الثلاثاء، 20 يناير 2015

الأقباط بين الانحياز إلي الشعب أو الركون للنظم المستبدة .



الحمد لله عز وجل أنني من المؤمنين بأن الوحدة الوطنية في مصر وخاصة بين المسلمين والمسيحيين هي واحدة من أهم أعمدة بناء الدولة وبقائها ، وهذا ما دعاني إلي تقديم طلب في برلمان الثورة إلي إطلاق اسم البابا شنودة علي قاعة لجنة الدفاع والأمن القومي ، لأنه كان من الحريصين علي هذه الوحدة والداعمين لها بقوة .      
كما عقدت مؤتمرا شعبيا ضخما للوحدة الوطنية في مدينة كوم أمبو بمحافظة أسوان في أعقاب ثورة يناير ضم إخواني المسيحيين و مديرية الأوقاف وحزب الحرية والعدالة وحزب البناء والتنمية وجمعية أنصار السنة وآخرين ، وألقت كل جهة من هذه الجهات كلمة دينية رائعة ، وألقيت أنا محاضرة عن مفهوم " المواطنة بين الإسلام والمسيحية " .
وفي يوم من الأيام ومن خلال برنامج تليفزيوني ذكرت أن أمي في الرضاعة مسيحية ، وأن لي أخوة في الرضاعة مسيحيون لا يختلفون بالنسبة لي عن إخواني الأشقاء ، وزعمت - علي سبيل الفكاهة ودعم فكرة الوحدة الوطنية - أن فترة رضاعتي استمرت ست سنوات ، وأن أمي المسيحية أُنهكت معي في هذه المهمة ، فاتخذها باسم يوسف مادة للسخرية بعد أن اقتطع جزءاً من حديثي حتى لا يعرف المشاهد عن أي شيء أتحدث ، وما إذا كنت جادا أم مازحا ، وهو ما حدا ببعض الإخوة الأقباط إلي السير خلف باسم يوسف والسخرية مني علي موقع أقباط متحدون .
كنت دائما داعما لحقوق إخواني المسيحيين المشروعة كحقهم في بناء الكنائس وتولي الوظائف العامة بنسب لائقة وغير ذلك من المطالب .          

أما عن مواقفي المعارضة لبعض الشخصيات المسيحية التي تتصدر المشهد في كثير من الأحيان وتؤثر بشكل ملحوظ في توجهات المسيحيين ، فهذا اختلاف سياسي وليس ديني ، حيث أري أن بعضهم يتحرك بدوافع شخصية ودعائية أكثر من تحركهم لتحقيق الصالح العام للمصريين جميعا مسلمين ومسيحيين ، وأن لديهم من الأفكار ما من شأنه أن يؤدي إلي الفتن أكثر مما يؤدي إلي تحقيق منفعة ، وهذه وجهات نظر تحتمل الخطأ والصواب ، وخلاف مقبول في عالم السياسة .      
ولما كان لي الكثير من الأصدقاء المقربين من المسيحيين كما كان لوالدي وجدي رحمهما الله عز وجل ، لذلك تحدثت معهم كثيرا عن موقف المسيحيين في الأحداث الأخيرة وعلي رأسها الانقلاب .
علمت أنهم يخشون بعض الإسلاميين علي ضوء بعض الأحداث كأحداث التسعينات ، وكان ردي عليهم - والذي أتمني أن يصل إلي جميع المسيحيين من خلال هذه الرسالة - أن الحجر السياسي الذي يُفرض علي أي فصيل داخل أي مجتمع هو الذي يؤدي إلي الإرهاب ، وأن الديمقراطية والتي تفتح أبواب الحرية للجميع لا تترك لأحد ذريعة لكي يمارس إرهابا لأن باب الرأي أمامه مفتوح ، وباب المنافسة السياسية والمشاركة في القرار مفتوح ، ومن ثم سوف تتوجه جهوده إلي العمل السياسي بدلا من التوجه إلي ممارسة الإرهاب ضد من يضطهدوه ويحرموه من حقوقه السياسية .
قلت لهم إن الحياة الديمقراطية سوف تجعل كافة الأحزاب الإسلامية تترد علي الكنائس ، وعلي الإخوة المسيحيين لبحث مطالبهم وإرضائهم ، وإلا لن يصبح لهم وجود ولا أثر في الحياة السياسية ، وقد شاهدوا بأعينهم وشهدوا علي أن ما قلته حدث ، وأبدوا في بعض الأحيان قناعة بما أقول .
قلت لهم إن من مارسوا الإرهاب علي أرض مصر هم قلة لديها تطرف فكري ، وأن وجود التيار الإسلامي المعتدل في الحياة السياسية كفيل باستيعاب هذه القلة وصرفها عن أي وجه من وجوه التطرف ودمجها في العملية السياسية .
قلت لهم إن الشريعة الإسلامية هي أكبر نصير لفكرة المواطنة والمساواة المطلقة في الحقوق والواجبات بين المسلمين وغيرهم من أهل الكتاب .
ورغم وجود فئة من المثقفين والسياسيين المسيحيين علي قناعة بوجهة النظر سالفة الذكر ، ومنهم مسيحيون ضد الانقلاب وشخصيات مسيحية أخري تعبر عن ذات الرأي في وسائل الإعلام ، إلا أن الشخصيات المسيحية المتشددة انتصرت وفرضت إرادتها علي الموقف المسيحي العام ، والتي تمثلت في بقاء الوضع المسيحي علي ما هو عليه ، ألا وهو مناصرة نظام مستبد مقابل التزامه بتوفير الأمن للمسيحيين .
وبالقطع لم يكن قداسة البابا " توا ضروس " في نفس الحنكة السياسية لقداسة البابا " شنودة " الذي استطاع أن ينال محبة واحترام المسلمين قبل المسيحيين ، بعدما شعر الجميع أنه كان حريصا علي مصر كلها ، كان حريصا علي المصريين جميعا مسلمين ومسيحيين .
أما البابا " توا ضروس " ، فيخرج علينا منذ فترة قريبة ليزعم أن الربيع العربي لم يكن ربيعا ليسئ بذلك للأقباط الذين شاركوا في ثورة يناير قبل أن يسئ لغيرهم ، ويشارك في مسلسل الإدعاء بأن ما يحدث حربا علي الإرهاب متجاهلا أن القابعين خلف السجون الآن من خيرة شباب مصر من كل التيارات السياسية وليس الإسلامية فقط ، وإن كان أكثرهم من المسلمين .
أقول لإخواني المسيحيين إن استمرار هذه السياسة والمتمثلة في الانحياز لنظم الحكم المستبدة في مصر علي حساب باقي إخوانكم في الوطن ، وتأييدكم – أو علي الأقل عدم اعتراضكم علي ما يحدث من ممارسات قمع كالقتل والاعتقال وتلفيق القضايا والتهجير - ليس نهجا صحيحا ، لأن زوال النظم المستبدة وتطور الأمم وتحولها إلي الديمقراطية هو سنة من السنن الكونية .
أقول لكم لقد كنتم بين خيارين إما قبول الديمقراطية والتي يتحقق معها الخير للجميع في أقرب وقت أو الانحياز إلي نظام عسكري جائر مقابل تحقيق مكسب سريع ، وقد اخترتم الأخير ، وليس من العيب أن يخطئ الإنسان – إن كان تحليلي وتقديري صحيحا – ولكن العيب أن يستمر الإنسان علي الخطأ .            

أطلب منكم أن تنحازوا إلي إخوانكم من أبناء الشعب المصري الذين ينشدون الديمقراطية لوطنهم ، والتي لا سبيل لتحقيق النهضة والخير للجميع إلا بها ،لا تقبلوا ما يقع علي إخوانكم المسلمين من قهر وقتل واعتقال وتعذيب وتلفيق قضايا وأحكام جنائية جائرة وتهجير لمجرد  أنكم كمسيحيين غير مضارين من هذه الممارسات ، أو ترون علي سبيل الخطأ في التقدير أن فيها خيرا لكم  .
أقول لكم إن الشعوب هي التي تبقي لبعضها البعض ، أما النظم المستبدة فإلي زوال إن آجلا أو عاجلا ، فهذا هو عدل الله عز وجل ، فلا تزيدوا من جروح إخوانكم في الوطن ، وعالجوا ما مضي من الجروح ، اجعلوا السلام بين فصائل الوطن قائما علي التفاهم والتراضي والمحبة وليس علي أسنة رماح العسكر التي قد يسقطها الله عز وجل في أي لحظة بعد أن رفعت علي أبناء الوطن بدلا من الارتفاع علي أعدائه .
هذه دعوتي لكم أحسبها خالصة لوجه الله عز وجل ولمصلحة بلدنا وشعبنا سواء أصبت فيها أم أخطأت .



ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق