الاثنين، 4 يناير 2016

العسكر وإهدار ثروات مصر البترولية . ( 15 )

 
المستشار / هشام جنينة رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات
(( تقرير المركز المصري للشفافية منظومة الطاقة فاسدة ومديونية القطاع تجاوزت 140 مليار جنيه .))
نشر موقع البديل بتاريخ 2014/1/28 تقريرا بعنوان " تقارير المحاسبات تكشف حجم مديونيات قطاع البترول وسيطرة الشريك الأجنبي " جاء فيه :
 - 7,5 مليار دولار مديونية هيئة البترول للشركات الأجنبية .
- أموال دعم قطاع البترول تذهب في رواتب العاملين ومكافآت وحوافز مجالس إدارتها .
- 140 مليار جنيه مديونية الهيئة العامة للبترول تضمنت 50 مليار قيمة قروض وتسهيلات بنكية .
- " الهيئة " تضطر إلى الإقتراض من الخارج لسداد أقساط ومستحقات عليها من أعوام ماضية .
- كشف المركز المصري للشفافية والنزاهة ومكافحة الفساد ، في تقرير أعده عن أسباب أزمة نقص البوتاجاز في مصر، مستنداً إلى التقارير الصادرة عن الجهاز المركزي للمحاسبات عامي 2011/2010 ، و2012/2011؛ بسبب نقص الحصص المخصصة لكل محافظة بما يزيد على 30% من الحصص المقررة لكل محافظة.
وتحت عنوان “منظومة الفساد وسوء الإدارة” قال التقرير إن سبب الأزمة يعود إلى نقص التمويل بالنقد الأجنبي ؛ لسداد مستحقات الشركات الأجنبية ، حيث وصلت مديونية هيئة البترول إلى ما يزيد على 7,0 مليار دولار للشركات الأجنبية ؛ مما أدى إلى توقفها عن تنمية حقول الغاز، وهو ما أثر على معدلات الإنتاج.
وقال التقرير إنه في هذا الشأن يجب الإشارة إلى أن إنتاج مصر من الغاز حوالي 2,4 مليون طن ، على حين أن الاستهلاك المحلي يتجاوز 4,5 مليون طن ، وبالتالي تستورد مصر حوالي 45% من احتياجاتها من البوتاجاز من الشريك الأجنبي ومن الخارج لسد احتياجات البلاد.
وذكر التقرير أنه نتيجة لتزايد مديونية الهيئة العامة للبترول للبنوك المحلية وتحفظ هذه البنوك في منحها المزيد من القروض بالنقد الأجنبي اللازم لاستيراد حاجة البلاد من الغاز والبوتاجاز ، ولرغبة البنك المركزي في عدم التضحية بالاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية البالغ حاليًّا 18,50 مليار دولار؛ حتى لا يتعرض التصنيف الائتماني لمصر للتخفيض من مؤسسات التصنيف الدولية ، خاصة أن هذا التصنيف قد تعرَّضَ للتخفيض 6 مرات منذ ثورة 25 يناير 2011 مع رغبة البنك المركزي في استعادة ثقة الأسواق الدولية فى الاقتصاد المصرى.
إلا أن هذه السياسة – حسب التقرير – قد ترتَّبَ عليها الكثير من الأزمات آخرها أزمة البوتاجاز الحالية ، والتي يعاني منها الكثير من أفراد الشعب المصري ، والتي تفوق فى أخطارها المكاسب المحققة من الاحتفاظ أو حتى رفع التصنيف الانتمائي من قِبَل مؤسسات التصنيف الدولية.
وأكد التقرير أن الأزمة تتفاقم في إدارة ملف الطاقة ، حيث وصل دعم المنتجات البترولية إلى 129.5 مليار جنيه خلال العام المالي 2012/2013، مقابل 115,00 مليار جنيه عام 2011/2012، بلغ حجم دعم البوتاجاز هذا العام ما يزيد على 22 مليار جنيه مقابل 57 مليار جنيه دعماً للسولار، والباقي موزع على كل من المازوت والبنزين وغيرهما من المشتقات البترولية ، ويمثل دعم المنتجات البترولية ما يقرب من ربع استخدامات الموازنة العامة للدولة. والأمر يحتاج لإعادة هيكلة هذا الدعم لصالح المواطن على حساب الفئات الغنية فى المجتمع.
فساد منظومة الطاقة:
وقال التقرير إنه ضمن أسباب تفاقم أزمة البتوجاز أن هناك فسادًا في منظومة الطاقة فى مصر لا يقابلها فساد بهذه القوة فى أى دولة أخرى فى العالم ، حيث إن قطاع البترول يحكمه كم هائل من الشركات والقوانين تعوق أعماله أكثر مما تديره ، مشيراً إلى أن  قطاع البترول يتكون من وزارة للبترول التي تشرف على الهيئة المصرية العامة للبترول والتي يتبعها عدد 3 شركات قابضة و12 شركة تابعة لقطاع أعمال عام وعدد 70 شركة اقتسام إنتاج و11 مشروعًا للغاز و20 شركة للخدمات البترولية وشركة واحدة لأنابيب البترول.
وأوضح أن هذا القطاع يحكمه 6 قوانين تتمثل فى القانون رقم 20 لسنة 1976 بشأن إنشاء الهيئة المصرية العامة للبترول والقانون رقم 203 لسنة 1991 بشأن شركات قطاع الأعمال العام والقانون رقم 8 لسنة 1997 بشأن ضمانات وحوافز الاستثمار والقانون رقم 167 لسنة 1958 والقانون رقم 66 لسنة 1953 والقانون رقم 86 لسنة 1956 الخاص بالمناجم والمحاجر.
وفى مقابل هذا الكم من الشركات داخل قطاع البترول فى مصر، نجد أن دولة مثل قطر تتحكم فى أكثر من 14% من الإنتاج العالمي للمنتجات البترولية لا يوجد بها إلا شركة واحدة لإنتاج البترول تتبعها شركة أخرى تقوم بالتسويق الخارجي ويحكم المنظومة قانون واحد، كذلك الحال فى السعودية.
ترتب على هذا الكم من الشركات فى مصر إهدار الكثير من أموال البترول التي تنفق على مستلزمات واحتياجات هذه الشركات ورواتب العاملين بها ومكافآت وحوافز مجالس إدارتها ، بالإضافة إلى عدم تحديد المسئوليات وازدواجها نتيجة تعددها داخل أروقة هذا القطاع الضخم فى هياكله الإدارية ، بل وتفتتها فى مواجهة الشركات الأجنبية ؛ مما يضعف قدرتها على التفاوض.
وكشف التقرير عن تزايد مديونية الهيئة من عام لآخر والتي بلغت ما يزيد على 140 مليار جنيه عام 2012/2013، تضمنت ما يزيد على 50,000 مليار جنيه قيمة تسهيلات وقروض بنكية تسدد الهيئة عنها ما يزيد على 2.5 مليار جنيه فوائد سنويًّا، وذلك بالإضافة لمديونية الهيئة طرف الشركات الأجنبية البالغة ما يزيد على 7,0 مليار دولار هذا العام.
ونتج عن ضعف السيولة لدى هيئة البترول استمرار الهيئة فى اللجوء إلى مصادر تمويل خارجية لسداد التزاماتها ، لوحظ خلالها استخدام جانب من هذه القروض فى سداد بعض الأقساط المستحقة لقروض تم الحصول عليها خلال الأعوام السابقة.
يتم عمل حوالة لجزء من المديونية المستحقة طرف قطاع البترول للبنوك يصل إلى ما يزيد على 2,5 مليار جنيه سنويًّا ، تحصل الهيئة بموجبها على القيمة الحالية لذلك المبلغ تصل إلى 1,8 مليار جنيه فقط ، وتتحمل الهيئة الفارق وقدره حوالي 700,00 مليون جنيه سنويًّا ، يستفيد بها البنوك على حساب الهيئة ، وذلك مقابل أن تلتزم الشركة القابضة للكهرباء بسداد مبلغ ثابت شهريًّا قدره 200,00 مليون جنيه لهذه البنوك.
فساد منظومة الشراكة مع شركات اقتسام الانتاج:
وقال التقرير إنه في ظل غياب استراتجية متكاملة للطاقة في مصر ترتب عليها ومنذ سنوات طويلة إبرام مصر مع الشركاء الأجانب اتفاقيات تصدير بقانون للبحث عن البترول والغاز. بمقتضى هذه الاتفاقيات يقوم الشريك الأجنبي بالإنفاق على عمليات الاستكشاف والبحث والتنقيب ، وفي حالة عدم اكتشافه خلال العقد ، لا يسترد ما ينفقه ،  وإذا ما تم الاكتشاف التجاري فإنه يسترد نسبة من الإنتاج الكلي (حوالي من 35% إلى 40%) مقابل نفقاته تقوم بالدولار يستمر حصوله عليها سنويًّا حتى يكتمل السداد ، أما ما تبقى بعد حصة سداد النفقات ، فإن الشريك الأجنبي يحصل على نسبة إضافية مقدرة بـ 25%؛ مما تبقى بعد حصة استرداد النفقات [حوالي 15% من الانتاج الكلي] ثم تحصل مصر على ما يتبقى ، أي حوالي أقل من 50% فقط من الإنتاج تقريباً ، ( نلاحظ هنا أن التقرير لم يشر إلي تعديلات إتفاقيات التنقيب والإستخراج التي تمت عام 2010 وبمقتضاها لم يعد لمصر حصة من إنتاجها والذي يستولي عليه الشريك الأجنبي بالكامل لقوم مصر بشراء بترولها وغازها كما لو كانت تستورده من الخارج وبأسعار أعلي من الأسعار العالمية ).
ونتيجة ذلك – حسب التقرير – من خلال هذه الاتفاقيات المجحفة في حق مصر وفي غياب استراتجية متكاملة للطاقة وفي ضوء هذا الكم من الشركات في قطاع البترول وهذه الغابة من القوانين وما ينفق كذلك من أجور ومكافآت وبدلات وحوافز للادارة بهذه الشركات أصبحت مصر مستورداً للبترول والغاز ، حيث أصبح استهلاكها المحلي يتجاوز نصيبها من الإنتاج الكلي ؛ مما أدى إلى لجوئها لتغطية هذا العجز بالشراء من نصيب الشريك الأجنبي بالعملة الأجنبية وبالأسعار العالمية وقت الشراء ، ترتب على ذلك تراكم الديون المستحقة للشركات الأجنبية ، ودفعها للتهديد بالتوقف عن تنمية الحقول المكتشفة ما لم تحصل علي مستحقاتها ، فأصبحت دولة داخل الدولة.
وأضاف التقرير أنه رغم قيام مصر بتصدير الغاز بأسعار متدنية ، فإن عقود التصدير طويلة الأجل لا تتضمن نصًّا يجيز لها تعديلها مع التغييرات السعرية التي تطرأ على أسواق الغاز ، في حين أن دولة قطر يتضمن عقود تصديرها للغاز نصًّا يتيح لها تحويل الشحنة المتجهة للمستورد إلى جهة أخرى يرتفع السعر فيها دون أن تلتزم بالتصدير بالسعر التعاقدي الأقل.
المزايا التي يتحصلها الشريك الأجنبي:
بالإضافة للاتفاقيات المبرمة مع الشريك الأجنبي والمجحفة في حق مصر ، فإن الشريك يتمتع أيضًا بمزايا يخجل القلم من ذكرها ، ولا توجد في أية دولة أخرى ، حيث لا يتحمل الشريك الأجنبي الإتاوة التي هي حق الدولة مقابل نضوب الحقول بصرف النظر عن المكسب والخسارة.
كما لا يتحمل الشريك الأجنبي أية ضرائب عن أعماله في مصر وإنما تتحمل الهيئة المصرية العامة للبترول هذه الضرائب نيابة عنه ، ويزيد علي ذلك قيام هذه الهيئة بإعطائه شهادة سنوية تعفيه من الخضوع للضرائب بدولته الأجنبية ، وهو ما يعني إعفاءه من الضرائب بالدولتين.
ولا يتحمل الشريك الأجنبي أية جمارك ويعفى منها على جميع وارداته من الخارج ، وهي تمثل الجانب الأكبر من النفقات ، كما يعفي من عدد كبير من القوانين التي تحكم أنشطة الشركات الأخرى غير البترولية ، كما استفادت هذه الشركات الأجنبية بالعمالة المصرية المدربة وبخطوط الاتصالات والطرق في مصر دون أن ينعكس ذلك على الجانب المصري في تعاقداته مع تلك الشركات.
بالإضافة إلى ما سبق فإن العقود المبرمة لا تتضمن العقود المبرمة مع الشريك الأجنبي أي نصوص تتعلق بالمتغيرات السعرية خلال العقد طويل الأجل (من 25 إلى 30 سنة تقريباً) ، وبالتالي لا يتم تعديل هذه العقود في حالة ارتفاع الأسعار العالمية ، وبذلك ينفرد الشريك الأجنبي بالأرباح الاستثنائية نتيجة ارتفاع الأسعار عالميًّا وعدم قدرة الحكومة المصرية علي مقاسمته هذه الأرباح نتيجه مخالفة المبادئ القانونية المستقرة في هذا المجال والتي تحكم هذه العقود طويلة الأجل والتي تتضمن ضرورة تعديل العقود لإعادة التوازن بين طرفي العقد للاستفادة من المتغيرات السعرية التي تتزايد من عام لآخر ، في حين نجد دولة مثل الجزائر تفرض ضرائب على الأرباح الاستثنائية للشركات الأجنبية علي أراضيها.
يزيد على انفراد الشريك الأجنبي بالأرباح الاسستثائية قيامه بالحصول علي ثمن تغطية العجز في احتياجات مصر من البترول والغاز بالسعر العالمي متضمناً الأرباح الاستثنائية وبالعملة الأجنبية ، وليس بالسعر المطبق بالعقد المبرم بين الطرفين وقت التوقيع عليه.
وبهذا أصبحت خسارة مصر خسارتين ، خسارة في عدم حصولها على نصيب من الأرباح الاستثنائية التي ينفرد بها الشريك الأجنبي وخسارة في سداد التزامها فيما تحصل عليه مقابل ما تشتريه من هذا الشريك لتغطية استهلاكها المحلي بالسعر العالمي وليس سعر التعاقد.
وفي ضوء ما تقدم قال التقرير إنه من المتوقع أن يتكرر سيناريو أزمة البوتجاز في السوق المحلية وتهرب المسئولين من المسئولية وتحكم الشركات الأجنبية في مصير البلاد عاماً بعد عام ، كما نتوقع أن تتكرر أزمات في كل البنزين والسولار والغاز الطبيعي مرات ومرات في ضوء سياسة متخبطة في المنتجات البترولية وعدم وجود رؤية أو خطة استراتيجية متكاملة تحكم الطاقة في مصر وقت أن يتوقف فيه الدعم العربي في هذا الشأن والذي تم الرهان عليه في حل أزمة البوتجاز خلال الفترة الحالية وخسرنا الرهان .

وكيل لجنة الشئون الدستورية والتشريعية ببرلمان الثورة .

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق