الأربعاء، 14 يناير 2015

قصيدة الزبيري للسيسي والشعب المصري .



محمد محمود الزبيري ثائر الشعراء وشاعر الثورة والثوار وسياسي يمني ولد في حي" بستان السلطان " بصنعاء وهو أحد الأحياء التاريخية في صنعاء القديمة عام 1910م  ، وهو من أسرة تنتمي إلى الطبقة الوسطى ،  ويشتغل بعض أفرادها بالقضاء والبعض الآخر بالتجارة ، وقد ابتعدت به موهبته عن اهتمامات أسرته وأنشأته ـ منذ الطفولة الباكرة ـ نشأة روحية متصوفة غير ميال إلى القضاء أو التجارة .
  
ذهب إلى مصر لإكمال تعليمه ، فالتحق بدار العلوم ، ثم عاد إلى اليمن عام 1941م  وأنشأ حزب الأحرار عام 1944م ، ثم غير اسم الحزب بعد عامين إلى الجمعية اليمنية الكبرى  ، وأصبح رئيس تنظيم الاتحاد اليمني في الفترة من 1953 وحتى 1962.

عاش الزبيري فترة حرجة من تاريخ اليمن، وهي فترة المملكة المتوكلية اليمنية 1918 - 1962، التي كثرت فيها الصِّراعات والثورات ، وحينما شبت ثورة الدستور عام 1948م في اليمن عاد من عدن إلى صنعاء وزيراً للمعارف ، وعندما فشلت طورد ، ورفضت الدول العربية استضافته فاتجه إلى باكستان ، وحينما شبت ثورة 26 سبتمبر عام 1962م في اليمن عاد وزيراً للتربية والتعليم في صنعاء.

عاش الزبيري مرحلة ثورة مضادة كتلك التي يقودها السيسي في مصر ، فأبدع قصيدته الرائعة " رثاء شعب " والتي تتناغم بشكل كامل مع الحالة المصرية .
في بعض أبيات القصيدة يتحدث الزبيري عن انتصار الثورة اليمينية علي نظام فاسد وتعريته لدرجة أنها أصابت آخرين ممن لا تقصدهم الثورة بالرعب ، فإذا برجال هذا النظام الفاسد يجتمعون مع حلفائهم ويجمعون أمرهم علي القضاء علي الثورة والانتقام ممن قام بها ، فيقول في هذا الإطار : -
أعوامُنا في النضال المرِّ  جـاثيـــةٌ                  تبكي النضالَ  وتبكي خطبَ أهليهِ
بالأمسِ كانتْ على الطغيانِ شامخةٌ                 تجـلوه عـاراً على الدنيـا وتُخْـزيـهِ
وارتاعَ منهـا طغـاةٌ ما لـها صــلةٌ                   بِهـــم  ولا كـانَ فيـهم مـن تُنـاويـهِ
لكــنهم أَنِـسـوها شعـــــلةً كشَفَــتْ                   من كـانَ عُريـاناً منهـم في مخازيهِ
فأجمـعوا أمرَهم للغـدرِ  وانتدبــوا                  لكيدِنـا كــــلَّ مأجـــورٍ  ومشبـــوهِ
واسْتـكلـبتْ ضــدّنا آلافُ ألْسِــــنَةٍ                   تَسُـومُنـا كـــلَّ تجـريحٍ  وتَشْــويــهِ
مـن كـلِّ مرتزقٍ لو نـال رشوتَنــا                  أنـالنـــا كـــــلَّ تبجيــــلٍ  وتـنـويــهِ
وكـلِّ طـاغيةٍ لـــو نرتضـي معــهُ                  خِـيَـانَـةَ الشـعـبِ جـاءتْنـا تهانيـــــهِ
وكــلِّ أعـمًى أردنـا أن نــردّ لـــهُ                  عينيــه  فانفجـرتْ فينــا ليـاليـــــــهِ
وكلِّ بـوقٍ أصـمِّ الحـسِّ لو نَبَحَـتْ                  فيــــه الكـــلابُ لزكّــاها مُزَكيّـــــهِ
وألبّوا الشعبَ ضدَّ الشعبِ واندرأوا               عليــه من كــلّ تضليـلٍ وتمـويــــــهِ

ثم يوجه الزبيري الخطاب لأبناء الشعب اليمني ممن التفوا حول قادة الانقلاب والثورة المضادة ، وكأنه يخاطب من التف حول السيسي والعسكر ، فيقول لهم في تعجب وحسرة واستنكار : -

يا شَعْبَنا نصـفَ قـرنٍ في عبادتـهمْ                لـــم  يقبـلـوا منـكَ قُــربـانــاً تُؤدّيـــهِ
رضـيتَهُمْ أنتَ أربـاباً وعشـتَ لهـم                تُنيـلُهـم كـــــلَّ تقـديسٍ، وتَأليـــــــــهِ
لم ترتفع من حَضيض الرقِّ مرتبةٌ                ولم تذق راحـــةً مـمـا تقاسيــــــــــهِ
ولا استـطاعت دموعٌ منكَ طائــلةٌ                تطهيرَ طاغيــةٍ من سكْـرَةِ التّيــــــهِ
ولا أصَـخْتَ إلينـا معشـراً وقفـــوا                حياتَهم لـكَ في نُصــحٍ وتوجيــــــــهِ
نبني لك الشــرفَ العالي فتهدِمُــه                 ونَسْحَقُ الصَّـنَمَ الطاغــي فتبْنيــــــهِ
نَقْضي على خصمكَ الأفعى فتبعثُهُ               حيّـاً ونُشْـعُلُ مصباحـاً فتُطْفِيـــــــــهِ
قَضَيْتَ عُمْرَكَ ملدوغاً  وهــأنـــذا                 أرى بحضنكَ ثُعبــانــاً تُربّيــــــــــهِ
تشكو لهُ ما تُلاقي وَهْــو مُبتَعَــثُ                الشــكْوى وأصلُ البَـــلا  فيما تُلاقيهِ
أحْلى أمانيهِ في الدنيا دمـوعُــــكَ                  تجـريها  ورأسُكَ تحت النّيرِ تُحْنيـهِ
وجرحُكَ الفاغر الملسوعُ يحــقِنُهُ                 سُمّاً  ويعطيه طِـبّاً لا يـداويـــــــــــهِ
فلا تُضِعْ عُمْـرَ الأجيالِ في ضِعَـةِ               الشــكـوى فيكفيـكَ ماضيـه  ويكفيــهِ
فما صُراخُكَ في الأبوابِ يعـطِّـفُهُ                ولا سُجـُودُكَ في الأعتـاب يُرضيـــهِ
لا عنقُـكَ الراكـعُ المذبـوحُ يُشْبِعُـهُ                بطـشاً ولا دمُــكَ المسفــوحُ يُرويـــهِ

ثم يناشد الزبيري أبناء الشعب الذين ركنوا إلي الثورة المضادة وقادتها من النظام الفاسد البائد أن يعودا إلي رشدهم وأن يعودوا إلي الطريق الصحيح فينضموا إلي الثوار الأحرار الذين ضحوا بأرواحهم ودمائهم لإنقاذ الشعب من نظام فاسد استعبدهم وأذلهم ونهب أموالهم واستأثر لنفسه وأتباعه وأعوانه بكل ثروات الشعب واعتبرها غنيمة له ، فيقول :

فامْدُدْ يديكَ إلى الأحــرارِ متّخــــــذاً                   منـهمْ مـلاذَكَ من رقٍّ تُعانـيــــــهِ
ماتوا لأجـلكَ ثم انبثَّ من دَمِـــــــهِمْ                  جيلٌ تؤججُــهُ الذكـرى، وتُذكيـــهِ
يعيشُ في النكبـةِ الكبـرى ويجعَلــُها                  درساً إلى مُقْبِـل الأجيــالِ يُمليـــهِ
لا يقبلُ الأرضَ لو تُعــطى له ثمنــاً                 عن نهجه في نضالٍ  أو مَباديــــهِ

ويلفت الزبيري الانتباه إلي أن الأحرار أنفسهم ظلوا حينا من الدهر في ذات الخضوع إلي أن أفاقتهم صدمة الدماء التي أصابت إخوانهم ، فتحرروا من الأغلال والقيود والأطواق التي أحاطت بأعناقهم ليثورا ضد الظلم والفساد فيقول :

قــد كــان يخلُبُــهُ لفــظٌ يفــُوه بـــــه                  طاغٍ ويخدعُهُ وعـــدٌ  ويُغْـويـــــهِ
وكــان يُعْجبــه لــصٌّ يجودُ لــــــــهُ                  بلقـمةٍ سَلّـها بالأمْسِ مـن فِيــــــــهِ
وكـان يحـتسِبُ التمساحَ راهِبَــــــــهُ                  الـقِدّيسَ من طولِ دمعٍ كان يجريهِ
وكـــان يَبــذُلُ دنيــاه لحاكِمــــــــــِهِ                   لأنـــه كــان بالأُخــرى يُمنّيـــــــهِ
وكــان يرتـاعُ من سـوطٍ يلوحُ لــــه                  ظنـّاً بأن سـلامَ الـرقّ يُنجيــــــــــهِ
واليومَ قد شبَّ عن طوقٍ وأنضــجَهُ                 دمٌ  وهزّتْــه في عـنـفٍ معانيـــــــهِ

ثم يسخر الزبيري من هؤلاء الطغاة الذين تصوروا أنهم بالقتل والاعتقال والتعذيب قد زرعوا الخوف في نفوس الشعب وقضوا علي معنوياته وأخرسوا لسانه وأغلقوا فمه وورثوا أمواله وممتلكاته ، يسخر منهم لأنه يعلم أن الشعب يستدرجهم من حيث لا يعلمون إلي نهايتهم وإلي الهاوية التي سيدفنهم فيها فيقول :

رأى الطغاةُ أن الخـــوفَ يقتــــــــلهُ                 وفاتـَهُم أن عنـفَ الحقـدِ يُحييــــــهِ
قالوا انتهى الشعبُ إنا سـوف نقذفـهُ                 إلـــى جهـنّمَ تمحــوه  وتُلغيـــــــــه ِ
فلينطفئْ كــلُّ ومضٍ من مشــــاعرهِ               ولينسحـقْ كلُّ نبـضٍ مـن أمانيــــهِ
وليختنـقْ صوتُـهُ في ضجّـــة اللهبِ                الأَعْمى وتحترقِ الأنفاسُ في فِيـــهِ
لِنْشربَ الماءَ دَمّــاً من مذابِحِــــــــهِ                ولنحتسِ الخمرَ دمعاً من مآقيـــــــهِ
ولنفـرحَ الفرحـةَ الكبـرى بمأتمـــــهِ                ولنضحكَ اليومَ هُزْءاً من بواكيــــهِ
ولنمتلكْ كــلَّ ما قــد كـــان يملكـــهُ                فنحـن أولـى بـه مـن كـلّ أهليــــــهِ
وَلْينسَـه الناسُ حـتى لا يقــولَ فــــَمٌ                في الأرض ذلك شعبٌ مات نرثيـهِ
ويحَ الخياناتِ مَن خانت ومن قتلتْ               عربيدُها  الفظُّ  يُرديهــا  وتُرديــــهِ
الشعبُ أعظمُ بطشـاً يومَ صحـوتـهِ                من قاتليه  وأدهــــى من دواهيـــــهِ
يغفو لـكي تخـدعَ الطغيانَ غفوتُــهُ                وكي يُجَـنَّ جنونـــاً من مخازيــــــهِ
وكي يسيرَ حثيثاً صوبَ مصرعهِ                 وكي يخـــر َّوشيكــــاً في مهـاويــهِ

استشهد الثائر الشاعر والشاعر الثائر برصاصة غادرة وانتقل إلي رحمة الله عز وجل في أول إبريل عام 1965 ، أي منذ خمسين عام ، ومع ذلك فإن قصيدته " رثاء شعب " تخاطب الشعب المصري اليوم وكأنها من مواليد اللحظة والحالة المصرية ، رحم الله عز وجل الزبيري .
ليتنا نستفيد من أبيات الزبيري ، ففيها دروس من التاريخ ، وحكمة من المجاهدين الذين ضحوا بكل شيئ من أجل حرية بلاهم ، فهو رحمه الله عز وجل الذي قال :
 "إن اليمن لن تسترد كرامتها وعزتها إلا يوم يوجد بينها عشرات من المناضلين على الأقل يرضون بالجوع حتى الموت ، وبالسجن حتى نهاية العمر ، وبخراب البيوت حتى آخر حجر فيها ، ويتقدمون إلى العمل الوطني على أساس النصر أو الموت ".

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق