الأربعاء، 28 يناير 2015

الحرب علي الإرهاب بين السيسي ونعوم تشومسكي .



ما أن ظهر الفريق عبد الفتاح السيسي علي مسرح الأحداث حتى أعلن الحرب المقدسة علي الإرهاب داخل مصر وخارجها ، كلما قابل مسئولا غربيا وجه اللوم والعتاب للغرب -  علي عدم تدخله في ليبيا وسوريا والعراق وغيرهم من الدول العربية -  لمواجهة الإرهاب ، وبالقطع وجد الغرب بزعامة أمريكا ضالته في دعوات السيسي التي جعلت الحرب والخراب والدمار داخل العالم العربي والإسلامي بلا ممانعة ، بل وبمساندة مصر والسعودية والإمارات وأنظمة عربية أخري متجاهلين جميعا قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 103 لسنة 1981 الذي يحظر علي أي دولة  أو مجموعة من الدول التدخل في الشئون الداخلية أو الخارجية لأي دولة مهما كانت الأسباب ، وتجاهلوا أن القنابل الأمريكية التي تتساقط من الطائرات كالمطر لا تميز بين المدنيين والمسلحين ، وهكذا تأهل العالم العربي والإسلامي ببركات السيسي للدمار والخراب الشامل ، ووقعت الشعوب العربية بين رحي الحروب الداخلية وسندان القصف الجوي الأمريكي . وفي ظل هذه الحرب العالمية الجديدة علي الإرهاب التي يقودها الفريق عبد الفتاح السيسي الباحث النجيب لكلية الحرب الأمريكية  ، كان من الضروري أن نستطلع رأي العالم والمفكر والفيلسوف والسياسي الأمريكي / نعوم تشومسكي والمصنف في أمريكا برقم مسلسل (8) في قائمة المراجع التي يسترشد بها الشعب الأمريكي حين يضل الطريق ويقف علي مفترق طرق ، تلك القائمة التي ضمنها الشعب الأمريكي التوراة والأناجيل ، كان لابد من استطلاع رأيه حول حقيقة ( الحرب علي الإرهاب) التي ابتدعتها الإدارات الأمريكية المختلفة منذ الثمانينات ولازالت تستعملها حتى الآن بعد أن ضمت لها العديد من الدول بالعصا والجزرة ، وفي محاضرة له  ألقاها بجامعة " هارفارد" الأمريكية تحت عنوان ( الحرب علي الإرهاب ) قال نعوم تشومسكي: لقد عدت لتوي من البرازيل وهناك ليس لديهم تعليمات خاصة بالحرائق في الأماكن المغلقة ، وإذا كنتم تعتقدون أن هذا شيء غير مريح عليكم حضور أحد المحاضرات هناك ، كان الزحام شديدا ، وكان السؤال عما إذا كان الأكسجين الموجود يكفي الجميع من عدمه ، لحسن الحظ لم يكن هناك حريق ، وإلا كانت ستصبح كارثة.        
                                   بالنسبة لمحاضرة اليوم وكما تلاحظون في العنوان هناك علامة استفهام ، والسبب الذي من أجله وضعت علامة الاستفهام هو أن ما حدث في الماضي وما زال يحدث  ، وبغض النظر عن تقييمكم أو رأيكم فيه سواء كرهتموه أو أعجبكم ، من الواضح أنه لا يمكن تسميته حرب علي الإرهاب ، وهذا هو الأقرب إلي الحقيقة الموضوعية ، علي الأقل إذا احتكمنا لأساسيات التفكير المنطقي ، لهذا دعوني أوضح أكثر ، أولا دعونا نتفق علي نقطة بداية ، سنحاول النظر للأمر من وجهة نظر محايدة ، لنتراجع قليلا في مقاعدنا ، ونحاول النظر من بعيد ،  علي الأقل حتى نمنح حكومة الولايات المتحدة حق المتهم في البراءة عند الشك في الأدلة ،  لهذا عند وجود اختلاف حول نقطة معينة ، سأفترض أنهم علي حق فيها ، النقطة الثانية سنأخذ علي محمل الجد أي تصريحات من القادة السياسيين ، وخاصة عندما يتم الإدلاء بتلك التصريحات بنبرة تحمل كل المصداقية والإخلاص ، كمثال علي ما أقول عندما أخبرنا جورج بوش أنه من أكثر المسيحيين  إيمانا من عهد الرسل ، فلابد أن نصدقه ، وعندما نصدق ما قاله نستطيع بالتأكيد أن نستنتج أنه قرأ آلاف المرات ما هو مكتوب في الإنجيل الذي ولابد أنه حفظه من طول قراءته في الكنيسة ، ما نريد أن نسترجعه من الإنجيل هو تعريف المنافق ، بالنص : ( المنافق هو من يطبق قواعد وقوانين علي الآخرين يرفض تطبيقها علي نفسه )، وعلي هذا فإذا افترضنا أننا لسنا منافقين ، فان معيار الخطأ والصواب يبقي واحدا بالنسبة لنا وللآخرين ، فما نعتبره تصرف خاطئ من الآخر هو خاطئ أيضا عندما نفعله نحن ، وما نراه صوابا في تصرفاتنا لا يمكننا أن نلوم الآخرين عندما يفعلونه ،  وهذا شيء بديهي ، وأفترض أن الرئيس وكل مؤيديه لا يستطيعون إنكاره ، وهذه هي المبادئ التي أرغب أن أبدأ منطلقا منها ، هذه هي المبادئ الأخلاقية التي إذا لم نتبعها ، فعلينا إذن التوقف عن الحديث عن المبادئ الأساسية مثل حقوق الإنسان ، ومثل الخطأ والصواب والخير والشر وكل هذه الأشياء ، وعلي هذا ينبغي علينا التخلي عن كل ما نقوله علي الأقل حتى يمكننا الحفاظ علي الحد الأدنى من المصداقية ، من وجهة نظري ما أقوله واضحا وأتمنى أن يكون هناك اتفاق حوله ،  وبناء علي ما سبق والخلفية التي طرحناها الآن  ،  دعوني أفترض فرضية وهي أننا كلنا منافقون عندما يأت الحديث عن الإرهاب ، وأقصد بكلمة كلنا أناس مثلنا علي درجة عالية من التعليم والوعي لديهم امتيازات التدريب والممارسة ومصادر المعلومات ، وعليه يمكنهم معرفة حقائق الأمور ، هذا بالطبع إذا كانت لدينا الرغبة في الوصول للحقيقة ، وفي الحالة التي نناقشها الآن ، ليس  مطلوبا منا البحث بشكل مجهد ، فالمعلومات المطلوبة سهل الوصول إليها  ، وهكذا عندما أقول كلنا أنا أقصد تحديدا هذه الفئة المتعلمة ، وينطبق هذا علي أنا شخصيا لأنني لم أقترح يوما أن يخضع زعمائنا لنفس المعاملة التي أطالب بأن يخضع لها أعدائنا ، وبالتالي موقفي هذا يقع تحت تعريف النفاق الذي أوردناه سابقا ، وعندما أفكر لا أستطيع أن أتذكر أحدا لا ينطبق عليه تعريف المنافق ، لان النفاق أصبح ثقافة عامة لنا كلنا  ، ومن الصعب الهروب من تلك الثقافة ، وهذه هي الفرضية الأولي كما قلنا سابقا  أننا كلنا منافقون حسب تعريف الكتاب المقدس وبالذات عندما نتحدث عن الإرهاب ، الفرضية الثانية هي أن الفرضية الأولي شديدة الوضوح  لدرجة أنك تحتاج فعلا إلي جهد كبير حتى يمكنك أن تتجاهلها  ،  دعوني أكمل وأسأل نفسي لماذا اعتقد أن الفرضيتين صحيحتين ، دعونا في البداية نحاول تعريف الإرهاب ، ولنكن واقعيين هو سؤال شديد الصعوبة شديد التعقيد ، ويصلح ليكون سؤال رئيسي في الدراسات العليا للفلسفة  ، ولكن دعونا نستعين بالخطوط العامة التي ذكرناها في البداية والتي سوف تساعدنا علي الإجابة دعونا نأخذ التعريف الرسمي للإرهاب كما وصفته الإدارة الأمريكية ، وبناء علي اتفاقنا بأن نتقبل كلمات زعمائنا كما هي حرفيا ، دعونا نأخذ تعريفهم للإرهاب ، في الواقع هذا ما أفعله أنا دائما ، لقد كتبت كثيرا عن الإرهاب خلال العشرين سنة الماضية ، وما كنت أفعله ببساطة هو الأخذ بالتعريف الرسمي المعلن ، ولنراجع ما هو مكتوب في كتيب الجيش الأمريكي عام 1984 حول تعريف الإرهاب والذي جاء فيه أن : ( الإرهاب هو استخدام أو التهديد باستخدام العنف لتحقيق أهداف سياسية أو دينية أو أيديولوجية ) ، يبدو هذا التعريف بسيطا ومناسبا خاصة عندما ننظر إلي تاريخ هذا التعريف – عام 1984 ، فهذا العام هو الذي بدأت فيه حكومة ريجان الحرب علي الإرهاب ، وبالتحديد ما أطلقوا عليه وقتها الحرب ضد الدول الراعية للإرهاب العالمي ، وهي الدول المعادية للحضارة والمدنية والتي تريد العودة بنا مرة أخري للبربرية في العصر الحديث ، وهذه الكلمات  هي كلمات "جورج شولتز" والذي كان من أكثر المعتدلين في تلك الحكومة ، إننا سنتتبع كلمات المعتدلين وليس المتشددين أو الصقور . في عام 1984 كان الرئيس / ريجان قد  مضي عليه عامان في رئاسة الولايات المتحدة ، ووقتها أعلنت حكومته الحرب علي الإرهاب فورا ، وكانت تلك الحرب علي الإرهاب هي محور التركيز والإهتمام  ، وحددوا وقتها منطقتين في العالم كمصدر للإرهاب وهما أمريكا الوسطي والشرق الأوسط  ، وكان هناك إتفاق تام علي تعريف الإرهاب وتحديد مصادره وكمثال : كانت وكالة "الأسوشيتيدبرس" تقوم بعمل استفتاء كل عام علي أهم الأحداث التي جرت فيه .            
                             وفي عام 1985 اعتبرت الوكالة أهم الأحداث هو الإرهاب في الشرق الأوسط ، وفي نهاية نفس العام قام "شيمون بيريز" رئيس وزراء إسرائيل بزيارة إلي واشنطن ، وفي تصريح مشترك" لريجان وبيريز" أشارا للآثار المدمرة للإرهاب ، كما كان هناك إتفاق بين المفكرين والأكاديميين ، وصدرت آلاف الكتب والرسائل والدراسات عن الإرهاب علي مدي العشرين سنة الماضية خاصة ما أسموه إرهاب الدول الراعية للإرهاب ، لن نخوض بالطبع في كل تلك الدراسات ، ولكن سنأخذ مثال عليها وهو ما تم نشره في مجلة التاريخ المعاصر في ديسمبر عام 2001 ، وهي بالمناسبة مجلة أكاديمية عريقة ، قالت المجلة في مقالها : ( إن أمريكا في حالة حرب ) ، وتبني هذا الرأي المؤرخون والمتخصصون في دراسة الإرهاب ، وأعلنوا أن عام 1980 هو بداية ظهور إرهاب الدولة أو الدول الراعية للإرهاب وهو نفس ما أعلنته إدارة ريجان ، واتفق أنا شخصيا مع هذا الرأي أيضا ، لقد كانت بالتأكيد بداية عصر الدولة الداعمة للإرهاب علي مستوي العالم – يقصد الولايات المتحدة الأمريكية علي النحو الذي سيتضح من المحاضرة -  ، وقد كتبت واحدة من أشهر المفكرين " مارثا كرينشو " قائلة : (  إن الولايات المتحدة تبنت  سياسة الردع والحرب الإستباقية لمقاومة الإرهاب الدولي خاصة في الشرق الأوسط ) ، وبالرغم من أن مصادر الإرهاب قد تم تحديدها كما قلنا سابقا بالشرق الأوسط وأمريكا الوسطي إلا أن أمريكا الوسطي  كانت بالكاد  تذكر في سياق الحديث عن الإرهاب ، وعلي سبيل المثال ذهب عدة كتاب أمريكيين إلي أن حرب " الكونترا " التي خاضتها الولايات المتحدة في" نيكاراجوا "هي مثال علي كيفية مواجهة الإرهاب ، وأنها النموذج لما تقدمه أمريكا من دعم للعالم الحر في الشمال ، ولكن في الوقت الحالي تبدو جذور الإرهاب أكثر تعقيدا مما كانت عليه من قبل ، وقد قال المؤرخ والمتخصص في شئون الإرهاب " ديفيد رابورت " : ( إن جذور الإرهاب الحالي مثل – أسامه بن لادن – تعود إلي بداية الستينات من القرن الماضي)  ، ودعوني اقتبس لكم نص ما قاله ، يقول ديفيد رابورت : ( عندما كان الأمريكان يتعرضون لإرهاب الفيتناميين ، كان جوليات الفلسطيني يتمني الدمار لقلب العالم الغربي – أمريكا -  ) ، لن أعلق علي تلك المقولة ، وسأترك لكم التفكير فيها  ، وكنوع من التمرين حاولوا أن تجدوا مقولات مشابهة في كتب التاريخ ، وبدون تعليق إذا رجعتم إلي كتب التاريخ ستجدون القصة تعيد نفسها كل مرة . في عام 1985 أيد العالم رؤية ريجان  ، فبعد إعلان" ريجان وبيريز" أن الإرهاب هو أصل كل الشرور، أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة إعلان يقضي بتجريم الإرهاب ، وفي عام 1987 أقرت إعلان آخر أشد لهجة من الإعلان الأول يقضي بتجريم كافة صور وأشكال الإرهاب ، وأنه علي كل الدول العمل للقضاء علي الإرهاب ، ولكن بالتأكيد لم يكن هناك إجماع علي هذه القرارات ، فقد اعترضت عليه ثلاثة دول هي "هندراوس" التي امتنعت عن التصويت ، وصوتان آخران اعترضا علي الإعلان وهما( الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل ) ، وكان اعتراضهما علي فقرة واحدة جاء في تلك الفقرة : ( أن الأمم المتحدة وهي تجرم الإرهاب تقر بأن هناك ما لا يقع تحت تعريف الإرهاب وهو حق الشعوب في تقرير مصيرها وحقها في الحرية والاستقلال ،  وهي الحقوق التي أقرها إعلان الأمم المتحدة عند إنشائها ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يسلب الإعلان الحالي حق الشعوب في الكفاح والمقاومة ضد الاحتلال الاستعماري والنظم العنصرية ، كما لا يدين هذا الإعلان سعي الشعوب للتحرر وطلب المساعدة من الآخرين لنيل تلك الحقوق التي أقرتها الأمم المتحدة عند إنشائها  ) ،  كانت هذه هي الفقرة التي اعتبرتها أمريكا وإسرائيل عدائية وعدوانية؟!  .                      
                                                            ويمكن بسهولة معرفة سبب اعتراض أمريكا وإسرائيل علي تلك الفقرة تحديدا ،  فقد تم تصنيف " المؤتمر الوطني" بدولة جنوب أفريقيا علي أنه منظمة إرهابية ، وتم الأخذ بهذا التصنيف في الولايات المتحدة الأمريكية والتي كانت تعتبر دولة جنوب أفريقيا حليفا وصديقا ، وعليه فان الجملة التي تقول " حق الشعوب في الكفاح والمقاومة ضد الاحتلال الاستعماري والنظم العنصرية " تدين بشكل مباشر" جنوب أفريقيا "ونظامها العنصري وتصف حالة المقاومة التي كان يقوم بها المؤتمر الوطني بوصفها الصحيح أنها مقاومة وليست إرهابا  ،  كما أن لفظ الاحتلال كان مفهوما عند الجميع أنه يشير إلي إحتلال إسرائيل للضفة الغربية وقطاع غزة ، وهو الإحتلال الذي كان يزداد عنفا بالرغم من مرور عشرين عاما علي بدايته ، والذي لم يكن ممكنا لولا تأييد أمريكا لإسرائيل ومساعدتها في استمرار الاحتلال بجميع الوسائل العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية والتي ما زالت مستمرة إلي الآن ، وعليه كانت الموافقة علي الإعلان غير مقبولة مطلقا من أمريكا وإسرائيل ، وبالتالي لم يتم إعلان هذا القرار واختفي من التاريخ ،  ويمكنكم مراجعة الأمر للتأكد منه ،  وهي قاعدة ثابتة عندما يقول الزعيم أن شيئا ما خطأ يسقط من الذاكرة فورا  ، ولا يتم إبلاغه لأي أحد وينسي تماما ، ولكنه هناك موجود لمن يبحث عن الحقيقة ، في ذاك الوقت كان" ريجان وبيريز" يتحدثان عن الإرهاب مصدر كل الشرور القادم من الشرق الأوسط ، لكن" جورج شولتز" لم يكن متفقا مع رؤية "ريجان وبيريز" ، وكان يري أن الإرهاب الحقيقي قريب جدا من حدود أمريكا ، وأطلق عليه السرطان الذي يهدد أمريكا بثورة تمتد إلي نصف الكرة الشمالي متجاوزة كل الحدود ، وكانت تلك الأحداث مثال حي علي الدعاية المزيفة والتي بالرغم من كشف زيفها ظلت تستخدم بشكل مستمر فيما بعد ، حتى الصحف التي كشفت زيف تلك الدعاية ظلت تستخدمها وذلك ببساطة لأنها مفيدة وفعالة ، وهناك عامل آخر بجانب فائدتها ،  فكل إشاعة فيها ولو جانب صغير من الحقيقة ، علي كل حال عندما أشار" شولتز" للسرطان الذي يهدد أمريكا ، كان يستخدم نفس الأساليب التي استخدمتها الدعاية النازية أيام هتلر وكان يردد أنه علينا جميعا أن نقف في وجه هذا السرطان الذي يهددنا . دعونا نأخذ  مثالا آخر ، هناك يوم هام في أمريكا نطلق عليه يوم القانون  ، في كل أنحاء العالم يطلقون عليه أول مايو أو احتفال مايو ، وهو للاحتفال بذكري حركة العمال الأمريكيين والتي كانت تطالب بتحديد ساعات العمل ب 8 ساعات فقط في اليوم ، ولكن في الولايات المتحدة نطلق عليه يوم القانون ، في عيد العمال ( يوم القانون ) أعلن الرئيس ريجان حالة الطوارئ علي مستوي الدولة ، وذلك لان حكومة نيكارجوا أصبحت تشكل تهديدا مباشرا وغير مسبوق علي الأمن القومي الأمريكي ،  وتمثل تهديدا لسياسات أمريكا الخارجية ، وكان يتم تجديد اتهام نيكارجوا كل سنة في نفس الميعاد ، وصرح "جورج شولتز" أمام الكونجرس الأمريكي أنه : ( يجب علينا استئصال السرطان المسمي نيكاراجوا ، وأن يتم ذلك بأعنف الوسائل وليس بطريقة الدبلوماسية ) ، ولخطورة الأمر دعوني اقتبس كلمات جورج شولتز حرفيا والذي كان يطلق عليه المعتدل أو الشرطي الطيب ، قال شولتز : ( إذا لم يتم إظهار القوة والقدرة علي البطش في أثناء التفاوض تصبح المفاوضات مجرد مرادف لطيف للاستسلام ، وندد بمن يريدون الوصول إلي نتائج من خلال القانون والوسائل السلمية مثل الوساطة السياسية والدولية واللجوء للأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية متجاهلين مركز القوة الذي يجب أن ينتصر بغض النظر عن الحق في أي جهة )  ، كانت الولايات المتحدة في نفس الوقت تمارس إظهار القوة والبطش وذلك من خلال قوات المرتزقة التي كانت متمركزة في "هندراوس " ، وكانت هذه القوات تهاجم" نيكاراجوا " ، وكانت القوات تحت إشراف وقيادة " جون نيجرو بونتي " سفير أمريكا في هندراوس والذي كان مكلفا في ذات الوقت بمواصلة الجهود الدبلوماسية ، وللمفارقة هو الآن سفير الولايات المتحدة في الأمم المتحدة والمكلف بمتابعة الجهود الدبلوماسية لمكافحة الإرهاب ، وكان الجانب العسكري من تلك الأزمة في يد "دونالد رامسفيلد" ، والذي كان وقتها المبعوث الخاص لريجان في الشرق الأوسط وهو المصدر الثاني للإرهاب حسبما ذكرنا سابقا ، وفي نفس الوقت أيضا كانت أمريكا تعارض بشدة المحاولات السلمية التي كانت تقوم بها الأمم المتحدة لحل الأزمة ، كما تعارض أيضا محاولات دول أمريكا الجنوبية لحل الخلاف ، وظلت تعارض وتعرقل كل تلك الجهود من البداية وحتي النهاية ، وهي النهاية التي توجت بالنصر علي الدولة الراعية للإرهاب نيكاراجوا ، ولكن كيف أدارت أمريكا الحرب ضد تلك الدول الإرهابية ؟؟ ، كيف أمكن لأمريكا أن تحارب الإرهاب في هاتين المنطقتين من العالم في نفس الوقت الذي تقود فيه العصر الجديد ؟ ، حسنا حتى نوضح أكثر دعونا نختار سنة محددة لنبدأ منها ، عام 1985 والذي يعتبر أسوأ عام مر علي الشرق الأوسط ، في رأيكم ما الحدث الذي يمكن أن يفوز بجائزة الإرهاب الدولي في الشرق الأوسط خلال عام 1985؟ ،  كبداية أقترح ثلاثة أحداث ، ويمكنكم بالتأكيد اقتراح أحداث أخري ، الحدث الأول هو تفجير سيارة مفخخة في بيروت عام 1985 تم وضعها خارج أحد المساجد ، وتم توقيت القنبلة لتنفجر لحظة خروج المصلين من المسجد حتى تقتل أكبر عدد ممكن من الناس ، وعلي حسب تقرير" الواشنطن بوست "كان عدد الضحايا في هذا الانفجار 80 شخص وإصابة أكثر من 250 شخص آخر معظمهم من النساء والفتيات الصغيرات الذين كانوا في المسجد ، كان الانفجار كبيرا جدا حتى أنه حطم الشارع تماما ،  وأدي إلي مقتل بعض الأطفال في أسرتهم بالمنازل المجاورة ، وكان التفجير يستهدف أحد شيوخ المسلمين والذي نجا من الانفجار ، وما عرف فيما بعد أن المخابرات الأمريكية كانت وراء هذا الانفجار بالتعاون مع المخابرات البريطانية والسعودية وكان مدير العملية هو " وليام كاسي " مدير المخابرات الأمريكية" أل سي أي إيه"  ، هذه المعلومات ذكرها " بوب ودورودذ" رئيس تحرير "الواشنطن بوست" ، وتمثل هذه الحادثة بالتأكيد مثالا صريحا لما يمكن أن نسميه بالإرهاب الدولي ، وبدون شك يمكن اعتبار هذه الحادثة مؤهلة للفوز بجائزة العمل الإرهابي الأول في  عام 1985 .     
تفجير سيارة مفخخة أمام أحد مساجد بيروت عام 1985
                      
                                      
حادثة أخري وهي ما أطلق عليه (عملية القبضة الحديدية )  والتي قامت بها حكومة" شيمون بيريز" في المناطق المحتلة في جنوب لبنان خلال مارس 1985 ، وكان الجنوب اللبناني وقتها تحت الاحتلال الإسرائيلي في تحدي صريح لقرار مجلس الأمن بإنهاء الاحتلال ، ولكن بتأييد من أمريكا استمر الاحتلال ، استهدفت عملية القبضة الحديدية ما أطلق عليه قائد الجيش الإسرائيلي" القرويين الإرهابيين" في جنوب لبنان ، وشملت هذه العمليات العديد من المذابح وعمليات الإبادة ، وتم اختطاف أعداد كبيرة من الناس واعتقالهم في سجون إسرائيل تحت التحقيق ، وكما أشار أحد الدبلوماسيين الغربيين تمت كل تلك العمليات بشكل عشوائي وضد أشخاص ليس لهم علاقة بأحداث إرهابية أو قتالية ، ولم تكن كل تلك العمليات العسكرية للدفاع عن النفس ولكن كانت لتحقيق أهداف سياسية بعينها ، حتى تلك الأهداف السياسية لم تكن طارئة أو عاجلة ، وهكذا تمثل تلك العمليات مثالا صريحا علي الإرهاب الدولي ،  وعلي الرغم من أننا يمكن أن نطلق عليها مجرد عمل عدائي ، إلا أنه لا يمكننا –  وحسب التعريف السابق – إلا أن نسميها ( إرهاب دولي ) وبتأييد من أمريكا ، ومما هو واضح كانت تلك عمليات أمريكية قامت بها إسرائيل بدعم عسكري ودبلوماسي أمريكي لهذا لا يسعنا إلا أن نطلق عليها إرهاب دولي ، ولا يمكننا أن نطلق عليها مجرد عمل عدائي أو التعريف الأكثر قسوة بأنها جرائم حرب .                   
هجوم إسرائيل علي لبنان عام 1985
                                                              ويمكن أيضا أن نطبق نفس القواعد علي
العملية الأكبر وهي (عملية الغزو الإسرائيلي لجنوب لبنان ) عام 1982 والتي راح ضحيتها أكثر من عشرين ألف قتيل ، وأيضا كان ذلك الغزو بتأييد عسكري واقتصادي من أمريكا ، وكان الفيتو الأمريكي علي قرار مجلس الأمن هو ما سمح باستمرار المذابح الإسرائيلية في لبنان ، لهذا عندما نكون أمناء مع أنفسنا يجب أن نطلق علي هذا الغزو" الغزو الأمريكي – الإسرائيلي" للبنان ، وكان الهدف السياسي من الغزو هو تنصيب نظام جديد في لبنان مؤيد للسياسات الأمريكية الإسرائيلية وتصفية منظمة التحرير الفلسطينية مما يجبر الفلسطينيين علي القبول بالشروط الإسرائيلية في عمليات التسوية ، ويجب هنا الإشارة إلي ما كتبته "النيويورك تايمز" في 24 يناير ، وقد كانت هذه المقالة فريدة في نوعها ، حيث أنه ولأول مرة في الصحافة الأمريكية يجرؤ أحد علي التصريح بما هو معروف بشكل عام ومعروف أيضا في كتابات المعارضة الإسرائيلية ، منذ أكثر من عشرين عام ، كتبت هذا في عام 1983 مستخدما المصادر الإسرائيلية وبالرغم من وجود المعلومات في الصحف الإسرائيلية ، إلا أن تلك المعلومات لم تجد طريقها للنشر في الصحف الأمريكية ، ويمكنكم طبعا التأكد من هذا بأنفسكم ، وهذا ما يجعلني أتصور أن محرر "النيويورك تايمز" لم يكن يفهم تماما ما كتبه فقد قال في 24 يناير : ( تم منح "جيمس بينيت "هذه الجائزة لأنه قد كتب الحقيقة منذ عشرين عام ) ، وهذه بالفعل حقيقة وتعتبر حالة موثقة يمكن تدريسها عندما نحاول تعريف الإرهاب الدولي ، وفي هذه الحالة تحديدا يتطلب الأمر الكثير من الحيادية حتى نستطيع أن نطلق علي تلك الحالة إرهاب دولي ، وفي نفس الوقت علينا إدراك مدي الصعوبة في إطلاق لفظ جرائم حرب علي تلك الواقعة ، ففي هذه الحالة علينا تقديم زعمائنا إلي محاكمات مثل "محاكمات نورمبرج" ، ولكن دعونا فقط نلتزم بالتعريفات التي ذكرناها سابقا ، ونكتف بأن نطلق عليها إرهاب دولي ، وهكذا يصبح عندنا مثال ثان وهو عملية القبضة الحديدية .                                             المثال الثالث ويمكن اعتباره الوحيد الذي أعرفه ، ففي عام 1985 ، حدث قبل يومين من وصول "شيمون بيريز" لواشنطن وهي الزيارة التي شارك فيها ريجان بإعلان أن الإرهاب مصدر كل الشرور ، مباشرة قبل هذا الإعلان المشترك من "ريجان وبيريز" ، أرسل رئيس الوزراء الإسرائيلي قواته الجوية ( لقصف تونس ) ، قتل في هذه العملية 75 مدنيا باستخدام القنابل الذكية ، هذه العملية تم نشر تفاصيلها في الصحافة الإسرائيلية برسوم توضيحية وخرائط العمليات ، وتم الإعلان أن إسرائيل تلقت دعما من أطراف أخري في تنفيذها ، وكان هذا الدعم عبارة عن انسحاب قطع الأسطول السادس الأمريكي من أمام سواحل تونس حتى لا تضطر الحكومة الأمريكية لإبلاغ تونس حليفتها في هذا الوقت بالهجوم الجوي الإسرائيلي ، وهذه هي الحالة الثالثة التي يمكنني تقديمها اليوم ،  ولا أعرف أي حالات أخري كانت علي نفس الدرجة من العنف والتخطيط بما يؤهلها لأن تكون تحت مسمي الإرهاب الدولي ، مباشرة بعد القصف الجوي قام "جورج شولتز" المعتدل بالاتصال تليفونيا بوزير الخارجية الإسرائيلي قائلا :  ( الولايات المتحدة الأمريكية تتعاطف تماما مع هذه العملية ، ولكن لا نستطيع تأييدها بشكل علني ومباشر ، حيث أنه يجب علي أمريكا أن تظهر بمظهر المعارض للإرهاب الدولي خاصة وأن مجلس الأمن أدان العملية واعتبرها عمل من أعمال العداء المسلح ) ، ومرة أخري تغيبت الولايات المتحدة الأمريكية عن التصويت علي قرار الإدانة ، هذه هي الحالات الثلاث التي يمكنها أن تفوز بجائزة الإرهاب الدولي عام 1985 وعلي حسب معلوماتي ، وحتى نلتزم بالقواعد التي قلناها سنعتبر هذه الحالات مجرد إرهاب دولي وليست جرائم حرب تستدعي محاكمات كمحكمة نورمبرج مجرد حالة إرهاب دولي من خصوم وأعداء الحضارة والمدنية علي حسب تصريحات ريجان ، وهي حالات واضحة بحيث يصبح من الصعب تجاهلها .                    
قصف إسرائيل لتونس عام 1985
                                          ولنتذكر نحن نتحدث عن أكبر عمليات الإرهاب الدولي في عام 1985 وتلك الحالات الثلاث تفوز طبعا بالجائزة ، ومع ذلك هناك
ثلاث حالات أخري نجدها هي التي يتم التركيز عليها بشكل مكثف رغم أنها حالات لا يمكن مقارنتها بالثلاث حالات التي ذكرناها ، بل لا يمكن لها الاقتراب من فداحة ما ذكرنا ، ومع ذلك فانه وعند مناقشة الإرهاب الدولي في عام 1985 يتم نسيان الحالات التي ذكرناها ويتم التركيز علي الحالات الأخرى التي سأذكرها لكم ، وأول هذه الحالات هي اختطاف الطائرة أل " تي دابليو إيه رقم897" والتي نتج عنها مقتل أحد أفراد البحرية الأمريكية ، الحالة الثانية هي اختطاف الباخرة " أكيلي لاورو " والتي نتج عنها مقتل أمريكي آخر كان معاقا ، بالتأكيد كل من العملين هو عمل إرهابي ، وهما المثالان الوحيدان اللذان أعرفهما  وهكذا يتم تقديم هاتين الحالتين علي أنهما مثال علي الإرهاب الدولي ، وعلي لسان خاطفي الطائرة قالوا -  ومعهم الحق كل الحق : – ( أن إسرائيل مستمرة في خطف السفن من المياه الدولية في المنطقة الواقعة بين قبرص ولبنان ، وإنها تقوم باعتقال المختطفين في إسرائيل بزعم التحقيق معهم ، أو ببساطة اعتقالهم كرهائن ، وتحتفظ بهم في السجون لسنين طويلة ، بعض هؤلاء المسجونين لازالوا في السجون الإسرائيلية حتى الآن )، ولكن هذا بالتأكيد لا يقدم مبرر لعمليات الخطف علي الأقل احتكاما للقواعد التي أقبلها شخصيا ، وهي أنه لا يمكن قبول العنف بشكل قانوني ، حتى لو كان هذا العنف عنفا مضادا وردا علي عنف الطرف الأخر ، يبقي العنف وسيلة غير مشروعة علي كل المستويات ، وبالتالي لا يوجد لدينا ما يبرر حالات الاختطاف هذه ، وفي نفس الوقت لا يمكن أيضا تبرير حالات الاختطاف التي قامت بها أمريكا وإسرائيل ، ولا يجب أن ننسي عندما تقوم إسرائيل بمثل هذه الأعمال فنحن أيضا مشتركون بها بشكل أو بآخر ، النقطة الهامة أن كل تلك العمليات التي قامت بها  إسرائيل لا تجد لها توثيقا في كتابة التاريخ الرسمي ، وفي بعض الحالات النادرة قد تجد إشارة لحادثة منها ليس بشكل منفرد ولكن في سياق الحديث عن شيء آخر ، ولكن لا يتم اعتبارها جزء من تاريخ الإرهاب . الذين نفذوا عملية خطف " أكيلي لاورو " قالوا : ( أن هذه العملية رد علي القصف الإسرائيلي لتونس ) ، بالطبع لا يمكننا قبول هذا التبرير في ظل القواعد التي وضعناها ، ونعيد مرة أخري العنف ليس مبررا لاستخدام العنف المضاد ، هذا طبعا إذا كان يمكننا أن نتحلي بالحد الأدنى من المصداقية فيما ندعي أنه أخلاقي أو غير أخلاقي ، وبالتالي إذا كان لنا فعلا أن ندعي أننا لسنا منافقين ، بالتأكيد هناك حالات من العنف المضاد ستحدث ردا أو انتقاما ، ولكن هذا أوضح من أن نخوض فيه الآن ، حسنا هذا بالنسبة للسنة التي تم اعتبارها ذروة النشاط بالنسبة للإرهاب الدولي في الشرق الأوسط ، وكنوع من التدريب يمكنكم البحث عن أي حادثة أخري لم أذكرها وبالتالي تتنافس مع الثلاثة حوادث التي فازت بالجائزة ، وكما ذكرت في البداية لا يستلزم الأمر بحث مضني لاكتشاف تلك الأشياء ، وعلي النقيض من ذلك يستلزم الأمر جهدا كبيرا حتى تستطيع تجاهل كل هذه الأحداث وسيستلزم أيضا مستوي عالي جدا من التعليم حتى لا تلاحظها ، بالتأكيد لم تكن سنة 1985 هي السنة الأولي في الإرهاب الدولي ولن تكون الأخيرة ، هناك العديد من الأحداث الهامة في الشرق الأوسط والتي تقع أيضا تحت تعريف الإرهاب الدولي ، علي سبيل المثال في عام 1975 قام الطيران الإسرائيلي بتخطيط ومساعدة أمريكية بقصف قرية في لبنان وقتل 50 شخصا مدنيا ، لم يتم تقديم أي تبرير لهذا العمل لم تكن هناك دوافع معلنة سبقته ، ولكن السبب كان معروفا للجميع في ذاك الوقت كان هناك اجتماع لمجلس الأمن لبحث قرار ، وكان هناك شبه إجماع علي هذا القرار الذي ينادي بحل دبلوماسي للقضية الفلسطينية وإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ، ولكن كالعادة استخدمت أمريكا الفيتو لوقف القرار والذي كان يتضمن نفس بنود القرار رقم 242 والتي كانت تتحدث عن الأمن وترسيم الحدود وبنود أخري عن ضرورة إعلان حدود معترف بها دوليا ، والنقطة التي أثارت اعتراض أمريكا هي الإشارة إلي الحقوق الوطنية الفلسطينية لأن هذا بالطبع غير مقبول من الإدارة الأمريكية ، وهو ما يتوافق مع موقف أمريكا من الحقوق الفلسطينية فقد رفضتها سابقا وما زالت ترفضها حتى الآن رغم كل الدعايات التي توحي بغير ذلك ، لقد اعترضت أمريكا علي كل القرارات التي من شأنها حل الصراع بشكل دبلوماسي والتي صدرت وما زالت تصدر حتى الآن ، لقد تم رفض كل تلك القرارات باستخدام الفيتو الأمريكي ، ولنتذكر إسرائيل ليس لها حق الفيتو في مجلس الأمن ، وهكذا كان رد الفعل الإسرائيلي علي الحوار الدائر لحل الأزمة دبلوماسيا قصف تلك القرية في لبنان وقتل خمسين مدنيا . هناك أيضا حادثة أخري قامت بها إسرائيل ولم يتم تسجيلها في سجل الإرهاب الدولي القصف الذي تم تحت تأييد أمريكا وتسبب في مقتل العديد من المدنيين بالإضافة إلي تشريد آلاف من البشر ، في هذا الوقت عام 1996 سحب كلينتون تأييده "للغزو الإسرائيلي لجنوب لبنان "، حدث هذا بعد ( مذبحة قانا ) التي راح ضحيتها مئات اللاجئين في معسكرات الأمم المتحدة ، في هذا الوقت قال كلينتون : ( لا يمكننا تحمل مسئولية كل هذه الأعمال ، وأيضا لم يكن هناك مبرر لهذه المذبحة ، و لم تتوافر أي حالة من حالات الدفاع عن النفس ) ، وهكذا لا يسعنا إلا أن نطلق علي هذه الأعمال " إرهاب دولي " أو اعتداء مسلح بلا مبرر وهو مازال مستمرا حتى الآن .             
صور مذبحة قانا
                         دعونا الآن نتحدث عن
الانتفاضة التي بدأت عام 2000 ، في البداية لم يكن هناك أي إطلاق للنيران من جانب الفلسطينيين ، كل ما كان هو مجرد رمي بالأحجار ، وفي المقابل كانت إسرائيل تستخدم الطائرات الأمريكية الهجومية لقصف المجمعات السكنية ، القصف الذي كان يتسبب في مقتل وإصابة العشرات من المدنيين الفلسطينيين في خلال الأيام القليلة الأولي من الانتفاضة ، ودعوني هنا استعير كلمة الرئيس حين يصف دعم الإرهاب ، تذكرون أن الرئيس بوش وصف الفلسطينيين بأنهم يدعمون الإرهاب ، لذا دعونا نستعير هذا التعبير وباستخدام القواعد التي وضعناها سابقا سنجد أن إدارة الرئيس بوش كانت تدعم الإرهاب عن طريق عقد صفقة هي الأكبر في تاريخ البلدين بمنح إسرائيل طائرات هليكوبتر هجومية مع قطع الغيار اللازمة لها ، طائرات الأباتشي تلك والتي تم إرسالها لإسرائيل قبل بدء الانتفاضة بأسبوعين هي دعم الإرهاب الحقيقي ، لقد تم استخدامها في قتل وإصابة المدنيين الفلسطينيين ومهاجمة المجمعات السكنية ، واشتركت الصحافة الأمريكية في الأمر بالتغطية عليه ورفض النشر ، لاحظوا أنني أقول رفض النشر وليس مجرد منع النشر ، فقد تم بشكل محدد جدا عرض الأمر علي رؤساء التحرير ، وكان ردهم الواضح وقتها لن نسمح بنشر هذه الأنباء حول إسرائيل ،  لا يوجد أي نوع من اللعب بالألفاظ هنا ، رفضوا النشر ، واستمر هذا الموقف من الصحافة الأمريكية ، دعونا الآن نذهب إلي عام 2001 حين أدان جورج بوش الأب الإرهاب الفلسطيني وفي نفس الوقت استمر في دعم الإرهاب بصورة فعلية ، ليس فقط بصورة فعلية ولكن بصورة أساسية ، في 5 ديسمبر كان مجلس الأمن يناقش المبادرة الأوربية والتي تنادي الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي لنبذ العنف وتدعو لوجود مراقبين دوليين لمراقبة التزام الطرفين ، وكانت هذه خطوة هامة جدا ، ولكن كالعادة تم الاعتراض عليها بالفيتو الأمريكي مما يجعلنا نتساءل : من الذي يدعم الإرهاب ؟! ، ومما هو واضح لا يوجد تفسير آخر ، ولم تحاول الصحافة إعطاء أي تفسير آخر ، ببساطة لأنها لم تكن تنشر تلك الأحداث حتى تضطر لتبريرها ، وتم تحويل الأمر من مجلس الأمن لمناقشته في الجمعية العامة للأمم المتحدة ، ولكن هذه المرة لم تكن أمريكا وإسرائيل فقط أصوات الاعتراض كما هو المعتاد وإنما اعترضت أيضا علي القرار بعض الجزر الصغيرة في الباسيفيكي .. جزيرة أو اثنتين ، وهكذا يمكننا القول أن أمريكا وإسرائيل لم تقفا وحدهما كما كان سابقا ، قبل هذا الحدث بعشرة أيام  ، كانت هناك واقعة أخري يمكن اعتبارها دعما للإرهاب ، "اتفاقية جنيف" والتي يتفق عليها العالم كله ، تنص فقرتها الرابعة علي قواعد التعامل في الأراضي المحتلة ، وهو ما لم يتم تطبيقه في إسرائيل ، وقد رفضت أمريكا تطبيق نصوص الإتفاقية علي إسرائيل عندما تمت إثارة الموضوع في الأمم المتحدة ، امتنعت أمريكا عن التصويت علي القرار حتى لا تظهر في موقف المعارض للقانون الدولي ، وبالطبع يرجع هذا للظروف المحيطة وقتها ، تتذكرون بالطبع أن اتفاقية جنيف تم إقرارها مباشرة بعد الحرب العالمية الثانية حتى يتم تجريم أفعال النازية ، وهكذا عندما تدعي أمريكا أنها لا تنطبق علي إسرائيل فهو سلوك يدعو للتفكير في هذا الموقف ، وفي المقابل يوافق العالم كله بلا استثناء علي تطبيق قواعد تلك الاتفاقية علي الأراضي المحتلة في فلسطين ، هذا بالإضافة إلي أن منظمة الصليب الأحمر وهي المنظمة المسئولة عن تفسير وتطبيق بنود اتفاقية جنيف توافق علي ضرورة تطبيقها في فلسطين ، وقد دعت "سويسرا "– وهي الدولة المعنية بمراقبة تطبيق الاتفاقية – الدول التي وقعت علي الاتفاقية بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية إلي ضرورة الإلتزام ببنود الإتفاقية والعمل علي تنفيذها ، وقامت سويسرا بشكل جدي بالدعوة إلي اجتماع في الخامس من ديسمبر ، وتم بالفعل هذا الاجتماع ، وتم إقرار بيان يدعو بقوة إلي أن بنود اتفاقية جنيف تنطبق تماما علي الأراضي الفلسطينية المحتلة ، وبالتالي يصبح كل ما تقوم به إسرائيل وأمريكا هناك غير قانوني طبقا للقانون الدولي ، وعددوا تلك الأفعال المخالفة للقانون وهي المستوطنات والتهجير وكل ما تمت ممارسته في فلسطين ، وكان رد الفعل الأمريكي هو مقاطعة الاجتماع والجلسات وضغطت علي استراليا – حسب ما قالته الصحافة الاسترالية – لمقاطعة الاجتماع والجلسات ، وكانت تلك المقاطعة كالفيتو والتصويت السلبي الذي تستخدمهما أمريكا في مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة ، وبالطبع لا تدون تلك التصرفات تاريخيا علي أنها دعم للإرهاب ، ولا ينبغي أن نغفل ما تسببه تلك المواقف من دعم مباشر للإرهاب ، كل هذا كان يتم عمله في منتصف  فترة الهدنة بين الفلسطينيين والإسرائيليين والتي امتدت ل 21 يوما ، وقد كانت هدنة من طرف واحد لم يرتكب الفلسطينيون خلالها أي عمل عدائي ، في المقابل تم قتل العشرات من الفلسطينيين من بينهم العديد من الأطفال ، وكل هذا تم خلال فترة التفاوض ، من الواضح طبعا أن كل تلك الجهود لا يمكن تفسيرها إلا علي أنها دعم للإرهاب ، وحتى أكون موضوعي ربما كان هناك سبب آخر لتلك التصرفات غير دعم الإرهاب ولكني لا أعرفه ، بالطبع قد تكون هناك تفسيرات أخري ، ولكن ما أقوله هو كيف يظهر الأمر بالنسبة لي ، بالطبع الإرهاب في الشرق الأوسط مستمر له تاريخ ممتد ، وعندما نحاول النظر في السجلات والوثائق سنجد الكثير من الخلط والكثير من التعقيد ، ولكن في المقابل لا تستطيع أن تعترف إلا بما هو حادث فعلا والذي يتفق مع ما ذكرته لكم هناك إرهاب وإرهاب مضاد من الطرفين ، وعندما تنظر للأمر من كل النواحي وتحاول تحديد عوامل ومسببات الإرهاب ستكتشف أن إرهاب الدولة أخطر بكثير وأشد إيذاء من أي إرهاب فردي ، ببساطة لأن الدولة تملك مقومات ووسائل أعنف وأكثر قوة وتأثير ، وهو ما يفتقده الأفراد أو الجماعات في محاولاتهم للإرهاب وهو ما سيكتشفه أي شخص يحاول البحث والنظر ، وهو ما ستكتشفه إذا ما طبقت التعريف الرسمي للإرهاب والذي تتبناه الإدارة الأمريكية ، وعندما تنظر للأمر من ناحية موضوعية ، تكتشف أن الإرهاب ليس سلاح الضعفاء كما يدعوا ، لكنه سلاح الأقوياء بما يملكونه من وسائل العنف والقوة ، هذا هو التاريخ ، ولكن التاريخ هو ما يكتبه المتعلمون والمثقفون  والأكاديميون ، وهذه الكتابة التاريخية ليس لها علاقة بما يتصوره العامة من الناس علي أنه التاريخ ، وعندما تحاول تحري الدقة فيما أقوله ، أعتقد أنك ستكتشف أنه صحيح وحقيقي ، كانت هذه هي قصة الشرق الأوسط دعونا الآن نتكلم عن أمريكا الوسطي وهي بحسب تعريف الإدارة الأمريكية البؤرة الثانية للإرهاب وأعداء الإنسانية والمدنية ، سيكون كلامي هنا مختصرا ، فالأمر واضح ولا توجد خلافات كثيرة حوله علي الأقل بين الهيئات الدولية والأكاديمية ، ويمكنك بسهولة معرفة هذا إذا سألت نفسك كم مرة سمعت في وسائل الإعلام خلال الخمسة أشهر الأخيرة عن الشرور التي يسببها الإرهاب ؟ ، وفي المقابل اسأل نفسك كم مرة سمعت عن الأشياء التي يتفق عليها العالم كله ؟ ، وأقصد هنا أنها ليست محل خلاف حسب مجلس الأمن والقانون الدولي والمحكمة الدولية وغيرها ، دعونا نبدأ في عام 1996 أدانت المحكمة الدولية الولايات المتحدة الأمريكية لقيامها بعمل إرهابي دولي ، وهو استخدام غير مشروع للقوة العسكرية ضد "نيكاراجوا" ، ومرة أخري سنلتزم بالقواعد التي وضعناها سابقا وسنعتبر هذا مجرد إرهاب دولي وليس جرائم حرب ، طالبت المحكمة الدولية أمريكا بأن تنهي جرائمها ، وأن تدفع تعويضات عن الخسائر التي تسببت فيها وهو ما تم تقديره بملايين الدولارات ، وجاء رد الفعل من الكونجرس الأمريكي والذي قرر زيادة ميزانية الحرب فورا ، ولجأت نيكاراجوا إلي مجلس الأمن والذي ناقش قرار بأنه : ( علي كل الدول المعنية أن تلتزم بالقانون الدولي ) ، لم يحدد مجلس الأمن تلك الدول ، ولكن كان نداءه للجميع ، واستخدمت أمريكا الفيتو ضد إصدار القرار ، فلجأت نيكاراجوا إلي الجمعية العمومية والتي أقرت بيان مشابه لبيان مجلس الأمن الذي تم إجهاضه ، وأيضا اعترضت أمريكا وإسرائيل ! ، وفي تلك المرة نجحوا في ضم دولة أخري لهم هي "السلفادور" ، كل هذه الإحداث خارج التوثيق التاريخي لجرائم الإرهاب ، ولابد لها بالطبع أن تكون خارج التاريخ ، فليست هذه هي الصورة التي يريدون للتاريخ أن. يبدو عليها ، كل تلك الأحداث والوقائع لا يوجد جدل حول تعريفها بأنها إرهاب دولي ، والسؤال هو: كم مرة سمعت إشارة لتلك الأحداث حين يأتي الحديث عن الإرهاب الدولي ؟؟ ، ومن هم الأشخاص المسئولين عن تلك الأحداث مثل " نيجروبنتي " سفير أمريكا في هندراوس و " رامسفيلد "المبعوث الخاص لريجان إلي الشرق الأوسط وغيرهم ؟؟ ، كان رد الفعل الأمريكي هو صب الزيت علي النار ، وزيادة مخصصات الحرب علي نيكاراجوا ، وإعطاء أوامر مباشرة لقوات المرتزقة التي تحت قيادتها لمهاجمة ما أطلقوا عليه أهداف سهلة ، نعم هذا هو التعريف الذي أطلقه القائد العام ، ويقصد بالأهداف السهلة المدنيين غير المسلحين مثل الجمعيات التعاونية الزراعية وغيرها ، ولم تكن هذه الأوامر سرية بل كانت معروفة وتناقش في أمريكا ، وحتى الاتجاهات اليسارية في الحكومة الأمريكية كانت تعتبرها أفعال مشروعة حتى إن شخصية مثل " مايكل كينسلي " وهو من يمثل التيار اليساري في الرأي العام الأمريكي كتب مقالة مثيرة للدهشة ، وكان وقتها رئيس تحرير مجلة الجمهورية الجديدة كتب قائلا: ( لا يجب علينا أن نتسرع في إدانة العمليات العسكرية الأمريكية التي استهدفت المدنيين في نيكاراجوا لأننا يجب أن نطبق قواعد المصلحة المباشرة ، وعلينا أن ننظر إلي الفوائد في مقابل الخسائر ، ويجب أن ننظر لأعداد القتلى من المدنيين علي أنهم ضريبة الديمقراطية ، ونقرر إذا كنا نريد الديمقراطية لنيكاراجوا أم لا ، فعندما ننظر للدول المجاورة مثل السلفادور وجواتيمالا ونقرر إذا ما كانت نماذج  ديمقراطية جيدة بالنسبة إلي المقاييس التي نريدها ) ، إذن " مايكل كينسلي" يقرر أن الغايات التي نريدها تبرر لنا القيام بالإرهاب علي المستوي الدولي ، تذكروا هذا رأي أحد المتعلمين المثقفين وليس رأي أحد الأفراد العاديين ، وليس بالطبع رأي الجماهير في" نيكاراجوا" ، فتلك الجماهير كان لديها جيش يدافع عنها ، وكانت النتيجة آلاف القتلى ودمار شامل للبلد الذي نسعى لدمقرطته ، في نيكاراجوا كان الشعب عنده جيش يدافع عنه ، ولكن الحالة لم تكن كذلك في" السلفادور"  و "جواتيمالا"  حيث كان الجيش في كل منهما هو أداة الإرهاب في الدولة التي تدعمها الولايات المتحدة الأمريكية ، وهكذا لم يكن هناك من يدافع عن هذين الشعبين ، ولم يكن أمام جماهير هذه الشعوب جميعا أي وسيلة للدفاع ، فلا يمكنهم مثلا اللجوء للقانون والمحكمة الدولية ، لأننا ببساطة قد قررنا أن العالم يجب أن تحكمه القوة وليس القانون طالما نملك نحن القوة ، وهكذا وبناء علي قراراتنا فإن أي دولة تحاول الحصول علي حقوقها بالطرق المشروعة والقانونية لن تستطيع الحصول علي أي شيء ، وهذا في الواقع هو خيارنا وليس خيار أي دولة أخري ، لذا لا نستطيع أن نلوم أي أحد عليه ، بالطبع كانت هناك معارضة شعبية لمثل تلك القرارات والأفعال وليست بالطبع معارضة من الصفوة ، فقرار الصفوة هو اللجوء للإرهاب الدولي ، وليس مجرد إرهاب ، بل شبكة قوية من الإرهاب الدولي ، ولنتذكر أمريكا دولة قوية وليست مثل ليبيا مثلا ، فعندما تريد ليبيا ممارسة الإرهاب فإنها تلجأ لاستئجار" كارلوس" أو منظمة شبيهة بهذا ، ولكن أمريكا عندما تريد ممارسة الإرهاب فإنها تستأجر دولة إرهابية ، بالطبع فنحن أثرياء العالم ، وهكذا فان شبكة الإرهاب الأمريكية تتكون من ( تايوان – بريطانيا – إسرائيل – الأرجنتين علي الأقل عندما كانت تحت قواعد النازية الجديدة ) ، وبالطبع عندما سقط هذا النظام في الأرجنتين خرجت من شبكة الإرهاب الأمريكية ، عن طريق منع المساعدات التي كانت تأتيها من السعودية ، هذه الشبكة الأمريكية للإرهاب لا يمكن مقارنتها بأي شبكة إرهابية علي الإطلاق ، بل انه من غير المناسب أن نطلق عليها شبكة وربما يكون الاسم الأنسب هو  " محور الشر" ، والخلاصة :  إذا ما التزمنا بالقواعد التي وضعناها ، نستطيع أن نري أن زعماءنا الأمريكيين قد تسببوا في مقتل عشرات الألوف من البشر ، وهم المسئولون عن معاناة الملايين من الأيتام واللاجئين ، ودمار شامل في المنطقة ، وهذه حالة واحدة كمثال عملي علي الحالات التي لا يوجد خلاف حولها " نيكاراجوا " والتي لم تكن الحالة الأولي ، وبالتأكيد ليست النموذج الأكثر وحشية ، نموذج يتجاوز كل الحالات التي شاهدناها في أحداث 11 سبتمبر ، ومرة أخري سنحاول أن نكون حياديين ، وسنطلق عليها حسب التعريف الأمريكي حالة إرهاب دولي قام بها أعداء الحضارة والإنسانية ، كانت هذه هي المنطقة الثانية التي اعتبرتها أمريكا مصدر للإرهاب الدولي ، والغريب أن كل هذا ليس في سجلات التاريخ أو وثائقه ، علي سبيل المثال مجلة التاريخ المعاصر لا تشير إلي أي من هذه الأحداث في مقالاتها ، ولا يوجد ذكر لأي من هذه الأحداث في الأدبيات الأكاديمية إلا في هوامش الهوامش ، ببساطة لأنه لا يمكننا إدانة أنفسنا ، في الوقت الذي نعتبر فيه الثمانينيات هي فترة الدول الراعية للإرهاب ، لا نجد إشارة لأي من الإرهاب الذي دعمته أمريكا ، كانت أمريكا تحاول منع الدول المزعوم بأنها راعية للإرهاب الدولي فاتخذت لذلك وسيلة واحدة هي خلق أكبر شبكة إرهابية دولية ، ما قلته هو ما ما يتجاهله الكتاب الأكاديميين في مجلاتهم ونشراتهم التي لم يأت فيها ذكر لأي كلمة تدين الإرهاب الأمريكي وحتى الآن ، فقد تم إعلان الحرب للمرة الثانية علي الإرهاب وبنفس الوجوه التي أعلنتها أول مرة ، وعلينا أن نتوقع نفس النتائج ، حسنا مما تقدم يمكننا أن نستنتج خلاصة وهي : ( يوجد تعريف عملي للإرهاب ، وهو بالفعل الذي يتم استخدامه ، انه يعني الإرهاب الذي يمارسه الآخرون ضدنا ) ، هذا هو تعريفنا للإرهاب ، وليس هناك أي تعريف آخر نقبله علي حد علمي ، وتاريخيا لم استطع إيجاد استثناء واحد لهذا الأمر ، علي سبيل المثال كانت اليابان أثناء احتلال الصين تدافع عن الشعب الصيني ضد الإرهاب الصيني ، وكان هدف اليابان هو خلق جنة علي الأرض بعد القضاء علي الإرهاب الصيني في الصين. كذلك قامت القوات النازية باحتلال أوربا بدعوي حماية الحكومات الشرعية أو حماية الشعوب من الإرهابيين والإرهاب ، وكانت المقاومة المسلحة يتم دعمها وإدارتها من الخارج من لندن وبولندا وفرنسا. ما أود الإشارة إليه هو أنه لا يوجد استثناء واحد في توصيف الإرهاب والذي أصبح يحمل صبغة عالمية ، ( الإرهاب هو فقط الإرهاب الموجه ضدنا وليس ما نمارسه ضد الآخرين ) ، وهذا هو التعريف الذي يتبناه المثقفون والمتعلمون مثلنا ، وبعيدا عن الدلالات الإحصائية ، هذا هو الخط الذي التزموا به جميعا ، بالطبع لا تتوقعوا أن تبدوا الأمور علي هذه الصورة عند قراءة التاريخ ، ولكن تذكروا نحن نكتب التاريخ بطريقة لا تسمح بالكثير من النقد ، ولكن إذا حاولت النظر للتاريخ الحقيقي وليس التاريخ الرسمي المكتوب ستجد أن ما أقوله صحيحا ، يمكن بالطبع اقتراح كتابة التاريخ الحقيقي ومحاولة تدريسه للطلبة ، وفي هذه الحالة سنكون قد أعددنا هؤلاء الطلبة ليكونوا سائقي تاكسي ، وحتى نربط ما قلناه بالحاضر ، دعونا فقط نأخذ الشهرين الأخيرين ، 11سبتمبر يمثل مثالا واضحا علي ما أقول ، كانت الحادثة مثالا واضحا علي الإرهاب الدولي ولا خلاف علي هذا ، ولكن ماذا عن رد الفعل ؟ ، إذا كنت محايدا تستطيع أن تري بسهولة أن رد الفعل كان أيضا حالة لا خلاف عليها من الإرهاب الدولي ، ولنتذكر القواعد التي ارتضيناها في البداية ، دعونا نستمع فقط ما قاله قادتنا ، في 11 أكتوبر صرح الرئيس بوش : ( سنستمر في ضرب بلادكم حتى تسلمونا المشتبه بقيامهم بضربة سبتمبر) ، وفي نفس الوقت رفضنا أن نقدم أية أدلة علي تورط هؤلاء الناس في تلك العملية ، ورفضنا أيضا القيام بأية مباحثات أو مفاوضات.، ها هي حالة واضحة من الإرهاب الدولي ، وفي 28 أكتوبر قام الأدميرال البريطاني " مايكل بويس "وهو رئيس هيئة الدفاع البريطانية أعلن أن : ( الهدف من الحرب هو التخلص من نظام طالبان ) ، تذكروا أن التخلص من نظام طالبان لم يكن الهدف المعلن للحرب في البداية ، ولكن أتي هذا بعد ذلك ، وللدقة تمت إضافة هذا الهدف بعد ثلاثة أسابيع بدء الغارات الحربية والقصف الجوي علي أفغانستان ، ربما يكون للمثقفين رأي آخر في الموضوع ، حقيقة لا أدري كيف يمكنهم أن يبرروه ، علي كل حال كان هذا هو الهدف الذي أضافه الأدميرال للحرب بعد ثلاثة أسابيع من بدايتها ، وهكذا كان هذا هو أول إعلان لأهداف الحرب صرحنا به للأفغان قائلين : سنظل نقصفكم حتى تغيروا حكومتكم ، ولم يكن هذا سرا بل كان منشورا علي الصفحة الأولي "للنيويورك تايمز" ، في كلتا الحالتين لا نجد سوي حالة وحيدة صريحة واضحة لا تقبل الخلاف حالة إرهاب دولي ،  ولن نقول جريمة حرب حتي نظل محتفظين بالقواعد ، بالتأكيد نحن نحاول أن نكون موضوعيين ، وأيضا لن تجد وصف لتلك الحوادث في الكتابات التي توثق للإرهاب الدولي ، وببساطة ولأننا نحن من نقوم بتلك الأفعال فلا يمكن اعتبارها إرهابا ، حتى الأكاديميين يعترفون فقط بالإرهاب من وجهة نظر القيادة السياسية ، من السهل طبعا الاستطراد في الموضوع ، ولكن دعونا نعود للفرضية الضعيفة التي ذكرتها في البداية ، لا يمكن بحال من الأحوال أن تكون هناك حرب علي الإرهاب وذلك حسب التعريف الموجود للإرهاب في الوثائق الأمريكية الرسمية ببساطة لأنه مستحيل ، يمكن بالطبع إثارة جدل حول الموضوع ، ولكن في كل الأحوال لا يمكن أن نسمي ما نقوم به بأنه حرب ضد الإرهاب ، وبالنسبة للفرضية القوية التي ذكرتها ، لا نحتاج كما قلنا للكثير من البحث والتنقيب فهي واضحة علي السطح ، لا يوجد من بين المعلومات التي ذكرتها شيئا مخفيا ، كل ما ذكرته معروف للجميع ، ويمكن لأي منا بسهولة الإضافة لما قلته والزيادة عليه ، هناك الآلاف من المقالات علي مدار العشرين سنة الماضية ، ولكن المقالات أيضا تنتهي بنفس الاستنتاجات المغلوطة ؛ وما ينطبق عليها ينطبق أيضا علي طريقة تعاملنا مع ما نسميه " إرهاب " ، وهذا بالطبع بين أوساط المثقفين والنخبة ، ودعوني أقول ليس علينا فعليا الإختيار ، فنحن أمام حالة من اثنتين ، إما أننا لسنا أمناء مع أنفسنا وبالتالي يمكننا نسيان كل ما قلناه هنا ، أو أننا أمناء مع أنفسنا وفي هذه الحالة نحن نواجه معضلة كبري وسيكون علينا الإعتراف بأننا منافقون ، وهو ما يأخذنا إلي نقطة أخري ، فعلي الأقل علينا أن نتوقف عن الحديث عن حقوق الإنسان ، والتوقف عن الحديث عن الصواب والخطأ .. الخير والشر ، ونعلنها بصراحة .. نحن منافقون ، ونمتلك القوة والجبروت ، وعلي هذا سندير هذا العالم بالقوة ، ولا حاجة لإضافة المزيد ، ولننسي كافة القيم الأخري ، الخيار الآخر هو الخيار الصعب ولكن لا يمكن تجاهله إذا كنا نرغب في تجنب أسوأ الكوارث التي تنتظرنا في المستقبل .                                                      هكذا ينتهي الأستاذ الدكتور/ نعوم تشومسكي وهو  واحد من أعظم الباحثين الأمريكيين ، بل من أعظم الباحثين  في العالم ،  ألزم نفسه بكلمة الحق ولو ترتب عليها إدانة دولته عالميا والإساءة إليها -  هكذا ينتهي في بحثه حول ( الحرب علي الإرهاب ) إلي أن الإرهاب والحرب علي الإرهاب هما صناعة أمريكية – إسرائيلية بحتة ، وأن دولته – أمريكا - تسببت من خلال ما ارتكبته من جرائم إرهابية في قتل ملايين البشر وإصابة وتشريد ملايين آخرين ، فإذا علمنا أنه يهودي الديانة ومع ذلك فهو يبذل هذا الجهد الفائق ليؤكد أن إسرائيل هي الشريك الأول للولايات المتحدة الأمريكية في صناعة الإرهاب الدولي وارتكاب أبشع الجرائم الإرهابية ، وأن الدولتين قد اشتركتا معا في خلق نظرية ( الحرب علي الإرهاب ) عندما وضع الرئيس الأمريكي / ريجان بالإشتراك مع رئيس الوزراء الإسرائيلي / شيمون بيريز حجر الأساس لهذه النظرية عام 1985 ، إذا علمنا كل ذلك لتيقن لنا أن الأنظمة العربية المستبدة العتيقة لديها الإستعداد الكامل لسحق الشعوب العربية والإسلامية حتى تظل في الحكم ولو كانوا سيحكمون الجبال والكهوف والمساكن الخاوية ، هذا ما فعله الأستاذ الدكتور / نعوم تشومسكي اليهودي الأمريكي – أعد بحثا علميا دقيقا موثقا ليزيل المياه الزرقاء والسوداء عن أعين البشرية حتى يتمكنوا من رؤية الجاني والضحية رؤية واضحة تحول دون الخلط بينهما أملا في وقف نزيف الدماء التي أريقت من جراء هذه الحرب المختلقة . وهذا ما فعله الفريق/ السيسي المصري العربي المسلم يطلق دعوة جديدة لحرب جديدة علي الإرهاب ضد العديد من الدول العربية والإسلامية في وقت واحد ، تلك الدول التي تعاني شعوبها من الجوع والمرض والفقر والبطالة ، تلك الدول التي لم تحتفل منهم واحدة بمرور مائة عام علي استقلالها ، كان الأولي به أن يلتزم بقواعد القانون الدولي الراسخة والعادلة والمنطقية ومنها عدم جواز التدخل في الشئون الداخلية للدول لأي سبب من الأسباب  ، ومنها أيضا احترام حقوق الشعوب في تقرير مصيرها ، لكنه لم يفعل وراح يطبق نظرية الحرب علي الإرهاب التي لم يبتكرها أصحابها إلا لتدمير أي دولة إسلامية تخرج عن بيت الطاعة ، أو لمجرد أن يتولي الحكم فيها من لا يرضي عنه أسياد العالم ، فإذا كان أصحاب الرأي المعارض لما يحدث في مصر الآن  محصورين بين طلقة رصاص من الأمام أو بوابة سجن من الخلف ، فليس أمامنا إلا أن ندعو الله عز وجل القادر المقتدر الجبار أن يرفع هذا البلاء المبين الذي حل علي رأس العالم الإسلامي  كله .







ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق