الصعيد يبني الثورة وشيخ الأزهر يهدمها .

الصعيد الذي أهدي مصر مجموعة من أظهر رجال التنوير في مصر في العصر الحديث ، رفاعي رافع الطهطاوي ، وعملاق الأدب العربي الأستاذ / عباس محمود العقاد ، وعميد الأدب العربي الدكتور/ طه حسين ، وشاعر النيل/ حافظ إبراهيم ، ومصطفي لطفي المنفلوطي ، وعبد الرحمن الأبنودي قبل أن يختم حياته بالانضمام إلي انقلاب عسكري بعد أن بدأها بكتابة سيناريو وأغاني فيلم " شيء من الخوف "  ، الذي جعل هتاف " جواز عتريس من فؤاده باطل " محفورا في الوجدان المصري ، لأنه زاوج بُني علي الإكراه وتحت تهديد السلاح ، فيلم " شيء من الخوف " الذي رُفعت تقارير أمنية عنه  للرئيس جمال عبد الناصر تفيد أنه من الأفلام 
الرمزية وأن عتريس هو جمال عبد الناصر ، ومع ذلك لم يمنع الأخير الفيلم حتى لا يثبت التهمة علي نفسه .      

 

الصعيد الذي أهدي مصر الشاعر الكبير / أمل دنقل شاعر ( لا تصالح ) والذي أبدع فقال :

لا تُصالح .....

هل يصيرُ دمي - بين عينيكَ - ماء ؟
أتنسى ردائيَ الملطخَ بالدماء..
تلبسُ - فوق دمائيَ - ثياباً مطرزةً بالقصب ؟
إنها الحرب !
قد تُثقل القلب ..
لكن خلفك عار العرب
لا تصالح ..
ولا تتوخَّ الهرب !
لا تصالح على الدم .. حتى بدم !
لا تصالح ! ولو قيل رأس برأس
أكلُ الرؤوس سواء ؟
أقلب الغريب كقلب أخيك ؟!
أعيناه عينا أخيك ؟!
وهل تتساوى يد .. سيفها كان لك
بيد سيفها أثكلك ؟

الصعيد الذي أهدي مصر ثلاثة من أظهر رجال ثورة يوليو 1952 بما لهم من إيجابيات وعليهم من سلبيات وهم ( جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر ويوسف صديق ) ، وهم من كبار أعضاء مجلس الثورة .

الصعيد الذي أهدي مشيخة الأزهر بعشرة من مشايخ الأزهر من بين ستة و أربعين شيخا هم شيوخ الأزهر منذ أن ظهرت وظيفة " شيخ الأزهر " ، وعلي رأس شيوخ الأزهر من الصعيد ، بل وعلي الإطلاق الشيخ / محمد مصطفي المراغي الذي تولي المشيخة عام 1928 ، ليتقدم بعد توليه مباشرة بمشروع قانون للملك فؤاد لإصلاح الأزهر ، وعندما رفض الملك قدم الشيخ استقالته من منصبه في أكتوبر 1929م ، ليعود بعد ذلك شيخا للأزهر للمرة الثانية عام  1935م بعد اندلاع المظاهرات التي قام بها طلاب الأزهر وعلماؤه للمطالبة بعودة الإمام المراغي للأزهر ، و التي استمرت أكثر من 14 شهرًا      

.  

الشيخ المراغي الذي تقول عنه صفحة دار الإفتاء المصرية أنه رحمه الله عز وجل تولي أربعة وظائف قضائية في مجال الأحوال الشخصية في الفترة من 1919 حتى 1928 قام خلالها بعدة إصلاحات هامة ، حيث أمر بتشكيل لجنة لتنظيم الأحوال الشخصية ، ووجه اللجنة بعدم التقيد بمذهب الإمام أبي حنيفة ، إذا وجد في غيره ما يحقق المصلحة العامة للمجتمع ، وكان القضاة قبل ذلك مقيدين بمذهب الإمام أبي حنيفة ، فجعلهم يقتبسون من المذاهب الأخرى ومن آراء المجتهدين عامة بما يناسب الزمان والمكان ، وبهذا استطاع أن يقوم بإصلاحات عديدة في محيط الأسرة الإسلامية حتى أنه أصدر في يوليو 1920 قانون الأحوال الشخصية .

كما تقول عنه أنه هو الذي اقترح إنشاء ثلاث كليات أحدهما لدراسة العلوم العربية والثانية في علوم الشريعة والثالثة في أصول الدين ، وأنه أعد العدة لإصدار قانون جديد للأزهر لإصلاحه وتمكينه من القيام برسالته في خدمة الإسلام والمسلمين ، إلا أن الملك فؤاد حال بينه وبين ذلك مما دعاه للتمسك بالاستقالة ، وأنه عندما عاد للمشيخة مؤيدا بآلاف العلماء والطلبة والرأي العام تمكن من إصدار القانون رقم 26 لسنة 1936 حدد خلاله مهام الأزهر واختصاصاته علي النحو الذي جعله في المكانة التي يستحقها قادرا علي تحقيق أهدافه .

وأنه هو رحمه الله الذي أنشأ قسم الوعظ والإرشاد عام 1928 ، وأنشأ لجنة الفتوى عام 1935 ، وأنشأ هيئة كبار العلماء عام 1945 ، وغير ذلك كثير .

وتكشف لنا صفحة دار الإفتاء أن الشيخ المراغي تعرض للعديد من المحن تعرض فيها لضغوط شديدة ليخضع لإرادة الحاكم ، لكنه أبي ، منها الأزمة التي وقعت بينه وبين الملك فاروق عام 1945 ، عندما طلق الملك زوجته الأولي الملكة فريدة ، وأراد أن يُحرم عليها الزواج من بعده ، فأرسل إلي الشيخ يطلب منه فتوى تؤيد رغبته ، فأبي ، فأرسل إليه الرسل يُلحون عليه – وكان الشيخ يعالج بمستشفي المواساة بالإسكندرية – فرفض الاستجابة ، فضاق الملك زرعا بإصراره علي الرفض ، فذهب الملك فاروق إليه في المستشفي واحتد عليه ، فقال له الشيخ عبارته الخالدة " أما الطلاق فلا أرضاه ، وأما التحريم فلا أملكه " ، وطال الجدال وصاح المراغي بأعلى صوته قائلا : إن المراغي لا يستطيع أن يحرم ما أحل الله .

هكذا نتعلم من الإمام المراغي رحمه الله عز وجل ، إن الدين ليس خطبا رنانة يناقضها العالم وينقضها بسلوكه ، ولكن الدين سلوك ، وإن موقف الإمام سالف الذكر لهو خير من مليون خطبة للأئمة الذين يعملون بالأجرة ويسخرون أنفسهم لخدمة الحكام المستبدين ، حتى يخرج أحدهم فيقول أن السيسي ومحمد إبراهيم رسل مبعوثون من عند الله ، وآخر كان قد شغل وظيفة الإفتاء وتم ترشيحه لمنصب شيخ الأزهر ورسي العطاء علي غيره ، فإذا به تأخذه الجلالة في حضرة وزيري الدفاع والداخلية وضباط الجيش فيقول لهم اضرب في المليان ، لعلهم يشملوه بحسنة ويختاروه لمنصب شيخ الأزهر إذا خلا أو غيره من المناصب ، وكأنه يفتي بقتل فئران وليس بشرا كرمهم الله عز وجل وأمر الملائكة وإبليس بالسجود لأبيهم آدم عليه السلام ، وقال عنه أنه خلقه بيديه بخلاف باقي المخلوقات جميعها والتي قال عز وجل أنه خلقها بكلمة كن .

ورغم هذا العطاء الموصول من الصعيد لمصر في مضمار العلم والثقافة والبناء ، ظل الصعيد دوما في إعلام العسكر مادة السخرية والاستهزاء ، وظل مهملا ، بل مستبعدا في مجال الخدمات الصحية والتعليمة وخدمات المحليات والصرف الصحي والطرق والتوظيف وغيره .

ليس ذلك فحسب بل عاني شبابه من الاعتقالات الطويلة دون أحكام وبالشبهات .

أهل الصعيد كانوا يعلمون أن مبارك ونظامه ورجاله وأعوانه وأنصاره فاسدون ، نهبوا خيرات البلاد ، واستعبدوا العباد ، وزوروا الانتخابات والاستفتاءات ، حتى بلغوا بديونها المدى ، وعجز موازنتها بدا ، فلم يتبق في خزائنها فائض لا للصعيد ولا لغيره ، فلم يعد هناك بدا من المشاركة في الثورة .

نعم شارك الصعيد في الثورة ، وكان دوره الأقوى في حجم مشاركته في جميع الانتخابات والاستفتاءات ، وكان خياره واضحا ، نريد بديلا لحكم العسكر ، واختاروا البديل الذي يثقوا في أنه ليس لصا ولا مستبدا ، ويثقون في أنه سيسعي للإصلاح .

لم يكن اختيار الصعيد عن جهل كما يزعم المنافقون الكذابون من مؤيدي الانقلاب بل كان عن وعي وإدراك كامل للموقف ، كان عن معرفة بطبيعة وأخلاقيات المتنافسين وتاريخهم الأسود أو الخيّر ، ومن الذي يريد أن يصلح وهو صادق ، ومن يدعي الإصلاح وهو رأس كل خطيئة.

نجح الصعيد في تنحية العسكر بقواعد الديمقراطية النزيهة ، إلا أن العسكر وأعوانهم رفضوا اللعبة ، وقلبوا الطاولة ، وقالوا فركش ، كما قلبوها وقالوا فركش للديمقراطية عام 1954 ، حين أرادوا إلغاء الأحزاب والقضاء علي الديمقراطية فأقاموا مظاهرات استعانوا فيها برجال الأجهزة الأمنية بعد أن ألبسوهم الأزياء المدنية لتخرج مظاهرات عارمة ترفض الديمقراطية وترفض الأحزاب ، ومن أراد أن يفهم ما حدث فليقرأ كتاب " كنت رئيسا لمصر " للرئيس السابق وأول رئيس لمصر الرئيس محمد نجيب ، الذي سعي لتحقيق الديمقراطية و إعادة العسكر إلي ثكناته ، فأعادوه إلي بيته معتقلا .

ومما يؤسف له أن يكون لشيخ الأزهر الصعيدي الدكتور أحمد الطيب نصيب الأسد في وقوع الانقلاب ، ثم في مساندته ، ليهدر جهود الصعيد وكل أبناء مصر عندما بذلوا النفس والنفيس ليبلغوا التغيير والإصلاح ، فأبي عليهم الشيخ الجليل إلا أن يعيشوا في حال أسوأ من تلك التي كانوا عليها قبل أن يثورا .   
لو كان شيخ الأزهر قد قرأ سيرة فخر الصعيد ومصر والأزهر الشيخ محمد مصطفي المراغي علي الأقل ما نشره موقع دار الإفتاء لكان له موقف آخر من الثورة المصرية ولما أقدم علي مؤازرة انقلاب عسكري وإعطاءه مباركة تنسب بغير حق إلي مشيخة الأزهر بمسجدها الجامع بما لها من تاريخ نضالي طويل في مساندة حقوق الشعب المصري في مواجهة المستعمر أو الحكام المستبدين .

تقول صفحة دار الإفتاء :  لما اشتدت الثورة بمصر ، التف المصريون بالسودان حول الشيخ الإمام المراغي فقاد جموعهم في مظاهرة كبيرة ، وأخذ يجمع التوقيعات لتأييد زعامة سعد زغلول وأصحابه والإقرار بأنهم وكلاء الأمة ، وهنا ثار حكام الانجليز بالسودان ، فاقترح بعضهم سجنه ، واقترح بعضهم اعتقاله ونفيه ، ولكن السكرتير القضائي رأي في ذلك خطرا ، ورأي أن يمنحه إجازة عاجلة غير محددة المدة ، وبهذا عاد إلي مصر دون أن تلحقه أي إساءة أو يناله أي ضرر .

فماذا كان موقف شيخ الأزهر الصعيدي / أحمد الطيب من ثورة يناير المجيدة ، هل تعامل معها وعينه علي مصالح شعب يعد من أكبر شعوب الأمة العربية عددا . شعب تخطي الثمانين مليون ولا يخرج علي حاكمه إلا إذا بلغ السيل الزبد .

شعب خرج بعد أن فقد الأمل في لقمة العيش أو أصبح حصوله عليها كالنحت في الصخر ، نتيجة حكم عسكري جائر دام ستين عاما بقوة السلاح والمعتقلات والأحكام الجائرة ، والتشريعات الفاسدة ، والتزوير ، والبلطجة ، والإعلام الفاسد المضلل ، والتبعية للغرب حتى أصبح أمن إسرائيل غاية كل تحرك وأصبحت هي الصديق والفلسطينيون هم العدو الأول الذي ينسب له كافة الجرائم التي تقع في أي بقعة من العالم .

شعب أصبحت دولته من أكبر الدول المدينة في العالم ، وعجزت موازنتها عن تلبية نصف احتياجاته نتيجة السلب والنهب بغير حساب حتى امتلأت خزائن أوربا بما هربه رجال نظام فاسد لم يرع في شعبه إلا ولا ذمة .

أم تعامل الشيخ الطيب مع الثورة كرجل اختاره مبارك من بين العديد من المرشحين ليعينه شيخا للأزهر لأنه كان عضوا بلجنة سياسات الحزب الوطني الذي قامت ضده الثورة ، رغم أن المرشحين معه كانوا أكثر منه شهرة وظهورا .    
لن نجيب علي هذا السؤال ، سنترك مواقف وتصريحات الشيخ / أحمد الطيب هي التي تجيب بذاتها دون تدخل ، سنرجع إلي فيديو محمل علي موقع " يوتيوب " عنوانه علي وجه الدقة " بالفيديو شيخ الأزهر : التظاهر ضد مبارك حرام وضد مرسي حلال " ، سنجد أنه في مداخلة علي القناة الأولي المصرية عندما تحدث عن المتظاهرين المعتصمين في ميدان التحرير ويطالبون بعزل مبارك يقول :

( اليوم حرام وجودك في المظاهرات ، واليوم المظاهرات حرام لأنها تعد خروجا علي الدولة وعلي النظام وعلي الناس وعلي الجماهير ، ثم إني متأكد أن ما عدا ميدان التحرير ومن في ميدان التحرير لا يرضي أحد بهذه المظاهرات من أسوان إلي إسكندرية ودمياط ، هؤلاء سخروا الدين للأسف الشديد ، وخانوا الدين ، وخانوا العلم ، وسخروا الفتاوى المغلوطة والكاذبة لسياسات بلادهم ولأهواء في أنفسهم ، ونبهنا علي ذلك وقلنا أن هؤلاء عليهم أن يلتفتوا ، سوف لا يسألهم الله عن مصر وإنما سوف يسألهم يوم القيامة علي ما يحدث في بلادهم ويصمتون عليه صمت القبور ، وهؤلاء حذرنا منهم النبي صلي الله عليه وسلم ، ونبهنا إلي أن من الدعاة دعاة فتنة ودعاة علي أبواب جهنم من أطاعهم أو سمع إليهم قذف فيها ، إن شاء الله يعني ربنا يحفظ مصر من كل شر ومن كل سيئ ومن كل سوء ، وإن شاء الله ربنا يعني يؤمنا في أوطاننا إن شاء الله ويصلح هذا الشباب ويلهمه الرشد والعودة إلي الصواب .

وفي ذات الفيديو تنقل لنا قناة " أون تي في" مؤتمرا صحفيا للشيخ بعد تنحية مبارك ، فنجده يقول :

انطلاقا من أن الأزهر الشريف مؤسسة دينية كبري لها تاريخ يعلو علي تاريخ الثورات والحكومات ، ولأننا وبحمد الله تعالي وبفضل ما قدمه شباب 25 يناير نعيش بداية مرحلة نأمل أن تضمن فيها الحرية والديمقراطية حق الاختلاف في الرأي ، لأننا كذلك فإنني أود أن أؤكد بادئ ذي بدء علي أن أحدا لا يستطيع أن يزايد علي موقف الأزهر الدائم الداعم لأي حركة تحرر أو تحرير داخل مصر أو خارجها ، والأزهر لم يكن ليمسك بالعصا من الوسط كما قيل ، بل أمسك بالعصا وهو يتقلب بين خوفين ، خوف قطرة دم تراق من هؤلاء الشباب وخوف علي الوطن أن ينفرط عقده ويدخل في مجهول لا يري فيه يمين من شمال ) .

ورغم أنني كنت لا أنوي التعليق علي هذا التناقض الجسيم والتحول في المواقف وتغيير الأقنعة ، إلا أن العبارة الأخيرة للشيخ أعجبتني ، وأرغمتني علي أن أقول لفضيلته إن صحة هذه العبارة – وفقا لسياق حديثك - كالتالي : " بل أمسك بالعصا وهو يتقلب بين خوفين ، خوف في المرة الأولي أن يسقط مبارك فيسقط معه الشيخ أحمد الطيب باعتباره رجلا من رجاله ، فوقفت مع مبارك وقلت إن التظاهر حرام ولم أتطرق من قريب أو بعيد إلي كلمة الديمقراطية أو الحقوق والحريات العامة ، وخوف في المرة الثانية بعد أن تمت تنحية مبارك أن يؤدي تغير الواقع والنظام إلي إزاحتي أو الإضرار بي ، فتحولت إلي مدح شباب 25 يناير الذين وصفتهم بأسوأ الأوصاف في المرة الأولي ودعوت لهم بالهداية من الضلال ، وتطرقت إلي الثورات وحركات التحرير والتحرر والديمقراطية والحقوق والحريات لأن أبناء النظام القديم الذين أسقطتهم الثورة أصبحوا في حاجة  الآن للتمسك بهذه الحقوق والحريات التي لم يعرفوها قبل عزل مبارك ولم تكن ضمن المصطلحات التي يستخدمونها في أي حديث ".     

ننتقل بعد ذلك إلي موقف الشيخ أحمد الطيب من الانقلاب ، حيث فاجأ الشعب المصري كله بظهوره علي مسرح الانقلاب في 3/7/2013 ليدعم الانقلاب بفتوى شرعية وهو يجلس بين قيادات الانقلاب الذين طالما أعلنوا أنه " لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين " وجعلوها دينا لهم ، بينما هم يستعينون به ليؤيدهم بفتواه التي قال فيها : -

( وأشد الأمرين مرارة هو صدام الشعب المصري وسيلان دمه الذكي علي التراب ، لذلك وعملا بقانون الشرع الإسلامي القائل بأن ارتكاب أخف الضررين واجب شرعي ، وخروجا من هذا المأزق السياسي الذي وقع فيه شعب مصر بين مؤيد للنظام ومعارض لاستمراره ، وكل متمسك برأيه لا يتزحزح عنه ، لذلك كله أيدت الرأي الذي انتهي إليه المجتمعون ، وهو إجراء انتخابات رئاسية مبكرة يحتكم فيها الشعب إلي صندوق انتخاب يضمن نزاهته كل من قضاء مصر العظيم ورجال القوات المسلحة الأبطال وقوات الشرطة البواسل ، وأسأل الله سبحانه وتعالي أن يصلح بهذا الخيار وهذا الرأي وهذه الخطة بين فئتين متخاصمتين تعيشان علي أرض واحدة وتشربان من نيل واحد والسلام عليكم ورحمة الله . )

وفيما يلي أقول لشيخ الأزهر / أحمد الطيب : -

أولا : أحسبك أخطأت الطريق يا فضيلة الشيخ وخالفت القانون مخالفة جسيمة وخرجت عن اختصاصات وظيفتك ، فقد حددت المادة ( 4 ) من قانون الأزهر اختصاصات سيادتكم فقالت :

" الإمام الأكبر هو صاحب الرأي في كل ما يتصل بالشئون الدينية والمشتغلين بالقرآن وعلوم الإسلام ، وله الرياسة والتوجيه في كل ما يتصل بالدراسات الإسلامية في الأزهر وهيئاته . ويرأس المجلس الأعلى للأزهر."

إن عزل رئيس الجمهورية يا فضيلة الشيخ  ليس مما يندرج في اختصاصاتك الدينية ، ولكنه أمر ينظمه الدستور والقانون ، فالشريعة الإسلامية في ظل منظومة القانون المصري الحالية لا تحكم بشكل مباشر ، وإنما غاية الأمر أن يرجع إليها المشرع فيما يصدره من قوانين ، بحيث لا تخالف هذه القوانين مبادئ الشريعة الإسلامية الثابتة من الدين بالضرورة ، فإذا صدرت القوانين مراعية لهذا الشرط تم العمل بها فيما تنظمه من مجالات ، وعلي ذلك فإن عزل رئيس جمهورية منتخب يتم الرجوع فيه مباشرة إلي الدستور والقوانين المعمول بها ، وبالرجوع إلي دستور 2012 الذي تم الانقلاب في ظله ، نجده قد نص في مادته رقم (133) علي أن ( ينتخب رئيس الجمهورية لمدة أربع سنوات ميلادية تبدأ  من اليوم التالي لانتهاء مدة سلفه ولا يجوز إعادة انتخابه إلا لمرة واحدة ... الخ ) ، فالأصل أن يستكمل الرئيس مدته الدستورية وقدرها أربع سنوات .

أما عن عزل الرئيس قبل نهاية المدة فينحصر في حالة واحدة نصت عليها المادة (152) منه وهي حالة صدور حكم بإدانته في جناية أو جريمة الخيانة العظمي .

ثانيا : - إن رئيس الجمهورية وفقا للمادة ( 146) من دستور 2012 هو القائد الأعلى للقوات المسلحة ، ووفقا للمادة ( 147) هو الذي يعين الموظفين العسكريين ويعزلهم ومن بينهم وزير الدفاع وسائر القيادات العسكرية التي كانت تجلس بجانبك.

فكيف قبلت نفسك يا مولانا أن يقوم الأدنى بعزل الأعلى ، كيف قبلت نفسك أن يقوم رجال المجلس العسكري وهم من بين نظام قامت ضده الثورة ، أن يقوموا بعزل أول رئيس منتخب انتخابا صحيحا في تاريخ مصر ، كيف قبلت نفسك يا فضيلة الشيخ أن يقوم الموظف التنفيذي بعزل الرئيس المنتخب من ملايين من المواطنين....

ثالثا : - وحتى إذا اعتبرنا أن عزل الرئيس مسألة دينية يحق لك إبداء الرأي فيها ، فإن قانون الأزهر لم يجعل هذا الاختصاص لشخصك بحيث تفتي بما شئت ، في أي وقت شئت ، وفي أي مكان وجدت ، وفي صحبة أي أشخاص كنت ، وإنما جعل هذا من اختصاص هيئة تتكون من خمسين عالم من كبار علماء المسلمين يمثلون كل المذاهب تسمي " مجمع البحوث الإسلامية " حسبما نصت المادة (16) و (17) ، حتى يضمن المشرع ألا تتحول الفتاوى إلي عبث قد يؤدي إلي دمار البلاد وإراقة دماء العباد ، كما حدث عندما انفردت سيادتكم وأنت عضو في لجنة سياسات الحزب الوطني الذي قامت ضده الثورة ، وتُكن لكل نظام مبارك المودة والتبجيل والاحترام مما حدا بك إلي القول في بيانك الانقلابي ( قضاء مصر العظيم ورجال القوات المسلحة الأبطال وقوات الشرطة البواسل ) ، فإذا كانت كل المؤسسات بهذه الأوصاف دون استثناء ودون أخطاء ومنزهة من كل عيب ، فعلي من قامت الثورة إذن .

رابعا : - أليس من العجب العجاب يا فضيلة الشيخ أنك حين حرمت التظاهر ضد مبارك وطالبت بانصراف المعتصمين من ميدان التحرير كان مبررك هو الخوف علي إراقة الدماء ، ثم بعدها بفترة وجيزة تجعل خوفك علي إراقة الدماء سببا لفتواك بعزل الدكتور/ مرسي ، لا أدري كيف يكون الخوف علي إراقة الدماء واحدا ويترتب عليه نتيجتان ، الحفاظ علي رئيس وعزل رئيس .

خامسا : -  أليس من العجب العجاب أن تعلن في بيانك الانقلابي أنك تؤيد إجراء انتخابات رئاسية مبكرة نحتكم فيها إلي صندوق الانتخاب ، في ذات اللحظة التي تؤيد فيها عزل أول رئيس منتخب - عبر تاريخ مصر الطويل انتخابا صحيحا - من خلال الاحتكام إلي صندوق الانتخاب ، تناقض عجيب يجعل صندوق الانتخاب صالح وغير صالح للاحتكام إليه ، فهو صالح إذا أتي بمن نحب نحن المنقلبون ، وغير صالح إذا جاء بمن نكره أو بمن يهدد مصالحنا ومكتسباتنا .

سادسا : - العجيب يا مولانا أنك صنفت الأزمة علي أنها نزاع بين متخاصمين ، ومع ذلك لم تكن فتواك علي ميزان الشرع الذي نصبه الله عز وجل بقوله تعالي : -

 ) وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِين  إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ )                                  سورة الحجرات – الآيتان 9 ،  10

فهل سعيت سعيا جديا في الإصلاح ، هل فكرت مرة واحدة أن تقف إلي جوار صاحب الحق وهو الرئيس المنتخب ، الذي لم تتطرق مرة واحدة إلي شرعيته وما يترتب عليها من آثار ، رغم أنك سعيت لمساندة مبارك وصرف المتظاهرين عن ميدان التحرير ، مبارك الذي لم يكن رئيسا شرعيا في يوم من الأيام وأنت تعلم ذلك ، تعلم أن مبارك ورث الشعب المصري عن السادات بلا دخل ولا إرادة للشعب وحتى بعد انتخابه تعلم أيضا طبيعة الانتخابات وهل هي انتخابات جدية أم صورية ومع ذلك وقفت إلي جواره ، أما الدكتور مرسي فلم تقترب من شرعيته من قريب أو بعيد لأنها شرعية غير مرغوب فيها من قبل أن تأت ، إنه ليس من رجالنا .

سابعا : - إذا كنت في فتواك الداعمة لبقاء مبارك ، وفي فتواك بعزل مرسي جعلت سندك هو الخوف علي الدماء ، فأين ذهب خوفك علي الدماء يا مولانا بعد وقوع الانقلاب وتفشي القتل والاعتقال لخيرة أبناء مصر من المتعلمين والمثقفين ، ماذا فعلت لكي توقف سيل الدماء الذي جري بقانون التظاهر غير الدستوري الذي يصادر حقا مكفولا للشعب بمقتضي الشريعة الإسلامية والاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها مصر فضلا عن دستور الانقلاب .

ثامنا : - هل يحق يا فضيلة الشيخ لمجموعة من الأفراد يُعدون علي الأصابع أن يجلسوا معا ، ويتخذوا قرارا بإلغاء كافة الخطوات التي وافق عليها الشعب باستفتاءات صحيحة ، ويقوموا بإلغاء كافة المؤسسات التي انتخبها الشعب بملايين من الأصوات ، ويرسمون له خريطة طريق جديدة ، هل يتفق هذا الذي حدث يوم 3/7/2013 مع أحكام مبدأ الشورى في الإسلام أو قواعد الديمقراطية ، تلك الكلمة التي لم نسمعها منك إلا يوم أن سقط مبارك ، فما بال فضيلتكم إذا كان معظم الحاضرين من القيادات التي عينها مبارك الذي لم يكن له معيار في اختيار القيادات سوي الولاء ، والباقين من حلفاء مبارك التقليديين .

تاسعا : - ليتك يا فضيلة الشيخ اكتفيت بكل ما مضي بل رحت تعقد مؤتمرا لمكافحة الإرهاب ، تلك الحرب التي يتخذها النظام الانقلابي ذريعة للفتك بكل من فكروا يوما أن تكون في مصر ديمقراطية أو حقوق إنسان أو فكروا أن يثوروا علي ظلم الطغاة.

وإنني أدعوك أن تقرأ مقالي المنشور علي النت تحت عنوان " الحرب علي الإرهاب بين السيسي ونعوم تشومسكي " والذي عرضت فيه ترجمة لمحاضرة العالم الجليل الدكتور نعوم تشومسكي عن الحرب علي الإرهاب .

نعوم تشومسكي يا فضيلة الشيخ عالم ومفكر وفيلسوف وسياسي أمريكي الجنسية ويهودي الديانة ، مصنف في أمريكا برقم مسلسل (8) في قائمة المراجع التي يسترشد بها الشعب الأمريكي حين يضل الطريق ويقف علي مفترق طرق ، تلك القائمة التي ضمنها الشعب الأمريكي التوراة والأناجيل .

الدكتور/ نعوم تشومسكي وهو  واحد من أعظم الباحثين الأمريكيين ، بل من أعظم الباحثين  في العالم ، ورغم مكانته في أمريكا وحب الشعب الأمريكي له إلا أنه  ألزم نفسه بكلمة الحق ولو ترتب عليها إدانة دولته عالميا والإساءة إليها .

وربما كانت صراحته وحرصه علي كلمة الحق هي سبب مكانته ومحبة الشعب الأمريكي  له ، فالقيم تختلف مكانتها بحسب ثقافات الشعوب ، فالأمانة والصدق في بعض الدول ترفع صاحبها إلي عنان السماء ، وفي دول أخري تحمل صاحبها إلي السجن علي براق .

انتهي الدكتور / نعوم تشومسكي في بحثه حول ( الحرب علي الإرهاب ) إلي أن الإرهاب والحرب علي الإرهاب هما صناعة أمريكية – إسرائيلية بحتة ، وأن دولته  أمريكا  تسببت من خلال ما ارتكبته من جرائم إرهابية في قتل ملايين البشر وإصابة وتشريد ملايين آخرين ، وخلق حالة من الإرهاب المضاد أحيانا .

ورغم أنه يهودي الديانة إلا أنه بذل جهدا فائقا ليؤكد أن إسرائيل هي الشريك الأول للولايات المتحدة الأمريكية في صناعة الإرهاب الدولي وارتكاب أبشع الجرائم الإرهابية ، وأن الدولتين قد اشتركتا معا في خلق نظرية ( الحرب علي الإرهاب ) عندما وضع الرئيس الأمريكي / ريجان بالاشتراك مع رئيس الوزراء الإسرائيلي / شيمون بيريز حجر الأساس لهذه النظرية عام 1985 .

كانت البداية – علي حد قوله - بإعلان ريجان وشيمون بيريز أن الإرهاب أصل الشرور في العالم ، وأنهما أعقبا ذلك باستصدار قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة يجرم الإرهاب ويمنح الأمم المتحدة الحق في مواجهته .

ثم استعرض الدكتور نعوم تشومسكي جرائم أمريكا وإسرائيل الإرهابية ضد العديد من دول العالم مثل نيكارجوا .

ثم حدثنا تشومسكي عن تأييد أمريكا وإسرائيل لاحتلال جنوب أفريقيا وسياسة التفرقة والاضطهاد ضد أصحاب البلد الأصليين .

حدثنا عن تفجير سيارة مفخخة عام 1985 أمام أحد المساجد في بيروت بقصد قتل أحد شيوخ المسلمين والذي نجا من الحادث ومات عشرات من المصلين .

كما حدثنا عن العملية الأكبر وهي (عملية الغزو الإسرائيلي لجنوب لبنان ) عام 1982 والتي راح ضحيتها أكثر من عشرين ألف قتيل ، والتي كانت بتأييد عسكري واقتصادي من أمريكا ، وكان الفيتو الأمريكي علي قرار مجلس الأمن هو ما سمح باستمرار المذابح الإسرائيلية في لبنان .

وحدثنا عن عملية ( القبضة الحديدية ) التي قامت بها حكومة " شيمون بيريز " بقصف مناطق في جنوب لبنان عام 1985 وشملت عمليات مذابح وإبادة وخطف أعداد كبيرة من المواطنين واعتقالهم في سجون إسرائيل .

وحدثنا عن عملية ( قصف إسرائيل لتونس )التي قتل فيها خمسة وسبعون مدنيا بالقنابل الذكية بمساعدة أمريكا .

كما حدثنا عن واقعة قيام الطيران الإسرائيلي بتخطيط ومساعدة أمريكية بقصف قرية في لبنان وقتل 50 شخصا مدنيا عام 1975 ، دون تقديم أي تبرير لهذا العمل  الذي لم تكن له دوافع معلنة سبقته .

كما حدثنا عن العديد من الحالات التي استخدمت فيها أمريكا حق الفيتو لعرقلة حل القضية الفلسطينية .

كما حدثنا عن مذبحة ( مذبحة قانا ) بجنوب لبنان التي راح ضحيتها مئات اللاجئين في معسكرات الأمم المتحدة عام 1996 .

كما حدثنا عما فعلته إسرائيل ضد الانتفاضة الفلسطينية عام 2000 موضحا أن إدارة الرئيس بوش دعمت الإرهاب عن طريق عقد صفقة هي الأكبر في تاريخ البلدين بمنح إسرائيل طائرات هليكوبتر الأباتشي الهجومية مع قطع الغيار اللازمة لها ، والتي تم إرسالها لإسرائيل قبل بدء الانتفاضة بأسبوعين ، مؤكدا أن هذا يعد دعما حقيقيا للإرهاب ، حيث تم استخدامها في قتل وإصابة المدنيين الفلسطينيين ومهاجمة المجمعات السكنية ، واشتركت الصحافة الأمريكية في الأمر بالتغطية عليه ورفض النشر .

وحدثنا عن رفض أمريكا لتطبيق " اتفاقية جنيف " علي فلسطين حتى لا يستفيد الفلسطينيون من مزاياها .

وحدثنا عن إرهاب أمريكا عقب أحداث 11 سبتمبر حين قامت بالاعتداء علي أفغانستان بالمخالفة لأحكام القانون الدولي .

وحدثنا عن قيام أمريكا بتشكيل لوبي دولي بذريعة مواجهة الإرهاب في العالم يضم كل من تايوان وبريطانيا والأرجنتين ودول أخري غير معلنة ، بينما الحقيقة هي القضاء علي أي دولة تعرقل مصالحهم .

هذه مجرد عناوين ولمن أراد أن يقرأ أهوال الإرهاب الأمريكي الإسرائيلي أن يقرأ هذه المحاضرة في مقالي بعنوان  الحرب علي الإرهاب بين السيسي ونعوم تشومسكي المنشور علي النت ، لدرجة أن تشومسكي يعتبر أن العمليات الإرهابية ضد أمريكا وإسرائيل وحلفائهم هي مجرد ردود فعل علي الإرهاب الأمريكي الإسرائيلي .

ماذا يمكن أن نقول يا فضيلة الشيخ عن الفارق بين ما فعلته فضيلتكم حين عقدت مؤتمرا تدعم به الحرب العالمية علي الإرهاب وما فعله الدكتور/ نعوم تشومسكي اليهودي الأمريكي حين نشر محاضرة في العالم كله تحذر من الوقوع في براثن وشباك الإرهابيين الحقيقيين أمريكا وإسرائيل .

عاشرا : - إن سلسلة خطواتك غير الموفقة يا فضيلة الشيخ أزهقت آلاف الأرواح البريئة وألقت آلاف الأبرياء في السجون ، وأنت مستريح البال مطمئن النفس ، وكل يوم تفكر في خطوة جديدة تؤيد بها الحرب الوهمية علي الإرهاب .

وليس الأمر في الحقيقة سوي إيجاد تبرير لاستمرار الطغاة الذين تورطت في تأييدهم وهم لا يملكون فكرا ولا مبررا لاستمرارهم سوي هذا الزيف المختلق والذي هو في الأصل بضاعة أمريكية وليس بضاعتنا ، بضاعة أمريكية مسمومة هدفها القضاء علينا .

لقد كانت البلاد هادئة يا فضيلة الشيخ قبل الانقلاب وما كان يحدث من حوادث إرهابية في سيناء كان لا يذكر ، ولم يكن في حاجة إلي انقلاب وخراب ودمار للقضاء عليه ، إنها ذريعة حتى يستمر من يحكمون البلاد في حكمها وجميعنا نعلم ذلك ، من أيد لما حدث ومن عارض .

لن أخفي عليك يا فضيلة الشيخ أنني وآلاف مثلي دعونا عليك وعلي كل من شارك في هذه المسرحية دعاءا من القلب ، فقد كنت أنا في سجن شديد القسوة لا أخرج من الغرفة وأظل منفردا ومتهما في قضية بعشرات الاتهامات ، كل منها تمثل جناية ، وأنا لست إرهابيا ، أنا محامي بالنقض وباحث دكتوراه بجامعة القاهرة في رسالة من ثمانمائة صفحة عنوانها " الرقابة علي الإعلام المرئي والمسموع " كنت علي وشك مناقشتها قبل دخولي إلي السجن .

كنت نائبا مرتين في البرلمان عن محافظة أسوان ، وفي المجلس الأخير كنت وكيلا للجنة الشئون الدستورية والتشريعية ، وقدمت عدة مشروعات قوانين إصلاحية صدر منهم اثنان ، قانون إلغاء محاكمة المدنيين عسكريا ، وقانون ضمانات نزاهة الانتخابات الرئاسية .

أعددت للشيخ الشعراوي رحمه الله عز وجل جزأين من سلسلة أسماء الله الحسني .

ثم فجأة ونتيجة للانقلاب الذي كنت أنت أهم أعمدته وجدت نفسي في السجن عن جرائم وقعت في أماكن لم أذهب إليها من قبل .

وفوجئت بأن أخي أحمد العمدة محامي بنك التنمية والإتمان الزراعي بأسوان الذي ظل طوال مدة بقائي في المجلس يخدم الناس ويتنقل بين المستشفيات والجنازات وأقسام الشرطة والمصالحات حتى أصبح ينفق علي أسرته بمشقة ، فوجئت بهم يزجوا به في إحدى الجنايات بأسوان رغم أنه قدم للنيابة محضر جلسة رسمي يفيد أنه في يوم الواقعة المزعومة كان حاضرا جلسة التحقيق معي بسجن العقرب بالقاهرة ، ومع ذلك حبسته النيابة ثم قدمته للمحاكمة ، ولازال محبوسا من عام وأربعة أشهر دون أن يتخذ في الجناية أي إجراء أمام المحكمة .

وفوجئت بأمي تصاب بالعديد من الأمراض بعد أن تم سجن ابنيها الوحيدين بعد أن كانت فخورة بأنها أحسنت التربية ، وابن أخي الطفل الصغير ساءت حالته الصحية و النفسية بسبب غياب والده فجأة بعد أن كان لا يتركه معظم الوقت .

هذه بعض أوجه المعاناة ، أنا لم أحدث سيادتكم عن المشاكل المالية التي عانيناها ، حين يتردد الأهل علي أخي في سجن قنا ، ويترددوا علي في سجن بالقاهرة .

كم شخص مثلي يا فضيلة الشيخ عاني ما عانيته ، وكم أسرة عانت ما عانته أسرتي ، ناهيك عن أسر الشهداء .

الشئ الوحيد الذي يطمئن قلوبنا يا فضيلة الشيخ أنك ستلقي الله وأنت تحمل علي كاهلك ما فعلته بنا وبمصر .

أما وبصفتي صعيدي فإنني أدعو الله عز جل ألا تضيع جهود أبناء الصعيد هباء منثورا ، وأن تتكلل جهودهم وتضحياتهم بالنجاح ، وأن تشرق علي مصر شمس التغيير والإصلاح و الحرية والكرامة الإنسانية .

                                              محمد العمدة

                   وكيل لجنة الشئون الدستورية والتشريعية  ببرلمان الثورة