . فالنص على إمامتهم لأجل توافر هذه المؤهلات فيهم يجعلهم محل رضا وقبول المسلمين .
يقول الدكتور علي شريعتي :
" الإمامة لدى الشيعة هي استمرار لإمامة محمد - دون نبوته - والإمامة عندهم هي بمعنى القدرة أي النموذج السامي للمدرسة والمنهج والانسان - القدوة - كذلك بمعنى القائد أي تواصل إمامة محمد . إن نبوة محمد ختمت به ، أما إمامته فبدأت به وانتهت في عترته ( آل البيت ) .
إن الشيعة ينكرون مبدأ الشورى والبيعة . ويعتقدون بدلا عنه بمبدأ الوصاية .
أما السنة فينكرون مبدأ الوصاية ويستندون إلى الشورى في الخلافة ، هذا الطرح التقليدي السائد .
أما في نظري فلا يوجد تناقض بين المبدأين . ولا يمكن اعتبار أحدهما بدعة مصطنعة وغير إسلامية . إن الشورى والبيعة تعنيان الديمقراطية ، وفي القرآن إشارات واضحة لصحة مبدأ الشورى .
لكن أي مؤرخ منصف لا يمكنه إنكار وصية الرسول لعلي عليه السلام . والوصاية هي ليست بالتعيين ولا بفرض القائد بطريقة فوقية . كما أنها ليست انتخابا أو وراثة ، أو نتيجة لترشيح أحد من الناس .
فالإمامة ليست هذه الصيغ السياسية ، لهذا تعتقد بأن الوصاية هي مبدأ بديهي بينما الشورى - أي البيعة وإجماع الناس - مبدأ إسلامي .
إن الوصاية هي مبدأ استثنائي لظرف استثنائي ، بينما الشورى والبيعة هما مبدآن طبيعيان ودائمان . . مبدأ الوصاية هو فوق مبدأ الشورى . كان يجب أن تستمر الوصاية بعد موت الرسول ، إلى أن تتحقق رسالة محمد في بناء الأمة ، لكن فاجعة " السقيفة " غيرت مجرى ومصير التاريخ الإسلامي . فقد تم الاستناد لحق في إلغاء حق آخر .
لو حدثت " السقيفة " في عام 250 ه - فترة غيبة الإمام الثاني عشر - بدلا من العام الحادي عشر للهجرة لكان مسير التاريخ شيئا آخر . إلا أن الأمر حدث على ذلك النحو : استندوا على الديمقراطية ومبدأ الشورى في وقت كانت المرحلة لا تزال هي مرحلة الوصاية . أي القيادة الثورية . لقد أدى ذلك إلى ضياع الديمقراطية نفسها . والقضاء على مبدأ الشورى نفسه .
بينما لو تم العمل بمبدأ الوصاية والقيادة الثورية بعد وفاة النبي لكنا قد وصلنا إلى مرحلة الشورى والديمقراطية بعد ذلك .
هكذا حرم الناس بعد وفاة النبي من القيادة الثورية - الوصاية والإمامة - ومن القيادة الديمقراطية - البيعة والشورى - وأدى ذلك إلى أن تتجه الأمور خلاف ما استهدفه الإسلام .
فالخلافة الإسلامية المستندة للبيعة تحولت إلى سلطنة عربية وراثية . والإمامة بعد قرنين ونصف من الجهاد والشهادة - انتهت للغيبة وتغيرت فلسفة التاريخ . وأصبحت فلسفة الانتظار ". انتهي الحديث المنسوب للدكتور / علي شريعتي .
ويتابع صالح الورداني :
إن فكرة الإمامة عند الشيعة لا تتناقض مع الشورى . فتعيين الإمام بالنص لا يعني الحجر على الشورى لأن الإمام لا يوحى إليه كما هو حال الرسول وهو لا يبلغ الأمة دينا جديدا وإنما يحافظ على الدين الذي ورثه من الرسول ويعبر عن صورته الحقيقية . هذه هي مهمته الأساسية التي لا ينازعه فيها أحد .
أما ما يتعلق بشؤون الناس وإدارة المجتمع فمجال الاجتهاد فيها مفتوح والشورى فيها واردة . فليس هناك من ينكر أن الشورى كانت مطروحة في حياة الرسول المعصوم والرسول هو أعلى من الإمام .
وإذا كانت مهمة الإمام هي الحفاظ على الدين وإقامة الحجة على الناس بنصوصه ، فإن من بين نصوصه ما يحض على الشورى . فإذا كان الرسول صلى الله عليه وآله قد طبق الشورى في حياته ، فيجب على الإمام أن يطبق الشورى ، إلا أن السياسة حالت دون أن يقوم الإمام بمهمته في واقع المسلمين .
وفترة حكم الإمام علي جاءت بغير ترتيب ، فهي فرضت عليه في ظل ظروف وأوضاع مهزوزة سياسيا وغير مستقرة اجتماعيا ومتقلبة اقتصاديا ، فهو لم يختر لكونه إماما وإنما اختير لكونه حاكما .
لقد أرادت الأمة من الإمام علي أن يكون حاكما لا أن يكون إماما منصوصا عليه ، ومن هنا كثر الخلاف عليه . وقد كانت الموروثات الفكرية والقبلية التي خلفها عصر الخلفاء الثلاثة قبله تحول دون بروزه كإمام .
ولو كانت الأمة قد تعاملت مع علي بن أبي طالب كإمام ما كان يمكن لها أن تعترف بمعاوية وتبرر جريمته بشق عصا الطاعة وتعتبره مجتهدا ، كما بررت من قبل موقف عائشة التي تسبب خروجها في إراقة دماء آلاف المسلمين .
وموقف الصحابة الذين رفضوا بيعته ثم هم بايعوا بعد ذلك معاوية وولده . إن فترة حكم الإمام علي هي جزء من مهمته ودوره كإمام يقيم الحجة على الناس وهو مستمر في إقامة الحجة بعد وفاة الرسول .
وليس الحكم إلا وسيلة لإظهار هذه الحجة وشيوعها وهو الأمر الذي افتقدت مقوماته في المدينة التي هيمنت عليها القبلية ودفع بالإمام إلى الانتقال إلى الكوفة لتكون مركزا لدعوته .
والإمام على رغم كون السلطة في يده فقد فتح حوارا مع عائشة وطلحة والزبير الذين خرجوا عليه في وقعة الجمل ، وفتح حوارا مع معاوية على الرغم من قناعته بأن الحوار معه لا يجدي وأنه ماض إلى تحقيق أطماعه على حساب الإسلام ، وفتح حوارا مع الخوارج وأرسل إليهم ابن عباس ليحاورهم رغم كونهم ليسوا أهل حوار ولا يفقهون سوى لغة واحدة هي لغة السيف والتمرد .
وإن مثل هذه الممارسات من قبل الإمام لهي تعد قمة العمل الديمقراطي في مواجهة أناس يشهرون في وجهه السيوف ويسعون لقتل الشورى ، فعائشة وحزبها خرجوا للدفاع عن مصالح قبلية متمثلة في عثمان ، والخوارج قطاع متحجر من المسلمين لا يفهم إلا السيف والنص على ظاهره ، ومعاوية يريدها مملكة لبني أمية .
رابعا : إمامة سيدنا علي بن أبي طالب ثابتة بالنص والعقل معا .
ويتابع صالح الورداني تحت عنوان " إمامة علي " :
ترتكز قضية الإمامة على النص والعقل كما ذكرنا ، وتطبيق هذين الأمرين يكون في الأساس على الإمام علي ، فهو الذي تدور حوله جميع نصوص الإمامة .
وبانطباق هذه النصوص عليه تنهض فكرة الإمامة باعتباره الإمام الأول من بعد الرسول فهو وصيه ، والأئمة من بعده إنما يستمدون درجتهم منه . وعلى قدر المكانة الشرعية للإمام علي تكون مكانة الأئمة التالين له ، فمن ثم يتركز الحديث دائما حول نصية الإمامة على الإمام علي وحده .
وعندما تثبت بالنصوص إمامة علي تثبت بالتالي إمامة الآخرين ، ومن جهة أخرى تبطل إمامة الآخرين من الخلفاء .
والشيعة عندما تعتقد أن عليا هو الإمام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله إنما يقودها إلى هذا الاعتقاد النصوص ، فالشيعة في الأصل تتعبد بالنصوص لا بأقوال الرجال . وهي عندما تقول بتميز الإمام علي عن غيره وخصوصيته وكونه وصي الرسول تقول ذلك بحكم النصوص .
فمسألة الإمامة مسألة مصيرية يرتبط بها مستقبل الأمة ووجودها لا مجال للاجتهاد فيها لأنها من مقررات الشرع الذي جاء لصالح الناس ولا يجوز أن يغفل قضية أساسية كالإمامة تقوم على أساسها مصالح الناس وأمنهم .
أما أهل السنة فالراجح في مذهبهم أقوال الرجال على النصوص ، وهم قد قاموا بتأويل النصوص الواردة حول الإمامة وصرفها عن معناها الحقيقي وأجمعوا على أنها لا تختص بأحد بعينه وطبقوها على الحكام على ما سوف نبين .
وهم على حد قول العلامة الحلي قد خالفوا المعقول والمنقول :
أما المعقول فهي الأدلة على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام من حيث العقل وهي من وجوه :
الأول : شرط الإمام أن لا يسبق منه معصية . والمشايخ يقصد أبو بكر وعمر والصحابة قبل الإسلام كانوا يعبدون الأصنام فلا يكونون أئمة . فتعين علي لعدم الفارق .
الثاني : الإمام يجب أن يكون منصوصا عليه ، وغير علي من الثلاثة ليس منصوصا عليه فلا يكون إماما .
الثالث : الإمام يجب أن يكون أفضل من رعيته ، وغير علي لم يكن كذلك .
الرابع : الإمامة رئاسة عامة وإنما تستحق بالزهد والعلم والعبادة والشجاعة والإيمان وعلي هو الجامع لهذه الصفات على الوجه الأكمل الذي لم يلحقه به غيره .
أما المنقول فالقرآن والسنة المتواترة .
ويقول السيد شبر : إن العقل السليم والفهم المستقيم يحيل على العزيز الحكيم والرسول الكريم مع كونه مبعوثا إلى كافة الأنام وشريعته باقية إلى يوم القيامة أن يهمل أمته مع نهاية رأفته وغاية شفقته بهم وعليهم ، ويترك بينهم كتابا في غاية الإجمال ونهاية الإشكال له وجوه عديدة ومحامل يحمله كل منهم على هواه ورأيه ، وأحاديث كذلك لم يظهر لهم منها إلا القليل وفيها مع ذلك المكذوب والمفترى والمحرف . ولا يعين لهذا الأمر العظيم رئيسا يعول في المشكلات عليه ويركن في سائر الأمور إليه .
إن هذا مما يحيل العقل على رب العالمين وعلى سيد المرسلين . . وكيف يوجب الله تعالى على الإنسان الوصية والايصاء عند الموت لئلا يموت ميتة الجاهلية ولئلا يدع أطفاله ومتروكاته بغير قيم وولي وحافظ ولا يوجب على النبي صلى الله عليه وآله الايصاء والوصية مع أن رأفة الله بخلقه ورأفة النبي بأمته لا نسبة لها بذلك . . ولذا اعترف جمهور المخالفين بجريان عادة الله تعالى من آدم إلى خاتم الأنبياء أن لم يقض نبيا حتى عين له خليفة ووصيا . وجرت عادة نبينا أنه متى سافر عين خليفة في المدينة فكيف تخلفت هذه السنة بالنسبة إلى خاتم الأنبياء المرسل إلى هذه الأمة المرحومة بأن يهملها وبتركها سدى . هذا كله مع انقطاع الأنبياء والرسل وبقاء التكليف إلى يوم القيامة وأن مرتبة الإمامة كالنبوة ، فكما لا يجوز للخلق تعيين نبي فكذا لا يجوز لهم تعيين إمام ، إذن ما هي النصوص الدالة على إمامة علي ؟
إن النصوص الدالة على إمامة علي ووجوب الإمامة وكونها أصلا من أصول الدين عند الشيعة أكثر من أن تحصى . وهي نصوص ليست حكرا على الشيعة وحدهم وإنما هي نصوص أهل السنة أيضا خاصة الأحاديث النبوية منها التي تذخر بها كتب السنن .
إلا أن موقف أهل السنة أيضا من هذه النصوص يقوم على التأويل والتبرير بحيث تبعد دلالات هذه النصوص وأهدافها عن مراد الشيعة . وسوف يظهر لنا هذا الأمر بوضوح ونحن نعرض النصوص الخاصة بالإمام علي في القرآن والأحاديث .
ونبدأ بعرض النصوص القرآنية :
- قوله تعالى : ( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ) المائدة / 55 . فقد شرك الله سبحانه رسوله معه في الولاية وكذلك الذين آمنوا والمقصود بهم هنا الإمام علي لنزول الآية فيه .
- قوله تعالى : ( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك . . . ) المائدة / 67 . وهذا النص نزل على الرسول صلى الله عليه وآله في حجة الوداع حيث أمر بإبلاغ الأمة ولاية علي على ما أجمعت على ذلك الروايات .
- قوله تعالى : ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى . . ) الشورى / 23 . وهذا النص يوجب على المؤمنين مودة قرابة الرسول ، ولا شك أن وجوب مودتهم ينتج عنه وجوب طاعتهم كأئمة للهدى ( 1 ) .
- قوله تعالى : ( فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل إلى الله فنجعل لعنة الله على الكاذبين . . ) . فهذا النص يخص الإمام علي والحسن والحسين وفاطمة .
فإن ( أبناءنا ) الحسن والحسين و ( نساءنا ) تعني فاطمة . وأنفسنا تعني علي . مما يدل على علو مكانة الإمام علي ، ومساواته بالرسول الأكمل تعني كماله هو أيضا .
- قوله تعالى : ( إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي . . ) البقرة / 142 . ومن هذا النص يتبين لنا أن الإمامة غير الرسالة أو غير الرسول . فقد كان إبراهيم رسولا ثم جعله الله إماما . ثم جعل الإمامة في ذريته واستثنى الظالمين منهم ومن المعروف أن النبي صلى الله عليه وآله وعلي من ذرية إبراهيم وكلاهما لم يسجد لصنم .
- قوله تعالى : ( إنما أنت منذر ولكل قوم هاد . . ) الرعد / 7 . فهذا النص يشير إلى دور الرسول ودور الإمام . فالرسول هو المنذر ، والإمام هو الهادي . فالإنذار يقتضي المواجهة أي مواجهة الرسول لقومه وإبلاغه دعوته لهم وجها لوجه . أما الهداية فلا تقتضي المواجهة وهو دور الإمام الذي يكون سببا لهداية الأقوام التي تأتي بعد الرسول .
- قوله تعالى : ( والسابقون السابقون * أولئك المقربون . . ) الواقعة / 10 - 11 . ومن المعروف أن الإمام عليا هو سابق أمة محمد إلى الإسلام . وهذا السبق يعطيه ميزة خاصة ترفعه فوق الجميع .
- قوله تعالى : ( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما . ) الأحزاب / 56 . إن الصلاة على الرسول تقتضي الصلاة على آل بيته كما في التشهد . وهذه دلالة قطعية على المكانة الشرعية للإمام علي على رأس آل البيت .
- قوله تعالى : ( . . وصالح المؤمنين ) التحريم / 4 . إن المقصود بصالح المؤمنين هنا هو علي ، فهو أفضل الصحابة وسيف الرسول وصهره وحامل علمه وصفيه .
- قوله تعالى : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) المائدة / 3 . نزلت هذه الآية على الرسول في حجة الوداع وهو يخطب بماء قرب المدينة يسمى غدير خم معلنا ولاية علي . ومن المعروف أن الدين كان كاملا قبل نزول الآية كعقيدة ولم يكن كاملا كأحكام وقد ظلت الأحكام تتنزل بعد هذه الآية مما يدل على أن المقصود بكمال الدين شئ آخر وهو إمامة علي .
- قوله تعالى : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) . . الأحزاب / 33 . وهذا النص يفيد طهارة آل البيت طهارة تكوينية ليست مكتسبة . والرجس هو كل صور المعاصي والتجاوزات الأخلاقية وغيرها مما لم يثبت على الإمام علي منه شئ . فدل هذا على إمامته . وقد ذكر الفقهاء أكثر من مئة آية نزلت في حق علي لا يتسع المجال لذكرها هنا ويمكن مراجعة ذلك في كتب التفسير .
النصوص النبوية : إن النصوص النبوية التي ذكرها الرسول صلى الله عليه وآله في الإمام علي أكثر من أن تحصى وهي تفوق النصوص الأخرى الواردة في الآخرين والتي هي من صنع السياسة في الأصل بهدف زعزعة مكانة الإمام .
وقد امتدت يد السياسة إلى النصوص الواردة فيه وحاولت تضعيفها . وما عجزت عن هدمه منها بددت معناه وموهت عليه حتى يضلوا المسلمين عن حقيقة مكانة الإمام ودوره ورسالته التي تسلمها من الرسول .
ولا شك أن سيادة الخط الأموي المعادي لآل البيت والإمام علي بعد وقعة صفين - والذي تزعمه معاوية - قد عمل جاهدا - على ما هو ثابت ومعروف - على سب الإمام والطعن في آل البيت واختراع الروايات التي تضفي المشروعية عليه وعلى ممارساته ومواقفه وتحط من الخط الآخر خط آل البيت وتثير الشبهات من حوله . وقد أعانه على هذا كله الكثير ممن ينتسب إلى الإسلام من مدعي الصحبة والتابعين .
وأول النصوص النبوية قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لعلي : " أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي " .
وقوله صلى الله عليه وآله : " إني تركت فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي الثقلين وأحدهما أكبر من الآخر . كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض . وعترتي أهل بيتي . ألا وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض " .
وفي رواية : " أيها الناس . إنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول من ربي فأجيب . وإني تارك فيكم الثقلين . أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به . فحث على كتاب الله ورغب فيه . ثم قال : وأهل بيتي . أذكركم الله في أهل بيتي . أذكركم الله في أهل بيتي . أذكركم الله في أهل بيتي " .
وقول علي : عهد إلي النبي الأمي أن لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق .
وقول الرسول صلى الله عليه وآله : " إني دافع الراية غدا إلى رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله كرار غير فرار ، لا يرجع حتى يفتح الله له . وأعطاها عليا ففتح الله على يديه .
وقول الرسول صلى الله عليه وآله : " علي مني وأنا منه . ولا يؤدي عني إلا أنا أو علي " .
وقول الرسول صلى الله عليه وآله : " اللهم وال من والاه وعاد من عاداه . وانصر من نصره . واخذل من خذله " .
وقول الرسول صلى الله عليه وآله : " إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله . فقال أبو بكر : أنا هو يا رسول الله ؟ قال : لا . قال عمر : أنا هو يا رسول الله ؟ قال : لا . ولكنه خاصف النعل وكان علي يخصف نعل رسول الله في الحجرة عند فاطمة " .
وفي رواية أخرى : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : " لتنتهن معشر قريش ، أو ليبعثن الله عليكم رجلا مني امتحن الله قلبه للإيمان ، يضرب أعناقكم على الدين . قيل يا رسول الله أبو بكر ؟ قال : لا . قيل : عمر . قال : لا . ولكن خاصف النعل في الحجرة " .
وقول الرسول صلى الله عليه وآله لعلي : " أنت مني وأنا منك " .
وتروي عائشة أن النبي خرج غداة وعليه مرط مرحل من شعر أسود ، فجاء الحسن بن فأدخله . ثم جاء الحسين فدخل معه
ثم جاءت فاطمة فأدخلها ، ثم جاء علي فأدخله ثم قال : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) ، ولما نزل قوله تعالى : ( فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم . . ) دعا رسول الله صلى الله عليه وآله عليا وفاطمة والحسن والحسين . فقال اللهم هؤلاء أهلي . . .
وقال له أيضا : " أنت أخي في الدنيا والآخرة " .
وقال : " من سب عليا فقد سبني " .
ترتكز قضية الإمامة على النص والعقل كما ذكرنا ، وتطبيق هذين الأمرين يكون في الأساس على الإمام علي ، فهو الذي تدور حوله جميع نصوص الإمامة .
وبانطباق هذه النصوص عليه تنهض فكرة الإمامة باعتباره الإمام الأول من بعد الرسول فهو وصيه ، والأئمة من بعده إنما يستمدون درجتهم منه . وعلى قدر المكانة الشرعية للإمام علي تكون مكانة الأئمة التالين له ، فمن ثم يتركز الحديث دائما حول نصية الإمامة على الإمام علي وحده .
وعندما تثبت بالنصوص إمامة علي تثبت بالتالي إمامة الآخرين ، ومن جهة أخرى تبطل إمامة الآخرين من الخلفاء .
والشيعة عندما تعتقد أن عليا هو الإمام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله إنما يقودها إلى هذا الاعتقاد النصوص ، فالشيعة في الأصل تتعبد بالنصوص لا بأقوال الرجال . وهي عندما تقول بتميز الإمام علي عن غيره وخصوصيته وكونه وصي الرسول تقول ذلك بحكم النصوص .
فمسألة الإمامة مسألة مصيرية يرتبط بها مستقبل الأمة ووجودها لا مجال للاجتهاد فيها لأنها من مقررات الشرع الذي جاء لصالح الناس ولا يجوز أن يغفل قضية أساسية كالإمامة تقوم على أساسها مصالح الناس وأمنهم .
أما أهل السنة فالراجح في مذهبهم أقوال الرجال على النصوص ، وهم قد قاموا بتأويل النصوص الواردة حول الإمامة وصرفها عن معناها الحقيقي وأجمعوا على أنها لا تختص بأحد بعينه وطبقوها على الحكام على ما سوف نبين .
وهم على حد قول العلامة الحلي قد خالفوا المعقول والمنقول :
أما المعقول فهي الأدلة على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام من حيث العقل وهي من وجوه :
الأول : شرط الإمام أن لا يسبق منه معصية . والمشايخ يقصد أبو بكر وعمر والصحابة قبل الإسلام كانوا يعبدون الأصنام فلا يكونون أئمة . فتعين علي لعدم الفارق .
الثاني : الإمام يجب أن يكون منصوصا عليه ، وغير علي من الثلاثة ليس منصوصا عليه فلا يكون إماما .
الثالث : الإمام يجب أن يكون أفضل من رعيته ، وغير علي لم يكن كذلك .
الرابع : الإمامة رئاسة عامة وإنما تستحق بالزهد والعلم والعبادة والشجاعة والإيمان وعلي هو الجامع لهذه الصفات على الوجه الأكمل الذي لم يلحقه به غيره .
أما المنقول فالقرآن والسنة المتواترة .
ويقول السيد شبر : إن العقل السليم والفهم المستقيم يحيل على العزيز الحكيم والرسول الكريم مع كونه مبعوثا إلى كافة الأنام وشريعته باقية إلى يوم القيامة أن يهمل أمته مع نهاية رأفته وغاية شفقته بهم وعليهم ، ويترك بينهم كتابا في غاية الإجمال ونهاية الإشكال له وجوه عديدة ومحامل يحمله كل منهم على هواه ورأيه ، وأحاديث كذلك لم يظهر لهم منها إلا القليل وفيها مع ذلك المكذوب والمفترى والمحرف . ولا يعين لهذا الأمر العظيم رئيسا يعول في المشكلات عليه ويركن في سائر الأمور إليه .
إن هذا مما يحيل العقل على رب العالمين وعلى سيد المرسلين . . وكيف يوجب الله تعالى على الإنسان الوصية والايصاء عند الموت لئلا يموت ميتة الجاهلية ولئلا يدع أطفاله ومتروكاته بغير قيم وولي وحافظ ولا يوجب على النبي صلى الله عليه وآله الايصاء والوصية مع أن رأفة الله بخلقه ورأفة النبي بأمته لا نسبة لها بذلك . . ولذا اعترف جمهور المخالفين بجريان عادة الله تعالى من آدم إلى خاتم الأنبياء أن لم يقض نبيا حتى عين له خليفة ووصيا . وجرت عادة نبينا أنه متى سافر عين خليفة في المدينة فكيف تخلفت هذه السنة بالنسبة إلى خاتم الأنبياء المرسل إلى هذه الأمة المرحومة بأن يهملها وبتركها سدى . هذا كله مع انقطاع الأنبياء والرسل وبقاء التكليف إلى يوم القيامة وأن مرتبة الإمامة كالنبوة ، فكما لا يجوز للخلق تعيين نبي فكذا لا يجوز لهم تعيين إمام ، إذن ما هي النصوص الدالة على إمامة علي ؟
إن النصوص الدالة على إمامة علي ووجوب الإمامة وكونها أصلا من أصول الدين عند الشيعة أكثر من أن تحصى . وهي نصوص ليست حكرا على الشيعة وحدهم وإنما هي نصوص أهل السنة أيضا خاصة الأحاديث النبوية منها التي تذخر بها كتب السنن .
إلا أن موقف أهل السنة أيضا من هذه النصوص يقوم على التأويل والتبرير بحيث تبعد دلالات هذه النصوص وأهدافها عن مراد الشيعة . وسوف يظهر لنا هذا الأمر بوضوح ونحن نعرض النصوص الخاصة بالإمام علي في القرآن والأحاديث .
ونبدأ بعرض النصوص القرآنية :
- قوله تعالى : ( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ) المائدة / 55 . فقد شرك الله سبحانه رسوله معه في الولاية وكذلك الذين آمنوا والمقصود بهم هنا الإمام علي لنزول الآية فيه .
- قوله تعالى : ( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك . . . ) المائدة / 67 . وهذا النص نزل على الرسول صلى الله عليه وآله في حجة الوداع حيث أمر بإبلاغ الأمة ولاية علي على ما أجمعت على ذلك الروايات .
- قوله تعالى : ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى . . ) الشورى / 23 . وهذا النص يوجب على المؤمنين مودة قرابة الرسول ، ولا شك أن وجوب مودتهم ينتج عنه وجوب طاعتهم كأئمة للهدى ( 1 ) .
- قوله تعالى : ( فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل إلى الله فنجعل لعنة الله على الكاذبين . . ) . فهذا النص يخص الإمام علي والحسن والحسين وفاطمة .
فإن ( أبناءنا ) الحسن والحسين و ( نساءنا ) تعني فاطمة . وأنفسنا تعني علي . مما يدل على علو مكانة الإمام علي ، ومساواته بالرسول الأكمل تعني كماله هو أيضا .
- قوله تعالى : ( إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي . . ) البقرة / 142 . ومن هذا النص يتبين لنا أن الإمامة غير الرسالة أو غير الرسول . فقد كان إبراهيم رسولا ثم جعله الله إماما . ثم جعل الإمامة في ذريته واستثنى الظالمين منهم ومن المعروف أن النبي صلى الله عليه وآله وعلي من ذرية إبراهيم وكلاهما لم يسجد لصنم .
- قوله تعالى : ( إنما أنت منذر ولكل قوم هاد . . ) الرعد / 7 . فهذا النص يشير إلى دور الرسول ودور الإمام . فالرسول هو المنذر ، والإمام هو الهادي . فالإنذار يقتضي المواجهة أي مواجهة الرسول لقومه وإبلاغه دعوته لهم وجها لوجه . أما الهداية فلا تقتضي المواجهة وهو دور الإمام الذي يكون سببا لهداية الأقوام التي تأتي بعد الرسول .
- قوله تعالى : ( والسابقون السابقون * أولئك المقربون . . ) الواقعة / 10 - 11 . ومن المعروف أن الإمام عليا هو سابق أمة محمد إلى الإسلام . وهذا السبق يعطيه ميزة خاصة ترفعه فوق الجميع .
- قوله تعالى : ( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما . ) الأحزاب / 56 . إن الصلاة على الرسول تقتضي الصلاة على آل بيته كما في التشهد . وهذه دلالة قطعية على المكانة الشرعية للإمام علي على رأس آل البيت .
- قوله تعالى : ( . . وصالح المؤمنين ) التحريم / 4 . إن المقصود بصالح المؤمنين هنا هو علي ، فهو أفضل الصحابة وسيف الرسول وصهره وحامل علمه وصفيه .
- قوله تعالى : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) المائدة / 3 . نزلت هذه الآية على الرسول في حجة الوداع وهو يخطب بماء قرب المدينة يسمى غدير خم معلنا ولاية علي . ومن المعروف أن الدين كان كاملا قبل نزول الآية كعقيدة ولم يكن كاملا كأحكام وقد ظلت الأحكام تتنزل بعد هذه الآية مما يدل على أن المقصود بكمال الدين شئ آخر وهو إمامة علي .
- قوله تعالى : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) . . الأحزاب / 33 . وهذا النص يفيد طهارة آل البيت طهارة تكوينية ليست مكتسبة . والرجس هو كل صور المعاصي والتجاوزات الأخلاقية وغيرها مما لم يثبت على الإمام علي منه شئ . فدل هذا على إمامته . وقد ذكر الفقهاء أكثر من مئة آية نزلت في حق علي لا يتسع المجال لذكرها هنا ويمكن مراجعة ذلك في كتب التفسير .
النصوص النبوية : إن النصوص النبوية التي ذكرها الرسول صلى الله عليه وآله في الإمام علي أكثر من أن تحصى وهي تفوق النصوص الأخرى الواردة في الآخرين والتي هي من صنع السياسة في الأصل بهدف زعزعة مكانة الإمام .
وقد امتدت يد السياسة إلى النصوص الواردة فيه وحاولت تضعيفها . وما عجزت عن هدمه منها بددت معناه وموهت عليه حتى يضلوا المسلمين عن حقيقة مكانة الإمام ودوره ورسالته التي تسلمها من الرسول .
ولا شك أن سيادة الخط الأموي المعادي لآل البيت والإمام علي بعد وقعة صفين - والذي تزعمه معاوية - قد عمل جاهدا - على ما هو ثابت ومعروف - على سب الإمام والطعن في آل البيت واختراع الروايات التي تضفي المشروعية عليه وعلى ممارساته ومواقفه وتحط من الخط الآخر خط آل البيت وتثير الشبهات من حوله . وقد أعانه على هذا كله الكثير ممن ينتسب إلى الإسلام من مدعي الصحبة والتابعين .
وأول النصوص النبوية قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لعلي : " أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي " .
وقوله صلى الله عليه وآله : " إني تركت فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي الثقلين وأحدهما أكبر من الآخر . كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض . وعترتي أهل بيتي . ألا وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض " .
وفي رواية : " أيها الناس . إنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول من ربي فأجيب . وإني تارك فيكم الثقلين . أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به . فحث على كتاب الله ورغب فيه . ثم قال : وأهل بيتي . أذكركم الله في أهل بيتي . أذكركم الله في أهل بيتي . أذكركم الله في أهل بيتي " .
وقول علي : عهد إلي النبي الأمي أن لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق .
وقول الرسول صلى الله عليه وآله : " إني دافع الراية غدا إلى رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله كرار غير فرار ، لا يرجع حتى يفتح الله له . وأعطاها عليا ففتح الله على يديه .
وقول الرسول صلى الله عليه وآله : " علي مني وأنا منه . ولا يؤدي عني إلا أنا أو علي " .
وقول الرسول صلى الله عليه وآله : " اللهم وال من والاه وعاد من عاداه . وانصر من نصره . واخذل من خذله " .
وقول الرسول صلى الله عليه وآله : " إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله . فقال أبو بكر : أنا هو يا رسول الله ؟ قال : لا . قال عمر : أنا هو يا رسول الله ؟ قال : لا . ولكنه خاصف النعل وكان علي يخصف نعل رسول الله في الحجرة عند فاطمة " .
وفي رواية أخرى : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : " لتنتهن معشر قريش ، أو ليبعثن الله عليكم رجلا مني امتحن الله قلبه للإيمان ، يضرب أعناقكم على الدين . قيل يا رسول الله أبو بكر ؟ قال : لا . قيل : عمر . قال : لا . ولكن خاصف النعل في الحجرة " .
وقول الرسول صلى الله عليه وآله لعلي : " أنت مني وأنا منك " .
وتروي عائشة أن النبي خرج غداة وعليه مرط مرحل من شعر أسود ، فجاء الحسن بن فأدخله . ثم جاء الحسين فدخل معه
ثم جاءت فاطمة فأدخلها ، ثم جاء علي فأدخله ثم قال : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) ، ولما نزل قوله تعالى : ( فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم . . ) دعا رسول الله صلى الله عليه وآله عليا وفاطمة والحسن والحسين . فقال اللهم هؤلاء أهلي . . .
وقال له أيضا : " أنت أخي في الدنيا والآخرة " .
وقال : " من سب عليا فقد سبني " .
خامسا: الإمام معصوم من الخطأ صغيرا كان أو كبيرا .
ويقول صالح الورداني في ذات المرجع تحت عنوان " عصمة الإمام " :
تنبع فكرة العصمة عند الشيعة من فكرة الوصية . فالرسول المعصوم لا يوصي إلا لمعصوم مثله . ومثلما مهمة الرسول تحتاج إلى عصمة كذلك مهمة الإمام التي هي امتداد لمهمته تحتاج لعصمة .
ولو لم يكن الإمام معصوما لتساوى مع بقية الناس ، ولما كانت هناك حاجة لوصيته وهو في هذه الحالة لن ينجح في حفظ الدين وإقامة الحجة على الناس .
إن الإيمان بتميز الإمام " علي " على الآخرين سوف يقود إلى الإيمان بالوصية . والإيمان بالوصية سوف يقود إلى الإيمان بالعصمة . ونظرا لكون أهل السنة لا يؤمنون بتميز الإمام " علي " على بقية الصحابة فمن ثم هم لا يؤمنون بالوصية وبالتالي يستهجنون فكرة العصمة .
يقول العلامة الحلي : ذهبت الإمامية إلى أن الأئمة كالأنبياء في وجوب عصمتهم عن جميع القبائح والفواحش . من الصغر إلى الموت عمدا أو سهوا ، لأنهم حفظة الشرع والقوامون به حالهم في ذلك حال النبي ولأن الحاجة إلى الإمام إنما هي للانتصاف من المظلوم عن الظالم . ورفع الفساد وحسم مادة الفتن . وأن الإمام لطف يمنع القاهر من التعدي ، ويحمل الناس على فعل الطاعات واجتناب المحرمات ويقيم الحدود والفرائض ويؤاخذ الفساق ويعزر من يستحق التعزير .
فلو جازت عليه المعصية وصدرت عنه انتفت هذه الفوائد وافتقر إلى إمام آخر ، إن العصمة ترتبط بنوع الدور والمهمة الملقاة على عاتق الإمام . ولما كان دور الإمام ومهمته تتطلب وجود مواصفات خاصة حتى يمكن القيام بها فمن ثم كانت العصمة ضرورة لا بد منها للإمام تدفع الجماهير إلى الثقة به والتلقي منه ولزوم الطاعة له وتحول دون منازعته من قبل الأدعياء .
يقول الشيخ جعفر السبحاني : إن الإجابة عن الأسئلة الشرعية على وجه الحق وتفسير القرآن على الصحيح وتفنيد الشبهات على وجه يطابق الواقع وصيانة الدين عن أي تحريف لا يحصل إلا بمن يعتصم بحبل العصمة ويكون قوله وفعله مميزين للحق والباطل . . نعم إن الإنسان الجليل ربما يملأ هذا الفراغ ولكن لا بصورة تامة جدا ، ولأجل ذلك نرى أن الأمة افترقت في الأصول والفروع إلى فرق كثيرة يصعب تحديدها وتعدادها ، فلأجل هذه الأمور لا محيص عن وجود إنسان كامل عارف بالشريعة ، أصولها وفروعها ، عالم بالقرآن واقف على الشبهات وكيفية الإجابة عنها ، قائم على الصراط السوي ليرجع إليه من تقدم على الصراط ومن تأخر عنه . هذا يقتضي كون الإمام منصوبا من جانبه سبحانه معصوما بعصمته .
إن تقصي حال الأمة من بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله يظهر لنا ما يلي :
أولا : منحت الشريعة لكل الحكام - ومن بعدهم - وألزم الجميع بالسمع والطاعة لهم .
ثانيا : اخترعت الكثير من الأحاديث والروايات وتمت نسبتها إلى الرسول .
ثالثا : إن الصحابة والتابعين وتابعي التابعين باركوا هذا الوضع كما باركوا الحكام ودعوا الجماهير إلى طاعتهم .
رابعا : إن سيرة هؤلاء الحكام وسلوكهم ومواقفهم متناقضة مع الإسلام وتصطدم بقواعده .
خامسا : إن القرآن قد حرفت معانيه وأولت آياته بحيث تخدم أغراض القوى الحاكمة .
سادسا : إن الفقهاء ساروا في ركاب الحكام وأضفوا على ممارساتهم ومواقفهم الشرعية .
ومن يتبين لنا أن الإسلام قد أخضع للأهواء والسياسة من بعد الرسول . ومال الفقهاء نحو الحكام . وتفرقت الأمة بسبب هذا الإسلام وصارت شيعا .
وهذا كله بسبب أن الذين تصدوا لحمله لم يصمدوا في وجه الباطل وانهاروا أمامه مما يدل على عدم صلاحيتهم للقيام بهذه المهمة . وليس من المعقول بل من المحال في حق الله سبحانه أن يترك الدين من بعد الرسول يتنازعه أهل الأهواء ويذهبون به مذاهب شتى مما يؤدي في النهاية إلى ضلال الأمة . وضلال الأمة يقتضي إرسال رسول جديد . وقد ختمت الرسالات بمحمد ، إذن لا بد أن يكون هناك عاصم للأمة تتوافر به مؤهلات الرسول ليقوم بمهمته من بعد ه وفي مقدمة هذه المؤهلات العصمة . إن ضرورة العصمة سوف تتضع لنا أكثر إذا ما اتجهنا بأبصارنا إلى الجانب الآخر الذي غيبته السياسة عن أعيننا وهو جانب آل البيت . بعد أن ألقينا الضوء على جانب الصحابة والتابعين والفقهاء والإسلام الذي يعرضونه والمتمثل في مذهب أهل السنة .
فإن إلقاء الضوء على هذا الجانب سوف يظهر لنا ما يلي :
أولا : إن أئمة آل البيت عليهم السلام تصدوا لمحاولات الانحراف بالإسلام وصدعوا بالحق في مواجهة الصحابة والتابعين والحكام .
ثانيا : إن أئمة آل البيت تصدوا لعملية اختراع الأحاديث ونسبتها للرسول والتزموا في مواجهة هذا الأمر بضرورة عرض الحديث على القرآن والعقل ، فما وافق القرآن والعقل كان سليما وما خالفهما كان موضوعا .
ثالثا : إن آل البيت قادوا الثورات ضد الحكام وتصدوا لفسادهم وانحرافاتهم .
رابعا : إن أئمة آل البيت بداية من الإمام علي وحتى الإمام الحادي عشر ماتوا قتلا بأيدي الحكام .
إن أئمة آل البيت قد امتحنوا وابتلوا بلاء عظيما وتعرضوا لضغوط شديدة من قبل الحكام كي يسايروا الوضع القائم لكنهم صبروا وثبتوا ورفضوا التعايش مع الواقع المنحرف وإضفاء الشرعية على الحكام .
ولا شك أنه بعد استعراض موقف الجانبين : إلا أنه في النهاية معصوم بدرجة ما ليست كاملة . إذ أنه لا بد أن تبدر منه
بعض الهفوات ولا بد أن يرتكب بعض المعاصي . أما الإمام فقدرته على عصمة نفسه أكبر من ذلك بحكم كونه تربية بيت النبوة . هذا على المستوى الذاتي الذي أهله إلى العصمة التكوينية كعصمة الرسل غير أنها أقل منها درجة . وبما أن الرسول معصوم ومما ينطق عن الهوى ، فعندما يختار وصية فإن هذا الاختيار يكون بوحي من قبل الله سبحانه يقتضي أن تكون عصمة المختار عصمة تكوينية أيضا . وعلى المستوى الفردي العادي يمكن للمرء أن يقوم بتربية ولده تربية دقيقة يبذل فيها قصارى جهده في تقويمه وإصلاحه وعزله عن المؤثرات وعوامل الانحراف فينشأ الولد معصوما بدرجة كبيرة بحيث يصبح مثلا يحتذى به في الخلق والسلوك السوي المستقيم .
وإذا كان هذا على مستوى الأفراد فكيف يكون الأمر على مستوى الأنبياء ؟
إذا الفرد العادي يستطيع أن يوصل ولده إلى مستوى عال من الأدب والخلق فإلى أي مدى يمكن أن يوصل النبي صلى الله عليه وآله الإمام عليا عليه السلام وهو الذي رباه وصنعه على يده وأعده ليكون إماما ؟
ونظرا لكون أهل السنة ينظرون لمسألة العصمة نظرة مبتورة ومنقوصة كما ذكرنا فإنهم ينظرون بعين الشك إلى مسألة عصمة الإمام عند الشيعة . أو بصورة أخرى إذا كان أهل السنة لا يعتقدون بعصمة الرسل عصمة كلية فهل يعتقدون بعصمة الإمام ! وهم يرتكزون في هجومهم على الشيعة دائما على فكرة العصمة وفكرة الغيبة التي سوف نعرض لها فيما بعد .
كما نعتبر كثير من المعاصرين المعتدلين من أهل الفقه والثقافة إن هاتين الفكرتين هما نقطة الضعف في الفكر الشيعي .
ويتهم البعض الشيعة بالتناقض لتبنيها العقل الذي نبذه أهل السنة ثم تبنيها فكرة العصمة والغيبة في آن واحد ، وهما فكرتان نبذهما أهل السنة على الرغم من أنهم لا يعطون للعقل المساحة التي تعطيها له الشيعة . . ومثل هذه التهم إنما توجه للشيعة على غير علم بطبيعة العقيدة الشيعية وأصولها المستمدة من أئمة آل البيت .
ومن العسير هضم فكرة العصمة أو فكرة الغيبة على أي باحث دون هضم فكرة الإمامة التي تتميز بها الشيعة عما هاتان الفكرتان سوى نتيجتين للإمامة ومن الصعب فهم النتائج دون فهم المقدمات .
موقف الصحابة والتابعين والفقهاء بعد الرسول .
وموقف آل البيت .
وصورة الإسلام الذي يقدمه كل من الجانبين للناس . . سوف يتبين لنا أن جانب آل البيت لا بد وأن يكون معصوما . فإن الثبات في مواجهة الفتن ، والانتصار على الهوى هو أعلى درجات العصمة .
وهو ما يبدو من سلوك أئمة آل البيت ومواقفهم ولا يبدو من سلوك ومواقف الجانب الآخر . ولا يتصور من هذا الطرح أن الشيعة يقدمون الأئمة على الرسل أو حتى يساوونهم بهم كما يشيع ذلك خصومهم . . فإن الإمام إنما يتلقى مهمته من الرسول الذي أوصى به فكيف يكون الوصي أعلى من الموصى .
والإمام علي نال مكانته من الرسول صلى الله عليه وآله وهو ينتسب إليه بحكم القرابة فهو إمام آل بيت الرسول من بعده . والرسول وهو على قيد الحياة جمع بين الرسالة والإمامة كما جمعها إبراهيم عليه السلام من قبله . وبعد وفاته انتهى دور الرسالة وبقي دور الإمامة متمثلا في الإمام علي .
إذن الإمام علي استمد قداسته من الرسول ، فكيف يتقدم عليه ؟ وكيف بعد هذا يقال إن الشيعة يعتقدون أن عليا أحق بالرسالة من محمد وأن جبريل أخطأ في الرسالة وبدلا من أن يهبط على علي هبط على محمد وهي مقولة تتردد كثيرا على ألسنة الناس حتى يومنا هذا . . وعلى هذا الأساس يمكن القول بأن عصمة الإمام أقل من عصمة الرسول ، لأن دور الإمام أقل من دور الرسول ، وهو مكمل له إلا أنها وإن كانت درجتها أقل من الرسول فهي أعلى من مستوى البشر بدرجات باعتبار أن كل إنسان إنما هو معصوم بدرجة ما .
إن المؤمن المداوم على الصلوات مثلا هو معصوم في حدود هذا الفعل ، فهو يملك القدرة على الاختيار بين المداومة على الصلوات وبين المداومة على المسكرات مثلا . واختياره الصلوات يعني عصمته من الانحراف نحو المسكرات .
أما الذي اختار المسكرات وترك الصلوات فهو غير معصوم . والمرء من الممكن أن يتفوه بأي شئ ، من الممكن أن يسب ويشتم ، من الممكن أن ينطق بكلمة الكفر . فإذا ملك لسانه عن أن يتكلم مثل هذا الكلام فهو معصوم اللسان .
والفتاة التي تصبر محتسبة حتى ترزق بزوج صالح هي معصومة . أما الفتاة التي مالت بها شهوتها وانحرفت فهي غير معصومة .
إن كلا منا من الممكن أن يكون معصوما ضمن حدود وإطار معين . من الممكن أن يعصم لسانه عن الكذب . من الممكن أن يعصم فرجه عن الزنا .
والمقدمة عند الشيعة تحتمها النصوص ، والنتيجة لا بد أن تكون شرعية أيضا ، أي أن الإمامة مسألة شرعية والعصمة والغيبة مسألتان شرعيتان كذلك . وإذا كنا قد عرضنا لقضية العصمة من الجانب العقلي فيما مضى فإن الأمر يحتم الآن أن نعرض للقضية من الجانب الشرعي .
- في مقدمة النصوص القرآنية التي يعتمد عليها الشيعة في إثبات عصمة الإمام قوله تعالى لنبيه إبراهيم : ( إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين ) البقرة / 124 .
يقول الطبرسي : استدل أصحابنا بهذه الآية على أن الإمام لا يكون معصوما عن القبائح لأن الله سبحانه نفى أن ينال عهده - الذي هو الإمامة - ظالم . ومن ليس بمعصوم فقد يكون ظالما إما لنفسه وإما لغيره ( 1 ) .
ويقول السيد محسن الأمين : قوله تعالى خطابا لإبراهيم : ( إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين ) غير المعصوم ظالم لنفسه فلا ينال عند الإمامة الذي هو من الله تعالى . وأنه يجب أن يكون أفضل أهل زمانه وأكملهم لأن تقديم المفضول على الفاضل قبيح . . ( 2 ) .
وهذا النص يشير إلى أن سلالات الأنبياء فيها المحسن والمسئ والعادل والظالم والفاجر والتقي . وآل البيت إنما هم امتداد لذرية إبراهيم عليه السلام لكنهم غير معصومين على وجه العموم إنما المعصوم منهم طائفة محددة بالنصوص هم الأئمة الاثنا عشر أولهم الإمام علي وآخرهم الإمام المهدي المنتظر عليهم السلام .
- أما النص الثاني من نصوص العصمة فهو قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) النساء / 59 .
يقول الشيخ الوائلي : إن أولي الأمر الواجب طاعتهم يجب أن تكون أوامرهم موافقة لا حكام الله تعالى لتجب لهم هذه الطاعة . ولا يتسنى هذا إلا بعصمتهم إذ لو وقع الخطأ منهم لوجب الإنكار عليهم وذلك ينافي أمر الله بالطاعة لهم .
وقول السيد الزنجاني : إن الإمام حافظ للشرع فيجب أن يكون معصوما وإنه لو وقع من الإمام الخطأ لوجب الإنكار عليه وذلك يضاد أمر الطاعة له بقوله تعالى : ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) وأيضا أنه لو وقعت منه المعصية لزم نقض الغرض من نصب الإمام والتالي باطل ، فالمقدم مثله بيان الشرطية أن الغرض من إمامته انقياد الأمة له وامتثال أوامره واتباعه فيما يفعله . فلو وقعت المعصية منه لم يجب شئ أقل من ذلك وهو مناف لنصبه .
الدليل الثالث : إنه لو وقعت من الإمام المعصية لزم أن يكون أقل درجة من العوام لأن عقله أشد ومعرفته بالله تعالى وعقابه وثوابه أكثر فلو وقعت منه المعصية كان أقل حالا من الرعية وكل ذلك باطل قطعا فيجب أن يكون الإمام معصوما .
ويقول السيد شبر : قوله تعالى : ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) دل على وجوب إطاعة أولي الأمر كإطاعة الرسول . ولهذا لم يفصل بينهما بالفعل لكمال الاتحاد والمجانسة بخلاف إطاعة الله وإطاعة الرسول . إذ لما كان بين الخالق والمخلوق كمال المباينة فصل بالفعل . ومن المعلوم أن الله سبحانه لا يأمر المؤمنين - لا سيما الصلحاء العلماء الفضلاء - بإطاعة كل ذي أمر وحكم لأن فيهم الفساق والظلمة ومن يأمر بمعصية الله تعالى ، فيجب أن يكون أولو الأمر الذين أمر الله بطاعتهم مثل النبي صلى الله عليه وآله في عدم صدور الخطأ والنسيان والكذب والمعاصي . ومثل هذا لا يكون إلا من قبل الله تعالى العالم بالسرائر كما في النبي صلى الله عليه وآله .
ويروى عن الباقر والصادق عليهما السلام أن أولي الأمر في الآية هم الأئمة من آل محمد ، أوجب الله طاعتهم بالاطلاق كما أوجب طاعته وطاعة رسوله ولا يجوز أن يوجب الله طاعة أحد على الإطلاق إلا من ثبتت عصمته وعلم أن باطنه كظاهره وأمن منه الغلط والأمر القبيح ، وليس ذلك بحاصل في الأمراء ولا العلماء - كما يفسر النص أهل السنة - سواهم جل الله عن أن يأمر بطاعة من يعصيه أو بالانقياد للمختلفين في القول والفعل لأنه محال أن يطاع المختلفون كما أنه محال أن يجتمع ما اختلفوا فيه . ومما يدل على ذلك أيضا أن الله تعالى لم يقرن طاعة أولي الأمر بطاعة رسوله كما قرن طاعة رسوله بطاعته إلا وأولو الأمر فوق الخلق جميعا كما أن الرسول فوق أولي الأمر وسائر الخلق ، وهذه صفة أئمة الهدى من آل محمد صلى الله عليه وآله الذين ثبتت إمامتهم وعصمتهم واتفقت الأمة على رتبتهم وعدالتهم .
إن النص يخاطب المجتمع المؤمن المتقيد بطاعة الله وطاعة رسوله وهذا التقيد بوجب طاعة من يلتزم بطاعة الله ورسوله من أولي الأمر وإلا أصبح النص معدوم القيمة . ولو جازت طاعة الله ورسوله من أولي الأمر والفاسقين منهم لجاز التفلت من طاعة الله وطاعة رسوله وعدم التقيد بها . إذ أن الحاكم المنحرف الفاسد لن يتقيد بطاعة الله وطاعة رسوله ، وبالتالي سوف يجر الأمة إلى التفلت من طاعة الله ورسوله وهو ما حدث في تاريخ هؤلاء الحكام الذين دانت لهم الأمة بالسمع والطاعة بأحاديث مخترعة تتناقض مع النص القرآني الذي نحن بصدده . والذين حلوا محل الأئمة الأطهار المقصودين بقوله تعالى : ( وأولي الأمر منكم ) . .
- والنص الثالث : هو قوله تعالى : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا . . ) الأحزاب / 33 .
يقول الشيخ السبحاني : استدلت الشيعة الإمامية عن بكرة أبيها بهذه الآية على عصمة آل البيت الذين نزلت هذه الآية في حقهم . وأن الإرادة المقصودة من النص إرادة تكوينية لا تشريعية ، بمعنى أن إرادته التكوينية التي تعلقت بتكوين الأشياء في عالم الوجود تعلقت أيضا بإذهاب الرجس عن أهل البيت وتطهيرهم من كل رجس وقذر ومن كل عمل يستنفر منه .
يقول الشيخ فرج الله الحسني : دلالة الآية على عصمة الخمسة الرسول وعلي وفاطمة والحسن والحسين لأنها صدرت بأداة الحصر وهي كلمة " إنما " ، وتعلق إرادته تعالى بالتطهير وبإذهاب الرجس وهو فعله تعالى يدل على أن الإرادة تكوينية على ما ثبت في محله ومتعلق التطهير وهو " الرجس " مطلق محلى بألف ولام الجنس . فالآية الشريفة تعلن نفي مما هو الرجس بنحو العام الاستيعابي المجموعي عن أهل البيت المذكورين فيها .
ويقول الشيخ الوائلي : معنى ذهاب الرجس نفي كل ذنب وخطأ عنهم ، والإرادة هنا تكوينية لا تشريعية لوضوح أن التشريعية مرادة لكل الناس .
ويقول الطبرسي : استدلت الشيعة على اختصاص الآية بهؤلاء الخمسة عليهم السلام بأن قالوا أن لفظة " إنما " محققة لما أثبت بعدها نافية لما لم يثبت ، فإن قول القائل إنما لك عندي درهم وإنما في الدار زيد يقتضي أنه ليس عنده سوى الدرهم وليس في الدار سوى زيد . وإذا تقرر هذا فلا تخلو الإرادة في الآية من أن تكون في الإرادة المحضة أو الإرادة التي يتبعها التطهير وإذهاب الرجس . ولا يجوز الوجه الأول لأن الله تعالى قد أراد من كل مكلف هذه الإرادة المطلقة ، فلا اختصاص لها بأهل البيت دون سائر الخلق ، ولأن هذا القول يقتضي المدح والتعظيم لهم بغير شك وشبهة ولا مدح في الإرادة المجردة ، فثبت الوجه الثاني وفي ثبوته ثبوت عصمة المعنيين بالآية من جميع القبائح . وقد علمنا أن من عدا من ذكرنا من أهل البيت غير مقطوع على عصمته فثبت أن الآية مختصة بهم لبطلان تعلقها بغيرهم ، ومتى قيل إن صدور الآية وما بعدها في الأزواج فالقول فيه إن هذا لا ينكره من عرف عادة الفصحاء في كلامهم فإنهم يذهبون من خطاب إلى غيره ويعودون إليه ، والقرآن من ذلك مملوء وكذلك كلام العرب وأشعارهم .
ونظرا لدلالة نص التطهير القطعية ومعناه الظاهر المحدد بآل البيت لم يجد أهل السنة في مواجهته سوى التسلح بالتعويم أي إطلاق النص على نساء النبي صلى الله عليه وآله وآل البيت بشكل عام حسب تعريفهم العائم له على ما سوف نبين .
إلا أنهم فاتهم عدة نقاط هامة تتعلق بالنص المذكور :
الأولى : لغوية وقد ألقينا الضوء عليها من أقوال فقهاء الشيعة حول الآية .
الثانية : تتعلق بالسياق فهم يعتبرون السياق العام للنص يخاطب نساء النبي إلا أن المعروف أن السياق ليس بحجة لأن ترتيب الآيات ليس توقيفيا على الأرجح ، ولا هناك من النصوص القرآنية ما يقتضي سياقه اختلال المعنى على الظاهر مثل قوله تعالى : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) فإن الآيات التالية لهذه الآية في سورة المائدة آيات أحكام ، وإذا اعتبرنا السياق حجة فيجب أن تكون هذه الآيات سابقة لآية كمال الدين .
الثالثة : إن نساء النبي ذكرن بالذم في نفس السورة وفي سورة التحريم وعلى لسان الرسول في أحاديث كثيرة وهذا يتناقض مع طهارتهن ويدل على أنهن لسن مقصودات بآية التطهير .
الرابعة : إن هناك روايات وردت على لسان الرسول تخصص الآية وتحصرها في حدود الخمسة ، وتعرف آل البيت في حدود علي وفاطمة والحسن والحسين دون غيرهم وعلى رأس هذه الروايات حديث الكساء .
سادسا : آل بيت النبي (ص) معصومون أيضا .
ويتابع صالح الورداني في ذات المرجع قائلا :
وبالإضافة إلى هذه النصوص القرآنية هناك حديث وارد عن الرسول صلى الله عليه وآله يفيد ثبوت العصمة لآل البيت . . وهذا النص النبوي هو حديث الثقلين الذي ذكرناه سابقا في نصوص الإمامة . فهذا النص قد قرن الكتاب بالعترة الطاهر( كتاب الله وعترتي ) وربط العترة بالكتاب دليل على عصمة العترة أئمة آل البيت .
فما دام الكتاب معصوما فلا بد أن تكون العترة المقرونة به معصومة أيضا ، إذ ليس من المقبول عقلا أن يربط الرسول بالقرآن فئة غير جديرة بهذا الارتباط وليست على مستواه . فلا بد أن تكون هذه الفئة تتوافر بها مؤهلات حفظ الكتاب من بعد الرسول وإبلاغه للناس على الوجه الأكمل دون تحريف أو تأويل أو ميل للباطل أو القبلية أو الهوى أو الحكام ، وهذا الدور في ذاته يتطلب عصمة . ومثل هذا النص يشير إلى أن العترة هي وارثة الكتاب من بعد الرسول والمعبر الحقيقي عن الإسلام مما يوجب إمامتهم ويوجب بالتالي عصمتهم . وهذا ينفي فكرة الإمامة عند أهل السنة ويبطل خلافة الثلاثة من بعد الرسول . كما ينفي من جانب آخر ما قيل حول جمع القرآن من قبل أبو بكر فالرسول قد أورث الكتاب كاملا لعترته ممثلة في رأس العترة الإمام علي ولا يعقل أن يتركه مبعثرا هنا وهناك مهددا بالفقد والضياع والنسيان ، ولو صح ما يعتقده أهل السنة من أفضلية أبو بكر على الأمة وعلى الإمام علي ، لترك الرسول القرآن لديه أو لدى عمر أو لدى عثمان وهم جميعهم مقدمون على الإمام عندهم . لكن الثلاثة كما هو معروف لم يكونوا من حفظة القرآن ولا من كتبته مما يدل على أن هناك طرفا آخر ورث الكتاب عن الرسول غير هؤلاء ، تتوافر لديه مقومات حمل هذه التبعية ويتحلى بمؤهلات ليست في هؤلاء من التقوى والعلم والشجاعة تعينه على القيام بهذه المهمة من بعد الرسول . . صاحب هذه المؤهلات هو الإمام علي . ومهمته هذه هي امتداد لمهمة الرسول ومكملة لها مما يفرض أن يكون معصوما هو ومن يتسلم المهمة من بعد أئمة آل البيت .
سابعا : الإمام الثاني عشر الغائب محمد بن الحسن هو المهدي المنتظر .
ويقول صالح الورداني تحت عنوان " غيبة الإمام " :
يؤمن أهل السنة والشيعة بالمهدي المنتظر . غير أن الفارق كبير بين الاتجاهين حول الموقف من المهدي . . فشخصية المهدي عند أهل السنة تختلف اختلافا كبيرا عن شخصيته عند الشيعة . . المهدي عند السنة رجل في علم الغيب ليس معروفا لأحد . ربما يكون قد ولد وربما لم يولد بعد ، يصلحه الله في يوم وليلة .
والمهدي عند الشيعة هو الإمام الثاني عشر الخاتم لسلسلة الأئمة ابن الإمام الحادي عشر وقد ولد عام 255 ه واختفى من عام 260 ه إلى عام 329 ه فيما سمي بالغيبة الصغرى ثم غاب بعد ذلك غيبته الكبرى .
المهدي عند السنة مجهول الشخصية من الممكن أن يتقمص شخصية أي مدع . وآخر صور الادعاء في الوسط السني ظهرت عام 79 م عندما احتل الحرم المكي مجموعة من شباب التيار السلفي معلنين ظهور المهدي وقد باءت حركتهم بالفشل .
أما عند الشيعة فالمهدي شخصية معروفة شاهدها الكثير من المعاصرين قبل الاختفاء كما كان على صلة بشيعته طوال فترة الغيبة الصغرى عن طريق السفراء الأربعة الذين كانوا حلقة الوصل بين الشيعة والإمام .
المهدي عند الشيعة هو محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام وعقيدة الانتظار عند الشيعة عقيدة إيجابية دافعة نحو التغيير والبناء ، فالمؤمن الذي يعيش في عصر غيبة الإمام إنما يهيئ النفس ويعدها في حالة ترقب واستعداد لظهور الإمام ليكون من جنده وينال شرف الجهاد تحت لوائه من أجل إعلاء كلمة الله وتحطيم عروش المستكبرين في الأرض . فمن ثم نرى الشيعة يبتهلون إلى الله في صلواتهم على الدوام داعينه سبحانه أن يعجل بظهوره ليضع حدا للظلم والشرك والفساد الذي ساد البلاد والعباد .
ومثل عقيدة الانتظار هذه أن تشكل عامل تعبئة دائمة للمسلم المؤمن بعقيدة الإمامة تجعل منه قوة صدامية في مواجهة الباطل والظلم والعدوان حتى قبل ظهور الإمام . ولولا عقيدة الإمامة ما نجحت الثورة الإسلامية في إيران .
أما أهل السنة فلا عقيدة المهدي أدنى تأثير على سلوكهم ومواقفهم تجاه الواقع والأحداث ، وذلك يعود إلى غموض شخصية المهدي وافتقاد فكرة الإمامة بصورتها الشرعية الصحيحة ، مما جعل من قضية المهدي قضية هامشية عندهم تظل في طي النسيان حتى يظهر من يفجرها .
ولقد شكلت حادثة الحرم المكي التي تزعمها جهيمان العتيبي والتي أعلنت ظهور المهدي عام 79 ، شكلت مفاجأة كبيرة للمسلمين السنة في كل مكان ، وقد انجذب نحو هذه الحركة الكثير من شباب الحركة الإسلامية في مصر والجزيرة واليمن والكويت وغيرها الذين فوجئوا بظهور المهدي .
وبعضهم كان قد رآه في المنام ثم بعد أن فشلت هذه الحركة وقتل المهدي المزعوم اختفت فكرة المهدي من واقع المسلمين وغابت عن الأذهان في انتظار من يحييها بإعلان " مهدي " جديد .
إن فكرة الإمامة المائعة عند أهل السنة والتي دفعت بهم إلى جعل الحكام أئمة ، طاعتهم واجبة وإن جاروا وفسقوا ، قتلت في نفوس المسلمين روح مقاومة الظلم والفساد والتمرد على الواقع الفاسد .
وقتلت بالتالي في نفوسهم عقيدة انتظار المهدي المخلص الذي سوف يقضي على الظلم والفساد ويقيم دولة العدل والأمان والرخاء . وكان لا بد من قتل هذه العقيدة والتعتيم عليها لأن اعتناقها يشكل تهديدا مباشرا للقوى الحاكمة .
ولعل البعض يقول على الرغم من ذلك : إن اعتقاد أهل السنة في المهدي هو أقرب إلى العقل والواقع من اعتقاد الشيعة الذين ينتظرون إماما غاب منذ أكثر من ألف عام وهو على قيد الحياة . والذين يطرحون مثل هذا التصور إنما يغيب عليهم استيعاب قضية الإمامة عند الشيعة . فهم ينظرون إلى قضية المهدي المنتظر نظرة مجردة معزولة عن قضيتها الأم قضية الإمامة . فإن المهدي هو خاتم سلسلة الأئمة التي بدأت بالإمام علي وغيبته هي نتيجة حتمية لحركة هؤلاء الأئمة .
فإذا أهل السنة والشيعة كلاهما يقر بأن الرسول أبلغ الأمة أن هناك اثني عشر إماما يأتون من بعده ، فهؤلاء الأئمة لم يظهر منهم سوى أحد عشر إماما عند الشيعة أما الثاني عشر فلم تتح له فرصة الظهور بسب تربص الحكام وبطشهم واضطر إلى الاختفاء إلى أجل يعلمه الله .
وبما أن هذا الإمام من سلسلة آل البيت أبناء فاطمة ووالده الإمام الحادي عشر كان موجودا فلا بد لولده أن يكون موجودا . إذ لا يعقل أن يظهر الإمام الثاني عشر منفصلا عن أبيه بعدة قرون .
نحن هنا أمام عدة احتمالات :
الأول : أن الإمام الحادي عشر مات ولم ينجب وبالتالي يكون الإمام الثاني عشر سوف يظهر من سلسلة أخرى غير سلسلة آل البيت .
الثاني : أن يكون الإمام الثاني عشر قد ظهر ومات .
الثالث : أن يكون الإمام الثاني عشر قد ظهر واختفى .
الاحتمال الثالث هو الراجح فلم يثبت تاريخيا أن الإمام الحادي عشر مات ولم يعقب كما يحاول البعض من أهل السنة أن يشكك في ذلك .
والثابت تاريخيا أيضا أن الإمام الثاني عشر اختفى بعد ولادته بخمس سنوات فهو ولد دون أن يؤدي دوره ويعلن حجته .
وقضية طول العمر قضية ليست مرفوضة من الجانب الشرعي كما أنها ليست مرفوضة من الجانب العقلي والعلمي . فالقرآن يقص علينا أن عمر نوح بلغ أكثر من ألف عام فهو قد مكث يدعو قومه ألف سنة إلا خمسين عاما سوى عمره .
وأطال الله في أعمار أهل الكهف ، ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا .
ومن عهد ذي القرنين ويأجوج ومأجوج على قيد الحياة في انتظار سقوط السد النحاسي الذي يعزلهم عن العالم .
وهناك الدابة التي حدثنا عنها القرآن التي تخرج من الأرض تكلم الناس وهي من معجزات آخر الزمان .
وكذلك هناك الخضر الذي يعتقد الجمهور ببقائه حيا كما تشهد بذلك الآية وهو معمر على جميع الأقوال.
وعيسى نبي الله الذي تم رفعه من الأرض وينتظر نزوله في آخر الزمان حسبما تنص الروايات .
وتنص الأحاديث على وجود الدجال من زمن الرسول حيا وأنه سوف يظهر في آخر الزمان ويواجه المهدي .
فإذا كان الله سبحانه قد أطال أعمار أهل الكهف ثلاثة قرون لمجرد إحداث معجزة تقام بها الحجة على قومهم .
وأطال في أعمار يأجوج ومأجوج وهم قوم أشرار سوف يفسدون في الأرض .
وأطال في عمر الخضر وهو فرد واحد ليست له دعوة عامة وليس هناك من رسالة يبلغها للناس . وأحيا الدابة وهي معجزة فردية . ورفع عيسى ليكون حجة على قومه . وأطال في عمر الدجال لينشر الشر في آخر الزمان .
أفلا يكون من الأولى إطالة عمر الرجل الذي سوف يواجه الشر وينشر الخير ويقيم العدل وهو يحمل على كاهله مسؤولية كبرى ودعوة عامة للناس أجمعين مسلمين وغير مسلمين هي امتداد لدعوة الرسول صلى الله عليه وآله ومكملة لها في عصر
يغيب فيه الإسلام ويغترب عن الناس وتصبح الحاجة ماسة إلى ظهور إمام تتوافر به مؤهلات خاصة تعينه على أداء دوره ورسالته دون تأثر بفتن العصر ومغرياته .
ونحن في واقعنا المعاصر نشاهد أناسا من المعمرين تجاوزت أعمارهم المائة عام بعشرات السنين ولا نجد أي حكمة لإطالة أعمارهم إلى هذا الحد ، فليسوا هم بأصحاب علم أو دعوة تنتفع الناس بها وليسوا هم بقادة تحتاجهم شعوبهم . فلماذا يطيل الله في أعمار هؤلاء ؟
إنه ليس هناك من جواب لهذا السؤال سوى أن المعمرين هؤلاء برهان ساطع للناس أن الله سبحانه الذي أطال في أعمار هؤلاء دون فائدة واضحة أو هدف اجتماعي أو سياسي من الأولى أن يطيل في عمر إمام سوف يقود البشرية ويحي الملة وينصر المستضعفين ويقضي عل المستكبرين ويملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا .
وقضية صغر سن الإمام المهدي هي من صور الابتلاء والتمحيص للمؤمنين ومع ذلك فهي قضية لا تصطدم بروح الشرع فقد أوتي يحيى عليه السلام الحكمة صبيا وجعل عيسى في المهد نبيا ، فحمل الدعوة والحكمة في مثل هذه السن المبكرة أمر قد تكرر حدوه من قبل .
وما يثار عن الانتفاع بغيبته يعود سببه إلى عدم الوعي بدور الإمام وماهية حركته ، فالإمام حجة على الناس وممثل لخط الرسول خط آل البيت الذي يعبر عن الصورة الحقيقية للإسلام . فمن عاصره انتفع به انتفاعا مباشرا ومن لم يعاصره انتفع به انتفاعا غير مباشر أي الانتفاع بخطه ودعوته .
فالإمام كالرسول هو الحاضر الغائب في واقع المؤمنين . حاضر بعلمه ودعوته غائب بجسده وهيئته . إن المؤمن بغيبة الإمام ينتفع به على الدوام ، ففضلا عن كونه يعيش حالة تعبئة معنوية دائمة متسلحا بالتقوى والوعي والقوة المادية . هو يسير في ظل الإمام فيعصم نفسه عن الانحراف إلى الباطل ويحصنها في مواجهة الظلم والفساد بعكس المسلم الهائم على وجهه تتجاذبه الفرق والاتجاهات المتناحرة فيميل إلى هذه الفرقة تارة وهذا الاتجاه تارة ويعتزل الواقع تارة أخرى .
والمتأمل في واقع الحركة الإسلامية اليوم يكتشف مدى حالة الحيرة والتيه التي يعيشها الشباب المسلم بين التيارات الإسلامية المختلفة ، تلك الحيرة التي تؤدي به في أغلب الأحيان إلى الكفر بهذه التيارات جميعها . وما سبب ذلك إلا فقدان فكرة الإمامة من نفوس هؤلاء الشباب الذين لو كان لهم تعلق بإمام وإن كان غائبا عنهم لاستقامت أفكارهم واستقامت حركتهم . وقول الرسول صلى الله عليه وآله : " من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية " .
فكون الإمام يعد فيصلا بين الإسلام والجاهلية فهذا يعني عصمته ، فأداة معرفة الحق هي جزء من الحق . فالإمام المعصوم سوف يوصلنا إلى الحق المعصوم . أما أدعياء الإمامة فلا يوصلون إلا إلى الباطل . ومعرفة الإمام في ذاتها هي وسيلة للنجاة من السقوط في الجاهلية التي هي نقيض الإسلام . وهي لا تعني بالضرورة معايشة الإمام أو رؤيته رأي العين . إنما تعني معرفة خطه وطريقه . فما دام المسلم قد تعرف على خط الإمام وسار على طريقه فقد نجا من الجاهلية حتى وإن لم ير الإمام . فإن الهدف هو معرفة الإمام وليس رؤية شخصه . ومعرفة الإمام تعني معرفة الحق .
ولعل هذا هو المقصود من قول الرسول صلى الله عليه وآله : " من فارق لجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه " . وفي رواية أخرى : " فقد مات ميتة جاهلية " . أو هو المقصود من قوله لحذيفة : " الزم جماعة المسلمين وإمامهم " .
فإن الجماعة المقصودة هنا هي جماعة الإمام المعصوم وليس جماعة الحكام الذين يعبرون عن الصورة الزائفة للإسلام . ولما كانت الأمة قد انحرفت عن الإمامة فقد انحرفت بالتالي الجماعة ولما استبدلت الإمام بالخلفاء والحكام استبدلت بالتالي جماعة المسلمين الحقة بدول ومجتمعات اعتبر الخروج عن دائرتها خروجا عن دائرة الإسلام . مما قاد الأمة إلى مرحلة الانحطاط الخلقي والاجتماعي والعقائدي مما يوجب ظهور مصلح يقود الأمة ويبعثها من جديد تحت راية الإسلام الحقة التي طواها الحكام وأحلوا مكانها رايات الجاهلية الزائفة .
وهذا هو دور الإمام الغائب أن يعمل على سد هذا الفراغ الكبير الذي أحدثه غياب الأمة عن الإسلام وتبدد صورته الحقيقية . فليست مهمة هذا الإمام تنحصر في الدائرة الاجتماعية أو الاقتصادية ، إنما مهمته مهمة عقائدية في المقام الأول ، ولعل حالة الانحراف التي كانت سائدة في زمن ولادة الإمام المهدي لم تكن تقتضي أن يتحرك لمواجهتها كما هو حال الأئمة الذين سبقوه واقتضت حكمة الله أن يدخر هذا الإمام لعصر آخر تكون الحاجة ماسة لظهوره فيه . كما أن ظهوره في عصر هو غريب عنه سوف يكون له أثره الفعال في إنجاح مهمته .
إذ أن تأثير العصر عليه وتأثره به سوف يكون معدوما . مما يجعل صدامه معه أكثر فعالية لا مجال فيه للمهادنة أو التراجع .
إن ضغوط الواقع الدولي لن يكون لها أدنى تأثير على حركة الإمام المهدي لأنه سوف يكون متحررا من هذه الضغوط بحكم كونه ليس من أهل هذا العصر ، وهذا من دلائل عصمته . إذ لو كان من أهل هذا الزمان لتأثر به لكون ضغوطه شديدة ومؤثراته أشد . وهو زمان تختلف مقوماته وأوضاعه عن الأزمان الماضية اختلافا كبيرا . كما أن طبيعة الصراع فيه تحتاج إلى قدرات خاصة تفرض العصمة في الإمام الذي سوف يتصدى للمواجهة وحمل راية التغيير في هذا الزمان .
ثامنا : آل بيت النبي (ص) هم علي وفاطمة والحسن والحسين وباقي الأئمة - "التسعة" .
ويضيف صالح الورداني تحت عنوان " آل البيت " :
إن آل البيت في تعريف الشيعة هم فئة محدودة من نسل الرسول صلى الله عليه وآله خصتهم الروايات الواردة على لسانه وقصدهم النص القرآني ( آية التطهير ) وهم علي وفاطمة والحسن والحسين ثم تسعة آخرون من نسل الحسين .
وهذه الفئة هي المقصودة بالعصمة لارتباطها بدورها ورسالتها بعد الرسول وليس كل من ينتسب لآل البيت يعتبر معصوما كما قد يتصور بعض السطحيين ممن ليس لهم دراية بالرؤية الشرعية لآل البيت ، وهذه الرؤية ليست من اختلاق الشيعة إنما تفرضها النصوص الواردة في آل البيت ، وفي نصوص أكثر من أن تحصى موهت عليها السياسة وصرفتها عن المدلول الحقيقي الذي ترمي إليه وقد عرضنا لجزء من هذه النصوص في باب الإمامة .
إن المسألة عند الشيعة هي مسألة نصوص وليست مسألة رجال فالنصوص هي التي تعطي الخاصية للإمام علي .
والنصوص هي التي توجب التلقي والاتباع لآل البيت . . وأمام النصوص ليس هناك مجال للاختيار فإما الاتباع وإما الانحراف .
من هنا فإن الشيعة عندما يتخذون ذلك الموقف المتشدد من الصحابة ومن خصوم آل البيت عموما ، إنما يتخذون هذا الموقف على أساس النصوص . على أساس أن خصوم آل البيت انحرفوا عن النصوص وليس عن الرجال .
ومسألة تقديس آل البيت من قبل الشيعة وحتى عموم المسلمين إنما هي نابعة من النصوص التي جعلت لهم خصوصية وميزة ترفعهم فوق جميع الناس تلك الخصوصية التي دفعت بجماهير السنة إلى تخطي حواجز السياسة وقيود الخلفاء والاتجاه بعواطفها ومشاعرها نحوهم .
فعلى الرغم من محاولات التأويل والتحريف للنصوص الواردة فيهم غزت حقيقتهم القلوب وشع نورهم بين الدروب وبرزت مكانتهم ساطعة كالشمس لتتلاشى أمامها كل خيوط الظلام .
من هنا فإن ملامح آل البيت عند الشيعة تتحدد لنا من خلال ما يلي : إنهم معصومون . إنهم لا يقاس بهم أحد . إنهم اثنا عشر إماما . فبخصوص العصمة فهي أداة لازمة للقيام بمهمتهم بعد الرسول كما بينا سابقا .
إما كونهم لا يقاس بهم أحد فذلك لما لهم من مكانة تجعل الناس يقاسون بهم ولا يقاسون هم بأحد . ويقتدي الناس بهم ولا يقتدون بأحد . ويتعلم الناس منهم ولا يتعلمون من أحد .
تاسعا: الأئمة الذين عينهم النبي (ص) اثني عشر إماما .
أما كونهم اثني عشر فهذا ما حددته النصوص الواردة عند الطرفين . وإن كان أهل السنة يطبقون هذه النصوص على الحكام ولم يقض ذلك على حيرتهم في تحديد الاثني عشر كما بينا فإن الشيعة يطبقون هذه النصوص على أئمة آل البيت المحددين بالاسم والمشهورين في الأمة محل رضا وقبول وعشق الجميع .
فمن ثم لا أثر للحيرة عندهم في هذا الأمر خاصة أن هناك الكثير من النصوص الواردة على لسان النبي صلى الله عليه وآله لدى السنة ولديهم تحدد أسماء هؤلاء الأئمة .
وأول هؤلاء الأئمة هو الإمام علي باعتباره وصي الرسول وحامل لواء الإسلام من بعده . وهو الوحيد من بين صحابة الرسول الذي حمل لقب إمام . ولم نسمع أنه قيل الإمام أبو بكر أو الإمام عمر وأنما قيل الإمام علي وعلى لسان أهل السنة قبل أن يكون على لسان الشيعة .
وثاني هؤلاء الأئمة هو الحسن بن علي .
وثالث الأئمة هو الحسين بن علي .
ورابع الأئمة هو علي بن الحسين المشهور بزين العابدين والإمام السجاد .
وخامسهم هو محمد بن علي الباقر .
وسادسهم هو جعفر بن محمد الصادق .
وسابعهم هو موسى بن حعفر الكاظم .
وثامنهم هو علي بن موسى الرضا .
وتاسعهم هو محمد بن علي الجواد .
وعاشرهم هو علي بن محمد الهادي .
والحادي عشر هو الحسن بن علي العسكري .
والثاني عشر هو محمد بن الحسن المهدي .
ولقد كان لهؤلاء الأئمة وجودهم الفاعل في مجتمعاتهم ، وكانت تهفو إليهم قلوب الجماهير المسلمة في كل مكان مما أقلق حكام زمانهم فأخذوا يحيكون المؤامرات للتخلص منهم عن طريق القتل بصورة لا تثير الناس وهي القتل بالسم .
ولم يكن هؤلاء الأئمة الذين هم أبناء الرسول محل خلاف أحد من المسلمين حتى فقهاء أهل السنة كانوا يكنون لهم كل تقدير واحترام وإجلال وقد تتلمذ أبو حنيفة على الإمام الصادق مدة عامين وله قولة مشهورة لولا السنتان لهلك النعمان كما تتلمذ على يديه مالك والشافعي وكثير من فقهاء السنة .
وقد روى الصادق آلاف الأحاديث عن جده صلى الله عليه وآله ولم ينقل منها في كتب أهل السنة إلا القليل .
ونقول : هذه هي أهم معتقدات الشيعة الإمامية التي يؤمنون بها - ويخالفهم فيها أهل السنة - والتي يعزي لها الحروب الطاحنة التي نشبت لإنشاء دولة للعباسيين تارة وللفاطميين تارة أخري ، وترتب عليها استشهاد الملايين من المسلمين الأبرياء ، وأعتقد أنه يعزي إليها أيضا سعي دولة إيران لنشر المذهب الشيعي والتدخل في شئون الدول الأخري بكافة صور التدخل بما في ذلك التدخل العسكري استنادا إلي الاعتقاد بأن الإمام يمتد سلطانه ليشمل جميع المسلمين .
وأري أن نخصص بعض المقالات القادمة في الاسترشاد بأبحاث أخري للشيعة تزيد هذه المعتقدات وضوحا وتفصيلا يساعدنا علي تفنيدها فيما بعد .
وكيل لجنة الشئون الدستورية والتشريعية ببرلمان الثورة .
وأري أن نخصص بعض المقالات القادمة في الاسترشاد بأبحاث أخري للشيعة تزيد هذه المعتقدات وضوحا وتفصيلا يساعدنا علي تفنيدها فيما بعد .
وكيل لجنة الشئون الدستورية والتشريعية ببرلمان الثورة .
هذا بحث قيم ا. محمد العمدة يحتاج ان ينزل في صورة مقالات حتي يسهل علي المتطلعين لمعرفة حقيقة الشيعة
ردحذفلا فض فوك ... حفظك الله من كل سوء