بقلم : محمد العمدة
الوفد 06 يوليو 2011
استمراراً لسلسلة مقالاتي حول المواطنة في الإسلام والمسيحية والتي
تناولت فيها مجموعة من أسباب الفتنة الطائفية في مصر، وتحدثت فيها عن قانون دور العبادة
الموحد، وفتنة التحول من المسيحية إلي الإسلام والعكس، وفتن المهجر والجمعيات
الأهلية والاستقواء بالخارج ، فإنني أتابع بالحديث عن أخوين توأم أري أنهما
متشابهان في الشكل والمضمون وربما سيتشابهان في المستقبل القريب فيما حققاه من
إنجازات ، فإذا كان الأخ الأكبر وهو " الحركة الصهيونية العالمية " قد استطاع أن يحقق
إرادته في إنشاء دولة اليهود علي أرض فلسطين ، فإن الأخ الأصغر وهو " الاتحاد
القبطي العالمي " قد أوشك علي تحقيق إرادته في إنشاء وطن قومي للمسيحيين
في مصر .
قد يستغرب البعض هذا القول ، أو يستشعر فيه المبالغة ، ولهذا البعض
أقول : إننا لم نكن نتوقع أيضا إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين ، ولم نكن نتوقع أن
تقوم الولايات المتحدة الأمريكية باحتلال دولة العراق وتدميرها والاستيلاء علي
ثرواتها ، ولم نتوقع أن تقوم إسرائيل بمشاركة أمريكا بارتكاب مجزرة ومحرقة في غزة ،
ولم نتوقع أن تنجح أمريكا بمشاركة أوروبا وإسرائيل في تقسيم السودان بمباركة جامعة
الدول العربية والتي أعلنت ـ علي لسان عمرو موسي ـ فخرها بالمشاركة في إنجاز "
اتفاقية نيفاشا " التي انتهت إلي تقسيم السودان ، ولم نتوقع أن يقوم حلف
الناتو بضرب ليبيا دون أن يرجع إلي أي دولة عربية ليستشيرها في هذه الخطوة ، وربما
حصل علي مباركة بعض حلفائه من حكام الشعوب العربية دون أن يكترث برأي هذه الشعوب
التي مازالت حتي الآن ترزح تحت نير الاستعمار والاستعباد الداخلي .
ولتوضيح أوجه التشابه بين أخوي التوأم نقول : إن الحركة الصهيونية
العالمية قد نشأت منذ بدايتها بهدف واضع وقاطع وهو إنشاء دولة يهودية علي أرض
فلسطين ، ففي عام 1896 قام الصحفي اليهودي المجري تيودور هرتزل بنشر " كتاب
دولة اليهود " والذي انتهي فيه إلي ضرورة إقامة وطن قومي لليهود علي أرض
فلسطين لما تتمتع به من مكانة دينية وإستراتيجية واقتصادية ، واستطاع أن يحصل علي
دعم إمبراطور ألمانيا " فيلهلم الثاني " ، وفي عام 1897 نظم هرتزل أول
مؤتمر صهيوني عالمي في بازل في سويسرا حضره مائتا مفوض عن اليهود من مختلف أنحاء
العالم وصاغوا " برنامج بازل "
والذي ظل فيما بعد البرنامج السياسي للحركة الصهيونية ، وقد عرف البرنامج
هدف الحركة بأنه إقامة وطن للشعب اليهودي ، وأقام المؤتمر الصهيوني العالمي سالف
الذكر " لجنة دائمة " فوضها في إنشاء فروع لها في مختلف أنحاء
العالم لتحقيق التواصل مع الدول والمنظمات الدولية التي من شأنها أن تساعد في
تحقيق أهداف الحركة ، وبعد عشرين عاما من المؤتمر العالمي وتحديداً عام 1917 تمكنت
الحركة من الحصول علي " وعد بلفور " بإقامة وطن قومي لليهود في
فلسطين والذي تم تنفيذه عام 1948 .
ولكي تصل الحركة الصهيونية العالمية إلي أهدافها في إقامة الدولة
اليهودية اعتمدت العديد من السبل أولها وأهمها هو نشر قصص الاضطهاد ـ الحقيقي أو
المزعوم ـ الذي تعرضوا له في القرون الوسطي والحديثة في مدن أوروبا المختلفة علي
أيدي المسيحيين ، وازداد حديثهم وازدادت مؤلفاتهم عن " الهولوكوست
" والذي يعني اصطلاحا الاضطهاد والقتل المنهجي المباشر الذي تعرض له ما يقرب
من ستة ملايين يهودي من قبل النظام النازي والمتعاونين معه في الفترة من عام 1933
حيث تولي هتلر حكم ألمانيا وحتى عام 1945 . ومن هذه السبل أيضا الترويج لفكرة العداء
للسامية وهو الجنس الذي ينتمي إليه اليهود باعتبار أن هذا يؤدي إلي زيادة حماس
اليهود وإثارة تعصبهم للقضية في إنحاء العالم ، ومن جهة أخري يؤدي إلي كسب تعاطف
بعض الأصدقاء والموالين ، ومنها أيضا الترويج لفكرة الحق التاريخي لليهود علي أرض
فلسطين ، ومنها الترويج للوحدة التاريخية للشعب اليهودي كوسيلة ، لتعميق الولاء
والموالاة والمودة بين اليهود في جميع أرجاء العالم.
وفي المؤتمر الثالث للحركة عام 1899 تم تأسيس " المصرف
اليهودي الاستعماري " بغية تمويل النشاطات الاستيطانية في فلسطين وتأمين
الخدمات المالية التي تحتاجها الحركة في تمويل أنشطتها ، كما تم إنشاء " الصندوق
القومي اليهودي" في المؤتمر الخامس في بازل لأغراض مشابهة ، بالإضافة إلي استخدام
الصندوق في الترويج الإعلامي اللازم لتحقيق أهداف الحركة.
خلاصة القول : إن الهدف الأساسي للحركة الصهيونية العالمية هو إقامة
وطن قومي لليهود علي أرض فلسطين ، أما الوسائل فهي الترويج للاضطهاد الذي يتعرض له
اليهود في أوروبا خلال العصور الوسطي والحديثة ، والترويج للعداء الذي تعانيه
السامية في جميع أنحاء العالم ، والترويج للحق التاريخي لليهود علي أرض فلسطين ،
والترويج للوحدة التاريخية للشعب اليهودي ، والاستعانة بالدول والمنظمات الصديقة ،
ثم تدبير التمويل لأنشطة الحركة .
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق