الخميس، 22 يناير 2015

انقلاب " السيسي " وانقلاب " نابليون بونابرت ".



تحدثنا موسوعة ويكيبيديا الحرة الانجليزية عن انقلاب نابليون بونابرت  فتقول :
انقلاب الثامن عشر من شهر " برومير " أتي بالجنرال " نابليون بونابرت " إلي السلطة ليشغل منصب القنصل الأول لفرنسا .
ومن وجهة نظر معظم المؤرخين أن هذا الانقلاب أنهي الثورة الفرنسية ، حيث أطاح بحكومة المديرين واستبدلها بنظام القنصلية الفرنسية ، حدث ذلك في 9/11/1799 وهو ما يوافق 18 من شهر " برومير " وفقا للتقويم الجمهوري الفرنسي .
أعلنت النمسا الحرب علي فرنسا في 12/3/1799 ، مما حدا بفرنسا للعودة إلي أرض المعركة ، واتخذت مجموعة من تدابير الطوارئ .
فاز فصيل " اليعاقبة " المؤيد للحرب في انتخابات إبريل ، وأثناء وجود نابليون وبصحبته أفضل عناصر الجيش الجمهوري في مصر ، عانت فرنسا سلسلة من الهزائم في ساحة المعركة في موسمي الربيع والصيف من عام 1799 .
انقلاب 18/6/1799 أطاح باليعاقبة -  ( أقوي الفصائل تأييدا للثورة والنظام الجمهوري وإن كانوا قد أفرطوا في استخدام العقوبات بما فيها الإعدام ضد من يرونهم أعداء للثورة ، وكان ذلك خلال فترة حكم ماكسميليان دو روبسبير ) -  وأبقي الانقلاب علي القس " جوزيف  سييس " – وهو أحد المديرين الخمسة بمجلس المديرين الحاكم – ليصبح الشخصية المهيمنة علي الحكومة . 
وفي موضع آخر تقول الموسوعة الحرة عن انقلاب 18/6/1799 أنه يسمي أيضا " انتقام المجالس " ، وأنه لم يكن انقلابا دمويا ، وأنه جعل القس " إيمانويل جوزيف سييس " الشخصية المهيمنة علي الحكومة ، وأنه سبق انقلاب 18 " برومير " الذي أتي بنابليون بونابرت إلي السلطة بعدة أشهر .
وتوضيحا لأحداث انقلاب 18/6/1799 تضيف الموسوعة : ما حدث هو أن مجلس الخمسمائة وهو الغرفة الأدنى من السلطة التشريعية لم يكن راضيا عن إدارة مجلس المديرين للحرب خاصة استدعائهم للجنرال " جون إتيين فاتشيي تشامبيونيت " اليعقوبي السابق .
مجلس الشيوخ ومجلس الخمسمائة وهما فرعي السلطة التشريعية صوتا علي قرار بعدم مشروعية انتخاب المدير " جون بابتست تريل هارد " ، وبتاريخ 17/6/1799 استبدلوه ب " لويس جوهييه " النائب السابق والذي شغل منصب وزير العدل في عهد الجمعية الوطنية ذات الغرفة الواحدة .
لم يكن المجلسان راضيان عن إحداث تغيير واحد بمجلس المديرين ، وشاركهم " جوزيف سييس " نفس المشاعر ، فقد كان سعيدا بإزاحة زملائه ، لأنها تسير في اتجاه تحقيق أهدافه .
في مجلس الخمسمائة قدم النائب المعتدل " أنتوين كونت بولاي "  طلبا بضرورة استقالة أو إقالة المديرين " لويس ماري " و " فيليب أنتوين " ، وقد لقي طلبه هذا موافقة مجلسه ومجلس الشيوخ بالإضافة إلي تأييد المديرين المتبقيين بمجلس المديرين وهما " بول باراس " و " جوزيف سييس " .
عندما قاوم المديران سالفي الذكر تم استدعاء الجنرال " بارثليمي كاثرين " بالفرقة العسكرية السابعة عشر حيث نظمت قواتها بعض التحركات في باريس ، وفي المساء قدم المديران استقالتيهما .
وعلي الرغم من أن سلسلة الأحداث سالفة الذكر لم تمثل انتهاكا لدستور فرنسا الصادر عام 1795 إلا أنه كان ينظر لما حدث علي أنه انقلاب .
كل هذه التغييرات التي تمت في مجلس المديرين بمعرفة غرفتي المجلس التشريعي والتي اعتبرت انقلابا كانت في الأصل بمثابة  إعداد  للانقلاب الأكبر وهو انقلاب برومير  الذي وقع بعد ذلك بعدة أشهر وأتي بنابليون بونابرت إلي السلطة .
نعود إلي ما أوردته موسوعة ويكيبيديا الحرة عن انقلاب برومير 9/11/1799 حيث تقول :
تحسن موقف الجيش الفرنسي بعد المعركة الثانية في " زيورخ "  ، لقد قاتلوا يومي 25 و 26/9/1799 ، وتراجع احتمال غزو النمسا لفرنسا .
خاف اليعاقبة صحوة فصيل الملكيين المؤيد للسلام ، وعندما عاد " نابليون " إلي فرنسا ، رحب به الفصيلان كمنقذ للبلاد .            
وانبهارا بانتصارات " نابليون " المزعومة في الشرق الأوسط ، استقبله العامة بحماس شديد ، وهو الأمر الذي أقنع " جوزيف سييس " بأنه وجد الجنرال الذي لا غني عنه لتنفيذ انقلابه ، بينما كان نابليون قد خطط منذ لحظة وصوله لعمل انقلاب من داخل الانقلاب ليحصل علي السلطة في نهاية الأمر لنفسه .             


ربما كانت أخطر العقبات المحتملة في وجه الانقلاب هي الجيش ، فبعض الجنرالات مثل " جين بابتست جوردان " يؤمن فعليا بالنظام الجمهوري ، وآخرون مثل " جين برنادوت " يرون أنفسهم قادرون علي حكم فرنسا ، لعب نابليون علي مشاعر الجميع محتفظا بسرية نواياه الخاصة .
"Prior to the coup, troops were conveniently deployed around Paris. The plan was, first, to persuade the Directors to resign, then, second, to get the Council of Ancients and the Council of Five Hundred (the upper and lower houses of the legislature) to appoint a pliant commission that would draw up a new constitution to the plotters' specifications.
Events of 18 Brumaire, Year VIII "
وترجمته : -
" قبل الانقلاب تم نشر قوات من الجيش بشكل جيد حول باريس ، كانت خطة الانقلاب كالآتي ، أولا أقناع مجلس المديرين أن يستقيل ، ثانيا جمع مجلسي الشيوخ و الخمسمائة وهما فرعي المجلس التشريعي ليقوما بتعيين لجنة مطيعة لتضع دستورا جديدا للبلاد بمواصفات المتآمرين ".    


في صباح 18 برومير احتال " لوسيان بونابرت " علي أعضاء المجلسين ، وأقنعهم بالكذب أن انقلاب اليعاقبة  في باريس علي وشك الوقوع ، وحثهم علي الرحيل لضاحية " شاتو دو سانت كلاود " حفاظا علي أمنهم وسلامتهم ، وبسبب هذا الإدعاء تم تكليف نابليون من مجلس الشورى بتأمين مبني المجلسين ، وأصدر أوامره بذلك لكل القوات المحلية المتاحة .
في وقت لاحق من صباح ذات اليوم قدم كل من القس " جوزيف سييس " و " روجر دوكوس " استقالتيهما من منصبيهما كعضوين بمجلس المديرين ، كما قام وزير الخارجية السابق " تشارلز تاليراند " الحليف المقرب لنابليون بالضغط علي المدير " بول باراس "  ليقدم استقالته .
استقالة ثلاثة من المديرين الخمسة منعت اكتمال نصاب مجلس المديرين ، ومن ثم ألغت من الناحية العملية حكومة المديرين ، ولكن العضوين اليعاقبة  بالمجلس " لويس جوهييه " و " جين فرانسوا مولين " واصلا الاحتجاج بشراسة ، إلي أن قبض عليهما الجنرال / جين فيكتور ماري حليف نابليون ، وفي اليوم التالي تم اجبارهما علي وقف الاحتجاج والمقاومة .
وعلي النقيض من مجلس المديرين ، فإن ما حدث لم يرهب مجلسي الشيوخ والخمسمائة واللذين استمرا في الاجتماع .
في اليوم التالي أدرك العدد الأكبر من النواب أنهم أمام محاولة انقلاب ، وليسوا تحت الحماية من ثورة لليعاقبة كما أوهمهم " لوسيان بونابرت " ، وفي مواجهة لعصيانهم اقتحم نابليون بونابرت الغرف بصحبة قوة صغيرة من الغرناد ( رماة القنابل ) ، وقد أثبت هذا أنه انقلاب من داخل الانقلاب ، ومن هذه اللحظة اتضح إنه انقلاب عسكري بحت .
وجد نابليون مقاومة من مجلس الشيوخ علي الرغم من العرض الضخم للقوة العسكرية ، لقد قوبل خطابه عن حقيقة الأوضاع في البلاد بالمقاطعة ، فعندما قال إن الجمهورية بلا حكومة ، وأن الثورة انتهت ، صاح أحد النواب مقاطعا والدستور أيضا انتهي ، فرد عليه نابليون مشيرا إلي الانقلابات البرلمانية السابقة قائلا : أنتم أنفسكم دمرتم الدستور ، لقد انتهكتم الدستور في 18 من شهر فروكتيدور ، وانتهكتم الدستور في 22 فلوريت ، وانتهكتم الدستور في 30 بريريل – يقصد الانقلاب البرلماني علي اليعاقبة  بمجلس المديرين في 18/6/1799 – وختم حديثه قائلا : لم يعد الدستور يحظي باحترام أحد .           


استقبال مجلس الخمسمائة لنابليون كان أكثر عدائية ، لقد دخلت القوة المصاحبة له من رمات القنابل ، وأثناء دخوله تدافع مع الأعضاء الذين كانوا يقفون في طريقه ، وبعدها تم الاعتداء عليه بشكل صريح ، فصاح أخيه " لوسيان بونابرت " لقد أوشك نابليون علي الإغماء ونادي علي القوة المصاحبة له لكي تتدخل للدفاع عن قائدها ، وهرب نابليون من القاعة تحت حماية القوة العسكرية .
تم رفع اقتراح داخل قاعة مجلس الخمسمائة بإعلان " نابليون بونابرت " خارجا عن القانون ، في هذه اللحظة انسحب " لوسيان بونابرت " بشكل واضح من القاعة ، وطلب من الجنود حماية الأعضاء مدعيا أن غالبية أعضاء مجلس الخمسمائة تعرضوا للترويع بسبب تلويح مجموعة من النواب بالخناجر ، ووفقا ل "مايكل رابورت" أشار لوسيان  لوجه نابليون الشاحب الملطخ بالدماء كدليل ، وبأداء مسرحي أمسك سيفا ووعد أن يغرسه في قلب أخيه الشقيق إذا كان خائنا ، وأمر " لوسيان بونابرت " بطرد النواب الإرهابيين من القاعة ، قامت قوة الغرناد تحت قيادة " جوكاييم مورات مارشيد " بتفريق الأعضاء في حديقة البرتقال ، إنها نفس نهاية مجلس المديرين .    


مرر مجلس الشيوخ مرسوما أجَّل بمقتضاه المجالس لمدة ثلاثة أشهر ، وتعيين كل من " نابليون بونابرت" و "إيمانويل جوزيف سييس" و  "روجر دوكوس" قناصل مؤقتين ، وشكلوا لجنة تشريعية من مجموعة من النواب الطيعين من أعضاء مجلس الخمسمائة ، تم جمعهم بعدها مباشرة لبدء العمل لمنح هذه الإجراءات تصديق مجلسهم ، وهكذا وصل مجلس المديرين ومجلسي الشيوخ والخمسمائة إلي نهايتهم .
حكومة المديرين تم سحقها ، ومع ذلك فإن الانقلاب من داخل الانقلاب لم يتم بعد ، استخدام القوة العسكرية عزز قوة نابليون في مواجهة إيمانويل جوزيف سييس وباقي المتآمرين ، وبتوجيه من المجلس تم تشكيل لجنتين ، كل واحدة منهم تتكون من خمسة وعشرين نائب من المجلسين ، المتآمرون أرهبوا اللجنتين لكي يعلنا الحكومة  المؤقتة  التي سميت بالقنصلية وأول تشكيل لها ضم نابليون وسييس ودوكوس كقناصل ، وغياب رد الفعل في الشوارع أثبت أن الثورة في الحقيقة قد انتهت .
وفي ظل ما فعله معسكر القوة الغاشمة رثة الملابس ، وفي ظل هذا الدجل الذي مارسه الانقلابيون ، لم يكن يوم الثامن عشر من شهر برومير مرحبا به من الشعب الفرنسي ، ولم يكن في إمكانه التغاضي عما حدث .
لقد تم سحق المقاومة التي أبداها اليعاقبة من شاغلي المناصب بالمحافظات ، تم نفي عشرين نائبا من اليعاقبة ، وتم القبض علي الآخرين ، قامت اللجنتان بوضع دستور قصير غامض هو دستور 1799 ، وهو أول دستور من بين الدساتير الصادرة بعد الثورة يصدر بدون إعلان الحقوق والحريات العامة .
أكمل بونابرت انقلابه بانقلاب آخر تمثل في اعتماد دستور يضمن له أن يكون القنصل الأول لفرنسا ، وتم تزويد هذا  المنصب باختصاصات تضمن لصاحبه أن يمتلك سلطات أكبر بكثير من القنصلين الآخرين ، قام بتعيين مجلس شيوخ علي هواه ، ولما كان مجلس الشيوخ هو الذي يفسر الدستور ، فقد سمح له بأن يحكم من خلال مراسيم ، وهو ما جعل مجلس القناصل أكثر استقلالا ، وهو ما أدي في النهاية إلي التحول للإمبراطورية وهو ما يعد حكما ملكيا ديكتاتوريا .
ومما سبق يتضح لنا بعض أوجه الشبه والاختلاف بين انقلاب السيسي وانقلاب نابليون بونابرت تتمثل في الآتي : -
- أن " نابليون بونابرت " كان صاحب فضل كبير علي الثورة الفرنسية ، وربما كان ذلك هو المحرك النفسي لرغبته في أن يتولي حكم فرنسا ، فربما حدثته نفسه من فعل مثلما فعلت من أجل حماية الثورة ، فهو الذي أعلن تأييد الثورة الفرنسية من بدايتها رغم كونه ضابطا بالجيش الفرنسي ، ويكتب مقالات يدعو فيها الجميع لتأييد الثورة مؤكدا أنه ليس من الحكمة التصدي لمطالبها ، والذي تم اختياره ليصبح سيفا للثورة في مواجهة أنصار الملكية الذين أوشكوا علي إسقاط الثورة ، فقضي علي ثورتهم المضادة  .
ثم يصبح سيفا للثورة في مواجهة أعدائها من الممالك الأوربية بعد أن  أطلقت كل من النمسا وبروسيا دعوة عامة لجميع حكام أوربا لمساعدة الملك " لويس السادس عشر " ملك فرنسا لاستعادة سلطته وذلك بموجب إعلان " قصر بلينيتز " بمدينة " درسدن الألمانية " عام 1798 ، حيث يذكر التاريخ له استرداد مدينة طولون بعد أن أعلنت تمردها علي حكومة الثورة واستعانت بالانجليز الذين دخلوا المدينة لدعم انفصالها عن فرنسا ، فتمكن نابليون من طرد الانجليز واسترداد المدينة ، وأصيب هو شخصيا في المعركة ، فتمت ترقيته إلي رتبة عميد وهو في الرابعة والعشرين من عمره ، وعُهد إليه بقيادة شعبة مدفعية الجيش الفرنسي المرابط على حدود إيطاليا .
وهو الذي انتصر علي النمساويين في معركة " لودي " بشمال إيطاليا وطردهم من مدينة " لومبارديا "  ، وبعد أن تعرض لهزيمة في معركة " كالدييرو " نتيجة وصول قوات نمساوية تعزيزية ، عاد ليمسك بزمام المبادرة من جديد وانتصر علي القوات النمساوية في معركة " جسر أركول " ،  ثم  توجه على رأس جيشه إلى الأراضي النمساوية نفسها ، حيث فرض على النمساويين إبرام معاهدة سلام مع فرنسا ، فاضطروا إلى التسليم وتوقيع " معاهدة يوبن " التي اعترفت فيها النمسا باستيلاء فرنسا على البلاد المنخفضة النمساوية وضفة نهر الراين اليسرى ولومبارديا في شمالي إيطاليا ، كذلك وُضع بند سري في الاتفاقية تعهدت فيه فرنسا بضم جمهورية البندقية إلى النمسا ،  ثم زحف بعد ذلك إلي البندقية وأخضعها منهيًا استقلالها الذي دام 1,100 سنة ، هذا قليل من كثير من انجازات نابليون العسكرية لصالح الثورة .      


أما السيسي فهو أحد القيادات العسكرية المصرية التي قامت الثورة بسبب احتكارهم للسلطة والثروة معا منذ عام 1952 ، فهم الحاكم الحقيقي للبلاد المتسبب في كل ما لحق بها من انهيار وإفلاس ، وما كان مبارك إلا واجهة لهم .       


ولست أبرر بما أسلفت ما فعله نابليون بونابرت ، وإنما أفسر فقط أسباب البطء في رد الفعل الثوري تجاه ما فعله نابليون ، حيث لم تتحرك الثورة بقوة ضده إلا بعدما ظهرت ديكتاتوريته وانعكست علي التشريع والسلوك ، والآثار الوخيمة التي حلت علي فرنسا بعد ذلك .
- كذلك نكتشف أن الانقلابات العسكرية دائما ما يتم التخطيط لها في الخفاء ، ودائما ما تكون لها أسباب حقيقية خفية وهي القفز علي السلطة وأسباب معلنة يتم بمقتضاها الاستخفاف بعقول الشعوب وإقناعها بأن الانقلاب وقع من أجل تحقيق الخير لها ، وأنهم نور عيون الانقلابيين ، وأنهم جاءوا ليحنوا علي الشعب الذي لم يجد من يحنو عليه ، فها هو نابليون بونابرت – حسبما ذكرت الموسوعة في موضع آخر – يقول لمجلس المديرين بصوت مرتفع حتى يسمعه الجنود والمدنيين :
"ماذا فعلتم بفرنسا التي تركتها لكم مزدهرة ؟ لقد تركتكم تنعمون بالسلام، فوجدتكم - عندما عدت - في حرب ، لقد تركت لكم انتصارات فوجدتها هزائم ! لقد تركت لكم الملايين من إيطاليا فوجدت السلب والبؤس ، ماذا فعلتم بمئات الآلاف من الفرنسيين الذين أعرف أنهم زملائي وشركائي في النصر والعظمة ؟
ها هي الأسباب المعلنة ، مصلحة الشعب الفرنسي ، أما الحقيقة فتمثلت في رغبته في الاستيلاء علي السلطة ، وأن الأمر كان مخططا له ، وأن عودته من مصر رغم الموقف الصعب لجيشه ، وتركه لهذا الجيش الذي يعد من أفضل عناصر جيوش فرنسا علي الإطلاق ، لا يمكن فهمه إلا بربطه بالانقلاب الذي وقع بعد عودته مباشرة ، فالاستيلاء علي حكم فرنسا أهم بكثير من الجيش الحائر في ربوع مصر .            


- مكث نابليون في بيته عدة أيام قبل الانقلاب والتقي بشخصيات عامة كثيرة من مختلف التيارات السياسية وفئات المجتمع ، وناقش مع البعض ما كان ينوي عليه ، نصحه المخلصون – وهم دائما قلة –  كالجنرال / بيرنادوت بألا يقحم نفسه في السياسة ، وأن يكتف بمنصب قيادة عسكرية رفيعة ، ولكن استحوذ عليه أصحاب المصالح ممن لا يفلتون فرصة كهذه ، استحوذ عليه المنتفعون والمتسلقون الذين بلا شك لهم مصلحة في أن يستولوا علي مناصب المنتخبين تحت حماية القوة العسكرية ، فهم غير مؤهلين لكي ينتخبهم الناس في هذا المنصب أو ذاك ، فكيف يتركون  رجلا حالما بالسلطة عاقدا العزم للاستيلاء عليها بما تحت يده من قوة عسكرية قرر أن يستخدمها لحسابه ضد الشعب مالك هذه القوة ، فاستجاب لهم نابليون .
تكررت نفس المشاهد مع الفريق / عبد الفتاح السيسي الذي التف حوله أصحاب المصالح ، ولكنه في البداية ثبت أمام سحرهم وإغرائهم ، وأخبرهم أن طريق التغيير  هو الصندوق والوقوف أمامه ، ولكنهم لم ييأسوا فالتف حوله الفنانون والفنانات والمطربون والمطربات والراقصون والراقصات ورجال أعمال مبارك من أصحاب الصحف والفضائيات وبعض الأحزاب ممن لا يحصلون من مقاعد البرلمان  إلا علي الفتات ، أخبروه بخشيتهم أن يقوم هؤلاء النواب المنتخبون المتخلفون بمنع المشاهد الجنسية والعري والخمور من الأفلام ، أرجوك الغوث الغوث يا سيسي أكل عيشنا في خطر محتمل ، وهكذا قال رجال الأعمال الذين صنعوا ثرواتهم في عهد فساد مبارك ،
وهكذا تمسكت قيادات المؤسسات بأن كل ما حققناه من مزايا ومكتسبات في عهد مبارك سيضيع في ظل نواب منتخبون فتحوا كل ملفات الفساد دفعة واحدة ، ألغوا المحاكمات العسكرية للمدنيين ، وعدلوا قانون الانتخابات الرئاسية علي نحو يحميها من تزوير مؤسسات الدولة العميقة ، وقدموا مشروع قانون لإلغاء لجان فض المنازعات وهي وظائف وهمية للسادة القضاة بعد إحالتهم للمعاش بعد سن السبعين ، وقدموا مشروع الحد الأدنى والأقصى للأجور ، وقرروا منع ندب القضاة لوظائف أخري بجانب وظائفهم القضائية ، وغير ذلك كثير ، هذا فضلا عن المؤسسة العسكرية التي تمسك بتلابيب الحكم منذ ما يزيد عن ستين عام والتي لم يعجبها دستور 2012 لأنه لم يجعلها فوق رؤوس العباد مثلما هو شأنها منذ عام 1952 ، فاستجاب لهم السيسي .
فماذا ترتب علي انقلاب نابليون بونابرت ؟ وماذا ترتب علي انقلاب السيسي ؟
أما نابليون بونابرت فهدم الثورة بكل مكتسباتها وحول البلاد إلي الحكم الملكي مرة أخري ،  فقد توّج نابليون نفسه إمبراطوراً لفرنسا بتاريخ 2 /12 /   1804 في كاتدرائية نوتردام  في باريس بحضور البابا ، وجعل الحكم فيها وراثيا ، ثمّ توّج زوجته جوزفين ، ثم تُوج نفسه ملكًا على إيطاليا بتاريخ 26/5/  1805 في كاتدرائية ميلان ، ثم قام بإنشاء طائفة "مستشارو فرنسا " المكونة من أكبر ألوية جيشه وأكثرهم إخلاصًا ، ليضمن وفاء الجيش الدائم له.
كان الموسيقار الألماني "لودڤيغ ڤان بيتهوڤن" من أشد المعجبين ببونابرت ونبوغه العسكري والسياسي، لكن خاب أمله عندما علم أن الأخير حول نظام الحكم في فرنسا إلى نظام ديكتاتوري ، فقام بشطب القطعة الموسيقية التي كان قد كتبها ولحنها خصيصًا للقائد الفرنسي من سمفونيته الثالثة .
أصبح نابليون منفردا بالقرار في كل ما يخص الشعب الفرنسي دون رقيب أو عتيد فخاض العديد من المعارك انتصر في بعضها وهزم في البعض الآخر وينتهي الأمر بفرنسا بوقوعها تحت الاحتلال بعد هزيمتها في "معركة الأمم" من قوات التحالف عام 1813 والتي دخلت باريس عام 1814 وأجبرت نابليون علي التنازل عن العرش ،  وقامت بنفيه إلي " جزيرة إلبا " ليعود بعد عام إلي عرش فرنسا مرة أخري ، ليهزم من جديد هزيمة ساحقة علي يد التحالف في معركة " واترلو " عام 1815 ، ويسلم نفسه إلي بريطانيا والتي قامت بنفيه إلي جزيرة  "سانت هيلانة" والتي توفي بها عام 1821 ، وبسبب هذه الأحداث لم يتمكن ثوار فرنسا من استرداد الجمهورية الثانية إلا عام 1848 .
وعلي ذات الدرب من الدمار تسير مصر من انهيار إلي انهيار خلف هوس المهووسين ، أليس فيمن حول الانقلابيين رجل رشيد ، هل يعقل أنهم جميعا مثل هؤلاء الإعلاميين المأجورين الذين أذهبت عقولهم كثرة الأموال والعطايا .
إنهم قوم لا يقرأون ، ولو أنهم قرأوا لأدركوا أن ما يفعلوه سبق وأن فعله غيرهم في دول أخري ، فانقلب الأمر إلي حروب أهلية لم تبق ولم تذر خسر فيها الجميع ، وبدلا من أن يربح المنقلبون شيئا خسروا ما في أيديهم وفي كثير من الحالات خسروا أنفسهم ، ناهيك عن لقاء الله عز وجل ، واستلام الكتاب الذي لا يترك صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ، الله عز وجل الذي يعلم خائنة الأعين وما تخف الصدور الذي قال في كتابه العزيز :
 ( إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ * يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ * فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ وَلاَ نَاصِرٍ)
                                                        الطارق : 8 - 10 .
الله الذي لن يستطيع أحد أن يدلس عليه بمثل ما دلس به علي البسطاء من الناس .
                            اللهم بلغت اللهم فاشهد ،،

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق