بالطبع نعلم جميعا أن
الرئيس محمد نجيب هو أول رئيس لمصر بعد ثورة يوليو 1952 ، ونعلم أن العسكر انقلبوا
عليه وعزلوه وفرضوا عليه الإقامة الجبرية في منزله منذ عزله في 14/2/1954 وحتى
وفاته 18/8/1984 ، أي ثلاثين عاما إقامة
جبرية في منزله لأنه أراد أن تتحول مصر إلي الديمقراطية ويعود الجيش إلي ثكناته .
في نفس العام الذي
توفي فيه أقنعه البعض بضرورة كتابة مذكراته عن فترة ثورة يوليو وما قبلها وبعدها ،
وافق بمشقة وكتب كتاب كنت رئيسا لمصر ، وهو الكتاب الذي يصعب علي أي مواطن مصري أن
يعثر عليه في المكتبات أو حتي المواقع الإلكترونية ، إنه الكتاب الذي لم تحدثنا
عنه وسائل الإعلام المنافقة لدولة مبارك العميقة طوال الأربعين سنة الماضية لا
ماسبيرو ولا الصحف القومية .
بل إنك عندما تبحث عن
فيديوهات علي موقع يوتيوب تتحدث عن محمد نجيب ستجدها مغلقة لاسيما تلك المتعلقة
بما قاله في كتابه " كنت رئيسا لمصر " .
سوف أنقل لك أخي
القارئ بعض ما قاله الرئيس محمد نجيب عن حكم العسكر لتكتشف أن ما يفعلوه الآن
بالشعب المصري هو تقليد لما فعله آبائهم من العسكر مع الرئيس محمد نجيب وكل أنصار
الديمقراطية علي مدي تاريخهم الطويل والمرير بالنسبة للشعب المصري .
يقول الرئيس محمد نجيب رحمه الله عز وجل في الفصل التاسع من كتابه
سالف الذكر :
- كان للثورة أعداء ،
وكنا نحن أشدهم خطورة ، كان كل ضابط من ضباط الثورة يريد أن يملك ، يملك مثل الملك
، ويحكم مثل رئيس الحكومة ، لذلك فهم كانوا يسمون الوزراء بالسعاة أو الطراطير أو
بالمحضرين . وكان زملاؤهم الضباط يقولون عنهم : طردنا ملكا وجئنا بثلاثة عشر ملكا
آخرين ، هذا حدث بعد أيام قليلة من الثورة ، هذا حدث منذ أكثر من ثلاثين سنة ،
وأنا اليوم أشعر بأن الثورة تحولت بتصرفاتهم إلي عورة ، وأشعر أن من كنت أنظر
إليهم علي أنهم أولادي أصبحوا بعد ذلك مثل زبانية جهنم ، ومن كنت أتصورهم ثوارا
أصبحوا أشرارا . فيا رب لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ، ويا رب لا تحاسبنا علي ما
نقوله ، وإنما حاسبنا إن كنا لا نقول الحق ، لقد خرج الجيش من الثكنات ، وانتشر في
كل الوزارات والمصالح الحكومية ، فوقعت الكارثة التي نعاني منها حتي الآن في مصر .
كان كل ضابط من ضباط
القيادة يريد أن يكون قويا ، فأصبح لكل منهم شلة ، وكانت هذه الشلة غالبا من
المنافقين الذين لم يلعبوا دورا لا في التحضير للثورة ولا في القيام بها ، والمنافق دائما مثل العسل
علي قلب صاحب النفوذ ، لذلك فهو يحبه ويقربه ، ويتخلص بسببه من المخلصين الحقيقيين
الذين راحوا وراء الشمس ، لأن إخلاصهم كان هما وحجرا ثقيلا علي قلوب الضباط من
أصحاب الجلالة .
تعددت الشلل
والتنظيمات داخل الجيش ، وحول ضباط القيادة ، وبدأ الصراع بين هذه الشلل بعد أيام
من نجاح الثورة ، وتحول من يومها إلي قتال يومي شرس .
وظهرت مراكز القوي
بعد شهور قليلة من قيام الثورة داخل مجلس القيادة وخارجه
ومما لاشك فيه أن جمال عبد الناصر كان أكبر مركز قوة داخل المجلس ،
وعندما ساعده الآخرون في التخلص مني ، استدار عليهم وتخلص منهم واحدا تلو الآخر ................
الخ .
- إن أول شيئ فعله ضباط القيادة بعد أن استقرت الأمور هو أنهم غيروا
سياراتهم الجيب وركبوا سيارات الصالون الفاخرة للتمييز بينهم وبين باقي الضباط
الأحرار ........ الخ .
- فقد ترك أحدهم شقته المتواضعة واستولي علي قصر من قصور الأمراء في
جاردن سيتي حتي يكون قريبا من احدي الأميرات كان قصرها قريبا من ذلك القصر الذي استولي
عليه وكان لا يتورع أن يهجم علي قصرها بعد منتصف الليل وهو في حالة إغماء بسبب
الخمر ....... الخ .
- وفاحت رائحة ثالث كان يجري وراء ناهد رشاد زوجة الطبيب بحري يوسف
رشاد طبيب الملك فاروق الخاص....... الخ .
- وصدمت هذه الفضائح
باقي الضباط الأحرار الذين كانوا يتصفوا بالمثالية ولا يرون في الحياة سوي اللونين
الأبيض والأسود فحمل بعضهم هذه الفضائح وواجهوا بها ضباط القيادة لكنهم لم يسمعوهم
أو سمعوهم وقرروا التخلص منهم وهو ما حدث فعلا مع ضباط المدفعية ومع غيرهم وكان
لابد حتي يتخلص ضباط القيادة من أصوات المعارضين التي تواجههم أن يلفقوا لهم التهم
المناسبة للقضاء عليهم وتطور أسلوب التلفيق من تحضير شهود الزور كما في قضية
المدفعية إلي العنف والقسوة في معاملة المعارضين لهم داخل السجون حتي يعترفوا
بجريمة لم يرتكبوها كما حدث مع حسني الدمنهوري وفي كل الحالات كان ضباط القيادة هم
الخصم والحكم كما قلت من قبل .
وكلما كان أحد
المعارضين يسقط أو يضيع أو يختفي وراء الشمس كلما كان ضباط القيادة يزدادون قوة
وعنفا وديكتاتورية وإذا زادت قوتهم زادت مخالبهم وإذا زاد عنفهم زادت أنيابهم
وكلما زادت ديكتاتوريتهم زاد انحرافهم وهكذا إلي أن أصبحوا أباطرة وجلادين .
هذه مجرد مقتطفات مما
جاء في الكتاب وتعطينا صورة منعكسة من مرآة أعين الرئيس محمد نجيب ، لم نتطرق فيها
للخطط والتدابير التي دبروها والمكر الذي مكروه لكي يقضوا علي الديمقراطية في مصر
عقب ثورة يوليو 1952 مباشرة ويستبدلوها بحكم عسكري دام ستين عاما ، ولازالوا لم
يشعروا بالشبع لا من السلطة أو المال ويقوموا بانقلاب عسكري ويقتلوا أبناء الوطن
ويعتقلوهم ويلفقوا لهم القضايا حتي لا يتركوا النعيم الذي يعيشون فيه و يعرفوا
وحدهم تفاصيله وأسراره ولا يعلم الشعب إلا عناوينه .
فهل يريد العسكر أن
يحكموا مصر حتي يوم القيامة ؟ .
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق